نحن و الحبشة و الشرق: تاريخنا المنسي. ‏

06:53 AM October, 11 2018 سودانيز اون لاين
محمد عبد الله الحسين-
مكتبتى
رابط مختصر:
نحن و الحبشة و الشرق: تاريخنا المنسي. ‏: التنافس و التقاتل و التداخل.
‏منذ زمن أحس بأن في شرق السودان هناك كنوز من التاريخ و الثقافة و حتى ‏الجينولوجيا في تربض في احضان الترب لم يتم الكشف عنها..ليس ذلك لانحياز ‏عُجْبٍ جهوي أو هوىً إثني مُتّبَع.. لا يستند على منطق..و لكن لأن التاريخ المرتبط ‏بالشرق ثري و ‏ لأن تأثير الشرق كبير.. و الارتباط التاريخي به عميق منذ آلاف ‏السنين. لم يماثله إلا طغيان الغزو التركي من الشمال و إن كان في أصله آتٍ من ‏الشرق في بداية المطاف و نهايته ...‏و الشواهد كثيرة على ارتباط السودان القديم بالشرق ...و حتى لا اشتط أقول كل ‏العالم كانت أنظاره و موطئ اقدام جنوده و مناط غزواته كانت على الشرق ‏السوداني على امتداد البحر الأحمر...حدث ذلك منذ الامبراطوريات القديمة اليونانية ثم ‏الفارسسية ثم الاسلامية ثم التركية..‏ثم:و هل ننسى هجرة الصحابة؟هل ننسى عزو عيزانا (اكسوم) لمروي؟هل ننسى مواجهات الخليفة مع الأحباش في القلابات؟هل ننسى لجوء هيلاسلاسي للسودان؟و قبل كل ذلك الم نتشاطر وجود بلقيس سليمان و كذلك سبأ و توزعهما بين الحبشة ‏و السودان و اثيوبيا؟مواصلة طبعا عبق التاريخ لا ينضب..

فالمنطقة يا احباب كما تعلمون منطقة تمور بكنوز المعارف التاريخية و الثقافية التي ‏هي جِماع كل تلك الغزوات و الحضارات السابقة ..‏

بل و لا زالت تلك المنطقة محط الاهتمام لمطامع و استراتيجيات الغزاة و ‏المتربصين من المستعمرين الجدد و أصحاب الاستراتيجيات بعيدة المدى..‏

و هم الذين استحدثوا و اختصروا مطامعهم في مسمىٍ يقصِر اهتماماتهم و مطامعهم ‏في ما يسمى بالقرن الأفريقي..المدخل للقارة الأفريقية من خاصرتها ‏الضعيفة...الممر الكنزي الهائل لمعظم موارد
العالم و القارات.. ‏

أقول كل ذلك و للأسف لا زال ثوب تاريخنا الشرقي مليء بالثقوب...‏

تحدث د. ميرغني من قبل مرات عديدة و كتب كثيرا عن الشرق و الارتباط ‏التاريخي به منذ عهد سليمان و ما قبله و ما بعهده روى الاساطير المحلية التي ‏تحاول الاحتفاظ بتاريخ مجهول و توثيقٍ لم يتم ..كتب عن تأثر الحجاز الغربي و ‏وسط الجزيرة بالسودان و النوبة...و كتب غيره الكثير..‏
المهم ...كنت أبحث في الاسافير التي تماثل (العتامير) في موسيقاها و تركيبها ‏اللغوي و في ورود من يدخل فيها دون تثبّت و تركيز موارد التيه و التوهان و ‏الضياع.‏
كنت أبحث عن الأصل اللغوي لكلمة الدامر التي قيل ( و من بين من قال ‏البروفيسير عبدالله الطيب) أن أصل كلم دامر تعني اقام.. ‏
و اتذكر أنني سمعت يوما في الإذاعة أن كلمة دمر و دامر مستخدمة لدى بعض ‏قبائل شمال كردفان( أريتم إلى أي حد يضيع التاريخ من تحت أقدامنا؟).‏
و هكذا تهتُ في عتامير الاسافير ساعات بين أصل كلمة عطبرة(اتبرة) و بعض ‏المناطق الأخرى..‏
و أخيرا رسيَ بيَ التطواف عند كوش و مروي و عيزانا ملك اكسوم..‏

و هنا تلاقت قمم‏(يا مرحى ...و يا ويلي منها يا رجل!)‏ تلاقت قمم من الموضوعات ‏الشائكة و المتشابكة ..و لكنها من الموضوعات السائغة لأصحاب الشهيات المفتوحة ‏للبحث و الحفر المعرفي المُجْهِد.‏
و هكذا توقفت كثيراً ...كما حمار الشيخ .. عند عيزانا...‏

و كيف لا أقف عنده و قد تمّ الناقصة بالانقضاض على مروي..؟

و هكذا يا إخوتي يرتبط تاريخنا مرة أخرى و يشتشابك مع جيراننا بالغزوات و ‏الاقتتال و التنافس ..تارة من الشمال و تارة من الشرق.‏

و هكذا و الليل يتوارى باعجازه عن منتصف الليل وجدت نفسي أود أن أغلق مؤقتا ‏نافذة ( شرقية) مطلة على البحر الأحمر ...

كنت أجهد أعين مكدودة ماسحاً سواحله التي تعبت من وطء أقدام ‏الغزاة..و عينيّ تطلعان في أسىَ شفيف( الرحمة للسياب) شمال البحر الأحمر و ‏هضابه ..

و شماله و جنوبه....و ما وراءه ...من الجزيرة العربية و إلى العراق و حتى ‏الهند..‏

ما الذي أتانا من الشرق؟

الهجرات؟ القديمة أم الحديثة؟

الغزوات؟ الحربية أم السلمية؟

الثقافة؟التبادل أم الاستلاف أم الاستلاب؟

التجارة؟ الاستيراد أم التصدير؟

....التاريخ...الجغرافيا...الثقافة....الغزو...

حبيبنا محمد عبدالله .. تحياتي ..
دائماً بوستاتك مفيدة جداً أنا شخصياً أترقبها ..
لأول مرة أقرأ لمحاولة فتح نافذة حول تاريخ الشرق
أرجو أن تواصل عبر هذه النافذة ..

في إنتظار المزيد ..

صديقنا الحبيب علي عبدالوهابتحية طيبة.

Quote: .................أول مرة أقرأ لمحاولة فتح نافذة حول تاريخ الشرقأرجو أن تواصل عبر هذه النافذة ..في إنتظار المزيد ..

أتأسف للتأخير غير المقصود..كلماتك الطيبة هذه بمثابة حافز للاستمرارإن شاء الله

في حقيقة الأمر لفت نظري لأهمية الشرق موضوع كتبه د. جعفر ميرغني...كان موضوعا مزلزلا لقناعات الكثيرين...
موضوع غاص بنا في اعماق التاريخ ليربطناأو بالأحرى ليربط تاريخنا بطريقة منهجية بحثية ممنهجة بتاريخ الممالك الكبرى لما قبل الميلاد و ليربطنا بسيدنا سليمان و ببلقيس ملكة سبأ و بالوجود النوبي في بلاد الحجاز منذ أزمان بعيدة...
و كان أن أقض مضجع شبابي الباكر ذلك الهتاف القوي(أن بلقيس ملكة سبأ ..سودانية)...
كان ذلك المقال الذي يقع في حوالي العشرين صفحة مدخلا لي لكي أتعرف و أقتني لأول مرة كتاب العهد القديم و الجديد/التوراة و الانجيل لكي استجلي حقيقة ذلك الادعاء الوجودي الكبير..أن أبحث عن علاقة سيدنا سليمان بالسودان و بمملكة سبأ و ببلقيس..و علاقتها بفراعنتنا الكبار بعانخي و نرهاقا...
خلاصة الأمر تناسل بحثي الغر المتواضع المترنح الذي لا تسنده منهجية واضحة و لكننه يعتكز على اكتاف روح شابة باحثة عن العلم متطلعة للتعرف على العالم...
هذه هي بدايات اهتمامي و لا زال للتعرف بالشرق عموما..الا تستحق تلك البدايات أن احتفي بها؟فقد رمت بي في دروب مجهولة المسالك و لا زلت أغوص و أتعثر حتى الآن.

طالما نحن نتحدث عن توثيق نشأة المدن من حيث العمران و السكان و الاقتصاد.هذا من ناحية و من ناحية أخرى طالما نتحدث عن الشرق بمعناه المحلي و الخارجي فإن مدينة سواكن تمثل هذا الربط..أقصد بين المحلي و الخارجي..و تمثل كتابات جون لويس بوركهارت جانب مهم في هذا التوثيق خاصة لفترة ما قبل الغزو التركي و خلالا فترة انحطاط السلطنة السنارية التي شهدت فيها التجارة مع العالم الخارجي انتعاشا كبيرا من حيث التصدير و الاستيراد.
سواكن:
وصفها بيركهارت في كتابه الموسوم(رحلات بوركهارت في بلاد النوبة و السودان) و هو الكتاب الذي نشر بعد وفاته..إبان زيارته لها في 26 يونيو 1814. المدينة تنقسم إلى جزأين : منطقة الجزيرة التي تشمل الميناء و منطقة مراسي المراكب و سكن المسئولين الحكوميين و المرتبطين بالبتجارة البحرية. و الجزء الثاني هو منطقة(القيف).
وصف بوركهارت سواكن بأنها جزيرة مبنية على نظام جدة فالبيوت من طابق او طابقين و المباني مشيدة من قوالب من عرق الؤلؤ و هي انيقة المظهر و على الجزء الجنوبي الشرقي آثار حصون قديمة . البيوت حوالي ستمائة بيت و بها ثلاثة مساجد. ثلثتا المدينة ادركه البلى بسبب تآكل قوالب اللؤلؤ

(القيف) و هو جزء منفصل عن الجزء الخاص بالميناء الذي يسكنه حاكم المدينة و الموظفون الحكوميون و العاملون بتجارة البحر . و القيف هو مكان سكن و إقامة عامة السكان الذين أغلبهم من الأعراب و البدو من السودانيين الذين ترتبط مصالحم بالسوق ..فهو مبني وفق اسلوب العمارة السوداني لا العربي و لها حيشان كبيرة و سائر البيوت من الحصر كبيوت البدو النوبيين.
على مسيرة نصف ساعة توجد آبار السقيا التي تمد سواكن بمياه الشرب و عددها 12 بئر و توجد بالمدينة صهاريح لحفظ ماء المطر و لكنها متهدمة و لا يوجد من يهتم بترميمها
سكان الجزيرة هم من يشتغلون بتجارة البحر و الشحن على المراكب و اشغال الحكومة اما الاهالي العرب و التجار السودانيين فيسكنون القيف حيث السوق.

إذا كانت هذه هي المدينة فمن هم السكان الذين يكونون لحمة و سداة المدينة..هل مثل كل الموانيء خليط من الأجناس و القبائل؟
سنرى في الجزء التالي.

لابد من أن أشير إلى أن هذا الموضوع متشابك و متداخل كتشابك و تداخل ديناميات التاريخ و العلاقات و الثقافات بين مكونات هذه المنطقة (الشرق) المختلفة.
و لم تبرح الأهمية الأمنية لساحل البحر و أطرافه الشمالية و الجنوبية هي محور الأحداث الجسام على مر التاريخ و على اختلاف مراحله..
لذلك فإن تناول هذا الموضوع بالبحث تشترك فيه الجغرافية مع التاريخ مع الثقافة مع اللغة و الدين في امتزاج يغلب محاولات التفريق بينهم..
على سبيل المثال عندما نشير لتاريخ المدن سنجد أنفسنا نتحدث عن السكان و الهجرات و التداخلات اللغوية و الاجتماعية و الثقافية ليس على المستوى المحلي فقط بل حتى على المستوى العام..