عندما يهد الثوب المصبوغ دماً هذه المرة بقلم/ أحمد محمدخير حقاني - الخرطوم

عندما يهد الثوب المصبوغ دماً هذه المرة بقلم/ أحمد محمدخير حقاني - الخرطوم


12-13-2013, 00:23 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1386890593&rn=0


Post: #1
Title: عندما يهد الثوب المصبوغ دماً هذه المرة بقلم/ أحمد محمدخير حقاني - الخرطوم
Author: أحمد محمدخير حقاني
Date: 12-13-2013, 00:23 AM

عندما يهد الثوب المصبوغ دماً هذه المرة
بقلم/ أحمد محمدخير حقاني - الخرطوم
[email protected]

لم تجف دماء ضحايا المجزرة الشنيعة التي هزت مدينة الأبيض الآمنة الوادعة الأسبوع الماضي عندما قام رجل غاضب بقتل طليقته الحبلى وأمها (نسيبته) إثر خلاف عائلي وصل الى منصة القضاء وبدلا من الإمتثال لما ستقرره المحكمة أراد هذا الرجل الشقي أن يحسم نزاعه مع طليقته بلغة السلاح لا لغة القانون ولا بلغة الجودية والعرف السوداني المعروف بتصديه لمثل هكذا خلافات والتي يمكن حدوثها في أي بيت..كان الكلاشنكوف هو الحكم والجلاد ..قبل أن تجف دماء ضحايا الأبيض فجعت البلاد بمجزرة أخرى كان مسرحها هذه المرة مدينة أمبدة ، هذا الأسبوع وبنفس الأداة (الكلاشنكوف) .. إذ قام نظامي بقتل ستة أفراد وجرح خمسة آخرين بسبب نزاع حول مترين من الأرض ، حكمت المحكمة فيها لصالح الضحية ، فما كان من النظامي الغير نظامي هذا إلا أن أفرغ رصاصاته الغادرة في صدور هؤلاء العزل الذين أرادوا تنفيذ أمر المحكمة وبوجود المختصين الذين نال منهم رصاص هذا المجرم بمثلما نال من صاحب المنزل المتنازع حوله.
ما هذا؟ هل عاد الناس إلى عهد الإنسان الأول؟ عندما كانت تسود شريعة الغاب !!!.. إنها إفرازات الحرب الكريهة في دارفور وغيرها تلك الحرب اللعينة التي أدخلت ثقافة العنف والهمجية حتى إلى المدن الآمنة.
في علم النفس الإجتماعي هناك قاعدة تقول بالتعلم من النماذج ، فالطفل الصغير عندما يرى أخاه الأكبر يحمل نقودا ويأتي بحلوى من المتجر فسيتعلم قيمة النقود فبسببها أتى أخاه بالحلوى ، لقد رآه يدفع بالنقود لصاحب المتجر وبالمقابل ينال الحلوى..هكذا قس على بقية السلوكيات .. وهكذا يتعلم الإنسان مما يرى ويسمع .. لقد إمتلأت الحواضر في كل السودان باللاجئين الأفارقة من غرب أفريقيا وأثيوبيا وغيرها .. وجود مكثف لهؤلاء الوافدين أتوا مستجيرين بالسودان بعد أن ذاقوا الويلات في بلدانهم من فقر وحروب ومجاعات ولأننا بلد مفتوح كما أراد لنا قبلا الإستعمار البغيض فقد وجد هؤلاء الوافدين مرتعا خصبا لهم في بلادنا ولكنهم بالمقابل رموا فينا كل أدرانهم وأثروا حتى في ثقافتنا السودانية وقيمنا التي عرفنا بها وعلى رأسها التسامح.. فلا نستغرب إذا سمعنا من يقتل لأجل خلاف حول ورقة من فئة الجنيه أو حتى (سفة تمباك) ، فهؤلاء الوافدين قتلوا قيمة التسامح عندنا.
بهذه المناسبة الحزينة اسمحوا لي بإعادة نشر مقال سابق كنت قد نشرته في موقع سودانيزاونلاين بتاريخ 21 أكتوبر 2012م بعنوان : أفصلوا دارفور (15) ... عندما (يهد) الثوب المصبوغ
من خلال متابعاتي لاحظت أن الرافضين لفكرة إنفصال دارفور هم فصيلين ، الأول يرفض الفكرة متعللاً بتغلغل إنسان دارفور وإنتشاره في كل المدن والقرى السودانية وبالتالي تأثره وتأثيره من خلال وجوده هذا في شتى مناحي الحياة مما يصعب عملية الإنفصال من هذا المنطلق وهذه نظرة عاطفية محضة يشترك فيها بعضاً من أبناء السودان الأوسط وكذلك بعضاً من أبناء دارفور ، أما الفصيل الثاني فهو يرفض فكرة الإنفصال بدعاوي ثراء ولايات دارفور ومدى أهميتها للسودان وبالتالي يرى هذا الفصيل أن إنفصالها يعني خسارة كبرى للسودان ، حيث سيفقد موارد إقتصادية متعددة جراء هذا الإنفصال وهذا المنحى يشترك فيه أبناء دارفور بصورة غالبة على أبناء الوسط الذين هم قلة ربما تكون لهم مصالح تجارية او إجتماعية وغيره ولكنهم قلة على كل حال.
ولكلا الفصيلين أقول إن وجود أبناء دارفوربكثافة في الخرطوم وكافة مدن السودان وتغلغلهم في كافة مؤسسات الدولة الرسمية والشعبية وعلاقاتهم الإجتماعية لا يمنع الإنفصال ، بل من خلال وجودهم السلبي وسط المجتمع السودان أوسطي هو ما دفعنا للدعوة للإنفصال ، فوجودهم هذا بدلاً أن يكون داعماً للوحدة صار بالعقلية الدارفورية سبباً رئيساً للإنفصال ، هذه العقلية التي يوجهها الشعور الدائم بالغربة وقد فسرنا ذلك مراراً بأن حداثة الإنضمام للدولة السودانية(1916م) لم تمكنهم من الإندماج في المجتمع السوداني بالصورة التي تجعل هويتهم تتماهى مع هوية المجتمع النيلي ، فهاهم كما كان الجنوبيين يعيشون قبلاً في (كانتونات) إجتماعية فرضوا فيها على أنفسهم عزلة إختيارية لذا تراهم في سكناهم وتجارتهم وكل أمور معاشهم يعيشون كالقطيع قياماً وقعوداً ، بعكس إنسان النيل المنفتح الذي تربى في كنف الأسر الممتدة و(النفاجات) المفتوحة بين الجيران في الحي الواحد وحياة التكافل الأسري والسماحة في المعاملة بين جميع أفراد المجتمع ، حتى مصطلح (عنصرية) أبناء المدن في وسط وشمال السودان كانوا لا يعرفونه ، فالناس في فترة من الفترات نسيت حتى قبائلها وجذورها وإندمجوا في قبيلة واحدة هي السودان وهذه قمة الهوية المشتركة ، أن تتلاشى جميع عناصر الفرقة وتطغى المشتركات على التناقضات ، ولكن بالمقابل عندما تفجرت مشكلة دارفور في بداية الألفية الثالثة وبروزها للسطح بشكل سافر وتوالي التطورات فيها و ما أفرزته من تداعيات ، واحدة منها الهجرة المكثفة لأبناء دارفور إلى وسط السودان كتلك الهجرة التي كانت في عهد الخليفة عبد الله التعايشي والتي أرغم فيها أهله بالمجئ إلى أم درمان فكان ما كان من محاولات يائسة لعمليات الإحلال والإبدال القسري لمجتمع قائم ليحل محله مجتمع وافد ، نفس هذا السيناريو يحدث الآن بثوب جديد .. إن ما يقوم به أبناء دارفور الآن في السودان شبيه بالذي فعله التعايشي قبلاً ، منظماً هذا الدور أو جاء عفوياً هكذا ولكن الشاهد أن المحصلة واحدة والملابسات والوقائع تتشابه ، وبعودة لمصطلح العنصرية نجد الآن في وسط السودان أن العنصرية باتت أمراً لا تخطئه عين بل صارت الجهويات والمناطقية تدخل حتى في الموازنات السياسية ، والسبب في إعتقادي هو مشكلة دارفور لأنها نشأت أصلاً بسبب نزاعات قبلية هي ليست جديدة في المجتمع الدارفوري فكل كتب التاريخ والمخطوطات تقف شاهدة على أمة ظلت النزاعات سمة رئيسة لأسلوب حيواتهم بل ربما لا يستطيعون العيش دون قتال أو نزاع فهكذا هي الأمم فبمثلما يحب الآخرين حياة السلم والمدنية يحب هؤلاء حياة الحرب والكر والفر وقد فصلنا كثيراً قبل ذلك في تحليل هذه الجزئية من منظور نفسي لإنسان دارفور ولماذا يحب حياة القتال ..بوجود إنسان دارفور في وسط السودان أسقط هذه السلوكيات العنصرية بكل ما تحمله سمات البداوة من مخاشنة في التعاملات مع الآخر والنظرة الحذرة المتشككة وحب الحياة في شكل قطيع كما أسلفنا وهم في حالهم هذا أشبه بالثوب المصبوغ بصبغة رخيصة تذوب في الماء حال غمس هذا الثوب فيها وهذا ماحدث لبقية أهل السودان جراء إختلاطهم المكثف في السنوات الأخيرة حيث(هد) الثوب الدارفوري فكان النتاج كرهاً لهذه العينة من الأثواب.. الخلاصة في هذا الجانب الإجتماعي أن إنفصال دارفور لا يمنعه الوجود الدارفوري في وسط السودان فنفس هذا الحديث كان يروج له دعاة الوحدة الزائفة مع الجنوب التي أثبتت الوقائع أنه كان يجب فصله قبل الآن بسنوات ، فإذا نظرنا للكم فنجد أن سكان جنوب السودان متقاربون في عددهم لسكان دارفور وإذا نظرنا لإنتشارهم الجغرافي في مدن السودان القديم نجده مقارب لإنتشار الدارفورين الحادث الآن ، فكلا الشعبين (الجنوبي والدارفوري) يتركزا في المدن المكتظة حيث المصالح الإقتصادية وحيث يسهل الأخذ دون عطاء ، أما القرى النائية والأماكن القاحلة من شمال ووسط السودان فوجودهم فيها نادر إن لم يكن منعدم وحتى وجودهم في المدن يكون في شكل تجمعات كما أسلفت بغرض تبادل المنافع فيما بينهم بمعزل عن سكان المنطقة الأصليين ، هذا هو ديدن الدارفوريين من لدن الخليفة التعايشي ، فبمثلما رجعوا لأوطانهم بعد مقتل الخليفة سيرجعون الآن وبذات الطريقة ولكن هذه المرة عبر إنفصال يستفتى فيه كل أهل السودان ، وبسلاسة أكثر من سلاسة فصل الجنوب .
الجانب الآخر وهو المسألة الإقتصادية وقول المشفقين بأن السودان سيفقد مصدراً مهماً للثروة بإنفصال جزء منه وفي مقالنا السابق بينا أن دارفور منذ إنضمت للسودان كانت عالة عليه ولا إيرادات تذكر لها في رفد الخزانة العامة للدولة بالأموال ، وحتى المحاصيل والثروة الحيوانية التي تأتي منها لا تشكل شيئاً في الإيرادات الإتحادية ، ثم أن كل الصادرات التقليدية من زراعية إلى حيوانية لكل السودان لا تشكل أكثر من 30% من الإيرادت يدخل في ذلك مشروع الجزيرة بضخامته والقضارف بخيراتها العميمة وولايات سنار والنيل الازرق والابيض والشمالية بكافة منتوجاتها ، أما ما بباطن أرض دارفور فكل يوم يخرج إلينا أحد بأن الأقمار الإصطناعية رصدت مخزون وافر من المياه الجوفية في دارفور وآخر ينعق بأن بدارفور تلال من الذهب و(قيزان) من اليورانيوم ، كل ذلك من باب الدعاية والإستهلاك الإعلامي ول(تكبير الكوم) ، القبائل في دارفور تصطرع حول إمرأة يود أحدهم نكاحها أو حول شربة ماء أو على أحسن الفروض (لوري) محمل بالبضائع آت من أم درمان ، فمابالك إن وجدت هذه الثروات في بلادهم!! ، وحتى لو أفترضنا وجودها صحيحاً وواقعاً ما الفائدة التي سيجنيها السودان وهي ستكون سبباً للنزاعات المستمرة ، فميزانية أمن دارفور فقط الآن لوتم توفيرها لحلت جميع مشاكل السودان الإقتصادية ، إن وجود ثروات معدنية وغيرها في دارفور في إعتقادي ستكون سبباً رئيساً لإجماع أهل دارفور نحو الإنفصال فالتجربة الجنوبية خير شاهد عندما أستخرج البترول وظهر عائده جنح الهالك قرنق للسلام ومن ثم قام أبناءه بتكملة السيناريو بعد أن ذاقوا حلاوة (الوريقات الخضراء) ، ووالله أكاد أجزم أنه لولم يستخرج البترول في الجنوب لما فكر نخبه في الإنفصال لأنهم لوقت قريب قبل البترول كانت ترتعد فرائصهم لمجرد ذكر إسم إنفصال لأنهم يعلمون أنهم لو إنفصلوا على حالهم ذلك لهلكوا أجمعين ، أنظر لجنوب السودان الآن حتى بعد تسلمهم لمشروع البترول جاهزاً مكتملاً كيف حالهم الآن فمابالك لوكانوا دون بترول ، نفس هذه الحالة الآن تنتاب أبناء دارفور ،فهم لا يريدون الإنفصال ليس حباً بأهل السودان النيلي فهم يكرهونهم كره العمى ولكن في نظرهم الوقت لم يحن بعد ، فهم بخبثهم ومكرهم يريدون من أبناء السودان النيلي أن يهيئوا لهم المسرح ثم بعد ذلك يقومون بالإنفصال ليمدوا بعدها ألسنتهم أن ها قد (دقسناكم ) يا أولاد البحر يا جلابة كما (دقسكم) الجنوبيون من قبل .. ولكن هيهات الآن تكون وعي جمعي وإستنارة وسط (أولاد البلد ) وبرزت إرادة قوية تدعو بفصل دارفور اليوم قبل الغد ، فكفانا تغريراً وكفانا سفسطة نخبوية وكفانا (تمليس) و (تحنيس) فالحق أبلج والباطل لجلج.