عدالة الغوغاء/نبيل أديب عبدالله

عدالة الغوغاء/نبيل أديب عبدالله


04-20-2014, 03:42 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1398004964&rn=0


Post: #1
Title: عدالة الغوغاء/نبيل أديب عبدالله
Author: نبيل أديب عبدالله
Date: 04-20-2014, 03:42 PM

قصة تحكيم الأقطان هي أن خلاف نشب بين شركة الأقطان، وشركة أخرى تمتلك فيها شركة الأقطان 40% من رأسمالها الأسهمي. إتفق الطرفان على تحويل المسألة للتحكيم. سبق ذلك كثير من الحديث حول فساد في شركة الأقطان، وهي شركة خاصة ذات مسئولية محدودة تمتلك الحكومة فيها بعض من أسهمها، وتمتلك إتحادات المزارعين البعض الآخر. لذلك فإن تلك الإتهامات جذبت إنتباه الرأي العام، وأثارت حفيظته على من طالته الشبهات. على الصحافة واجب مقدس في إطلاع الرأي العام على الحقيقة، ولكن عليها أن تعلم أن للحقيقة أكثر من وجه، وأن تحري الحقيقة وتقرير مدى مخالفتها للقانون مكانه ساحات العدالة، وليس الصحف. تتطلب العدالة عدم إثارة الرأي العام لأن الحق في المحاكمة العادلة تتطلب عدم التأثير على حيادية القاضي، ولا على نظرته للأمور .
التحكيم هو نظام قضاء خاص يختار فيه المتخاصمون قضاتهم، تبنته جميع الأنظمة القانونية في العالم، ووضعت له الأمم المتحدة قانوناً نموذجياً، ويعرفه قانونا السوداني منذ أول القرن الماضي. ولعل أشهر تحكيم في التاريخ الأسلامي هو التحكيم الذي تلى معركة صفين، حين وضع جنود معاوية المصاحف على أسنة الرماح، وإضطر الإمام علي بن أبي طالب، تحت ضغط جنوده، لقبول تحكيم أبي موسى الأشعري وعمرو بن العاص، وهو تحكيم لم يسفر إلا عن إشتعال ما عُرِف بالفتنة الكبرى .
بموجب إتفاق الطرفين فقد تم إختيار هيئة التحكيم من رئيس المحكمة الدستورية المستقيل( لم يكن رئيساً وقت إختياره ) ووزير عدل، ووكيل لوزارة العدل سابقين. من الطبيعي أن يقع الإختيار على قانونيين معروفين، ومن المؤكد أنه ليس في قبول تولي الفصل في الخصومة عن طريق عضوية هيئات التحكيم، مايقلل من هيبة القاضي، لأن ذلك من صميم عمله. وقد أصدرت الهيئة حكماً فيما عُرِض عليها من نزاع، وهذا الحكم هو حكم نهائي ما لم تأمر المحكمة المختصة ببطلانه، وقد تم تقديم طلب كهذا لتلك المحكمة المختصة. نقاش ذلك الحكم وهو حكم طبيعته قضائية، ومازال يخضع للمراجعة القضائية على صفحات الجرائد، غير صحيح. ولكن نقاشه في المجلس الوطني مخالف للدستور، لأن مبدأ الفصل بين السلطات الذي يأخذ به دستورنا يقوم على أن تقتصر كل سلطة من السلطات على ممارسة سلطتها، و تقوم الرقابة المتبادلة بينهم في حدود تلك السلطات. فيجوز للقضاء حين التعرض للفصل في خصومة معينة أن يراجع دستورية قانون أصدرته السلطة التشريعية، ولكنه يفعل ذلك بسبب سلطته في الفصل في الخصومة، ومن واقع مهامه في حماية الدستور. ولكنه لا يستطيع أن يناقش صحة إجراءات إصدار القانون، ولا لائحة المجلس التشريعي. من الناحية الثانية فإن المجلس لايجوز له مناقشة الأحكام القضائية من حيث الصحة، و الخطأ لأنه ليست له سلطة مراجعة تلك الأحكام، ولكن له فقط سلطة تعديل القانون، إذا تبين له من واقع حكم قضائي، أن القانون في حوجة لتعديل. طلبات الإحاطة التي يطلبها البرلمان من المسئولين يجب أن تكون بشأن ما فعلوه، وما لم يفعلوه، في حدود سلطاتهم. والسؤال هو ماذا سيفعل وزير العدل في البرلمان غداً؟ علماً بأن هيئة التحكيم لا تتبعه، وهو لم يكن سوى خصم في الإجراءات أمامها. وما هو أثر نقاش كل ذلك على القاضي الذي يراجع حكم الهيئة؟ أي عدالة هذي ؟ إن أسوأ ما يمكن أن يسقط فيه أي نظام لتطبيق العدالة في أي مجتمع، هو المحاكمة خارج قاعات المحاكم، لأن ذلك يقود لعدالة الغوغاء.
نبيل أديب عبدالله
المحامي