وظيفة الأدب

وظيفة الأدب


03-15-2004, 06:32 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=346&msg=1190090359&rn=0


Post: #1
Title: وظيفة الأدب
Author: mustafa mudathir
Date: 03-15-2004, 06:32 AM

كتبوا في دا كتير، ناس كتار
لكنني وصلت لصيغة لهذه الوظيفة أقل آثارها أنني نمت بعمق ليلة الأمس!
الأديب يحاول أن يحدث فيك نفس الأثر الممغنط الذي أحدثه فيه أديب آخر، في يوم آخر!
شوف ليك غاية بسيطة يسهر الأديب من أجلها!
زمان و أنحنا صغار، في أم درمان في الخريف، كنا بنتلمس الحيط بحثا عن ذلك الحائط الفيهو ماس (كهربا)
ودايما يكون هناك واحد حائط مكهرب.
أها بعد تلقى الحائط و تستمتع بالكهربا بتكون عايز زول بتعرفوا يجي ماري عشان تنقل ليهو أحساسك!
ابراهيم أصلان موظف البريد الوسيم الهادي، في روايته عصافير النيل (مسبحة أنيقة من القصص القصيرة) هو السبب في هذه الألتفاتة (البسيطة) لوظيفة الأدب!
مصطفى مدثر

Post: #2
Title: Re: وظيفة الأدب
Author: essam&amal
Date: 03-15-2004, 09:54 AM
Parent: #1

يا الاديب وسليل الادباء والشعراء
ادينا حاجات حلوة زى دى عليك الله نرتاح معاها شوية 00
وخلينا من ود ام زقدة والتانية ديك ويق ويهو ولا شنو ما عارفة ؟
وتسلم يا ابو طارق 000
امال
ام وضاح

Post: #3
Title: Re: وظيفة الأدب
Author: bayan
Date: 03-15-2004, 11:39 AM
Parent: #2

سلام يا مصطفى

النتفشر حبة مرة اختارونى من ضمن 100 فنان من جميع انحاء العالم
عشان فى خمسة سطور نكتب عن وظيفة الادب
فأنا كتبت (فى بلد مثل بلادى تحكم بالسيف والترهيب يتحول الادب الى سلاح للمقاومة ويعطى صوت لمن لا صوت له الخ لخ لآخر الخمسة سطور)

اها كيف ليك مش مسقفة وفنانة

Post: #4
Title: Re: وظيفة الأدب
Author: essam&amal
Date: 03-15-2004, 12:59 PM
Parent: #1

والله مثقفة وفنانة عظيمة
يا بيان يا ملكة
ودى فرصة ارد على احد بوستاتك انك معلمة الله من
زول بحبك فى البورد ما تظلمينا كدة عليك الله
والله بنحبك موووووووووت
عذرا يا ود شيخ مدثر انحرفنا يمين شوية ولا اقول
ليك خليها يسار هاهاها

امال
ام وضاح

Post: #5
Title: Re: وظيفة الأدب
Author: mustafa mudathir
Date: 03-15-2004, 06:31 PM
Parent: #4

الكتابة مرات بتكون ونسه ساي. زقدة و لا غيرها. ونسة!
و لا يعني لازم علي أكتب بجدية و بس.
سأعود يا بيان لسطورك الخمسة. أمكن تنفع ; زي الفكة، مرات!!
سأعود لكم بعد ما أرجع من الشغل.

Post: #6
Title: Re: وظيفة الأدب
Author: bayan
Date: 03-15-2004, 07:17 PM
Parent: #5

مصطفى سجم خشمى انت زعلتا منى؟؟!!!

Post: #10
Title: Re: وظيفة الأدب
Author: bayan
Date: 03-16-2004, 10:20 AM
Parent: #4

Quote: ودى فرصة ارد على احد بوستاتك انك معلمة الله من
زول بحبك فى البورد ما تظلمينا كدة عليك الله
والله بنحبك موووووووووت


يا سلالالالالالالام على جبر الخواطر
شكرا ليك والشعور متبادل

تعالى نحتل البوست دا

Post: #7
Title: Re: وظيفة الأدب
Author: حسن الجزولي
Date: 03-15-2004, 09:36 PM
Parent: #1

والله يامصطفى ياخوى محنك محن .. يعنى أنحنا ناقصين من عمايل سجيمان يقوم البورد ينتجك انتا كمان ؟! .. بمناسبة الادب دى .. مجموعتك القصصيه وصلت لى وين ؟!

Post: #8
Title: Re: وظيفة الأدب
Author: mustafa mudathir
Date: 03-16-2004, 06:14 AM
Parent: #7

Y bayan

I am not angry I just wanted to read your lines on the function of literature.
Sorry I can't write in Arabic tonight. Mazaj Kida!!!

Hassan Kaifak

You can read my Previous answer to Bayan to know what I mean

The book is going OK. Soon!!
I will come back in Arabic !!
And in colors!!!
Argodo
Afiya

Post: #9
Title: Re: وظيفة الأدب
Author: bayan
Date: 03-16-2004, 10:18 AM
Parent: #8

الحمدلله والشكر لله الله لا جاب الزعل
اها طبعا كلام ناس بلاد برة دا مابنعرفو ننتظرك لما تحكى عربى
شكرا

Post: #11
Title: Re: وظيفة الأدب
Author: essam&amal
Date: 03-16-2004, 02:18 PM
Parent: #1

الحبيبة بيان
نحتله ابوه ذاتو
رأيك شنو لما يرجع مصطفى يلقانا خلاص البوست بقى حقنا
انا وانت 0 واصله لو جيتى للحق زعلان منى انا امكن عشان
قلته ليه ريحتنا من ود ام زقدة هاها ها 0
لو زعلان يا مصطفى انا ما بزعل
انت لو مبسوط يا سيدى بالاكتر
اها عملت ليك غنوة 000
بيان عندى بهناك نيمة حلوة ما زرتينا فيها رغم اننا سألنا
منك يا ظريفة يلا انا وانت نحتل البوستات بالدور 0
امال
ام وضاح

Post: #12
Title: Re: وظيفة الأدب
Author: mustafa mudathir
Date: 04-11-2004, 07:39 PM
Parent: #11

أعود بعد غيبة لجذر هذا البوست ، وظيفة الأدب، وأختار مقاطع منتزعة
من سياق الرواية، عصافير النيل، و قادرة على الوقوف كقصص قصيرة
لا تحتاج الى اثبات نسبتها للرواية و تملك بالتالي طاقة امتاعية عالية
متفردة.
يسمح بالتخريمات، على فكرة!!!!

Post: #13
Title: Re: وظيفة الأدب
Author: mustafa mudathir
Date: 04-11-2004, 11:29 PM
Parent: #12

Up until my scanner works!!

Post: #14
Title: Re: وظيفة الأدب
Author: mustafa mudathir
Date: 04-12-2004, 08:03 AM
Parent: #13

بؤس ذلك اليوم النفسي جعلني أهرع للكتاب الذي اشتريته من معرض
كتاب سوري بائس هو الآخر.
ابراهيم أصلان دائما أراه من قفاه، موظف متعب خارج من وردية
على خلفية من شظايا موسيقى كونية !!
هذا حقيقي !
وعليك ألا تبخس الموظفين المطحونين قدرهم من قسمة العبقرية!
قررت أن أبدأ بالصفحات الأخيرة ، من عبثية البؤس!
سأجد ترياقا لنزيف البؤس!
خد!
وجدت الجدة
The grandmother

Post: #15
Title: Re: وظيفة الأدب
Author: Osman Hamid
Date: 04-12-2004, 04:58 PM
Parent: #14

العزيز مصطفى مدثر
الأعزاء المشاركين,
سلامي ومودتي العميقة,,,,,,
عنوان البوسط شدّني., ووقفت عنده, وللوهلة الأولى, هاجرت أليّ, دلالة العنوان, وأخذتني لذكرى حوار, وسجال قديم لكنه متجدد. هو هكذا عارياً :
هل فعلاً للأدب وظيفة خارج سياقاته, وعناصر منطقه الداخلى كأدب؟ أعنى الوظيفة بحمولاتها السياسيّة, والاجتماعية. على أن هذا السؤال المتجدد لم يحظى بحوار كافٍ وعميق. برغم من أنه اثير كثيراً من قبل كثير من المفكرين, والنقاد, وقطعاً لن تفوتك اسهامات غرامشي, في هذا الخصوص, وايضاً مقالات فيصل دراج النيّرة, والتى قام بتجميعها لاحقاً في " الواقع والمثال".
أو ...
ربما أنك لم تقصد ما رميت اليه أنا, لأنيّ لم ألاحظ انك تتجه لهذا المنحى.
ولكن هذا لايمنع من حوار كهذا, ان كان ذلك ضمن مضوعك في هذا البوسط" الثميت"
مع فائق حبى
عثمان حامد

Post: #16
Title: Re: وظيفة الأدب
Author: mustafa mudathir
Date: 04-17-2004, 06:47 PM
Parent: #15

عندما انحني "الافندي"عبدالفتاح ليفتح طبلة دكانه الوحيدة سمع حاج نقش يحدث أحد المارة:
ـ داير سجاير؟ أمشي قدام. ما تشتري من دا. دا سجايرو قديم!
التفت الأفندي لحاج نقش الجالس أمام باب منزله صباح تلك الجمعة.
ـ الحسادة شنو ياحاج؟
ـ ياخي سجايرك قديم وصلصتك قديمة والببسي بتاعك ذاتو عتت. نكضب
يعني ؟ انت ياخي دكانك دا بتفتحو مرة في الاسبوع!
---------
كدا كفاية! والعايز يتمها يتفضل

ويك أند آخر!
نواصل نشر نماذج من ابراهيم أصلان كبداية في طريق التمكين لوظيفة
الادب الذي نأمل أن يقودنا الى تجميع النصوص القصصية الجيدة سودانية
أو غيرها. في- هناـ ركن القصة!
سأرد عليك يا عثمان حامد بعد نص الجدة!!

Post: #17
Title: Re: وظيفة الأدب
Author: mustafa mudathir
Date: 04-17-2004, 10:56 PM
Parent: #16

مدت الجدة يدها الى جوارها، فأمسكت بمداسها القديم.
وضعته في قدميها، ومشت في الطرقة الطويلةالمنخفضة عن مستوى الأرض،
توقفت عند الباب المفتوح، وصعدت.
داهمتها شمس النهار.
جفلت.
غطت فمها بطرحتها الخفيفة السوداء، و مدت قدمها الى فضل الله عثمان(1).
بدأت تخطو لكي تذهب الى نرجس في بيتها القريب ناحية الشمال،
تحسست الورقة المطوية في جيب جلبابها الجانبي،
فكرت أن تشتري شيئا و لا تذهب بيد خالية،
اعترضتها جلبة احدى عربات الكارو، فالتصقت بالجدار خائفة على نفسها،
واستدارت مع الحمار حتى مرت العربة وابتعد االخطر،
وواصلت مشيها، بعدما تغير اتجاهها،
دون أن تدري.

(1) أسم حي في القاهرة

Post: #18
Title: Re: وظيفة الأدب
Author: mustafa mudathir
Date: 04-17-2004, 11:51 PM
Parent: #15

الصديق القاص عثمان حامد
شكرا لمداخلتك.
أعتقد أن الأدب زيه وزي الموسيقى والتشكيل غرضه المتعة بالمكان
الأول يعني لا أفهم كيف لنغمة أن تفعل في الروح غير ما تفعله نغمة!
مسألة توظيف الأدب دون ابتذاله ممكنة لأن الأدب واحد من مرجعيات
البشرية.
وكذلك شئ آخر تماما مسألة توظيف مهارات الكتابة و (الصنعة).
الأديب صنع الله ابراهيم في روايته وردة كتب رواية بقدرات هائلة في
البحث وفي الهيكلة ولكن على حساب الأمتاع الفني!
فالرواية غير ممتعة في نظري
وظيفة الأدب هي الأمتاع وماعدا ذلك فهو ضرب من أضراب الكتابة.
بالمناسبة قرأت قصتك الأخيرة وأديتها 3 نجوم!!!

Post: #19
Title: Re: وظيفة الأدب
Author: mustafa mudathir
Date: 04-18-2004, 09:22 PM
Parent: #1

لمبة
ــــ

" ياريتك يابوعبدة لما أموت، توصل لي سلك بلمبة في التربة."
" ازاي الكلام ده؟"
" تعرف، ولو أسبوع واحد."
البهي عثمان كان أول مرة يسمع فيها كلاما بهذا الشكل. وقال:
" دي تضرب ياولية."
نرجس قالت:
" أبدا. والنبي ما يجرى لها حاجة."
البهي عثمان سكت و تهيأ له أن اللمبة لن تضرب. وفكر بينه و بين نفسه: " صحيح ايه اللي يخليها تضرب؟" لكن عقله راح ناحية الملكين و هل يصح الحساب في نور لمبة الكهرباء أو لا يصح. واستغفر ربنا و هرش رجله اليسرى، وبدا له أن الموضوع غريب في نوعه، وغادر الكنبة و أتى بعدة الشاي، وابور السبرتو، و البراد الأزرق، والأكواب.
نرجس رجعت تقول انه يستطيع أن يأخذ وصلة سلك من عبد الخالق الحانوتي، و يشتري لمبة و لو خمسين شمعة، مثل التي في الحمام، و دواية: " يعني عمرها ما تكلف خمسين قرش و لا يمكن أربعين. تعرف و لو أسبوع واحد، لغاية ما آخد على الضلمة."
أبو عبده وضع السكر في اكواب وهو يقول في سره:
" وصلة ايه يا خويا و سلك ايه؟" و فكرفي أن السلك بعد تركيبه في المقبرة لا بد يردم عليه، وبعد أن يردم عليه يخرجه من تحت الأرض في الناحية الثانية من الطريق، و يصله بالفيشة عند عبدالخالق الحانوتي. و طبعا ممكن يتعرى من الرطوبة و أي واحد يدوس عليه و يتكهرب: " ده يموت و تبقى دوشة."
و أشعل وابور السبرتو. وضع عليه البراد الأزرق، و مد لها يده بعلبة الكبريت.
طلب منها أن لا تضيعها هذه المرة!

Post: #20
Title: Re: وظيفة الأدب
Author: Osman Hamid
Date: 04-18-2004, 11:21 PM
Parent: #19

العزيز مصطفي مدثر.....
سلام,
وشكراً علي ردك حول وظيفة الأدب, الذي أراحني, وسوف اتفق معه, أو ربما اتفقت مع أغلب ماجئت به.
ويبقي أن نسمع راي كثير ممن لهم هم, حول موضوع الأدب وأسئلته الحارقة.
شكراً حول ملاحظتك حول النص القصصي,
ولكني لا أعرف اي واحد في النصوص تعني, لأن هناك نصوص عديدة أخرها :

هناءَ القلب, الي القلب. نص قصصي جديد
أنا بالطبع يهمني راي الأصدقاء, وتحديداً, في هذا النص الأخير, لأنه القريب الي قلبي.
ودمت
عثمان حامد

Post: #21
Title: Re: وظيفة الأدب
Author: mustafa mudathir
Date: 04-19-2004, 02:07 AM
Parent: #20

أقصد هذا النص، هناء القلب وأعيد نشره هنا احتفاءا به!

هناءَ القلب ، إلى القلب


قفزتْ بنشاط إلى داخل الحافلة مع صديقاتها. كان منغمساً لحظتها في حوار باهت وعادي مع أحد الركاب العاديين، حول سعر التذكرة والزيادات الأخيرة، التي حددها أصحاب الحافلات الصغيرة على نحو مباغت. على كلٍ هو لا يملك إجابة محددة لهذه الأسئلة وتلك الاحتجاجات التقليدية المحفوظة لديه، علاوة على عدم مبالاته- فعلاً- بمثل هذه النقاشات الميتة.
قفزت هي الي الداخل, مزفوفة بباقة من الصديقات. لم يعرها في بادئ الأمر إهتماماً، غير أنّ عطراً خاصاً ونفاذاً قد غازل أنفه: عطراً نادراً لم يألفه من قبل وسط ركاب هذه الحافلة. ركاب محمّلين بأكياس مكدّسة بالخضار نصف المهترئ وفواكه ليس من بينها التفاح والعنب على أية حال. عطراً لم يألفه منذ أن عمل سائقاً في خط السوق / حي الميناء، وهو من أفقر الأحياء بالمدينة. حيُ يزكم أنفه بالمناظر القذرة، ومياه البالوعات النافرة والمتدفقة على الدوام، فوق ظهر الشارع المخدد بالحفر والنتوءاَت. هذا بالإضافة إلى كلمات الركاب البذيئة، وشتائمهم المتلاحقة بشكل يومي، ذلك حينما يتعلق الأمر بطلبهم التوقف في المحطات المفتعلة. فلكل راكب محطته الخاصة به, ( يسميها هو بالمحطات المزاجيّة ).
إحساسه باللاجدوى يجعله متفهماً لكل ذلك ومستسلماً له، مادامت حياته مدججة بالرتابة والانتظار المبلل بالقلق. إنه ثمة انتظار ما، ثمة أمل يقبع هناك. أحلامه هي الحاضر الوحيد في هذا المشهد البائس. إذ هو لا يملك إلا أمنياته وأحلامه الصغيرة المنثورة في فضاء روحه المنهكة، فهي طاقته الوحيدة التي يخترق بها أحزانه وهمومه الجمّة.
قفزت إلى داخل الحافلة، وأنتبذت لنفسها مكاناً وسط صديقاتها/ العصافير ، في مؤخرة الحافلة. لم يمضِ وقت طويل على جلستها تلك ، حتى تحركت من مقعدها وتقدُمت بإتجاهه في مقعد القيادة ، لتسأله بأدب واضح وهمس شفيف، كأنها تخاف أن تخدش سكون الركاب المتعبين، ذلك السكون المهدود بالتعب والهموم البائنة. سألته بهمس كمن يدلق سراً جليلاً :
- لو سمحت! الحافلة دي بتمشي بشارع الصهريج ؟.
إلتفتْ إليها مستديراً بوجهه ناحيتها قليلاً, ويده ماتزال ممسكة بتراخٍ وكسل، على عجلة القيادة. وفجأة جنُ جنونه، وانسكبت روحه وفاض جسده عرقاً، حينما رآها هكذا كالوردة متفتحة بجانبه. إنها هي بكامل طلعتها وإشراقها.
ردُ عليها بإضطراب وتأتأة :
- أيوة ......... أيوة بتمشي !
- طيب ممكن تنزلنا هناك مع نهاية الشارع, قبل الفرن ؟.
- أيوة جداً جداً !.
رجعت هي مكانها في مؤخرة الحافلة، بينما ظلُ هو مشدوهاً ومحاصراًً بحالة هي مزيج من النشوةِ والإثارةِ والخوفِ.
فتاة بطعم العشق. كانت تضع على أنفها زماماً صغيراً من الفضة، "نفس الزمام الذي أضافه لها في خياله لاحقاً.", معقوفاً ومتدلياً بحذر على يسار أنفها كأنه يود تقبيلها، بل كأنها ولدت به لتبدو هكذا .هناءَ. مكتنزة الروعة والألق. كانت تلبس بطريقة هادئة، وبسيطة، ووضعت على كتفها طرحة شفافة، منزاحة عن رأسها كثيراً ، بالشكل الذي يجعل جزءاً من شعرها هارباً، ومتمرداً لينسدل برفق فوق الطرحة.
قال مازحاً، ذات مرة، لصديقه مأمون:
_ تصور يا مأمون شكل هناءَ, "وهو الاسم الذي ابتدعه لها من عنده " من غير زمام !. أعتقد أنها ستؤول إلي إنسانة أخرى، شقاءَ – مثلاً – أو قل...., قل أيّ واحدٍ من فوضى تلك الأسماء, الرائجة هذه الأيام. لأن هذا الجمال والبهاء "الزمامي" ، خلقت عليه لتبدو هكذا. هناءَ من غير سوء. ما أروع إكتمالها وتفجّرها!.
وبما يشبه التندُّر واللامبالاة ، ردّ عليه مأمون:
- سيبك بالله من هذه الأوهام، وخليك واقعي قليلاً. ثم إنك بهذا التحوير تُسِئُ إليها بطريقةٍ ما، انها مداعبة فجّة, إن كنت لا تدري.
- قاطعه متهكماً:
- قل ولاءَ ياخي, حتى لاتزعل, إن كان إسم شقاءَ هذا يزعجك.
- . لقد حَيرَتَني بهذه "الهناءَ" . إنها فتاة من الخيال دماً وروحاً، وإسماً. إنها أسطورة من وحي أوهامَك التليدة، علاوة على أنِيّ لا أملك الوقت الكافي لمثل هذه التُرهات، والخُرافات، أعترف لك بأنيّ محب واقعي وأموت في عشق الفتيات الواقعيات.
- بس، إنت يا مأمون لم تساعدني في التعرّف عليها بشكل جيد. إسمها، تلفونها أو عنوان سكنها، صديقاتها، يعني .......
- ياأخي : أنا لم أر في الحفل إنسانة بكل هذا الوهج وتلك المواصفات المدهشة. هناك المئات اللائي تردَدَن على الحفل في ذلك اليوم. وكل الذين سألتهم – أنت – عنها, لم يتعرّفوا عليها بأي كيفية من الكيفيات، ربما لأن المعلومات التي ذكرتها عنها غير كافية، بل لأن نصفها في رأسك أنت فقط، في خيالك. هكذا أنت دائماً، تشتتني بهذه الأفكار المشَوّشَة وتزحمني بطريقتك العجيبة في مزج الأشياء والأفكار وتركيب علاقاتها كيفما تشاءَ.
- أظنني رأيتها ذات مرة، بكافتيريا كليّة التمثيل والإخراج، عندما كنت أذهب هناك، لتوصيل مجموعة من الطالبات، أو ربما ......!
لم يعرفْ كم من الوقت مضى على هيامه وإرتباكه ذاك، ليكتشف أنها ستغادر الحافلة – بالطبع – بعد قليل، وربما لن يراها إلى الأبد. وهاهو ذا شارع الصهريج, لم يتبق عليه إلا بعض الوقتِ. إذن كيف يدعها تختفي بكل هذه المجانية والسهولة, وهي التي هبَطَتْ عليه – للمرة الثانية – وكأنها هديّة من السماء!. فهو في حقيقة الأمر, قد رآها للمرة الأولى في حفل زفاف شقيقة مأمون، قبل أكثر من عام. رآها بشكل خاطف وسريع,عندما كانت تَهِمُ بالذهاب من الحفل. ولأنها كانت تجلسُ في مكان منزوٍ، وغير بائن شكلها بالكامل، فلم يتمكن من رؤيتها بطريقة جيدة. إلا أن ضوءاً خافتاً، قد تسرب إلى جزءٍ من وجهها، فانبلج كلوحة عريقة لمصور فوتوغرافي بارع وأصيل. ومنذ تلك اللحظة، تأكد له أن هناك شيئاً غامضاً وأخّاذاً قد تسلل إلى نفسه. فهتف في سره: يالها من إنسانة غير عابرة ! إنها متوطنة في مكان ما في حديقة الروح.
فكّر في داخله عميقاً: "كيف لي أن أدعها تفلت هكذا، من غير أن أعرف طريقاً يقودني إليها أو خيطاً يؤكد لي بأنّي سأراها، ألتقيها لأقول لها: أنها أنتِ. هنـاءَ. أنت التي تجئينني من رحم حياتي المكدسّة بالفشل, والحماقات والتفاهات. تنبتين فيّ كالشمعة من صلب خيالي وتوقي، بملامحك المغسولة بموسيقى الألق والنقاء، لتعبثين بي ما شئتِ, فهلا أخذتيني إلى حيث ملكوتك الدافئ, يا مدى البحر وأفقي.
كيف لي أن أدعك تذهبين هكذا، وأنت تُعبِقين خيالي وحلمي بحضورك المشاغب دوماً! أيّ حيُ هذا الذي يحتضنك ؟ هذه الأحياء المفعمة بالحياة، تلك التي تخبئ في باطنها الكنوز البشرية والأسرار العتيقة والفتيات المدهشات مثلك. إنها قطعاً من حي السرايا، لأن هذا الوجه الملائكي، وذاك العطر النفّاذ، لم آلفهما طوال ثلاث سنوات، هي عمري الذي عملته بهذا الخط. لماذا لا أعمل في خط السرايا / السوق؟ ، ربما هي من حي الميناء نفسه!. إذن من الأفضل أن أقترح على نفسي خطاً دائرياً ؛ وهذا ليس مجازاً؛ ألم يقل لنا أستاذ الهندسة التحليلية بالمدرسة الثانوية أن الخط المستقيم نفسه آيلٌ إلى دائرة، في نهاية الأمر, شأنه في ذلك شأن كل خطوط الكرة الأرضيّة؟, مع أنيّ لم أكن أفهم في ذلك كثيراً. والحق أنيّ كنتُ لا أستسيغ مدرس الرياضيات, ربما لهذا السبب كرهتُ كل ماجاء به. ياالله........ وماعلاقتى أنا بهذه الفلسفة وكل هذه التعقيدات والحزلقة الطائشة . إذن سأقترحُ على نفسي خطاً دائرياً يجوس المدينة من كل الإتجاهات, من الشرق إلى الغرب, ومن القلب إلى القلب."
لم يتبقَّ من شارع الصهريج غير دقائق، وهو مبعثر، مضطرب، وعشرات الحيل والأفكار تتقافز برأسه، من غير أن يقتنع بوجاهة إحداها. جميعها تتمركز حول فكرة رئيسية, حميمة , واحدة: كيف له أن يضمن بقاءها داخل الحافلة، مزيداً من الوقت، حتى يتسنّى له حبك خيط يجاذبها به أطراف الحديث ويتعرف به عليها.
فكّر – مثلاً – في أن يعطل محرّك الحافلة لبعض الوقت، ليدّعِي محاولة إصلاحه, أو أن يختار طريقاً آخر ملتوياً وأطول. تأكد في داخله مليّاً أن كل هذه الحيل الهشة والماكرة، لن يكون لها – في الحقيقة – تأثير وجدوى، من غير معرفته المسبّقة بها. أي أنها ستذهب أدراج الحسرة والخيبة المتجذران في داخله منذ أن تَفَتَّح على معنى الحياة. أحسّ بالدوار والغثيان، وفوضى عارمة قد دبّتْ في جسده، كأنّ أوصاله قد تفككّت، أنتابه إنهاك مفاجئ كحالة من ينتظر حدثاً إستثنائيّاً ومهماً في حياته، نَسِي عالم الركاب والحافلة, شعر برغبة ملحة في الذهاب إلى أقرب مرحاض !. وبينما هو في حالته تلك، مسمّراً على عجلة القيادة، صاحتْ هي وصديقاتها من مقاعدهن في مؤخرة الحافلة:
- بالله نزّلنا هِنا . هِنا.
وأردفتْ هي:
- شكراً يا أخي، نحن خلاص وصلنا.
نزلتْ صديقاتها أولاً. قفزتْ كل واحدة منهنَّ خارج الحافلة كسربٍ من الفراشات في كرنفال السحر والجمال. ونزلتْ هي.
نزلتْ واختفتْ عن نظره فجأة – ربما إلى الأبد – في غابة الزحام، وحقيقة الواقع ومراراته. بينما ظلّ هو فاغراً فمه، ومسمّراً على عجلة القيادة.
عثمان حامد: أمستردام 2004

ـــــــــــــــــــــــــــ
نواصل

Post: #22
Title: Re: وظيفة الأدب
Author: mutwakil toum
Date: 06-15-2004, 02:04 PM
Parent: #21

up

Post: #23
Title: Re: وظيفة الأدب
Author: mustafa mudathir
Date: 06-24-2004, 11:56 PM
Parent: #1

أحاول أستعيد هذا البوست الذي ضاعت أهم مداخلاته
أثناء حملة الاصلاح التي قام بها الأخ بكري أبوبكر
وأتمنى أن يتفرغ هو لأستعادة ما ضاع من السيرفر
القديم
وأرحب بكل من أدرك أهمية وجود ركن للقصة الجيدة
سودانية او غير ذلك

Post: #24
Title: Re: وظيفة الأدب
Author: Hussein Mallasi
Date: 07-06-2004, 01:10 PM
Parent: #23

فوق ....


و عسى ان تكلل المحاولات بالنجاح.

Post: #25
Title: Re: وظيفة الأدب
Author: mustafa mudathir
Date: 07-06-2004, 07:07 PM
Parent: #24

شكرا يا ملاسي وكان عندك قصة تود نشرها هنا فالبيت بيتكم

Post: #26
Title: Re: وظيفة الأدب
Author: عاطف عبدالله
Date: 07-06-2004, 10:06 PM
Parent: #25

فعلا مصطفى هذا البوست ضاعت ملامحه ..شخصيا لي فيه أكثر من سبعة مداخلات فقدت جميعها من ضمنها دراسة للأستاذ معاوية البلال بعنوان قراءة في استراتيجية المكان في القصة السودانية الحديثة
هل يمكن أستعادت هذا البوست كاملا؟؟

Post: #27
Title: Re: وظيفة الأدب
Author: mustafa mudathir
Date: 07-10-2004, 02:13 PM
Parent: #26

كيفك عاطف و كيف المدام و العيال
والله يا خي أنا في حيرة و ما عارف أشتكي لمنو
وكمان ما قادر أواصل في اليوست!
هناك عمل هام أنوي انزاله في بوست منفصل و لكن
مسألة ضياع المداخلات محبطاني تماما
و بكري ما هنا و ما قدر يعمل حاجة و غايتو!!
المهم هنا أن الدعوة مفتوحة لكتاب و عشاق القصة
القصيرة انهم يكتبوا ما يشاءون (مما له علاقة بالقصة)
و لك فائق المعزة و الشوق