رسائل لن تصل - قصة - إدوار الخراط

رسائل لن تصل - قصة - إدوار الخراط


09-15-2010, 07:50 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=377&msg=1307652213&rn=0


Post: #1
Title: رسائل لن تصل - قصة - إدوار الخراط
Author: سمرية
Date: 09-15-2010, 07:50 AM

لا جمال الا في التشوق
الى جمالك غير المندثر
..............
إدوار الخراط



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إدوار الخراط :
كاتب مصري ولد بالإسكندرية في 16 مارس عام 1926 في عائلة قبطية أصلها من الصعيد، حصل على ليسانس الحقوق من جامعة الإسكندرية
عام 1946م، عمل في مخازن البحرية البريطانية في الكبارى بالإسكندرية، ثم موظفا في البنك الأهلى بالإسكندرية،
عمل بعدها موظفا بشركة التأمين الأهلية المصرية عام 1955م، ثم مترجما بالسفارة الرومانية بالقاهرة.

شارك إدوار الخراط في الحركة الوطنية الثورية في الإسكندرية عام 1946 واعتقل في 15 مايو 1948م في معتقلى أبو قير والطور.
عمل في منظمة تضامن الشعوب الإفريقية والآسيوية في منظمة الكتاب الإفريقيين والآسيويين من 1959 إلى 1983م.
تفرغ بعد ذلك للكتابة في القصة القصيرة والنقد الأدبي والترجمة، فاز بجائزة الدولة لمجموعة قصصه (ساعات الكبرياء) في 1972م.

يمثل إدوار الخراط تيارًا يرفض الواقعية الاجتماعية كما جسّدها نجيب محفوظ في الخمسينات مثلا ولا يرى من حقيقة إلا حقيقة الذات
ويرجّح الرؤية الداخلية، وهو أول من نظّر للـ"حساسية الجديدة" في مصر بعد 1967م.

اعتبرت أول مجموعة قصصية له (الحيطان العالية) 1959 منعطفًا حاسمًا في القصة العربية إذ ابتعد عن الواقعية السائدة آنذاك
وركّز اهتمامه على وصف خفايا الأرواح المعرَّضة للخيبة واليأس، ثم أكدت مجموعته الثانية (ساعات الكبرياء) هذه النزعة إلى
رسم شخوص تتخبط في عالم كله ظلم واضطهاد وفساد.

أما روايته الأولى (رامة والتِنِّين) 1980 فشكّلت حدثًا أدبيًا من الطراز الأول، تبدو على شكل حوار بين رجل وامرأة تختلط
فيها عناصر أسطورية ورمزية فرعونية ويونانية وإسلامية. ثم أعاد الخراط الكرة بـ(الزمان الآخر) 1985
وبعدد من القصص والروايات (وإن صعب تصنيف هذه النصوص) متحررة من اللاعتبارات الإديولوجية التي كانت سائدة من قبل.

- معلومات الكاتب - نقلا عن الموسوعة الحرة - ويكيبيديا ..

Post: #2
Title: Re: رسائل لن تصل - قصة - إدوار الخراط
Author: سمرية
Date: 09-15-2010, 08:24 AM
Parent: #1


-1-

مازال تأثير خطابك شاقاً علي نفسي .
تمنيت لو لم ترسلي الىً شيئاً . الخطاب قائم بيننا لا يمكن هدمه ، لا يمكن التغاضي عنه ، لا يمكن نسيانه .
كأنما كان تادية واجب ، او ردا على مجاملة .
هناك أشياء يحسن ألا تُقال . كأنما قولها يعطيها حضوراً - او وجوداً - لم يكن قائماً من قبل .
كأنه يضع نهاية - أو عقبة لا يمكن عبورها .
قولها وحده يكشف واقعة. لا ، بل يخلق حقيقة .

هل كان افتقاد الحرارة أصلياً ؟
ام ان الرسائل - والكلمات والجمل والفقرات - بطبيعتها ، لابد أن تكون صامتة ،
لا يمكن أن تُبين ، مهما كانت - كما يقولون - ( نابعة من القلب ).

كان في الكلام سخرية غير مستحبة أيضا ، أو ما يشبهها .
هل يمكن ان تحمل الكلمات هذه الشحنة الكامنة من الاستهانة او الاستخفاف ،
وعدم التصديق أيضا ؟
أم أن هذه الشحنة كلها - هذه الشبهة كلها - من عندي انا ، وانا الذي أضعها في الكلمات المحايدة التي لا تعني بالضرورة شيئاً .

قلبي يرتجف - كالعادة - كلما أحسست ان يوم لقياك يقترب . كأنه في حقيقة الأمر حكم بالابتعاد .
ليس في اللقاء الا فصل وفرقة محددة ، عينيًة ، سقطت عنها خيوط العنكبوت الحريرية المنسوجة من الوهم والأمنية .
أهذا شوق وحنين ، أم رهبة ؟
هل ألقاك ، إذن ، رسمية ، فاترة ، مجاملة ولبقة صحيح ولكن طول الوقت أخرى ؟
أم حارة مفتوحة الذراعين متلهفة وصامتة ؟
بأنين الشوق أم بمهارة الكلام الحلو الذي لا حسم فيه ؟

الصمت المحمًل .
وإذ اكتب هذا - هل بالفعل سأرسله ؟
- فهل فيه شبهة ابتزاز لحب أسحه آفلاً عندك ، هل تميل شمسه المحرقة للغوص في صفحة بحر الغروب ،
كما يقال عادة في مثل هذه الظروف ؟

أم أنني أضفى على وصفه تحدياً ليس فيه ، على أي حال ؟
وأريد له بقاء فوق الزمن ، فوق الفجر وفوق الغسق ؟

..



يتبع

Post: #3
Title: Re: رسائل لن تصل - قصة - إدوار الخراط
Author: سمرية
Date: 09-15-2010, 09:07 AM
Parent: #2

-2-

لست محجوباً عنك الا بكـ .
في كل مرة اوعدك فيها هناك رنًة غريبة تخفف من ثقل نصٍ ، كانه ينزاح ، إلى جانب الحزن الضارب ،
إلى جانب الألم الذي سوف يأتي لا محالة ، حس توقعه ومعرفته القبلية كأنها وطأة قائمة ورازحة ، قادمة ،
غير وطأة حضوركـ التي ترتفع في لحظة التوديع ،
وفي لحظات استشراقها أيضا ، لتترك راحة الفقد ، راحة البعد ، تصوري !

أما وجودك في القلب فهو حصار مطبق ، ما أغرب ذلك !
وحرية أيضاً بلا آفاق .

مضى الزمن طويلا بلا نهاية . لم أكن أشعر بأنني على قيد الحياة - أية حياة ؟
مشهد الروح هو ساحة الكآبة .
معلقاً بخيط رفيع متوتر يوشكـ أن ينقطع في كل لحظة .
ثم عادت السعادة بعودتك.
مع نظرتك التي طالما اشتق اليها .
لماذا أحببتكـ الى هذا الحد ؟
الى لا حد ؟
لماذا ؟
أنا لا أموت .
لانه في جسد أرضك المسقية والصخرية سوف تثوي عظامي .
وبعد ذلك ؟
هل تغيرت ؟
أنهض في قبضة حلم غامض لا أتبينه ، وأسال : أين هي ؟
هل الحب قائم أم مندثر ؟
هل يخبو ويضحمل ؟
هذا غير مستغرب بل هو المنتظر .
هل تذكرين كيف كنت أمر من تحت شرفتك ، في طريقي الى البحر ، لا لشيء ،
الا لكي أخطف لمحة من وجودك ؟
ثم لا يحدث .
فأقول : ( غداً ... غداً ) .. وفي داخلي فجوة سوداء .
ثم نظرة فاترة . كأنها ، على كل رقتها ، لطمة .
وأقول : ( لا .. لا ) سأنساها .. سأكرهها ) وفي التزام ، وانا اجلس بجانبك ، تنهمر الروح وتتهاوي . مضروبه .

أراك الآن في ردائك الافريقي الصابغ بلون القهوة ، المزدهر بثمرات حوشية ، ونحن ننتظر المصعد ،
والمحيط عميق الزرقة يضرب الجدران .

جسمكـ الافريقي في كم رداء خصيب اللون ؟

قمرك الذهب يشع محصوراُ بين شوكتي القرنين الحادتين عينك المخصبة داكنة النظرة
مقنعة بأقنعة الصوان والجرانيت خلف تعاشيق التشبيك الارابيسك لا استطيع احتمال نور بقائك ، ولا النشوة .







يتبع

Post: #4
Title: Re: رسائل لن تصل - قصة - إدوار الخراط
Author: سمرية
Date: 09-15-2010, 11:21 AM
Parent: #3

رسالة أولى :-

أنا اليوم سعيدة جداً ، أحب الحياة والناس وكأنني أضحك من كل قلبي .
والناس تنظر الى ً باستغراب واعجاب . صديقتي تسأل : من المحظوظ ؟
أقول : " الرجل الذي أحب ، ويحبني ، وقد عاد الىً ، ورأيت الحب في عينيه "
قلت لنفسي أنك لم تنسني لحظة ولم يمر بقلبك ذلك الاحساس الذي تصورت أنه انتابكـ فعلاً ،
كنت أشعر في الايام الماضية أي فتور أصابك وانك قد جفوت وتنحيت
أو حتى انك تكره فيً ذلك الجانب الذي لا ترضى عنه ،
وكنت أسأل نفسي : لماذا ؟
لماذا بعد كل هذا الحب الذي تغمرني به ، لماذا بعد أن اوشكت أن تصبح كل شيء في حياتي العاطفية ؟
ثم نفيتكـ عني تماماً ، ألغيتك لانني لم أكن اتصور احتمال الألم ، بعد أن جعلتني اتعلق بك تعلقي بالحياة والنشوة والتحقق .
بعد ان اسعدتني وابكيتني وجعلتني أصرخ بين ذراعيك . طبعا لي كل الحق في مساءلتك ولكني لا أسالك شيئاً ،
ولا أطلب منك شيئاً .
فقط اعرف انك رجلي وانني إمرأتك ، هذا كل شيء ، وليس هذا أبداً بالشيء القليل ، احبكـ .
وسوف اظل احبك مهما كانت تصوراتكـ .

لعل الايام سوف تفرق بيننا . من يدري . دعنا نكن واقعيين ، ولعلني سوف أعرف رجلاً أو رجالاً غيرك .
هل يفرغك مثل هذا الكلام من إمرأة شرقية ؟
لكنك سوف تظل رجلي .
أو أنك كنت رجلي . هذا سوف يظل قائماً لا يزول .
عندما أكون معك أحس أنني لست من هذه الأرض ، وانني لك وحدك ، وحدك الا يكفيك هذا ؟!






يتبع

Post: #5
Title: Re: رسائل لن تصل - قصة - إدوار الخراط
Author: سمرية
Date: 09-15-2010, 12:04 PM
Parent: #4

-3-

قطرات دمي ، نزرة ، تسقط من على نهديك الى حضن البحر المضطرب ،
تنزلق على أعشاب طحلبه الداكنة ، الغاضبة ، الغضرة ، ملفوفة الحنايا .

جسدي مبهم ، وجسدك صخرة لدنة وناعمة تكسوها ، معي ،
طحالب حنًوي وقواقع شهوتي المفتوحة شريرة الشكل نابضة بشوق شرس .
في عمق المياه المترجرجة عيناك ، فيروزيتان ، نهمتان ، زهرتان تشتعلان بنار ذهبية خضراء صلبة ،
اليهما يغوص مركبي ، سكين مغروزة وحدها في الرمال البيضاء الشاسعة .
حبيبات القواقع الصغيرة ، مبلولة مدورة ، تلتصق بخدً المركب -
السكين بصفحة جسدها الحادة النازلة الى الموج المترقرق !
احشاؤها الصغيرة اللامعة اللزجة تخرج من الكنً تتلوى في الشمس .

شوقي إليك نصل جارح .

الشباك القديمة مازالت مرمية على شقوق خشب المركب السوداء ، جائعة وفاغرة فاها .

المحارة الفضية الساخنة مفتوحة عن رعبها ، مفتوحة عن بحرها الجهم الملتطم ،
مفتوحة عن سلافة كأنها ملحية وسكرية وحريفة لاذعة وعذبة معاً .

الدكنة المتفتقة تبض ، مل فميء بنكتار نكهة عود القرنفل الغريق !
لا تغيض ، فلن أعطش أبداً
كم أنهل ، وأعب ، من ثبج عبابك اللجيً ، ليس على شفتي الا ذرور الملح المصوح ، ويقين العطش )







يتبع

Post: #6
Title: Re: رسائل لن تصل - قصة - إدوار الخراط
Author: عصام عبد الحفيظ
Date: 09-15-2010, 03:35 PM
Parent: #5

جميل ان نتابع
وما اجمله نص


شكرا سمرية

Post: #7
Title: Re: رسائل لن تصل - قصة - إدوار الخراط
Author: سمرية
Date: 09-19-2010, 07:45 AM
Parent: #6

شكرا عصام على وجودكـ هنا ...

قرأت هذا النص منذ أعوام في مجلة الكرمل .. التي احتفظ بها مذ ذاك الوقت ..

وها انا اليوم رغبت أن تشاركوني هذه الرسائل التي اطبعها لكم مباشرة من المجلة ..

ذات الصفحات المهترئة ...

Post: #8
Title: Re: رسائل لن تصل - قصة - إدوار الخراط
Author: سمرية
Date: 09-19-2010, 10:16 AM
Parent: #7

رسالة ثانية :

شعرت اليوم أيضا بسعادة حقيقية بمجرد ان سمعتك تطلبني على التلفون ، صوتك القديم ، كله حنان ، الذي أعرفه .
لم اكن انتظر ، كنت وطنت نفسي على نسيانكـ ، على نفيكـ .
وجدت على الاقل انه من الافضل لي حقاً ان أنسى هذا الموضوع كله ، ألا أشغل نفسي به ، على الاقل مؤقتاً .
هأنذا .. أصارحكـ ، كما عودتك مني .

ذهبت بعد ذلك الى الشلالات ، في الربوة المرتفعة التي قلت لي مرة انكم بعد ظهور نتيجة التوجيهية ،
تعاهدتم فيها أن يتصل حبل صداقتكم ، وطبعاً لم يف أحد ، قلت لي ، ولا واحد ، بعهده ، وانقطع العهد بكم .
ألهذه الحكاية عندي معنى ؟
كانت الخضرة تحتي ، والسيارات القليلة تكاد تكون بلا صوت في ظهر الشتاء ،
والساعة النباتية الضخمة تدور ببطْ جدا .

قلت لنفسي : لم اعد سعيدة معه - معك - حتى لو كتمت عن نفسي ما بنفسي ..
قالت لي : ما دليلكـ ؟
قالت : يوه ، الادلة بالكوم . ومع ذلك فكل دليل له اكثر من تأويل .
أليس الامر كذلك دائما ؟

قلت : صمته ، وبرودته ، وجفوته المدة الطويلة .

قالت لي نفسي ، تطعنني : أنت قلت له أنك تحبينه ، سوف تحبينه دائما . ألم تقولي ؟

هذا الرجل قد اطمأن واستقر الى حبكـ إذن ، أكان يفعل ما يفعله الآن ، عندما كان عنده شك في حبكـ ؟

قلت : صحيح ، نحن جميعاً نحب الراجل الرزل الذي يشخط وينتر ،
يطلب طلبات لا أول لها ولا آخر ، ويتأمًر ،
ولا يظهر الضعف أو الاحتياج ، ويكتسح الواحدة في طريقه . بلا مبالاة . صحيح .
لكني أحببت فيه - فيك - الرقة ايضاً والحنو ، والحرص عليً ، حتى أكثر مما ينبغي .
قالت : والآن تشتكين ؟
قلت : أبداً .أمًا أموت ، لا أشتكي أبداً

ولكني شعرت بالراحة ، اخيراً ، بل والسعادة كما قلت لك ، عندما طلبتني ،
وكنت رقيقاً للغاية ، ومحباً للغاية ، كما عهدتكـ .

لا ينقطع العهد .
قلت لي إنكـ حلمت بلقائي في مركب تنساب على صفحة بحر هاديء ،
وانكـ نزلت من المركب مباشرة الى بيتنا ،
في شارع الشعري اليماني ، كان باب البيت - الذي اعطيتك مفتاحه -
يفتح مباشرة على رصيف البحر ،
في حلمك ، والامواج الصغيرة تصل الى عتبته .

قلت لي : كأن اللا وعي قد أفرج عنكـ ، وفتح الباب لي .
أصارحك أخيراً : هل كان حلمك شوقاً ؟
ام كان رداً على صمتي انا ، وفهما ً لرسالة يحملها البعد والغربة ؟

لن تعرف ابداً كم أحبكـ ..

..
...





يتبع

Post: #9
Title: Re: رسائل لن تصل - قصة - إدوار الخراط
Author: محمد يوسف الزين
Date: 09-21-2010, 12:00 PM
Parent: #8

عملية انقاذ لبوست فاشل

تم الرفع من صفحة 4


سمرية نوعدك بالقراءة ، جربناك في ذوقك الادبي قبل كدا وما خذلتينا


بسم الله..

Post: #10
Title: Re: رسائل لن تصل - قصة - إدوار الخراط
Author: سمرية
Date: 09-21-2010, 12:19 PM
Parent: #9

ود الزين

البوست فاشل فشل ذريع بـ عدة مقايسس ..
ولكن هناك مقياس واحد قد نجح فيه وبامتياز .. هو اصطياد اصحاب الذوق المشابه لذوقي ..
وهو المطلوب ....
موووش برضو عنوان البوست / رسائل لن تصل ، أهو في رسالة وصلت ( وش بقرقر عديل كدا )


،،،

يعني هسي انت قاعد تقرأ ... ؟!


طيب لما تخلص اديني خبر عشان أتم ليك باقي القصة ، عاد تاني الا on demand


..

نردها ليكـ في بوستن ليكـ .. هههههههههه

Post: #11
Title: Re: رسائل لن تصل - قصة - إدوار الخراط
Author: سمرية
Date: 09-22-2010, 10:28 AM
Parent: #10

(4)

زمني الآخر ، حلمي الآخر ، جسمي الآخر
كل شيء عندي آخر .
لم يكن قط ، ولن يكون ابداً ، شيء هنا ، والآن .
بل كل شيء إما منقض ، ولكنه - على دثوره - مائل غير بائد ، أو مسوًف ، مؤجل ،
ولكنه - وإن لم يات غداً بعد - قائم - يضارعني ويشغل حيزي،
الآن ، وكأنه مع ذلك وفي الآن نفسه قد مضى وانقضى .
إلأ لحظة العشق .
هذه لا زمن فيها ، لا زمن لها ، لا انقضاء ولا مآب ولا هناك مَقدِم آت .

(5)

اريد ان انقل اليك ما قراته في ( الاهرام ) بالامس ، في اليوم الاخير من هذا العام 1980 :
( انا بنت فقيرة الحال توفي والدي منذ مدة طويلة ، وتركني انا ووالدتي العجوز دون مورد رزق نعيش منه ،
اريد ان اعمل بوظيفة فراشة ، علماً بأنني حاصلة الشهادة الابتدائية عام 1965 ،
وإذا لم يمكن تعييني ممكناً ارجوكم أن تاخذوني انا ووالدتي نعيش
في اي مصحة محكومية ، او حتى سجن ، ناكل ونشرب ، بدلا من عذابنا في هذه الدنيا )

نصرة كامل حسنين الكيلاني
بحيرة - مركز ايتاي البارود
ــــــــ

اوجعتني نصرة كامل كيلاني
طبعاً
فماذا فعلت ؟
ماذا فعلت بوجعي ، وغضبي ؟
أكتب رسالة لن تصل ابداً ؟

ولماذا اتصور - يعني - انه يجب عليً ان افعل شيئاً ، على أي حال ؟
اما زلت اظن نفسي أرفع سيف النار البتار ؟ مثل ملاكي ؟
في عالم نفيت عنه الملائكة ، من زمن بعيد ؟
قد أنطفأت جذوته .
ألم تنطفيء ؟

في هذا العقد ، قال تقرير لمنظمة الاغذية العالمية والزراعة ،
ان نحو 500 مليون في الدول النامية يعانون من الجوع ،
ومثلهم في الدول المتقدمة يشكون أمراض التخمة والسمنة والاسراف في الاكل .
اما الذين سقطوا في المجاعات ، مرضى او موتي ، فهم نحو 99 مليوناً في العقد الثامن فقط .
قلت لنفسي وهأنذا اقول لكـ بلا خجل او بخجل قليل :
كأن في ضخامة الارقام وحدها ما يحبط العزم ويثلم الحس ،
170 مليون طفل أفريقي مهددون بالموت من المجاعة والقحط ،
70% من أهل أفريقيا تحت مستوى الفقر ؟
ما مستوي الفقر عند المنظمات الدولية المحترمة ، حسنة النية بلا شك - مثل الفاو ؟
كأنما هي بالاحصاءات والدراسات والمشروعات تبريء ذمة الناعمين وافري النعمة ،
كأنما تكفر عن حس بالاثم عرضي على كل حال سرعان ما ينجاب - 170 مليون طفل -
كأنما الارقام الهائلة توقف دم الوجيعة وتحول الحكاية الى مجرد شهقة استغراب.
ولماذا الارقام بالملايين ؟
ولماذا في افريقيا ؟
وهي كلها تعميمات وتجريدات احصائية ، وجغرافية ، ومصطلحات في التقارير ؟

تحت بيتنا رأيته ، هذا الصبي الفلاح الذي ما أوضح انه ياتي القاهرة لاول مرة ،
كان يبتسم ويرى الاشياء وخاصة النسوان بانبهار ،
وكان شاحب الوجه أبيض
شحوباَ شمعياً وعلى جلد وجهه ويديه نقط سوداء دقيقة وعلى شفتيه قشرة قشف .
وعيناه جافتان ، يلف رقبته بكوفية مغزولة في البيت ،
قلت لنفسي : في مصر ، في القاهرة ، بعد ثمانية وعشرين سنة من الثورة ،
فلاح عنده الاسقربوط ؟
أليس هذا مرضاًُ تاريخياً ، ما أسهل زواله ، شويه فيتامينات ؟
كم مثله لم يأتوا للقاهرة او لم يعرفوا حتى ؟
كم مثله لا ياكلون العيش لحاف كفاية ، في القرى والمدن ؟
ليس هذا تجريد ولا أرقاماً .
170 مليون طفل افريقيا يعدلون طفلا واحداً في اي مكان من الارض ، طفلا يموت من الجوع ،
، جلده الاسمر أو الاصفر الرقيق ناصل النسيج مشدود على بطنه المنتفخ المكور بسرته البارزة
عيناه غائران لامعتان وصامتتان ، ساقاه كلاعصى المثنية ، يموت وشفتاه مشققتان ، قشره نبات يابس ،
لم يعد ينتظر من العالم شيئاً ، كف عن نداء امه التي جفت ونضبت وسقطت .
طفل واحد ، 170 مليون طفل ، من ذا الذي يمكل ان يغفر هذا ؟
لا غفران ..
يا للسذاجة ، دائما يا للسذاجة !

هل تتوقف الحياة ، هل يتوقف أي شيء في أي مكان- لان الجرائم - لان 170 مليون جريمة في هذه الحالة -
ترتكب كما شأنها ان ترتكب دائما ،
وكما لا شك سوف تظل ترتكب دائما ؟
أورفيوس يظل ينوح .
قلنا ألف مرة إن موسيقى النواح تظل مضحكة قليلاً ، ولا معنى لها ، على أي حال .
كأنما لا بد أن يكون ثمً معنى .
نظل نحتمل هذه الجرائم - او هذه الوقائع - ونعيش معها ، ونحب ان نحيا، ونعرف أن نمارس عشقنا .
كأننا الى عالم سفلى سحيق !
كأننا تفر بجسدينا من رعب الجريمة الى رعب العشق ، وكأنما يصبح الجسم - جسمي وجسمك معاً -
في هذا الرعب ،
مجرد موضوع ، مجرد اداة ، مجرد شيء ، منفى بلا حياة ، بل دفعة آليه انحسرت عنه -
انفصلت عنه - روح محيية ،
واصبح وحده ، يحفزه ويحركه وينبض فيه مجرد دفق العصارات الفيزيقية ونكوصها .

الهذا كنا ننزل الى الارض ، على الموكيت الطوبي المحروق ، كانه نار منطفئة ، ونصنع الحب ،
صناعة كانها تكريس للسقوط ، كانها نزول الى ما تحت الارض .
وعندما تطبق اللحظة الاخيرة علينا كانما لها وقع الادانة ، ارتماء الجسم وهمود دون حس بالخلاص ،
بل ظمأ من لا ري له الا ماء ملح زقوم .

ألم يحدث هذا ؟
اعلى هذه النغمة نودع العام ونستقبل العام الجديد ؟
كل سنة وانت طيبة ..




يتبع

Post: #12
Title: Re: رسائل لن تصل - قصة - إدوار الخراط
Author: سمرية
Date: 09-26-2010, 02:42 PM
Parent: #11

رسالة ثالثة :

قضيت ليلة لم أنم فيها ، أفكر فيكـ وأنت تنتظرني طول الليل - كما أعرف - على التلفون - كما وعدتك ..
ما حدث ببساطة ، هو ان تلفوني قد تعطل .
ما كان يؤرقني قبل كل شيء ، أنك كنت تطلبني طول الليل ، اعرف هذا ، وان تلفوني لا يرد ،
فأية هواجس وأية اوهام لم ترد على ذهنك ؟
في حوالي الثالثة صباحاً كنت قد وصلت الى قرار بأنك قد اصطنعت لنفسك
من الحجج والتعلات ما فيه الكفاية حتى تكرهني كراهة الموت ،
وحتى تعذب نفسك ، بلا مبرر ، بلا داع .
حرام ، ياحبيبي ، لأن الحياة أقصر من أن نملك حق اهدار اللحظات التي لن تجيء مرة اخرى .
الجو في الاقصر مشمس وجميل حقاً ،
هذه الاستراحة التي تطل من ربوتها العالية على غوامض وأسرار وادي الملوك ،
ولكنني لم أروض نفسي بعد على قبول منفاي
الاختياري هنا ، حتى مع الترقية وكل المغريات - لا يذهب ذهنك الى شيء -
أحس نفسي بعيدة جداً عن بيتي - بيتنا ؟
وعمن أحبهم .
على الرغم من كل الاثارة والكشوف التي ينتظر ان يتمخض عنها موقع الحفريات الجديدة ،
أحس أنني أترك من أحبهم .
والليالي هنا باردة جدا ، بكل المعاني .
الى حد أنني أفكر بجد في طلب النقل والعودة الى القاهرة .
الايام تطير ولسنا معاً
الشهور تتلاحق وانا لست بالقرب ممن احب .
السنوات تمضي ، في الوحشة ..
ما الذي يستحق هذا كله ،
لم أعد اجد متعة في البقاء هنا .
والايام - على الرغم من كل شيء -
تكتسي بمسحة من الرتابة الخاوية - ولا أكاد اتطلع - حتى - الى مجيء يوم جديد - ماذا افعل بالايام الجديدة ؟
ماذا أفعل بالايام الآتية ؟
الهذا كله نبرة مقبضة اكثر مما ينبغي ؟
آسفة .
أفتقدك بعمق ، أفتقد احاديثنا ، وأفتقد - حتى - ما يشبه خناقاتنا ..
توحشني دماثة لمستكـ ، ورقة حبكـ ..
أحزنني جدا انك لن تستطيع المجيء ، اليً قريباً ، على قرب المسافة .
اما من طريقة ليري أحدنا الآخر ، في مكان ما ، في زمان ما ؟
احبك أكثر مما سوف تعرف ابدا ، وهذا ايضا حرام .

.....

يتبع