لا للوصاية على الأستاذ ( في ذكراه الـ 21)

لا للوصاية على الأستاذ ( في ذكراه الـ 21)


01-19-2006, 01:53 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=463&msg=1261428891&rn=0


Post: #1
Title: لا للوصاية على الأستاذ ( في ذكراه الـ 21)
Author: emadblake
Date: 01-19-2006, 01:53 PM

لا للوصاية على الأستاذ

مرت يوم الأربعاء الذكرى الحادية والعشرين لرحيل الأستاذ محمود محمد طه قائد الحركة الجمهورية في السودان ورائد من رواد التنوير الإسلامي في القرن العشرين.
في صباح الثامن عشر من يناير سنة 1985 كان إغتيال الرئيس السوداني الأسبق جعفر النميري لمحمود طه بتهمة الردة، في محكمة لا يزال صداها يدوي، حيث عبرت عن ظلم وجهل الأنظمة الديكتاتورية التي حكمت السودان ممثلة في نظام النميري.
وبشيء من العدل والحقيقة التي سعى الأستاذ باحثا عنها طوال حياته، فإن محمود طه خلف إرثا ضخما من الفكر والعلم الذي يستحق المزيد من التأمل والقراءة وإعادة التفكير، ففكر الرجل لا يمكن العبور به بمجرد نظرة سريعة أو تأويله على أقرب الاحتمالات مثلما يحدث عادة مع الكثير من القراءات.
هذه المهمة الصعبة ليست ملك لأحد بعينه جمهوريا كان أم غير جمهوي، حيث يظل تراث الأستاذ محمود محمد طه ملكا لجميع الشعب السوداني، بل جميع العالم بانفتاحه وتشعبه في المعرفة الإسلامية والفكر الإسلامي الجديد، الذي يحتاج إلى وقت طويل جدا للتقاطع مع شروطه.
وإذا كان النميري بمحاكمته الظالمة قد أغتال محمود فإن محمود لا يزال حيا باقيا فيما خلده من أثر سيبقى لأجيال قادمة تتعلم منه وتروي به ظمأ المعرفة الأصيلة والعميقة، فالرجال العظماء لا تنتهي حياتهم بالموت، وهكذا شأن محمود الذي يقرأ اليوم بشكل جديد ومختلف ومن قبل جيل جديد يرى في فكر الرجل وثقافته مصباحا لكسر حدة الظلام في الألفية الجديدة.
وإذا كان محمود طه قد أسس الفكرة الجمهورية وترك من وراءه الجماعة الجمهورية التي تشتت في بلاد الله الواسعة، إلا أن هذه الفكرة التي خلفها لم تعد ملكا للجمهوريين وحدهم، بل أصبحت ملكا للجميع يعيدون التفكير فيها والقراءة عبر سطورها المتعددة والكثيفة.
وهنا لابد من التوقف عند نقطة جديرة بالقول، وهي تلك الحصانة والاستحواذ الذي يفرضه بعض الجمهوريين على فكر محمود، دون أن يتركوا للجميع حرية ابداء الرأي والتأمل، وهما بذلك كأنما لسان حالهم ببساطة أن فكر محمود لا يقبل الاجتهاد عليه، ولا يمكن لأحد أن يتجرأ على هذا الشيء إلا إذا كان من قبيلة الجمهوريين، وهو أمر خاطئ بكل تأكيد.
لقد تابعت عشرات الحوارات لشباب من الجيل الجديد على الإنترنت يعيدون التفكير في قراءة محمود محمد طه، وبشكل منطقي وعقلاني فتقف أمامهم مصدات الجمهوريين الذين يرفضون هذا الشيء، وهو أمر ينبه لظاهرة خطيرة تقول بأن التسامح والحرية التي فرضها محمود في التفكير والقراءة تم تجريدها على يد الفكر الجمهوري الجديد.
يظل محمود محمد طه مفكرا كبيرا، وصاحب رؤى ثاقبة جدا، لكنه يظل مجرد بشر يخطئ ويصيب ومن شأن أي إنسان قادر على التفكير السليم والقراءة العلمية المتعمقة أن يناقشه بهدوء، وهذا أمر يخدم الفكرة الجمهورية حيث يرفدها بالتطور والمثاقفة والجدل الضروي لاستمرار حيوية المعرفة الإنسانية على الأرض.
لهذا فعلى الجمهوريين أن يودعوا حقبة التقوقع والمركزية الذاتية في النظر إلى منجز الأستاذ، وأن يقتربوا من فكر الرجل العميق بمساحة جديدة من الحرية والانفتاح والنظر إلى الآخر باهتمام ووعي، دون أي تعصب متدثر وراء عباءة المنطق والعقل.
في كثير من القراءات التي تمت لمحمود محمد طه، كانت أسلحة الجمهوريين لا تتوقف عن المجابهة ولا ترض بما يضاد اي فكرة جاء بها الأستاذ، وكأن المعرفة قد أغلقت أبوابها إلى الأبد برحيل الاستاذ.
إن إحياء ذكرى محمود وأستاذيته الحقة تكمن في رفع الوصاية على فكر حر، اراد له صاحبه أن يكون حرا وأن يحيى به الإنسان ويخرج من غربة العالم إلى نوره، وعلى الجمهوريين أن يتركوا للجميع حرية النقاش وإبداء الرأي دون قيود على منجز الأستاذ، فما خلده كفيل بالاستمرار والحركة الوثابة إلى المستقبل، ولا يكتسب فكر محمود قيمته الأساسية إلا عبر هذا الجدل الذي يدار إلى الأن في مساحات مغلقة بسبب الوصاية المفروضة من قبل الجمهوريين.
وللحديث بقية..
يستند الجمهوريون في الرد على خصومهم بمقولة للأستاذ محمود محمد طه يذهب فيها إلى "أن الفكرة الجمهورية لم تناقش، وإنما يثير خصومها أوهاماً يحسبونها هي الفكرة الجمهورية"، لكن في كثير من الأحيان يتم توظيف هذه المقولة في غير محلها، فهناك من لا يعارضون، بل هم في أشد حالات الوجد الإنساني لطرح الأستاذ، لكنهم يعملون على إنتاج رؤية علمية لحفز هذا الفكر الجديد، ومواجهة أمثال هؤلاء بهذا المنطق يعمل كمصدة غير محبوبة تجعلهم ينفرون في نهاية المطاف، وهم لا ينفروا عن الفكرة ممثلة في فكر محمود محمد طه، بل في الفكرة ممثلة في الجمهوريين الذين يحملونها دون أن يعيدوا الجدل حولها والمثاقفة في محتواها الإنساني والفكري.
لقد كانت رسالة الأستاذ وبشكل عام في جميع مؤلفاته ومحاضراته تصب في إطار المشروع الإنساني الذي يؤمن بالكائن الحر، المتحرر من الخوف كعقدة تهدد البشر وتمنعهم من التفكير الإيجابي والمشاركة الحرة في بناء المجتمع الجديد، ومن غير المنصف أن يقوم تلاميذ هذا المعلم الكبير بهذا الدور الذي ينتقص من حقه وحق تفكيره الجميل والخلاق.
وهناك نقطة جديرة بالإشارة وهي أن المحاكمة التي خضع لها الأستاذ وأدت إلى انهاء حياته قسرا ودون وجه حق، خلقت نوعا من روح اللبس لدى الكثير من الجمهوريين الذين لم يقدر البعض منهم إلى اللحظة ممن عاشوا تلك اللحظات المريرة، على الفكاك من اسر ذلك الكابوس البشع، والذي كان النميري السبب الرئيسي فيه.
في كثير من الأحيان يقوم بعض الجمهوريين ممن يتولون مهمة الرد على شخوص بعينهم على استحضار تلك اللحظات وكأن كل "معارضة" - حسب ظنهم - تصب في إطار ذلك الحدث الذي انتهى تاريخيا وإن كانت آثاره لا تزال قائمة في ظلال ما يكتب وما يفكر فيه.
في خطاب الأستاذ محمود محمد طه إلى مدير عام اليونسكو ( 1953- جريدة صوت السودان) كتب يقول:" إن الإنسان الحر من حرر عقله وقلبه من رواسب الخوف، فنبه جميع القوى الكامنة في بنيته، فاستمتع بحياة الفكر، وحياة الشعور.. هذا هو الإنسان الحر، والتعليم المتوجه إلى إعداده يعني، في المكان الأول، بتحرير المواهب الطبيعية من الخرافات".
هذه الرؤية تؤسس للعديد من المفاهيم الهامة التي يمكن تلخيصها في التالي:
أولا: تحرير القلب من الخوف.
ثانيا: الاستمتاع بحياة الفكر والشعور.
ثالثا: التحرر من المواهب الطبيعية من الخرافات.
هذه النقاط الثلاث تؤسس لقيم هامة في إطار سلبية الخوف ودوره في تدمير الأفكار السامية، فلا حياة ولا استمرار للفكر مع الخوف الذي يعوق الجدل الإيجابي والمثمر.
ويبقى السؤال ما الذي يمكن أن يخاف عليه الإنسان ؟.. فالفكر الحر القوي التأسيس يملك خواص البقاء والديمومة، وتثبت لنا تجارب المفكرين الكبار عبر التاريخ الإنساني هذا الشيء.
كذلك فإن الحياة الإنسانية الكريمة لا تنبت شجرتها المثمرة إلا عبر خواص الشعور والفكر وبهما يكون التثاقف ليبقى ما ينفع الناس ويذهب الزبد إلى الأبد، وهي سنة الله في كونه وفي إنسانه.
فلما يخاف الجمهوريون وما الذي يدعوهم لهذا التفكير السلبي والذي يدمر الفكر الجميل بالإصرار عليه (أي التفكير السلبي)، كما أن الحوار في نهاية الأمر لن يكون (لو جاء من معارض عارف) إلا صورة لإظهار الحقائق وتمثيل المعنى المتخفي وراء النصوص، لتكون الخلاصة هي إفاضة الخير والجمال والمحبة، وهي محاور الوجود الإنساني الزاخر والفاعل والحيوي.
ويبقى التذكير بأن ما يخرج عن هذا الإطار وما يستحق المواجهة هو الفكر الجاهل الذي يلوي عنق الحقائق التاريخية المعروفة ويعمل على إبدالها زورا، ومثل هذا يستحق المواجهة، كأن يقوّل الأستاذ ما لم يقل، أو يتعامى الباحث عن المدرك سلفا والمعروف والموثق. أما ما يشتغل على المحبة الخالصة في سبيل التطوير والرفد فلا بأس عليه وهو يطور ويبني ولا يهدم أبدا..
وعشنا وإياكم على الجمال والخير والمحبة والسلام..

* عماد البليك

Post: #2
Title: Re: لا للوصاية على الأستاذ ( في ذكراه الـ 21)
Author: Yaho_Zato
Date: 01-19-2006, 03:53 PM
Parent: #1

الأخ العزيز عماد البليك..

رغم عدم إدراكي لتفاصيل دوافعك، والمواقف المحددة التي جعلتك تهتف بهذا القول عامة، والتي قد لا أتفق معك في جميعها.. رغم ذلك، أشكرك، شخصيا، على هذه القولة الصريحة في هذا الوقت بالذات، وهي قولة صحيحة عندي، في عمومها..

من المؤكد أن إرث الأستاذ محمود قد أضحي ملكا للإنسانية جمعاء، وللشعب السوداني كافة، على وجه الخصوص، منذ تلك اللحظة في الثامن عشر من يناير 1985، ومن المؤكد أيضا أن الفكرة الجمهورية، كما هي مسجلة في كتب الأستاذ وسيرته، ليست هي نهاية المطاف، والأستاذ نفسه لم يؤمن على أمر كما أمن على هذا الأمر، وهو ديمومة تطور الفكر البشري وارتقائه الذي لا تحده حدود..

قد تكون لي عودة أخرى لهذا الخيط، وقد أردت الآن فقط، في هذه العجالة، أن أكون من أول من يشد على يدك لهذه الهتافة..


قصي همرور