الطيب مصطفى لم يستوعب التاريخ و لم يفقه الجغرافيا

الطيب مصطفى لم يستوعب التاريخ و لم يفقه الجغرافيا


09-06-2014, 07:59 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1409986776&rn=0


Post: #1
Title: الطيب مصطفى لم يستوعب التاريخ و لم يفقه الجغرافيا
Author: د. عمر بادي
Date: 09-06-2014, 07:59 AM

بقلم :
mailto:[email protected]@yahoo.com د. عمر بادي
عمود : محور اللقيا
كنت قد كتبت مقالة في يوم 28/05/2011 بعنوان ( أتى زمان الرويبضة ) , و كانت المقالة عبارة عن عرض لكتاب ( نهاية العالم ) للدكتور محمد بن عبد الرحمن العريفي أستاذ العقيدة و الأديان المعاصرة في جامعة الملك سعود بالرياض و خطيب جامع البواردي و عضو الهيئة العليا للإعلام الإسلامي . لقد تحدث الكاتب فيه عن أشراط ( علامات ) الساعة ( القيامة ) الصغرى و الكبرى كما وردت في القرآن الكريم و السنة النبوية مع مصاحبة الصور و الخرائط التوضيحية , و ذكرت أن الكتاب يقوي من إيمان المسلم و يزيده ثقافة و يؤكد على صدق رسالة نبينا الكريم محمد بن عبد الله عليه أفضل السلام و التسليم , الذي ارتضى الله له علم الغيب فقال عز و جل في سورة الجن : ( عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا , إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه و من خلفه رصدا ) .
لقد قدمت عرضا لأشراط الساعة الصغرى و الكبرى كما أوردها الكاتب , و همني ما ذكره عن ظهور المهدي فقد ذكر أن إسمه محمد بن عبد الله العلوي الحسني من ذرية الحسن بن علي و سوف يخرج من مكة المكرمة و سوف يملأ الأرض عدلا بعد أن ملئت جورا , ثم أورد الكاتب أسماء بعض الذين إدعوا المهدية و من ضمنهم أورد إسم محمد أحمد بن عبد الله السوداني المعروف عندنا بمحمد أحمد المهدي و أورد أنه كان قد زعم أن من شك في مهديته فقد كفر بالله و رسوله , و لكن كان له فضل في محاربة الإنجليز كما كان زاهدا .
لقد ذكرت في نهاية مقالتي تلك أن بعض علامات الساعة الصغرى قد بدأت بالظهور عندنا في بلاد السودان منذ العقدين الماضيين , و هي : موت الفجأة , و تطاول الحفاة العراة رعاء الشاء بالبنيان , و إكتساب المال باللسان و التباهي بالكلام , و تخوين الأمين و إئتمان الخائن , و إكرام الرجل إتقاء شره , و إمارة السفهاء , و ظهور رجال ظلمة يضربون الناس بالسياط , و أن يكون زعيم القوم أرذلهم , و أن ينطق الرويبضة ... و قد سؤل الرسول الكريم عن أمر الرويبضة فقال إنه السفيه يتكلم في أمر العامة !
لقد ذكرت في الفقرة الأخيرة من مقالتي تلك أن رسول الله قد صدق في ما قال , فإنه في آخر الزمان و كعلامة لدنو الساعة يرتفع الأسافل من الناس على خيارهم فيكون أمر الناس بيد سفهائهم و أراذلهم , و تكون الفاظهم دالة على رذالتهم فتكون أشد نتانة من (نتنياهو ) نفسه ! اللهم إجعل خير أعمالنا خواتمها و خير أيامنا يوم لقائك يا ذا الجلال و الإكرام .
ذكرت ذلك و في نفسي شيء من ( إياك أعني و أسمعي يا جارة ) و قمت بنشر مقالتي تلك في مواقع عدة . كان رد فعل السيد الطيب مصطفى و الذي كان من ضمن ( الجارات ) اللاتي عنيتهن أن رمى بدائه ياسر عرمان و انسل , كما يقول المثل العربي ( رمتني بدائها و انسلت ) ! فأطلق إسم ( الرويبضة ) على السيد ياسر عرمان القيادي المعروف في الحركة الشعبية – قطاع الشمال ! حقا إن ( الإختشوا ماتوا ) !
السيد الطيب مصطفى ظهر إجتماعيا في فترة الديموقراطية الثالثة في دولة الإمارات العربية المتحدة التي كان مغتربا فيها و عمل بشهادته كفني لاسلكي و أنا هنا لست ضد التعليم التقني لأنني اعي أهميته في تشكيل هرم التواجد التكنولوجي في أي بلد في العالم و لكنني اقصد المستوى الذهني و إتساع الأفق و توقع ال########م بعيون زرقاء اليمامة . كانت له مواقف مصادمة في صراعات النادي السوداني في أبو ظبي و في الإنتخابات , و عندما جاء انقلاب الإنقاذ عاد الطيب مصطفى إلى السودان كخال رئاسي و تقلد مسؤولية البوق الإعلامي مديرا عاما للإذاعة و التليفزيون و شرع في توطيد أركان المشروع الحضاري مستعينا بالتجربة الإيرانية و بسياسة التمكين التي أحالت كفاءات عدة إلى الصالح العام , و تركت المتبقين يتباكون على الهواء نفيا لمواقف مناوئة الصقت بهم ثم يقرأون القرارات الرئاسية الجائرة في نشرات الأخبار بكل تضخيم في نبرات الصوت ! زيادة على ذلك كان البث في الإذاعة و التليفزيون محصورا فقط في الخطب السياسية و الجهادية و في الأناشيد الوطنية و الجهادية و الدينية , و تم إيقاف الأغاني العاطفية و إيقاف تسجيل الأغاني الجديدة , و نتيجة لذلك نشأ جيل من الشباب و هو في إنقطاع تام عن الإرث الفني الغنائي في عهوده الذهبية , و النتيجة نحسها حاليا في هبوط مستوى أغاني الشباب . كل ذلك كان في عهد الطيب مصطفى غير الذهبي في الإذاعة و التليفزيون .
بعد ذلك عمل الخال الرئاسي في بلاط صاحبة الجلالة الصحافة لكنه لم يلتزم بمهنيتها , بل أسس صحيفة ( الإنتباهة ) لتكون عصاة لتثبيت دوران ترس الوحدة الوطنية , فأخذت على عاتقها مهمة إفشال إتفاقية نيفاشا حتى تصل في نهايتها إلى إنفصال الجنوب و ذلك بالتركيز على التباينات العرقية و الثقافية و الثيوقراطية بين مكونات الأمة السودانية , في سعي بغيض لتفضيل العنصر العربي على بقية العناصر الأخرى بدون أية دراية بالتاريخ و لا بالجغرافيا ! الطيب مصطفى الذي أتى مع جماعته حاملا لواء الدين الإسلامي لم يدر أن العروبة و الإسلام وجهان لعملة واحدة و أن الإسلام قد غطى بمظلته السامية العرب و غير العرب في السودان دون فرز بينهم , و أن التسامح الديني في السودان كان يحتم تعايش أصحاب الديانات المختلفة في تآخ و توادد و تقارب يصعّب من التفريق بينهم , فالإسلام في السودان كما في جنوب شرق آسيا و في أوربا و أمريكا , قد إنتشر بالحكمة و الموعظة الحسنة و القدوة الحسنة و الإطلاع , و قد تفهم ذلك دعاة الإسلام من شيوخ الطرق الصوفية و التجار و المهاجرين المسالمين .
ما دور الطيب مصطفى في الدعوة إلى الإسلام , و هو صاحب الصحف الإعلامية و صاحب منبر السلام العادل ؟ للأسف فإن دوره كان و لا زال منفرا من الإسلام ناهيك عن إدخال مسلمين جدد , و لم يفكر في مآل مسلمي الجنوب بعد الإنفصال , خاصة و أنه لم يقدم لهم شيئا قبل الإنفصال ! لقد ذبح ثورا ( اسودا ) عند إعلان إنفصال الجنوب , يا لها من عنصرية بغيضة , و أيد الحرب بين السودان و جنوب السودان و عارض الحريات الأربعة و أشاع أن الجنوب يعيش عالة على الشمال , حتى ظهرت بعد ذلك تداعيات إنفصال الجنوب في فقد عائدات النفط و الضائقات الإقتصادية . لقد قلنا ربما يراجع الطيب مصطفى نفسه في وقفة مع الذات , و في تأييده الأخير لوثيقة باريس اتخذ الرجل موقفا إيجابيا , و قد تكاثر عليه الصحفيون و الصحفيات لسبر غوره بل و صار سيدا للمنابر , فماذا كان يمور في غوره ؟ كان الطيب مصطفى مستاءا من إيقاف صحيفته الجديدة ( الصيحة ) و آثر أن ينحاز بمنبر السلام العادل إلى مجموعة السبعة الممثلة لأحزاب المعارضة الموافقة على الحوار الوطني , فإنه لم ير في إعلان باريس سوى الموافقة المبدئية على الحوار و التحول السلمي و وقف العدائيات , و لكنه يريده تحولا بدون سودان جديد و بدون التقاء بين بني ( علمان ) و بني ( سلمان ) و بدون فصل للدين عن السياسة و بدون المساس بثوابت الحكم بالشريعة !
السودان من الدول القائمة على التنوع , و قد تم تدريسنا ذلك في مقرر الجغرافيا في المدارس الثانوية , شأنه في ذلك كشأن الولايات المتحدة الأمريكية و جنوب أفريقيا و حديثا دولة ماليزيا . الدولة القائمة على التنوع تتعدد أعراق سكانها و سحناتهم و بالتالي تتعدد اللغات بها و ثقافاتها , و يتعدد مناخها و بالتالي تتعدد سبل كسب عيش مواطنيها , و يتعدد إنتاجها , و كل ذلك التنوع لا تظهر إيجابيته إلا في ظل مواثيق و قوانين يرتضيها السكان و يتعايشون بموجبها في جو حر ديموقراطي . غير ذلك سوف يكون الشعور بالغبن و الإقصاء و التهميش و سوف تعم الخلافات . لقد أعجبتني الكلمات التي ترددها ملكة بريطانيا اليزابيث الثانية في إحتفالات أعياد ميلادها أمام شعبها , كانت تنظر إليهم و هي معجبة بتنوعهم النامي الجميل الذي تشبهه بجمال الفسيفساء أو الموزاييك ! هذا نفس الشعور الذي أحس به أجدادنا و إرتضوه في السودان .
أخيرا أكرر و أقول : إن الحل لكل مشاكل السودان السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية يكون في العودة إلى مكون السودان القديم و هو التعايش السلمي بين العروبة و الأفريقانية و التمازج بينهما في سبيل تنمية الموارد و العيش سويا دون إكراه أو تعالٍ أو عنصرية . قبل ألف عام كانت في السودان ثلاث ممالك افريقية في قمة التحضر , و طيلة ألف عام توافد المهاجرون العرب إلى الأراضي السودانية ناشرين رسالتهم الإسلامية و متمسكين بأنبل القيم , فكان الإحترام المتبادل هو ديدن التعامل بين العنصرين العربي و الأفريقاني . إن العودة إلى المكون السوداني القديم تتطلب تغييرا جذريا في المفاهيم و في الرؤى المستحدثة و في الوجوه الكالحة التي ملها الناس !