جليد نسّاي

جليد نسّاي


09-03-2016, 07:18 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=490&msg=1472926717&rn=0


Post: #1
Title: جليد نسّاي
Author: mustafa mudathir
Date: 09-03-2016, 07:18 PM

07:18 PM September, 03 2016 سودانيز اون لاين
mustafa mudathir-Canada
مكتبتى
رابط مختصر

جليد نسّاي
قراءة في رواية الرجل الخراب
عبد العزيز بركة ساكن
أقفز هنا لقراءة المقال كاملاً، بلا مداخلات
Re: جليد نسّايRe: جليد نسّاي


الجزء الأول

- أيها القارئ المرائي، يا شبيهي، يا أخي - بودلير، شاعر فرنسي
- الفكرة الرئيسة [عند إليوت] هي أننا، حتى ونحن ملزمون بأن نعي ماضوية الماضي..، لا نملك طريقة عادلة لحجر الماضي عن الحاضر. إن الماضي والحاضر متفاعمان، كلٌ يشي بالآخر ويوحي به، وبالمعنى المثالي كلياً الذي ينتويه إليوت ، فإن كلاً منهما يتعايش مع الآخر. ما يقترحه ت س إليوت بإيجاز هو رؤيا للتراث الأدبي لا يوجهها كلياً التعاقب الزمني، رغم أنها تحترم هذا التعاقب. لا الماضي ولا الحاضر، ولا أي شاعر أو فنان، يملك معنىً كاملاً منفرداً- إدوارد سعيد، استاذ الأدب الإنجليزي
- الطريق إلى الحقيقة يمر بأرض الوساوس - شانون برودي، عاملة صيدلية

.يبدو مفارقاً، بل غرائبياً، أن تُهرع لقصيدة ت س إليوت (الأرض الخراب) كي تعينك على فهم استلهام عبد العزيز بركة ساكن لها في كتابة روايته القصيرة، الرجل الخراب. فالمفارقة هي أن القصيدة المكتوبة في 1922، وبما عُرف عنها من تعقيد ووعورة، تحتاج هي نفسها لعشرات الشروحات، لكونها مغرقة في الإحالات لتواريخ وثقافات وأديان، بل ولغات أخرى غير لغتها الانجليزية. وكان هذا النوع من الكتابة القائمة على الاقتباس والتضمين من ما ميز شعراء الحداثة النشاط في بدايات القرن العشرين. والغرائبي أن واقع الرواية يشتمل على مَن لا يستحسن القصيدة وهو أوربي، نورا زوجة الشخصية الرئيسة في الرواية، و مَن تجري أبياتها على لسانه، مستشرفاً لها، وهو درويش الأفريقي، الذي لا نتوفر، من الرواية، على ما يدلنا على أنه متراصف ثقافياً مع انسان القصيدة. إن السؤال عن قيمة استلهام قصيدة الارض الخراب في هذا العمل الأدبي لبركة ساكن يبدو معقولاً أيضاً، لكونه ينطوي على مفاضلة بين مرجعييتن نقديتين إحداهما تمثلها حداثة النص الروائي قيد البحث، إرتقاؤه على صعيد التعاطي مع تحولات روح العصر وانتقال الثقافي فيه من النخبوي إلى فضاء المُتشارَك، اليومي. إذ أن نص إليوت مغلق تماماً وغير معني به القارئ العادي بينما نص ع ب ساكن متحرك وجل عمارته من اليومي، المُدرك بيسر. والمرجعية الأخرى هي مرجعية القفزة إلى الوراء، إلى قتامة أجواء ما بعد الحرب العالمية الأولى، تلك التي يوفرها نص القصيدة الحريص على تكريس فهم قدري وكارثي للحضارة الإنسانية. ولست من التقتير بحيث استكثر على الروائي إرادته أن يكون عمله ذا سياق حضاري موشى بعبارات مفتاحية واشارات أو كليشيهات تخاطب ذهن القارئ العصري على النحو الذي تشير إليه قراءة ادوارد سعيد لإليوت في الاقتباس من الأول أعلى هذا المقال. على أن قيمة استلهام قصيدة الأرض الخراب أمامها إشكالات أخرى ترتبت من كون القصيدة، من كثرة إحالاتها ومتحها من المتخيّل الديني، جاءت بنبوءات لم تتحقق، فليس هناك أبراج تداعت أو شهوات قُوّضت. بل يمكن النظر للقصيدة الآن كمجرد نص حداثوي يصف التحولات في العقل الغربي أوان ذاك، جراء ثنائية التشظي الشخصي والتشظي الأكبر، الحضاري بسبب الحرب الثانية. ونجد أن هذا الاستلهام مشار إليه في الblurb أو التعريف بالكتاب المكتوب على غلافه الخلفي وهو تعريف غير ممهور بإسم مَن كتبه نقرأ فيه "مستلهماً رائعة ت س إليوت، الأرض الخراب، يرسم الروائي السوداني البارع عبر تقنيات تصوير وتجسيد فريدة ومبتكرة صورة الرجل الخراب، لنرى كيف يصيب الخراب رجلاً بأكمله..". فأمر استلهام قصيدة إليوت ليس شيئاً يسيراً يُترك لفطنة القارئ لأنه استلهام عابر من جنس أدبي لآخر. والقصيدة، أية قصيدة، "لها جنسها المستقل عن الشكل والواقع التاريخي".

2- يكتب بركة ساكن في الفصل الأخير من روايته "...والقارئ الحصيف هو الذي لا يترك مجالاً للكاتب أن يدعه يخمن نهاية الرواية، والكاتب الماكر مثل السياسي العجوز يتلاعب بالبيضة والحجر في الكف ذاتها. أما الروائي الذي يتعجل نهاية الرواية ليحرر نفسه من أجل أغراض أكثر أهمية- في ظني، وليس كل الظن إثم- فالموت أولى به" وأياً كان المعنى الذي يستوقفك من هذا الكلام فإن من باطنه، على أقل تقدير، يأتينا الإذن بكتابة ملخص لا يفسد على من أراد قراءة الرواية شيئاً ولكن، قبل ذلك، فإن لي وصفاً لتلك اللحظة من الرواية التي خاطب فيها المؤلف قراءه في ما يمكن أن يُعد نوعاً نادراً من أنواع الخطاب الروائي، وإن كان وصفاً بعيداً عن عالم الكتب لكنه يشير للحظة سميكة في لا تلقائيتها، وهو أن ما حدث ما حدث في الرواية مشابه لما كان يحدث في العشر دقائق الأخيرة من عمر أية مباراة كرة قدم ساخنة في أستاد أم درمان قبل عقود خلت، حيث كان ممكناً آن ذاك أن تدخل المباراة، مجاناً في تلك الدقائق، لتشاهد الهدف الوحيد، الذي دفع له الناس ثمناً، ثم يئسوا وخرجوا قبل إحرازه. في تلك اللحظة الشبيهة من الرواية قرر ساكن أن تنفتح أمامه كل النهايات الممكنة، أو أن يحوّل روايته إلى ورشة عمل ناجحة، وسنرى إن كان في ذلك خرقٌ للفعل الروائي في ناحية من هذا المقال.
الرجل الخراب، رواية عبد العزيز بركة ساكن، الصادرة عن مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة لسنة 2015، والتي تقع في 112 صفحة، تحكي عن درويش، المولود لأب سوداني من أم مصرية، والذي يذهب ليعيش في أوربا وفق ذرائع دارجة، وهناك يعمل مع مخدمته النمساوية التي تموت تاركة له ميراثاً وابنةً يتزوجها، وينجب منها إبنته. ثم تحدثنا الرواية عن أول لقاء، وما أعقبه من تداعيات، بين درويش وحبيب إبنته، وتشرح لنا كيف تفاعل درويش، السوداني المصري، حيال علاقة إبنته بحبيبها النمساوي.الرواية مكتوبة بلغة سهلة ومصاغة من فسيفساء حكايات الهجرة والإغتراب، من أضابير وملفات قصص (حالات) اللجوء السياسي التي حوّلت واقع الناس إلى نسيج حكائي كولاجي مشغول من إلتماعات قطع وشظايا التجربة مهالاً عليه جليد نسّاي ، بتعبير إليوت نفسه، forgetful snow يغطى تحته كل التفاصيل كتركيب synthesis جديد لميلاد آخر، ومن فكرة التركيب الجديد المطمور تحت الجليد هذه أخذت عنواناً لهذا المقال، فالجليد ينسى دائماً أننا عائدون إلى الحياة وأن قسوة إبريل هي مصدر غبطتنا. ومن هنا نتعرف على أول تشابهات الرواية مع قصيدة إليوت. فإليوت يقول في قصيدته: son of man/ you cannot say or guess, for you only/ know a heap of broken images وبرغم خطورة أن يكون في بناء السرد على هذا المنوال،تعريض له لأن يكون سهل التكهن بمآلاته predictable، فيذهب سره، إلاّ أن ما يُدهش هو أن ساكن لا هاجس له تجاه هذا التكهن، كما أوضح الاقتباس منه الأخير. بل إن الرواية تمضي في حبور نحو أن لا …..تكون رواية.

3- سنلقي نظرة متمكثة قليلاً على بعض شواهد الإستلهام من قصيدة الأرض الخراب في صناعة رواية ساكن. () تقول قصيدة إليوت إن الشهوة هي أساس المعاناة الانسانية وتعرض لنا أمثلة عابرة للتخثر الأخلاقي، وللمصير الكارثي للحضارة الانسانية أوان ذاك ثم تطرح في آخرها خارطة طريق للخلاص من خلال تحقق ثلاث تأويلات للحالة الانسانية، أخذها إليوت من أناشيد الهندوسية Upanishads. لكن الرواية، بينما هي لا تقدم خلاصاً كالقصيدة، تستخدم نفس فكرة التأويلات الثلاث لشرح مصير بطلها عن طريق ثلاثة شخوص غير رئيسية فيها. ونلاحظ أن قسم القصيدة الأول المسمى دفن الموتى، من أصل خمسة أقسام لها، هو الأكثر استلهاماً حيث نقرأ فيه عن ماري التي خافت من السقطة وتحررت فتذكرنا بمدام شولتز، مخدمة درويش النسماوية في الرواية، ثم نرى مدام سوساستروس، النبية الكاذبة التي تنبئ بالموت غرقاً، فنتذكر نورا إبنة مدام شولتز التي تزوجها درويش لاحقاً، على أن لنورا حضوراً آخر أهم في قسم آخر من القصيدة. ونتذكر أن أول شيئ فعله درويش بعد موت مخدمته، هو أنه تخلص من كلابها، مستشرفاً نصيحة إليوت في نفس القسم الأول من القصيدة، حين هتف بشخص قابله في الطريق اسمه استاتسن، ينبهه بالتخلص من أي كلب يمكن أن يقوم بنبش جثة الميت، قبل أن يحين ميعاد قيامته، لا أحد يدري من هو هذا الميت، وذلك لأن الكلب وفي لصاحبه. فدرويش لا يود أن تزول نعمة ميراثه لمخدمته بعودتها إلى الحياة، لكن أمامنا أيضاً خيار أن نفهم أنه تخلص من كلاب السيدة شولتز لأن ثقافته الاسلامية، نوعاً، ترى في الكلب نجاسة. وفي تقديري فإن هناك استلهاماً شديد الإبهار، من هذا القسم الأول من القصيدة، لكنه أيضاً بالغ المواربة، يتمثل في مشهد السواح الآسيويين والطريقة التي وصفهم بها ساكن. فهذا المشهد هو اعادة كتابة لما خطه الشاعر إليوت عن المشهد فوق جسر لندن، لندن بريدج، ووصف الناس المتحركين فوقه كالأموات كلٌ ثبّت عينيه على قدميه. فإليوت تحدث عن إخاء أو تجاور انساني زائف يوّحد المارة، إخاء متناقض، بل هي عزلة، فكلٌ مع نفسه فقط. يكتب ساكن في فصل سيرة المرأة "كان السواح الآسيويون يعبرون صامتين، يصوّرون كل شيئ…إلخ المقطع كله" فالعزلة هنا أيضاً كيثفة والكاميرا هي نفسها منظور لا يشاركك فيه أحد. وكلٌ أخ الآخر، لكنه إخاء زائف، وبهذا الفهم لتمهل ساكن عند مشهد السواح يمكن أن نجد صورة معادلة وحاكية بصدق، تماماً كصورة إليوت في القصيدة.

() نواصل

Post: #2
Title: Re: جليد نسّاي
Author: طه جعفر
Date: 09-05-2016, 03:20 AM
Parent: #1


شكراً يا مصطفي
فالكتابة عن ابداع الغير نوع من الكرم الأدبي
و هي مهنية نقدية سيشكرك عليها الانسانيون من القراء
وسيحسدك عليها النقاد الصامتون أو الموتي لأنهم ببساطة
يجيئون للنصوص التي يختارونها لتكون موضوعاً لتفاكرهم الشحيح الفاسد
من منطلقات عشائرية !!!
كجنجويد نقدي مصيره الزوال مع بشائر تقدم الوطن و تغيّره من حالته الراهنة التا فهة
فهم لا يكتبون إلا عن من يعرفون إجتماعيا مادحين او عن من يكرهون سياسياً و إجتماعياً ذامّون
و أحيانا يكتبون عن ابداع الغير (سوداني) متفيقهون كأنصار سنة أدبيون يستوردون النصوص و المواقف.
انت انسان يا مصطفي
قبل أن تكون أديباً و مربياً فاضلاً و جميلاً
فلك الشكر نيابة عن عبد العزيز بركة ساكن
الرفيق الرقيق و الصديق البعيد نتيجة لاستحالات تافهة
سأعود لهذه الكتابة الانيقة لاحقاً . لكنني لا اعرف متي ، المهم سأعود

طه جعفر

Post: #3
Title: Re: جليد نسّاي
Author: Kabar
Date: 09-05-2016, 04:25 AM
Parent: #2

صديقي مصطفى..حبابك
كنت اتوقع ظهورك ، في الحقيقة كنت اترصده ، ليأتي كاتبا وقارئا لعوالم عبد العزيز بركة ساكن ..وجيد انك ظهرت يا صاحب.. على الأقل مرقنا بفائدة ان تتذكر عبد العزيز وتكتب عنه.. والكتابة من قبلك هي مفرحة ليس لعبد العزيز لوحده وانما لكل من يحب الأدب وعوالم الأدب والرواية ، بالأخص تجربة عبد العزيز بركة ساكن..



..http://sudaneseonline.com/board/102/msg/%D8%A7%D9%84%D8%B7%D9%80%D9%80%D9%80%D9%80%D9%88%D8%A7%D8%AD%D9%8A%D9%86-%3a-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%A...9%8A-1134343833.html


كبر

Post: #4
Title: Re: جليد نسّاي
Author: طه جعفر
Date: 09-05-2016, 01:46 PM
Parent: #3

صديقي مصطفى..حبابك كنت اتوقع ظهورك ، في الحقيقة كنت اترصده ، ليأتي كاتبا وقارئا لعوالم عبد العزيز بركة ساكن ..وجيد انك ظهرت يا صاحب.. على الأقل مرقنا بفائدة ان تتذكر عبد العزيز وتكتب عنه.. والكتابة من قبلك هي مفرحة ليس لعبد العزيز لوحده وانما لكل من يحب الأدب وعوالم الأدب والرواية ، بالأخص تجربة عبد العزيز بركة ساكن.. والله يسترك من الهتافية المؤدلجة التي تسطح الأشياء وفقا لعقلية الدوغما..التي يفعلها صديقنا طه جعفر هنا.. يا طه .. من تلمح لهم بانهم لا يسون شئ.. وانك تسعي لمسحهم من وجه الأرض ، حينما كتبوا عن عوالم عبد العزيز بركة ساكن ، وقتها لم تعرف انت سكة سودانيز اونلاين ولم تعرف سكة الكتابة في ذات نفسها.. فلا تخرب لمصطفى حديثه هنا ، وهو حديث لم يعد ملك لمصطفى وحده وانما ملك لمن يحبون كتابة مصطفى وكتابة عبد العزيز بركة ساكن.. شرحوا لو عندك معاهم غبائن (من تسميهم عشائرين أو جنجويد نقدي) الأفضل ان تصفى حساباتك معهم بعيدا دون الشعبطة في فرملة مصطفى مدثر..! لا تعد ان كانت عودتك هي شغل رداحات في حق الآخرين.. فان كانت لك قدرة على القراءة النقدية المبصرة ( واشك في ذلك) تعال راجع .. بخلاف كده اخير اقعد في مكانك..

.....................................................................

ما بالأعلي و بالاحمر كتبه
Kabar
الذي يزعم و يتوهم و يتهم
و لا حوار لي معه
فهو ابعد عن الكتابة و الأدب من حميدتي!
وربما يكون موسي هلال ناقداً عظيماً مقارنة بمحمد كبّر معّلي المستعرب
وهو من بقّارة غرب السودان المنتمون لجهينة النجدية كانتماء الجعيين للعبّاس عم النبي (ص) الذي قال " ألا إن الفتنة ها هنا و بها يطلع قرن الشيطان" واصفاً نجْد
فلتذهب يا كبّر لغسل تاريخك و تغيير طلّتك الشوهاء المضحكة بعيداً عن اغتيال شخصيات الآخرين
فأنا أمّر عليك من حنظل القيزان
و أذهب لمعالجة مشاكل الثقافة التي تتشعبط فيها و تدّعى الارتباط بها و المقصود بها ثقافة
المستعربون من أهل السودان في الشمال و الوسط و الشرق ، ثقافة الإستعلاء التي تهينك بشكل يومي و ثابت،
تلك التي تتحرك في حدود توقعاتها منك كخادم تاريخي لمصالحها الطبقية
فانت عندهم مجرد غرباوي!
و ود غرب ساكت لا يسّر القلب
و ربما (عب) بلا سيد
حتي و لو قتلت لهم جميع قبائل (الزرقة) كما تزعم
فانت أيها المعجب بأشعار العرب في يفاعتك الفكرية و الثقافية المتطاولة
مستعرب راسخ في الأوهام و لن يزحزحك عند معتقداتك الإجتماعية و الفكرية و الثقافية كلامي
و لتعلم أنك أبعد الناس عن مرامي كتابة عبد العزيز بركة ساكن و أبكر آدم اسماعيل فهما قد عبرا
نهر الحزازات العرقية و الإستلاب الذي أنت فيه غارق و لن تكون مهما تلوثت بطميه و قريرته من عرب شمال و وسط السودان
فالأجدر بك أن تتعامل كناضج يعرف مستقبله في تلافيف الثقافة السائدة بحوز الثروة و السلطة و لم تترك لك غير فتات الإتهامات بجرائم الحرب
لتتسخ بها و يتشوه بها تاريخك

و لتذهب كتابة مصطفي مدثر لأهدافها و سأكون عوناً للقراء البسطاء أمثالك يا Kabar حتي ترسو مراكبك التي تمخر عباب الرمل
علي بر الأمان الثقافي و الأيديولوجي.
لأنك ببساطة لن تشرب لنا النيل الأبيض كفولة علي طريقة القائد السوداني يونس ود الدكيم
فللملاحة النهرية و للتتعامل مع النهر أمور لن تعرفها بالإدعاء

طه جعفر

Post: #5
Title: Re: جليد نسّاي
Author: أبوبكر عباس
Date: 09-05-2016, 02:05 PM
Parent: #4

يا كبر، وطه،
أرجو سحب الكلام الذي ليس له علاقة بموضوع البوست
المنتدى واسع أفتحوا ليكم بوست للدواس
نحن لكم من المتابعين

يا مصطفي،
مشتاقين

Post: #6
Title: Re: جليد نسّاي
Author: طه جعفر
Date: 09-05-2016, 04:43 PM
Parent: #5


الاخ ابوبكر عباس
سلامات
مساهمتي كانت في موضوع البوست
و صاحب البصيرة المنسدة و الأيدولوجيا العنصرية العمياء kabar الجنجويدي
أساء فهمتها و تفوه بكلام يشبهه و يشبه تاريخه في المنبر
وكان لزاماً عليّ الرد عليه و هنا في المكان الذي كتب فيه إسفافه و هراءه
و ليست عندي رغبة لا في قراءة ما يكتبه kabar او فتح بوست خاص به
فهو أقل أهمية عندي من ذلك و لك الشكر
يا ابوبكر عباس


طه جعفر

Post: #7
Title: Re: جليد نسّاي
Author: mustafa mudathir
Date: 09-06-2016, 01:01 AM
Parent: #6


سلام طه جعفر وكبر
يا خوانا إنتو يلزمكم شوية جليد نساي عشان ما تسخنو في بعض بالطريقة دي!
كبر طبعاً غلطان لأن طه لم يأت على سيرتك اطلاقاً. وما أظنك جنجويد نقدي!
على العموم مرحب بيكم بكتابة موضوعية أو حقو تمسكو في الموضوع أو تخلوني أخلص منو.
مع فائق احترامي
بالمناسبة يا كبر، طه دا صاحبي شديد، وتجمعنا أشياء عظيمة زي العلاقات الأسرية والموسيقى
ومناقشة مسودات الأعمال الأدبية. أعتقد لأن الحياة في كندا هي صعبة بجد عند أي زول عايز يعيش مسئول،
للسبب دا طه صار مقل في كتابته وأنا أيضاً. أنحنا الواحد تضربو ليك فلسة ما يقدر يكتب ولا عرضحال.
ما زي المستنير الذي يروّج لأن العطالة تعطيه مجال لكي يكتب أكتر وهو كضاب.
فشوية الوقت الذي نجده نحاول نكتب فيهو حاجة.
فطولو لينا بالكم، لأنو أنا ممكن أكتب فقط في مدوّنتي، لكنني هنا أبحث عن مداخلات مفيدة.


Post: #8
Title: Re: جليد نسّاي
Author: Kabar
Date: 09-06-2016, 06:26 AM
Parent: #7


ول ابا ابكر الطويل..حبابك يا صديقي
كتر خيرك على المناشدة ، انا اضفت رابط لقراءتي لأحد اعمال الأستاذ عبد العزيز بركة ساكن ، وهو من باب المشاركة بالإحتفاء بنفس الزول من قبل صديقنا مصطفى مدثر، لكن الفاشست طه جعفر دايما بعاين للنص الفاضي من الكباية..عشان كده شطح شطحة منكرة.. مرة سوانا عب مطلوق بلا سيد ، ومرة يعظم في حميدتي وموسى هلال..ومرة يكسر عربي الله والرسول وينسى قاعدة المجرور بالإضافة (مثلا: ثقافة المستعربون).. عليك الله يا ابكر زول عاقل بيمجد حميدتي وموسى هلال ؟..ناهيك عن زول طارح نفسو كاتب تقدمي ولا شنو كده ما عارف..!

المهم.. مصطفى مدثر ، من بعد قرايتو لرواية شوق الدرويش لحمور زيادة.. طرح نهج جديد.. نهج المناقشة الجماعية لعمل روائي..ودي الخطوة التانية .. رواية عبد العزيز بركة ساكن..ومثل هذه القراءات مفيدة للجماهير وللزول البيكتب العمل.. على الأقل الناس تتكاتف بصوت جماعي وتقول ليهو: لقد فعلت شيئا جميلا يستحق التوقف..!

نرجع نتونس مع صديقنا مصطفى ، وهو رجل عميق ومتواضع ، ويبحث دوما عن تمامة الرأي عند الأخرين..!

فشنو ، فليكن الموضوع وورك شوب زي بتاع ناس الموصلي ، وورك شوب ادبي جمالي ، يمجد الجمال والكتابة الأنيقة..!
ومن هنا ندعو استاذنا وصديقنا محمد على طه الملك ، وبقية الصديقات والأصدقاء ممن يهمهم امر الرواية والقراءات الناضجة المضيئة ، ان يأتوا ويشاركوا في هذا الخيط..!
ياخي تعالوا قولوا لعبد العزيز بركة ساكن: سلامات يا زول يا حنين..!!

الله يستر صديقنا حافظ بشير ما يصحا ويشبكنا..الإتساق وشنو كده ماعارف..!
ياحافظ ، شئنا أم ابينا: الرواية سكة ، والسياسة سكة..ممكن اناقش فضيلي جماع ، عبد العزيز بركة ساكن..عالم عباس ، في موقف سياسي ، لكن مطلقا لن ازايد في ابداعهم الذي شكل وجداني..!

الزول الوحيد الماممكن اناقشو في موقف سياسي هو : ابكر ادم اسماعيل..!!
ياخي ابكر ده ، لا قدر الله ، لو بقى جنجويد ولا مراحيل.. برضو صاح..!!!!!!


جدا يا ابكر الطويل ، نسحب الكلام في حق طه جعفر ، عشان الخيط يمشى في اتجاهو الصحيح..!

كبر


Post: #9
Title: Re: جليد نسّاي
Author: Kabar
Date: 09-06-2016, 06:38 AM
Parent: #8



(1)

الى آمنة احمد مختار (امونة الحليونة ، على قول صديقي الإنسان محسن خالد ، ليهو التحية اينما كان وكيفما كان..!!)

مصطفى مدثر..حبابك يا صديقي ،

نأسف على المقاطعة ،

كتر خيرك يا مصطفى ، ونحن من نفر : لو اتنين قالوا ليك راسك مافي اهبشوا..!

سأسحب بعض العبارات ، طه غشيم ، ونحن برضك غشامة ، لكن ده ما محل غشامة...!

فلتكن هي كوة نحتفى فيها بالأستاذ عبد العزيز بركة ساكن ، فالروائي شئ ، والموقف السياسي شئ اخر.. وطالما الأمر هنا يتعلق بالرواية .. سنتقيد بهكذا تصور للأشياء..

وقبل التداخل اكثر واكثر ، دعني اقرّب لك بعض المسافات ، وهي اشياء اظنك ستفرح بها كثيرا يا صديقي ،و سيفرح بها عبد العزيز بركة ساكن ، الذي يطلق التفاصيل الصغيرة اشارات وهو ينتظر من يلتقطها..

في صلب الرواية ، رواية (الرجل الخراب) ورد الآتي:

( بل حكت لي كلتوم فضل الله (احدى صديقاتي الكاتبات) أن راويا خبيثا في روايتها الجديدة قد تحرش بها . بالطبع لم اصدقها . كثيرا ما يلتبس الأمر على كلتوم ، تضيع عنها الخيوط الفاصلة بين الواقع والخيال ، ولكنني لم استبعد ذلك تماما..الخ).

. (ص 17 الإلكترونية)..

هل تصدق يا مصطفى ان كلتوم فضل الله شخصية حقيقية ، وهذا هو اسمها ، وهي من نقطة قد لا تتصورها مطلقا: كلتوم من منطقة تلودي في جنوب كردفان ، تلقت تعليمها الثانوي بمدارس كادقلي الثانوية ، ثم نالت تعليمها الجامعي بجامعات العراق..وتخرجت وعادت للسودان ، وليس هذا هو المهم..!

المدهش يا مصطفى ، في كتابة حقبة التسعينات من القرن الماضي في امسودان ، سواءا شعرا او رواية أو قصة قصيرة ، تجد وجه كلتوم فضل الله ، حاضرا ، في كل الحكي ، والأغرب كل من يحكي عنها يسميها باسمها الواحد ده : كلتوم فضل الله.. ياخي زولة ذاكرة بشكل لا يتصوره الخيال..يحكي عنها يحي فضل الله ، عاطف خيري ، الصادق الرضي ، عبد الله الزين ، امين صديق ، عثمان البشرى ، ابكر ادم اسماعيل ، عبد العزيز بركة ساكن ، خالد الحاج ، عبد الرحمن ابراهيم ، محمد حامد اب سن ، محمد النور كبر..!!

البروف لايف منقر، من النرويج ، مكث عشرات السنين يدرس مجتمع اللفوفا باقاصي جبال النوبة الجنوبية (حول مدينة تلودي) ، وله كتابات مبذولة في الشبكة العنبكوتية ، ولكنه لن يفرح كثيرا الإ حينما تردد قصته/ الحكوة كلتوم فضل الله.. ياخي ليتك تقعد جنبها عشان تحكي ليك عن وهوايل لايف الهايف.. الذي ظن اهالي اللفوفا انو زول ابن سبيل رايح ساكت.. وبنوا ليهو قطية ، واهدوا ليهو جلابية ، وكمان فكروا يعرسوا ليهو (والله صحي يا مصطفى ، الكلام ده واقع ، وافضل من يحكيه كلتوم فضل الله عليها السلام..!!)..

لا يهم يا صديقي ، ان يحكي عبد العزيز من تحت الجليد النساي (شكرا على الإجتراح يا مصطفى ، ودي ما سبقك عليها زول) عن الرجل الخراب ، فيكفي ان يتكيف عبد العزيز بركة ساكن ويقول ليك بكل اريحية (بل حكت لي كلتوم فضل الله) ، كلتوم التي ، بشهادة ساكن (تضيع عنها الخطوط الفاصلة بين الواقع والخيال).. ولعمري هي تلك كلتوم الأبنوسية النحيلة.. المرأة التي اشعلت ذاكرة جيل بحالو..!!


(2)

كنت ساتوقف كثيرا ، كثيرا يا مصطفى ، في بيت شارل بودلير الذي جعل منه ، عبد العزيز بركة ساكن ، مفتتح اولي لروايته (الرجل الخراب ) ، فالبيت ضمنه اٍليوت في قصيدته الطويلة (الأرض الخراب ) ، وكما ذكرت انت يا مصطفى ، وذكر قبلك كثير من الشراح ، ان قصيدة الأرض الخراب ، قصيدة معقدة وتزخر بكثير من الإحالات والتناص والتماهي والإقتباس ، واٍليوت ، اقتبس/تناص ، مع البيت الشعري لبودلير ، في معية اربع ابيات للشاعر جون ويبستر ، والذي استلهمه ووظفه ، فيما بعد عبد العزيز بركة ساكن ، البيت المعني ، في بعض من مواقع عبد العزيز ينسبه الى اٍليوت ، وهو في الأصل ، صاحبه شارل بودلير الذي كتبه من ضمن قصيدة واضحة المعاني والمعالم ، واسمها ( الى القارئ) وهي من ضمن ديوان شعره ، بودلير ، (ازهار الشر) ، والترجمة التي اعتمد عليها / ترجمة قام بها : حنا الطيار وجورجيت الطيار ، ومقدمتها كانت لجان بول سارتر ، وهي ترجمة عن اللغة الفرنسية..!!

راجعت ترجمات كثيرة من الفرنسية الى الإنجليزية ، لديوان بودلير (ازهار الشر) ، تحديدا قصيدة بودلير (الى القارئ) ، وهي عندي اكثر ثقة ، ولكن الترجمة العربية الوحيدة التي اعتمدها ستكون هي ترجمة آل الطيار (حنا وجورجيت) ببساطة لأن المقدمة كتبها جان بول سارتر..!!

ولكن حينما نقرأ ( الأرض الخراب) ، بالتحديد الجزئية التي اقتبسها ساكن ، وليته يراجع مدونته وبعض المنشورات السابقة لبعض من اجزاء رواية (الرجل الخراب) التي يشير فيها صراحة الى اٍليوت ، ثم استدرك لاحقا في الصيغة الرسمية (منشورات دار هنداوي) ، فان اٍليوت حينما تماهي/تناص/اقتبس شارل بودلير ، لقد كان يذهب الى هجاء الذات ، وعبرها هجاء القارئ الكسول..!!

وتظل بعض من الثيمات الأساسية التي تدور حولها رواية (الرجل الخراب) لعبد العزيز بركة ساكن ، ثيمة الهوية المشاترة ، المغلوبة على امرها ، وتلك ثيمة عالجها كثر في المشهد الروائي السوداني ، رواية شوقي بدري (الحنق) ، رواية مروان حامد الرشيد (مندكورو_ برق وهلال ) ، رواية ابكر ادم اسماعيل (الطريق الى المدن المستحيلة) ، رواية طه جعفر (فركة) ، رواية حامد بدوي بشير ، رواية سارة الجاك (الزولة دي من عطبرة يا مصطفى ، وهي عندي زي كلتوم فضل الله عليها السلام..!)..

لهواة المقاربات ، اقرب نموذج لقصيدة اليوت ( ألأرض الخراب) هو مقاربات دان براون الروائية مثل (شفرة دافنشي) ، (الرمز المفقود).. أما تكنيك الحكي ، فليس عبد العزيز بركة ساكن اول من ابتدعه في المشهد السوداني ، فهناك كتابات سابقة لتجربة ساكن في هذا التكنيك ، وتفوق عليها بركة في نقطة وحيدة ، هي انه قام بالنشر الكتابي ، ومن سبقوه اعتمدوا النشر الإلكتروني..!!

ومن يعاود قراءة قصيدة الأرض الخراب ، اكيد سيتوقف في رمزية الإهداء الى الشاعر العظيم اٍزرا باوند ، والطريقة التي وصفه بها توماس اٍليوت..!!






كبر







Post: #10
Title: Re: جليد نسّاي
Author: Osama Siddig
Date: 09-06-2016, 07:22 AM
Parent: #9

ســلام للجميع

مســتمتعا بهذا الســجال مع ما فيه من "مخاشــنة" ســؤال لاســتاذ كبر ، لماذا تســــميه "أمســـــودان" ؟ هل فى "التســمية" شــيئ خفى علينا فهمه؟

إن كان فى الإجابة شىء من التعقيد (خاصة أن أخونا المســتنير قد ضمنا إلى لستة الرجرجة من قبل) أرجو أن تعذرنا يا كبر و تبسط لنا الإجابة

معذرة إن خرجت مداخلتى عن خط البوست.

تحياتى ....

Post: #11
Title: Re: جليد نسّاي
Author: Kabar
Date: 09-06-2016, 07:49 AM
Parent: #10



هههه..

ياخي مصطفى مدثر ده زي عادل امام ، اكتر زول بيستمتع بالخروج عن النص ، بشرط يكون خروج فعال ويضيف ..!!


صديقنا اسامة صديق..حبابك..
يا صديقي انت في سودانيز اونلاين..!!!
حكمة قاله صديقنا محمد البشرى: اجمل حاجة في سودانيز اونلاين.. انك مهما اتطنقعتا ، ح يجيك واحد طاير وفاكي الزراير ويقعدك في علبك..!!
شرحت يا صديقي فكرة مفهوم (امسودان) كما تنطقها حبوبتي ام سماح ام عسكرية بنت نصر السكران ول ماهل ، عليهما السلام..!
صديقنا الجميل ، عضو المنبر ، بابكر قدور ، واحد ممن يفهمون الفكرة وسيشرحها لك بصورة اوفى مني ، بابكر ، يا اسامة ، واحد من اندر اهالي امسودان من شرح فكرة مسك الجلاد ، الجاية منو تسمية فرقة (عقد الجلاد) ، ياخي بابكر ده يتحدث ليك عن القط البري القاعد ينتج مسك الجلاد.. كانو راعي في بادية الكبابيش ، وبالطبع لا ننسى انو الصورة الشايعة.. انو عقد الجلاد من انثي التمساح (الصفيراء) ، لكن الأصل ان مسك الجلاد من حيوان بري اسمو قط الزباد ، واكتر زول بيعرف عنو في هذا المنبر هو صديقنا بابكر قدور ، وبابكر ، واحد ممن يعرفون من وين جات فكرة (امسودان)..!!
كنا زمان يا اسامة ، بنجيب غنا اهلنا ناس غرب افريقيا ، وناس المنبر يشيلوا ويطربوا ، لمن يوم بردلب ، بابكر قدور بدا يحكي لينا : لمن كنت في مالي..!!
شكرا يا صاحب ، وندعو صديقنا بابكر قدور يشرح ليك حكاية (امسودان) وصدقني هو عارفها اكتر مني..!!
كبر

Post: #12
Title: Re: جليد نسّاي
Author: Osama Siddig
Date: 09-06-2016, 08:39 AM
Parent: #11

شــكرا اســتاذنا كبر،
هذه ميزة أن تكون عضوا فى هذا المنبر ، و هى أن تلتفت ( فى أوج عملية العك و المخاشنة) تلتفت إلى ما هو مفيد من كتابات.حقيقة أستمتع بكثير من الكتابات ذات الطابع الأدبى بالرغم من أن خلفيتى الأكاديمية بعيدة عن مجال الأدب.
شكرا لكل من جعل ذلك ممكنا.

كسرة صغيرة:
أحيانا تدفعنى الشلاقة لمجاراة المشتغلين بالكتابات الأدبية ، فيكون نصيبى أن يخلع على أحدهم وصفا ك "رجرجة و دهماء"، أرجع و أبتسم و أقول لنفسى "كيتا عليك ،عشــان تانى ما تتشـالق"
لك ودى...

Post: #13
Title: Re: جليد نسّاي
Author: طه جعفر
Date: 09-06-2016, 12:06 PM
Parent: #12


معذرة يا مصطفي مدثر و ضيوفه الكرام
خلاف المدعو kabar
لن اساهم في هذا البوست نتيجة لوجود هذا الجاهل
الممل الذي يزحم البوست بالكلام غير المفيد
و الذي يتميّر بانحطاط ال IQ
و لا يعرف ابسط قواعد الفهم السليم و الاستدلال المنطقي
ببساطة انسان مقرف و وجوده في البوست ممل

Post: #14
Title: Re: جليد نسّاي
Author: mustafa mudathir
Date: 09-09-2016, 00:52 AM
Parent: #13

جليد نسّاي
قراءة في رواية الرجل الخراب
عبد العزيز بركة ساكن
الجزء الثاني

() هنالك شبهة استلهام، إن كان ذلك ممكناً أصلاً، في مستهل القصيدة، أو الابيجراف، نجدها في أحبولة حكائية صاغها المؤلف حول فكرة وردت في ذلك الإبيجراف، تحكي عن مصير سِيبل Sibyl التي تمنت طول العمر، ونسيت أن تتمنى معه دوام الشباب، فإنتهى بها الأمر إلى وهنٍ تاقت منه لموتها. إنها هنا، في شخص لوديا شولتز، التي قفز عمرها من 71 عاماً "بصورة ميتافيزيقية إلى 103 عاماً"، أو هي أشبه ما تكون بذلك، أعياها طول المكث في الدنيا وصار حالها أشبه بحال لبيد بن ربيعة العامري حين قال: ولقد سئمتُ من الحياة وطولِها وسؤالِ هذا الناسِ كيف لبيد.ويتضح لنا أن مضاهاة حساب السن العمرية لا معنى له لأن المقصود هو تبيان قبول لوديا بالموت، رغم خوفها منه، كتحرير لروحها من إسار النفس.
() في فصل سيرة المرأة من الرواية نذكر تايريسياس في قسم لعبة شطرنج من قصيدة إليوت، تايريسياس الذي هو كل النساء وكل الرجال ويرى كل مضامين القصيدة لأنه بحسب الأسطورة كان رجلاً ثم تم تحويله لإمرأة، بواسطة الآلهة غالباً، ثم قفل عائداً كرجل وتنبأ بسقوط طيبة وأشياء أُخر. إنه درويش ونورا في آن وبلا شخصيهما. إن لعبة الشطرنج في القصيدة، بتناولها للحوار بين الرجل والمرأة، تخدم هنا كمجاز، للعبة الإغواء، وتشير إلى فهم للزواج والجنسانية يتنزل بهما لمجرد أن يكونا جزءً من لعبة استخطاطيات بين الرجل والمرأة، يصبح الجنس فيها مجرد إغواء أو إغتصاب يفضي للإجهاض. والرواية تحدثنا في أكثر من لحظة من لحظاتها عن الإغتصاب. فهناك إغتصاب نُورا نفسها من أبيها النمساوي، ثم الإغتصابات والإعتداءات المتخيّلَة من قبل درويش لإبنته من نورا والتي أقحم فيها خيالُ درويش آخرين غيره. إن ثيمة الإغتصاب في قصيدة إليوت لهي من أكبر ما إستلهمه ساكن، وسنرى في المقطع التالي من فصل الرواية الأخير كيف أن ساكن، وإن لم يشر إلى اسطورة فيلوميلا، إلاّ أنه رمز إليها بشكل واضح حيث كتب عن خروج درويش في أوج أزمته، هائماً على وجهه و"تمشى في الطريق التي يحبها جداً، بل هي الطريق الوحيدة التي يسلكها للعمل، وهي ليست القريبة أو المختصرة، ولكنها تمر بنقاط مهمة جداً بالنسبة له، أولها ما يسميه شجرة العصافير، قرب مخبز الفلاح،….حيث يسمع فيها دعاء الكروان يومياً وهو يتحاور مع طيور الببغاوات المحبوسة في قفص كبير في الشرفة المقابلة...يظن دائماً درويش أن طيور الكروان الطليقة تضع خطط هروب فاشلة للببغاوات كل يوم…..هذا الشيئ يعجبه جداً ويحزنه أيضاً. يتوقف قليلاً، يترك كل جسده وخياله وروحه لتغريد الطيور. في كثير من الأحيان تسيل دمعة بصورة غير إرادية على خده.." فالإحالة إلى الطيور يقبع وراءها الإرث الأسطوري. وقصة فيلوميلا، التي يستخدمها إليوت للتدليل على توقف الانسان عن إنتاج أرض خصبة كمقابل للأرض الخراب، هي بإختصار أن فيلوميلا إغتصبها تيريوس زوج أختها، وقطع لسانها حتى لا تحكي ما حدث، لكنها نسجت قصتها لأختها على قماش. وبدافع الإنتقام قامت الأختان بذبح المولود وتقديمه كعشاء لتيريوس، وحين أقدم تيريوس على ذبح الأختين تدخلت الآلهة وحوّلت ثلاثتهم إلى طيور، ربما لكون الآلهة كانت مشغولة بقضايا أهم والله أعلم. فالطائر، كروان أو هزار، هو تعبير عن حزن مركب في نفس درويش، بدأ من ضياعه، مروراً بزواجه غير السعيد وبوساوس الإغتصاب.
يحكي ع ب ساكن في فصل سيرة المرأة كيف أن نورا ودرويش جلسا، في مواجهة عقلية cerebral بحتة، تماماً كلعبة الشطرنج، ليقررا مصيريهما معاً، على خلفية احتياج درويش لها في النمسا، واحتياجها هي لأن تنعم بميراث أمها، التي لم تتركه لها، بل كتبته بإسم درويش. يكتب ساكن "مثل تاجرين متجولين جشعين، جلسنا وجها لوجه، شرحت لي أن وضعي القانوني في النمسا، حسبما عرفت مني بالتفاصيل من قبل، يقضي بأنهم سوف يرحلونني إلى مصر أو السودان ول استأنفت مئة مرة.." إلى أن تقول نورا "والطريق الوحيد للحصول على الإقامة هنا، هو الزواج من نمساوية. وهذه النمساوية هي أنا بالذات."وتزوج درويش من نورا بلا عاطفة، بلا حب.
() على مستوى وصف المكان الذي يتطور فيه السرد، نجد أن ساكن استطاع أن يجد معادلاً لفكرة إليوت، في قسم قصيدته المعنوّن بلعبة الشطرنج،عن زقاق الفأر الميت، إذ يقول إليوت على لسان أحد أبطاله المأزومين: " أعتقد أننا في زقاق الفأر الميت، حيث فقد الموتى عظامهم"، في إشارة إلى التخثر والموت، بينما يصف ساكنُ مكاناً، أسماه بطله درويش ممر الرجل المقتول، وذلك في فصل، توني لا يكره العرب، فدرويش كان يتخيّل إبنته، غير منزهٍ لها من سقطة ما، أو هو يراها بهاجس يتعلق بثيمة الشرف، "عندما سمعت البنتُ هاتفاً يناديها أسرعتِ الخطى، تلفتت للمرة الأخيرة، ثم مضت في اتجاه الصوت بينما زادت ضربات قلبها، وتعرّقت كفها وهي تحس بنشوة عارمة تجتاح كل خلية من خلايا جسدها، خليط من الخوف والشعور بالأمان، وهو الاحساس المجنون الذي ينتاب المرأة عندما تلتقي برجل على انفراد أول مرة، ذات مساء به نصف قمر، في الزقاق الذي تنمو أعشاب موسمية على جانبيه، المتفرع من الشارع العام الذي يطلق عليه القرويون اسم طريق الرجل المقتول." والمكان هنا مختلفٌ عليه، إن جاز هذا القول، وطرف الخلاف الثاني هنا هو الراوي، ما سنعود إليه وشيكاً. المكان هنا فيه ذاكرة مختلطة، وربما شاحبة، إنه في النمسا لكن السودان يقع بداخله تماماً. هو مكان نقلته لنا حالة الحلم اليقظان التي كان فيها درويش. إنه المكان الذي يتنبأ بمصائر مقبلة. لكن ساكناً لا يتوقف عن صنع مكان لا ينتمي إلى الأحداث الراهنة، فخيال درويش لا يهدأ له بال. نقرأ "كان قد خلد إلى النوم مثل كل مَن بالقرية، ولكنه استيقظ على صوت إبن عمه، الأمين ود النور، يصيح قرب رأسه…" وهذا المكان هو من صنع خيال درويش، فنحن لا نعرف إبن عم درويش الأمين هذا إلاّ الآن ولمرة واحدة فقط. وعندما يتسلل درويش والأمين، في السودان غالباً، مروراً بنورا النائمة على فراشها في سلفالدن بالنسما، يلاحظ درويش الغضب بادياً على وجه إبن عمه وأن شرف الأسرة في خطر، فيقرر بشكل حازم: سندفنهما أحياء. ثم يواصل ساكن في سرد هذا المشهد التراجيدي، دون أن يعنيه نوع الشعور الذي يتولد لحظتها عند قارئه "بينما كان يأخذ سكينته الكبيرة من تحت المخدة، ويمتشق عصاه وبطاريته، خرجا وهما يهرولان في صمت ظاهري وضجيج عنيف في صدريهما نحو الزقاق الذي تنمو أعشاب موسمية على جانبيه، المتفرع من الشارع العام الذي يطلق عليه القرويون اسم طريق الرجل المقتول.
نتناول في المقال الأخير كيف عصفت الطبيعة الهدامة لقصيدة الأرض الخراب ببطل الرواية، درويش، وبالرواية نفسها.

Post: #15
Title: Re: جليد نسّاي
Author: mustafa mudathir
Date: 09-10-2016, 00:10 AM
Parent: #14


سلام فور أول
ودعوة للحوار تحت شعارات الديمقراطية من احترام وسعة صدر
شكراً لك يا كبر على تعديل مداخلتك.
ونعم للدعوة لورشة عمل نقدية.
كتب كبر، أدناه إقتباسان منه:
" واٍليوت ، اقتبس/تناص ، مع البيت الشعري لبودلير ، في معية اربع ابيات للشاعر جون ويبستر ، والذي استلهمه ووظفه ، فيما بعد عبد العزيز بركة ساكن..."
"... فان اٍليوت حينما تماهي/تناص/اقتبس شارل بودلير ، لقد كان يذهب الى هجاء الذات ، وعبرها هجاء القارئ الكسول..!"
فيما يخص قصيدة الرجل الخراب فإن الإبيجراف الذي كتبه لقصيدته يتكون من شقين، الأول يتناول اسطورة سيبيل كما وردت باللاتيني في كتاب ساتيريكون ل جايوس بترونياس وبتحرير أوسكار وايلد ومؤلف آخر. والشق الثاني اهداء لإزرا باوند، الشاعر الأميركي.
وفي نهاية القسم الأول من القصيدة الذي اسمه دفن الموتى، اورد إليوت هذه الجملة بالفرنسي: أيها القارئ المرائي يا شبيهي، يا أخي. وهو يقصد، والله أعلم بما يقصد الشعراء، أنك أنت نفسك، أيها القارئ، مشترك في هذا الدمار، ويقصد الحرب الأولى.
ولم أعثر على اسم الشاعر جون وبيستر.

Post: #16
Title: Re: جليد نسّاي
Author: mustafa mudathir
Date: 09-15-2016, 08:23 PM
Parent: #15

قمت برفع البوست حتى لا يضيع.
المداخلة الأخيرة تتحدث عن نواقض الاستشهاد، ومن أعظمها ...
كما تعالج كيف ختم ساكن روايته.

Post: #17
Title: Re: جليد نسّاي
Author: معاوية المدير
Date: 09-15-2016, 08:52 PM
Parent: #16

(معذرة يا مصطفي مدثر و ضيوفه الكرام
خلاف المدعو kabar
لن اساهم في هذا البوست نتيجة لوجود هذا الجاهل
الممل الذي يزحم البوست بالكلام غير المفيد
و الذي يتميّر بانحطاط ال IQ
و لا يعرف ابسط قواعد الفهم السليم و الاستدلال المنطقي
ببساطة انسان مقرف و وجوده في البوست ممل).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ماك خاتي عليهو يا طه جعفر رغم انك لم توفيه حقه كامل،
هذا الثقيل علي النفس.

عفواً أُستاذ مصطفى والعيد يتبارك عليك وعلي ضيوفك
عدى هذا الذي يقحم نفسه في مثل هذه المواضيع إدعاءً
للمعرفة الأُمسوداني كبر...

Post: #18
Title: Re: جليد نسّاي
Author: Kabar
Date: 09-16-2016, 08:19 AM
Parent: #17


(3)
الى روح ول ابا محمد عبد الله حرسم ، وكأنما حالنا : ياخذنا الغياب بعيدا عنك ، فنكون نحن الموتى وانت الحي فينا..مقامك زين يا صديقي وربنا يجمعنا بيك في الأعالي الطيبات..

صديقي مصطفى ..حبابك..

لو ملاحظ الإبيجراف نفسه ، اٍليوت كتبه باربع لغات (لاتيني ، اغريقي ، انجليزي ، ايطالي) ، وفي ذلك اشارة الى كثير من المصادر التي اعتمد عليها في كتابة نصه الشعري.

قصيدة الأرض الخراب ، كانت ايقونة ادبية كبيرة في التراث الإنساني، وكتبت عنها دراسات كثيرة واراء كثيرة للغاية ويصعب الإلمام بها جميعا وفي وقت واحد ، فغياب ذكر مصدر مهم من مصادر القصيدة مثل مسرحيات جون ويبستر ، كما اشرت انت الى الكتاب الذي شارك في تحريره اوسكار وايلد ، فلا يعني ان هذا مصدر واحد يعول عليه ، وبالتالي ان جون ويبستر لم يؤثر في عوالم الأرض الخراب ، او من يشير اليه كاذب يلفق الحقائق كما يريد..!

هل تصدق يا مصطفى ، نفس الفقرة التي اشرت فيها انت الى ان درويش يتحدث عن ثيمة الشرف في تجربة ابنته (كما قرأت انت رواية ساكن ) هي موجودة بطريقة او باخرى في قصيدة الأرض الخراب ، وفي نفس الوقت الإشارة اليها في الرواية ، يتماهي مع مضمون القصيدة ، ومضمون القصيدة يعتمد في هذه النقطة على مسرحيات جون ويبستر التي كتبت في بداية القرن السابع عشر..!

في مقال لتود وليامز كتب يقول:

The John Webster plays that Eliot uses in The Waste Land have similar concerns with fertility. Although Eliot never wrote an essay specifically devoted to Webster, his drama is more dominant in The Waste Land than anyone’s but Shakespeare’s. In the first two sections of the poem, Eliot alludes to three of Webster’s plays, the two major tragedies, The Duchess of Malfi (1612-14) andThe White Devil (1612), and the little known tragicomedy, The Devil’s Law Case(1619).

وهذه الفقرة توضح اثر اعمال جون ويبستر في قصيدة الأرض الخراب ، غعتمادا على مسرحياته الثلاثة ، اما اثرها المباشر في الرجل الخراب ، فلقد ذكرناه لماما ، ولا نريد التفصيل فيه اكثر..

والفقرة المشار اليها ، هي ناتج عن مناقشة اثر جيمس فريزر صاحب كتاب (الغصن الذهبي) ، والحديث عن الخصوبة وتجريم الجنس ، والعجز الجنسي ، وهي المفاهيم المرتبطة بفكرة الشرف في مخلية درويش في رواية الرجل الخراب..
اندهش يا صديقي حينما تنكر اثر جون ويبستر في قصيدة الأرض الخراب

وعند مراجعة مصادر القصيدة ، ستجد اسم الشاعر الإنجليزي جون ويبستر من ضمن تلك المراجع وقد ورد ذلك في كثير من الدراسات النقدية حول قصيدة اٍليوت ، وايضا في الويكيبيديا (فقرة المصادر) ستلاحظ اسم جون ورد بين اسم توماس ماديلتون وجوزيف كونارد..
وحتى نكون اكثر دقة ، فان ابيات جون ويبستر التي اقتبسها اٍليوت ، فقد وردت في مسرحية الشيطان الأبيض و اقتبس من مسرحية اخرى ورد التماهي معها في البيت 118 من الأرض الخراب..

كتب جون ويبستر مسرحيته الشعرية (الشيطان الأبيض ) ونشرها سنة 1612 وعرضت في نفس العام . من ضمن شخصيات المسرحية امرأة تسمى كورنيلا ( ام فيتوريا ، فلامينو ومارسيلو). في الفصل الخامس ، المشهد الرابع ، ورد على لسان كورنيلا:
Call for the Robin-redbreast and the Wren

1Call for the robin-redbreast and the wren,
2Since o'er shady groves they hover
3And with leaves and flowers do cover
4The friendless bodies of unburied men.
5Call unto his funeral dole
6The ant, the field-mouse, and the mole,
7To rear him hillocks that shall keep him warm
8And, when gay tombs are robb'd, sustain no harm;
9But keep the wolf far thence, that's foe to men,
10For with his nails he'll dig them up again.

في قصيدة ( الأرض الخراب ) لتوماس اٍليوت ، الأبيات 69-76
تجري هكذا:

There I saw one I knew, and stopped him, crying: "Stetson!
You were with me in the ships at Mylae!
The corpse you planted last year in your garden,
Has it begun to sprout؟ Will it bloom this year؟
Or has the sudden frost disturbed its bed؟
Oh keep the dog far hence, that's friend to men,
Or with his nails he'll dig it up again!
You hypocrite lecteur!—mon semblable—mon frère!"

بعض الشراح اشار لتضمين كلام جون ويبستر في قصيدة اٍليوت. خصوصا السطرين التاسع والعاشر والتي تطابق السطرين الرابع والسبعين والخامس والسبعين في قصدة الأرض الخراب..
الأجواء العامة للنصين متطابقة الى حد كبير ، وهذا ما دعى بعض الشراح للقول بان اٍليوت كان يتناص مع كلام جون ويبستر.

اما الحديث عن كون الإهداء الذي كتبه ساكن ، عن اٍليوت ، عن بودلير ، هل هو هجاء للقارئ ، أم هو تحميل القارئ مسئولية الخراب (بالعجز ، الصمت ، التناسي ، اللامبالاة)..فليس مهم ، وانما المهم الموقف النهائي السلبي تجاه القارئ.. فلماذا يتحمل القارئ المسئولية ولا يتحملها المبدع؟.. عبارة (شبهي ، اخي ، توأمي) مطلقا لا تقنعني باني شئ واحد مع الكاتب (سواءا كان اليوت أو ساكن)..!

شكرا لقراءة رواية ساكن ( الرجل الخراب) ، ونتابع ما تبقى من قراءة..!

توقفت عن مواصلة قراءة الرواية لأمرين: الأول تكنيك الحكي ، والثاني ، فكرة الإصرار على تذكير القارئ عن العلاقة بين الرواية وقصيدة الأرض الخراب..وهذا موقف لا اريد ان اكتب عنه..حتى لا ينحرج الكثيرين هنا..!!

نعم ، هي رواية ، ولكني لم ارى فيها عبد العزيز بركة ساكن ، قصدي النفس الروائي الذي اسسه الرجل ودرج على تطويره بصبر عبر السنين..!!

ودمت طيبا ، وبالطبع كل سنة وانت طيب يا مصطفى..

(المداخلة اصلا كتبت في العاشر من سبتمبر/ ايلول 2016 ، الإضافة الوحيدة هي التهنئة بعيد الأضحى ، ولم تنزل المداخلة في وقتها ، احتراما لذهاب صديقنا حرسم ، الذهاب المفاجئ اياه) ..

كبر

Post: #19
Title: Re: جليد نسّاي
Author: mustafa mudathir
Date: 11-06-2016, 00:52 AM
Parent: #18

جليد نساي (3/3)
قراءة في رواية الرجل الخراب
عبد العزيز بركة ساكن
الجزء الثالث




سنتناول في هذا الجزء مسألة استلهام ساكن للهدمية الطاغية في قصيدة إليوت وأنه، أي ساكن، لم يشأ لهدمه نهاية أو حل. وكذلك نتناول مسألة البلبلة التي يحدثها استلهامه الآخر المتمثل في تبديل اسم الرواية،
ونقترح سبباً لإختيار ساكن أن يكون درويش طبيباً صيدلانياً، كما نناقش التجريب في الرواية وأزمة النهاية. فإلى الجزء الأخير من المقال.
أبدأ ببعض الأفكار حول اسم الرواية.
إن الإرث الدلالي لكلمة الخراب في عنوان الرواية يبدو كافياً لقبول اسمها، الرجل الخراب، ولكن عندما نعرف من الرواية أن اسمها الحالي كان قد خضع لعملية تغيير مرتين فإننا نرى أن توسيع دائرة الفحص
الدلالي قد يعيننا إلى فهم أحسن للأصول الابداعية للرواية. فاسم الرواية تحوّل تحوّلاً محكياً عنه من أزهار الليل إلى مُخرّي الكلاب واستقر عند الرجل الخراب. وقصيدة اليوت نفسها تحوّل اسمها، ربما مرة
واحدة، ليستقر على الأرض الخراب. وهذا استلهام آخر للقصيدة نرصده هنا ولا ندعي الحصر.
إن المقصود هنا أن هنالك تعارضاً في دلالة الخراب في الاسمين. فبغض النظر عن كون القصيدة تعد من أكبر محاولات الإبتعاد عن التناول المباشر للأشياء أدبياً، وأنها مستودعاً هائلاً للإحالات وأن مجمل قولها
هو الشكوى عن عقم حياة المدينة المعاصرة، فإن دلالات الخراب فيها تتعلق بالنظرة للحياة والحضارة وتذهب بها للدعوة للعودة إلى تجدد الميلاد من خلال الروحانيات. بينما الرجل الخراب، هو كائن ذو عقل
بشري محدود غير متسق مع مرجعيته الفكرية وأفعاله مجرد اذعان لاملاء الظروف، فهو بالتالي لا يمكن الوصول إليه عبر مشتركات تحققها شخصيته. فالمشكلة إزاء درويش هي قلة الداتا، في الرواية، التي تؤيد
الزعم بأن شخصيته من التعقيد المعرفي بحيث يتمثل ذهنه دقائق التحوّل الذي استوجبه عليه بحثه عن حياة أحسن، في عالم مختلف. وهذا الزعم ليس مصدره المؤلف، الحقيقي أو الضمني، بل على العكس لقد
حرص المؤلف على الحديث عن قلة ثقافة درويش وعن شح علاقته بالكتاب رغم أنه خريج جامعي. فأظنني أكون قد وقعت على أول نقيض للاستلهام من القصيدة، إن أنا أحسنت تبيانه.
في الفصل الأخير من الرواية، يقوم درويش بفحص أصدقائه، بعد أن خرج من بيته تاركاً زوجه وإبنته مع صديق الابنة، بحثاً عن العون. ويقدم لنا المؤلف ملامح سردية لعلاقات درويش بهؤلاء الأصدقاء نرى فيها
وجهاً من أوجه التعاطي الثقافي مع الآخرين. فهناك علاقة درويش براهبٍ مسيحي وبمثقفٍ كردي وصيدلي نمساوي. لكن هذه العلاقات لا تبدو كافية لكي تتجذر علاقة درويش بالثقافة لمستوى التعالق مع نص في
صعوبة نص قصيدة إليوت، ولعل ضحالة أو سطحية تلك العلاقات هي التي جعلته يعدل عن أن يطلب عونهم حين حمي وطيس أزمته. ومن المفيد أن نعرف أن درويش لم يقع على أدب غربي إلاّ سماعاً من زوجته
نورا وأن نورا التي تحب الأدب لم تكن تعرف قصيدة إليوت التي طلب منها أن تقرأها له ولم تحبها. في الحقيقة حرص المؤلف منذ بدايات الرواية على تأكيد رقة حال درويش الثقافية بتلخيص علاقته في بعض
عناوين الكتب العربية حين كان في مصر و كتابين، أحدهما مرجع في الصيدلة والآخر مصحف قرآن صغير الحجم، في اوربا، ثم نقرأ لدرويش قوله "أحياناً كنت أظن أن القدر جمعني بنورا من أجل ت س إليوت"
لكن هذه المعرفة الجديدة وفي سنه العمرية المرصودة في الرواية تبدو مبتعدة نوعاً عن التخييل الواقعي mimesis . وإذا استطردنا في تأصيل علاقة درويش بالثقافة فإننا نلاحظ أشياء هامة اعتمدها ساكن في رسم
شخصية درويش. فدرويش شخصية مصطنعة بشكل يفي بمقتضيات الأثر الدرامي الأعظم، شخص لا تملك إلاّ الصغار والشجب تجاهه قبل أن تأخذك القراءة بعيداً في الرواية. شخص يمكن التكهن بكل ما يقوم به
لكنه يمكن أن لا يقوم بأي شيء. فهو لا بطل، وصعب ومعقّد ومؤلم، وقصته تراجيديا من صنع يديه. ودرويش سوداني، مصري، أي كائن مزدوج في حيرته الثقافية. ثم هو صيدلي، أي منتم لقطاع يندر أن تضطره
ضائقة اقتصادية لنوع الهجرة التي تكبدها، ولعله مناسبٌ أن اضيف هنا استلهاماً قد لا تبدو أهميته للوهلة الأولى ولكنه يستحق التوقف عنده. إنه اختيار أن يكون درويش صيدلياً. فعلى الرغم من عدم أهمية أن يكون
لدرويش مهنة، لأنه لم يمارسها إلاّ في لحظة باكرة من الرواية، فإن هذا الاختيار قد يقع في صميم وفاء ساكن لفكرة استلهام قصيدة إليوت. فالصيدلي، أو الكيميائي، هو مَن نصح إحدى شخصيات إليوت في القصيدة
بأخذ أقراص للاجهاض، لكنها بعد أن فعلت لم تعد لنفسها طبيعتها.
The chemist said it would be alright, but I’ve never been the same.
وعلى كلٍ، فالصيدليان في العملين يبدوان فاشلين في مهنتهما.
ومن ما أبانه المؤلف أن درويش تعرض لنفس الذي يتعرض له الأشخاص الذين لا تحرسهم ثقافة حقيقية فتم تجنيده من قبل أهل الوعي الزائف أو الجماعات المتطرفة. والرواية تحتوي على فصل كامل بعنوان
الأجنبي يحكي مشكلة الهوية التي تعرض لها درويش في مصر، كون ابيه سوداني وامه مصرية ولكن لا شيء يغير من حقيقة أن هجرته أُعتبرت اقتصادية ولا علاقة لها باضطهاد عرقي، أو باختصار، "المحققون
يحبون الكذبات الكبيرة" ودرويش لم تكن عنده إحداهن. ومن المناسب هنا أن أتطرق لنبيطة مصر في هذه الرواية. وكنت قد أبنت في مقالين سابقين أن وجود مصر في الروايات السودانية، الصادرة في عقدين أو
أكثر، بات من ما يمكن التكهن به في أي رواية جديدة تصدر. ولا غرابة في ذلك لأن مصر، لأثرها وموقعها، لا يمكن تجاهلها. وما رميت إليه من استحداث نبيطة أدبية، اسميها الآن لأول مرة نبيطة مصر، هو خلق
معرفة ودراسة لهذا الأمر وآثاره أو مجرد الاستمتاع برصده. والنبيطة هي ترجمة لكلمة device. ومجرد ذكر مصر فإن نبضاً ومشهديةً عالية تعتري العمل الروائي. ومن آثار الاستخدام المجدي لنبيطة مصر تلك
الحبكة التحتانية subplot التي تحكي قصة البوروندية ناديا صوميل، فهي حبكة جميلة وتشير إلى انفتاح أفق المصير إن أحسن المرء في إقدامه على الحياة وتتناقض تماماً مع انغلاق الأفق الذي يعاني منه درويش.
إن فكرة الأرض الخراب، في القصيدة، هي فكرة صوفية أو هي دعوة ل" ادراك الحقيقة من خلال رموز الموجودات". أن الأرض التي خُربت كانت أساساً للخوف والضعة، وما موتها إلاّ بشير بانبعاثها في برزخ
أبدي مشرق، وفق املاءٍ لفظي imperative أحادي هو Da والذي يأتي صداه ثلاثي اللفظ، داعياً للعطاء والرحمة وضبط النفس. وهذه الألفاظ تمتاز بها الهندوسية وديانات شرقية أخرى أخذها إليوت منها وضمّنها
في قسم قصيدته الأخير، ما قاله الرعد. ولعل في عبارة إليوت في مقام آخر "أن الشعر فن لا شخصي، لذلك يجب أن يحدث انفصال كامل في داخل الفنان بين الإنسان الذي يعاني وبين الإنسان المبدع الذي يخلق"
ما يعزز نظرته الصوفية. فلقد وضع إليوت، في قصيدته الارض الخراب، حداً للهدم الذي أحدثته الحرب وعواقبها، لكنّ ساكن استعاض عن فكرة الأمر الثلاثي الهندوسية بفكرة النهاية الثلاثية لروايته. فدرويش عمد
إلى تخريب حياته بلا توقف، وبملمح صوفي حلاجي، وإن ترتب على ضيق أفقه وانكاره لحقائق الحياة المعاصرة، وإلى حد الإفناء. فنورا زوجه تقول في شهادتها في آخر الرواية "..ربما انطلاقاً من تلك الفكرة
بالذات، هو الذي وضع خطة موته- كما اكتشفنا لاحقاً- وهو الذي كتب رسالة تقول إنه ينوي الانتحار، وعليها بصمات أصابعه وتوقيعه.." بينما كان الحلاج يقول "أريد أن أقتل هذه الملعونة" مشيراً إلى نفسه.
والنهاية التي اقترحها المؤلف وأقلع عنها قبل أن يذعن لنهاية تكتبها ثلاث شخصيات في الرواية، أو أي نهاية شبيهة بها، في تقديري، ربما هي أكثر النهايات ملائمة. وهنا شاهد على الاستلهام في فكرة النهاية الثلاثية
يتبعه مباشرة نقيض للاستلهام في دوام فكرة الهدم حتى نهاية الرواية. نقرأ ما كتبه ساكن عن النهاية التي لم يعتمدها "فكانت خطتي لإنهاء الرواية.." وهذا الاقتباس، للمناسبة، هو من صلب الرواية نفسها…"تذهب إلى
عودة درويش إلى مصر أو السودان مرة أخرى، هارباً بابنته ميمي من جحيم الفساد الأخلاقي والقيمي الاوربي.."
لقد قلت مسبقاً أن أحداث الرواية تبدو عادية ما خلا بعض اشراقات الحكي ولذلك فإن المؤلف، وهو لا شك ضليع في فنه، قد اعتمد على الإشتغال على مستوى طرائق السرد أو الإنتقال من الذي يُحكى إلى كيف يُحكى.
وجاء أول ذلك في مطلع الرواية حيث يضعنا المؤلف أمام الأزمة مباشرة، تماماً كما تبدأ الكثير من القصص القصيرة. ثم ينتقل من زمن لآخر عبر استرجاعات عدة، وحشايا سردية، ومشاهد، ويعمل كل ذلك فعل السحر
في القارئ. ولكن المؤلف يخوض، على مرأى منا، معركة غرائبية، يتم فيها إقصاء الراوي عن مهامه، وذلك لأن الراوي "شاء أن يهتم بحدثٍ تافه عابر وقع بينما كان درويش في طريق عودته لسلفالدن بقطار الرابعة
والدقيقة الثامنة بعد الظهر." وينبغي علينا إدراك أن ما يزيد من غرابة هذه المعركة هو أن أطرافها ثلاثة وأن اثنين منهم محض خيال. فنحن إزاء المؤلف ع ب ساكن والمؤلف المفهوم ضمناً، وهو الكائن المتخيّل
implied author والذي نعرف أنه كتب أعمالاً أخرى مستعيناً برواة آخرين، ثم الراوي الذي لا وجود له كشخصية في الرواية. وفي حيثيات حكمه على الراوي يورد المؤلف أن ما انتواه الراوي كان "سيورط النص
الأدبي في ما يسميه بعض النقاد الكلاسيكيين الحرفيين: الخروج المريع وغير المبرر فنياً عن الخط العام للتحقق السردي.." ويستطرد المؤلف في رواية مشكلات سابقة له مع رواة آخرين، مثل ما حدث في روايته
الخندريس حيث "عندما رغب الراوي في تحويل الرواية إلى مغامرة بوليسية، ولم يعجبني ذلك، وقمت حينها بتولي قيادة السرد بإسمي الشخصي في فصل بأكمله. كان الأمر مخجلاً بالنسبة لي ومرهقاً، أن أكون مؤلفاً
وراوياً." ومبلغ علمنا أن الأكثر عرضة لعبء السخرية في هذه الحالة هو الراوي. لكن الراوي ليس شخصية حقيقية. ولئن كانت خناقة ساكن مع الراوي كبيرة، فإنها لا ينبغي أن تجعلنا ننسى أن ساكن أوكل لراوٍ غير
مضمون، هو درويش نفسه، أن يحكي فصلاً هاماً بعنوان سيرة المرأة. فدرويش غير مضمون unreliable بشهادة المؤلف نفسه. وبالطبع فإن الروائي المتمرس مثل ساكن يمكن أن يأتي بأشياء عجبا. وأنا أعرف، مثلاً،
رواية موت العراب، التي قام فيها المؤلف بالاطاحة ببطل الرواية بعد أن تعوّدنا عليه ونصب محله شخصاً هو إبنه كبطل جديد لنفس الرواية.
إن الاشتغال على السرد والتجريب في العمل الروائي هو أمر لا يتوقف ولكن يبدو أن مشكلة انهاء الرواية أو جعلها ذات نهايات متعددة، على الرغم من كونها نصاً مغلقاً يمكن فهمه وفق أعراف وتوقعات مألوفة راجع
الفقرة قبل الأخيرة، أو ختمها بطرد الوقائع بكيفية تجعلها تتبدد في ناحية من الغلاف الداخلي الأخير. كل هذه ليست أموراً وشيكة الحسم لأن الناس، بحسب نقاد كثيرين، يؤولون العالم وفق البدايات والنهايات، أي حسب
مبدأ الغائية. وكما ذهبت مدرسة شومسكي للقول بوجود جين لغوي فإنه ربما طلع علينا أحدهم بجين للختام. فكلنا نعشق النهايات وقد نرى فيها بدايات جديدة. وهذا يعني أننا لا زلنا نثمن عالياً التوقعات التي بنتها فينا الطرائق
والتقاليد الروائية، وأنه لا زال هناك الأدب المعياري canonical الذي يحظى بسمعة طيبة، كلٌ في حيزه أو إقليمه أو يسهل الإجماع حوله. وفي المعياري يقف منتصباً، لا زال، إطار أرسطو المعروف ليردم الهوة بين
ما حدث وما يراد له أن يحدث. إن النهاية التي لم يعتمدها ع ب ساكن هي التي تستجيب لتعاطف القارئ و" تصعد بحزنه لتفجّره، فتخلي نفسه من أحزانها المصيرية."، أي تولّد فيه عاطفة تفعل فعل الدواء الملطف للمزاج
cathartic دون أن نغفل أن الذي يبكينا أكثر قد لا يكون أدباً جيداً. ونظرية أرسطو رغم تعرضها للنقد المرير من أعلام مثل جورج أورويل، سولزنتسن وبرتولد بريخت وغيرهم إلاّ أنها لا تزال حيوية.
إذاً، وفي تقديري، فإن أزمة نهاية الرواية هي ما حمل ساكن على هذا النشاط المحموم والعالي المهنية والذي لم يكن بلا آثار جانبية، سواء على مستوى الفكر كأحد عناصر الحبكة، أم عن اللحظات غير الخيالية اقرأها غير
الروائية، أم على مستوى استجابة القارئ.
تأتي في بنية الرواية خصيصة التعقيد الفكري، ما استقام من فكر وما انجلى. ما كان ينبغي لدرويش أن يتعلمه من أزمته لأنه "أفكاره أيضاً حدث فيها بعض التغيير الذي يصفه بالايجابي، لأنه ما عاد يرى البشر إما كفاراً أو
مسلمين" وأن فكرة قبوله بالمجتمع الأوربي، الجديد عليه، لم تكن صعبة، وان تدخل فيها البوليس أحياناً، بالنظر لامتيازاتها. إن موضوعة الهوية وكراهية الآخر والحريات لم تحظ بشرح كاف ولا عجب فالرواية قصيرة، شاء
لها كاتبها أن لا تسع صراعاً فكرياً، كان يمكن أن يتم من خلال وسائط حكائية أو حوارات عميقة تسمح للقارئ باستدعاء مصائر أخرى مغايرة. وتأتي هذه الخاطرة كأمنية بأن تكون سردياتنا الكبرى هي التي تضع على المحك
وتناقش الأسئلة التي لا بد من جوابها قبل أن نصير أمة.
لقد مرت بالرواية لحظات nonfictional إنوجدت فيها شخوص واقعية حيّة داخل بنية الرواية. أشخاص أحياء عند ربهم يرزقون. لا بأس، هنالك أيضاً في الشعر، مثلاً، لحظات غير شعرية. لكن هذه اللحظات قد تغدو
مصدراً لانزعاج القارئ فمثلاً ومنذ بداية الفصل المسمى درويش يحس القارئ بوجود راو آخر، غير معرّف، يبدو أنه الراوي الضمني أو هو المؤلف، فهنا تحدث بلبلة، بمعناها العادي وليس الفني. ثم تمضي الرواية
لنقرأ: "الراوي أصر اصراراً بالغاً على وضع النقاط على الحروف… على كل سأحكيه هنا بشيء من التحفظ لا بأس به، أي بالقدر الذي لا يقلل من قيمة العمل الفني أو يخلق ارتباكاً لدى القارئ." ويتدخل هذا الصوت
الذي لا نملك دليل على أنه المؤلف نفسه ليقول: "فمن غرائب الأحوال أن هذا الراوي لا يحب الحوارات." إلى أن نقرأ: "قد يتوقع القارئ الكريم...أن الرواية منذ هذه اللحظة سوف تمضي في ثلاثة محاور…" ونحن نعرف
وعي المؤلف بهذا الأمر بل هو قد صدّر روايته ببيت الشعر المأخوذ من بودلير، أيها القارئ المرائي يا شبيهي يا أخي، ثم قال عنه "أما القارئ المرائي المغامر ال####################..فقد يكون له رأي آخر. لا ندري ما هو بصورة قاطعة."
فيبدو أن القارئ مستهدفٌ بالنشاط التجريبي الذي قام به المؤلف وأنه إما أن يكون محباً للأدب أو قارئاً متمرساً، سيجد متعة في الأجزاء الأخيرة من الرواية التي تشبه ورشة عمل حول طرائق كتابة الرواية، أو يكون مستهلكاً عابراً،
سيجد أن نفس هذه الأجزاء المذكورة تحكي عن أزمة في كيفية انهاء الرواية وحسب. ومن زاوية نظرية استجابة القارئ reader response في تصريفها الفرنسي عند رولان بارث يمكن أن تنتقل المسألة لأزمة في هوية الرواية
نفسها، هل هي نص قارئي readerly، مغلق، يجود على القارئ بفهم واحد. أم هي نص كاتبي writerly، مفتوح، يمكنك انهاؤه كيف تشاء.
ختاماً، طابت لي، بحق، قراءة هذه الرواية لما يميزها من سيولة في اللغة ولما فيها من جهد الكاتب العارف بأدواته وموظفٍ لها بحكمة واقتصاد، وما كتبت هذا إلاّ ملتزماً بطريقتي في أن أعبر حيثما وسعني التعبير.

انتهى المقال
مصطفى مدثؤ









Post: #20
Title: Re: جليد نسّاي
Author: mustafa mudathir
Date: 11-08-2016, 08:15 PM
Parent: #19

احمد صدقي

Post: #21
Title: Re: جليد نسّاي
Author: بله محمد الفاضل
Date: 11-10-2016, 07:58 AM
Parent: #20

جليد نسّايقراءة في رواية الرجل الخرابعبد العزيز بركة ساكنالجزء الأول-
أيها القارئ المرائي، يا شبيهي، يا أخي
- بودلير، شاعر فرنسي-
الفكرة الرئيسة [عند إليوت] هي أننا، حتى ونحن ملزمون بأن نعي ماضوية الماضي..، لا نملك طريقة عادلة لحجر الماضي عن الحاضر.
إن الماضي والحاضر متفاعمان، كلٌ يشي بالآخر ويوحي به، وبالمعنى المثالي كلياً الذي ينتويه إليوت ، فإن كلاً منهما يتعايش مع الآخر.
ما يقترحه ت س إليوت بإيجاز هو رؤيا للتراث الأدبي لا يوجهها كلياً التعاقب الزمني، رغم أنها تحترم هذا التعاقب.
لا الماضي ولا الحاضر، ولا أي شاعر أو فنان، يملك معنىً كاملاً منفرداً- إدوارد سعيد، استاذ الأدب الإنجليزي
- الطريق إلى الحقيقة يمر بأرض الوساوس - شانون برودي، عاملة صيدلية.يبدو مفارقاً، بل غرائبياً،
أن تُهرع لقصيدة ت س إليوت (الأرض الخراب) كي تعينك على فهم استلهام عبد العزيز بركة ساكن لها في كتابة روايته القصيرة، الرجل الخراب.
فالمفارقة هي أن القصيدة المكتوبة في 1922، وبما عُرف عنها من تعقيد ووعورة، تحتاج هي نفسها لعشرات الشروحات،
لكونها مغرقة في الإحالات لتواريخ وثقافات وأديان، بل ولغات أخرى غير لغتها الانجليزية.
وكان هذا النوع من الكتابة القائمة على الاقتباس والتضمين من ما ميز شعراء الحداثة النشاط في بدايات القرن العشرين.
والغرائبي أن واقع الرواية يشتمل على مَن لا يستحسن القصيدة وهو أوربي، نورا زوجة الشخصية الرئيسة في الرواية،
و مَن تجري أبياتها على لسانه، مستشرفاً لها، وهو درويش الأفريقي، الذي لا نتوفر، من الرواية، على ما يدلنا على أنه متراصف ثقافياً مع انسان القصيدة.
إن السؤال عن قيمة استلهام قصيدة الارض الخراب في هذا العمل الأدبي لبركة ساكن يبدو معقولاً أيضاً،
لكونه ينطوي على مفاضلة بين مرجعييتن نقديتين إحداهما تمثلها حداثة النص الروائي قيد البحث،
إرتقاؤه على صعيد التعاطي مع تحولات روح العصر وانتقال الثقافي فيه من النخبوي إلى فضاء المُتشارَك، اليومي.
إذ أن نص إليوت مغلق تماماً وغير معني به القارئ العادي بينما نص ع ب ساكن متحرك وجل عمارته من اليومي، المُدرك بيسر.
والمرجعية الأخرى هي مرجعية القفزة إلى الوراء، إلى قتامة أجواء ما بعد الحرب العالمية الأولى،
تلك التي يوفرها نص القصيدة الحريص على تكريس فهم قدري وكارثي للحضارة الإنسانية.
ولست من التقتير بحيث استكثر على الروائي إرادته أن يكون عمله ذا سياق حضاري موشى بعبارات مفتاحية
واشارات أو كليشيهات تخاطب ذهن القارئ العصري
على النحو الذي تشير إليه قراءة ادوارد سعيد لإليوت في الاقتباس من الأول أعلى هذا المقال.
على أن قيمة استلهام قصيدة الأرض الخراب أمامها إشكالات أخرى ترتبت من كون القصيدة،
من كثرة إحالاتها ومتحها من المتخيّل الديني، جاءت بنبوءات لم تتحقق،
فليس هناك أبراج تداعت أو شهوات قُوّضت.
بل يمكن النظر للقصيدة الآن كمجرد نص حداثوي يصف التحولات في العقل الغربي أوان ذاك،
جراء ثنائية التشظي الشخصي والتشظي الأكبر، الحضاري بسبب الحرب الثانية.
ونجد أن هذا الاستلهام مشار إليه في الblurb أو التعريف بالكتاب المكتوب على غلافه الخلفي
وهو تعريف غير ممهور بإسم مَن كتبه نقرأ فيه "مستلهماً رائعة ت س إليوت، الأرض الخراب،
يرسم الروائي السوداني البارع عبر تقنيات تصوير وتجسيد فريدة ومبتكرة صورة الرجل الخراب،
لنرى كيف يصيب الخراب رجلاً بأكمله..".
فأمر استلهام قصيدة إليوت ليس شيئاً يسيراً يُترك لفطنة القارئ لأنه استلهام عابر من جنس أدبي لآخر.
والقصيدة، أية قصيدة، "لها جنسها المستقل عن الشكل والواقع التاريخي".

2-
يكتب بركة ساكن في الفصل الأخير من روايته "...والقارئ الحصيف هو الذي لا يترك مجالاً للكاتب أن يدعه يخمن نهاية الرواية،
والكاتب الماكر مثل السياسي العجوز يتلاعب بالبيضة والحجر في الكف ذاتها.
أما الروائي الذي يتعجل نهاية الرواية ليحرر نفسه من أجل أغراض أكثر أهمية- في ظني،
وليس كل الظن إثم- فالموت أولى به"
وأياً كان المعنى الذي يستوقفك من هذا الكلام فإن من باطنه، على أقل تقدير،
يأتينا الإذن بكتابة ملخص لا يفسد على من أراد قراءة الرواية شيئاً ولكن، قبل ذلك،
فإن لي وصفاً لتلك اللحظة من الرواية التي خاطب فيها المؤلف قراءه في ما يمكن أن يُعد نوعاً نادراً من أنواع الخطاب الروائي،
وإن كان وصفاً بعيداً عن عالم الكتب لكنه يشير للحظة سميكة في لا تلقائيتها،
وهو أن ما حدث ما حدث في الرواية مشابه لما كان يحدث في العشر دقائق الأخيرة من عمر أية مباراة كرة قدم ساخنة في أستاد أم درمان قبل عقود خلت،
حيث كان ممكناً آن ذاك أن تدخل المباراة، مجاناً في تلك الدقائق، لتشاهد الهدف الوحيد،
الذي دفع له الناس ثمناً، ثم يئسوا وخرجوا قبل إحرازه.
في تلك اللحظة الشبيهة من الرواية قرر ساكن أن تنفتح أمامه كل النهايات الممكنة، أو أن يحوّل روايته إلى ورشة عمل ناجحة،
وسنرى إن كان في ذلك خرقٌ للفعل الروائي في ناحية من هذا المقال.الرجل الخراب،
رواية عبد العزيز بركة ساكن، الصادرة عن مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة لسنة 2015،
والتي تقع في 112 صفحة، تحكي عن درويش، المولود لأب سوداني من أم مصرية،
والذي يذهب ليعيش في أوربا وفق ذرائع دارجة، وهناك يعمل مع مخدمته النمساوية التي تموت تاركة له ميراثاً وابنةً يتزوجها، وينجب منها إبنته.
ثم تحدثنا الرواية عن أول لقاء، وما أعقبه من تداعيات، بين درويش وحبيب إبنته،
وتشرح لنا كيف تفاعل درويش، السوداني المصري، حيال علاقة إبنته بحبيبها النمساوي.الرواية مكتوبة
بلغة سهلة ومصاغة من فسيفساء حكايات الهجرة والإغتراب، من أضابير وملفات قصص (حالات) اللجوء السياسي
التي حوّلت واقع الناس إلى نسيج حكائي كولاجي مشغول من إلتماعات قطع وشظايا التجربة مهالاً عليه جليد نسّاي ، بتعبير إليوت نفسه،
forgetful snow يغطى تحته كل التفاصيل كتركيب synthesis جديد لميلاد آخر،
ومن فكرة التركيب الجديد المطمور تحت الجليد هذه أخذت عنواناً لهذا المقال،
فالجليد ينسى دائماً أننا عائدون إلى الحياة وأن قسوة إبريل هي مصدر غبطتنا.
ومن هنا نتعرف على أول تشابهات الرواية مع قصيدة إليوت. فإليوت يقول في قصيدته:
son of man/ you cannot say or guess, for you only/ know a heap of broken images
وبرغم خطورة أن يكون في بناء السرد على هذا المنوال،تعريض له لأن يكون سهل التكهن بمآلاته predictable،
فيذهب سره، إلاّ أن ما يُدهش هو أن ساكن لا هاجس له تجاه هذا التكهن،
كما أوضح الاقتباس منه الأخير. بل إن الرواية تمضي في حبور نحو أن لا …..تكون رواية.

3-
سنلقي نظرة متمكثة قليلاً على بعض شواهد الإستلهام من قصيدة الأرض الخراب في صناعة رواية ساكن.
() تقول قصيدة إليوت إن الشهوة هي أساس المعاناة الانسانية وتعرض لنا أمثلة عابرة للتخثر الأخلاقي،
وللمصير الكارثي للحضارة الانسانية أوان ذاك ثم تطرح في آخرها خارطة طريق للخلاص من خلال تحقق ثلاث تأويلات للحالة الانسانية،
أخذها إليوت من أناشيد الهندوسية Upanishads.
لكن الرواية، بينما هي لا تقدم خلاصاً كالقصيدة، تستخدم نفس فكرة التأويلات الثلاث لشرح مصير بطلها عن طريق ثلاثة شخوص غير رئيسية فيها.
ونلاحظ أن قسم القصيدة الأول المسمى دفن الموتى، من أصل خمسة أقسام لها،
هو الأكثر استلهاماً حيث نقرأ فيه عن ماري التي خافت من السقطة وتحررت فتذكرنا بمدام شولتز،
مخدمة درويش النسماوية في الرواية، ثم نرى مدام سوساستروس، النبية الكاذبة التي تنبئ بالموت غرقاً،
فنتذكر نورا إبنة مدام شولتز التي تزوجها درويش لاحقاً، على أن لنورا حضوراً آخر أهم في قسم آخر من القصيدة.
ونتذكر أن أول شيئ فعله درويش بعد موت مخدمته، هو أنه تخلص من كلابها،
مستشرفاً نصيحة إليوت في نفس القسم الأول من القصيدة،
حين هتف بشخص قابله في الطريق اسمه استاتسن، ينبهه بالتخلص من أي كلب يمكن أن يقوم بنبش جثة الميت،
قبل أن يحين ميعاد قيامته، لا أحد يدري من هو هذا الميت، وذلك لأن الكلب وفي لصاحبه.
فدرويش لا يود أن تزول نعمة ميراثه لمخدمته بعودتها إلى الحياة،
لكن أمامنا أيضاً خيار أن نفهم أنه تخلص من كلاب السيدة شولتز لأن ثقافته الاسلامية، نوعاً، ترى في الكلب نجاسة.
وفي تقديري فإن هناك استلهاماً شديد الإبهار، من هذا القسم الأول من القصيدة، لكنه أيضاً بالغ المواربة،
يتمثل في مشهد السواح الآسيويين والطريقة التي وصفهم بها ساكن. فهذا المشهد هو اعادة كتابة لما خطه الشاعر إليوت عن المشهد فوق جسر لندن،
لندن بريدج، ووصف الناس المتحركين فوقه كالأموات كلٌ ثبّت عينيه على قدميه.
فإليوت تحدث عن إخاء أو تجاور انساني زائف يوّحد المارة، إخاء متناقض، بل هي عزلة،
فكلٌ مع نفسه فقط. يكتب ساكن في فصل سيرة المرأة "كان السواح الآسيويون يعبرون صامتين، يصوّرون كل شيئ…إلخ المقطع كله"
فالعزلة هنا أيضاً كيثفة والكاميرا هي نفسها منظور لا يشاركك فيه أحد.
وكلٌ أخ الآخر، لكنه إخاء زائف، وبهذا الفهم لتمهل ساكن عند مشهد السواح يمكن أن نجد صورة معادلة وحاكية بصدق،
تماماً كصورة إليوت في القصيدة.
الجزء الثاني()
هنالك شبهة استلهام، إن كان ذلك ممكناً أصلاً، في مستهل القصيدة، أو الابيجراف،
نجدها في أحبولة حكائية صاغها المؤلف حول فكرة وردت في ذلك الإبيجراف، تحكي عن مصير سِيبل Sibyl التي تمنت طول العمر،
ونسيت أن تتمنى معه دوام الشباب، فإنتهى بها الأمر إلى وهنٍ تاقت منه لموتها.
إنها هنا، في شخص لوديا شولتز، التي قفز عمرها من 71 عاماً "بصورة ميتافيزيقية إلى 103 عاماً"،
أو هي أشبه ما تكون بذلك، أعياها طول المكث في الدنيا وصار حالها أشبه بحال لبيد بن ربيعة العامري حين قال:
ولقد سئمتُ من الحياة وطولِها وسؤالِ هذا الناسِ كيف لبيد.
ويتضح لنا أن مضاهاة حساب السن العمرية لا معنى له لأن المقصود هو تبيان قبول لوديا بالموت،
رغم خوفها منه، كتحرير لروحها من إسار النفس.
() في فصل سيرة المرأة من الرواية نذكر تايريسياس في قسم لعبة شطرنج من قصيدة إليوت،
تايريسياس الذي هو كل النساء وكل الرجال ويرى كل مضامين القصيدة لأنه بحسب الأسطورة كان رجلاً ثم تم تحويله لإمرأة،
بواسطة الآلهة غالباً، ثم قفل عائداً كرجل وتنبأ بسقوط طيبة وأشياء أُخر.
إنه درويش ونورا في آن وبلا شخصيهما. إن لعبة الشطرنج في القصيدة، بتناولها للحوار بين الرجل والمرأة، تخدم هنا كمجاز، للعبة الإغواء،
وتشير إلى فهم للزواج والجنسانية يتنزل بهما لمجرد أن يكونا جزءً من لعبة استخطاطيات بين الرجل والمرأة،
يصبح الجنس فيها مجرد إغواء أو إغتصاب يفضي للإجهاض.
والرواية تحدثنا في أكثر من لحظة من لحظاتها عن الإغتصاب.
فهناك إغتصاب نُورا نفسها من أبيها النمساوي، ثم الإغتصابات والإعتداءات المتخيّلَة من قبل درويش لإبنته من نورا
والتي أقحم فيها خيالُ درويش آخرين غيره.
إن ثيمة الإغتصاب في قصيدة إليوت لهي من أكبر ما إستلهمه ساكن،
وسنرى في المقطع التالي من فصل الرواية الأخير كيف أن ساكن،
وإن لم يشر إلى اسطورة فيلوميلا، إلاّ أنه رمز إليها بشكل واضح حيث كتب عن خروج درويش في أوج أزمته،
هائماً على وجهه و"تمشى في الطريق التي يحبها جداً، بل هي الطريق الوحيدة التي يسلكها للعمل،
وهي ليست القريبة أو المختصرة، ولكنها تمر بنقاط مهمة جداً بالنسبة له، أولها ما يسميه شجرة العصافير،
قرب مخبز الفلاح،….حيث يسمع فيها دعاء الكروان يومياً وهو يتحاور مع طيور الببغاوات المحبوسة في قفص كبير في الشرفة المقابلة...
يظن دائماً درويش أن طيور الكروان الطليقة تضع خطط هروب فاشلة للببغاوات كل يوم…..
هذا الشيئ يعجبه جداً ويحزنه أيضاً. يتوقف قليلاً،
يترك كل جسده وخياله وروحه لتغريد الطيور. في كثير من الأحيان تسيل دمعة بصورة غير إرادية على خده..
" فالإحالة إلى الطيور يقبع وراءها الإرث الأسطوري.
وقصة فيلوميلا، التي يستخدمها إليوت للتدليل على توقف الانسان عن إنتاج أرض خصبة كمقابل للأرض الخراب،
هي بإختصار أن فيلوميلا إغتصبها تيريوس زوج أختها، وقطع لسانها حتى لا تحكي ما حدث،
لكنها نسجت قصتها لأختها على قماش. وبدافع الإنتقام قامت الأختان بذبح المولود وتقديمه كعشاء لتيريوس،
وحين أقدم تيريوس على ذبح الأختين تدخلت الآلهة وحوّلت ثلاثتهم إلى طيور،
ربما لكون الآلهة كانت مشغولة بقضايا أهم والله أعلم. فالطائر، كروان أو هزار،
هو تعبير عن حزن مركب في نفس درويش، بدأ من ضياعه، مروراً بزواجه غير السعيد وبوساوس الإغتصاب.
يحكي ع ب ساكن في فصل سيرة المرأة كيف أن نورا ودرويش جلسا، في مواجهة عقلية cerebral بحتة،
تماماً كلعبة الشطرنج، ليقررا مصيريهما معاً، على خلفية احتياج درويش لها في النمسا،
واحتياجها هي لأن تنعم بميراث أمها، التي لم تتركه لها، بل كتبته بإسم درويش. يكتب ساكن
"مثل تاجرين متجولين جشعين، جلسنا وجها لوجه، شرحت لي أن وضعي القانوني في النمسا، حسبما عرفت مني بالتفاصيل من قبل،
يقضي بأنهم سوف يرحلونني إلى مصر أو السودان ول استأنفت مئة مرة.."
إلى أن تقول نورا "والطريق الوحيد للحصول على الإقامة هنا، هو الزواج من نمساوية. وهذه النمساوية هي أنا بالذات."
وتزوج درويش من نورا بلا عاطفة، بلا حب.
() على مستوى وصف المكان الذي يتطور فيه السرد، نجد أن ساكن استطاع أن يجد معادلاً لفكرة إليوت،
في قسم قصيدته المعنوّن بلعبة الشطرنج،عن زقاق الفأر الميت، إذ يقول إليوت على لسان أحد أبطاله المأزومين:
" أعتقد أننا في زقاق الفأر الميت، حيث فقد الموتى عظامهم"،
في إشارة إلى التخثر والموت، بينما يصف ساكنُ مكاناً، أسماه بطله درويش ممر الرجل المقتول، وذلك في فصل، توني لا يكره العرب،
فدرويش كان يتخيّل إبنته، غير منزهٍ لها من سقطة ما، أو هو يراها بهاجس يتعلق بثيمة الشرف،
"عندما سمعت البنتُ هاتفاً يناديها أسرعتِ الخطى، تلفتت للمرة الأخيرة، ثم مضت في اتجاه الصوت بينما زادت ضربات قلبها،
وتعرّقت كفها وهي تحس بنشوة عارمة تجتاح كل خلية من خلايا جسدها، خليط من الخوف والشعور بالأمان،
وهو الاحساس المجنون الذي ينتاب المرأة عندما تلتقي برجل على انفراد أول مرة، ذات مساء به نصف قمر،
في الزقاق الذي تنمو أعشاب موسمية على جانبيه، المتفرع من الشارع العام الذي يطلق عليه القرويون اسم طريق الرجل المقتول."
والمكان هنا مختلفٌ عليه، إن جاز هذا القول، وطرف الخلاف الثاني هنا هو الراوي، ما سنعود إليه وشيكاً.
المكان هنا فيه ذاكرة مختلطة، وربما شاحبة، إنه في النمسا لكن السودان يقع بداخله تماماً.
هو مكان نقلته لنا حالة الحلم اليقظان التي كان فيها درويش. إنه المكان الذي يتنبأ بمصائر مقبلة.
لكن ساكناً لا يتوقف عن صنع مكان لا ينتمي إلى الأحداث الراهنة،
فخيال درويش لا يهدأ له بال. نقرأ "كان قد خلد إلى النوم مثل كل مَن بالقرية،
ولكنه استيقظ على صوت إبن عمه، الأمين ود النور، يصيح قرب رأسه…
" وهذا المكان هو من صنع خيال درويش، فنحن لا نعرف إبن عم درويش الأمين هذا إلاّ الآن ولمرة واحدة فقط.
وعندما يتسلل درويش والأمين، في السودان غالباً، مروراً بنورا النائمة على فراشها في سلفالدن بالنسما،
يلاحظ درويش الغضب بادياً على وجه إبن عمه وأن شرف الأسرة في خطر، فيقرر بشكل حازم:
سندفنهما أحياء.
ثم يواصل ساكن في سرد هذا المشهد التراجيدي، دون أن يعنيه نوع الشعور الذي يتولد لحظتها عند قارئه
"بينما كان يأخذ سكينته الكبيرة من تحت المخدة، ويمتشق عصاه وبطاريته،
خرجا وهما يهرولان في صمت ظاهري وضجيج عنيف في صدريهما نحو الزقاق الذي تنمو أعشاب موسمية على جانبيه،
المتفرع من الشارع العام الذي يطلق عليه القرويون اسم طريق الرجل المقتول.
نتناول في المقال الأخير كيف عصفت الطبيعة الهدامة لقصيدة الأرض الخراب ببطل الرواية، درويش، وبالرواية نفسها.

الجزء الثالث

سنتناول في هذا الجزء مسألة استلهام ساكن للهدمية الطاغية في قصيدة إليوت وأنه، أي ساكن، لم يشأ لهدمه نهاية أو حل.
وكذلك نتناول مسألة البلبلة التي يحدثها استلهامه الآخر المتمثل في تبديل اسم الرواية، ونقترح سبباً لإختيار ساكن أن يكون درويش طبيباً صيدلانياً،
كما نناقش التجريب في الرواية وأزمة النهاية. فإلى الجزء الأخير من المقال.

أبدأ ببعض الأفكار حول اسم الرواية.
إن الإرث الدلالي لكلمة الخراب في عنوان الرواية يبدو كافياً لقبول اسمها، الرجل الخراب،
ولكن عندما نعرف من الرواية أن اسمها الحالي كان قد خضع لعملية تغيير مرتين فإننا نرى أن توسيع دائرة الفحص الدلالي
قد يعيننا إلى فهم أحسن للأصول الابداعية للرواية.
فاسم الرواية تحوّل تحوّلاً محكياً عنه من أزهار الليل إلى مُخرّي الكلاب واستقر عند الرجل الخراب.
وقصيدة اليوت نفسها تحوّل اسمها، ربما مرة واحدة، ليستقر على الأرض الخراب. وهذا استلهام آخر للقصيدة نرصده هنا ولا ندعي الحصر.
إن المقصود هنا أن هنالك تعارضاً في دلالة الخراب في الاسمين.
فبغض النظر عن كون القصيدة تعد من أكبر محاولات الإبتعاد عن التناول المباشر للأشياء أدبياً،
وأنها مستودعاً هائلاً للإحالات وأن مجمل قولها هو الشكوى عن عقم حياة المدينة المعاصرة،
فإن دلالات الخراب فيها تتعلق بالنظرة للحياة والحضارة وتذهب بها للدعوة للعودة إلى تجدد الميلاد من خلال الروحانيات.
بينما الرجل الخراب، هو كائن ذو عقل بشري محدود غير متسق مع مرجعيته الفكرية وأفعاله مجرد اذعان لاملاء الظروف،
فهو بالتالي لا يمكن الوصول إليه عبر مشتركات تحققها شخصيته.
فالمشكلة إزاء درويش هي قلة الداتا، في الرواية، التي تؤيد الزعم بأن شخصيته من التعقيد المعرفي
بحيث يتمثل ذهنه دقائق التحوّل الذي استوجبه عليه بحثه عن حياة أحسن، في عالم مختلف.
وهذا الزعم ليس مصدره المؤلف، الحقيقي أو الضمني،
بل على العكس لقد حرص المؤلف على الحديث عن قلة ثقافة درويش وعن شح علاقته بالكتاب رغم أنه خريج جامعي.
فأظنني أكون قد وقعت على أول نقيض للاستلهام من القصيدة، إن أنا أحسنت تبيانه.في الفصل الأخير من الرواية، يقوم درويش بفحص أصدقائه،
بعد أن خرج من بيته تاركاً زوجه وإبنته مع صديق الابنة، بحثاً عن العون.
ويقدم لنا المؤلف ملامح سردية لعلاقات درويش بهؤلاء الأصدقاء نرى فيها وجهاً من أوجه التعاطي الثقافي مع الآخرين.
فهناك علاقة درويش براهبٍ مسيحي وبمثقفٍ كردي وصيدلي نمساوي.
لكن هذه العلاقات لا تبدو كافية لكي تتجذر علاقة درويش بالثقافة لمستوى التعالق مع نص في صعوبة نص قصيدة إليوت،
ولعل ضحالة أو سطحية تلك العلاقات هي التي جعلته يعدل عن أن يطلب عونهم حين حمي وطيس أزمته.
ومن المفيد أن نعرف أن درويش لم يقع على أدب غربي إلاّ سماعاً من زوجته نورا
وأن نورا التي تحب الأدب لم تكن تعرف قصيدة إليوت التي طلب منها أن تقرأها له ولم تحبها.
في الحقيقة حرص المؤلف منذ بدايات الرواية على تأكيد رقة حال درويش الثقافية
بتلخيص علاقته في بعض عناوين الكتب العربية حين كان في مصر و كتابين،
أحدهما مرجع في الصيدلة والآخر مصحف قرآن صغير الحجم، في اوربا، ثم نقرأ لدرويش قوله
"أحياناً كنت أظن أن القدر جمعني بنورا من أجل ت س إليوت"
لكن هذه المعرفة الجديدة وفي سنه العمرية المرصودة في الرواية تبدو مبتعدة نوعاً عن التخييل الواقعي mimesis .
وإذا استطردنا في تأصيل علاقة درويش بالثقافة فإننا نلاحظ أشياء هامة اعتمدها ساكن في رسم شخصية درويش.
فدرويش شخصية مصطنعة بشكل يفي بمقتضيات الأثر الدرامي الأعظم،
شخص لا تملك إلاّ الصغار والشجب تجاهه قبل أن تأخذك القراءة بعيداً في الرواية.
شخص يمكن التكهن بكل ما يقوم به لكنه يمكن أن لا يقوم بأي شيء.
فهو لا بطل، وصعب ومعقّد ومؤلم، وقصته تراجيديا من صنع يديه.
ودرويش سوداني، مصري، أي كائن مزدوج في حيرته الثقافية.
ثم هو صيدلي، أي منتم لقطاع يندر أن تضطره ضائقة اقتصادية لنوع الهجرة التي تكبدها،
ولعله مناسبٌ أن اضيف هنا استلهاماً قد لا تبدو أهميته للوهلة الأولى ولكنه يستحق التوقف عنده.
إنه اختيار أن يكون درويش صيدلياً. فعلى الرغم من عدم أهمية أن يكون لدرويش مهنة،
لأنه لم يمارسها إلاّ في لحظة باكرة من الرواية، فإن هذا الاختيار قد يقع في صميم وفاء ساكن لفكرة استلهام قصيدة إليوت.
فالصيدلي، أو الكيميائي، هو مَن نصح إحدى شخصيات إليوت في القصيدة بأخذ أقراص للاجهاض،
لكنها بعد أن فعلت لم تعد لنفسها طبيعتها.
The chemist said it would be alright, but I’ve never been the same.
وعلى كلٍ، فالصيدليان في العملين يبدوان فاشلين في مهنتهما.
ومن ما أبانه المؤلف أن درويش تعرض لنفس الذي يتعرض له الأشخاص الذين لا تحرسهم ثقافة حقيقية فتم تجنيده من قبل أهل الوعي الزائف أو الجماعات المتطرفة.
والرواية تحتوي على فصل كامل بعنوان الأجنبي يحكي مشكلة الهوية التي تعرض لها درويش في مصر،
كون ابيه سوداني وامه مصرية ولكن لا شيء يغير من حقيقة أن هجرته أُعتبرت اقتصادية ولا علاقة لها باضطهاد عرقي،
أو باختصار، "المحققون يحبون الكذبات الكبيرة"
ودرويش لم تكن عنده إحداهن. ومن المناسب هنا أن أتطرق لنبيطة مصر في هذه الرواية.
وكنت قد أبنت في مقالين سابقين أن وجود مصر في الروايات السودانية، الصادرة في عقدين أو أكثر،
بات من ما يمكن التكهن به في أي رواية جديدة تصدر. ولا غرابة في ذلك لأن مصر، لأثرها وموقعها، لا يمكن تجاهلها.
وما رميت إليه من استحداث نبيطة أدبية، اسميها الآن لأول مرة نبيطة مصر،
هو خلق معرفة ودراسة لهذا الأمر وآثاره أو مجرد الاستمتاع برصده.
والنبيطة هي ترجمة لكلمة device.
ومجرد ذكر مصر فإن نبضاً ومشهديةً عالية تعتري العمل الروائي.
ومن آثار الاستخدام المجدي لنبيطة مصر تلك الحبكة التحتانية subplot التي تحكي قصة البوروندية ناديا صوميل،
فهي حبكة جميلة وتشير إلى انفتاح أفق المصير إن أحسن المرء في إقدامه على الحياة وتتناقض تماماً مع انغلاق الأفق الذي يعاني منه درويش.
إن فكرة الأرض الخراب، في القصيدة، هي فكرة صوفية أو هي دعوة ل" ادراك الحقيقة من خلال رموز الموجودات".
أن الأرض التي خُربت كانت أساساً للخوف والضعة، وما موتها إلاّ بشير بانبعاثها في برزخ أبدي مشرق،
وفق املاءٍ لفظي imperative أحادي هو Da والذي يأتي صداه ثلاثي اللفظ، داعياً للعطاء والرحمة وضبط النفس.
وهذه الألفاظ تمتاز بها الهندوسية وديانات شرقية أخرى أخذها إليوت منها وضمّنها في قسم قصيدته الأخير، ما قاله الرعد.
ولعل في عبارة إليوت في مقام آخر "أن الشعر فن لا شخصي،
لذلك يجب أن يحدث انفصال كامل في داخل الفنان بين الإنسان الذي يعاني وبين الإنسان المبدع الذي يخلق
" ما يعزز نظرته الصوفية. فلقد وضع إليوت، في قصيدته الارض الخراب،
حداً للهدم الذي أحدثته الحرب وعواقبها، لكنّ ساكن استعاض عن فكرة الأمر الثلاثي الهندوسية بفكرة النهاية الثلاثية لروايته.
فدرويش عمد إلى تخريب حياته بلا توقف، وبملمح صوفي حلاجي، وإن ترتب على ضيق أفقه وانكاره لحقائق الحياة المعاصرة، وإلى حد الإفناء.
فنورا زوجه تقول في شهادتها في آخر الرواية "..ربما انطلاقاً من تلك الفكرة بالذات، هو الذي وضع خطة موته- كما اكتشفنا لاحقاً-
وهو الذي كتب رسالة تقول إنه ينوي الانتحار، وعليها بصمات أصابعه وتوقيعه.." بينما كان الحلاج يقول
"أريد أن أقتل هذه الملعونة" مشيراً إلى نفسه.
والنهاية التي اقترحها المؤلف وأقلع عنها قبل أن يذعن لنهاية تكتبها ثلاث شخصيات في الرواية،
أو أي نهاية شبيهة بها، في تقديري، ربما هي أكثر النهايات ملائمة.
وهنا شاهد على الاستلهام في فكرة النهاية الثلاثية يتبعه مباشرة نقيض للاستلهام في دوام فكرة الهدم حتى نهاية الرواية.
نقرأ ما كتبه ساكن عن النهاية التي لم يعتمدها "فكانت خطتي لإنهاء الرواية.."
وهذا الاقتباس، للمناسبة، هو من صلب الرواية نفسها…
"تذهب إلى عودة درويش إلى مصر أو السودان مرة أخرى، هارباً بابنته ميمي من جحيم الفساد الأخلاقي والقيمي الاوربي..
"لقد قلت مسبقاً أن أحداث الرواية تبدو عادية ما خلا بعض اشراقات الحكي ولذلك فإن المؤلف، وهو لا شك ضليع في فنه،
قد اعتمد على الإشتغال على مستوى طرائق السرد أو الإنتقال من الذي يُحكى إلى كيف يُحكى.
وجاء أول ذلك في مطلع الرواية حيث يضعنا المؤلف أمام الأزمة مباشرة، تماماً كما تبدأ الكثير من القصص القصيرة.
ثم ينتقل من زمن لآخر عبر استرجاعات عدة، وحشايا سردية، ومشاهد، ويعمل كل ذلك فعل السحر في القارئ.
ولكن المؤلف يخوض، على مرأى منا، معركة غرائبية، يتم فيها إقصاء الراوي عن مهامه،
وذلك لأن الراوي "شاء أن يهتم بحدثٍ تافه عابر وقع بينما كان درويش في طريق عودته لسلفالدن بقطار الرابعة والدقيقة الثامنة بعد الظهر.
" وينبغي علينا إدراك أن ما يزيد من غرابة هذه المعركة هو أن أطرافها ثلاثة وأن اثنين منهم محض خيال.
فنحن إزاء المؤلف ع ب ساكن والمؤلف المفهوم ضمناً، وهو الكائن المتخيّل implied author والذي نعرف أنه كتب أعمالاً أخرى مستعيناً برواة آخرين،
ثم الراوي الذي لا وجود له كشخصية في الرواية.
وفي حيثيات حكمه على الراوي يورد المؤلف أن ما انتواه الراوي كان "سيورط النص الأدبي في ما يسميه بعض النقاد الكلاسيكيين الحرفيين:
الخروج المريع وغير المبرر فنياً عن الخط العام للتحقق السردي..
" ويستطرد المؤلف في رواية مشكلات سابقة له مع رواة آخرين، مثل ما حدث في روايته الخندريس حيث "
عندما رغب الراوي في تحويل الرواية إلى مغامرة بوليسية، ولم يعجبني ذلك، وقمت حينها بتولي قيادة السرد بإسمي الشخصي في فصل بأكمله.
كان الأمر مخجلاً بالنسبة لي ومرهقاً، أن أكون مؤلفاً وراوياً.
" ومبلغ علمنا أن الأكثر عرضة لعبء السخرية في هذه الحالة هو الراوي. لكن الراوي ليس شخصية حقيقية. ولئن كانت خناقة ساكن مع الراوي كبيرة،
فإنها لا ينبغي أن تجعلنا ننسى أن ساكن أوكل لراوٍ غير مضمون، هو درويش نفسه، أن يحكي فصلاً هاماً بعنوان سيرة المرأة.
فدرويش غير مضمون unreliable بشهادة المؤلف نفسه.
وبالطبع فإن الروائي المتمرس مثل ساكن يمكن أن يأتي بأشياء عجبا.
وأنا أعرف، مثلاً، رواية موت العراب، التي قام فيها المؤلف بالاطاحة ببطل الرواية بعد أن تعوّدنا عليه
ونصب محله شخصاً هو إبنه كبطل جديد لنفس الرواية.
إن الاشتغال على السرد والتجريب في العمل الروائي هو أمر لا يتوقف ولكن يبدو أن مشكلة انهاء الرواية أو جعلها ذات نهايات متعددة،
على الرغم من كونها نصاً مغلقاً يمكن فهمه وفق أعراف وتوقعات مألوفة راجع الفقرة قبل الأخيرة،
أو ختمها بطرد الوقائع بكيفية تجعلها تتبدد في ناحية من الغلاف الداخلي الأخير.
كل هذه ليست أموراً وشيكة الحسم لأن الناس، بحسب نقاد كثيرين، يؤولون العالم وفق البدايات والنهايات، أي حسب مبدأ الغائية.
وكما ذهبت مدرسة شومسكي للقول بوجود جين لغوي فإنه ربما طلع علينا أحدهم بجين للختام.
فكلنا نعشق النهايات وقد نرى فيها بدايات جديدة. وهذا يعني أننا لا زلنا نثمن عالياً التوقعات التي بنتها فينا الطرائق والتقاليد الروائية،
وأنه لا زال هناك الأدب المعياري canonical الذي يحظى بسمعة طيبة، كلٌ في حيزه أو إقليمه أو يسهل الإجماع حوله.
وفي المعياري يقف منتصباً، لا زال، إطار أرسطو المعروف ليردم الهوة بين ما حدث وما يراد له أن يحدث.
إن النهاية التي لم يعتمدها ع ب ساكن هي التي تستجيب لتعاطف القارئ و" تصعد بحزنه لتفجّره، فتخلي نفسه من أحزانها المصيرية."،
أي تولّد فيه عاطفة تفعل فعل الدواء الملطف للمزاج cathartic دون أن نغفل أن الذي يبكينا أكثر قد لا يكون أدباً جيداً.
ونظرية أرسطو رغم تعرضها للنقد المرير من أعلام مثل جورج أورويل، سولزنتسن وبرتولد بريخت وغيرهم إلاّ أنها لا تزال حيوية.إذاً،
وفي تقديري، فإن أزمة نهاية الرواية هي ما حمل ساكن على هذا النشاط المحموم والعالي المهنية والذي لم يكن بلا آثار جانبية،
سواء على مستوى الفكر كأحد عناصر الحبكة، أم عن اللحظات غير الخيالية اقرأها غير الروائية، أم على مستوى استجابة القارئ.
تأتي في بنية الرواية خصيصة التعقيد الفكري، ما استقام من فكر وما انجلى.
ما كان ينبغي لدرويش أن يتعلمه من أزمته لأنه "أفكاره أيضاً حدث فيها بعض التغيير الذي يصفه بالايجابي، لأنه ما عاد يرى البشر إما كفاراً أو مسلمين"
وأن فكرة قبوله بالمجتمع الأوربي، الجديد عليه، لم تكن صعبة، وان تدخل فيها البوليس أحياناً، بالنظر لامتيازاتها.
إن موضوعة الهوية وكراهية الآخر والحريات لم تحظ بشرح كاف ولا عجب فالرواية قصيرة، شاء لها كاتبها أن لا تسع صراعاً فكرياً،
كان يمكن أن يتم من خلال وسائط حكائية أو حوارات عميقة تسمح للقارئ باستدعاء مصائر أخرى مغايرة.
وتأتي هذه الخاطرة كأمنية بأن تكون سردياتنا الكبرى هي التي تضع على المحك وتناقش الأسئلة التي لا بد من جوابها قبل أن نصير أمة.
لقد مرت بالرواية لحظات nonfictional إنوجدت فيها شخوص واقعية حيّة داخل بنية الرواية. أشخاص أحياء عند ربهم يرزقون.
لا بأس، هنالك أيضاً في الشعر، مثلاً، لحظات غير شعرية.
لكن هذه اللحظات قد تغدو مصدراً لانزعاج القارئ فمثلاً ومنذ بداية الفصل المسمى درويش يحس القارئ بوجود راو آخر، غير معرّف،
يبدو أنه الراوي الضمني أو هو المؤلف، فهنا تحدث بلبلة، بمعناها العادي وليس الفني. ثم تمضي الرواية لنقرأ:
"الراوي أصر اصراراً بالغاً على وضع النقاط على الحروف…
على كل سأحكيه هنا بشيء من التحفظ لا بأس به، أي بالقدر الذي لا يقلل من قيمة العمل الفني أو يخلق ارتباكاً لدى القارئ.
" ويتدخل هذا الصوت الذي لا نملك دليل على أنه المؤلف نفسه ليقول: "فمن غرائب الأحوال أن هذا الراوي لا يحب الحوارات."
إلى أن نقرأ: "قد يتوقع القارئ الكريم...أن الرواية منذ هذه اللحظة سوف تمضي في ثلاثة محاور…"
ونحن نعرف وعي المؤلف بهذا الأمر بل هو قد صدّر روايته ببيت الشعر المأخوذ من بودلير، أيها القارئ المرائي يا شبيهي يا أخي،
ثم قال عنه "أما القارئ المرائي المغامر ال####################..فقد يكون له رأي آخر. لا ندري ما هو بصورة قاطعة.
" فيبدو أن القارئ مستهدفٌ بالنشاط التجريبي الذي قام به المؤلف وأنه إما أن يكون محباً للأدب أو قارئاً متمرساً،
سيجد متعة في الأجزاء الأخيرة من الرواية التي تشبه ورشة عمل حول طرائق كتابة الرواية، أو يكون مستهلكاً عابراً،
سيجد أن نفس هذه الأجزاء المذكورة تحكي عن أزمة في كيفية انهاء الرواية وحسب.
ومن زاوية نظرية استجابة القارئ reader response في تصريفها الفرنسي عند رولان بارث يمكن أن تنتقل المسألة لأزمة في هوية الرواية نفسها،
هل هي نص قارئي readerly، مغلق، يجود على القارئ بفهم واحد.
أم هي نص كاتبي writerly، مفتوح، يمكنك انهاؤه كيف تشاء.

ختاماً،
طابت لي، بحق، قراءة هذه الرواية لما يميزها من سيولة في اللغة ولما فيها من جهد الكاتب العارف بأدواته وموظفٍ لها بحكمة واقتصاد،
وما كتبت هذا إلاّ ملتزماً بطريقتي في أن أعبر حيثما وسعني التعبير.

Post: #22
Title: Re: جليد نسّاي
Author: mustafa mudathir
Date: 11-11-2016, 00:50 AM
Parent: #21

يا سلام يا بله
ياخي انت زول مريح، شكراً للجهد والمحبة الظاهرة.
لو توفر لك وقت ورجعت السطور الشاردة لمحلها سأحبك أكثر.

Post: #23
Title: Re: جليد نسّاي
Author: أبوبكر عباس
Date: 11-11-2016, 08:32 AM
Parent: #22

هسع القراية دي لرواية الرجل الخراب؟
ولّ لقرايتك لقراية الرجل الخراب؟
حلمان لاقيت بركة ساكن، قال لي:
أنا ذاتي ما قريت قصيدة الأرض الخراب
أنا لو مثقف قدر دا، كنت كتبت كتابات حلوة زي دي؟!

Post: #24
Title: Re: جليد نسّاي
Author: mustafa mudathir
Date: 11-11-2016, 07:14 PM
Parent: #23

سلام بكور
السطر التاني هو الاجابة.
بالمنابسة الرواية قصيرة وبتاخد ساعتين بس قراية.
ومتاحة في النيت.
دا عشان ترجع تكتب حاجة أفيد من أحلامك التعبانة دي.
لكن ليك وحشة والله!

Post: #25
Title: Re: جليد نسّاي
Author: بله محمد الفاضل
Date: 11-12-2016, 10:20 AM
Parent: #22

جرى، وإن على عجل، إجراء اللازم
عشان تحبنا أكثر
حبك مما يشترى..

Post: #26
Title: Re: جليد نسّاي
Author: mustafa mudathir
Date: 11-13-2016, 05:14 AM
Parent: #25

أها يا بله استحقيت كلام جورج جرداق
في أغنية أم كلثوم، هذه ليلتي:
"سوف تلهو بنا الحياة وتسخر ............... فتعالَ أحبك الآن أكثر"

Post: #27
Title: Re: جليد نسّاي
Author: mustafa mudathir
Date: 11-15-2016, 04:08 PM
Parent: #26

يسرني ان تقوم مجلة المسرجة الالكتروني بنشر اجزاء المقال
وهي تصدر في تورنتو، كندا لصاحبها عبد العظيم جوجوي.

Post: #28
Title: Re: جليد نسّاي
Author: osama elkhawad
Date: 11-20-2016, 01:03 AM
Parent: #27

عزيزي مصطفى

سلامات

قلت سيدي محقاً:
Quote: لكن هذه العلاقات لا تبدو كافية لكي تتجذر علاقة درويش بالثقافة لمستوى التعالق مع نص في صعوبة نص قصيدة إليوت،
ولعل ضحالة أو سطحية تلك العلاقات هي التي جعلته يعدل عن أن يطلب عونهم حين حمي وطيس أزمته.
ومن المفيد أن نعرف أن درويش لم يقع على أدب غربي إلاّ سماعاً من زوجته نورا
وأن نورا التي تحب الأدب لم تكن تعرف قصيدة إليوت التي طلب منها أن تقرأها له ولم تحبها.
في الحقيقة حرص المؤلف منذ بدايات الرواية على تأكيد رقة حال درويش الثقافية
بتلخيص علاقته في بعض عناوين الكتب العربية حين كان في مصر و كتابين،
أحدهما مرجع في الصيدلة والآخر مصحف قرآن صغير الحجم، في اوربا، ثم نقرأ لدرويش قوله
"أحياناً كنت أظن أن القدر جمعني بنورا من أجل ت س إليوت"
لكن هذه المعرفة الجديدة وفي سنه العمرية المرصودة في الرواية تبدو مبتعدة نوعاً عن التخييل الواقعي mimesis .

طيب يا مصطفى، أنت أشرت إلى "مأزق" كبير قد يتعرض له كل سارد كبير في قامة ساكن.

فكيف خرج "ساكن" من ذلك المأزق؟

وإن لم يفعل ذلك،

فقد كان في إمكان المؤلف الحقيقي أن يقوِّل درويش مثلا آراء لدريدا أو فوكو أو نيتشة ...إلخ

ما فرقت طالما أن المؤلف الحقيقي لم يخرج من ذلك المأزق.

كان يمكن أن نقبل أن يقوم مصطفى سعيد مثلا بدلا من تلك الأبيات الواردة في الرواية، عندما "طشم"،

أن يردد أبياتاً من "الأرض الخراب"،

لكن مع درويش، يبدو ذلك نوعاً من الفشل الروائي المريع.

Post: #29
Title: Re: جليد نسّاي
Author: mustafa mudathir
Date: 11-24-2016, 04:17 AM
Parent: #28

سلام خواض اسامة
وليك وحشة
الحتة دي حساسة شوية
عبد العزيز واعي بكل شي، ومخير.



Post: #30
Title: Re: جليد نسّاي
Author: osama elkhawad
Date: 11-24-2016, 06:09 PM
Parent: #29

Quote: الحتة دي حساسة شوية

عزيزي درش

سلامات

أنت أشرت إلى مأزق المبدع الكبير ساكن بكل دقة،

وبتفصيل مدهش من ثنايا الرواية.

ولعل "الحساسية" التي أشرت إليها،

هي التي جعلتك "تفرمل"،

ولم تسر أبعد من تلك "الفرملة" الموحية.

لقد لفت انتباهي أيضا ذلك المأزق، ونقاط أخرى أشرت إليها سيدي،

وبفرملات،

لكنها أيضاً موحية ومثرثرة.

اللبيب بالتحليل يفهم.

لكن ربما كانت تلك المآزق،

هي ضريبة "التجريب الروائي"،

في درجة من درجاته المتراوحة بين النجاح والإخفاق.

ليس بالضرورة-صديقي،

أن تكون نهايات التجريب دائماً سعيدة.

أرقد عافية.

Post: #31
Title: Re: جليد نسّاي
Author: mustafa mudathir
Date: 11-25-2016, 04:06 AM
Parent: #30

نتحدث يا اسامة عن صنعة، جواها ارادة خلق ادبي، وما متجاهلين تفاصيل أن يكون السرد لا يحاكي الواقع لكن أن يوازي له، وقصة.


Post: #32
Title: Re: جليد نسّاي
Author: osama elkhawad
Date: 11-25-2016, 08:17 PM
Parent: #31

أهلا يا مصطفى

قلت سيدي كلاما لا نعترض عليه أبداً:
Quote: نتحدث يا اسامة عن صنعة، جواها ارادة خلق ادبي، وما متجاهلين تفاصيل أن يكون السرد لا يحاكي الواقع لكن أن يوازي له، وقصة.

الفنتازيا والواقعية السحرية والأحلام وغيرها ،

بالرغم من أنها لا تحاكي الواقع،

لها منطق خاص بها،

وتنسج على منواله سرديتها الخاصة.

لكن أن تقفز سردية تشبه الواقع إلى ما لا يشبهه،

مثل القفز بالزانة،

فهذا باب يجعلنا لا نفرق بين السارد الجيد والمبتدئ.

طيب كلامك لتبرير إخفاق الرجل الخراب في تناصها عبر درويش مع "الارض الخراب"،

يجعلنا نقبل أن تبرز لنا الرواية فجأة أن درويش يحفظ مقاطع كاملة من كتاب دريدا "الكتابة والاختلاف" أو أي كتاب آخر ،
ثم يبدأ أ بتسميع تعريف دريدا للديفرانس ؟؟؟؟؟!!!!!

عبدالغني كرم الله كتب رواية بطلها "حذاء"، لكنها أفرزت منطقها السردي الخاص.

كيف لشخصية مثل درويش خاوية ثقافيا كما أوردت مداخلتك بتفصيل مسهب من الرواية،

أن تتصرف فجأة مثل "مصطفى سعيد" بمقدراته المعرفية والثقافية الهائلة؟؟

قبولك بعلاقة درويش بالأرض الخراب،

رغم التفاصيل الكثيرة التي أوردتها عن "لامعقولية تلك العلاقة،

يجعنا نقبل أن يقوم "سعيد عشا البايتات القوا" فجأة،

بتسميع مقاطع من "الرجال الجوف" لإليوت.