ليلة الكٌبَاكه الطويلة عبد الله علي إبراهيم

ليلة الكٌبَاكه الطويلة عبد الله علي إبراهيم


05-04-2014, 08:04 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=457&msg=1419307967&rn=0


Post: #1
Title: ليلة الكٌبَاكه الطويلة عبد الله علي إبراهيم
Author: عبدالله علي إبراهيم
Date: 05-04-2014, 08:04 PM


نشأت في كنف حلة المحطة بعطبرة قي سنوات آخر الأربعينات وأوائل الخمسينات. وقلت في مناسبة أخرى عن أثر هذه التربية في رؤيتي وفكري. فحلة المحطة هي بيوت للمستخدمين المسئولين بصورة مباشرة عن مسير القطارات من عطبرة: قطب السكة الحديد، ، إلى أرجاء السودان العريضة. كنا في مركز الدائرة "نبعث الشعاع من محط" أو كما قال التيجاني يوسف بشير. كنا نتعارف في المحطة كشايقية مثل آل عبد الباري أو جعليين مثل آل الأمين أو حلفاويين مثل أهل صديقنا عبده. ولكننا لم نجتمع في الحلة مبعوثين من قبائلنا بل اختارتنا مصلحة السكة حديد لنؤدي وظيفة نتناصر فيها ليغادر القطار المحطة العتيدة في خاتمة الأمر. فمنا من جاء من قسم السيمافورات أو الهندسة أو الورشة أو الدريسة. وكان والدي ناظر المحطة ذات نفسها.
لذلك أجد عنتاً حين يحاول بعض الناس التعرف على سياستي من واقع إني رباطابي وقيل شايقي. والحق إنني بديري من جهة وشايقي من جهة أخرى. بل أجد "هذيان" الناس حول نسبتي دليلاً على فساد تسييس "القبيلة". فقد تربيت في كنف "بادية" الشايقية الحاجة جمال ورضعت إمالة لغتها المجلجلة . وآ شريري. ولا أعدل بالقراصة طعاماً وللدليب مسرب خطير في نفسي. ولكن ما دخل هذا في بناء وطن للجميع؟ إن "القبيلة" بعض هويتي واتمنى حين نأتي بها إلى عرس الوطن أن تكون فالاً لا ضلالاً.
لا أجد بين ذكرياتي من قامت على نعرة قبلية سوى تلك التي بحي الداخلة. وسأحكي عنها لاحقاً. كان لنا كأطفال دوراً معلوماً في رمضان حلة المحطة. كان أهلنا يبعثون بنا إلى السوق لنشتري لهم بليلة اللوبيا العفن. ولم تعد تلك بليلة رمضان منذ جاء الكبكبي وهذا الحب الصغير الكاكي الذي أعجزني مضغه. ولم أجد اللوبيا العفن معروضاً في السوق بقدر ما سألت عنه في رمضان الماضي. وكانت المهمة الثانية أن نتحلق خارج الحلة ونظرنا مصوب على مئذنة جامع عطبرة العتيق ننتظر الإذن بالفطور. وكان الإذن يأتينا في ومض لمبات معلقة بأعلى المئذنة لا بالآذان. فنتسابق إلى الحلة المختصرة نتصايح: "ولع ولع ولع". فيفطر رجال البرش ونقتحم البيوت بسر الكهرباء وفرجها.
من ذكريات العيد ليلة لا أنساها سميتها "ليلة الكٌبَاكا". والكباكا "جمع كبك". بالطبع تعلق قلبنا بكرة القدم. وكان لنا فريق باسم الحلة يتبارى مع فرق حلال أخرى من بينها حلة الداخلة "الشعبية". وأذكر أن أحد لاعبينا جاء للعب بكبك قماشي فأستنكر لاعبو الداخلة ذلك وعدوه ضرباً من تحت الحزام. وكنا أكثر نعمة منهم وأبطر. ولا أدري حتى اليوم كيف اخترنا أن تكون كباكة القماش نعلنا لعيد من الأعياد. أعتقد أن أحدنا اشترى كبكاً للعيد. فتسامعنا النبأ. وأكلت الغيرة منه قلوبنا الصغيرة. فبدأنا حصار الآباء وأدميناهم بالإلحاح والبكاء. ثم تواترت أخبار نجاح الحملة وسقوط مقاومة الآباء. فقد جرجرناهم واحداً بعد الآخر إلى محل باتا الأنيق بمدخل السوق من الورشة لشراء هذا النعل المبتكر في العيد. سقط حاج الأمين وفاز الخير بكبك. سقط محمد عبد الباريء وفاز عثمان وعبد البارئ بكبك. وسقط الحلفاوي في نهاية المربوع وفاز عبده بكبك وسقط علي إبراهيم وفاز عبد الله وعابدبن بكبك. وانهارت هذه القلاع الأبوبة كل في توقيته الخاص. وكانت الأنباء تأتيك ممن تزود.
ولكن فرح ود سائق الموتسكلي بالغ. فقد حرج علينا بكدارة رسمي . . . بكدايس. وهي من مصنوعات عمنا المليجي عند قهوة الإبس. ربما انتبهنا حتى على صغرنا أن فرحاً قد حمل المسألة إلى حدودها اللامعقولة. تبالغ يا فرح!