دار الوثائق القومية السودانية: إرث تليد ... ومقر جديد أ.د. أحمد إبراهيم أبوشوك

دار الوثائق القومية السودانية: إرث تليد ... ومقر جديد أ.د. أحمد إبراهيم أبوشوك


01-19-2007, 02:05 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=3&msg=1169168711&rn=0


Post: #1
Title: دار الوثائق القومية السودانية: إرث تليد ... ومقر جديد أ.د. أحمد إبراهيم أبوشوك
Author: Ahmed Abushouk
Date: 01-19-2007, 02:05 AM

دار الوثائق القومية السودانية
إرث تليد ... ومقر جديد
أ.د. أحمد إبراهيم أبوشوك

في التاسع عشر من ديسمبر عام 2006م تسلَّم الأستاذ كمال عبد اللطيف، وزير الدولة برئاسة مجلس الوزراء، الدفعة الأولى من وثائق دار الوثائق القومية السودانية، لتُودع بمقرها الجديد بشارع السيِّد عبد الرحمن، فلا عجب أن اختيار هذا اليوم فيه تثمين لتاريخ إعلان استقلال السودان من داخل البرلمان عام 1955م، ووجود الدار مصادفة بشارع السيِّد عبد الرحمن فيه تقدير لصاحب السرايا التي آوت دار الوثائق القومية أكثر من ثلاثة عقود من الزمان، بالرغم من ضعف تأهيلها التقني وتصميمها العمراني. وتشغل مستودعات الدار الجديدة مبنًى حديث الصنعة العمرانية، يتكون من ثلاثة طوابق رئيسة، ذات إعداد فني وتقني عالٍ، مزودة بكل احتياطات الأمان الخاصة بحفظ المعلومات والوثائق. وتسع هذه المستودعات نحو 120 مليون قطعة وثائقية، مصحوبة بمركز تدريب وثائقي حديث، وقاعة اطلاع إلكترونية للباحثين والقُراء، وشبكة عنكبوتية تربطها بالجامعات ومراكز البحث العلمي. فلا غرو أن هذه النقلة النوعية لها دلالاتها المهمة التي تدفعنا لتقديم قراءة تحليلية للإرث التاريخي التليد الذي تدثرت به هذه المؤسسة العريقة، من حيث النشأة والتطور، والكفاءات الإدارية التي أسهمت في تأسيس صرحها المعلوماتي، وطبيعة الوثائق التي تحملها بين ظهرانيها، والدور الذي ينبغي أن تتصدى له في عصر العولمة وتقنيَّة المعلومات.


دار الوثائق القومية: النشأة والتطور
تعد دار الوثائق القومية السودانية من أقدم دور الوثائق في المنطقة العربية والإفريقية، وأعرقها إرثاً وثائقياً وكفاءةً مهنيةً، فهي من حيث الأقدمية في المرتبة الثانية بعد دار الوثائق المصرية، إذ يعود تاريخ إنشائها إلى عام 1916م، عندما شرعت إدارة الحكم الثنائي (1898-1956) في جمع الأوراق المالية والقضائية وأرشفتها، ثم تطورت هذه الخطوة في تأسيس مكتب محفوظات السودان عام 1948م. وبعد الاستقلال تشعبت مهام مكتب المحفوظات، ونمت لتواكب إعادة هيكلة مؤسسات دولة السودان الحر المستقل، وتساير تصاعد الوعي الفكري حول أهمية الوثيقة في دراسة جذور المشكلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. وفي إطار هذا التوجه برزت شخصية الدار الاعتبارية، وذلك بصدور قانون دار الوثائق المركزية لسنة 1965م، الذي بموجبه عُدل اسم مكتب محفوظات السودان إلى دار الوثائق المركزية، وحُددت مهام الدار واختصاصاتها، والضوابط التنظيمية التي تحكم حركة الوثائق فيها، وتوضح مصادر اقتنائها، وكيفية الحصول عليها من المؤسسات الحكومية والأكاديمية والأفراد. وفي عام 1982م عُدلت مفردات القانون، وبموجب ذلك التعديل أضحت الدار هيئة ذات شخصية اعتبارية تُعرف بدار الوثائق القومية، وتُدار بمجلس قومي يرأسه الوزير الذي يسميه رئيس الجمهورية (أو رئيس الوزراء)، وجهاز تنفيذي يتصدره الأمين العام ونائبه ومساعدوه في الإدارات التالية: إدارة الوثائق الحكومية، وإدارة المحفوظات، وإدارة البحوث، وإدارة الشؤون الفنية (الصيانة والترميم)، وإدارة العلاقات العامة والتدريب، وإدارة الشؤون المالية والإدارية.

وفي ضوء هذه الطفرة الإدارية والقانونية استطاعت دار الوثائق القومية أن تحقق عدداً من الإنجازات الرائدة التي نجملها فيما يلي:

أولاً: استطاعت أن توسع أوعية اقتناء الوثائق والأرشيف، لتشمل وثائق المؤسسات الحكومية ذات الصبغة العلمية والإثباتية، وأرشيف الصحافة والمطبوعات التي تصدر محلياً، ووثائق بعض الأُسر السودانية والأفراد. وبمرور الزمن تمكنت الدار أن تجمع ثروة وثائقية طائلة، يُقدر كمُّها بثلاثين مليون قطعة وثائقية، تقع في نحو مائتي مجموعة وثائقية وأرشيفية، تُغطى كل الحقب التاريخية في السودان باختلاف مناشطها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. ونذكر منها: مجموعة سلطنتي الفونج والفور، ومجموعة المهدية التي تقدر بثمانين ألف وثيقة، ومجموعة السكرتير الإداري، ومجموعة المؤسسات التشريعية مروراً بالمجلس الاستشاري لشمال وانتهاءً بالمجلس الوطني، ومجموعة القصر الجمهوري، والغازيتة والصحافة السودانية، ومجموعة الماسونية، ومجموعة محمد عبد الرحيم، ومجموعة معاوية محمد نور، ومجموعة محمد إبراهيم أبوسليم، ومجموعة حاجة كاشف بدري.

ثانياً: استطاعت الدار أن تُعْلم ذوي الاهتمام بمقتنياتها الوثائقية والأرشيفية عبر العديد من المراشد والفهارس، وتجعل مادتها متاحة لكل الباحثين، وفق شروط أهلية معينة لا اعتبار فيها للون أو العرق أو المعتقد. وبفضل هذا التوجه غير المرهون بقيود الولاء السياسي جعلت الدار من نفسها كعبة يقصدها طلاب الدراسات السودانية، الذين أثمرت جهودهم العلمية في عدد من الكتب والمقالات والأطروحات الأكاديمية التي أسهمت في تطوير الدراسات السودانية، وجعلتها تتسم بالموضوعية، والمنهجية القائمة على المعلومة الصحيحة الموثقة بعيداً عن الانطباعات الشخصية.

ثالثاً: بفضل المادة الوثائقية المكنوزة في مستودعاتها استطاعت الدار أن تسهم في حل كثير من القضايا القومية، وذلك بتوفير المعلومة الصحيحة الموثقة، وبرفد اللجان والمؤتمرات بممثلين من كادرها المتخصص في القضايا المطروحة للنقاش. وخير شاهد في ذلك الدور الذي قامت به في مؤتمر المائدة المستديرة، ولجنة دراسة الإدارة الأهلية، ولجنة إعادة تقسيم المديريات؛ وعلى المستوى الإقليمي دورها الرائد في تقديم الوثائق الإثباتية التي حسمت الصراع المصري-الإسرائيلي حول مشكلة طابا لصالح جمهورية مصر العربية.

رابعاً: قامت الدار بدور بارز في ترقية العمل الوثائقي والأرشيفي على الصعيدين الدولي والإقليمي، وذلك من خلال عضويتها الدائمة في المجلس الدولي للوثائق والأرشيف منذ عام 1966م، وبوصفها عضواً مؤسساً في الفرع الإقليمي العربي والفرع الإقليمي لدول شرق ووسط إفريقيا التابعين للمجلس الدولي للوثائق والأرشيف. وتثميناً لهذا الدور انتخب أمينها العام السابق (أبوسليم) رئيساً للفرع الإقليمي العربي لعدة دورات متعاقبة، كما سبق أن انتخب نائباً لرئيس المجلس الدولي للوثائق في إحدى دوراته، وشغل نائبه السابق الأستاذ محمد محجوب مالك منصب رئيس الفرع الإقليمي لدول شرق ووسط إفريقيا. وبهذه الكيفية أسست الدار لنفسها سمعة إقليمية وعالمية طيبة.

الكفاءات الإدارية: الماضي والحاضر
بدأ مكتب محفوظات السودان يأخذ شكله المؤسسي عام 1954م، عندما عُيِّن الأستاذ بيتر مالكلم هولت (1918-2006م) أول أمين له، وفي مكتبه الصغير الذي كان يقبع في مباني السكرتير الإداري (وزارة المالية حالياً) وضع هولت اللبنات الأولية لتحديد مسار الأرشيف السوداني، وقام بمجهودات رائدة في ترتيب وتبويب وفهرسة الوثائق التاريخية عامة ووثائق المهدية والمخابرات العسكرية بصفة خاصة. وبعد سودنَّة وظيفة أمين مكتب المحفوظات عام 1955م عاد هولت إلى بريطانيا، حيث عمل عضواً بهيئة تدريس مدرسة الدراسات الشرقية والإفريقية بجامعة لندن، وفيها نال درجة الدكتوراه في تاريخ الشرق الأوسط الحديث. وخلال مسيرته الأكاديمية الحافلة بالعطاء أعد البروفسير هولت جملة من الأبحاث المفصَّليَّة في تاريخ السودان والشرق الأوسط، وأذيعها صيتاً كتابه الموسوم بـ "الدولة المهدية في السودان"، الذي يُعدُّ واسطة عِقدّ في الدراسات السودانية وأدبيات المهدية تحديداً. وأخيراً توَّج هولت حياته المعاشية بترجمة موثقة حواشيها لمخطوطات تاريخ الفونج وطرفاً من التركية السابقة. وبجانب اهتماماته البحثية ظل متابعاً لسيرة دار الوثائق القومية إلى أن وافته المنيَّة في الثاني من نوفمبر 2006م، بعد عمر قارب التسعين عاماً.

وعاون هولت في إدارة مكتب محفوظات السودان تلميذه النجيب محمد إبراهيم أبوسليم (1930-2002م)، الذي كان حديث التخرج من كلية الخرطوم الجامعية آنذاك. وبعد تقاعد هولت وسفره إلى بريطانيا عام 1955م تولى الأستاذ أبو سليم إدارة مكتب المحفوظات، وفي ضوء تعديل قانون مكتب المحفوظات عام 1965م رٌقي إلى منصب مدير دار الوثائق المركزية، وفي السنة التي احتفلت فيها دار الوثائق باليوبيل الذهبي للمهدية (1881-1981م) رُفَّع أبوسليم إلى منصب أمين عام دار الوثائق القومية، وظل في ذات المنصب بمسمياته المختلفة لمدة أربعة عقود متتالية (1955-1995م)، قدم خلالها خدمة جليلة للوثائق وتاريخ السودان بشقيه القديم والحديث. وبفضل جهوده في جمع الوثائق السودانية من مظانها المختلفة كوَّن أبوسليم لنفسه اسماً لامعاً في أدبيات التراث السوداني، استندت قاعدته إلى وثائق الفونج والفور في الأرض، وبُنيت خاصرته على بعض مفردات التركية، ونُسج عرشه بوثائق المهدية التي أضحى أبوسليم حجة في أدبياتها دون منازعٍ. وأخيراً تبلور هذا الجهد الخلاق في أكثر من ستين مؤلف، جميعها، كما يرى البروفيسور قاسم عثمان نور، "تعتمد على دار الوثائق ومخزونها في الوثائق السودانية، ... والمصادر الأولية التي تمثل الوثائق نسبة عالية منها". وعندما تقاعد أبوسليم عام 1995م، كانت دار الوثائق القومية تكتنـز نحو ثلاثين مليون قطعة وثائقية وأرشيفية، تشمل كافة المجموعات التي أشرنا إليها أعلاه.

دار الوثائق القومية: إرث تليد ومقر جديد
وبعد أن تقاعد الدكتور محمد إبراهيم أبوسليم عن العمل الإداري خلفه على أمانة دار الوثائق القومية الدكتور علي صالح كرار، الذي تخرج من كلية الآداب بجامعة الخرطوم عام 1973م، ونال درجة دكتوراه الفلسفة في التاريخ من جامعة بيرقن النرويجية عام 1985م، وحضر عدة دورات تدريبية في مجال الوثائق والأرشيف. وبموجب هذا الإجراء الإداري عُين أبوسليم مستشاراً لمباني دار الوثائق الجديدة التي وُضع حجر أساسها في التاسع عشر من ديسمبر 2002م، وفي السابع من فبراير 2004م، أي بعد أقل من عام ونصف من تاريخ وضع حجر الأساس، انتقل الدكتور أبوسليم إلى الدار الآخرة قبل أن يلقي نظرة أخيرة على مباني دار الوثائق وهي في ثوبها الجديد الفضفاض. وفي ظل النقلة الجغرافية والنوعية التي شهدتها دار الوثائق في نهاية العام المنصرم (2006م)، نلحظ أن هناك حزمة من الأسئلة تطرح نفسها: ماذا تريد دار الوثائق القومية من إدارتها الحالية؟ وما المتوقع أن تنجزه هذه الإدارة في مقرها الجديد الذي تقدر كلفته المالية بأربعة ملايين دولاراً أمريكاً ونصف المليون؟ وهل الدار مؤهلة بشرياً لمواكبة هذه النقلة النوعية؟

أولاً: يجب أن تأخذ الإدارة الحالية في حسبانها أهمية تقنية المعلومات باعتبارها مسألة ضرورية لأي مجتمع ينشد التطور، والتقدم، والتواصل الإيجابي مع الآخر في إطار ثورة التقانة التي يشهدها العالم اليوم. وذلك لا يتأتى إلا بتطوير أوعية التخزين وكشافات الاستراجاع الحالية إلى أوعية وكشافات ممغنطة، وذلك حفظاً لسلامة المعلومات وسهولة استرجاعها. فلا شك أن العاملين بدار الوثائق أكثر معرفة وإلماماً بهذه القضايا، لكن في كثير من الأحيان تقف ندرة العنصر البشري المؤهل والمتخصص، ووفرة الوسائط الفنية، وعدم كفاية الميزانيات المصدقة عائقاً أمام تطلعاتهم التي ينشدونها في مجال إدارة الوثائق والأرشيف.

ثانياً: إذا كانت الفقرة أعلاه تمثل الرؤية الاستراتيجية لتحديث دار الوثائق القومية، فإن هذه الرؤية لا يمكن أن تتحقق إلا بتوفر العنصر البشري المؤهل، والقادر على الابتكار والإبداع. فانطلاقاً من هذه الفرضية فإن الدار تحتاج لجهود مكثفة لتطوير قدراتها الفنية في شتى ضروب العمل الوثائقي والأرشيفي، وذلك بتأهيل كوادرها المهنية والفنية محلياً وخارجاً، علاوة على الاستئناس بتجارب الشعوب الأخرى التي قطعت شوطاً مقدراً في مجال العمل الأرشيفي وتقنيَّة المعلومات.

ثالثاً: إن التأهيل المهني والفني وحده لا يكفي، لأن الموظف أو العامل في أية بقعة من بقاع الأرض يحتاج إلى تحفيز مادي ومعنوي، فالتحفيز المادي يتجلى في عدالة الأجر (الراتب) الذي يكفي حاجيات الأجير الضرورية قبل أن يجف عرقه، ويسد جزءاً من متطلباته الكمالية حسب تدرجه في السلم الوظيفي، والتحفيز المعنوي يعني عدالة الهيكل الوظيفي والترقيات والعلاوات الدورية التي تحدد وفق كفاءة العامل وجودة عطاءه المهني والفني. وبتوفر هذين العاملين يتحقق الاستقرار الوظيفي، وتتراكم الخبرات، ويتضاعف عطاء دار الوثائق وفق منظومة تدافع وظيفي شريف ومبدع، فغيابهما في العقود الماضية جعل من الدار محطة عبور لكثير من الكوادر المؤهلة التي هجرتها إلى بعض المؤسسات الداخلية أو الخارجية ذات العطاء الأوفر والتقدير المهني الأجلّ.

وفي الختام يسعدني أن أزف التهنئة الصادقة إلى العاملين بدار الوثائق القومية، وأتمني لهم إقامة طيبة في دارهم الجديدة، إقامة قوامها العطاء والإنجاز، وشعارها صيانة الدار التي تعد بمثابة ذاكرة الأمة التي لا تنسى، لأنها مستودع الأرشيف، وخزانة الوثائق السودانية، ومحور ارتكاز النظام الوطني للتوثيق في إطار الشبكة القومية للمعلومات.

Post: #2
Title: Re: دار الوثائق القومية السودانية: إرث تليد ... ومقر جديد أ.د. أحمد إبراهيم أبوشوك
Author: kabbashi
Date: 01-19-2007, 03:15 AM
Parent: #1

صديقي العزيز د. أبو شوك

لك التحية

حقيقة سعدنا بهذا الحدث الذي يبدو أنه مر مرور الكرام، حيث لم تعطه وسائل الإعلام ما يجب. فأن يكون للوثائق دار ثابتة فهذا حدث كبير، وهي لحظة مناسبة جدا لأن نوجه فيها التحية والتجلة لأستاذنا الراحل المقيم البروفسور محمد إبراهيم أبو سليم، هذا الرجل الذي بنى الدار المؤسسة بكل ما تعني العبارة، وكان بعيد النظر،إذ ظل يسهر على تطورها حتى غدت بالصورة التي كتبتم عنها.

وهي لحظة مناسبة أيضا لنهمس عبرها للأصدقاء بالدار لأن يستفيدوا من هذاالانتقال في إحداث نقلة في طريقة الحفظ والاسترجاع وتقديم الخدمات إلى المستفيدين.

والتحية لك وأنت تسلط الضوء على الدار.

Post: #3
Title: Re: دار الوثائق القومية السودانية: إرث تليد ... ومقر جديد أ.د. أحمد إبراهيم أبوشوك
Author: Ahmed Abushouk
Date: 01-19-2007, 04:34 AM
Parent: #2

الأخ الصديق الأستاذ عثمان كباشي
شكراً على مداخلتك الكريمة، فحقاً إنك من القلائل الذين يدركون قيمة الحدث، لأنك من أبناء دار الوئائق الأفياء الذين قدموا لها الكثير عندما كانوا جزءا في كادرها والوظيفي ولازلت تهتم بشأنها بالرغم انتقالك الذي فرضته ظروف مهنية إلى قناة الجريرة. فلك الشكر والتقدير أجزله.

Post: #4
Title: Re: دار الوثائق القومية السودانية: إرث تليد ... ومقر جديد أ.د. أحمد إبراهيم أبوشوك
Author: عبدالمنعم الرزوقي
Date: 01-19-2007, 04:55 AM
Parent: #3

الاخ احمدابوشوك لك التحية

خبر قيم وكبير ونقلة جميلة

اعرق دار للوثائق في افريقيا بعد مصر ولكن مصر استفادت منها في

عودة طابا الي حضنها من اسرائيل

فالتحية لدار الوثائق السودانية

Post: #5
Title: Re: دار الوثائق القومية السودانية: إرث تليد ... ومقر جديد أ.د. أحمد إبراهيم أبوشوك
Author: kabbashi
Date: 01-19-2007, 05:14 AM
Parent: #4

أظل من الذين يعتزون بانتمائهم لدار الوثائق ولناسها الأنقياء وأنت منهم ، وأفرح لكل خبر بشارة من ربوعها، ففضلها علي كبير، ففيها عرفت يوسف فضل وعلى المك وعبد الله الطيب وأكولدا ماتير، وعبد الله على إبراهيم ، وإبراهيم أحمد عبد الكريم، وغيرهم، وغيرهم وآخرين شدوا إليها الرحال من خارج السودان لينهلوا من كنوزها المكنونة، وعشت بها سنواتي الجميلة.

Post: #6
Title: Re: دار الوثائق القومية السودانية: إرث تليد ... ومقر جديد أ.د. أحمد إبراهيم أبوشوك
Author: معتصم طه صالح
Date: 02-10-2007, 12:40 PM
Parent: #1

إلى ( أبو سليم ) في ذكرى رحيله الثالثة

افتقدتك كثيراً يا أبي أيام عرسي وانتقالي إلى بيتي الجديد. صورتك أول ما .جهزت من متاعي للانتقال بها إلى بيتي الجديد

طوال حياتي وأنا اعرف ان لنا أختاً كبرى أثيرة لديك لا ينافسها من أبنائك أحد، دار الوثائق هي ابنتك الكبرى التي استحوذت على اهتمامك وجل عمرك حتى كبرت وصارت كما يعلمها الجميع على يديك

في ذكرى رحيلك الثالثة افتقدتك وأنا انتقل إلى بيتي الجديد وفي ذكرى رحيلك الثالثة افتقدتك دار الوثائق وهي تنتقل إلى بيتها الجديد، وحيث كنت قد جهزت صورتك في أولى متاع رحيلي متشبثة باسمك، لم أجد في بيت دار الوثائق الجديد . اثراً لاسمك أو صورتك

ذهبت لحضور عرسها وافتتاح مبانيها الجديدة، توالت الكلمات والترحيب والشكر لمن ساهموا في الصرح العظيم وجاء اسمك على عجالة، كأنهم تذكروك فجأة أو كأنهم تعمدوا ان يذكروك على حين فجأة وسط ذلك الترتيب الذي لم ينس حتى مناديل الورق

وتجولت في المعرض المصاحب للافتتاح، اسقطت منه صورتك في تعمد للسهو فالسهو سهواً في عقر التاريخ والتوثيق لا مكان له، صورتك هناك كانت صغيرة على لوح مع مجموعة ممن كانوا على رأس الإدارة وكأنك كنت في إدارتها فقط لا غير، وقد عرضوا صوراً يا أبي تحكي عن حدث وضع حجر الأساس لنفس هذه المباني الذي كانت منذ حوالي أربع سنوات وكان آخر مناسبة تحضرها قبل وفاتك، في يوم وضع حجر الأساس ذاك كنت النجم الذي لا يضاهى. هل تصدق انهم عرضوا صوراً لآخرين ولم تستحق في نظرهم ان تكون ضمن من تعرض صورتهم في توثيق لحضور ذاك اليوم

هذه المباني التي كبرت الآن ولفتت الأضواء هي التي رعيتها انت منذ ان كانت حلماً نطفة، علقة مضغة، عظماً فمولوداً حملته على يديك وأكتافك وبذرة التحديث وحدة الكمبيوتر، كانت بجهدك الخاص انت دون اللجوء إلى دولة أو حكومة، هذه المباني التي لم تستسلم للمرض إلا بعد ان رأيتها قد قامت واستطالت أمام عينيك هذه المباني استكثروا ان يضعوا صورتك في معرض افتتاحها هل تصدق

وقد بحثت عن اسمك مسمى به إحدى الصالات أو المستودعات فلم أجد، في تأكيد لتعمد السهو، وذاك تقليد تعرفه حتى المدارس الإبتدائية ان تخلد اسماء مؤسسيها على الاقل بإطلاق اسمائهم على بعض الصالات أو القاعات

هناك يا أبي من البشر من يظن ان كفه قادرة على حجب الشمس، هناك يا أبي من يظن ان كف السلطة قادرة على محو التاريخ في دار التاريخ والتسجيل لصالحها على حساب الغير في دار التسجيل والتوثيق. أنا أعلم يا أبي وانت تعلم ان هيهات ان يستطيعوا، دعهم يا أبي، فهم لازالوا صغاراً، يفرحون بأولى ألوانهم على الدفاتر كطفل يسعى بحروفه الأولى لمعلمه ليحوز الاعجاب والتصفيق، ولا يعلمون ان الانجاز يبدأ بالوفاء للأولين، ومن يكتب على صفحات الانجاز بقلم رصاص يكابد ألا تنكسر سنته لن يستطيع ان يمحو انجاز من نحتوا على الصخر بأعمالهم، كان الموقف مثيراً للحزن وباعثاً على الشفقة، عليهم هم بالتأكيد، لا عليك انت

في عمق افتقادي لك أيام عرسي ومناي ان تكون معنا في تلك الأيام، بث التلفزيون لقاءً معك عن الساقية، فسقى بعض ظمئي إليك، فقد كنت وسطنا بالبيت تتحدث ويملأ صوتك المكان، قبلت وجهك في ذاك المساء ورويت بعضاً من شوقي إليك، في عرسها دار الوثائق، مارووا شوقها إليك لا صوتاً ولا صورة

اعلمتني يا أبي ان السياسة هي سعى للمصلحة الخاصة وبلوغ حكم الناس والاستفادة من السلطان والنفوذ، وعلمتني ان الوطنية وحب البلد هي السعي للمصلحة العامة ومد اليد بالخير لما يفيد كل الناس

الفرق يا أبي أنهم عندما كانوا يعملون كانوا ينتظرون التصفيق وتسليط الأضواء وانت ما كنت تنتظر غير ان يعم الخير ويرفد الجميع، وهو الفرق يا أبي بين العمل للمصلحة السياسية والعمل للمصلحة الوطنية وهو الفرق بين المظهر والجوهر في العمل

دعنا يا أبي نحسن الظن، فهم يعلمون أنهم لن يستطيعوا ان يتجاهلوك، دعنا نقول أنهم لم يتعمدوا ألا يذكروك، دعنا نقول ان كل الأمر أنهم خافوا ان جاء اسمك هناك ان يتحول عنهم الضوء إليك وهم الساعون إلى الضوء

دعنا نقول انه ما كان لهم من خيار آخر للحفاظ على البقاء في دائرة الضوء لأن من يحمل شمعة صغيرة يخشى على ضوئها الضعيف، ان يضيع وينطفئ عندما تبهر الشمس عيون الناس، دعهم يا أبي فهم لا يعلمون ان الشمس التي كانت تشرق في ذلك الصباح كانت شمسك انت فهل تستطيع أكفهم ان تحجبها

دعنا يا أبي الآن من حديث الشمس والأكف الصغيرة، ولنترك أيضاً كل انجازاتك في ريع دار الوثائق جانباً وننظر إلى انجاز واحد اعتبره أكبر وأهم انجازاتك وهو دليل الإدارة الناجحة والنظرة الشاملة للأمور، منذ سودنة الوظيفة وحتى منتصف التسعينيات كنت الدرع الحامي لقومية هذه الدار اسماً وعملاً من التغولات السياسية ولربما ظلت الدار هي المرفق الحكومي الوحيد طوال عشرات السنين البعيدة عن تغول الحزبية ويد السلطات الشمولية، فكنت لها الأب الراعي بالموضوعية والمهنية ومحل الثقة ان تحافظ على هذه الصفة القومية لمصلحة الجميع والبلد من قبل، وهذا الانجاز الصادر من معدن الوطنية والقومية والمهنية المحترفة هو الذي جعلك تعطي دار الوثائق صيتها ووضعها المتميز في الداخل والخارج وهي تسكن ذلك المبنى المتهالك

ما بالي أخشى على دار الوثائق بعد الدار الجديدة ان تخلع ثوب القومية، ما باله اللون السياسي يطلي جدران المباني الجديدة في هذه المرحلة التي نسعى فيها للسلام ونرتب للديمقراطية ونحاول ان نجد مكاناً في التجمعات الدولية، ما بالهم يصنعون الشقوق في الجدران لتتسرب منها المهنية والقومية، ما بال أحد أعضاء إدارتها يتلجلج في تعريف المخطوطة في لقاء على الملأ

كيف لا تتسرب المهنية والقومية من دار أسست بهما وذاك الإداري لا يفرق بين المخطوطة والوثيقة دون أي حرج مهني

ليس كل الظن اثماً، فصورتك التي غيبوها ومعها صور أخرى والاسماء التي ذكروها بتلك العجالة لبعض المؤسسين والرواد، ذكروها بتلك الطريقة ليقولوا لنا انسوهم سريعاً وتذكرونا نحن فقط

اسمع يا أبي أحاديثهم في الإذاعات والتلفزيون والصحف، من ذكروا غير أنفسهم وهم يذكرون دار الوثائق؟ من يمجدون غير لونهم السياسي وهم يذكرون دار الوثائق القومية؟ وما علموا يا أبي أنهم عندما يذكرونها فإنهم دون ان يدروا قد ذكروك

دعنا فقط نهمس في أذنهم يا أبي، ان لا بناء معلق في الهواء، فمهما علا فلابد له من أساس، ومن تناسى الأساس مهما علا شأنه لابد ان يهوي ويضيع ذكره في هواء الهاوية، لأن الجزاء من جنس العمل من نواميس الحكمة الإلهية في الك دعنا نقول لهم ان الشموس لا تموت مهما غابت تبقى الطاقة مستمدة منها وعسى الله ان يهديهم وينزل من غرورهم بعضاً ويفتح عيونهم ليقرأوا التاريخ جيداً في مكان التاريخ وهم يسجلون حدثاً للتاريخ

أماني أبوسليم

Post: #7
Title: Re: دار الوثائق القومية السودانية: إرث تليد ... ومقر جديد أ.د. أحمد إبراهيم أبوشوك
Author: Ahmed Abushouk
Date: 02-10-2007, 01:45 PM
Parent: #6

شكراً الأخ معتصم طه صالح على توحيد البوست، إليك نص المقال الذي نشرته في الذكرى الثانية لرحيل البروفسير أبوسليم.

************
عُمَّار ساقية أبوسليم
الدكتور أحمد إبراهيم أبوشوك،
الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا
هذا العنوان مستأنس من وحي كلمة قدمها الأخ الصديق الدكتور عبد الله علي إبراهيم في رثاء أستاذ الجيل المرحوم مكي الطيب شبيكة، وعنوانها "عُمَّار ساقية شبيكة"، ولعلي أقصد في هذا المقام بعُمَّار ساقية أبي سليم الكُتَّاب والباحثين الذين سكبوا مداد أقلامهم رثاءً ووفاءً وعرفاناً لشيخ المؤرخين الذي رحل عنهم العام المنصرم، ولسان حالهم يقول: "هذا رجل لا نُعَزِّي فيه، بل فيه نُعَزى". لذا فقد جاءت معظم كلماتهم صادقة في مفرداتها ومعبِّرة في معانيها عن ماهية ذلك الرجل الإنسان، الذي نعته ابنته أماني بكلمات أشبه برثاء الخنساء لابنها صخراً، حيث صوَّرت قصة تحاوره مع المرض وتسابقه مع الزمن في لوحة عزائية حزينة ومفعمة بالأمل، جاءت بعض مفرداتها، التي أبكت الدبلوماسي علي يسين الكنـزي في جنيف، على هذا المنوال: "كان المرض محبوساً في مكان من جسدك يقف خلف الباب متأدباً مستهيباً جسدك، كلما طرق عليك الباب استمهلته فأمهلك. كنت تسابق الزمن. ترتب كل شيء إلى أن ذهبت. راجعت كل ما كتبت، ودققت في كل ما أتى من الطباعة. تركت خلفك ثلاثة كتب كاملة لم يبق فيها غير الطبع والنشر. كان المرض من شدة تأدبه وتهيبه الجسد والفكر يقف مكتوفاً غير مبدٍ أي عرض، كنت معتمداً على تأدبه وتنشغل عنه بالعمل والمزيد منه. إلى أن جاء يوم 19/12/2002. يوم وضح حجر الأساس للمباني الجديدة لدار الوثائق. قبلها كنت أكملت ما بيدك من كُتب. وكلما طرق الطارق بابك أمهلته أن ينظر شيئاً في الأفق، وكان حجر الأساس هو ما بالأفق." أما صديق عمره الأستاذ الدكتور يوسف فضل حسن فقد كتب قائلاً: "تياران يجاذباني بعنف وأنا في حضرة الكتابة عن المرحوم الأستاذ الدكتور محمد إبراهيم أبوسليم: التيار الخاص والشخصي هو دافع تفرضه صداقتي وعظيم مودتي للصديق والأخ أبوسليم، وتيار آخر موضوعي أساسه تقديري واحترامي لصرح أكاديمي، وبحثي، ووثائقي ضخم أقامه أبوسليم ... الآن أكتب بما تمليه الضرورة الموضوعية التي أرسى دعائمها أبوسليم، وهو ما سيحفظه له الدهر، وتتلاشى مع الزمن أصداء النواح والعويل، فقد تلمع بين الحين والآخر فنارة للباحثين اسمها دار الوثائق القومية، ونهل من المعرفة فياض بين أغلفة تحمل اسم الرجل، وهو مؤلفاته التي تجسد المثابرة، والتفاني، والإخلاص في البحث العلمي، والتقصي الأكاديمي، عملاً لرفعة شأن هذا الوطن وحفظاً لتراثه." وعلى ذات النسق جاءت كلمة السيد الصادق المهدي التي ثمن في بعض ثناياها عطاء شيخ المؤرخين بقوله: "الأستاذ المرحوم محمد إبراهيم أبوسليم لم يحصر نفسه في عمل وظيفي، بل اتبع نهجاً رسالياً أثناء الوظيفة وبعدها. لذلك شغل نفسه قبل أن يقعده المرض بإنشاء مركز للتاريخ والتوثيق. إن من حقه علينا جميعاً أن نخلد ذكراه بجهد قومي تتعدد أوجهه، ويهتم بصفة خاصة بدعم مركز أبي سليم، الذي وضع فقيدنا لبناته الأولى، وقد منحته الدولة قطعة أرض ليشيد مبانيه عليها، نحن على استعداد للمبادرة في هذا الشأن، وعلى استعداد أن ندعم مبادرة غيرنا من أهل هذا الفن إن كانت جادة ومجدية." دعني أيها القارئ الكريم اكتفي بهذه المختارات، لأن الحديث قد يطول عن "عُمَّار ساقية أبوسليم" الذين سجلوا مراثيهم في صحف الخرطوم السيارة أو شاركوا في فعاليات الندوة التي عقدتها الجالية السودانية في الرياض لتأبين أبي سليم، ويصدق في حق هؤلاء وفي حق فقيدهم قول الأخ الكريم الدكتور عبد الله علي إبراهيم: "بكى الوطن أبا سليم بعناية شديدة. ولا أذكر من تحول نعيه من أهل العلم عندنا من يومه الأول إلي دراسات دقيقة مثل أبي سليم. بكى الناس قبله العلماء بالدمع، غير أن بكاء أبي سليم كان بالمداد. فالرجل دوحة تفيأ ظلها الجمهرة، وذاق الجميع ثمارها الدانية."

وبحلول يوم الاثنين الموافق السابع من فبراير 2005م ينقضي العام الأول على رحيل أبي سليم، ولم يكن أفراد أسرته مشغولين بعادات أهل السافل المتمثلة في "كسر التُربة"، و"صدقة الحول"، و"قراية الكتاب"، بل كانوا يقفون بقامة علمية ممشوقة وسط هذه التقاليد والعادات المشروعة، وقفة يستشرفون من خلالها مستقبل إرث والدهم التلييد، ليجعلوا منه دوحة غناءة يتفيأ ظلالها طلاب العلم، ويمنون أنفسهم أن ترتوي هذه الدوحة من مركز الدكتور محمد إبراهيم أبوسليم للدراسات السودانية. وانطلاقاً من هذه الرؤية الثاقبة وزع الأستاذ الوليد أبوسليم رقاع الدعوة إلى عُمَّار ساقية أبي سليم للاشتراك في تظاهرة علمية تعقد فعالياتها في النادي النوبي في الفترة ما بين السابع إلى الثاني عشر من فبراير 2005م، تخليداً لذكرى الفقيد واحتفاءً بآثاره العلمية. فالشكر أجزله للأخ الوليد وأخته أماني التي طلبت مني المشاركة في فعاليات هذه الندوة، وليتني كنت بين الحاضرين، بيد أن بُعْدَ البون بين كوالالمبور والخرطوم يحول دون ذلك، ومن ثم آثرت أن تكون مشاركتي بهذه الكلمة المتواضعة التي أمل أن تصب في إطار الندوة المزمع عقدها وتسهم في تحقيق أهدافها المنشودة. ومن جهة نظري أن أهداف هذه التظاهرة العلمية يمكن أن تُجْمَل فيما يلي:

أولاً: ضرورة الحفاظ على أدبيات أبي سليم وجعل مادتها متاحة لقُراء التراث السوداني وطلاب البحث العلمي، واحسب أن عُمَّار ساقية أبي سليم وفي مقدمتهم الأخ الوليد قد حققوا نجاحاً مقدراً في هذا الشأن، لأنهم قاموا بإعادة طبع كتاب "الشخصية السودانية" وحرصوا على تسويق بعض الأدبيات التي نشرها أبوسليم في سنواته الأخيرة مثل: "الخصومة في مهدية السودان"، و"محررات الخليفة"، و" محررات النجومي" و"محررات عثمان دقنه". فاقترح أن تكون هذه البادرة الطيبة خطوة تجاه طباعة الأعمال الكاملة للدكتور أبي سليم، ويراعي في ذلك وحدة الموضوع والتسلسل التاريخي، فمثلاً أن تصدر طبعة جديدة للساقية، والأرض في الفونج والفور والمهدية، والختم الديواني في دفعة، لأن هذه الأدبيات بينها وشائج قربى، ولا توجد الآن في سوق الكتاب السوداني، وقد مر على طبعاتها الأولى أكثر من عقدين من الزمان.

ثانياً: الاعتناء بمشروع محررات الخليفة الذي وضع لبناته الدكتور أبوسليم، وأعد له عُدَّته منذ زمنٍ طويلٍ، وأذكر أنه في إحدى زياراته لجامعة بيرجن بالنرويج قد كلفني بتصوير جزء غير يسير من دفاتر الصادر الخاصة بمحررات الخليفة، التي كانت منسوخة على أشرطة ميكروفلم، وبعد الفراغ من تصويرها كتبت إليه قائلاً: "يغادرنا اليوم صديقكم دفع الله علي إبراهيم وإن جاز التعبير أبو الدفوع، متأبطاً إليكم بنسخة مصورة من دفاتر الصادر، أتمنى أن توافي الغرض، ويتقبل جهد الحواري المقل حمد ود دبلوك [إشارة إلى كاتب السطور]. وإذ كان هناك إشكالات في القراءة، فهذا يعزى إلى رداءة الأفلام، وسوء التصوير والتحميض في بعضها... الترقيم أحياناً غير منتظم، ولا أدري ما العلة في ذلك." وعندما تأخر في الرد كتبت إليه معاتباً: "لم يصلنا إلى تاريخ كتابة هذه السطور ما يفيد عن مشروع نشر وتحقيق أدبيات المهدية، نأمل أن تكون قد قطعت شوطاً مقدراً في هذا الشأن، وماذا عن الحسين زهرا، والحسن العبادي، ومؤلف كتاب النخيل أحمد يوسف هاشم الرباطابي، نأمل أن تكون هذه الأدبيات السودانية قد وجدت طريقها إلى مكتبة المأمون لكي نحظى بجعلنا فيها." وفي مايو 1997م رد عليَّ برسالة رقيقة، جاء في بعض ثناياها: "أنا بخير، والحمد لله اعمل كثيراً، ولكن أحياناً بلغة اسمع طحناً ولا أرى عجيناً. وقد انزعج كثيراً لضياع وقتي مع المتسائلين والمتطفلين، لكن حياتنا تسير على ما يرام. وأكاد الآن افرغ من محررات الخليفة حتى نهاية رمضان 1302هـ أي الشهر الذي توفي فيه المهدي، ومراسلاته في حياة المهدي هذه تبلغ نحو 640 محرراً مليئاً بالمعلومة." وأردف ذلك في خطاب آخر مؤرخ في أغسطس 1999م جاء فيه: "صدر لي كتاب الحسين زهرا، وراجعنا الآن كتاب الحسن العبادي في صورته النهائية للنشر. وكذلك صدر كتاب نصيحة العوام، وكتاب صاحب الربابة. وهذه كلها من أعمال بيرجن. وإذا وجدت أحداً مسافراً لعندكم سوف أرسل نسختك ونسخة آندرس من كل منها." وقصدت بهذه المختارات من الرسائل المتبادلة بيني وبين الدكتور أبي سليم، أن أشرك القارئ الكريم في طبيعة العمل الضخم الذي أعده أبوسليم لمحررات الخليفة، التي أطلق عليها اسم موسوعة المهدية، وإصدار مجلد واحد من هذه الموسوعة لا يعني أكثر من إنجاز 10% من الحجم الكلي للمشروع. وكان أبوسليم يعول على نشر هذه الوثائق باعتبارها الخطوة الأولي في طريق إعادة كتابة تاريخ المهدية، "لأن التاريخ القائم على المستند والمنهج، [حسب وجهة نظره]، ينشد الحقيقة وينميها وينير سبيلها، وهو غذاء للوجدان وإثراء للوعي القومي." ثم يواصل أبوسليم حاوره في هذا الشأن مع الأستاذ محمد صالح يعقوب قائلاً: "وقد جعلت هذه المهمة [أي مهمة تحقيق محررات الخليفة ونشرها] في مقدمة مهام المركز الذي أنشأته ..." لذا فعلى عُمَّار ساقية أبي سليم أن يكوِّنوا لجنة علمية من أهل العلم الدراية تقوم بتكملة مشروع موسوعة المهدية الذي بدأه أبوسليم، ويستحسن أن يُشرك في هذه اللجنة العاملين بدار الوثائق، ونفر من أعضاء جمعية المؤرخين السودانيين، وذوي الكفاءة العلمية في الجامعات السودانية، الذين يهمهم أمر دراسات المهدية ولهم القدح المعلي والقدم الراسخة في هذا المضمار.

ثالثاً: يستحسن أن يُنجز مشروع موسوعة المهدية تحت أشراف مركز أبوسليم للدارسات، لأن الفقيد كان حفياً بهذا المركز، ويرى فيه منارة لخدمة الفكر السوداني، والشاهد على ذلك قوله في رسالة خاصة: "ومركزنا يتقدم والإجراءات الإنشائية تأخذ وقتاً كثيراً مع انشغالي بتكملة كتاب الخصومة، والمجلد الأول من محررات الخليفة عبد الله. ولكن الواضح أن فرص العمل كبيرة، وإننا سوف نجد دعماً من داخل السودان. حصلت على قطعة أرض واسعة للمركز، ولكن الإجراءات طويلة جداً، وبقيت خطوتان لأحصل على شهادة البحث". لذا فعلى عُمَّار ساقية أبي سليم أن يستثمروا المبادرة الطيبة التي قدمها السيد الصادق المهدي بشأن دعم مركز أبوسليم للدراسات، وقبل أن يبحثوا عن ذلك الدعم عليهم أن يقوم بإعادة هيكلة المركز من الناحية الإدارية والفنية، حتى يكون أهلاً لتحمل الرسالة العلمية الملقاة على عاتقة، ويجب أن يعدوا في هذا الشأن مشروعاً علمياً متكاملاً لنشر الأعمال الكاملة للدكتور أبي سليم، ومشروعاً آخر عن الكيفية التي يمكن أن تنجز بها موسوعة المهدية التي تشتمل بجانب محررات الخليفة عبدالله، على وضع أطلس للمهدية يتضمن الخرط التي تبين المواقع التاريخية المهمة، وصور أمراء المهدية، والنقود، والأزياء، والأعلام. واحسب أن توفر مثل هذه المواصفات الأكاديمية سيشجع السيد الصادق المهدي وغيره من الحادبين على توفير المعلومة الصحيحة الموثقة أن ينهضوا خفافاً وثقالاً في دعم هذا المشروع الطموح.
وختاماً يطيب لي أن أزف التهنئة الصادقة للأخوة في النادي النوبي وبقية النفر الكريم من عُمَّار ساقية أبي سليم، الذين يعملون بتجرد وإخلاص من أجل إنجاح تظاهرتهم العلمية التي تنعقد فعالياتها بالنادي النوبي، والتي أتمنى أن تحقق غاياتها المنشودة، وتسهم في تحقيق ما كان يصبو إليه الفقيد الراحل، المقيم في وجداننا الدكتور محمد إبراهيم أبوسليم، ألا رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته مع الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً.