في ذكرى رحيله المؤلم "2011-2013" كمال شيبون الإنسان ، القائد والمثقف بقلم : بدرالدين حسن علي

في ذكرى رحيله المؤلم "2011-2013" كمال شيبون الإنسان ، القائد والمثقف بقلم : بدرالدين حسن علي


11-16-2013, 05:30 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1384576221&rn=0


Post: #1
Title: في ذكرى رحيله المؤلم "2011-2013" كمال شيبون الإنسان ، القائد والمثقف بقلم : بدرالدين حسن علي
Author: بدرالدين حسن علي
Date: 11-16-2013, 05:30 AM

في ذكرى رحيله المؤلم "2011-2013"
كمال شيبون الإنسان ، القائد والمثقف
بقلم : بدرالدين حسن علي
اليوم 16 نوفمبر 2013 ، أكرر التعازي للعزيزة علويه البكري الرفيقة المخلصة للراحل المقيم المهندس كمال اسماعيل شيبون ، والتعازي أيضا لشقيقه عبد المنعم ولجميع أفراد الأسرة الكريمة في السودان وخارجه .

.
لا جديد يمكن أن يقال عن كمال ،فقد سبق وأن أصدر سعيد شاهين صاحب ومؤسس " أخبار المدينة " عددا خاصا عن شيبون ، طالعنا فيه مقالا كاربا كتبه شقيقه صلاح وطالعنا فيه بكائية صادقة جدا كتبتها زوجته الرائعة علويه البكري ، وكرمته الجالية السودانية في ال " سيتي هول " في حفل مهيب القيت فيه كلمات في غاية الروعة وليس من مهام هذا المقال تقديم ملخص لما قيل رغم أهميته ، إلى جانب الدورة الرياضية المشهورة ، ولكني سأتحدث عنه كما جاء في صدر المقال عن ثلاث خصال اجتمعن في كمال " الإنسان ، القائد والمثقف " .

لكي أنعش ذاكرتكم يوم الأربعاء 16 نوفمبر2011 فارقنا الصديق الصدوق العزيز المهندس كمال إسماعيل شيبون ، القريب لقلوب جميع السودانيين في كندا ، فارقنا بعد معاناة قاسية مع مرض السرطان اللعين الذي داهمه على حين غرة وهو ما يزال في ريعان شبابه وقمة مجده وعطائه ، كان كمال شيبون أثناء مرضه بمرض السرطان يرسل لنا جميعا رسالة بليغة لا تقبل القسمة على أثنين ، كان يرسل لنا رغبة ملحة في هزيمة السرطان ، وهذا أمر لا يمكن أن يدركه العامة ، بل هو أمر خاص بالخاصة ، فطوال فترة مرضه كان شيبون يقول لنا بالإمكان هزيمة حتى الموت بالإستعداد للرحيل وتهيئة الآخرين لتقبل الرحيل ، وبالفعل فقد هيئنا كمال لتقبل رحيله .


كمال الإنسان


رحل كمال شيبون تاركا فراغا كبيرا في حياة كل السودانيين في كندا والسودان وفي الكثير من بقاع الدنيا ، رحل صاحب البسمة الناعمة والضحكة المجلجلة .. رحل سيد الحكمة والقلب الحنون .. رحل الذي قال للهدوء أنا الهدوء ، وقال للكمال أنا كمال ، والكمال لله وحده ، قتلني رحيله المبكر كانما أنا الذي رحلت ويا ليتني رحلت قبله ، وقتل رحيله المئات وربما الآلاف من معارفه وأحبائه وأصدقائه الذين فاجاهم رحيله النبيل


.
رحل الذي قال للتسامح أنا التسامح وفارقنا في 16 نوفمبر وهو اليوم العالمي للتسامح .
كمال شيبون لم يكن في يوم من الأيام رئيسا لجمهورية السودان .. ولا كان وزيرا إتحاديا أو معتمدا أو محافظا ، ولم يكن رئيسا لحزب سياسي أو أي شيء من هذا
القبيل ، لم يكن صحفيا أو كاتبا أو شاعرا مشهورا ، كان حزبه هو السودان ، وقد عاش سودانيا ورحل سودانيا ومعتزا بسودانيته ، كان شخصا أكثر من عادي ، وهذا سر عظمته ، يرحل الأب أو الأم وترحل الزوجة أو الشقيق والشقيقة ، و " نجعر " ونولول ونبكي بكاء
مرا ، وهذا من حقنا عندما يكون المصاب أليما ، ولكن يرحل أناس عاديون فيكون المصاب مفجعا أليما لا تجدي معه الدموع ولا البكاء ، هكذا كان رحيله ، بوسعي أن أكتب عنه أكثر من مقالة ، لأنه كان رجلا رائعا ، كمال شيبون سبقنا إلى كندا بسنين كثيرة ، ولكن لم تبهره عمارات كندا أو الحياة المترفة فيها ، لازمته صفة واحدة فيها رئيس الجالية السودانية في أونتاريو ، أو بمعنى آخر رئيس الجالية في تورنتو ، ولو قدر لأي كان رِؤية مشهد تدافع السودانيين وغيرهم ، نساء ورجالا ، إلى دار الجالية السودانية في شارع دانفورث الشهير يوم رحيله لأدرك أن هذا رحيل رجل عظيم ، وتشد من أزره إمرأة عظيمة هي علوية
البكري ، ولو قدر لأي شخص رؤية تلك الفتاة الأثيوبية وهي توزع فناجين القهوة الحبشية في أحد أيام عزائه لعرف كم هو فقد عظيم ، ليس للسودان فقط بل لكل المحبين والنيرين ، دعكم من هذا لماذا استمر العزاء لنحو خمسة أيام ؟
كمال القائد

يوم رحيله كنت أكبره بخمس سنوات ولكنه كان يستفزني بحنكته وحسن تصرفه وقدرته الفائقة في إدارة معركته ، وكانت معركته التي جند لها كل إمكانياته وقدراته وحدة الجالية السودانية في كندا ، من أقصى الغرب إلى أقصى الشرق ومن أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب ، ويبدو أن المعركة ما تزال مستمرة ، وما زلت أتمنى وأعشم أن تزول كل الخلافات وتكون الجالية السودانية متوحدة مترابطة لتحقيق الأهداف ، وأعتقد أن السودانيين في تورنتو وكندا فقدوا " القائد الذكي المحنك "
يا كمال وأنت في قبرك دعني أقول لك نحن لسنا أغبياء ، فنحن نعرف جيدا قدرك ، ونحفظك في قلوبنا أبد الدهر ، قرأت مرة في مسرحية " الشقيقات الثلاث " للكاتب المسرحي الكبير أنطون تشيخوف " هل يا ترى الناس سيذكروننا بعد مائة عام ؟ نعم يا كمال سنذكرك ولو بعد أكثر من ألف عام .
عدة مرات إتصل بي كمال كي أرافقه لحل مشكلة ما ، فكنت أتهرب ، ولكنه يتمكن من حلها ببساطته المعهودة ، ولاحظت أنه لا يذكر الحادثة مطلقا ، وتلك من صفات القائد المحنك .
ودعوني أصدقكم القول ، أني لم أر في حياتي إنسانا يجيد فن الإستماع مثله فهو مستمع بدرجة جيد جدا ، وفن الإستماع صفة يفتقدها أكثرنا ، ولكنها من صفات القائد .


ما أكثر ذكرياتنا وأيام مرحنا ولهونا وضحكنا و" هظارنا " ، كان دائما يحلو لي عندما أجلس بقربه في دار الشفيف عمار تاج الدين أن أناديه يا كمال ريحانة .. وكان يضحك بملْ شدقيه ولا أحد يفهم سر ذلك ، والواقع أن صاحب التشبيه هو أستاذي عبدالله علي إبراهيم الذي إلتقيته في حياتي مرة واحدة في أحد بيوت أم درمان الفقيرة عندما عرفني به صديقي كمال الجزولي – أطال الله عمره – وكان ذلك في لقاء عاصف على ما أذكر في منتصف السبعينات من القرن الماضي ، عندما تم فصلي من الخدمة واوقف المبدع محمد وردي عن الشدو الجميل ، ومناسبة المناداة كانت شهادة قالها الأستاذ عبدالله بحق الشاعر الراحل المقيم محمد عبدالرحمن شيبون عندما كتب ذات مرة يصف حياته بأنها كانت ريحانة فاح عبقها السجين .. والشاعر محمد شيبون عم الراحل المقيم كمال شيبون ، يشبهان بعضهما البعض خاصة في الهدوء والذكاء وقوة الإحتمال ، وكان ابن خالي محمد عثمان بابكر الذي يلقب ب” ستالين ” يقول عنه ” حلال المشاكل ” ، وكان كمال شيبون أيضا حلال مشاكل ،وما أتعسني عندما إعتذرت له لعدم مرافقته لحل مشكلة زوج وزوجة ! وعندما رحل الشاعر في حادثة الإنتحار الشهيرة عام 1961 وكنت وقتها صبيا ممتلئا حماسة لأرواح أبطالنا - تذكرت ذلك ونحن ندفن الصديق العزيز كمال شيبون بمقابر بيكرينج بعد نصف قرن بالضبط من رحيل
شاعر الشعب محمد عبدالرحمن شيبون ، قلت في نفسي – سبحان الله – كلاهما ريحانة . وهكذا عائلة شيبون قدمت لنا قامتين رفيعتين محمد وكمال .


لم أشهد تشييع جثمان محمد ولكن الله أكرمني وحباني كما أكرم عددا هائلا من البشر بتشييع جثمان كمال شيبون وإلقاء النظرة الأخيرة على روحه الطاهرة ، وفي طريق العودة إنهمرت دموعي بحرقة تماما مثلما إنهمرت دموع البعض وهم يوارونه الثرى فكتمت أحزاني ومن كل قلبي دعوت الله أن يسكنه فسيح جناته وأن يلهم زوجته وأسرته الصبر والسلوان ، وتساءلت : هل رحل كمال ؟ فقال لي صديقي لا لم يرحل .

الموت حق وكل نفس ذائقته .. إلا أن وقوع الحدث باكرا مؤلم .. مفجع .. محزن جدا ، ولكن كمال ما يزال يعيش بيننا .







كمال المثقف
بلا إدعاء أجوف طنان كان مثقفا جدا ومتواضعا جدا ، كان لا يتعالى على أحد ، أستطيع أن أقول وبالفم المليان كمال اسمه الحقيقي " كمال البسيط " ، تناقشت معه كثيرا حول قضايا المسرح والسينما ، وكان متحمسا للأثنين معا ، قال لي ذات مرة أنه يريد أن يحول دار الجالية إلى قاعة مسرحية وصالة سينمائية ، قطعنا شوطا لا بأس به في مجال المسرح ، بدأنا ذلك بمحاضرات مختصرة عن فن المسرح : سودانيا وعربيا وإفريقيا وعالميا .
بدأ المشروع في بداية التسعينات من القرن الماضي عندما كان مقر الجالية في شارع بلور ، كانت المحاضرة الأولى عن المسرح والسينما السودانية بدعوة رقيقة تلقيتها من صديقي عادل الوسيلة باسم اتحاد الشباب السوداني ، وكنت يومها مقيما في العاصمة اوتاوا ، واغتنمها مناسبة لأعتذر بكل شجاعة للأخ العزيز صلاح النعيم والشاب الوجيه أمير زاهر وبقية الحضور لعدم إكمال الجزء الثاني من المحاضرة للرد على الأسئلة ، وهو فعل شائن وقبيح أرتكبه لأول مرة ، أغوتني دعوه كريمة من علوية وكمال لزيارة دارهم العامرة ، وكنت أدخلها للمرة الأولى في حياتي ولم يسعفني خالي عبدالله عبيد ، بل شاركني في ارتكاب الجريمة ، وربما عوضني عن الغواية ذلك الحوار الطويل مع كمال حول المسرح والسينما .
إنتقلنا بعدها إلى تورنتو وانخرطت منذ الأيام الأولى للعمل في صحيفة " أخبار العرب الكندية " مع الصديق صلاح علام وما زلت إلى يومنا هذا محررا لصفحة " بانوراما ثقافية " وأخرجت مسرحية " روميو وجوليت " بمشاركة كل من محمد هاشم سامحه الله ، وجمال سعد الرجل الهميم وتشجيع لن أنساه من آمال ميرغني رئيسة الجالية حينها .

كان كمال أول من تعرفت عليه في تورنتو بمبادرة منه لن أنساها له كل عمري ، كان كمال فنانا بحق وحقيقة ، " لكن نقول شنو دنيا ما دوامه " ، دعاني كمال ثانية للحديث عن المسرحية وعن المسرح وكان يستمع لي بأدب شديد وأسئلة في غاية الذكاء مما دعاني أن أقول لكريمتي " أنه مثقف جيد " .
لم تنقطع حواراتي معه حول المسرح والسينما وتلك اللقاءات التي كانت تتم في دار عمار عمر وبحضور الصديق عبدالله نقد وبعدها الصديق محمد عبدالوهاب عباس ، أذكر يوما وأنا بجانبه قلت له يقولون أنك ترفض الجواز الكندي وأن دخلك الشهري محترم مع تأجيرك للدور الأرضي ، ضحك ضحكته المعهودة وقال :
لا تسأل الناس عن مالي وكثرته وأسأل القوم ما مجدي وما أخلاقي
كرمته في حياته منظمة البجا في تورنتو كما كرمتني وكرمت آمال ميرغني ، وعندما صعد كمال خشبة المسرح إنهمرت دموعي وتذكرت قول أبي فراس الحمداني" وأذ للت دمعا من خلائقه الكبر" ،ثم كانت الدورة الرياضية بعد وفاته بكل عنفوانها وشموخها .
وتتويجا لكل ما ذكرته عن المسرح والسينما تم في حياته تأسيس نادي السينما بدار الجالية في مقرها الحالي في شارع دانفورث ، وكان التأسيس بدعوة ذكية جدا وشجاعة جدا من كمال شيبون كرئيس للجالية السودانية ، وكان داعما اساسيا لجميع العروض السينمائية التي قدمها النادي مثل : ماسة الدماء تقديم عدنان زاهر ، " عطر " تقديم الفاتح المبارك ، " قائمة سلة المهملات " تقديم محمد أبوسنينة ، ثم خطاب الملك من تقديمي .

عرف كمال " مرضي المستوطن " بالقراءة ، ولو كانت إمرأة لتزوجتها، ولأنه صاحب مكتبة معتبرة للكتب فله يعود الفضل لمعرفتي بالروائي علاء الأسواني عندما مدني بكمية كبيرة من الكتب من مكتبته العامرة ومن بينها روايات الأسواني : عمارة
يعقوبيان ، شيكاغو ونيران صديقة تقاسمتها مع صديقي الآخر الحارث الحاج ، ولم أسأل زوجته الصابرة علويه البكري منذ رحيله الفاجع سوى سؤال واحد : كيف حال مكتبته ؟ وسعدت كثيرا بالرد : " في الحفظ والصون " وقفلت الخط بعد إنهيار دموعها الغاليات لأنني أخطأت فنبشت ذكرياتها معه ومع الكتب ، واقول لها من كل قلبي لن ننساه و لن ننساك يا علويه ولن ننسى شموخك و روعتك وسماحتك .



هذا الملاك القادم من كادوقلي ، منسلا من بين أهل كادوقلي ليدفن هنا في تورنتو ويحرم أهل كادوقلي من تشييعه ودفنه ، كم هو مر مرارة الموت الدفن بعيدا عن الأهل والصحاب والوطن !!!
وأنا الآن أقول نعم رحل كمال شيبون ، ولكنه ذلك الرحيل النبيل ولتحيا أبدا يا صديقي في العقل والقلب الحزين خلودا لا تمحاه السنين .

.