قصة: ماركوس مع الوداعيات.............................................. (12)

قصة: ماركوس مع الوداعيات.............................................. (12)


12-24-2016, 04:07 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=490&msg=1482592053&rn=0


Post: #1
Title: قصة: ماركوس مع الوداعيات.............................................. (12)
Author: حمد إبراهيم محمد
Date: 12-24-2016, 04:07 PM

03:07 PM December, 24 2016

سودانيز اون لاين
حمد إبراهيم محمد-جدة- المملكة العربية السعودية
مكتبتى
رابط مختصر


-1-
كلما أسمع أغنية "ست الودع" من فنانينا وفناناتنا الشباب، ومقطع: "ست الودع - هاك وشوشه - لي كشكشيه - ما تختشي - قوليه لي كان فيهو شي"،
أتذكر قرية الخليفة ود أزرق، إحدى القرى الممتدة غرب مجرى النيل الازرق شريان الجزيرة المروية، وبيت جيرانا، وشجرة النيم الظليلة
وقهوة النسوان بعد رجوعهن من "حواشات" القطن، والشيخة بت ود سامو، ووديعاتها السبعة؛ ذكر أنها وجدتهن بالقرب من ضريح الخليفة، حيث ترقد جواره مدافن موتى أهل القرية
التي سميت باسمه، يمر أمامي شريط جميل للحظات فارقة من الإلفة والود، أختلسناها زمن الصبا رفقة صديق العمر زياد أبو شلوخ "ما ركوس" كما يدعوه صبيان القرية، لعطزنته في اللعب،
لكنه زول ظريف وفنجري وحكاي، حكاياه لا تمل، تسبقه إبتسامة وضحكة فرح قبيلة، وغالبا ما يبدأ الحكاية بنكتة، اذكر ونحن جالسين بعد صلاة العشاء، أطلق ضحكته المعهودة،
حينها تحفزت وملكته كل انتباه وشغف المعرفة، قال أسمع، روي عن الراحل المقيم الفنان الجميل عبدالعزيز محمد داود، أن له مزرعة ناحية شمبات الزراعة بالخرطوم بحري،
في أحد الأيام وهو عائد دخل البيت قابلته واحدة من بناته متسائلة < الليلة يا أبوي أتاخرت؟
> إنتي ما سمعتي المقابلة الإذاعية مع الجدادة "دجاجة"؟
< جدادة ومقابلة إذاعية؟
> اااي وفي نهاية المقابلة سألوها تحبي تسمعي شنو؟
< ردت أحب أسمع "الليلة ديك"..
> خلاص الليلة ديك ديك ديك.

-2-
عدل "ماركوس" من جلسته، يا اخي متوكل حصلت لي حادثتين مع ستات الودع محيراتني لي أسع، الاولى وانا صبي غرير، والثانية وانا موظف في إدارة حكومية،
كدي خليني أبدأ بالثانية، خلال توجهي صباحا للعمل من حي كوبر شرق النيل، انزل من مواصلات الجريف شرق عند قهوة "الزيبق" المشهورة،
يقال أن صاحبها هو أول من أدخل "الفونجراف" مع أسطوانات فناني الحقيبة، وتقع جنوب الجامع الكبير بالخرطوم الذي أشتهر بمشادات أنصار السنة والصوفية في ذلك الوقت،
اترجل مخترقا ميدان الأمم المتحدة خلف الجامع وجنوب سوق الخضار واللحوم سابقا، هناك وداعية يبدو عليها الوقار، أمامها مربع رملة صغير عليه سبع ودعات، عادة لا أتوقف،
فقط أسلم وانا ماشي، لكن في فترة توقفي عن العمل مدة ثلاثة أيام، ليس بسبب المرض، بل لغبن حاق بي، فقد تخطاني في العلاوات والترقيات بعض الموظفين كنت اقدمهم،
بعد مضئ الايام التي أمضيتها في المنزل منزويا تراجعت عن تقديم استقالتي، وحضرت مبكرا مارا بالميدان، كعادتي أقريتها السلام وأنا ماشي، أتاني صوتها.
> مالك يا وليدي ليك مدة، ما جيت بي جاي...؟
< عندي إيجازة .
> سمح، كدي أقيف خليني أشوف ليك الودع، ما تشوفني كدي، حبوبتك كشافة...!!!
> رمت وديعاتها مرة ومرتين لمن زهجت وخفت أتخر، لكن في المرة الثالثة سمعت العجب.!
> يا وليدي الودع محمدك.
< خير وزين.
> انت داخل في محل عملك يلاقيك راجل في السلم شايل ورق بمدو ليك..؟!
< كان في جيبي شوية قريشات اتقاسمتها معاها، واستودعتها الله، وأنا في نفسي ترقية على الاقل تجبر الخاطر.
> وضع يده على كتفي، أخي متوكل، انت سرحت واللا شنو..؟
< لا لا معاك.
تخيل أيه الحصل، واسترسل فعلا، قابلني رئيسي في العمل، وبعد السلام والذي منه. فاجأني، إنت منقول ل"كهف المحفل" المجاور، مع وقف العلاوة والترقية، محذرا؛ مصالح الوطن والعباد خط أحمر.
الحيرة تملكتني...؟!

-3-
وقبل أن يبدأ ماركوس سرد الحادثه الأولى، مرت في خاطري قصة ديك مطربنا الراحل المقيم ابوداود، فتذكرت "ديك" صديقي هذا، فمنذ فقسته الاولى من البيضة، ختفه بغتة،
وقبل أن يهرول تعرض للسعات حارة في أرجله من الجدادة، وضعه في قفص خاص دبره له، ومن حين لأخر يأتي بدريش الذرة ويكضضه ويزغطه حتى أصبح هذا الديك العجيب
يلتقط ما يجلب له من حبوب، بشراهة ودون هوادة، له منقار أدكم، وأرجل مكتنزة، وريش أحمر على ذهبي، كثيف ريش الذيل مع حلقة زرقاء خلف الرأس، وعرف مشرشر كانه تاج أباطرة الرومان،
أحب صديقي هذا الديك ويصف حركاته كأنه يمثل على خشبة مسرح، ومن كثرة تجواله عرفه أهل القرية صغيرهم قبل كبيرهم، بصوته القوي وتردد نغماته الهارمونية، تتكرر بفاصل محسوب،
يتجول في الحي حتى بذوغ فجر يوم آخر، في أحد الأيام، مزحت معه الوداعية الشيخة بت ود سامو، زياد يا وليدي ديكك ده يستاهلو خشمي، لفحها بنظرة حانقة حيرى فاكا رجليه للهواء.

-4-
استرسل صديقي ماركوس في سرد الحادثة الاولى، كأنه يحدث نفسه، الشيخة بت ود سامو، مرة عجيبة، ليها منبر وبنبر خاص تجلس عليه أسفل شجرة النيم، تمثل هيئة المعلم القوي العارف بدقائق الأمور بلا منازع،
يتحلق حولها عدد من نسوة الحي بعد رجوعهن من حواشات القطن، لشرب قهوة العصرية والثرثرة، يشربن البكر والتني، أما بركة القهوة "التالت" فيخصص لي منه فنجان راتب مكافأة وإغراء لتلبية مراسيلهن وطلباتهن،
لهذا آتي مهرولا بسروال قصير وجسم عاري مغبش، جراء التعارك مع الاخوان والاخوات في لعبة عسكر وحرامية، أجلس على الأرض باركا بين النسوة، لا حبا في بن القهوة، بل تلهفا لسفسفة السكر الذي أختلسه خفية
وأناصف به الفنجان، عيني على تقافز حبات الودع كانها صيصان دجاج، تدهشني حركة يد الشيخة والوديعات في يدها، تصمهن ثم تكفي يدها بزاوية منحدرة فينسرب وتفر حبيبات الودع على أرضية ملساء تجاه النسوة،
وهن كأن على رؤسهن الطير، - خير وزين والصلاة على النبي؛ - فلانة جاها السعد - علانة جاتها طية - واخرى خشم بيتها جيروه - الراجلها فتح ليه بيت ثاني دي مني فيكن، وتسمع تمتمات؛ بري بري بري حوالينا ما علينا،
وغيره وغيره كثير، وانا أترقب رد فعل النسوة، لكزتني الشيخة يا وليدي الوديعة دي محمداك "أت مالك مابي عشاك"، قمت فزعا، تمتمت بصوت بالكاد يسمع، خوفا من والدتي حاجة زينب، قلت لهن يا نسوان ودع الشيخة ده كضاب،
لكنها نهرتني، أمشي يا مطموث، تقافزت حيث لعبة عسكر وحرامية مع صبيان وصبايا، قلوب بريئة وضمائر سليمة ونفوس تعانق طفولتها، بعد المغرب يدركنا العيئ والجوع، كل منا يتوجه لبيت أهله، دخلت البيت، الضؤ خافت،
الوالدة راقدة على سريرها، ده إنت يا زياد؟
> آآآي ..
> عشاك في التربيزة .
> يمة يمة يمة ؟
< عاوز شنو تاني؟
> الليلة طابخين جدادة؟
< آآآي عشان خالتك الليلة معانا وضبحنا ديك.
> ديكي ؟

< من حوامتو الكتيرة، صدمتو سيارة في الشارع، كسرت رجل وجناح، وأخوك فضل ضبحو.
< ليه ليه ليه؟
> حذاء السفنجة يلتصق بظهر العاري، ما قلت ليك ما تسوي يومك كلو لعب؟
> أتبكمت، دخلت غرفة حبوبتي حاجة فاطنة، أنسربت خفية مرتجف تحت سريرها، جفل النوم، بأكفي أخرست ألاذنين، صدري له خوار، أحتقن الدمع وأعتصم داخل المقائي متجمدا، عانقت المعدة عظام الظهر، تحالف تؤم سيامي.
الحيرة تملكتني...؟!
(حمد إبراهيم دفع الله)
الاثنين 19 ديسمبر 2016م
******



Post: #2
Title: Re: قصة: ماركوس مع الوداعيات...............................
Author: حمد إبراهيم محمد
Date: 12-24-2016, 04:08 PM
Parent: #1


.