العلم والإيمان بين دكتور النجار وهاشم نوريت وفرانكلي

العلم والإيمان بين دكتور النجار وهاشم نوريت وفرانكلي


10-08-2004, 02:21 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=281&msg=1187386727&rn=0


Post: #1
Title: العلم والإيمان بين دكتور النجار وهاشم نوريت وفرانكلي
Author: jini
Date: 10-08-2004, 02:21 PM

الاسلام والعلم:



هناك مجلدات كُتبت عن معجزات القرآن العلمية، سنتعرض لبعضها هنا، وربما اتعرض للرد على بعضها، خاصة كتاب " The Bible, The Quran and Science " للدكتور موريس بوسيل، في كتاب آخر. والحقيقة البسيطة التي يجب أن يتنبه لها الناس هي أن القرآن جاء كرسالةٍ لتقنع الناس بوجود الله ومن ثم يبيّن لهم بعض الاحكام. وفي إعتقادي أن القرآن لم ينزل ليتكهن بالتطورات العلمية التي ستحدث بعد آلاف السنين في المستقبل. والناس الذين يحاولون جعل القرآن كتاب كيمياء او فيزياء، لا يخدمون القرآن بشئ، لان البحث في القرآن يثبت عدة تناقضات مع العلم الحديث.



ودعنا نبتدئ بأبجديات الفيزياء لنكّون فكرة عن العالم الذي نعيش فيه. لنبدأ بالضوء الذي يسافر بسرعة 186000 ميلاً في الثانية الواحدة. وضوء الشمس، وهي تبعد عنا ثلاثة وتسعين مليون ميلاً، يستغرق ثماني دقائق ليصلنا عندما تشرق الشمس في الصباح. ويتكون عالمنا هذا من عدة مجرات، والمجرة التي بها ارضنا وشمسنا تسمى The Milky Way وهي تتكون من بلايين النجوم، بعضها اكبر من شمسنا. وتبعد الارض عن مركز هذه المجرة مسافة 26000 سنة ضوئية، فاذا علمنا ان السنة الضوئية تساوي المسافة التي يسافرها الضوء في 3.26 سنة (والضوء يسافر في اليوم الواحد16,070,400ميلاً ، اي 16 مليون ميلاً بالتقريب، وإذا ضربنا هذا الرقم ب 365 يوماًً، نحصل على المسافة التي يسافرها الضوء في السنة الواحدة، والسنة الضوئية الواحدة تساوي ما يعادل 190,384,000,000 ميلاً)، يتضح لنا بعد الارض عن مركز المجرة. بينما تبعد الشمس عن مركز المجرة مسافة يصعب على الانسان تخيلها إذ تبلغ بالاميال 200,000,000,000,000,000 ( أثنين وبعدها 17 صفراً ). وإذا أضفنا ملايين المجرات الاخرى، يتضح لنا مدى ضخامة هذا الكون.



ولنبدأ بخلق السماء والارض كما يراه العلماء. فالدكتور موريس يخبرنا ( أنه في البداية كان العالم عبارة عن كتلة من غازات الهايدروجين والهيليوم، تُسمي " Nebula ". وبالتدريج انقسمت هذه الغازات الى كُتل مختلفة الحجم، بعضها يبلغ مائة بليون مرة حجم الشمس. وحجم الشمس يساوي 300000 مرة حجم الكرة الارضية. وكنتيجة لهذا الانقسام تكونت المجرات التي تحتوي على بلايين النجوم، بعضها أضعاف حجم شمسنا. وكذلك تكونت الكواكب مثل ألارض وزحل والمريخ. ولابد أن تكون هناك أراضيٍ كأرضنا هذه لم يكتشفها العلم بعد. وعندما انقسمت هذه الغازات وكونت النجوم والكواكب، كان سطح الكواكب والنجوم في درجة عالية جداً من الحرارة نتيجة التفاعلات الذرية التي مازالت تجري في داخل النجوم والكواكب. وكان سطح الارض ساخناً جداً لا يسمح بالحياة. ولم يكن هناك أي تسلسل او إنتظام في تكوين الاجسام السماوية هذه.)[184]



ويقول الدكتور موريس كذلك ( قد قدر العلماء عمر مجرتنا هذه بعشرة بلايين سنة، وشمسنا وأرضنا عمرهما حوالى أربعة بلايين ونصف البليون من السنين. والمجرة التي نحن بها " The Milky Way" تحتوي على مائة بليون نجم، ويصعب تخيل حجمها إذ يحتاج الضوء لمدة 90000 سنة ضوئية ليسافر من طرف مجرتنا الى طرفها ألآخر)[185].



هذا ما يقول به العلم الحديث باعتراف الدكتور موريس. وألان أنظر ما ذا يقول القرآن: " قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق ألارض في يومين وتجعلون له أنداداً ذلك رب العالمين. وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيامٍ سواء للسائلين. ثم أستوى الى السماء وهى دخان فقال لها وللارض إئتيا طوعاً أو كُرهاً قالتا أتينا طايعين. فقضهن سبع سموات في يومين وأوحى في كل سماءٍ أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظاً ذلك تقدير العزيز العليم".[186]



فالله هنا خلق ألارض وهي كوكب واحد في يومين، ثم جعل فيها رواسي وقدر فيها أقواتها وبارك فيها في أربعة أيام، ثم استوى الى السماء وهي دخان، وخلق كل هذه المجرات التي ذكرنا سابقاً والشمس وبلايين النجوم التي يصل حجم بعضها الى ملايين المرات مثل حجم الشمس، التي يبلغ حجمها 300000 مرة حجم الارض، وخلق كذلك عدة كواكب منها عدد يشبه أرضنا، ربما سيكتشفها العلم في المستقبل، كما يقول الدكتور موريس، خلق كل هذا في يومين فقط. فهل يتفق هذا مع العلم الحديث؟



الدكتور موريس يقول إن ألايام هنا لا تعني نفس ألايام التي نعرفها نحن، وأن الله قصد بها فترات من الزمن قد تصل الى آلاف السنين لليوم الواحد. وحتى لو أخذنا بهذا الرأي، فيجب أن تكون الفترات متساوية في الطول الزمني حتى يتسنى لنا استعمالها كمقياس للزمن. فكيف يخلق الله كوكباً واحداً في فترتين، ويقدر في هذا الكوكب قوته في أربعة فترات ثم يخلق نجوماً لا تُحصى على مسافات يصعب تخيلها في فترتين فقط؟ فالمنطق يُخبرنا أن هناك شئ غير مقبول في هذه النسب الحسابية. فالدكتور موريس قد أخبرنا سابقاً أن عمر مجرتنا عشرة بلايين سنة وعمر الشمس وألارض إربعة بلايين ونصف البليون سنة، فلا بد أن تكون معظم نجوم مجرتنا إن لم نقل كل المجرات ألاخرى قد خُلقت قبل الارض. ولكن ألآيات السابقات تخبرنا أن الله قد خلق الارض أولاً ثم السماء وزينتها من الكواكب.



وفي نفس ألآية يخبرنا القرآن أن الله قدر في الارض أقواتها، يعني الاشجار والنباتات الاخرى كقوت للحيوانات في اربعة أيام أو اربعة فترات كما يحب الدكتور موريس، قبل أن يخلق السماء. والعلم الحديث يخبرنا أن الحياة ابتدأت من حيوانات ذات خلية واحدة تكونت في الماء ومنها ابتدأت الحياة النباتية وبعد ملايين السنين ظهرت الحيوانات البدائية. والدكتور موريس يوافق على هذا الراي.[187]



وكذلك يقول الدكتور ان المحيطات والماء ظهر على الارض قبل حوالى نصف بليون عام تقريباً.[188] فإذاً النباتات ظهرت قبل نصف بليون سنة على أكثر تقدير، وقد يكون أقل من ذلك بكثير. فإذاً تقدير أقوات الارض لم يتم الا قبل بضع ملايين من السنين في حين أن ألارض عمرها أربعة بلايين ونصف البليون سنة. وبما أن الله لم يخلق السماء إلا بعد أن اكمل تقدير قوت الارض، نستطيع أن نقول أن ألسماء عمرها لا يزيد عن بضع ملايين سنة. ولكننا نعرف ألان أن عمر مجرتنا عشرة بلايين من السنين، ناهيك عن المجرات ألاخرى. فأين علم القرآن هنا من العلم الحديث؟



ثم أنظر الى سورة النازعات، ألآيات 27-33:

27- " أأنتم أشد خلقاً أم السماء بناها"

28- " رفع سمكها فسواها"

29- " وأغطش ليلها وأخرج ضحاها"

30- " وألارض بعد ذلك دحاها"

31- " أخرج منها ماءها ومرعاها"

32- " والجبال أرساها"

33- " متاعاً لكم ولانعامكم"



فالقرآن هنا يخبرنا أن الله خلق السماء وسواها، وخلق الليل والنهار أي خلق الشمس ثم بعد ذلك دحا الارض أي سطّها واخرج منها الماء. فإذاً نستطيع أن نقول أن الله خلق الارض بعد أن خلق السماء، وهو عكس ألآيات السابقات، أو أنه خلق ألارض أولاً لكنها كانت مكورة فبسطها وسطّحها بعد أن خلق السماء، ويكون هذا اعترافاً بأن الارض مسطحة.



وألآية 31 تخبرنا انه أخرج من الارض ماءها ومرعاها بعد أن خلق السماء، وبما أن النباتات لا تنمو إلا بالماء، فإن الله يكون قد خلق السماء والنجوم قبل ان يسطح الارض ويخرج منها النبات الذي هو أقوات ألارض. وهذا كذلك عكس ما أخبرنا القرآن سابقاً، إذ أنه قال أن الله قد قدر أقوات الارض في اربعة أيام قبل أن يخلق السماء في يومين.



وقد تنبه بعض المفسرين الى هذا الاختلاف في خلق الارض والسماء وقال بعضهم أن " بعد ذلك" تعني " ومع ذلك" وليس بعد أن خلق السماء، وعلق القرطبي على ذلك بقوله:" فان قال قائل: فانك قد علمت ان جماعة من اهل التاويل قد وجهت قول الله " والارض بعد ذلك دحاها" الي معني " مع ذلك دحاها" فما برهانك علي ما قلت من ان "ذلك" بمعني "بعد" التي هي خلاف "قبل"

قيل: المعروف من معني "بعد" في كلام العرب هو الذي قلنا من انها بخلاف معني " قبل" لا بمعني "مع" وانما توجه معاني الكلام الي الاغلب عليه من معانبه المعروفه في اهله، لا الي غير ذلك."[189]



وفي سورة هود الآية السابعة نجد: " وهو الذي خلق السموات والارض في ستة ايام وكان عرشه على الماء". وسئل ابن عباس، كما يقول ابن كثير في تفسيره، عن قوله " وكان عرشه على الماء" على اي شئ كان الماء؟ قال: كان على متن الريح. فاذاً اول شئ خلق الله كان الريح ووضع عليها الماء ثم وضع عرشه على الماء قبل أن يخلق الارض والسماء.



واذا كنا نتحدث عن العلم البحت، فليس من الممكن ان يحمل الريح الماء الذي يجلس فوقه العرش. واذا كنا نقصد أن الماء هو السحاب، فالريح يمكن ان تحمل السحاب ولكن لا يمكن للسحاب، وهو بخار الماء، ان يحمل العرش. واي انسان رأى الضباب، وهو سحاب على مستوى منخفض، يعرف انه لا يستطيع ان يحمل اي شئ، ناهيك عن العرش.



وهذه طبعاً فكرة مأخوذه من اليهودية. ففي سفر التكوين، الاصحاح الاول، نجد في البدء خلق الله السموات والارض وكانت الارض خاوية خالية وعلى وجه الغمر ظلامٌ وروح الله يُرف على وجه المياه. وقال الله: " ليكن نورٌ، فكان نورٌ. وراى الله ان النور حسنٌ. وفصل الله بين النور والظلام. وسمى الله النورَنهاراً، والظلامُ سماه ليلاً. وكان مساءٌ وكان صباحٌ: يومٌ أولٌ.



وقال الله: ليكن جَلدٌ في وسط المياه وليكن فاصلاً بين مياه ومياه". فكان كذلك. وصنع الله الجَلَدَ وفصل بين المياه التي تحت الجلد والمياه التي فوق الجلد. وسمى الله الجلد سماءً. وكان مساءٌ وكان صباحٌ، يومٌ ثان.



وقال الله: " لتتجمع المياه التي تحت السماء في مكان واحد وليظهر اليبس". فكان كذلك. وسمى الله اليبس أرضاً وتجمع المياه سماه بحاراً. وراى الله ان ذلك حسنٌ. وقال الله: لتنبت الارضُ نباتاً عُشباً يُخرج بزراً وشجراً مثمراً يُخرج ثمراً بحسب صنفه بزره فيه على الارض" فكان كذلك. فأخرجت الارض نباتاً عُشباً يُخرج بزراً بحسب صنفه وشجراً يُخرج ثمراً بزره فيه بحسب صنفه وراى الله ذلك حسنٌ. وكان مساء وكان صباحٌ: يومٌ ثالثٌ.



وقال الله: " لتكن نيراتٌ في جَلد السماء لتفصل بين النهار والليل وتكون علاماتٍ للمواسم والايام والسنين.....وهكذا تستمر قصة الخلق.

وحتى اليهودية ربمااخذت الفكرة من البابليين القدماء، الذين قالوا، كما رأينا في المقدمة، ان الآلهة ظهروا، كل إلآهين مع بعض، من ماء مقدس كان موجوداً منذ القدم. واكبر ثلاثة من الآلهة كانوا: أبسو Apsu" إله المياه العذبة، وزوجته " تيامات Tiamat" إلهة المياه المالحة، و " مومو Mummu" إله الفوضى. وخلقت الالهة بقية العالم.



ويستمر تسلسل الخلق في القرآن فيقول في سورة الذاريات، الآية 47: " والسماء بنيناها بايدٍ وانا لموسعون". فالله قد بنى السماء اما بأيديه او كلف الملائكة ببنائها. وهذا دليل قاطع ان السماء صلبة وبُنيت بايدٍ، وقال الله هذا القول لتأكيد ان السماء صلبة، لانه في العادة اذا اراد شيئاً ان يقول له كن فيكون. فلو اراد الله للسماء ان تكون لقال لها: كوني، فكانت. لكنه للتأكيد قال بنيناها بأيد.



ويقول الدكتور موريس " وإنا لموسعون" تعني أن الكون أو السماء ما زال يتوسع وينتشر.[190] وهذه حقيقة علمية لكون دوران المجرات يخلق قوة " Centrefugal Force " تجعلها تبتعد عن بعضها البعض. ولكن كلمة موسعون في اللغة تعني المال والغنى. وإذا قلنا أوسع الرجل يعني أصبح ذا غنى ومال. ويقول القرطبي في تفسيره لهذه ألاية: أن الله غني وسيوسع الرزق لعباده. فكون المجرات ما زالت تبتعد عن بعضها البعض اي تتوسع، لا تعني بالضرورة ان القرآن قصد هذا عندما قال " وانا لموسعون".



وهناك من يقول أن السماء هو كل ما سما فوقك أي أرتفع، وبالتالي يكون الهواء سماء. ولكن الدليل ان السماء صلبة نجده في سورة الحج كذلك، الآية 65: " ويمسك السماء ان تقع على الارض الا بإذنه". وطبعاً لا يمكن ان يقع الهواء على الارض، فلا بد ان تكون السماء صلبة لتقع على الارض.



وهناك دليل آخر في سورة الانبياء، الآية 104: " يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب". فلا بد ان تكون السماء صلبة ومسطحة حتى يتسنى له أن يطويها كطي الصحيفة. فكل هذه الآيات تخبرنا ان السماء صلبة ومحسوسة وبنيت وسوف تُطوى كطي السجل.



ثم نزيد قليلاً في ذلك ونرى ان القرآن يقول في سورة نوح، الآية الخامسة عشر: " ألم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقاً". فاذا كانت السماء صلبة، وخلق الله سبع سموات طباقاً، وزينهن بالقمر والنجوم، فلا بد ان يكون القمر والنجوم في السماء الدنيا حتى نراهن. وقد قال الله في سورة الصافات، الآية السادسة: " انا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب".

وفي العقود القريبة الماضية وصل الانسان الى القمر ومشى فوقه ولم ير اي سماء. فهل نفهم من ذلك ان القمر معلق بين السماء والارض؟ وماذا عن الكواكب، فقد وصلت المركبات الفضائية الى المريخ ولم تعثر على سماء. والتلسكوبات الفضائية الحديثة خاصة تلسكوب " هوبارد" الذي يحوم في الفضاء الخارجي للارض، مكننا من ان نرى نجوماً تبعد عن الارض بلايين الاميال، ويستغرق ضوء بعض هذه النجوم ملايين السنين ليصل الينا، ، ولكن حتى ألان لم نر سماءً. فما الذي حدث هنا؟ اما ان لا يكون هناك سماء، او ان السماء ليست صلبة، وبالتالي نجد مشكلة في تفسير الايات السابقة التي تقول أن السماء بنيناها بأيدٍ ويمكن ان تقع على الارض.



وسورة الطور، الآية الرايعة وما بعدها، تقول: " والطور، وكتابٍ مسطور، في رقٍ منشور، والبيت المعمور، والسقف المرفوع ". وفي قصة الاسراء والمعراج يحدثنا روح بن جناح عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن ابي هريرة عن النبي (ص) انه قال: " في السماء السابعة بيت يقال له المعمور بحيال الكعبة وفي السماء الرابعة نهر يقال له الحيوان يدخله جبريل كل يوم فينغمس فيه انغماسة ثم يخرج، فينتفض انتفاضةً يخر عنه سبعون الف قطرة يخلق الله في كل قطرة ملكاً يؤمرون الى البيت المعمور فيصلون فيه". وفي الصحيحين ان رسول الله (ص) قال في حديث الاسراء بعد مجاوزته الى السماء السابعة: " ثم رُفع بي الى البيت المعمور واذا هو يدخله كل يوم سبعون الفاً لا يعودون اليه".



ولو صدقنا قصة الاسراء والمعراج كما يرويها المفسرون، والبيت المعمور هذا، فلا بد ان يكون النبي قد سافر كل هذه البلايين من الاميال في ليلة واحدة ورجع للارض، وفي هذه الحالة يكون قد سافر بسرعة تفوق سرعة الضوء، وهذا مستحيل اذا كنا نتكلم عن العلم ومعجزة القرآن العلمية، او تكون الرحلة كلها ميتافيزيقية، وبالتالي لم يصعد فعلياً الى السماء السابعة ولم ير آدم في السماء الدنيا وابراهيم في السماء السادسة وسدرة المنتهى في السابعة، او البيت المعمور.



واذا نظرنا الى خلق الارض، نجد في سورة الحجر، الاية التاسعة عشر: " والارض مددناها والقينا فيها رواسي وانبتنا فيها من كل شئ موزون ". ويقول ابن كثير في تفسير هذه الاية: مد الارض يعني وسّعها وبسطها وجعل فيها من الجبال الرواسي. وفي سورة الرعد، الآية الثالثة: " وهو الذي مد الارض وجعل فيها رواسي وانهارا ". وفي سورة الانبياء، الآية 31: " وجعلنا في الارض رواسي ان تميد بهم ". وفي سورة النحل، الآية الخامسة عشر: " والقى في الارض رواسي ان تميد بكم وانهاراً وسبلا ". وفي سورة لقمان، الآية العاشرة: " خلق السماء بغير عمد ترونها والقى في الارض رواسي ان تميد بكم ". وفي سورة النازعات، الآية 27-29: " أأنتم أشد خلقاً أم السماء بناها رفع سمكها فسواها وأغطش ليلها واخرج ضحاها والارض بعد ذلك دحاها ". و دحا، يدحو، تعني " سطّح " او " بسط "، كما يقول الشاعر، وهو يصف خبازاً يسطح عجينة الخبز المكورة ليجعلها مستديرة كالقرص قبل أن يضعها في الفرن:

إن انسى لا انسى خبازاً مررت به يدحو الرقاقة وشك اللمح والبصر

ما بين رؤيتها في كفه كُرةً وبين رؤيتها غوراء كالقمر

الا بمقدار ما تنداح دائرةٌ من الماء يُلقى فيه بالحجر



فهو هنا يراه يدحو كرة العجين فتصير غوراء كالقمر، أي مسطحة. وكل الآيات المذكورة اعلاه تخبرنا ان الله خلق الارض مسطحةً وجعل فيها جبالاً لترسيها وتمنعها من ان تميد او تنقلب بنا لانها مسطحة.



وكذلك في سورة الشمس، ألآية السادسة: " والسماء وما بناها، والارض وما طحاها". ويقول القرطبي في تفسيره: طحاها يعني بسطها من كل جانب، مثل دحاها، قاله كذلك الحسن ومجاهد وغيرهما.



وفي سورة الكهف عندما يتحدث القرآن عن ذي القرنين في الآية 86: " حتى اذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ووجد عندها قوماً قلنا يا ذا القرنين اما ان تعذب واما ان تتخذ منهم حسناً ". فهذا هو ذو القرنين مشى في الارض حتى بلغ مغرب الشمس ووجدها تغرب في عينٍ حمئة. وقال المفسرون انه وجدها تغرب في طينٍ اسود. وطبعاً اذا لم تكن الارض مسطحةً فكان لابد لذي القرنين ان يصل احدى المحيطات( إذ أن سبعين بالمائة من سطح الارض تغطيه المحيطات) ويرى الشمس تغرب في الافق و يتبين له كانها تغرب في المحيط. ولكن لان الارض في نظرهم مسطحة، وصل ذو القرنين آخرها ووجد الشمس تغرب في طين اسود.



ويقول ابن كثير في تفسيرة للاية: " فسلك طريقاً حتى وصل الى اقصى ما يُسلك فيه من الارض من ناحية المغرب. ووجدها تغرب في طين اسود"، وبه قال ابن عباس ومجاهد. ولو كانت الارض غير مسطحة ما كان ممكناً لذي القرنين ان يصل الى اقصى ما يُسلك فيه من الارض، بل كان سيدور حول الارض ويرجع الى مكان ابتداء رحلته.



وفي نفس السورة، الآية 90: " حتى اذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قومٍ لم نجعل لهم من دونها ستراً ". ويقول ابن كثير: " ولما وصل الى اقصى ما يُسلك فيه من الارض من ناحية الشرق وجد الشمس تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها ستراَ، اي ليس لهم بناء يكنهم ولا شجر يظلهم ويسترهم من حر الشمس. قال سعيد بن جُبير كانوا حًمراً قصاراً مساكنهم الغيران، اكثر معيشتهم من السمك".

ونفهم من العرض الذي سبق ان الارض مسطحة واراد الله ان يحفظ توازنها فالقى بها جبالاً ليمنعها ان تنقلب بنا. وهذه الفكرة قديمة قدم التاريخ، فالمصريون القدماء قبل حوالي الفين عام قبل الميلاد، زعموا ان الارض مسطحة ومستديرة كالقرص، وان مصر في وسطها وبلاد العالم الاخري، خاصة التي بها جبال، في اطراف القرص لتحفظ توازنه[191].



والدكتور موريس يعترف أن الرسول واصحابه كانوا يعتقدون أن ألارض مسطحة عندما يقول: " من السهل على انسان اليوم ان يفهم توالي الليل والنهار لانه يعرف ان الارض تدور حول نفسها، والقرآن وصف هذه الحركة كأنما مفهوم ان الارض مكورة كان مفهوماً في تلك الايام، ولكن هذه لم تكن الحالة في تلك الايام"[192]. إذاً النبي محمد لم يكن يعرف أن ألارض كروية وإلا لأخبر أصحابه بذلك. فإذا كان الناس الذين نزل عليهم القرآن لا يعرفون أن الارض مكورة، ورسولهم لم يخبرهم بذلك، ربما لانه ما كان يعرف ذلك، فهل نفهم أن القرآن قصد مخاطبة الاجيال المستقبلية عندما قال بتتابع الليل والنهار؟



قد رأينا أن فكرة أن الارض مسطحة كانت سائدة في العصور البدائية وحتى بعد الميلاد عندما دافعت الكنيسة عن فكرة أن الارض مسطحة. ولكن في القرن السادس قبل الميلاد قال بعض اعضاء جمعية " Pythagoreans " في جنوب ايطاليا، وهذه الجماعة مسماة على عالم الرياضيات " Pythagorus "، قالوا ان الارض كروية وتدور حول نفسها، وقد ذكر هذا الدكتور موريس في كتابه[193]. فإذا كانت فكرة أن الارض كروية كانت معروفة منذ ستة قرون قبل الميلاد، كيف نفسر أن القرآن ظل يكرر ان الله دحا وبسط الارض، وأن الرسول وأصحابه لم يكونوا يعرفون أن الارض مكورة؟



وقد تعرض أعضاء جمعية Pythagorus الى القتل والتعذيب من قبل الكنيسة، مما اضطر بعضاً منهم للهرب الى اليونان وانشاء مذهبهم او مدرستهم هناك. واي شخص تجرأ وعارض فكرة ان الارض مسطحة وان الشمس تدور حول الارض، قُتل او عُذب. وحتى في القرن الخامس عشر للميلاد، عندما قال كوبرنكس " Copernicus " العالم البولندي، ان الارض تدور حول نفسها وتدور كذلك حول الشمس، اتهموه بالذندقة، ولولا انه مات بعد نشر نظريته بوقت قصير، لحاكموه بالذندقة وقتلوه، كما حاكموا جاليليو " Galileo " في عام 1534 في ايطاليا عندما قال ان الشمس ليست مركز الكون. وقد حكموا على جليليو بالحبس المنزلي ولم يسمحوا له بمغادرة بيته، حتى مات بعد ثماني سنوات من نشر نظريته.



وبما انهم كانوا يعتقدون ان الارض مسطحة، نجد القرآن يخبرنا ان الله ألقى في الارض رواسي كي لا تميل بنا. ونفهم من هذا ان الله ألقى الجبال من السماء على الارض، لان الالقاء يكون من اعلى الى اسفل. ولكننا ألان نعلم ان الجبال لم تُلقى بل ارتفعت من داخل الارض نتيجة البراكين العديدة عندما كانت الارض ساخنة بعد انفصالها من الشمس.



وبمناسبة الحديث عن السماء، دعنا ننظر للآية 43 من سورة النور: " ألم تر ان الله يزجي سحاباً ثم يُؤلف بينه ثم يجعله ركاماً فترى الودق يخرج من خلاله وينزل من السماء من جبال فيها من بَرَد فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء".ٍ يقول ابن كثير: من جبال فيها من برد معناه ان في السماء جبال بَرَد ينزل الله منها البَرَدَ. ". ( أنظر تفسير أبن كثير للآية). ولكن الدكتور موريس يقول في شرح هذه ألآية: " أن الله يُنزل من السماء جبال برد"[194]. وهذا طبعاً تغيير كامل للآية التي تقول: " وينزل من السماء من جبال فيها من برد".



ونحن نعرف الان ان ليس في السماء جبال من ثلج ينزل منها البَرَدُ او الجليد. والبَرَد هو عبارة عن قطرات مطر تجمدت اثناء نزولها من السحاب لشدة برودة الطقس، وكذلك الجليد يتكون عندماء يكون الطقس بارداً ولكن اقل برودة من الطقس الذي يسبب البَرَد [195]. فالعلم هنا ابعد ما يكون عن منطق القرآن.



والعرب كغيرهم من الناس منذ بدء الحياة على ألارض قد لاحظوا أن الشمس تشرق من الشرق وتبدو كأنها تسير نحو الغرب وتختفي في الافق لتظهر لهم مرة أخرى من الشرق. وكذلك يتغير شكل ومجرى القمر. وهذه ملاحظة بسيطة لا تحتاج لذكاء أو لعلم. وأخذ القرآن هذه الملاحظة البسيطة وكررها في عدة سور ليؤكد ان الشمس والقمر كلُ يجري لأجل مسمى:



" الله الذي رفع السموات بغير عمدٍ ترونها ثم أستوى على العرش وسخر الشمس والقمر كلُ يجري لأجلٍ مسمى"[196]



" ألم تر أن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كلٌ يجري الى أجلٍ مسمى"[197]

" يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كلٍ يجري لأجل مسمى"[198]

" يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل وسخر الشمس والقمر كلٌ يجري لأجل مسمى"[199]



" وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كلٌ في فلكٍ يسبحون"[200]



ونلاحظ هنا أن القرآن لم يذكر ولو مرةً واحدةً أن الارض تجري لأجل مسمى. والسبب طبعاً أنهم كانوا يعتقدون ان الارض مسطحة وثابتة والشمس تجري حولها، وهذه كانت الفكرة السائدة في تلك الحقبة من الزمن، وكانت تعتمد على ملاحظة أن الشمس تشرق من الشرق وتغرب في الغرب، وتبدو كأنها تسير و تجتاز السماء من الشرق الى الغرب، وكذلك القمر. والدكتور موريس يقول: ( يثبت القرآن أن الشمس تجري في فلك، ولكنه لا يحدد صلة هذا الفلك للارض. ففي زمن نزول القرآن كانوا يعتقدون أن الشمس تتحرك وأن الارض ثابتة. وهذه كانت النظرية الشائعة منذ زمن بطليموس في القرن الثاني قبل الميلاد، واستمرت حتى أيام كوبرنكس في القرن السادس عشر بعد الميلاد. ومع أن الناس في أيام محمد كانوا يوقنون بهذه الفكرة، إلا أن القرآن لم يذكرها اطلاقاً)[201].



ويحق لنا أن نسأل لماذا لم يذكر القرآن أن الارض كروية وتتحرك، ليثبت للعرب أن بطليموس كان خاطئاً وانه لا يعلم اسرار الكون كما يعلمها الله الذي خلق الكون؟ فالقرآن، كما يخبرنا الدكتور موريس وأمثاله، كتاب أحتوى كل تفاصيل العلم الحديث عندما نزل في القرن السابع الميلادي، وليس هناك ما يظهر من اكتشافات في العلم الحديث إلا وكان القرآن قد ذكرها.



ونحن الان نعرف أن القمر يدور حول نفسه وكذلك يدور حول الارض في تسعة وعشرين يوماً ونصف اليوم. والارض نفسها تدور حول نفسها في 24 ساعة وتدور حول الشمس في 365 يوماً. والشمس تدور حول نفسها في 25 يوماً ولا تدور حول شئ آخر. وكل المجرة بما فيها الشمس والقمر والارض، تدور حول مركز المجرة في حوالي 250 مليون سنة تقريباً.



ويتضح من هذا أن الشمس أقل دوراناً من الارض، والارض أقل دوراناً من القمر. فما دامت الشمس أقل دوراناً من ألارض، لماذا ذكر القرآن أن الشمس تجري لمستقر لها ولم يذكر الارض التي تجري أكثر من جريان الشمس؟ ولماذا لم يذكر بقية النجوم والكواكب، وكلها يجري لمستقر له؟





الجنين:

يأكد لنا العلماء المسلمون ان القرآن صالح لكل زمان ومكان وانه يواكب تطور العلم الحديث وعنده الجواب لكل شئ. فدعنا ننظر الى خلق الجنين لنرى اذا كان القرآن فعلاً قد سبق تطور العلم. فالقرآن يخبرنا في سورة الطارق، الآية الخامسة وما بعدها: " فلينظر الانسان مما خُلق، خُلق من ماء دافق، يخرج من بين الصلب والترائب ". وتفسير العلماء ان الماء الدافق هو المني يخرج دافقاً من الرجل ومن المرأة، فيتولد منه الولد.



وطبعاً ليس للمرأة ماءٌ دافق كالرجل. وليس لها ماء اطلاقاً غير السوائل المخاطية التي يفرزها المهبل عند تهيج المرأة قبل بدء الجماع، لتسهيل عملية الايلاج. وهذه السوائل لا تلعب اي دور في خلق الجنين. وعليه فإن الجنين يُخلق من الماء الدافق الذي يخرج من الرجل. وهذه طبعاً نصف القصة، فلا بد من بويضة المرأة لتكوين الجنين، والقرآن لا يذكر دور المرأة في تكوين الجنين. وقد يكون هذا مفهوماً في ذلك الوقت اذ ان كل ما رأوه كان المني يخرج من الرجل ولم يروا البويضة.



ومن اين يخرج هذا الماء الدافق من الرجل؟ يخرج من بين الصلب والترائب. والمفسرون لم يتفقوا على ماهي الترائب. وسئل ابن عباس: ماهي الترائب؟ قال هذه الترائب، ووضع يده على صدره. واما مجاهد فقد قال: الترائب ما بين المنكبين الى الصدر. وقال سعيد بن جُبير: الترائب اربعة اضلاع من الجانب الاسفل. واما الضحاك فقد قال: الترائب ما بين الثديين والرجلين والعينين. ومعمر بن ابي المدني قال انه بلغه في قول الله عز وجل " يخرج ما بين الصلب والترائب" هو عُصارة القلب، من هناك يكون الولد. واما قتادة فيقول ان الماء الدافق يخرج من بين صلب الرجل ونحره، حسب تفسير ابن كثير. وقول قتادة هو الذي كان سائداً في ذلك الوقت، وحتى الوقت الحالي. فمعظم الناس يعتقدون ان المني يخرج من الظهر، ولذلك يقولون فلان ابن ظهر فلان. والرجل يقول هذا ابني من ظهري.



والحقيقة ان المني لا يخرج من الظهر ولا من بين الصلب والترائب. فالمني يتكون في جهاز خاص به تحت مثانة البول، يسمى البروستاتة، وكذلك من اكياس صغيرة بجنبي البروستاتة وعلى اتصال بها، تسمى " Seminal Vesicles" أي الاكياس المنوية، والحيوانات المنوية تتكون في الخصيتين، ثم يجتمع الاثنان ويخرج المني وقت الجماع ليختلط ببويضة المرأة ومنهما يتكون الجنين.

ويعلق الدكتور موريس على هذه ألآية فيقول: ( يخرج هذا الماء كنتيجة التقاء منطقة الرجل الجنسية، وهي الصلب، مع منطقة المرأة الجنسية، وهي الترائب. وهذا التفسير أكثر ملاءمة من الترجمة الانجليزية او الفرنسية التي تقول ان الماء يخرج من بين الظهر وعظام الصدر. فهذا القول يكون تفسيراً اكثر منه ترجمة)[202]. وفي الحقيقة أن الترجمة الانجليزية او الفرنسية أصدق قولاً وملاءمةً للقرآن من تفسير الدكتور.



وفي سورة " المؤمنون" الآية الثانية عشر وما بعدها تقول: " ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين، ثم جعلناه نطفة في قرار مكين، ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مُضغة فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً ثم انشأناه خلقاً آخر فتبارك الله احسن الخالقين ".



ونحن نعرف ان " ثم" و " ف" حروف تُستعمل لتفيد التسلسل والتتابع. ففي الآية اعلاه يقول جعلناه نطفةً في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة، اي بعد ان كان نطفة صار علقة. فخلق العلقة مضغة فخلق المضغة عظاماً ثم كسا العظام لحماً. فنفهم من هذا التسلسل المنطقي ان العظام خُلقت اولاُ ثم كُسيت لحماً. غير ان الواقع غير ذلك.



ولكن دعنا أولاً نرى ماذا يقول علماء الاسلام ومفسروه عن خلق الجنين. فقد روي الاستاذ شمس الدين بن قيّم الجوزية عن ابن مسعود انه قال: حدثنا رسول الله ( ص) وهو الصادق المصدوق: " إن أحدكم يُجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك، ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الله الملك فينفخ فيه الروح ".[203]



وقال الامام أحمد، حدثنا هشيم أنبأنا علي بن زيد سمعت أبا عتبة بن عبد الله يحدث قال: قال عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله (ص): "إن النطفة تكون في الرحم أربعين يوماً على حالها لا تغير، فإذا مضت له أربعون صارت علقة، ثم مضغة كذلك، ثم عظاما كذلك، فإذا أراد الله ان يسوي خلقه بعث الله اليه الملك، فيقول الملك الذي يليه: أي رب! أذكر أم أنثى، أشقي أم سعيد، أقصير أم طويل، أناقص أم زايد، قوته وأجله، أصحيح أم سقيم؟ فيكتب ذلك كله، فهذا الحديث فيه الثقة. ,ان الحادث بعد الاربعين الثالثة – تسوية الخلق عند نفخ الروح فيه"[204]



وعلق الدكتور الذي حقق هذا الكتاب على هذا الحديث بقوله ( وهذا التوفيق ليس صحيحاً إذ أن بعث الملك في الحديث جاء بعد هذه المراحل وعبر عنه بلفظ " ثم" وهي تفيد الترتيب والتعقيب،، والتوفيق الصحيح هو ما ذكرناه آنفاً بحيث يكون في حديث ابن مسعود دخول الملك بعد الاربعين الثالثة وحديث حذيفة يبين دخول الملك بعد اربعين يوماً تالية للاربعين الثانية التي يكون فيها جمع الخلق في العلقة وهو ما عبر عنه بلفظ " بعد ما تستقر" حيث ان الاستقرار يعني تعلق النطفة في جدار الرحم)



ولا ادري أي ملك يتحدث عنه الدكتور إذا كنا نتحدث عن العلم. فعلم الاجنة كما درسناه لا يتحدث عن دخول ملائكة الى رحم المرأة الحامل لتنفخ الروح في جنينها. وقد تكون هذه وقفة مناسبة نسأل فيها الدكتور، من ينفخ الروح في أجنة الكلاب وهي في أرحام أمهاتها؟ فنحن نعلم من الاحاديث النبوية ان الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلب. وبالتالي نستطيع ان نقول ان الملائكة لن تدخل رحم كلبة حبلى، فمن أين تأتي الروح لأجنة الكلاب؟ هل ينفخها الشيطان أم تدخل في الكلب دون ان تُنفخ. فإن كان الاخير، فلا داعي إذاً لملك ينفخ الروح في الجنين.



وحسب الاحاديث السالفة يستغرق الجنين من كونه نطفة فعلقة فمضغة مائةً وعشرين يوماً، ثم عشرة أيام لنفخ الروح، اي ما يزيد عن ثمانية عشر اسبوعاً ثم ينفخ فيه الروح ويُحدد له ان يكون ذكراً أو أنثى. وهذا الكلام أبعد ما يكون عن العلم الحديث. فدعنا ننظر ماذا يقول العلم عن تكوين الجنين.



علم ألاجنة أي أل " Embryology " كما يُدرّس في كليات الطب الحديثة يقول: أن الحيوان المنوي الذي يحمل ستةً واربعين من " الكروسومات"، واحد منها يسمى " اكس" وهو كروموسوم الانوثة، وواحد يسمى " واي" وهو كروموسوم الذكورة يدخل الرحم وقت الجماع ويسافر في فراغ الرحم حتى يدخل احد الانبوبتين اللتين توصلان بين المبيض والرحم، وإذا قابل بويضة الانثي التي تحمل ستةً واربعين من " الكروسومات"، أثنين منها تدعى " اكس" وهي كروموسومات ألانوثة، حصل التلقيح وابتدأت البويضة في الانقسام الى خليتين ثم أربعة ثم ثمانية وهكذا. وفي نفس الوقت تواصل تقدمها في الانبوب نحو الرحم. فإذا وصلت الرحم التصقت بجداره وواصلت انقسامها، وإذا لم تصل الرحم، تظل في الانبوب وتواصل انقسامها الى ان ينفجر الانبوب، وهذا ما يسمى بالحمل الانبوبي أي حمل خارج الرحم.



أما إذا دخلت الرحم والتصقت به وواصلت انقسامها، تنفصل الخلايا الى ثلاثة طبقات: أكتوديرم وميسوديرم واندوديرم. الطبقة الاولى يتكون منها المخ والاعصاب والجلد. والطبقة الثانية يتكون منها العظام والعضلات والاوعية الدموية. أما الطبقة الاخيرة فيتكون منهاالامعاء والرئتين والكبد والبنكرياس. وكل هذه الاعضاء تنموا بالتوازي وليس بالتسلسل.



بنهاية الاسبوع الرابع يكون طول الجنين سنتيمتراً واحداً ووزنه جراماً واحداً وقد ظهر منه الرأس والبدن والذنب وظهرت مواضع العينين. وبنهاية الاسبوع الثامن يكون طول الجنين ثلاثة سنتيمترات ووزنه اربعة جرامات وقد ظهرت منه الايدي والاصابع والارجل والاقدام بأصابعها. وهنا يكون قد ابتدأ في الظهور أول عظم بالجسم، وذلك عظم الترقوة. بقية العظام ما زالت مكونة من غضروف ولا بد ان ,تترسب املاح الكالسيوم في هذه الغضاريف لتصير عظاماً.[205]



وبنهاية الاسبوع الثاني عشر يكون الجنين قد اكتمل تكوينه وصار طوله حوالي تسعة سنتمترات ووزنه ستون جراماً. وتكون المشيمة قد اكتمل نموها لتمد الجنين بالغذاء اللازم لنموه وبالاكسجين. وبنهاية الاسبوع السادس عشر يبدأ القلب في ضخ الدم حول الجسم ويبدأ الطفل الحركة داخل الرحم. وينمو الجنين بعد ذلك بسرعة كبيرة وتترسب املاح الكالسيوم في الغضاريف لتكوّن العظام.



أما كون الجنين ذكر أم أنثى فهذا يتحدد في اللحظة التي يتم فيها تلقيح البويضة، فإن خالط البويضة كروموسوم واي وهو الذكر صار الجنين ذكراً وإن خالطها كرومسوم اكس وهو كروموسوم الانوثة، صار الجنين أنثى. فالحيوان المنوي هو الذي يحدد جنس الجنين إذ أن البويضة تحمل كروموسومات الانوثة فقط، بينما يحمل الحيوان المنوي كروموسومات الانوثة والذكورة



فنحن نرى هنا انه بنهاية الاسبوع السادس عشر يكون شكل الجنين قد اكتمل وبدأ قلبه يضخ الدم وبدأ هو بالحركة، فهو إذاً حيّ يتحرك ولم تتكون منه الا أجزاء من عظام ترسب فيها الكالسيوم. ويحدث كل هذا بنهاية الاسبوع السادس عشر وليس في منتصف الاسبوع الثامن عشر كما تقول الاحاديث سابقة الذكر، عندما يدخل الملك لينفخ فيه الروح.



وكما ذكرنا سالفاً أن أول عظم يبدأ بالظهور في الجنين هو عظمة الترقوة، وتبتدئ بالظهور في الاسبوع السابع من تكوين الجنين. وبقية العظام تكون مكونة من غضروف تترسب به املاح الكالسيوم بالتدريج. وبعض العظام ( كعظام الرسغ) لا يتم تكوينها النهائي الا بعد سنوات من ولادة الطفل. فاذاً فكرة خلق العظام اولاً ثم كسوتها لحماً فكرة غير صحيحة.



وتتكرر نفس الفكرة في سورة البقرة ألآية 259 عندما أمات الله رجلاً وحماره مائة عام ثم احياه وقال له كم لبثت؟ قال لبثت يوماً او بضع يوم. فقال الله له انظر الى عظام حمارك الميت: " وانظر الى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحماً". أي انظر الى عظام الحمار الميت كيف نربطها بعضها على بعض ثم نكسوها لحماً ثم نُحي الحمار. فهو هنا مرة اخرى يخلق العظام ويربطها ببعضها ثم يكسوها لحماً.



وحتى الاحاديث المنسوبة للنبي لا تمت للعلم بشئ. فقد ذكر ابن كثير في تفسيره للآية المذكورة اعلاه أن بعض الناس يقرأها " فخلقنا المضغة عظماً " وقال ان ابن عباس قال: هو عظم الصُلب، وروى حديث ابي الزناد عن الاعرج عن ابي هريرة قال: قال رسول الله (ص): " كل جسد ابن آدم يبلى الا عجب الذنب، منه خُلق ومنه يُركّب". وطبعاً الانسان لا يُخلق من عظم العجب، وليس عظم العجب أقوي شئ فيه. فالمعروف ان اسنان الانسان هي اقوي شئ في جسمه إذ تتكون من مادة ال Enamel وهي آخر ما يبقى من جسم الانسان.



وفي حديث آخر قال الامام احمد حدثنا حسن بن الحسن، حدثنا ابو كدينة عن عطاء بن السائب عن القاسم بن عبد الرحمن عن ابيه عن عبد الله قال: مر يهودي برسول الله (ص) وهو يحدث اصحابه، فقالت قريش: يا يهودي، ان هذا يزعم انه نبي. فقال اليهودي: لأسألنه عن شئ لا يعلمه الا نبي. فقال: يا محمد مم يُخلق الانسان؟ قال من كلٍ يُخلق، من نطفة الرجل ومن نطفة المرأة، فاما نطفة الرجل فنطفةٌ غليظة منها العظم والعصب واما نطفة المرأة فنطفة رقيقة منها اللحم والدم. وطبعاً هذا الكلام لا يمت للحقيقة بشئ، ولا يستحق التعليق عليه.



وأما لماذا يشبه المولود أباه أو أمه؟ فنحن الآن نعرف أن ذلك ناتج عن جينات الوراثة التي يكتسبها الطفل من ابويه وقت تلقيح البويضة، فإذا كثرت جينات الاب صار الطفل أشبه بأبيه، وإن كثرت جينات الام ، صار أشبه بأمه. ولا بد للطفل ان يرث جينات من أمه وأخرى من ابيه وبذا يكتسب بعض الصفات من الام والبعض الاخر من الاب. ولكن أنظر ماذا يقول علماء الاسلام.



في صحيح مسلم عن عائشة: أن أمرأة قالت لرسول الله (ص) هل تغتسل المرأة اذا احتلمت فأبصرت الماء؟ فقال: نعم، فقالت عائشة: تربت يداك، فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام: دعيها وهل يكون الشبه الا من قٍبل ذلك إذا علا ماؤها ماء الرجل – أشبه الولد أخواله، وإذا علا ماء الرجل ماءها أشبه أعمامه.



هذا الحديث لا شك ألفه رجال لا يعرفون أي شئ عن الفيسيولوجي. فالمرأة إذا احتلمت لا يخرج منها مني، وإذا جامعت الرجل لا يخرج منها ماء ليعلو ماء الرجل أو ليعلوه ماء الرجل. فقد ذكرنا سابقاً ان المهبل وبعض الغدد في شفائف المهبل تفرز مادة لزجة عند التهيج وقبل بدء الجماع لتسهيل عملية الايلاج، ولكن عندما تتهيج المرأة اثناء الجماع " Orgasm " فلا يخرج منها ماء حتى يعلو ماء الرجل أو يعلوه ماء الرجل.



والدكتور عبد الغفار البنداري الذي حقق كتاب ابن قيم الجوزية يعلق على هذا الحديث فيقول: ( أخرجه مسلم، باب وجوب الغسل على المرأة بخروج المني منها/ والشبه هنا غير الجنس والنوع. فالشبه شئ بقدرة الله تعالى. وهو ما فُهم سببه في الطب الحديث بغلبة الصفات الوراثية التي تحملها الجينات الوراثية التي تتكون منها الحيوانات المنوية الموجودة في ماء الرجل او الجينات الوراثية التي تتكون منها خلايا البويضة الموجودة في ماء المرأة. وهذا معنى أيهما علا أو سبق يكون منه الشبه).[206]



والدكتور أخطأ مرتين هنا: المرة الاولى هي أن بويضة المرأة خلية واحدة فقط وليست خلايا كما يقول، والمرة الثانية انه قال " البويضة الموجودة في ماء المرأة". وقد ذكرنا ان المرأة ليس لها ماء، والبويضة لا تسبح في ماء كما يسبح الحيوان المنوي، إنما تحركها شُعيرات صغيرة داخل الانابيب التي تصل بين المبيض والرحم.



ولسبب ما يقول القرآن عن المني أنه ماء مهين بعد أن كان ماءً دافقاً. ففي سورة السجدة ألآية 8 يقول: " ثم جعلنا نسله من سلالةٍ من ماء مهين". وفي سورة المرسلات، ألآية 20 يقول: " ألم نخلقكم من ماءٍ مهين". ولا أجد أي سبب يجعل المني مهين، لأنه لو كان المني مهين فإن الانسان الذي يُخلق منه يصير مهيناً كذلك، لأن الفرع يتبع ألاصل. لكن الدكتور موريس قدّم تفسيراً من عنده فقال: ( وصف المني بانه مهين ناتج عن كونه يخرج من مجري البول) [207]. ماذا إذاً عن الجنين وهو يخرج من الفرج الذي يخرج منه الحيض، وهو انجس شئ في الاسلام وفي اليهودية كذلك، ويخرج منه البول كذلك، رغم ان البول له مخرج خاص لكنه يفتح داخل شفائف الفرج، وبالتالي يخرج البول من الفرج، فهل يكون الفرج قذراً؟ والمني القذر هذا يُسكب في المهبل وبالتالي يجب أن يكون المهبل قذراً لانه يحتوي على مني قذر. فهل يا تُرى يكون الجنين مهيناً وقذراً لانه يخرج من المهبل؟



ونحن نعرف أن مدة الحمل عند النساء تسعة أشهر قد تزيد بأسبوعين او ثلاثة، وبعدها يموت الجنين إذا لم يولد لان المشيمة تتصلب أوعيتها الدموية بعد هذه المدة ولا تستطيع تغذية الجنين، فيموت. ولذا لا يسمح الاطباء للحمل ان يستمر اكثر من اسبوعين أو ثلاثة بعد اكتمال مدته، وفي هذا الاثناء تكون المرأة تحت مراقبة مستمرة لمعرفة حال الجنين. وعند ظهور أول علامات مضايقة الجنين من عدم وصول الاوكسجين اليه بكمية وافرة، يتدخل الاطباء لإنهاء الحمل. ولكن انظر ماذا يقول علماء الاسلام: " وأما أقصاها ( مدة الحمل) فقال ابن المنذر اختلف أهل العلم في ذلك فقالت طائفة: أقصى مدته سنتان، وروي هذا القول عن عائشة وروي عن الضحاك وهرم بن حيان: أن كل واحد منهما أقام في بطن أمه سنتين وهذا قول سفيان الثوري. وفيه قول ثاني: وهو أن مدة الحمل قد تكون ثلاث سنين. روينا عن الليث بن سعد أنه قال حملت مولاة لعمر بن عبد الله ثلاث سنين، وفيه قول ثالث: أن أقصى مدته أربع سنين هكذا قال الشافعي.[208]



ولننظر الان الى سورة النحل، الآية 66 : " وإن لكم في الانعام لعبرةٌ نُسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودمٍ لبناً خالصاً سائغاً للشاربين ". فلنرى اولاً ماذا يقول ابن كثير في تفسيره لهذه ألآية. يقول: لبناً خالصاً اي يتخلص الدم بياضه وطعمه وحلاوته من بين فرث ودم في باطن الحيوان، فيسري كلٌ الى موطنه اذا نضج الغذاء في معدته، فينصرف منه دم الى العروق ولبن الى الضرع وبول الى المثانة وروث الى المخرج وكل منها لا يشوب الاخر ولا يمازجه. والفرث هو مافي امعاء الحيوان من فضلات ، ومنه يتكون الروث او البعر.



واي انسان لديه قليل من العلم يعرف ان اللبن لا يتكون في بطن البقرة او النعجة وانما في الضرع، وليس هناك اي مجال لاختلاط اللبن بالروث او بالدم. ولذا قوله " نسقيكم مما في بطونه من بين رفث ودم "، لا يمت للعلم بشئ.



ولكن أنظر ماذا يقول الدكتور موريس: ( التفسير الذي أوردته لهذه ألآية تفسير شخصي لان تفاسير بلاشيري وبروفسير حميد الله غير مقبوله لانه ليس هناك أي اتفاق بينها وبين الافكار الحديثة حتى على أبسط المستويات. ومن المعروف ان المترجم، مهما كانت خبرته، معرض للخطأ في ترجمة الحقائق العلمية، إلا إذا حدث أن كان هو نفسه أخصائي في ذلك المجال. وأحسن تفسير لهذه ألآية هو: ان في انعامكم عبرة لكم. فاننا نسقيكم مما في داخل أجسامها، ويأتي من منطقة اتصال محتويات الامعاء مع الدم، لبناً خالصاً.)[209] ويستمر الدكتور فيقول:



(فأنا قد أخترت " من داخل اجسامها" بدل " من داخل بطونها" لان كلمة " بطن" تعني كذلك " الوسط" أو " داخل الشئ". والكلمة ليس لها معنى محدد في لغة التشريح " Anatomy ". وفكرة مصدر اللبن تأتي من كلمة " بين" وهي أيضاً تستعمل في معنى إحضار شخصين أو شيئين مع بعض. والمواد التي يتكون منها اللبن تأتي من تغيرات كيماوية تحدث على مجرى الجهاز الهضمي. وعندما تصل درجة معينة من الهضم تتسرب وتدخل في الدورة الدموية. واللبن يفرزه الضرع ولكن الضرع يتغذى بمحتويات الدم التي أتت من الامعاء. فالدم إذاً يلعب دور حامل وموزع الغذاء الذي أتى من الامعاء. وهذه الحقائق لم تكن معروفة في أيام النبي محمد. ولأن الدورة الدموية اكتشفها وليام هارفي حوالي عشرة قرون بعد نزول القرآن، فأعتقد أن هذه ألآية واشارتها لاختلاط الغذاء بالدورة الدموية، لا يمكن ان يكون لها تفسير بشري نسبة للزمن الذي نزلت فيه)[210].



تفسير الدكتور فيه أشياء كثيرة تستحق التعليق:

أولاً: يقول الدكتور انه بدل كلمة " بطونها " فقد اختار لتفسيره كلمة " أجسامها" لان كلمة أجسامها توافق المعنى أفضل من بطونها. فهو هنا غيّر كلمة نزلت في القرآن وبالتالي وضع نفسه في مكان من يصحح الله، وهذا طبعاً غير مقبول لأهل الدين.



ثانياً يقول الدكتور انه اختار كلمة اجسامها لأن كلمة البطن ليس لها تعريف محدد في علم التشريح. وبما أن الدكتور جراح فهو يعرف أن كلمة بطن " Abdomen " معرّفة تعريفاً دقيقاً في علم التشريح. فهي المنطقة الواقعة بين الحجاب الحاجز " Diaphragm " والحوض،وتحدها الخاصرة من كل جانب. فالدكتور هنا اما انه لم يتبع الامانة العلمية او انه يجهل تعريف البطن، وهو شئ مستبعد



وثالثاً يقول الدكتور أن المفسرين مهما كان علمهم باللغة معرضون للخطأ إلا إذا كانوا علماء متخصصين في ذلك الفرع المعين من العلم. فإذاً نستطيع أن نقول أن كل التفاسير التي بحوزتنا يجب أن نرميها في البحر إذا كانت تتعلق بتفسير أي آية فيها شئ من علم الفلك أو الفيزياء أو الكيمياء، لان المفسرين القدماء لم يكونوا اخصائين في هذه العلوم. ويقودنا هذا الى أن نسأل لماذا خاطب الله العرب بلغة علمية لا يفهمون معناها وهو كان يريد اقناعهم ليسلموا؟



ولننظر الان الى المياه الحلوة والمالحة. ففي سورة الرحمن، الآية التاسعة عشر وما بعدها: " مرج البحرين يلتقيان، بينهما برزخ لا يبغيان، فباي الاء ربكما تكذبان، يُخرج منهما اللؤلؤ والمرجان ". وكلمة " مرج " تعني " خلط "، لان " المروج " هي الحقول الشاسعة الخضراء، كأنما اختلط حقلٌ بحقل، فصارت مروجاً شاسعة. ويقول المعجم الوسيط: مرج تعني خلط [211]. وفي القاموس المحيط للفيروز آبادي: المرج تعني القلق والاضطراب والاختلاط. ولكن ابن عباس يقول (" مرج " يعني ارسلها، وقوله " يلتقيان" قصد به انه منعهما ان يلتقيا، بما جعل بينهما من برزخ.) واما البحر الحلو فهو الانهار. وطبعاً كل هذا اللف والدوران هو محاولة للخروج من مأزق " مرج البحرين يلتقيان" و " بينهما برزخ لا يبغيان". والواضح ان المقصود انه خلط الماء العذب من الانهار بماء البحار. وكل انهار العالم المعروفة تصب في البحار، ماعدا بعض الشواذ التي تصب في بُحيرات، فكيف يقولون انه جعل بينهما برزخاً فلا يلتقيان، لا يمكن تفسيرها تفسيراً علمياً.



وماذا عن " يُخرج منهما اللؤلؤ والمرجان". فأولاً، اللؤلؤ معروف ولكن لا احد يعرف ما هو المرجان. فقد قيل انه صغار اللؤلؤ، قاله مجاهد وقتادة والضحاك ورُوي كذلك عن عليّ. وقيل هو كباره وجيده، حكاه ابن جرير عن بعض السلف، وقيل هو نوع من الجواهر احمر اللون. قال السدي عن ابن مالك: المرجان الخرز الاحمر. فواضح اولاً ان كلمة " المرجان " ادخلت في الآية لتماشي السجع، وليس لها معني مفهوم للعرب رغم ان القرآن نزل بلسان عربي. وثانياً، يُفهم من قوله " يُخرج منهما اللؤلؤ والمرجان " ان اللؤلؤ يخرج من البحر ومن النهر، وهذا بالتأكيد غير صحيح، فليس هناك نهر بالعالم به لؤلؤ.



وفي سورة الفرقان، الآية 53: " وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فراتٌ وهذا مالحٌ اُجاجٌ وجعل بينهما برزخاً وحجراً محجوراً ". ولا جديد في هذه الاية ولا تخدم غرضاً غير التكرار. ولكن في سورة فاطر، ألآية 12: " وما يستوي البحران هذا عذب فراتٌ سايغ شرابه وهذا ملحٌ أجاج ومن كلٍ تأكلون لحماً طرياً وتستخرجون حليةً تلبسونها وترى الفلك فيه مواخر لتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون". وهنا كذلك يخبرنا القرآن اننا نستخرج حليةً من الانهار، وليس هذا بصحيح