سيذهب موغابي.. لكن ماذا عن بقية قرناء السوء؟!

سيذهب موغابي.. لكن ماذا عن بقية قرناء السوء؟!


04-13-2008, 04:46 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=253&msg=1241478443&rn=0


Post: #1
Title: سيذهب موغابي.. لكن ماذا عن بقية قرناء السوء؟!
Author: صلاح شعيب
Date: 04-13-2008, 04:46 PM

ابتليت أفريقيا بشيئين أساسيين هما الاستعمار والديكتاتورية. انقضى زمن الأول نظرياً ولم ينقض عملياً. أما الديكتاتورية فلا تزال مزدهرة، أو بالأحرى متفرّهدة في أجزاء شاسعة من القارة، جنوب صحرائها أو شمالها. وقد يأوِّل أحدهم بأن ابتلاءات أفريقيا تبدأ من غياب وحدة أبنائها أو أنبيائها، إلى تفشي المرض، إلى البطالة، إلى الحرب الداخلية، إلى تقوض عمادات التنمية المدينية والريفية، وإنتهاء -وليس نهاية- بفقدان أسس التنمية الاقتصادية والبشرية والجنسية/ التعليمية حتى، ووجود الأخيرة كان يمكن أن يحجم حزام الايدز..ولكن..!
سوى أن كل هذه الابتلاءات، في خاتم المطاف، جاءت بفعل قوة الاستعمار الذي زرع الفروقات الإثنية والآيديولوجية، ومن بعد جاءت الأنظمة الوطنية، الديمقراطية والديكتاتورية، لتسيء الأمور في هذا الاتجاه، وحتماً لم تجيئ لتسييسها. بالظاهر أن الأفارقة بعد التحرر الوطني حكموا أنفسهم من خلال نخبهم، غير أن معظمهم كانوا ولا يزالون وكلاء للمستعمر بصورة مباشرة وغير مباشرة. بالصورة المباشرة إنهم يجعلونه يسكت عن بناء «كميونات» فاسدة تكفل له سرقة الموارد وإعادة تسويقها لشعوبهم نظير استمرار ديكتاتورية الأقلية من النخب العقائدية أو القبلية.
والصورة المباشرة للتوكيل الاستعماري تتمثّل في السير في طريق الشقاق الذي رسم بوعي وغير وعي من قبل الأوربيين.. ما عدا ذلك لعبت النخب الأفريقية دوراً محورياً في جر القارة إلى «نفق» الأحلاف الدولية، وبالتالي بقيت أقطارها مستقطبة شرقاً وغرباً، فوقاً عن الاستقطابات الإقليمية فيما بين الدول المتجاورة التي لم تجد في البيئة غير الفكر المستورد الذي يقسمها. إذ ليس هناك شيء اسمه «الفكر الأفريقي» يمكن بواسطته الاستغناء عن المسيحية أو الإسلام أو الماركسية أو العروبة كركائز للتفكير. فأفريقيا جغرافياً أكثر من كونها منبع فكر.. نستطيع التحدّث عن ثقافات أفريقية، ولكن من الصعب العثور على ثقافة واحدة لكل الأفارقة يكون عمودها الفقري دين ما، أو لغة ما، أو أسطورة ما.
والآن بعد إنتهاء «الحرب الباردة» فقط على الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي تتلفت النخب الفرانكفونية والانجلوساكسونية يمنة ويسرى فلا تجد الايديولوجيا البهية في زمان اقتصاد السوق الذي تآكل فيه الصين أو روسيا بـ«المعلقة» تارة وبأيديهما تارة أخرى. مثلما لا تجد نخبناً في الرأسمالية معيناً فكرياً إلا الارتهان له في زمن إعادة إنتاج فلسفة سيادة الوطن. وما تلبث هذه النخب، والحيرة تلفها هكذا، أن تعود بخيبة إلى قصص وحكايا ولاءاتها التقليدية لتسيير الدولة كي تعينها، غير أن الأنظمة المعرفية للفكر القبائلي، والعادة الفلكلورية، والميثولوجيا الأفريقية لا تسعف حقاً في الحفاظ على شروط قيام دولة في عصر ما بعد الحداثة. كما أن كل تلك «العدة الفكرية» تعتبر فقيرة في عالم «النانوتاكنلوجي» الذي أكد أن أرضية علم القرن الماضي ستكون مقفرة في القرن الجديد.
وبالكاد تستطيع هذه العدة المعنية فقط إنجاز فهم بدائي لظاهرة «عرقية ضئيلة العدد» في مقابل ظواهر الأقوام الكثيرة التي تركب الدولة وتستطيع متى شاءت تفكيكها بحروب الضغينة العرقية والآيديولوجية كما دلت التجارب.
المؤكد فقط في زيمبابوي أن عدتها الفكرية حدث أن قتلت الناشطين السياسيين الذين ينادون بحكم ديمقراطي شفاف. ولكنها لم ترسّخ صورة البطل موغابي والذي حررها في معركته ضد روديسيا المحكومة آنذاك بنظام الأقلية البيضاء المستعمرة. إن «الديكتاتوريات الأفريقية» عرفتنا -بحاسة التجربة- إنها تملك أكثر من سبعة أرواح شريرة بالنظر إلى مثيلاتها في أميركا اللاتينية، أو شرق أوربا، أو آسيا الوسطى..
كأنها لم تسمع برياح التغيير الديمقراطي التي هبت فقلعت ماركوس وبينوشيه وسوهارتو وصدام ونوريغا وسوموزا وهددت نظام هافانا وإسلام أباد. ومع ذلك تحظى هذه الرئاسات الأفريقية حتى الآن بمقاعدها في الجمعية العمومية للأمم المتحدة. بل وترفرف أعلامها غير المتناسقة الألون في المبنى الأممي/الأميركي وتكاد ألسن هذا «الترفرف» تلهج بشكر غليظ لتمثال الحرية القابع على الضفة الأخرى من نهر نيويورك. ولات ساعة مندم.
إذا كان هذا مقدمة للموضوع فإن جهنم الديكتاتورية الأفريقية سيجد حتماً ماء العولمة الذي سوف يغرق الفضاء والبراح. والمعنى هنا أن الوعي بالحقوق الذي ينتظم العالم سيكون وبالاً على تخوم هذه الديكتاتورية، بل أن هذا الماء سيلاحق سعير القذافي وكل جيرانه الديكتاتوريين بلا استثناء، وكل الديكتاتوريين، أينما وجدوا، سواء في شق العرب أو شقوق «ال(.........)و» أو جحور خاطفي اللونين أو الثقافتين.
فالمسألة لا تخص موغابي وحده وإنما كل ألوان الطيف الديكتاتوري التي ترى في القرن الأفريقي، وفي شمال أفريقيا، من جنوبها وغربها. فموغابي الذي كان بطلاً وطنياً عبر قيادته حملات الغوريلا ضد البيض تواتت فرصته للحكم سنة 1980 ليقود أمته الخارجة من لظى الاستعمار. بيد أنه خلص، بعد نجاح نسبي في تمديد السلم الاجتماعي وتطوير بعض ما ورثه، إلى سياسة المحاباة والقمع والفساد والضر بمصالح شعبه عبر تأليب العالم الغربي.
حدث هذا بالتوازي مع سياسة الاستحواز على أراضي الأقلية البيضاء، وتمليكها من ثم لعشائر بشكل لم يسبقه ترتيب قضائي عادل، أو حكمة أفريقية يتيمة مثل التي قيل إن نيلسون مانديلا مارسها حين ساوى بين مواطنيه وجلاديه بعد الاستقلال. حكم موغابي أصبح منذ حين مثل حكم بورقيبة السابق، مسوساً ونتناً، وحتى الكرت العرقي الذي استخدمه لصالح الفلاحين الزيمبابويين لم يشفع له للحصول على أغلبية ميكانيكية في مقابل حركة مورغان تسفنجراي.
والأخير هذا عبّر عن حلم الجيل الجديد من النخب الأفريقية التي تؤمن بفاعلية مشاهدة يوتيوب أكثر من قراءة (The Hrald) الصحيفة الرسمية للسلطة الزيمبابوية التي لا تتحدّث عن نسبة التضخم التي وصلت نسبة مئة ألف من المئة ولا تناقش في صفحات الرأي نسبة الـ(25%) من سكان القطر اليتامى الذين ترعاهم اليونسيف. نعم، يعتبر موغابي أحد أبطال مرحلة الاستقلال فقد كان زعيماً للحرب ضد السلطة المستعمرة، وجاء إلى حرب الغوريلا من موقع الوعي وبرصيد من الحلم القومي، حيث كان لديه سبع شهادات أكاديمية.
ويسخر نقاد للمعمر الأفريقي بالقول دائماً إن الثامنة كانت في العنف. ولكن الحفاظ على درع البطولة تطلب تمرينات متواصلة في تطوير الفهم السياسي وقراءة أعمق للتحولات السياسية وذلك ما فشل فيه موغابي إلى هذه اللحظة. لقد فكّر الزعيم الزيمبابوي ثم قدر أنه يستطيع أن ينازل معارضيه، حيث دعا إلى إقامة الانتخابات هذه المرة بالتزامن مع عيد ميلاده الذي حدث في منطقة وادعة في الحدود مع جنوب أفريقيا. ورافق هذا الإعلان سباب أو شتم لمعارضيه الذين وصفهم بفقدان القدرة على إحراز صوت الأغلبية، بل سدر أكثر واعتبرهم موالين للغرب وعملاء له نظير مال يغدقه نحوهم.
ولم تكن هذه هي المرة الاولى التي تستجيب المعارضة لتحديه. فقد نازله تسفنجراي عام 2002 غير أن موغابي تغلب عليه بنسبة (65.2%) مقابل (31.9%) للسياسي المعارض. وصاحبت تلك الانتخابات أحداث عنف ما أنزل الله بها من سلطان تجاه المعارضين بعد أن حرم بعضهم من التصويت. غير أن موغابي واجه هجمة إعلامية شرسة من الدول الغربية كونه زوّر الانتخابات بشكل لا مثيل له.
وأعقب ذلك أن قدمت هذه الدول مشاريع عقوبات اقتصادية ضده، وتبنى الكونغرس مشروعاً قضى بتجميد أرصدة قادة النظام وعدم سفرهم خارج البلاد وحرمان الشركات الأمريكية من الاستثمار في زيمبابوي ومنعها أيضاً من اية تبادلات اقتصادية مع هراري. وقال جورج بوش إن نظام موغابي يهدد قيام الحكم الراشد في دول أفريقية جنوبية، فوقاً عن أنه لا يعطي مساحة لإزدهار حكم القانون في القارة الموسومة بالمجاعات والأمراض والحروبات التي تتصدّر النشرات الاخبارية للـ(بي بي سي).
وعندما أحس موغابي بتواطؤ بريطانيا في التضييق عليه بمثل هذه العقوبات انسحب من منظومة دول الكمنولث. ورداً على هذه السياسات قال تعبيره الشهير الذي قطع به شعرة معاوية بينه والدول الغربية التي كانت -حتى آخر سنة من الألفية السابقة- ترى في نظامه السياسي مجسماً للحكم يصلح في كل بلدان أفريقيا. قال موغابي «كان لهتلر هدف واحد، تحقيق العدالة لشعبه والاعتراف بسيادته وحقه في الاستفادة من مصادر ثروته، لو أن هذه هي حقيقة زعيم النازية، فدعني أبقى عشرة أضعاف هتلر..». وكالعادة نتيجة لسياسة العقوبات هذه فقد دفع المواطن الزيمبابوي ثمنها، وانتهى إلى متوسط دخل سنوي لا يتجاوز (400) دولار، فيما تميّزت السنين الأخيرة للنظام بسوء إدارة جهاز الدولة وتفشي الفساد والمحسوبية واحتراف سياسة القمع نحو المعارضين.
ولما عبرت أولى نسائم عام 2006 وجد زعيم المعارضة مورغان تسفنجراي نفسه في موقف لا يحسد عليه مع جماعته، حيث تم اعتقاله بعد مسيرة سلمية أعقبت صلوات وأناشيد وأهازيج. قام وكلاء الدكتاتور بإهانة تسفنجراي بوسيلة الجلد المبرّح حتى أن الكدمات لا تزال إلى الآن مرئية في جوانب من وجهه. وحين سئل موغابي عن تعليقه لسابقة ضرب زعيم المعارضين قال إن «مورغان يستحق الجلد لأنه قاد مسيرة لم يكن مصرح بها..»، غير أن المضروب تفوق على الضارب في رضا الشعب في الانتخابات الأخيرة.
وعليه بدت هناك مشاورات -دعا إليها موغابي- لخلق انسحاب مشرف له كبطل من أبطال تحرير زيمبابوي، إذا كان يمكن تفادي الجولة الثانية للانتخابات لتحديد النصر بنسبة (51%)، حسب القانون الانتخابي الذي يتطلّب على هذه النسبة. ذلك كان موغابي الذي ظل طوال ثمانية وعشرين سنة يتلقى عدداً من شهادات الدكتوراة الفخرية من جامعات أميركية وبريطانية من بينها جامعتا متشجان وأدنبرة العريقتين.
ولكن يا للهول: فقد قررت هذه الأكاديميا سحب شهاداتها بعد أن شاهدته يعيد (أ) سيرة هتلر بالخير و(ب) يحرجها مع الشعب الغاضب و(ج) يسحب مزارع البيض ويسلمها للفلاحين الفقراء. لقد لحظنا خسارة حزب موغابي في الانتخابات الأخيرة ومحاولته لاعتماد خطط للعنف تحول دون عقد الجولة الحاسمة للانتخابات بينه وتسفنجراي والتي كان من المقرر أن تتم في التاسع عشر من هذا الشهر الجاري. لقد أتى بالديمقراطية لتكون ممارسة في عيد ميلاده ولكنه أنكر نتيجتها وأراد أن يعود إلى سياسة الحزب الواحد، ولكن لن تدوم هذه السياسة طويلاً.
إن الدرس الذي يخرج به المرء من الحالة الزيمبابوية هو أنه مهما سكتت الشعوب الأفريقية، وغير الأفريقية، عن تجاوزات أبطالها الذين حرروها من رمضاء الاستعمار فإنها لا تتوانى في إرسالهم إلى مذبلة التاريخ متى ما تجنوا عليها بالقمع أو ما يوازيه. فما يكفل للقادة والنخب التاريخيين الخلود في ذاكرة أممهم ليس هو اسقاط المستعمر فحسب، وإنما الكيفية التي تبعدهم عن أن يكونوا مستعمرين جدد، وربما بشكل يتجاوز كل تراث الاستعمار، وظلم ذوي القربى أشد. لا أدري ما هو مصير بقية قرناء السوء من الديكتاتوريين الأفارقة، بما فيهم الواقعة دولهم في الحزام العربي، ولكن الذي أدركه وتدركه هذه الشعوب المغلوب على أمرها هو أن الأنظمة المستبدة تستطيع شراء الزمن وكل شيء كي تستمر، غير أنها تعجز عن شراء الاستدامة في الحكم.

نقلا عن الصحافة