صلح البامية

صلح البامية


02-04-2014, 04:05 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=460&msg=1391526310&rn=0


Post: #1
Title: صلح البامية
Author: درديري كباشي
Date: 02-04-2014, 04:05 PM

صلح البامية
من شبيت على وجه الدنيا علاقتي بالاكل ضعيفة بمعنى ثقافة وشهية .. وفهمي له هو يعني اسكات الجوع بما يخرص المعدة وكفى مثلا بسكويت بشاي او رغيفة ممكن تقفل هذا الباب بسهولة .. ولكن هذا لم يمنعني من محبة الذين يعشقونه ويحسنون وصفه لفظا وشكلا وموضوعا .. بل احب ونستهم جدا واحترمت اشعب الاكول جدا عندما سئل عما هي أكثر آية تعجبه في القرآن فقال ( فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا).
قبل عدة سنوات كنت اعمل في احد الشركات جاء موظف جديد مصري الجنسية وصادف أن جاورني في المكتب .. وهو كان ضخم الجثة طولا وعرضا فحسبته من عشاق الاكل ولم يخب ظني فيه وان كان المصريين بصورة عامة يحبون الاكل ويتفنون في وصفه وتنويعه وصناعته .. كل ما فرغنا من عملنا لحظة استراحة أثرت حفيظته وتحفظه بجمل من نوع : (انتو يا باشا بتحبو المحشي وتعرفوه ؟)..وانا بيني وبين نفسي اعرف هم اساسا اصحاب المحشي ومبتكريه ..
بدأ الحوار بإزاي طويلة وعينك ما تشوف الا النور : دحنا اصحاب المحشي واهل المحشي نحن عندنا محشي الكرومب ومحشي ورق العنب وعندنا فراخ محشية وحمام محشي وممبار محشي ما سمعت بالمثل المصري البيؤلك ( انا زي الفريك ما ليش شريك ؟).
بعد هذا الحوار يبدو انه الاخ قلبه انفتح لي ضلفتين لاني أصبحت متنفس له في كبته الطعامي وهو يعيش غربة مثلنا ومحروم من معظم الاكلات الشعبية ..
واصبح كل يوم ينفتح الحوار بيننا على طبق جديد على قرار طبق اليوم الذي تقدمه كل القنوات الفضائية .. ولان أطباق اليوم عندي انا خلصت من أول اسبوع ونحن اصلا بصفة عامة كسودانيين مائدتنا فقيرة التنوع ( نحن ناس كيف وليس ناس كم .. عشان ما تزعلوا .. يعني صحن ملوحة بجحم قدح المونة ومعه صحن شطة ممكن تعزم له سرية كاملة).. يستحيل تضع صينيتين سودانيتين قرب بعض بدون ما يكون هنالك اكثر من طبق مكرر بينهما ..
الى كان طبق اليوم هو البامية .. والله انا ما شعرت بعظمة البامية وقيمتها الا بعد ان كانت طبق اليوم ووصف هذا الاخ المصري ..وانا البامية بالذات الطبيخ كانت عندي من الطبقات الدنيا في سلسلة المشهيات يمكن أفضل عليها الرغيف بالشاي .وخاصة طبقة الزيت وعندما يكون ( وش البامية ياهو) فتجد قرون البامية مطفحة فيه مثل التماسيح في حديقة الحيوانات .
الاخ ابتدر طبق اليوم بسؤال مفاجئ : ازاي علاقتك بالبامية يا ابو محمد ..
كدت استلف رد عاد عادل امام في مسرحية شاهد ما شافش حاجة ( يعني زي علاقتي بحضرتك )؟ لولا خفته يزعل مني ويقفل هذا النقاش الجميل أقصد اللذيذ .
قلت : يعني مش اوي اوي .. بصراحة كنت صادق لان علاقتي بالبامية الطبيخ هامشية جدا . وهامشية بمعناها الحرفي لاني كنت اتبن قطعة الخبز في الطبيخ واتفادى القرون ( من يسمعني يقول كنت أحلب في بقرة) بمعنى أشمئز منها فأحرص الا يتعلق منها شئ في لقمتي .. حتى اجفف منابعها تماما وتقضل القرون لوحدها لاتجد سائلا تسبح فيه ..لكن انا اختصرت كل هذا الكلام في عبارة ( مش أوي أوي) .. والذي يبدو انها أثارته جدا ..
- كيف يا ابو محمد البامية دي أعظم انواع الخضروات .. تصور انها أغلى انواع الخضرة في اروبا لا يشتريها الا الاغنياء . وقال انا زرت تركيا وهناك في مطعم تركي أغلى طبق عندهم .. تصور هناك يقدموها مطبوخة مع لحم الضان ومخلوط معها نبيذ العنب .. يا سلاااااااام تصور تكون حاطط أودامك الطبق يغلي في وعاء من الفخار وتاكلها بالشوكة .. لا لا لا لا انا لازم تروح معايا ..
- نعم ؟ اروح معاك فين ؟ تركيا ؟
- لا لا لا أنا عازمك يوم في المطعم المصري .. بركة نروح نتغدى مع بعض ..
انا فعلا تأثرت بوصفه وبدأت أعيد النظر في البامية من جديد وتذكرت كلامه حين قال تاكلها بالشوكة تضاربت مشاعري بين الاشمئزاز والفضول والتشوق الى ان جاء الغد .. ورحنا سويا الى حيث الدعوة في المطعم المصري .. والذي هو مناسبته عقد مصالحة بيني وبين البامية والتي يبدو اني ظلمتها طيلة مسيرتي ( السفسفية)
أول ما دلفنا الى المطعم والذي يبدو صديقي أن له فيه صولات وجولات .. انبرى له الجرسونات وصاحب المطعم تحايا وتشريفا .. وقدمني لهم كضيف يريد ابهاره بالاكل المصري .. بصراحة انا شعرت بالعظمة وحسيت كاني مصاحب أحد باشوات مصر المعظمين في العهد الملكي .. فالجرسون وهو يحمل المانوال او الدليل ومعه نوته يسجل عليها الطلبات يبسقك بكم من التحايا من (أزيك يا باشا منور والله ).. وبدأ في أسألتي عن طلباتي والتي طبعا لم تسعفني فيها ثقافتي الضحلة .
أختصر الصديق في الطلب الرئيسي قائلا : اولا هات لنا اتنين طاجن بامية باللحم الضاني ... ها يا ابو محمد عاوز معاها أييه ؟
- عاوز رغيف
- أنت بتستهبل ما الرغيف أصلا موجود اطلب صحن تاني ..
انا ذاكرتي لم تسعفني ضغطتها لاطلع بأي صحن من المسلسلات المصرية اخير قلت عاوز حمام محشي .
- تمام يا استاذ هات له حبة حمام محشي وهات لي انا موزة مع المعكرونة وهات لينا كرومب محشي ..
الجرسون قال : والشوربة عايزها ايه ..
حول المضيف السؤال نحوي : ها يا ابو محمد الشوربة عايزها اييه ؟
- الشوربة عايزها شوربة طبعا ؟
- ازاي يعني
- ما انا ما فهمت يعني ايه الشوربة عايزها اييه ما الشوربة ياها الشوربة ..
- لا يا استاذ أقصد عايزها شوربة عدس ولا شوربة خضار ولا شوربة لسان العصفور .. وظل يعدد في انواع من الشوربة .. قلت عدس ( الما يعرف يقول عدس).دقائق وامتلات المائدة بالاطايب .. والموزة التي كنت متشوقا لاعرف ما هي طلعت هي تقريبا قطعة الضلع التي نقدمها في مناسباتنا .. وحضرت البامية .. وكان صديقي يتناولها بالشوكة مستمتعا يهز في رأسه كأنه يستمع لآغنية أم كلثوم ..ويقول يا سلام على عظمة البامية ( دوووء يا ابو محمد دوووء) شعرت بنفسي كأني في جلسة استخراج عفريت البامية من دماغي .. لاني بدأت بالتدريج اسمح لها ان تتسلل الى لقمتي .. ووجدتها فعلا لذيذة جدا .. وكلما شعرت بغثيان أو قرف رفعت رأسي انظر لصديقي استمد منه طاقة الاستمرار ووجدته يمدغها بنهم في الاول عندما شاهدته اول مرة يطعنها بالشوكة ويتناولها حسيت كأنه يتناول في سحالي .. يبدو فعلا انه كان عندي عفريت ضد البامية .. لكن بالتدريج بدأت اتصالح معها .. الى ان وصلت مرحلة طعنها بالشوكها وتناولها بدون تكفينها بقطعة رغيف معلنا طرد عفريتها من دماغي الى الأبد .. وتصالحت معها من يومها ... وافتقدت ذاك الصديق لانه مثلما ما جمعنا أكل العيش والبامية عاد وفرقنا من جديد ولم أعد اراه أو يراني ..

Post: #2
Title: Re: صلح البامية
Author: درديري كباشي
Date: 02-04-2014, 09:30 PM
Parent: #1

Quote: (( عندما شاهدته اول مرة يطعنها بالشوكة ويتناولها حسيت كأنه يتناول في سحالي )) ههههههههههههه والله ياأبو محمد مبااااااااااااالغة ياخي انت والله زول كتاااااااااااااااااااااااااااااااااااااب وقصة أكتر من جميلة .... وبالمناسبة البامية دي على كيف الأحوال جميلة


مشكور يا عبد الباقي على الطلة والكلام الطيب في حقي وحق البامية