نظام "الإنقاذ" يتمتع بعبقرية فريدة، وحكومتنا يُحسب لها أنها تسعى كل جهدها لتحسين صورتها في مواجهة العم سام وهي ما تزال دائبة على تلوين وجهها بالمكياج أمام أنظار العالم وصحافته وعدسات كاميراته تماماً كما تلك العاهرة التي اجتهدت وبَنَّت مسجداً من كدِّ فرجها.
حكومة المؤتمر اجتهدت ودعت لمؤتمر يُعقد بعد يومين في عاصمة "الدولة الرسالية" بعنوان : «دور الإعلام العربي في التصدي لظاهرة الإرهاب» ! نعم – وصدقوا أو لا تصدقوا- فإن مؤتمراً سوف يبدأ أعماله بعد غدٍ الخميس في الخرطوم. وكما هو الحال في المؤتمرات السابقة فإنه وفي قاعات الحوار سوف يتم تداول موضوع الإرهاب ثم يذهب الضيوف إلى صالات فنادقنا للاسترخاء ثم تنفتح الأفواه لتناول موضوع الكباب.
حكومة "المؤتمر" – وهي اسم على مسمى - عُرفت بنجاحها في تنظيم وعقد مؤتمرات الكباب منذ شهرها الأول في الحكم، تلك المؤتمرات التي تتفوق في ميزانياتها على ما يُرصد لدوريات الأندية الأوروبية، وتفوق في عددها حلقات المسلسلات المكسيكية.
ولأن (مؤتمر مكافحة الإرهاب والكباب) لا يحتمل الإزعاج والشوشرة خصوصاً وأن حكومتنا الثرية رصدت الميزانية "المعتبرة" للتصدي للسيول المتدفقة من الوزراء ولأفواه الضيوف والموفدين فقد كانت تقوم بتوزيع رقاع الدعوة بيد، وباليد الأخرى تُسارع إلى تكميم الأفواه وإسكات حلفاء الداخل، وإلى إخفاء كل ما يمكن أن يثير فضول الضيوف مما يُمكن أن يُصنف من أفعال الإرهاب.
فقد سارعت إلى إصدار أوامرها بإغلاق منابر الناشطين، وإلى تصفيد السلفيين، وإلى إزاحة أصحاب اللحى الطويلة بعيداً عن المؤتمرين، ريثما تنقضى أيام المؤتمر وينصرف الضيوف الأجانب وتنسحب كاميرات الصحفيين.. وتحصل العاهرة على شهادة حسن السير والسلوك تعرضها لاحقاً أمام الأمريكيين.
الحلقة الأولى من المسلسل – كما ذكرنا- سوف تبدأ الخميس ثم تتوالى الحلقات فيمضغ المتحاورون موضوع الإرهاب، ويلوكون الكثير من الكباب، والمؤكد أن جماهير الشعب السوداني - كما جرت العادة- سوف تستفيد وتستمتع بـ"المخرجات".
لا أدري لماذا استشاط الصحفي المصري المعروف (فهمي هويدي) غضباً عند تسلمه بطاقة الدعوة لهذا المؤتمر الهام الذي سيحضره (أحمد أبو الغيط) أمين الجامعة العربية، و(بكري حسن صالح) نائب رئيس الجمهورية؟!
ولا أدري لماذا يتنكّر الصحفي "الإسلامي" الكبير لفضائل إخوته "الرساليين".. ولا لماذا صب كل هذه النيران وحِمم الغضب على أهله وعشيرته "الإسلاميين"..
فهل يرجع سبب اعتذار هويدي عن الحضور أن بطاقة الدعوة تلكأت في الوصول إليه، أم أن لديه ارتباطات أخرى أقعدته عن المجيء وهو الذي لا يتأخر عن أية "مهمة رسالية" تنظمها "الإنقاذ" وقد اعتاد التردد المستمر جيئة وذهابا ميمماً وجه شطر قصرنا العتيق، كما حفيت أقدامه من كثرة رحلاته قاصداً الطواف بمحراب "مؤتمرنا" الوطني الأنيق.
والسؤال: إذا كان الصحفي "اللماح" "الفاهم" (فهمي هويدي) احتاج إلى أكثر من ربع قرن للاهتداء إلى حقيقة أن نظام الإنقاذ (قمعي) و (مقرف) - كما وصفه بعضمة لسانه - فكم سينتظر إخوة (صلاح غريبة) وكم سيحتاج رفاق (تراجي) إلى للوصول إلى حقيقة أن "الدولة الرسالية" هي محض "فطيسة"؟
ما الذي استجد ومنع الأستاذ (فهمي هويدي) من حضور المؤتمر الذي سيبدأ عقد جلساته صباح اليوم الخميس، وهو الذي ظل مواظباً على حضور مؤتمرات "الإنقاذ" ومآدبها الدسمة منذ العام 1989؟!!!
السيد هويدي يسرد في المقاطع التالية بعض الحيثيات:
Quote: اعتذرت عن عدم حضور مؤتمر لمكافحة الإرهاب فى الخرطوم لسببين، أحدهما خاص ذكرته للمستشار الصحفى بالسفارة السودانية الذى نقل إلى الدعوة، والآخر عام للقارئ حق فيه. أما الخاص فهو أن المؤتمر يفترض أن يعقد بالخرطوم يوم الخميس المقبل (١٨/ ٨). وكان الوقت أقصر من أن أعد نفسى للمشاركة فيه.
السبب العام والأهم الذى لم أذكره للدبلوماسى السودانى هو أننى لم أعد قادرا على إخفاء استيائى و«قرفى» من الأنظمة التى تمارس الإرهاب ثم لا تكف عن الدعوة إلى مكافحته. كأنما الإرهاب المعترف به فقط هو ما تمارسه الجماعات، أما قمع الأنظمة وإرهابها فهو من وجهة نظرها مشروع ومباح، ذلك رغم أن الأول استثناء فى العمل السياسى والثانى قاعدة فى سلوك الحكومات غير الديمقراطية.
Quote: أصدرت ورشة (دور الإعلام العربي للتصدي للإرهاب) التي نظمتها جامعة الدول العربية بالتعاون مع وزارة الإعلام السودانية في ختام أعمالها الجمعة “إعلان الخرطوم للتصدي للإرهاب”، وتم تسليمه للرئيس عمر البشير بواسطة نائب الأمين العام للجامعة العربية أحمد بن حلي. .......
وطلب إعلان الخرطوم من الدول الأعضاء العمل على إنشاء مراكز لتأهيل الأئمة والدعاة لتصحيح الخطاب الديني بما يلائم روح العصر، ودعوة الدول الأعضاء للاسترشاد بتجربة السودان في جهود مكافحة الإرهاب وانتهاج أسلوب المعالجات الفكرية والحوار بالحسنى. ....... .......
تحياتي يالصادق قلت لي الجماعة جامعين بين الاختين زي ما بقول عادل امام يضربوا على موائد الارهاب ويجو يضربوا على موائد الكباب. هههه غايتو جماعتنا ديل مافي حاجة خلتهم يضيعوا البلد سياسيا واقتصاديا اكتر من طولة لسانهم دي يحبوا الونسةوالتنظير في الفاضي ومايخلوا مؤتمر إلا و كانوا أول الحاضرين والماكلين، وآخر المشاركين والمغادرين وكان ما عزموهم بعملوهو جوة ويدفعوا فيه دم الشعب السوداني، ويبقى ليهم موسم لهف ولهط
Quote: قلت لي الجماعة جامعين بين الاختين زي ما بقول عادل امام يضربوا على موائد الارهاب ويجو يضربوا على موائد الكباب. هههه غايتو جماعتنا ديل مافي حاجة خلتهم يضيعوا البلد سياسيا واقتصاديا اكتر من طولة لسانهم دي يحبوا الونسة والتنظير في الفاضي ومايخلوا مؤتمر إلا و كانوا أول الحاضرين والماكلين، وآخر المشاركين والمغادرين وكان ما عزموهم بعملوهو جوة ويدفعوا فيه دم الشعب السوداني، ويبقى ليهم موسم لهف ولهط
جماعتنا يا أخي (عمر التاج) لديهم المقدرة والفتوى الشرعية ليس فقط للجمع بين لحم الأخت وأختها، وإنما للجمع بين الأختين وأمهما والتهام "الكباب" و"اللحم الحلال" على سنة "الدولة الرسالية" التي لا تعرف أية "قشة مُـرة" ..
وبمناسبة الكباب فقد وقعت عيني بالصدفة على صحيفة (الوفد) المصرية الصادرة اليوم الخميس وفيها هذا الخبر وهذه البِدع الإنقاذية:
Quote: ابتدع المركز الاجتماعي بالحلة الجديدة بالعاصمة السودانية الخرطوم تجربة فريدة من نوعها في منح التغذية المدرسية للمدارس المستهدفة بمشروع الوجبة بتقديم أطباق كبيرة من "فتة الكوارع" بدلا من ساندويتشات الفول والطعمية والمربى والحلوى المعتادة، وذلك تحت شعار "كل المدرسة تفطر". وذكرت صحيفة أخبار اليوم الصادرة بالخرطوم، أن منظمة التطوع العربي فاجأت الطلاب، والمعلمين أيضا بفتة كوارع حيث تدافع الجميع نحو صحنها أثناء فسحة الفطور وهو التدافع الذي وصفه أمين عام المنظمة "السر وداعة الله" بأنه مطلوب لذاته من أجل تعزيز روح التكافل والتواصل الاجتماعي في نفوس التلاميذ الصغار، ومن خلال تحلقهم حول "صحن الفتة" بدلا من انفراد كل منهم بوجبته.
وأوضح "وداعة الله" أن مشروع الوجبة المدرسية يتم تنفيذه من خلال تبرعات أهل الخير، وتحاول المنظمة، ومراكزها من خلاله، توفير وجبة تحوي مكونات ذات فائدة غذائية عالية للتلاميذ، مشيرا إلى أن الكوارع توفر هذه الميزة، وفي ذات الوقت وبسبب ارتفاع أسعار اللحوم فهي وجبة أصبحت لا تتوفر للكثيرين".
وسوداننا ياعمر - في ظل حاكمنا العادل عمر - أصبح أبرز نموذج للتناقض بين الفقر المدقع والفادح، وبين الثراء الفاحش والفاضح. في المؤتمرات "الإنقاذية" يتجشأ المتكرشون وهم يلتهمون الفخدة والطازج من "الشحم الحلال" واللحم ويُرمى للتلاميذ بالكوارع وما يتبقى من العضم.
Quote: ويدفعوا فيه دم الشعب السوداني، ويبقى ليهم موسم لهف ولهط
استمعت أمس بالصدفة يا أخي (عمر التاج) إلى برنامج (الاقتصاد والناس) وفي مقطع الفيديو في الأسفل واعتباراً من الدقيقة 22:30 يتم استعراض الحالة السودانية حيث ذكر التقرير أن "الدولة الرسالية" ظلت ولعدة سنوات تتصدر قائمة الدول الأكثر فساداً وتعفناً في العالم.
وبحسب ما ذكره الصحفي خالد التيجاني - وهو كما تعلم شاهد من أهل الإنقاذ- فإن 80% من موارد "الدولة الرسالية" وأموالها تصب في "مواسير" خفية بعيداً عن الخزانة العامة للدولة.
وأن ما يدخل تحت ولاية وزارة المالية وهي بمثابة "بيت مال المسلمين"، لا يتعدى الخُمس فقط من إجمالي ميزانية السودان وتلك الـ 20% هي ما يُسمح لديوان المراجع العام بمراقبته ومراجعته. أما الأربعة أخماس من أموال الشعب السوداني المُفقر فهي تذهب و" تتوجه حضارياً" إلى حيث الجيوب العميقة والكروش الكبيرة واللهف واللهط (بما لا عين رأت ولا اُذن سمعت) تحت بنود مكافحة الإرهاب وملافخة الكباب.
