حتى غنمنا ما هينات..في المهجر

حتى غنمنا ما هينات..في المهجر


08-02-2014, 09:57 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1406969822&rn=0


Post: #1
Title: حتى غنمنا ما هينات..في المهجر
Author: سيف اليزل سعد عمر
Date: 08-02-2014, 09:57 AM

قبل سِنيين عديدة كُنت جالساً قُبيل الغروب علي عتبة الأوضة في حي دردق في ودمدنى أراقب شقيقتي الصغري زهرة وهي تكنس الحوش بطريقة "زِق زاق" جميلة ومرتبة. كان عمرها لا يتعدي الثلاثة عشر عاماً وهي تدندن بإحدي الإغنيات مما يدل علي رواقة مزاجها. في اللحظة التى إنتهت من مهمتها وهي واقفة تنظر لما أنجزته من نظافة ممسكة بالمُقشاشة بيدها اليمنى، دخلنْ غنم البيت بعد رُجوعن من المرعي علي أطراف غابة أُم بارونة. وبمجرد دخول الغنم من باب البيت في طريقهم للزريبة في زُقاق صغير خلف الحُوش بدأن في التبعُر ليملأ بَعَر الغنم الحوش الذي إنتهت من كنسِهِ قبل أقل من نصف دقيقة.

- بالله شوف الغنم ديل!!؟؟ الحوش ده أنا حسع ما كنستُو ونضفتو!!

جدعتْ المقشاشة وهجمتْ علي الغنم من الغضب. مسكتْ واحدة من الغنم من رقبتها وهي تتمتِم وتلعن في اليوم الجاب الغنم زاتُم البيت ده. وضعتْ يدها اليمنى حول رقبة الغنماية وأرخت جسدها في حركة لم أشاهدها إلا في حلقات المصارعة وبعصبية عجيبة عضتْ الغنماية في أسفل أُذنِها....

- ااااااحححي أنا مِنِّك...
تفاجأت الغنماية من هذا الهُجوم العدوانى وصرخت بأعلي صوتها ونططت عينيها طالبة الإستغاثة..ميييييييع
- يا بِت!! زهرة ده شنو!!!؟؟ إنتى مجنونة ولا شنو؟؟؟ الغنماية سوت ليك شنو؟؟ فِكّيها!!
-
خلّصت الغنماية من بين يديها وأسنانها وهدأت من غضبِها..
مسحتْ بيدها علي لِسانها للتخلص من صوف الغنماية وهي تسب وتلعن في الغنم..وهي ترجف من الزعل..

غنمنا كانوا مصدر اللبن لشاي المغرب وشاي الصباح..

عندما كبرت زهرة وتخرجت من جامعة الجزيرة عرفت تماما أهمية الغنماية السودانية، لكنها لم تنسي فعلتها تلك في الغنماية المسكينة..

الدكتورة زهرة اليوم مستشارة كبيرة في وقاية وإنتاج القمح في وسط وجنوب السويد ولها مجموعة من الحيوانات الأليفة لكن ليس من بينهم غنماية واحدة لأسباب تاريخية وعملية.

رجعتْ من رحلة علمية لدولة المغرب قبل سنوات وتغيّير مفهُومِها تجاه الغنماية السودانية.
- تعرف يا سيف أنا إكتشفت إنو غنمنا ديل مهذبات ومحترمات ومنهن فائدة كبيرة، لبن ولحم وصوف وقروش. الغنم المغربيات تلقاها طالعة فوق الشدرة وتبربح في الصفق ومعصصات وسغار. بري غنمنا ما كدي..

تسبب الرعي الجائر في دمار الكثير من الأراضي الزراعية الصومالية والتنزانية. فهو يتسبب في إزالة الغطاء النباتى ليترك التربة للتعرية بواسطة مياه الأمطار والرياح. يؤدي ذلك لتكوين تشكيلات من التربة فيما يعرف بالأخاديد وهي تربة غير منتجة. رغم إنها قد تكون أشكال جميلة للبعض إلا أنها مخيفة بالنسبة لي وللمهتمين بقضايا الزراعة والإنتاج والتنمية. لمعالجة هذا التدهور البيئي قامت تنزانيا بفرض حظر علي الرعي المفتوح في منطقة كوندوا في وسط تنزانيا. منعت الحكومة المزراعيين من إمتلاك ما يزيد عن بقرة واحدة أو غنماية واحدة من أجل الحصول علي لبن للأطفال ولشاي الصباح. كما فرضت الحكومة علي المزارع حفظ الغنماية في حظيرة ومنعها من الخروج منها وأن يُقدم لها الحشائيش والعلف داخل الحظيرة. وألا يتركها تبعِر في الحوش فيضيع بعرُها هباء كما يحدث لغنمِنا. ومنعت الحكومة المزارع من إستخدام سماد اليوريا داخل المنطقة المحظورة، لكنها فرضت عليه جمع البعر وإستخدامه في مزارع إنتاج الخُضر المنزلية. مشروع كوندوا كان موضوع دراستي للماجستير الثانية في التنمية الريفية.
في أول زيارة لي لأحد المزارعين وقعت عينى في عين غنمايته الوحيدة..
لم تغبانى من الوهلة الأولي أن الغنماية سودانية مية المية..
حتى صوتها أتى فيه شيئ من الحنية والترحيب..صوت غنمننا الما بغبانى..

الغنماية كانت "نوبية*" ونوبية أصيلة، اللون، الإضنين، الضرع المليان لبن..
غنم تنزانيا سُغار، إضنيينن قُصار، قرج، ضروعن ملصقات علي بطونهن..
إنطبقت عليها مواصفات الغنماية النوبية كما تعلمته من دراستى في جامعة الجزيرة وتجربتي المنزلية.

سألت المزارع سؤال واحد: الغنماية دي جبتها من وين؟
أجاب: أدونا ليها ناس المشروع قالوا جابوها من دولة تانية ما عارف وين. بِتلِد جوز جوز وضرعها دائماً ملان لبن.

أخدت رقم الغنماية المثبت علي أضانها وإسم المزارع وجري علي مكتب الأرشيف في إدارة المشروع.

لم أفاجأ فالغنماية كانت سودانية مية المية تم إستيرادها من محطة أبحاث أم بنين جنوب مدينة سنجة من ضمن خمسين غنماية تمت إستيرادهم من محطات أبحاث مختلفة في السودان في عام 1995.

سألت نفسي:
ياربي هل نُقدِّر ما لدينا من نِعمة؟
حتى غنمنا ما هينات..في المهجر..




تنزانيا (كُوندُوا) - 1998

---------------------------------------------------------------------------------------
*الماعز النوبي هو واحد من أربعة سلالات رئيسية في السودان هي الصحراوي، النيلي والجبلي (التِقِر). ويتميز الماعز النوبي بكبر الحجم ليصل وزنه الي حوالي أربعين كيلو في المتوسط ويمثل حوالي خمسين بالمائة تقريبا من إجمالي تعداد الماعز في السودان. يغلب عليه اللون الأسود لكن يوجد منه ما لونه حيموري مخلوط بالأبيض او الأسود. له قرون قصيرة. يوجد منه هجين يسمى الأنجلو-نوبيان يمتاز بخاصية إنتاج عالي للألبان.