هل الحساب ولد كما يقول السودانيون؟!/فيصل الدابي/ المحامي

هل الحساب ولد كما يقول السودانيون؟!/فيصل الدابي/ المحامي


03-22-2014, 07:00 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=446&msg=1418916537&rn=0


Post: #1
Title: هل الحساب ولد كما يقول السودانيون؟!/فيصل الدابي/ المحامي
Author: فيصل الدابي المحامي
Date: 03-22-2014, 07:00 AM

يُمكن القول إن الحساب في اللغة يعني (عد الأشياء بلا زيادة ولا نقصان) وأن الحساب في الدين يعني (محاسبة الله للناس في يوم القيامة السيئة بسيئة واحدة والحسنة بعشرة حسنات إلى سبعمائة ضعف) ، ومن المؤكد أن كلمة (حساب) تثير الكثير من علامات الاستفهام بمجرد نطقها ولها كثير من المعاني المتداخلة والمتضاربة التي تدعو للكثير من التأمل والتفكير!
السودانيون يقولون (الحساب ولد) ويقصدون بذلك أن أهمية احترام الحساب مثل أهمية احترام العائلة لأنهم يطلقون لفظة (الأولاد) على العائلة بأكملها ويقصدون بها الزوجة والأولاد والبنات ، ويقولون كذلك (اكلو اخوان واتحاسبو تجار) ويقصدون بذلك وجوب أن يدفع كل فرد نصيبه في حساب المشاركة الجماعية في أي شيء سواء أكان مأكولاً أو مشروباً أو ملعوباً ، ويقولون (الحساب فراق الحبايب) ويقصدون أن الحساب يفرق الاحباب فيدخل بعضهم كليات الطب ويدخل بعضهم كليات الآداب التي يعتقد غير المتأدبين أنها مجرد كوم تراب!
بعض أعداء مادة الحساب أو الرياضيات يقولون عنها إنها مثل رجل أعمى يبحث في غرفة مظلمة عن قطة سوداء والمشكلة أن القطة غير موجودة في الغرفة! معلم الرياضيات يؤكد أن كافة العلوم الطبيعية والاختراعات الميكانيكية والالكترونية تقوم على أكتاف الحساب وأن أي اختلال حسابي فيها يعني وجود غش علمي أو صناعي!
الفلكي يقول إن الحساب الفلكي هو أهم حساب في الدنيا فسرعة دوران الأرض حول الشمس ، البالغ قدرها 1140 ميلاً في الدقيقة ، وسرعة دوران الأرض حول نفسها ، البالغ قدرها 17 ميلاً في الدقيقة ، تنشئان وتجددان ، بقدرة الخالق العظيم، كل أشكال الحياة النباتية والحيوانية على الأرض وتحددان كل المواقيت النهارية والليلية بدقة مذهلة! ولذلك فإن حساب البيانات الجوية بشكل يومي يؤمن استمرارية الحياة بشكل آمن وأن غيابه قد يعرض البشر لكوارث طبيعية مدمرة، علماً بأن التوقيت الأرضي هو أمر نسبي فبعض الكواكب أيامها أطول أو أقصر من اليوم الأرضي بكثير ويوم واحد من أيام الله الأخرى قد يكون بألف سنة إذا تمت مقارنته باليوم الأرضي!
أما الكاشير فيقول إن الحساب هو أهم شيء في الحياة وأن محاسبة الزبائن بطريقة دبلوماسية وحازمة في ذات الوقت هي سر النجاح وبخلاف ذلك سيتعرض المطعم لأكبر الخسائر!
الطبيب يقول إن الاِحصاء الطبي ، المتعلق بأرقام الصحة والمرض ، يشكل حسابات الحياة والموت وأن إغفاله يقود لأوخم العواقب الصحية!
القانوني يؤكد أن المحاسبة القضائية باستخدام الأدلة الحسابية القاطعة، كالحمض النووي، هي الأفضل والأضمن لتحقيق العدالة والسلام لأنها تستهدف معاقبة الشخص البالغ العاقل الذي يثبت تعديه على حقوق الآخرين بدون وجه حق مع العلم أن غياب الاعتقاد بالحساب والمحاسبة لدى الفرد يجعله يشكل أكبر خطر على على المجتمع وعلى حقوق الآخرين لأنه لا يقيم وزناً لأي عواقب أو عقوبات بشرية أو إلهية محتملة!
المصرفي يجزم بأن فتح الحسابات المصرفية وتعلم قواعد الانضباط الحسابي يحققان الاستقرار المالي وأن تجاهل ذلك يسبب أكبر المشاكل المالية!
مدرب فريق كرة القدم يؤكد أن المحاسبة الادارية للاعبين هي أساس تحقيق النصر المؤزر وبغيابها يتعرض الفريق للهزيمة الساحقة!
الخبير الحسابي يقول إن تدقيق كشوف حسابات الميزانيات السنوية وحسابات الربح والخسارة للشركات الخاصة والحكومية بشكل شفاف ونزيه هو الآلية العملية الوحيدة لزيادة الانتاج وكشف الفساد ومحاسبة المفسدين!
موظف الموارد البشرية يقول إن المحاسبة العادلة بفرض العقوبات ومنح المكافآت تزيد الانتاج في أي شركة وبدونها تتعرض الشركة للافلاس!
منظمة الشفافية الدولية تؤكد أن محاسبة الحكومات بعد تقديم كشوف حسابات إيراداتها ومنصرفاتها السنوية تحقق العدالة الاجتماعية وبغيابها يعم الفساد الرسمي!
الاقتصاديون المحافظون يؤكدون إن حساب الفائدة الربوية الذي يقوم عليه المذهب الاشتراكي المتطرف والمذهب الرأسمالي المتطرف هو سبب كل مشاكل العالم لأنه يحول أغلبية البشر إلى أمة من المدينين العاجزين ولذلك يجب تبني مذهب الاقتصاد الوسطي المختلط الذي يقوم على إلغاء حساب الفائدة المتغيرة الظالم الذي حرمته وجرمته كل الأديان السماوية واستبداله بحساب الربح الثابت العادل وتمكين الفرد من الاستثمار الحر المنضبط في كل مجال قابل للملكية الخاصة وتمكين الدولة من الاستثمار في المجالات التي يشترك كل البشر في ملكيتها كالاستثمار في مجالات المياه والكهرباء والمعادن والنفط وهلم جرا!
المؤمنون يقولون إن كافة الحسابات تنبع من حساب إلهي واحد وأن الانسان الملحد الذي لا يؤمن بيوم الحساب هو إنسان متناقض حسابياً لأنه يؤمن بمحاسبات الدنيا ويقتنع بأنه يحق لأصحاب المطاعم والمصرفيين والقضاة أن يحاسبوه ولا يؤمن بمحاسبات الآخرة ولا يقتنع بأن الله سبحانه وتعالى، خالق كل هؤلاء وخالق كل شيء، سيحاسبه ويحاسب الجميع في يوم الحساب على ما قاموا بهم من أعمال صالحة أو طالحة في الدنيا! فكيف يقبل الانسان العاقل بمحاسبة المخلوقين ولا يقبل بمحاسبة الخالق؟! مع العلم أنه يُمكن للانسان الماكر الإفلات من شراك المحاسبات البشرية عبر التسلل من الثغرات القانونية الكثيرة ولكنه لن يستطيع الإفلات من المحاسبة الالهية بأي حال من الأحوال.
من المؤكد أن رفض مبدأ الحساب والمحاسبة يتعارض بشدة مع منطق الحياة الذي يقوم أساساً على الحساب والمحاسبة ، وأن مجرد الايمان بهذا المبدأ لا يكفي أبداً بل يجب على كل شخص عاقل أن يُحاسب نفسه عملياً قبل أن يحاسبه الآخرون وأن يوقن بأن وجود الحساب والمحاسبة يساوي وجود العدل والسلام وأن غياب الحساب والمحاسبة يساوي وجود الظلم والخصام وأنه يجب دائماً على الانسان المنصف السليم الوجدان أن يُمسك بدفتر محاسبة للنفس وأن يتحلى بأكبر قدر من النزاهة الشخصية عند مراجعة وتسوية حسابات الضمير، فلا يحابي نفسه على حساب الغير ولا يتعدى على حقوق الناس ولا يرتكب المحرمات الالهية فالمطلوب منه دائماً هو النجاح العملي في اختبار المحاسبة الذاتية اليومية الذي يؤدي تدريجياً إلى تحويل النفس الأمارة بالسوء التي لا تخشى المحاسبة الدنيوية والأخروية إلى النفس اللوامة التي تخطيء كثيراً وتمارس النقد الذاتي والاعتذار والاستغفار بكثرة إلى النفس المطمئنة التي تستحضر المحاسبة الإلهية في كل لحظة وتمنع صاحبها من التعدي على حقوق الآخرين ، وفي الختام لا يملك المرء إلا أن يقول: اللهم أعنا على محاسبة أنفسنا وأجعلنا أعدل الحاسبين ، آمين يا رب العالمين.

فيصل الدابي/ المحامي