من أدغال الجنوب إلى أحراش دارفور

من أدغال الجنوب إلى أحراش دارفور


01-24-2004, 08:46 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1074930386&rn=0


Post: #1
Title: من أدغال الجنوب إلى أحراش دارفور
Author: يوهانس موسى فوك
Date: 01-24-2004, 08:46 AM

كان لابد للحرب التي اندلعت قبل استقلال السودان ، أن تصطدم بجدران الرغبة الوطنية ، وتتقصف منهارة على أشلائها. وكان كذلك لابد للتهميش الذي ارتبط ارتباطا وثيقا بسياسات الحكومات الدكتاتورية ، وبالفكر الاسلامى السياسي أن يحتضر وينهار.

وفى عملية انهيار الحرب ، كما التهميش كان من الطبيعي أن تظهر العيوب الكبيرة التي كانت تخفيها الدكتاتورية وراء شعاراتها الايدولوجية. وكنا نعلم أن هذه الموضة سوف تنتهي ذات يوم إلى طريق مسدود.وان الحق لابد أن يسترد، ومن أهم العيوب التي كانت تخفيها الحكومات: معاناة المواطنون في دارفور، وهذا التصعيد العسكري والسياسي المحتدم الذي لاح بوادره إلى الأفق بعد توقيع برتوكول مشاكوس في يوليو2002 ،ربما يوُفسر في الشارع السياسي السوداني بعدة معاني بعضهم بالسلبي والبعض الأخر بالإيجاب ، ولكن ـ التفسير الحقيقي لذلك هو: انه تعبير عن حالة اليأس والتعب الذي وصلت إليه أهل دارفور ، وبالتالي الظلم والتهميش الذي كان سببا لذلك.

ولكن، ثمة بعض العتاب من الجنوبيين إلى مثقفي دارفور: أن الحرب الذي كان يجرى في جنوب السودان ليست بين الشمال والجنوب بالمعنى الدقيق ، ولا بين الكفار والمسلمين بالمعنى الضيق ، ولكنه بين الدكتاتوريين المهمشين بالمعنى الصح . وكان أولى لأبناء دارفور إن يكونوا في الجبهات الأمامية جنبا إلى جنب مع أخوتهم في الجنوب ،واعتقد لن يختلف المثقفون الدارفوريون معنا في الراى بان مزاجهم كان متقلبا حينما حرضوا لقتل المناضل الغرباوى داوود يحي بولاد الذي جاء عن طريق الجنوب لتأسيس جبهة في دارفور، لاسيما وان ذلك الحادث المروعة ألقن الجنوبيين درسا ، مما أوصلهم لقناع مؤداه: أن أهل دارفور لم يعد لديهم الرغبة في المطالبة بحقوقهم، وإذا كانت هذه الرغبة موجودة فمعناه: أنهم لا يرون في الجنوب الحليف الجيد أو الآمن.

أن التاريخ لا يعيد نفسه، لكن إحداثه تتقارب أحيانا ، فانتقال الحرب من الجنوب إلى دارفور يعيد ذاكرة السودان خمسين عام إلى الوراء ،لان في المرحلة التي كانت الشماليين يتفاوضون مع السلطات الاستعمارية لنزع حق تقرير المصير والإعداد لسودان حديث مستقل ، كان الجنوبيين في معسكرهم يخططون لشن حربا ضد الحكومة التي سنشاء في الشمال، وهذا يتقارب مع الوضع الراهن ،فالحركة الشعبية والحكومة السودانية ما أن جلستنا واتفقا على منح الجنوب حق تقرير المصير حتى انفجر الوضع من جديد في دارفور.والذين يجهلون الحقائق ربما يطرحون السؤال السخيف: لماذا الحرب والبلاد مقبل إلى السلام والاستقرار؟ هذا السؤال نفسه الذي أجاب إليه الجنوبيين ، مطروح اليوم إلى دارفوريين !! ومما ألاحظ عن تحفظ أبناء دارفور من السلام:هو اعتقادهم من أن السلام الذي سيوقع بين الحركة الشعبية لتحرير السودان والحكومة السودانية لن يحقق طموحات وأمال أبناء دارفور المنشودة بقدر ما يستجيب لمطالب الجنوب .

ودون أن استطرد في الرؤية الدارفورية للسلام، لابد من التذكير بقول جنوبي عن الحكومة وأتطلع أن يصدقه أبناء دارفور : أن الجلابة كالعشيقة، إذا أظهرت إليها اهتمامك ، أهملك، وإذا أظهرت ولو جزء من خشونتك اهتم بك.

ولعل من علامات هذه القول :السلطات السودانية، لا الشعب السوداني، لم تكن في حال من التخبط كما هو عليه اليوم، وسبلها نحو تحقيق غاياتها لم تكن مستقيمة كما هو عليه اليوم(قليلا من حرية التعبير، لا معتقل سيأسى، حرية التنقل) فضلا عن جديتها ، واهتمامها البالغ بما يجرى في نيفاشا. ورغم كل ذلك تبقى السؤال الأكثر أهميه والذي يستحق الوقفة الصامتة: هل الحكومة يستطيع أن يحافظ على صداقاتها وأحلافها وعلاقاتها مع من تشابك يدها معها ؟؟؟.

والسؤال الهام الذي يضاف إلى هجمة هذه الأسئلة: ماذا يريد أبناء دارفور ؟؟ وأقول هذا من وجهة نظر جنوبي :إذا كان أبناء دارفور يطالبون فقط بالمساواة والعدالة والتنمية ، فأناشدهم ،أن يلتفوا حول ما يجرى في نيفاشا رغم عدم وجود من يمثلهم في الحوار .لان ما يجرى هناك بين الحركة الشعبية لتحرير السودان والحكومة السودانية يشبه عملية بيع وشراء:الحكومة تريد أن تشترى كاميرا تصوير فيديو، من الحركة الشعبية على سبيل المثال، ويتفاوضون حول السعر الذي حدده الأخير وترى الحكومة أن رأيها حول السعر مختلف ، ويتفاوضا إلى أن تصلا إلى الاتفاق وتكون الكاميرا ملكا للحكومة والمبالغ من نصيب الحركة، والعملية لن تنتهي إلى تلك السيناريو.فالحكومة إذا أرادت للكاميرا أن تعمل عليها أن تشترى البطارية من دارفور.وهذا ما يعطينا الثقة دائما بان مشكلة دارفور مهما يكن فأنها جزء من مشاكل السودان،والحرب التي تجرى في دارفور هي مجرد نكتة سياسية ستتحول فيما بعد إلى قصة سينمائية.

فما نتوقعه من أخوتنا في دارفور، من الساسة والمفكرين والمثقفين ومن ذملائى الكتاب ، أن يؤظفوا طاقاتهم لا إلى وضع سيأسى محتدم ، وإنما إلى سلام شامل في وطننا الواحد الكبير،وعليهم الوثوق بان:مهما ترهل عقل اى شعب ، ومات خلاياه ، وتجمد عن إدراك اى حقائق فان العقل الجنوبي لا يمكن أن ينسى أو ينكر ما يعانيه المواطنون في دارفور،وأتمنى أن أكون قد أصلت الرسالة!!.

*.