المطلوب هو أن ننحاز للمستقبل

المطلوب هو أن ننحاز للمستقبل


03-29-2004, 06:36 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1080538611&rn=0


Post: #1
Title: المطلوب هو أن ننحاز للمستقبل
Author: منصور شاشاتي
Date: 03-29-2004, 06:36 AM

المطلوب هو أن ننحاز للمستقبل

منصور شاشاتي

السهل أو المستسهل في زماننا هذا كثير والصعب أو المستصعب أكثر ، فما اسهل أن ينتبذ أحدنا ركنا قصيا ويبدأ عملية شتم ولعن و"ردح" كما يقول أهل مصر في العالم والعالمين, صحيح أن في ذلك متنفسا وما أشد حاجتنا نحن العرب اليوم إلى متنفس، غير أن ذلك لن يغير من الأمر شيئا ولن ينقلنا من حالة العجز وقلة الحيلة إلى حالة الفعل وتقرير المصير وقبل ذلك كله - بطبيعة الحال - من الجبن والخوف الذين تشبعت بهما مسام الجسد والروح.

اكتشف الشاعر العربي الذي يحلو لبعضنا أن ينسبه إلى العروبة أو حتى ينسب العروبة إليه وأعني به أبا الطيب المتنبئ صاحب اللسان السليط الذي دفع آخر الأمر ثمن سلاطة لسانه ،ليس على يد ملك هجا ـ أو سلطان هجر، وإنما على يد صعلوك يتعامل مع مفردات الحياة بمنطق شاعرنا نفسه : ولا يسلم الشرف الرفيع من الأذى / حتى يراق على جوانبه الدم ، فوضع "ضبة" وأمه "الطرطبه" نهاية ، لمن قلنا انه اكتشف حالة الجبن التي تسكننا الآن حين قال: وإذا ما خلا الجبان بأرض/ طلب الطعن وحده والقتال
لو أننا حاولنا من وقتها أن نكتشف السبب الذي عمم حالة الجبن تلك على الناس، من حيث اختصار الإنسان ، ضمن أبعاد لا تكاد تتجاوز حاجات لأنا حيوانية لا تتفاعل مع العالم حولها ولا ترى أبعد من أنفها، ومع هذا تريد أن تختصر الكون وتاريخه وقوانينه وتصاريفه في تلك الأنا الضيقة وعلاقتها (أي حالة الجبن تلك) بالاستبداد والقمع الذين عاشهما العربي طفلا وصبيا، رجلا وشيخا، وساهم في تفريخهما وترسيخهما كتاب وأدباء ،حكام وحكماء، وأهل دنيا وأهل دين، حتى صار جزءا من الشخصية العربية المعاصرة، بحيث لا تطلب سيوفنا القتال إلا إذا خلا المكان من الأعداء ،ولا تعلو أصواتنا إلا بوجه الفقراء ،ولا تجلد سياطنا إلا ظهور الضعفاء.
أقول هذا وأنا أعلم بأن المنطقة الممتدة من مراكش إلى البحرين والتي اسميها أنا "الوطن العربي" وليكن ذلك من باب ما ينبغي أن يكون، أو حتى حلما مستحيلا، لا أصادر حق أحد في أن يسفهه، فقد سفهته لي وللملايين من أمثالي تجربة خمسين عاما أو يزيد. أقول أن هذا الوطن قدم عبر تاريخه الملايين على مقصلة الاستبداد أو انسداد البصيرة وأعني به استبداد أهل النحل والعقائد المنسوبة للسماء عادة أو للبشر في بعض الأحيان.
غير أني لاحظت بأن أكثر تلك المقاصل نصبت، نتيجة خلاف حول من يستبد بمن. كان الاهتمام بالآخر غائبا على الدوام وذلك في اعتقادي سبب تحرك التاريخ في هذا الوطن بشكل دائري والعودة الي نفس النقطة مع نهاية كل ثورة أو انتفاضة.
كل ما تقدم أردته مدخلا، ذلك انه اصبح مطلوبا من المنطقة أن تتقدم باتجاه إصلاحات، على طريق تحقيق التنمية بأبعادها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية. ولأن الكثير مما يطرح بهذا الخصوص هذه الأيام يندرج إما ضمن منطق من يستبد بمن أو انه لا يوجد أسوا مما هو قائم وجدت أن من واجبي أن أدلي بدلوي - على الأقل من باب التناصح - حتى إن أغضب ما أقول الكثيرين.
لا اختلاف على حقيقة أن نظامنا العربي يتصف بكثير من الاستبدادـ وبشيء ليس قليل من الفساد ، وأن هناك حاجة ماسة لـلإصلاح ، ليس فقط لسد الطريق على من لا يريد لنا خيرا أو صلاحا، ولكن - وهذا هو الأهم - من أجل أن نخرج من حالة التخلف والركود ونجعل حياتنا - أو على الأقل حياة الأجيال القادمة - أكثر سعادة ورفاهية.
ولأننا نريد للوضع العربي أن يسير إلى أمام ، بعد أن أكدت لنا التجارب انه لن يسير إلى أمام إلا بالملاطفة وبالشكل الهادئ والسلس، نرى بأنه لا بد من أن يبدأ النظام العربي في الانفتاح على منظمات المجتمع المدني وتقديم التنازلات باتجاه المواطن بدلا من التفكير في تقديم التنازلات لمراكز الضغط الدولي التي لا يعنيها من أمر استبداد النظام العربي بشقيه الشعبي والرسمي إلا بقدر ما يمكن استخدامه لدفع هذا النظام للتخلي عن حقوق سيادية يساندها القانون الدولي والرأي العام العالمي.
ولا حاجة للتذكير بأن هذا النظام وجد سندا له طوال العقود الماضية في مراكز الضغط الدولي قبل أن تقرر هذه الأخيرة لأسباب خاصة بها أن تنقلب عليه.
الآن وقد انقلب على النظام العربي المستبد بشقيه من ساندوه وعززوه ورسخوه ، يكون من الخطأ القاتل أن ننحاز لمراكز الضغط الدولي هذه.
هل يعني هذا أن ننحاز للنظام العربي المستبد بشقيه؟
ولا هذا .
المطلوب في اعتقادي هو أن ننحاز للمستقبل أن ننحاز لنظام ديمقراطي له دستور يفصل بين السلطات ويحمي الحريات الأساسية للمواطن "حرية التعبير والاعتقاد والتنظيم" يتساوى أمامه المواطنون كافة، بصرف النظر عن معتقداتهم الدينية أو أصولهم العرقية.
الانحياز للديمقراطية يكون بهذه المواصفات ، لأن الديمقراطية في النهاية ليست مسألة أغلبية ميكانيكية تستبد على الأقلية.، كما يعتقد البعض . إنها ببساطة مجمل هذه المواصفات التي تجعل من الديمقراطية والحريات وحدة لا انفصام بينها.
وهذه مسألة ليست سهلة على الإطلاق في عالمنا العربي، لسبب بسيط وهو أن تراث الاستبداد الذي تحدثنا عنه هو المسيطر على نظامنا العربي بشقيه. أنا لا أطلق القول على عواهنه ذلك أن نسبة عالية في الشارع العربي ساندت جماعة طالبان عندما دمرت تماثيل بوذا في أفغانستان وأسامة بن لادن عندما نسبت إليه هجمات 11 سبتمبر الإرهابية في واشنطن ونيويورك.. حركات الإسلام السياسي التي حولت الإسلام الي نظرية سياسية استبدادية تجد قطاعا واسعا من المساندين لها في الشارع العربي والحركات القومية العربية التي حولت العروبة إلى عصبية سياسية مستبدة تجد نسبة مماثلة من المساندين في الشارع العربي لدرجة أن الملايين خرجت تساند صدام حسين وهو يغزو الكويت بل وهناك أهل فكر وثقافة ودين لا يتورعون أن يقولوا ذلك حتى اليوم ولا مرجعية في قانون دولي أو أحكام العلاقات بين البشر . كم هائل من التناقض وكم هائل من القتل وسفك الدماء والاعتقال والتعذيب وفي كل ذلك : الديمقراطية غائبة والآخر مغيب.. فالصراع الدائر : من يستبد بمن.
ضمن واقع كهذا يكون من الترف أن نراهن على مراكز الضغط الدولي على حساب النظام العربي بشقيه الرسمي والشعبي. فتراث الاستبداد هذا حالة عامة والمطلوب من الذين ينحازون للمستقبل في هذا النظام وهم نسبة لا تقل إطلاقا عن نسبة المنحازين للاستبداد أن تطرح أفكارا وتدير حوارا من أجل ثوابت يستند عليها العمل من أجل التحول التدريجي والمدروس باتجاه الديمقراطية بمواصفاتها التي ذكرت.