قصة الراكب على المقعد الخلفي ................................ (8)

قصة الراكب على المقعد الخلفي ................................ (8)


11-24-2016, 01:49 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=490&msg=1479991788&rn=0


Post: #1
Title: قصة الراكب على المقعد الخلفي ................................ (8)
Author: حمد إبراهيم محمد
Date: 11-24-2016, 01:49 PM

12:49 PM November, 24 2016

سودانيز اون لاين
حمد إبراهيم محمد-جدة- المملكة العربية السعودية
مكتبتى
رابط مختصر


قصة الراكب على المقعد الخلفي ..................... (8)

كلما نمر بهذه اللوحة ذات اللون الرمادي، يبادرني صديقي أبو المعاطي مصوبا نحوها، ده مكتب أستاذنا حماد، أنه في الطابق الثاني لعمارة تطل على الشارع الرئيسي في المدينة،
يتوسط اللوحة عنوان بارز (حماد للاستشارات الاجتماعية والقانونية)، شاب أخضر ممشوق القوام رزين صبوح المحيا، الطيبة والخيرية مجسدة، فخورون به، لسعة علمه ومعرفته
وصوته الهادي الواضح، يغرس فينا معاني الجمال والالفة وحب الانسان.
في ذلك الوقت كان لايزال يدرس ليلا في الجامعة، هو واحد من معلمينا في المدرسة المتوسطة بالمدينة، يدخل علينا في صباح اليوم الدراسي، يشرح لنا علم "الاجتماع" والتفاعل مع الواقع الاجتماعي.
وعلم "الاخلاق" وفعل الخير وتجنب الشر، للوصول الى المثل الأعلى للحياة، والمحاماة وذكاء المحامين، وعنهم يضرب لنا مثلا بالمحاكم الأمريكية والمفارقات التي تحدث فيها منها هذا الحوار.
"المحامي: يادكتور, قبل قيامك بعملية التشريح, هل قمت بفحص نبضه؟
الشاهد: كلا.
المحامي : هل قمت بفحص ضغط دمه؟
الشاهد: كلا.
المحامي: هل قمت بفحص تنفسه؟
الشاهد: كلا.
المحامي: إذا, من الممكن أن يكون المريض حيا عندما بدأت بعملية تشريح جثته؟
الشاهد: كلا.
المحامي: ومالذي يجعلك متأكدا لهذه الدرجة, يا دكتور؟
الشاهد: لأن مخه كان على طاولتي موضوعا في قنينه.
المحامي: ولكن مع ذلك هناك احتمال أن يكون المريض لازال حيا؟
الشاهد: نعم , من الممكن انه كان حيا ويمارس مهنة المحاماة".

ومن المحاكم السودانية يذكرنا بالراحل المقيم مبارك زروق وسؤاله لشاهد قضية صيدلية شاشاتي بالخرطوم.
- "ماذا تعني بقولك الحليبي ده؟.
- والله يا مولانا نحن كل واحد "ابيض" بنقول ليه حليبي.
- لم يزد زروق في الاسئلة".

يزيد ذلك من مرحنا وتعلقنا بمهنة المحاماة والعدالة.
أعتدنا صباح كل يوم سبت أن ندلف إلى غرفة انتظار مكتبه، رجالا ونساء يترقبون، يزداد فخرنا، ومن ثم نستخدم درجات السلم قافلين، اعتدنا على ذلك، لكنا في هذا اليوم
ونحن نسير في الشارع على الجهة المقابلة للعمارة، سحبني صديقي أبو المعاطي هازا كتفي، لوحة مكتب الاستاذ "وينها" ؟!.
- أزحت يده بدون اكتراث، ربما نقل مكتبه لجهة أخرى.
في صباح كل جمعة نتقابل كلينا، عند مقهى "رزق" بأحد احياء المدينة، ونسير حاملين معداتنا لصيد الاسماك على الجهة الشمالية للنيل الأزرق، اعتدنا ان نرى الموترسايكل الضخم تحت شجرة اللبخ،
وصاحبه أبو حليب منفوش الشعر مبهدل الهيئة، كنا نطلق عليه هذه الإسم تفكها.
صاحب الموترسايكل، ينزل من قيفة النيل وبالقرب من الماء هناك عند نبتة "الست المستحية" يجلس، وقته يطول ويطول. قبل المغرب ناخذ معداتنا ونتوجه لبيوتنا بعد ما أخذ منا التعب،
واحيانا الفشل في ان نصطاد اي شيء ذي بال. ونترك الحليبي هو وموتره.
في يومنا ذاك سألت صاحبي أبو المعاطي؛ الحليبي ما شايفه اليوم..؟،
- اقترح ان ننزل عند مجلسه ونرى ما هناك.
- لم احبذ الفكرة، فسلوكه غامض، وسكونه غير طبيعي، لا يصطاد سمك لا يقرأ كتاب لا يكتب مذكرات، ولا حتى يأكل طعام، اخشى ان يأتي على غفلة، يقبض علينا بالجرم المشهود.
- على قولك الزول ده شكله شراني.
في رجوعنا عصرا، نسمع صوت موترسايكل الحليبي ذي الشعر المنفوش، ياتي من بعيد قبالتنا، عند محازاتنا يتطلع ابو المعاطي في وجه الراكب على المقعد الخلفي.
- يصيح إنه... هو هو هو... !
- الراكب على المقعد الخلفي...؟
- هوووووووه...!
- نفس الملامح، فقط الرأس عليه نفو جليد سيبيري، تجاوزت ذلك؛ لا لا لا ليس هو هو هو، يخلق من الشبه اربعين.
- انه تفرس في وجوهنا يا صديقي، يعرفنا.
- أي انسان ممكن يتطلع في عابري السبيل. ربما تشبه له.
انتابني شعور غامض، رفعت عصا سنارتي، فوق رأسي تتكسر، تتسربل بشفق المغيب المنتحب.
(حمد إبراهيم دفع الله)
22/11/2016م
*****


Post: #2
Title: Re: قصة الراكب على المقعد الخلفي .......................
Author: حمد إبراهيم محمد
Date: 11-24-2016, 01:54 PM
Parent: #1



قصة الراكب على المقعد الخلفي ..................... (8)

كلما نمر بهذه اللوحة ذات اللون الرمادي، يبادرني صديقي أبو المعاطي مصوبا نحوها، ده مكتب أستاذنا حماد، أنه في الطابق الثاني لعمارة تطل على الشارع الرئيسي في المدينة،
يتوسط اللوحة عنوان بارز (حماد للاستشارات الاجتماعية والقانونية)، شاب أخضر ممشوق القوام رزين صبوح المحيا، الطيبة والخيرية مجسدة، فخورون به، لسعة علمه ومعرفته
وصوته الهادي الواضح، يغرس فينا معاني الجمال والالفة وحب الانسان.
في ذلك الوقت كان لايزال يدرس ليلا في الجامعة، هو واحد من معلمينا في المدرسة المتوسطة بالمدينة، يدخل علينا في صباح اليوم الدراسي، يشرح لنا علم "الاجتماع" والتفاعل مع الواقع الاجتماعي.
وعلم "الاخلاق" وفعل الخير وتجنب الشر، للوصول الى المثل الأعلى للحياة، والمحاماة وذكاء المحامين، وعنهم يضرب لنا مثلا بالمحاكم الأمريكية والمفارقات التي تحدث فيها منها هذا الحوار.
"المحامي: يادكتور, قبل قيامك بعملية التشريح, هل قمت بفحص نبضه؟
الشاهد: كلا.
المحامي : هل قمت بفحص ضغط دمه؟
الشاهد: كلا.
المحامي: هل قمت بفحص تنفسه؟
الشاهد: كلا.
المحامي: إذا, من الممكن أن يكون المريض حيا عندما بدأت بعملية تشريح جثته؟
الشاهد: كلا.
المحامي: ومالذي يجعلك متأكدا لهذه الدرجة, يا دكتور؟
الشاهد: لأن مخه كان على طاولتي موضوعا في قنينه.
المحامي: ولكن مع ذلك هناك احتمال أن يكون المريض لازال حيا؟
الشاهد: نعم , من الممكن انه كان حيا ويمارس مهنة المحاماة".

ومن المحاكم السودانية يذكرنا بالراحل المقيم مبارك زروق وسؤاله لشاهد قضية صيدلية شاشاتي بالخرطوم.
- "ماذا تعني بقولك الحليبي ده؟.
- والله يا مولانا نحن كل واحد "ابيض" بنقول ليه حليبي.
- لم يزد زروق في الاسئلة".

يزيد ذلك من مرحنا وتعلقنا بمهنة المحاماة والعدالة.
أعتدنا صباح كل يوم سبت أن ندلف إلى غرفة انتظار مكتبه، رجالا ونساء يترقبون، يزداد فخرنا، ومن ثم نستخدم درجات السلم قافلين، اعتدنا على ذلك، لكنا في هذا اليوم
ونحن نسير في الشارع على الجهة المقابلة للعمارة، سحبني صديقي أبو المعاطي هازا كتفي، لوحة مكتب الاستاذ "وينها" ؟!.
- أزحت يده بدون اكتراث، ربما نقل مكتبه لجهة أخرى.
في صباح كل جمعة نتقابل كلينا، عند مقهى "رزق" بأحد احياء المدينة، ونسير حاملين معداتنا لصيد الاسماك على الجهة الشمالية للنيل الأزرق، اعتدنا ان نرى الموترسايكل الضخم تحت شجرة اللبخ،
وصاحبه أبو حليب منفوش الشعر مبهدل الهيئة، كنا نطلق عليه هذه الإسم تفكها.
صاحب الموترسايكل، ينزل من قيفة النيل وبالقرب من الماء هناك عند نبتة "الست المستحية" يجلس، وقته يطول ويطول. قبل المغرب ناخذ معداتنا ونتوجه لبيوتنا بعد ما أخذ منا التعب،
واحيانا الفشل في ان نصطاد اي شيء ذي بال. ونترك الحليبي هو وموتره.
في يومنا ذاك سألت صاحبي أبو المعاطي؛ الحليبي ما شايفه اليوم..؟،
- اقترح ان ننزل عند مجلسه ونرى ما هناك.
- لم احبذ الفكرة، فسلوكه غامض، وسكونه غير طبيعي، لا يصطاد سمك لا يقرأ كتاب لا يكتب مذكرات، ولا حتى يأكل طعام، اخشى ان يأتي على غفلة، يقبض علينا بالجرم المشهود.
- على قولك الزول ده شكله شراني.
في رجوعنا عصرا، نسمع صوت موترسايكل الحليبي ذي الشعر المنفوش، ياتي من بعيد قبالتنا، عند محازاتنا يتطلع ابو المعاطي في وجه الراكب على المقعد الخلفي.
- يصيح إنه... هو هو هو... !
- الراكب على المقعد الخلفي...؟
- هوووووووه...!
- نفس الملامح، فقط الرأس عليه نفو جليد سيبيري، تجاوزت ذلك؛ لا لا لا ليس هو هو هو، يخلق من الشبه اربعين.
- انه تفرس في وجوهنا يا صديقي، يعرفنا.
- أي انسان ممكن يتطلع في عابري السبيل. ربما تشبه له.
انتابني شعور غامض، رفعت عصا سنارتي، فوق رأسي تتكسر، تتسربل بشفق المغيب المنتحب.
(حمد إبراهيم دفع الله)
22/11/2016م
*****