من الجزيرة نت خمسون عاماً على ذكرى محنة عرب زنجبار عبد الله علي إبراهيم

من الجزيرة نت خمسون عاماً على ذكرى محنة عرب زنجبار عبد الله علي إبراهيم


03-18-2014, 06:23 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=457&msg=1419308315&rn=0


Post: #1
Title: من الجزيرة نت خمسون عاماً على ذكرى محنة عرب زنجبار عبد الله علي إبراهيم
Author: عبدالله علي إبراهيم
Date: 03-18-2014, 06:23 AM

مرت في العاشر من يناير الماضي الذكرى الخمسين لمقتلة العرب في زنجبار في أعقاب ثورة 1964 في الجزيرة. وهي ثورة لم تقتصر على نزع سلطان العرب على زنجبار بل قصدت إلى تصفيتهم إثنياً كوجود أجنبي استيطاني ربما أكثر خطراً من الاستعمار البريطاني الذي رحل عنها في 1961. وكان أشاد دولة العرب في الجزيرة السلطان سيد سعيد، سلطان عمان. فقد كان لسلطنته السيادة على زنجبار ومدن الساحل الأفريقي الشرقي منذ 1689 وهو العام الذي نجحت عمان في تخليص سكان الساحل من البرتغاليين بطلب من أعيانه. ونقل السلطان سعيد سدة حكمه إلى زنجبار في 1840 في سياق صراعات أوربية طاغية على الموارد الأفريقية صارت الجزيرة به ميناءً لتصدير رقيق الداخل الأفريقي. وكانت تلك التجارة سبباً في اضمحلال مملكة زنجبار حين انقلبت الدول الأوربية ،كل في وقتها الخاص، لتُحَرم الرق. وبقى وزر هذه التجارة معلقاً على العرب القائمين على بلدة كانت تلك التجارة اقتصادها أجمعين.
قال دونالد بيترسون، الدبلوماسي الأمريكي، لو كنا نتكلم في 1964 بلغة اليوم لوصفنا محنة العرب في الجزيرة في تلك السنة ب"الجنوسايد" لا مواربة. لم يخضع ضحايا المحنة لإحصاء معلوم من فوق تحقيق شامل. ولكن ثمة اتفاق بين دارسين محايدين أن من قتل من العرب كان بين 5 ألف إلى 11 ألف ولم يبق من الخمسين ألف عربي بالجزيرة (سدس السكان) سوى 12 ألف من فرط التهجير القسري والترويع. وربما تَفَرد تطهير العرب العرقي في زنجبار في أنه مما صورت بعض مشاهده حية بواسطة التلفزيون الإيطالي في الوثائقي "وداعاً أفريقيا" (1966). وعَرَض الوثائقي لمقتلة زنجبار ضمن فظاظات أفريقية وقعت بعد استقلال بلدان القارة. ويرى المشاهد على الطبيعة كيف يُساق العرب قتلاً على الهوية والمقابر الجماعية التي ضمت رفاتهم. وقد احتج سفراء في أفريقيا في إيطاليا على الفيلم الذي صدمهم عنفه واستقلال القارة ما زال بكراً.
ليست محنة العرب المصموت عنها في زنجبار بدعاً. فقد نشأ في الأكاديمية الغربية مؤخراً علم كامل موضوعه الكشف عن مثل هذه الجنوسايدات. وأتخذ العلم مسمى "الدراسات الناقدة للجنوسايد المخفي". والغالب في هذه الدراسات مع ذلك تجاهل نكبة العرب في زنجبار ما يزال. ولم أقع على سوى فصل وحيد عن جنوسايد زنجبار ورد في كتاب "فظائع بلا عنوان في القرن العشرين" حرره آدم هيربرت (2011).
تضافرت حادثات في التاريخ المحلي الزنجباري والقاري الأفريقي والعالم على اسدال ستار النسيان على مقتلة العرب في الجزيرة وأوجزها في ما يلي:
1-كان التغاضي عن ذلك الجنوسايد هو أفضل حيل الحركة القومية الأفريقية الجامعة، وفي نسختها الزنوجية المتطرفة بالذات، التي تعتقد بأن "أفريقيا للأفريقيين". والمفهوم من الأفريقيين أنهم السود الأصل وما عداهم من جاؤوها من أصقاع محتلفة من العالم محض غزاة. فالعرب في رأي مثل هذه القومية غزاة والتخلص من وجودهم الثقيل كسب قومي لا مذمة. فليس منظوراً من هذا الحركة "الأصولية" بالطبع تَذَكر هذا الجنوسايد وهي التي ابتهجت بعودة زنجبار إلى القارة في اتحاد مع تنجانيقا في دولة تنزانيا بعد أشهر قليلة من الثورة والجنوسايد. وعليه دأب كتاب أفريقيون على تكذيب أرقام ضحايا الكارثة ونسبتها للخيال العربي الشاطح .
2- الفكر الماركسي الزنجباري الذي مثله عبد الرحمن بابو زعيم حزب الأمة وعضو مجلس قيادة ثورة 1964 والفكر الأكاديمي التنزاني في الستينات والسبعبنات الذي غلب فيه التحليل على الطبقة، ولم يعتبر العرق الاعتبار الذي صار له مؤخراً في الدراسات السياسية. فمن رأي بابو أن من قام بالثورة (وما ترتب عليها) هم البروليتاريا الرثة التي سرعان ما جرى استبعادها من دفة الأحداث لتتولى قيادتها قوى ثورية اجتماعية مسؤولة. وظل بابو ومن لف لفه يتفادون النظر في الضغائن العرقية التي تجلت غير خافية في مذبحة العرب. وعليه فتفسير بابو الطبقي كان صرفاً للمسألة لا تحليلاً لها.
3-الفكرة القومية العربية في نسختها الناصرية التي غلبت تحالفاتها للتحرر الوطني الأفريقي على استنقاذ شعب عربي. فسقوط دولة سلطان عربي، من وجهة نظر تلك الفكرة القومية، مؤشر على صحة مطلبها في التخلص من سلاطين عرب رجعيين آخرين في مركز العرب. وكانت تلك مفارقة مأساوية أن يهلك شعب عربي على ذلك النحو والدعوة إلى قومية هذا الشعب في أوجها.
4-ووقع الجنوسايد في إطار الحرب الباردة التي كان أكبر همها كسب صفوة الحكم والسياسة الأفريقيين لسياسات القوتين العظميين، الاتحاد السوفياتي والغرب. فقد استبشر المعسكر الاشتراكي بثورة زنجبار الموصوفة ب"كوبا أفريقيا". واشتغل الغرب بالتخلص منها بضمها لتنجانيقا المعتدلة نسبياً.
هناك بالطبع ما يقال عن سياسات لعرب أفريقيا تنكبت سبل الآخاء الوطني. ولكن سهم النقد، طالما كنا بحضرة ذكرى جنوسايد زنجبار، يطال السردية القومية الأفريقية الجامعة. فسيبوء بناء الدولة الوطنية في أفريقيا بالفشل طالما أنكرت تلك السردية مواطنة العرب في أفريقيا وعدتهم مستوطنين ثقلاء. فجنوسايد زنجبار، الذي دق إسفيناً في دولتها ما يزال طرياً، فرضته السردية القومية الأفريقية فرضاً على الزنجبارين. فلم يكن في برنامج الحزبين الوطنيين المعارضين في زنجبار بقيادة عبيد كرومي (الأفروشيرازي) أو عبد الرحمن بابو (الأمة) خطة لمحو الوجود العربي. كان صراعهم مع حزب زنجبار الوطني الحاكم والموالي للسلطان (بقيادة على محسن) حول نتيجة إنتخابات حرة تباينت نييجتها بين فوز الوطني بالمقاعد الأكثر في البرلمان بينما نالت المعارضة أكثرية أصوات الناخبين في الجملة. وهذا بعض المعلوم بالضرورة في الإنتخابات. وهكذا لم تكن زنجبار وقتها مهيأة لأكثر من خصام إنتخابي فظ وطويل واحتكاكات عرقية مقدور عليها. ولا أدل على أن ثورة 1964 والمقتلة التي بعدها هي إفراز للقومية الأفريقية الجامعة، لا الدولة الوطنية الأفريقية الزنجبارية، أن كرومي وعبدالرحمن كانا يغطان في نوم عميق حين انفجرت الثورة. فايقظ الثوار كرومي فجراً وحملوه إلى دار السلام، عاصمة تنجانيقا بحجة حمايته. أما بابو فقد كان لائذاً بدار السلام أصلاً. فأيقظه السفير الكوبي هناك لينقل له خبر اندلاع ثورة في وطنه.
لا غلاط أنه بثورة 1964 غَلَبت القومية الأفريقية الجامعة على الوطنية الأفريقية الزنجبارية. ولا أعلم من نوه بسخرية القدر الباهظة في ذلك الوضع مثل البروفسير على المزروعي. فقد وضع أصبعه على ما انطوت عليه ثور زنجبار من تناقض بين الدولة الوطنية والأفريقية الجامعة. فقائد الثورة، جون أوكيلو، أفريقي ولكنه ليس زنجبارياً. فقد جاء الجزيرة في 1959 ضمن أفارقة الداخل ممن ظل يجتذبهم سوق العمل في زنجبار. وهكذا أسقط هذا "الأجنبي" في مفهوم الدولة الوطنية سلطاناً من الجيل الرابع في الجزيرة له الولاية على شعب مسلم بصورة كاملة. وعمقت الهوية الإسلامية من غربة قائد هذه الثورة عن الوطن الزنجباري بصورة درماتيكية. فهو مسيحي تحول عن ديانة أفريقية خالصة فعمَّدته طائفة الكويكز في يوغندا. وزاد بأن أصطحب عقيدته المسيحية في ثورته ضد العرب-المسلمين. فقد سماه الكويكرز "قيدون" وهو المخلص في دينهم. وتقمص أوكيلو دور المخلص لأفريقي الجزيرة من ظلم العرب. وحكى عن سفره بالباخرة من الساحل الكيني إلى زنجبار وتعرضه لعاصفة كادت تغرقهم. وقال كاتب لمَّاح إنه إنما تمثل في ذلك بسنت بول الذي كادت سفينه تغرق عند جزيرة مالطا.
ولم تستلم الوطنية الزنجبارية ل"غزوة" أوكيلو الثورية. وكان أول هم كرومي بعد تعيينه رئيساً لمجلس قيادة الثورة بواسطة أوكيلو أن يتخلص منه كغريب زنيم. ونجح في مسعاه خلال 50 يوماً. واختبط قائد الثورة الأجنبي (بالمعني الوطني) الآفاق الأفريقية التي جاء منها أول مرة. علاوة على استمرار هذه الوطنية الزنجبارية في التململ من الاتحاد التنزاني المفروض عليها باسم القومية الأفريقية الجامعة وبغير شورى منها. ولهذه الوطنية حزب ما فتيء يدعو لتفكيك الاتحاد.
إن ما ينبغي أن يتوافر عليه العرب في الذكرى المنسية الخمسين لجنوسايد زنجبار هو تصميم إستراتيجية تضع هذه النكبة في خريطة الشر في العالم. وسيقع في هذه الهمة رد الاعتبار للعرب كمواطنين أفريقيين بمواجهة ذكرى الرق العربي التي يوظفها "التأصيليون" من القومية الأفريقية الجامعة للتنصل عن جنوسايد زنجبار. والحق أن أوكيلو قائد ثورة 1964 جاء إلى قتل العرب بلا وازع من باب مزارت الرق العربي وشحن الضغن الأفريقي بواسطتها على العرب. فكان زار قلعة المسيح بممباسا بكينيا وقال إن حيطانها التي انحفر فيها تاريخ الرق لتُخجِل كل عربي. وعرض هنري قيتس، الاستاذ بجامعة هارفارد، هذه المزارت كلها قبل سنوات في وثائقيته عن أفريقيا، فعاب عليه زميله جوناثان قلاسمان، الاستاذ بجامعة نورثوسترن الأمريكية، تغفيل سدنة هذه النصب له فيروى عنهم أساطير أدلاء السياحة وكانها حقائق. وكشف الأستاذان إبراهيم شريف ومحمد المحروقي في ورقة علمية أخيراً التزوير الذي دخل في صناعة تلك النصب. فقالا مثلاً إن صناعة السياحة في الرق العربي تأخذ الزائر إلى كنيسة ست مونيكا ليرى قبواً به أغلال صدئة هي بقايا مزعومة للنخاسة العربية. وإذا علمنا أن الكنيسة مما بني في 1905 بعد سنوات طويلة من إلغاء الرق في زنجبار، وقفنا على الخيال الكاذب الذي من وراء تلك الصناعة. ومما يزعج حالياً أن اليونسكو أشهرت مدينة الحجر في زنجبار، وفيها معظم هذه النصب، أثراً عالمياً في 2000. وأزدهرت تبعاً لذلك سياحة التبغيض في العرب. ولاحظ من قرأ الأدب السياحي التنزاني عن الرق خلوه من أي ذكر لثورة 1964 لتفادي ما تثيره من تاريخ للجنوسايد قد يغطى على تاريخ الرق، أو ربما كشف كيل متطرفي القومية الأفريقية الجامعة بمكيالين: الحرص على تسوئة العرب والتستر على سيئتهم هم.
وربما نظرنا في نهجنا التذكير بمحنة زنجبار، واستدركنا التغاضي الطويل عنها، بإلحاح منهجي، إلى همة اليهود الذي جعلوا من الهولكست واقعة لا مهرب منها. فألفوا فيها بإسراف حتى أحصوا 6 ألف كتاب سنوياً عنها سنوياً. وخرج منهم مثل إفريم زوروف (65 سنة) الموصوف ب"عميد صائدي النازيين" الذي أعد قائمة بالمطلوبين من النازية لجرائمهم بحق اليهود. واشتهر عنه قوله إن جرائم الهولكوست لا تسقط بالتقادم. وحين رأى بلوغ النازيين أرذل العمر بموت الله قال إنه يتمنى منه أن يطيل من أعمارهم حتى يلقوا جزاءهم المستحق.
وبلغ الضرب على وتر الهولكست مرات مبلغ جعلها صناعة رابحة كما قال بذلك الاستاذ اليهودي نورمان فنكلستين في كتابه "صناعة الهولكوست". فقد نشرت النيويورك تايمز في يناير الماضي خبراً عن كتاب اسمه "سفر الهولكست" وصفه نقاده ب"الالعباني" في التذكير بالهولكست. فصفحاته 1250 وطوله 6 اقدام ونصف ومحيطه 46 قدماً. وصاحب فكرته (لا تأليفه) هو فيل جيرموسكي،معلم رياضيات، هاجر من أمريكا لإسرائيل. ولا يحوي الكتاب سوى كلمة "يهود" ببنط صغير مكررة 6 مليون مرة بعدد ضحايا الهولكست. ولا سقف لثمنه بالطبع طالما صدر الكتاب من اجل قضية. فقد أشترى أحدهم 100 نسخة ليوزعها على أعضاء بالكونغرس الأمريكي، وقادة اليهود بجنوب أفريقيا وأستراليا. وركز إبراهام فوكسمان، متولى منظمة مناهضة شتم اليهود، على الحصول على نسخة للبيت الأبيض.
رحم الله موتى العرب والمسلمين غيلة في زنجبار في ذكرى محنتهم الخمسين.