يومٌ من أيام العُمر

يومٌ من أيام العُمر


06-20-2006, 12:32 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=265&msg=1356399909&rn=0


Post: #1
Title: يومٌ من أيام العُمر
Author: عبدالله الشقليني
Date: 06-20-2006, 12:32 PM

[RED/]
يوم من أيام العُمر


نهضت عند صُبح تَسلل من عباءة الليل و عَبَر سَحراً دامٍ ، ثم صُفرة يانِعة بين الكآبة والإشراق . حاولت تذكر أحلامي ففي نفسي يقيناً ما إن بذاكرتي ثقوباً تهرب منها الأحلام . تتشقق الحكايات و تتناثر الأحداث . ربما هي تقدم العُمر ، أو أن ذاكرتي لا تُحسِن الإمساك بالفرح إلا لتفارقه إلى حُزن مُقيم .
انتصبتُ واقفاً ، ونهض معي وهج غامض ، يلتف كهالة تطوقني . اختلط الحُلم بالصحو ، و تراقص الجسد قليلاً ، ثم اتزن بعد جُهد . هاجس نـزل على نفسي : ـ

إن الهموم ستصحب يومي .
رفقة الجسد مُتعِبة ، تتساقط الخلايا من صفحة الجسد تباعاً بعد نفاد عُمرها عند كل بُرهة وتنبُت أخرى من جديد . ففي سٌنن الكون يتم التغيير غَصبا. أغسل كل ذلك عند حمام الصباح ، وأنتقل من عالم ناعِس إلى عالم أكثر صَحواً . ابتلعت كبسولة مع قليل من الماء الفاتر ، وفق إرشادات طبية مُسبَقة . لجسدي أن يلبس قالباً يُناسب العمل . حميمة هي ألبِسة الداخِل ، ربما تعلقت بي رغبة في البقاء نصف يوم معي قبل الفراق . من بعدها لبِست قميصاً قصير الأكمام وربطة عُنق و بنطال وبعض الإكسسوارات التي تقتضيها الضرورة . إنهم جميعاً يعملون بجِدٍ على تَسويقي فرداً ضمن خلية النحل اليوم ، وكل يوم عمل . أنا أتبدل ، وجسدي و ملابسي تتبدل كذلك .

انتهت طقوس الصباح ، ودبّ النشاط صديقاً للكآبة يلازمانني . إنها نفسي تنقسم بين فرحٍ موءود يتطلع وحزنٍ يدعو للانهيار . أغلقت باب الشقة في الطابق الثامِن من البِناية ونـزلت عبر المصعد ومنه إلى صالة الاستقبال ، ثم عبرت إلى الطريق العام . خمسمائة متر تبعد بناية السكن عن مبنى العمل . رفعت يدي تحية لمحمود وهو يجلس على طاولة الاستقبال عند المدخل الثامن للبلدية . هز رأسه باسِماً وافترَّ ثغره بكلمات التِرحاب .

قصدت صندوقاً مثبتاً على الحائط صنعته التكنولوجيا لضبط الحضور والانصراف ، يرتفع متراً ونصف المتر عن مستوى بلاط الأرضية . إنه في حجم حقيبة يد متوسطة الحجم لسيدة في مُقتبل العُمر . حملت بطاقتي ، وعَرَّفتها على عينٍ صغيرة حمراء مستديرة ، مثبتة على أيمن الصندوق ، صُمِمت هي لتتعرف على موظفي الدولة عند قدومهم . تغير لونها أخضراً وظهرت كتابة تقول : ـ

ـ ضع إصبعك المُعتاد على المكان المُخصص لتتعرف الآلة على ملامِح البصمة.

فَعلت ما طُلِب مني ، وجاء الرد كتابة على لوحة بلورية صغيرة : ـ
ـ قبلناك .
حضرت اليوم مُبكِراً . التوقيع اليدوي أيضاً وكتابة زمن الحضور ، حتى يكتمل الطقس . القديم لا يرغب الزوال ، والجديد تنقصه الثقة بالنفس . أدرت المفتاح ودخلت مكتبي ، لا أحب أن يخدمني أحد من عمال النظافة ، تُضجرني يد الآخرين عندما تتدخَل للرصف والترتيب . رغم جمال التنسيق وإبداعه لا أجد نفسي إلا قلقاً حتى أصفو بعيداً عن الضوضاء .

لحضوري المُبكِر مَيِّزات تفوق زيادة ساعات العمل بلا مقابل ، هي فسحة للتطلُع في عالمي ، أرتب مقالاً كنت قد كتبته أمس ، أو أتصفح ردود على صفحة في السماوات ، كُنت قد سجلت عندها خواطِري ، أو صفاء السكون قبل بدء دولاب العمل .

ليس هُنالك من داعٍ لتلفنة السودان ، لم يزل الوقت مُبكراً ساعتين وفق تقويم الشروق الشمسي ، وساعة واحِدة وفق (صَرعات ) السودان التي لا تنتهي . على صفحة ماء الذِكرى كان الحوار في يقظة حُلم ، وفي اللغة الشِعرية ما صاغه الرائع إدريس محمد جمَّاع واختلطت الأشياء . نهضت سيدة من أحلام
اليقظة تقول : ـ

ـ من عينيك وهج ٌ و قوىً تأسرني .

قلت لها : ـ

ـ قال الشاعر :

هي نَظرةٌ تُنسي الوَقارْ وتُسعِد الرُوح المُعنى

قالت وقد أسبلت جَفنيها خجلاً : ـ

ـ إنني مُرتَبِكة من نظراتِكَ !

قلت : ـ

ـ قال الشاعِر :

دُنياي أنتِ وفَرحَتي ومُنى الفُؤادِ إذا تَمَنى .

فقالت بعد تأنٍ :

ـ أنا أخاف عينيك فنارهما الحارقة تدفئاني حتى من برد الزمهرير .

قلت : ـ

ـ قال الشاعر :

و نظَرتُ في عَينَيكِ آفَاقاً وأسراراً و مَعنى .

قالت : ـ

ـ كوب الشاي .. يكاد يَبرُد !

قلت : ـ

ـ قال الشاعر :

نِلت السَعَادَة فِي الهَوَى و رَشَفتَهَا دَناً فَدَنا
و سَمِعتُ سِحْرِيَاً يَذُوبُ صَدَاهُ في الأسمَاعِ لَحنا
ردت وقد غَضِبَت من مُخاطَبتي الشِعرية : ـ

ـ ( دَمَّكْ تَقِيل ) .

ضحِكت ، وقد أخذتني عُذوبتها ، فقلت لها : ـ

ـ كيف أتذوق الدنيا ونعيمها يستحِق سجوداً مُطولاً ؟ .
إنني أسبَحُ في بِركَة سِحرٍ هَزَّ جِزعِي . لم تَعُد الدُنيا كَما عَرَفتَها ، أصبحت أنتِ دُنياي و راحَتِي . الدُنيا قَبلك كُرة رَمَادِية غطَتها الأترِبة . كانت الحياة ثوباً من الاعتياد ، لا لون و لا طَعم ولا رائحة ، حتى نهض شَخصَكِ باسِقاًً واستقر قاع النفس وأزهرت المحبة . نهضت حلاوة الدنيا وموسيقاها المُبدعة ، ورسم جمالها يُطرِب النظر ، فعرفت أن الإله قد مَنحني فُسحة جديدة . تَخَير لي عالماً أرحب ، وسَعَادَة استَعجَلَ قدومها ليُغسل عني بؤس أيامٍ مضت .

قاطعتني قائلة : ـ

ـ غريب أنت اليوم !

قلت لها : ـ

ـ أين أنا منكِ يا مَجدولة الجَسد ؟ يا فادِحة النِصال .
أ تُغرزين أسيافَك في جسدٍ هالِك ؟
قمرٌ لكِ على اليسار ومثلَه على اليمين كأوتادٍ لبِسنَّ ثوب شهوتي .
أتأذنين بالسجع المموسق في إيوان معبدكِ ؟

صَمتُ برهَة ، ثم صحوت من غفوتي و قلت لنفسي : ـ

ـ هذا يوم لا يشبه أيامي ، أسكرتني خاطرة ممتعة ، و نفسي تتحرر من جسدها ، فمدينة العُشاق قد طافت بذهني فَرِحة ، نهرها لا يروي عطشاً ....

عبد الله الشقليني
28/03/2005


Post: #2
Title: Re: يومٌ من أيام العُمر
Author: طلال عفيفي
Date: 06-20-2006, 12:47 PM
Parent: #1


عزيزنا عبدالله ..
يوم من أيام العمر ..
أعرف هذا اليوم جيداً وأعايشه ..

يبدو أن غيمة مفرودة مشتركة تظللنا ..

أك أحلى التحايا يا صديقي .


...
طلال


Post: #3
Title: Re: يومٌ من أيام العُمر
Author: عبدالله الشقليني
Date: 06-20-2006, 01:42 PM
Parent: #1


عزيزنا طلال
هذه الدُنيا غيمة محبة إن درت حليبها .

عزيزي
وجدتُك تذكر الصديق ، وابن عمي ( الفنان خطاب حسن أحمد )

تحيتي له إن لمست حضنه، غيبتنا الدنيا عنه أكثر من عشر سنوات ،
وخاطبته على التلفنة قبل أكثر من شهر .
لكما التحية

Post: #4
Title: Re: يومٌ من أيام العُمر
Author: طلال عفيفي
Date: 06-20-2006, 05:03 PM
Parent: #3



Quote: عزيزي
وجدتُك تذكر الصديق ، وابن عمي
( الفنان خطاب حسن أحمد )


شقليني !
يا عبد الله ، تذكر خطاب ؟
وتقول إنه إبن عمك ؟
وصديقك ..

مالك تقول الأشياء بكل هذه العادية ؟

أحكي لك :
خطاب :
أفتح ألبوم العمر ، رجب أخضر اللون ( كما يقول ناسنا في السودان ) ،
ملامحه فيها وسامة وحروب ، وفي صوته خشونة القصائد التي تحك جرب القلب .

خطاب :
ربما مرت أعوام ، أطول من عمر صبي صغير ..
صبي : كتب القصائد بلطف خفيف ( دون مراعاة للقافية ) .

عبدالله الشقليني :
حين أفضفض جيوب العمر ، وأبعثر ذاكرتي ، يطل على ذلك الوجه القوي ،
إسمه : خطاب حسن احمد ..
الصوت : خشن ( لكن حميم )
المهنة: شاعر طول العمر ..

هذا شأن .
لكن تعال لحديثي معك ، حول النص الذي أخرجته وأنزلته لنا وعلينا :
هل تيار الحزن تيار عام ؟
هل فقدنا السبيل ؟
هل ضاعت منا الأمنيات أوسقطت كما يسقط الودع من كف حلبية مكحلة
العيون ؟

ربما هو العمر أو الجيل أوالمسألة ..
ربما هي حاجات تانية ..
(أو سكة نمشي على ذات خطوطها )

في كل الأحوال ، أرجو أن تتقبل حبي الخاص لك ولكتابتك ..


...
طلال


Post: #5
Title: Re: يومٌ من أيام العُمر
Author: عبدالله الشقليني
Date: 06-21-2006, 05:24 AM
Parent: #4




عزيزنا الكاتب ، رقيق الحِس والتعبير :

طلال عفيفي

تحية لك ونحن نذكر صديق مشترك نُعزه ، وأنت تغزونا بألمعية المُفردة وغوايتها المُدهِشة من حرفك .

هذه صفحة من التاريخ :

قدم خطاب إليَّ بدماثته المعهودة ، ورقته الفائضة ،و بين يديه لفافة ورق فيها قصيدة كتبها في ريعان تخلُقه شاعراً. بَرْق أحرُفها يخطُف من وهج الإبصار . طلب مني بلُطف أن يطلع عليها صديقنا الشاعر ( مبارك بشير ) رغبة منه في رؤية شعره بعين شاعر أغانٍ مُجرِب .

لقد تخير شاعراً أسهم بحق في تطوير لغة الأغاني ، فمبارك بشير عندما كان في السنة الجامعية الثانية ( أي في عُمرالتين ادجرز )كتب الأغنية المعروفة التي لحنها و تغنى بها الفنان محمد الأمين وهذا جزء من نصها :


عويناتِك تُرع لولي وبِحار ياقوت
مناحات ريد حزاينية
بَغازل فيها مأساتي
وفي شرف العُبور ليها
بموت واكسِر شراعاتي


وقبعت الأغنية غير مُجازة من لجنة النصوص زمناً طويلاً ،ولم يتوقف محمد الأمين عن تغنيها ما سمحت له ليالي الطرب ، والسبب أن مُفتشي اللغة الشِعرية في لجنة النصوص كانوا يرون أن العوينات جمع في حين أن للأنثى عينان لا غير !

نعود لصديقنا خطاب، إذ لم تترك لنا الدنيا نصيباً لنمضي معه في نفق الحياة ، فقد فرقنا مُفرق الدروب .

ما حكيناه عن خطَّاب هو وجه من وجوه إبداعاته المتنوعة التي تستحق أن تُعرف ، أما البقية فالوسط الفني أعلم بدقائقها ، ومُعاشروه كذلك . كان ذلك في زمان السبعينات من القرن الماضي ، فأي البحار يُمكن لشاعر مثله أن يجوب فيها كدلفين الماء ، وكم أمواه يا تُرى قد عَبَر ؟ ، وأي الفضاءات قد تحلَّقت فيها أقماره الفتية الناهضة بثمارها اليانعة ؟ ، فمعهد الموسيقى والمسرح وبيئته الصحية في ذلك الزمان، قد افترع في نفوس مُبدعينا النثر والشعر والموسيقى والمسرح والسينما والمحبة فاردة الجناح .

كان التجريب فطنة المُبدع ، وكان نثر الأحاجي بين الأقران ، ورؤية الإبداع بعيون الآخرين قفزة من قفزات الحِزَم البشرية التي التقت ذات زمان وأبدعت .

الآن في دنيا المهجر أو المنافي ، تدور العجلة أسرع مما ينبغي ، فتطحن القشور ، وتبقي الألباب ناضرة أو ربما تُشوش عليها، رغم ما يُحكى من سطوة رأس المال المُتعولِم ،وتُروسه المُتوحِشة التي لا ترحم ...
لخطَّاب مشروع يأمل هو فيه خيراً قيد تدفئة الدراسة ولمسات الإخراج نتمنى له كل توفيق مُمكِن .

لمن تآخى مع كون ( خطاب ) فقد تجملت دُنياه في ثوبها القشيب ، يبدأ سماع الرنين البهي للإنسان المُبدع وهو يتخطى آلام المخاض لميلادٍ أفضل .

هنا نسكُت عن الكلام المُباح



Post: #6
Title: Re: يومٌ من أيام العُمر
Author: معتصم الطاهر
Date: 06-21-2006, 05:43 AM
Parent: #1

شقلينى

وكأن العاديات لطفا

والمعديات سبحا

وكان الشعر لا يدلف الى سمع النساء إلا مُغَناَ

ولكن علينا البوح و


أعرف الآن لم تغفوا كثيرا ..

Post: #7
Title: Re: يومٌ من أيام العُمر
Author: عبدالله الشقليني
Date: 10-07-2006, 01:07 AM
Parent: #6

عزيزنا الشاعر معتصم الطاهر

لك الود والمحبة

وأنت تدلُف بنثرك النضيد
وحلاة قطفك من حلو الحديث

Post: #8
Title: Re: يومٌ من أيام العُمر
Author: abubakr
Date: 10-07-2006, 03:06 AM
Parent: #1

بيكاسو ( عفوا فهذا الاسم الذي استقر في ذاكرتي لعقود جاوزت الثلاث )..
تتشابه ايامنا عملا وتفاصيل لا تقف عند بصماتنا الاليكترونية التي اليت الا اسمح لذاك الجهاز بالاستمتاع بقراءتهافهي تذكرني بافعال مقيته باسم الحاكم الحق والعدل في بلادنا فافضل جلوسا خارج المكتب حتي ياتي من يفتح الباب .. امقت تسللا مثل ذلك لما اراه من خصوصياتي .. عناد يكبر مع السنوات ...
هنيئا لك بسيدة احلامك فالضجيج حيث انا تسونامي النزعة يبتلع احلامنا

مودتي
ابوبكر

Post: #9
Title: Re: يومٌ من أيام العُمر
Author: عبدالله الشقليني
Date: 10-07-2006, 05:27 PM
Parent: #8



حبيبنا الكاتب الرائع حين يدلف من بوابة الحنين :
أبوبكر

بسمَرك و الحياة بإعسارها وضجيجها ، ننام على بؤس أيامنا .
أنا لا أُحب قيود الضبط ، فالحياة التي أهوى : نزع من فك لَيسٍ ،
من العسير أن نحياها كما نُحب . مثلُك أنا ..
أعيش في قفص الضبط ، كحيوان كاسر بأطقم أسنان !
(بيكاسو ) ..اسم له شذى و ذكرى ..

نعتني به الراحل دكتور سيد أحمد عبد الله ،
عند رسم التجريب في مطلع الأيام الدراسية الأولى في هندسة العِمارة
.. الجميع يعرفونني به ، ولكنهم يجهلون الاسم الرابع
الذي أوجدته تربيع الأسماء ،
( الشقليني ) اسم العائلة في بطاقة التعريف في الدُنيا الرحيبة ..!!
بقي للتعريف ، والأول محبوب من جمر العلائق ،
ولُطف المُتحدثين و نُبل رؤيتهم لنا ، وأنت أصدق مرآة لبياض النفس ،
والمحبة الظليلة التي نحيا تحت فيحاء النعيم .

كل سنة وأنت بألف طيب وعافية ..في زمان نتذكر كل شيء ولا نهتم بالصحة !