الخوض في بحر الظلمات

11:29 AM August, 11 2016

سودانيز اون لاين
Osman M Salih-Netherlands
مكتبتى
رابط مختصر

السير على الاقدام لمسافات طويلة في البراري رياضة محببة إلى نفسي دوامت على تنميتها منذ سنوات سكني في البطانة بشرق السودان في النصف الثاني من ثمانينات القرن الماضي.

فخلال أيام الأسبوع من السبت حتى ظهر الخميس كنت ازاوج بين الدرس وكسب الرزق شغيلاً في استديو للتصوير .واجوب في الفجوات التي تنشأ بين طلب العلم وكسب العيش أرجاء حلفا (المدينة) من أقصاها الى أقصاها منفذاً واجبات تتعلّق بعمل الحزب الشيوعي بين الطلاب. يرثّ ملبسي ويتجعد وجه نعالي ويلفح صهد الشمس الحارقة جبيني في ذلك الوله الفوار الذي ملك عليّ نفسي بتراب الوطن والحزب والشيوعية.
حتى إذا جاء ظهر الخميس همدتُ بعض الشيء، ثم قصدتُ قهوة عبدو مترجم، واستعدت اعتدال مزاجي بنرجيلة التفاح المعسّل، واغمضت عيني مسترجعاً شريط الواجبات الحزبية التي تنتظر النفاذ. ثم مررت بطبالي السجائر أتزوّد منها بكفياتي من الدخان لعطلة الجمعة. فإذا اطمأنت نفسي إلى كفاية الذاد تناولت غدائي في أحد المطاعم الشعبية الرخيصة بالقرب من سوق الخضر والفاكهة القديم ثم انتظرت حتى تبرد حرارة الشمس قليلاً حين يدخل العصر فتخفّ حركة الأقدام في أقطار سوق حلفا وتعود عربات القرى فيقفر السوق ويهدأ ثوران الغبار فاشتري لأهلي بعض الفاكهة ولاختي الصغيرة مريم ماهي مغرمة به : الفول المدمس قبيل سلوكي طريق العودة إلى أهلي في القرية خمستاشر مطمئناً إلى خلوِّه من العربات التي ستقطع عليّ مساري وتعكّر بألوية أغبرتها صفو أشعاري وتلحّ على حملي معها. وعندما تغيب الشمس وتغطس في ترعة الميجر هناك، أكون قد تركت السوق وحيّ الثورة وراء ظهري وحاذيت بيوت القرية أربعتاشر.

أسير ثم أسير ثم أسير بلا انقطاع حتى أجهد تماماً ويلفّني ظلام بهيم أعمل على دفعه بعود ثقاب يضيء المكان من حولي وأنا جالس كأمير مهزوم ومهجور يسود الوحدة والعتمة على جنبات إحدى الترع التي تعترض طريقي الطويل إلى قريتي السابحة في الظلام هناك.

بعد حين من الراحة أنفض ماتعلّق بثيابي من ذرات
التراب مكملاً السير بحذر خشية الهوام بين الترع والجداول متمهّلاً غير عجلان وثمّة يدّ غير مرئية من فوقي ترشّ النجوم على صفحة السماء كماترشٌ يدّ قارئة الكفّ حبّات الودع. أكِل أمر نجاتي على الحيّ القيوم الذى عينه لاتنام خائضاً بنعالي في بحر الظلمات الذي تبرز منه بين الفيّنة الأخرى أصوات بشرية غير مفهومة كبربرة مخمور، وتبرق ألهبة نيران بعيدة في أحد الكنابي وربما انتهى على واهناً ثغاء شياه أو رغاء جمال. وبعد ساعات من النصب يتكلل مشي بالراحة عندما أطرق باب دارنا التي يلفّها السكون فتفتح الباب أمي بعد أن تضيء مصباح الكهرباء المثبّت فوق البوابة، وتسألني مبهوتة من مقدمي في منتصف الليل: جيت بشنو في وكت زي دا؟.

عثمان محمد صالح

Quote: يرثّ ملبسي ويتجعد وجه نعالي ويلفح صهد الشمس الحارقة جبيني في ذلك الوله الفوار الذي ملك عليّ نفسي بتراب الوطن والحزب والشيوعية.

راااااااائع يا عثمان

كم هو ممتع الجلوس إلى حضرة أشغال العمر و ما تحاوشته من ذكريات..
تبقى على الرغم من شقائها وشُقاقِها محببة إلى النفس ..
زدنا زادك الله نعمة.

سعدت يا اخوي الأكرمين علي تاج الدين ومحمد علي بالحفاوة التي تلقيتما هذا المكتوب المتواضع. دمتما بخير.

Quote: جيت بشنو في وكت زي دا؟.

تعلق بأنف قلبي غبار الحنين وأنا أنفض عن هذه الجملة غباشها القديم في الروح !!

سلامات يامحمد حيدر وعساك طيب،

كتبتها وانا مستسلم كل الاستسلام لصوت فيروز الجريح ينوح في " نسم علينا الهوا".

شكراً عثمان محمد صاح على هذا السرد الأدبي المموسق.
الرياضة لدى عشق أبدي وإن كنت أختلف عنك في أنني أعشق الجري والحال كذلك يبدو أنها أضحت عدوى ضربت مفاصل حياتي وتفاصيلها فما زلت أمارس الركض في كل الإتجاهات وبذات القوة.
واصل يا عثمان فسردك رائع حد الإستفزاز في شحذ همم الآخرين لمجاراة إبداعك وعتبىى عليك أنك مقل هنا ، وزي ما بقوا ناسنا الأشياء النفسية توزن بالجرام.

سلامات يا اخي الاكرم المولاعمر،

بفضل مؤازرتك وتشجيع الصحاب لم ينقطع نفس الكتابة عندي بعد.
أما عن الرياضة فلاشيء يعدل الجري، نعمة هو من نعم الله يزيل الهم والثقل ويبعث في النفس السرور وخاصة في الافجار قبل ان يستيقظ الطير في اوكاره والنحل في بيوته العسلية.
أقبل على هذه الرياضة كلما شعرت بقدمي تسوخ في التراب(وجه باسم ).

سلام عسمان
ليتك لم تترك البطانة وحلفا الجديدة القديمة!
كيف حالك؟

سلامات يامسعود. والبركة في الشوفة. شكرا ياخي للسؤال الحادب عن اخيك الطافي في البحر الماسخ. فكماتعلم اني سعيت للعودة إلى مسقط الرأس في 2013 لكن التوفيق ابى ان يكون حليفي في ترتيبات البقاء هناك فبارحت الوطن وصوت في جوفي ينادي السماء.

فليبارك الرب
خطوك
فى دروب البسطاء

يغنيني عن كل مصباح ويكشف الحجب ويهتك استار الظلمة امامي كل دعاء طيب كدعائك هذا يامحمد سيداحمد. سلمت من كل شر.