عاطف عبد الله المقعد رقم 21 أ

عاطف عبد الله المقعد رقم 21 أ


12-20-2003, 07:09 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=57&msg=1079935271&rn=0


Post: #1
Title: عاطف عبد الله المقعد رقم 21 أ
Author: sharnobi
Date: 12-20-2003, 07:09 PM

احساس مع وقف التنفيذ

بلا اذن مسبق يعتريك احساس يتفجر كالحمم لا تعرف موضع الفوهة الا لحظة الانفجار….هكذا الطبيعة تعبر عن روحها بلا اذن؟؟؟ ولكن نحن جموع البشر مساءلون ابدا منذ..... لحظة بدايات تكوين المشاعر الى لحظة انفجارها عن لماذا واين ومتى.. واسئلة اخرى لا ترد على خاطر بشر… انها الازمة انها لحظة الاحتضار فهل لنا ان نكون على مواقيت الصلاة اكثر حضورا ولحظة الموت اكثر يقينا ….وهل لنا ان نفسر لماذا تشرق الشمس التى لا تشرق ابدا.. ونجعلها لحظة ميقات نسبية…..,ونترك مشاعرنا العارمة والعامرة بالحب الى الصدفة!!!
ولكن لها فى القلب مكانة... تشغل عقلى باستمرارية خفقانه ....احاول ان اسلم لها امرى .. واتيها بالبيان الواضح عن مدى احتلالها لكل ساحات حياتى....وحينا يعتريك احساس الوصول المحال الراحل خلف السراب فتحاول ان تنفض ذرات الغبار من المفاصل المتآكلة...وتنتفض حين يفوق سريان الكهرباء فى مشاعرك بفولتية عالية تدفعك من حالة الارتعاشة الى حالة الانهيار والتصلب.....بتسارع فائق ..الى حالة التفحم فى ثوانى يتبخر عنك الامل ... وتنسد منافذ التواصل ويتجمد العشق فى العيون المنابع متكلسة كحبات الحجر الجيرى...... ليأتى علماء الآثار بعد ملايين من الاعوام ويستخدوا ادوات تحليل ترجع الحالة لزمن سحيق وتروى كقصة ... عاشق هوى فى الزمن الضائع....
.محاولة اخيرة فى زمن متبقى
يردد ولو حنيت لعهد الشوق....
إلهى تمر الايام.....
جلس وحيدا فى المقعد رقم 21 أ السفرية رقم 972 على الخطوط الاثيوبية المتجهه من احدى مدن غرب افريقيا الى الخليخ.......نهاية اجازة سنوية مرت كومض البرق....... تأخر اقلاع الطائرة من العاشرة صباحا الى الثالثة بعد الظهر......وتماما فى الثانية بدأت تتكوم حولى مشاعر رهبة من الرحيل.....كنت كالمخدر قبلها لا اعى بشى.... مساق بلا رغبة الى ساحات السفر التى تفرق بقدرما تجمع.......
آخر كلماتها ذكرتنى اغنية نوبية للفنان وردى ( كرولى نوقولى.. تارا ويدوسولى ساكو باكون فاكلا اي واجاق افدلولى نلو كيجاكولى ديلى وهلى) ترجمه قسرية
متى حللت
ولما التعجل بالرحيل
وكومض (بين حرف السين والباء)
ها احضنه الاسى
وودعت عينيى المنام
وحاصرنى المنون

كان كالغناء الخافت يغازلنى احساس الرحيل.... ينمو رويد رويدا حين تقترب الساعة.....عزاى بانها معى كالمريض الذى يعرف نهايته بين مشرط النطاس ولكن مازال يحمل نصفه حيا الى غرفة العمليات.....منذ ايام قررت ان لا افكر فى لحظة الرحيل لكى لا اضفى على لحظات الفرح الوان الحزن.... قررت ان اكبل النشوة بخيوط المدامة لكى ترافقنى.... اخدر كل بادرة تحاول ان تتسرب الى بنات افكارى بشتى السبل والحجج بان تصبر علىّ وتمنحى فرصة ولو اخيرة لكى لا افيق من هذا الفرح الخرافى..... طاوعتنى جبرا ولأن فيض الفرح المشوب احيانا بمرارة كمرارة الملح.......فرض على الساحة وعلا وجوده فوق كل البقع ..... فلا شئ يعلو صوت ا لعشق المتدفق ممزوجا مع المطر الإستوائى والخضرة الطاغية..... ولندع تلك الحظات الخالدة فى داخلى...واعرج بكم الى مسار الرحلة.....
كنت فى ساحة المغادرين... وحيدا احمل حقبيتى التى تحوى على جهاز الكومبيوتر الصغير.....كان جهاز التلفاز القديم 27 بوصة يجلس على مائدة متهالكة على بوابة الخروج الى البص الذى يقل المسافرين الى الطائرة... لا رغبة لى السفر .. لذا كنت متسكعا بطئ الحركة وكنت آخر الوالجين.......مازالت بقايا الدموع على المآقى وحمرة كست بياض عينى .. وحالة معكوسة على وجهى الحزين......ضعف الارسال والبث جعلت من الصورة والصوة مصدر ازعاج مستمر من جهاز التلفاز .....ولا ارى احد يعيره انتباه.......ولكنى ولسبب ما كنت احاول ان اركز على الشاشة المتذبذة الملم شتات افكارى المتبعثرة ولكن التفت ليمينى لاجد فيش توصيلة كهربائية قررت ان ابدأ فى الكتابة واحاصر حزنى بمتنفس عركته زمانا لعلاج حالات مزمنة دهامتنى لحين..فكان البلسم الوقتى والمتنفس الممكن من حالة الانتكاسة..... بحركة عفوية اخرجت الجهاز من الحقيبة... وبدأت فى تجميع المشتت افكارى......كنت متخوفا ان تخونى الكلمة وازهج وارجع الجهاز الى داخل الحقيبة ولكن بلا شعور وجدت الكلمات تتسابق وتصتف على اطراف اصابعى التى تعزف على مفاتيح الجهاز كعازف طنبور ماهر.. يجلس على جزع نخلة فى لحظات المقيل يداعب اوتاره.. دون تركيز على مقطوعة يترك العنان الى حبل تواصل مشاعره مع اطراف انامله فيبكى الطنبور مستجيبا للمداعبة الحزينة....ولكن هيهات بوجه المقارنة القسرية بين نوبى يحاول ان يكتب بلغة الضاد عاجزا برسم مشاعره بسلاسلة لغة امه وبين نوبيى يغازل آله تتكلم بلغته؟ ( (ما يهمش) ....( مغترب وطن ومغترب لعة....!)) وانا فى حالة اندماج كلى ناسيا اين انى كورة كلى مشاعرى على اطراف انامى مغازلا المفاتيح العربية.... اجد بعضها بالعفوية واتمعن فى بعضها حين تكون من حروف اسمها وافتش بطرف عينى لتلك التى مسحت من الذاكرة الخربة بعوامل التعرية العاطفية.... صوت موظفة الخطوط الاثيوبية تخاطبنى بالامهرية .....( هوى ان هرمي ايقا تنيا دارى) مع الاعتذار هى عفويتى النوبية التى اعتز بها كثيرا دفعتنى ارد بكلمات نوبية تعنى بت الهرمه ( مع الاعتذار ) اعتبرتنى اثيوبى..... ولكن بالنوبية لا تعنى قسوة او تقليل بقدرما هى حركة لفظية ترفض التقليل.......تداركت وتحدث مع بالانجليزية التى كنت اتمنى ان اكون افهم لغتها....الافريقية والتى هى قريبة من لغتى...... نبهتنى بان البص فى انتظارى.... وبعجالة فى امرى جمعت اوارقى المتناثرة على الكرسى والجهاز فى الحقيبة..... وبخطوات متسارعة اتجهت على البوابة..... فى لحظة راودنى احساس تمرد...... وان اتقصد بأن تتركنى الطائرة.. ولكن قوانيين الجوازات والحواجز الدولية تقف فى كثير من الاحيان ضد رغبة الانسان فى التفاعل مع مشاعره.....كنت آخر المتسلقين الى البص..... وكنت آخر الصاعدين فى سلم الطائرة......
طلبت منى المضيفة اوراق السفر ووجهتنى الى المقعد رقم 21أ الدرجة السياحية على المقعد امام الجناح على النافذة...... لم يكن فى المقعد المجاور... مسافر..... فكان لى لى ان اجلس القرفصاء متمددا بين المقعدين.. وبجوارى جهاز الكومبيوتر... فجأة شعرت باحساس غريب تكوم امامى حنين غامر.... تقعر جسدى منكمشا وانطفأ الضوء من امام عينى.... وداهمتنى رغبة عنيفة للبكاء...او الهتاف الخافت... افقت باننى مسافر حقيقة واننى على متن آلة سوف تحملينى بعيدا.... وانه الوداع... وانه بما يعرف بالسفر....

مسافر..........
تمازج صوت مصطفى سيد احمد .. وادريس ابراهيم فى مسافر للشروق جسما بلا روح مسافر انا تب ما لى فى السفر رغبة..... ومسافر التى تنداح من وجدان مصطفى فى صوته معبدا طرق الرحيل بأهات الوجع.......والرسم بالكلام ملامح الحزن الذى ينبت من الاوردة اشجار تتمدد كاشجار متسلقة ....
اعلن المضيف باللغة الاثيوبية عن بدأ الرحلة وكررها بالانجليزية ثم الفرنسية..... تسمرت واجما على المقعد.... بلا حراك شارد الذهن متيم......اتركونى ولو للحظة اعيد ساعات الزمن وكأنى على ظمأ تسحب قدماى بعيد من مورد الماء.......... وانا فى هذا الصراع........اختتمت فصل التنازع دمعة تسللت عفوية لتسدل على فصول النزاع بين ماهية الحالة... لتؤكد انه الحنين الجارف والخوف الصامت من عذابات الرحيل عن الاوكار التى كانت تضمك بحنانها ولطفها...انها حالة عشق خارج مواسم الخيال... انه العشق الذى يتسرب من اسفل قدمك الى فروة راسك مكتسحا كل السهول... وفارضا لونا جديدا لحالة واقعيه واحساس ينبع منك لا يأتيك مع نسايم الليل عندما يرخى عليك هموم خيالك فترسم على الرمال وجهة حبيبتك كما تتصور لكى تضيف عليها حبات الرمل ملامح كروكية لمقترح.. اما هذه المرة فالرسم يا صحابى على منحوت على ساق شجرة الابنوس وبأزميل نحات عرك الحياة يحاول ان يختتم فصول الحياة بلوحة تتمدد خلف اشجار ذيت النخيل ... انها حالة اعلان تقرر عندما عانقت الطائرة الفضاء واعلنت المضيفة باننا على ارتفاع 37 قدم فوق سطح مياه البحر.... اعترانى احساس حينما اصبحت السحب بينى وبين الارض...... وانفردت بنا اشعة الشمس المعكوسة كبريق الفضة....لمعانا وتوهجا...... تمنيت لو كانت تجلس بجوارى.. او لو كنت املك اذاعات المطر لكى اعلن على الملأ اننى فى حالة عشق افريقى..... متوهج.....
مرت اللحظات الاولى وتماما انا فى حالة عدم الوزن الداخلى.......مر المضيف يد\فع عربة الخدمة سائلا عن نوع الوجبة والمرطبات...... كن سارحى حينما شعرت بيد شاب فيه ملامح شخص اعرفة يتحدث معى... وانا فى حالة من الارتباك... حسم الموقف... بوضع طبق.... ورفع قارورة حمراء وافرغ كأس من مشروب ..لم اتردد ان اتناوله اولا؟؟ كان كالدواء مرا .. بنكه ماء الغرغرة .......شعرت بدبيب يسرى.... يلامس مشاعرى وبحالة ارتخاء.......انها المدامة.......... وانا فى حالة ترغب من خلال النافذة اشاهد بتأمل صامت حركة غروب شمس اول يوم للوداع........حزين انا لما لا يمر على ولو عام احساس فرح ......
اسلمت لنفسى لشريط الذاكرة والحديث الذى توقف...لحظة التوهج والاشتعال......اطمأن نفسى بغد قادم.... وفرح فى الانتظار......واذا بصوت المضيفة تتحدث بطريقة مسرعة وبصوت حاد... لم افهم منها الا اسماء مدن.... انجمينا شاد.........واسماء مدن افريقا الوسطى........وكلام سوف السودان... لحظتها... عفويا انتظمت فى المقعد.. منتظرا الاعلان باللغة الانجليزية... كنت انتبهت بان هنالك شاشة عرض تعكس مسار... الرحلة.... تأخرت... مما ذاد انتباهى وتشوقى......... وتنهدت وكأنها فى حالة اثارة مقصودة لى... بدأت بتحية ايها السادة والسيدان نحن الآن على مشارف الحدود الشادية وسيكون خط سير الطائرة عبر الجزء الجنوبى لدولة شاد... ومرورا..... بافريقيا الوسطى.........ثم صمتت وانقطع ارسال الجهاز لمواصلة الفلم ..لم يغرينى لكى اتابعه..... ازعجنى الامر ..... وغلبنى الذى اتصوره........ ولكن بدأت الاشياء تطفو للذاكرة... الحنين القديم ينبع من افجاج عميقة....... الذكريات تتسارع لتغزو مقدمة الرأسي.... واللخبطة حصلت...... طلبت كأسا آخرا.... واسهيأت نفسى لرحلة فى خيالى...مرت اللحظات.... حينما توقف جهاز العرضت وسمعت خشخة المايك وصوت المضيفة المتقطه... وركزت عيناى على الشاشة التى عكست خارطة افريقيا ... الخضراء ومسار الطائرة باللون الاحمر..... والطائرة تتقدم شرقا.........بعد ان انهت بثها باللغة الاثيوبية... بدأت بالانجليزية والآن نحن على حدود السودان.... وجدت نفسى متكورا كأذن كبيرة تعطلت كل الحواس الا حاسة النظر والسمع...... وحينها...يا ساتر....... توقف القلب عن النبض... وتزاحمت الذكريات... ايام مشروع جنوب دارفور وتلس ام بنات ملس..... وقوز دانقو وحفرة النحاس... الرزيقات... الضعين.... هيئة توفير المياه...... وكندوة........مرت بخيالى ذكريات وتضخم الوطن فجأة ذلك الوطن الذى اصبح كالذكرى تحت انقاض الحياة الراحلة...... تكون حنين خاص وكأنى انفصلت عن الحالة التى انا بها وخلقت لى اجنحة لكى اطير متوازيا مع الطائرة... مرت كل بقاع الوطن... كبقعة ذكرى تتحدث اقرورة عيناى... وانا اعبر شرقا من حدود الغرب... تذكرت واو وجوبا..... والنيل والخرطوم......ولان مشروع الذكرى كان حكرا للنوبة والنخل والخالات واولاد العم...والساقية المنحوة فى الذاكرة واصوات المراكبية....ولكن عشق الوطن الام كان تحت ازير الحرب وصوت الموت مخاوف.... والحالة الصعبة.... ناس اللاحكم الاهدروا دماء على فضل ومعاوية..... ومجدى وكل الشرفاء خلى لمسات تطغو على الذكرى الحلوة وبقيت مساحة الذكرى محصورة على الناس الشرفاء والغبش والحالة الصعبة من افواه القادمين من الوطن خلى الوطن نسيج من الالم لا اتجرأ ان احلم بذكراه كتير... الا اللحظة هزمنى احساسى المزيف... بقيت وقت الجد لم اتمدد الوطن تحت ناظرى ... بان لى شوق من نوع آخر...... اتمنيت لو سمحوا لى ان افتح البرشوت وادلى على اى بقعة من الوطن الاسمو عزيز ....
ومازلت فى هذا الخضم من الذكرى بين العام والخاص ونزاع الوجدان المرهق بالعشقين عشق الوطن والحبيبة....وكنت اصحو على صوت المضيفة تطلب بان نربط الاحزمة للاستعداد للهبوط فى مطار اديس..

ومازلت اسير الذكرى
اردد اجيب من وين عمر
للعشقين عشق حبيبتى ووطنى

حق لا بد ان اعلنه لولا صديقى عاطف عبد الله لم رأت هذه الخاطرة النور
معذرة الى زمراوى والمسافة
منقول من احساس مع وقف التنفيذ

Post: #2
Title: Re: عاطف عبد الله المقعد رقم 21 أ
Author: عاطف عبدالله
Date: 12-21-2003, 07:40 AM
Parent: #1

العزيز شرنوبي
شرف عظيم كللت به عنقي

Quote: حق لا بد ان اعلنه لولا صديقى عاطف عبد الله لم رأت هذه الخاطرة النور

أكبر مصادر فخري وأهمها هي الصداقة التي وسمت علاقتنا وستكون وقودها طوال وجودنا على ظهر هذه البسيطة
لك الود والحب على طريقة الأسكيمو ( لا تسألني ما هو الحب على طريقة الأسكيمو وأسأل د. مصطفى مدثر الذي قالها قبلي )

Post: #3
Title: Re: عاطف عبد الله المقعد رقم 21 أ
Author: Abo Amna
Date: 12-21-2003, 09:18 AM
Parent: #2

معقولة بس

العزيز شرنوبي

Quote: يا اخوانا وين شرنوبي ...]

مع تحياتي
أبو آمنة

Post: #4
Title: Re: عاطف عبد الله المقعد رقم 21 أ
Author: اسامة الخاتم
Date: 12-21-2003, 09:36 AM
Parent: #1

شرنوبى رائع
شرنوبى مشتاقين

Post: #5
Title: Re: عاطف عبد الله المقعد رقم 21 أ
Author: البعيو
Date: 12-21-2003, 10:17 AM
Parent: #1

شرنوبى والمشاركين
سلامات
شرنوبى والله لو ماداير الزعل كان اقول ليك انك سرقت احاسيسى ومشاعرى وعبرت عنها بهذه الروعه
لك الشكر ولنا المزيد