الخاتم عدلان عن ابن رشد الذين احرقوا كتبه كانوا يشعلون النار في رؤوسهم

الخاتم عدلان عن ابن رشد الذين احرقوا كتبه كانوا يشعلون النار في رؤوسهم


10-07-2004, 00:33 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=25&msg=1116158198&rn=0


Post: #1
Title: الخاتم عدلان عن ابن رشد الذين احرقوا كتبه كانوا يشعلون النار في رؤوسهم
Author: Amjad ibrahim
Date: 10-07-2004, 00:33 AM

انفاق وآفاق
الخاتم عدلان

أبو الوليد إبن رشد:
ما المنفى... وما هو الوطن؟

كان موت إبن رشد، الفيلسوف العقلاني، العربي الإسلامي، القرطبي، لحظة فريدة في تاريخ الفكر العالمي. فعندما مات أبو الوليد عن ثلاثة وسبعين عاما، كانت الحضارة التي انتمى إليها، وابدع داخلها، وحاول ترسيخ اقدامها على أرضية العقلانية المنسجمة مع ذاتها، ووقف بذلك كله على قمة منجزاتها المعرفية، قد ضاقت به، وضاقت عنه، وعبست في وجهه، بل ارتدت عليه بوجه غير رحيم، ونبذته نبذ النواة. ولكن حضارة أخرى، هي الحضارة الأوروبية الناهضة حينها، إنتهزت هذه الفرصة السانحة، ولم تضع وقتا ولا جهدا، ففتحت له ذراعيها، بل قلبها وعقلها، لأن القوى الناهضة داخل هذه الحضارة كانت متعطشة للأفكار الجديدة، متشوفة للإستنارة والضياء، وجائعة لثمرات العقل الناضجة.
وربما يعرف الكثيرون أن أبن رشد كان قمة فكرية سامقة. كان عالما في الفقة والقانون والكلام، فاشتغل بالقضاء، مواصلا تراثا عائليا مجيدا، ومترقيا في المعارف والمراتب حتى صار قاضيا للقضاة، بمسقط رأسه قرطبة. وكان عالما في الطب، ملما إلماما دقيقا بتراث غالين، وموسوعة الشيخ الرئيس إبن سينا في الطب، بل كان ممارسا بارعا وموفقا، مما أهله ليصبح طبيبا خاصا وصديقا مقربا من خليفة الموحدين بالمغرب، الأمير يوسف، ولابنه الخليفة يعقوب المنصور من بعده. ومع أن أبن رشد كان يمارس الطب في زمان غير زماننا، وبمعارف لا تقاس بمعارفنا، وبأدوات وأجهزة لايمكن مقارنتها بالأجهزة التي نملكها حاليا، إلا أنه لم يكن له مقابر تعرف باسمه شأن بعض الأطباء المعاصرين!!
كما أن ممارسته للطب كانت ممارسة راقية، لا يمكن تشبيهها بممارسة بعض المعاصرين، الذين محوا الفروق بين الطب وتجارةالماشية. نقول ذلك دون تعميم ودون ظلم لأولئك الذين يحافظون على نبل هذه المهنة العظيمة، رغم أن كل الظروف تعمل لغير صالحهم، بل تعاقب النابغين منهم، بلؤم وجحود، تقل نظائره.
ولم يتوقف إبن رشد على الممارسة، ولم يكتف بالتوفيق، بل ألف موسوعته الخاصة في الطب المعروفة باسم الكليات والتي تخرجت على يديها أجيال عديدة من أطباء تلك العصور.
كان ابن رشد عالما فلكيا، عارفا بعلوم الأوائل في الفلك، وخاصة اليونانيين، ومستقلا بمشاهداته الخاصة التي جعلته يستوثق من كروية الأرض عام 1153، عندما كان في إحدى زياراته العديدة والمديدة إلى المغرب، فشاهد نجوما لم يكن يشاهدها بالأندلس.
وكان ابن رشد معلما للأجيال، مؤسسا للمدارس، مؤلفا للمناهج ومقيما لحلقات المذاكرة الخصبة، الخالية من تأليه الذات. وكان قبل كل ذلك وبعده، فيلسوفا حاد الذكاء، باهر الرؤى، ألمعي العبارة، موسوعي المعرفة. وكأنما كان أبو الطيب يعنيه حين قال مادحا عبد الواحد بن العباس الكاتب:
الحازم اليقظ الأغر،
العالم الفطن الألد،
الأريحي الأروعا،
الكاتب اللبق الخطيب،
الواهب الندس اللبيب،
الهبرزي المصقعا.

فهاهنا فيوضات وسيول من المعاني، تتدفق فوق حواف الكلمات والبيوت، وتجعل البناء التقليدي للشعر يئن تحت وطأة الإبانة الجامحة، وهنا لهاث تحاول فيه موسوعية الواصف اللغوية، الإحاطة بموسوعية الموصوف الأخلاقية، في سباق يفوز فيه المتسابقان. وأعتذر لأبي الطيب لأن الصورة التي تقفز إلى ذهني ليست هي صورة عبد الواحد الكاتب الذي لا أعرف عنه الكثير، بل تقفز إلى ذهني صورة إبن رشد في رزانته المعممة وسمته الوقور، ونظرته النافذة .
ألف إبن رشد " تهافت التهافت" في الرد على تهجمات قوية، بليغة وشاملة، سطرها أبو حامدالغزالي في كتابة " تهافت الفلاسفة" المتنافس عليه بين الطلاوة والمغالطة، فاستطاع أن يواجه حججه بمنطق أكثر سدادا، وأن يشهر في وجه بروقها وصواعقها ملقاط العقل الذي يبطل مفعولها ويتخطاها مواصلا مسيرته التي لا تخلو من العسر، في تربة تميل إلى الغزالي أكثر من ميلها إليه. ويضاعف من هذا الميل ويعززه، اللغة المألوفة للأكثرية من قراء ذلك الزمان، والحجج الأكثر قربا لوجدانهم، مقارنة بعبارة عصية وجافة تدعو لآراء غاية في التعقيد، ومنطق بالغ في الخفاء في بعض المواقع.
ولكن دور أبن رشد الفلسفي الذي يعد أكثر أهمية في سياق تاريخ الأفكار، هو شروحاته لفلسفة أرسطو في المنطق والطبيعة وما وراءها. أقول شروحاته وأضيف أنها لم تكن مجرد شروحات، بل كانت نشاطا عقليا، فاحصا وصبورا، يجلي الغوامض، ويظهر العلاقات الدقيقة، ويفك شفرات نصوص المعلم الأول المعروفة بكثافتها واقتصادها وإحكامها، وخلوها من الزوائد. بل يتخطى كل ذلك إلى التعميق والإضافة والعصرنة، وإلى إيجاد الخيوط الناسجة حيث لا توجد تلك الخيوط، وإلى التوطين الفكري لمواجهة المعضلات الفكرية الخاصة بالحضارة العربية الإسلامية، في ذروتها تلك التي بلغتها في زمنه وعلى يديه، وأيدي أمثاله من الفلاسفة المهضومي الحقوق في تاريخ تلك الحضارة.
وصل هذا العلامة إلى ما وصل إليه، لأنه أعلى من شأن العقل ومكانته، ورفعه على كل ما عداه، واهتدى بنوره في كل مساعيه، وشق به المجاهل في جرأة ونفاذ بصيرة. فبذل له العقل كنوزه جميعا، وأوصله إلى قمم الإنجاز المعرفي، التي اختصت بالوقوف على ذراها السامقة في ذلك الزمان الفلسفة العربية الإسلامية دون سواها.
ونسبة لأن ابن رشد أعلى مكانة العقل، فقد استطاع أن يرى بوضوح، أن جوهر العقل واحد، وذلك بصرف ا لنظر عن القوميات والتواريخ والأمكنة. فالعقل بالنسبة إليه لا يكون " فعالا" إلا من خلال وحدته. ولذلك لم يتردد، كما لم يتردد قبله أسلافه الميامين من الفلاسفة المسلمين العرب، في الأخذ من المعارف والحضارات الإغريقية أوالهندية أو الفارسية، دون حرج أو وجل. بل احتضنوا تلك الفلسفات وطوروها، ونظموا دررها في عقد فريد من المنطق الرصين.
ولا يمكن بالطبع، في هذا المقام، الدخول في أية تفاصيل حول نوع القضايا التي عالجها إبن رشد، فلذلك مواضعه ومجالاته، ولكن القضية الأهم هي مرجعيته العقلانية، وإيمانه بحرية الفكر، وبحدوى المحاورة، ودعوته لتأويل كل ما يبدو مخالفا لذلك من الشرع، للسماح بمزيد من التطور العقلي، وليس تكبيل العقل، وسد آفاقه، نزولا عند أهواء الرجعيين، وخضوعا لتلفيقات أصحاب المصالح.
هذا الوضع، لم يرق، بالطبع، للمتفيقهين وأمثالهم، إذ يصعب عليهم دائما العيش تحت ضياء العقل المنير، الهادي لطالبي العلم والمعرفة، والفاضح لعشاق الظلام. فتحرك هؤلاء، والغل يشوي صدورهم، و " الحقد يفري منهم الأكبادا"، للفتك بالرجل، والتنكيل به، والقضاء عليه وعلى إنجازاته الفكرية. وحركوا قوتهم ا لمتعددة الوجوه، والمعروفة القسمات، والمعروقتها أيضا، والمتمثلة دائما في مؤامرة محبوكة، وغوغاء من أنصاف المتعلمين وحثالات المأجورين، ودهماء تسعي بالإشاعات، وسلطان يخوض في مستنقع الفساد والتبذل، يستجيب لكل ضغط طالما لمح فيه فرصة لإطالة العمر ورفع مستويات الطغيان وصرف الاذهان عن المعضلات التي لا يملك لها حلا.
واستطاع هؤلاء، بعد تربص مديد بالشيخ الجليل، أن يجبروا الخليفة يعقوب المنصور، الذي كان قد قربه بوصية من أبيه، وزكته إليه خدماته الجليلة، فأسبغ عليه الحماية والرعاية، أجبروه، تحت وطأة الإبتزاز الديني، على إصدار مرسوم بعزل إبن رشد من كل مناصبه، ونفيه من قرطبة، بل وحرق جميع النسخ التي يمكن الحصول عليها من كتبه.
نفي إبن رشد إلى قرية أليسانة القريبة من قرطبة، والتي كان يسكنها اليهود، ثم نفي بعد ذلك خارج البلاد إلى المغرب. وتكفلت الغوغاء بالباقي: أحرقوا كتبه في أتون أشعلوه في كل المدن. ورأي العالم الشيخ حصاد عمره تلتهمه النيران، ورأى كتبه بخطوطها الرائعة وزخارفها الجميلة، التي خطها بأنامله الموهوبة، وهي تتلاشى في اللهب. كما رأى الكنوز التي خلفتها الإنسانية العاقلة من اليونانيين والفرس والهنود والعرب المسلمين، يبتلعها اللاعقل والجنون والمكر الوضيع. بل عاش ليرى " سفلة الدهماء"، كما سماها بحرقة مشروعة، وهي تطرده من الجامع القروي الصغير في أليسانة، وتمنعه هو وابنه من أداء الصلاة. وكانت تلك قمة المهانة الشخصية التي لحقت به، فهي تمثل لحظة منفلتة من السياق، يتناقض فيها الهوس الديني تناقضا كليا مع ذاته، ويصل في " حرصه المعتوه على الدين" إلى منع الناس من التدين!
الذين أحرقوا كتب إبن رشد كانوا يشعلون النار في رؤوسهم ذاتها، كانوا يحاولون القضاء على بلبال أفكارهم، وتناقضاتهم وقلقهم وإفتقارهم لليقين، بالقضاء على تجسيدها الخارجي الذي كانه أبن رشد. فما العقل سوى الشكوك والتناقضات والقلق، والأجهزة القائمة على حلها في العقل ذاته، ومن خلال الممارسة الفكرية والعملية؟ ولكن تلك الأجهزة لم تكن متوفرة للمهووسين، كان ذكاؤهم يوصلهم إلى مرحلة الشك، ويتركهم هناك في متاهته الموحشة، فيصيبهم رعب لا يوصف ولا يحتمل، يسعون إلى التخلص منه بأي ثمن. ولذلك كانوا، على مر الزمان، أكثر ميلا إلى البطش، وأخف خطى إلى مقارعة الحجة بالأيادي والسيخ وكل ما توفر من أجهزة الفتك وأسلحته، وأشد تعلقا بإغراق العقل في صخب الأهواء الجامحة، وتبديده في لهب النيران.
ويمكن أن نقول أن الحضارة العربية الإسلامية، حلت بها منذ تلك اللحظة ما أطلق عليها، من جانبي، " لعنة إبن رشد"، إذ لم تقم لها بعد ذلك قائمة، بل استسلمت للغباب، ولاذت بصمت القبور، ما عدا إشراقات متفرقة هنا وهناك. ولأن ما فعلته تلك الحضارة بابن رشد كان شاهدا على انحطاطها، فقد طويت راياتها بعد حين. وإذا كانت والدة الخليفة الأخير قد قالت له موبخة:
إبك مثل النساء ملكا مضاعا لم تحافظ عليه مثل الرجال
فإنما كانت تنعي فيما تنعي ذهاب العقل والإستسلام لأهواء الدهماء مع نبذ العقلاء من طراز إبن رشد.
بقي أن نقول أن فرادة موت إبن رشد، لا تتمثل فقط في حضارته التي نبذته بكل ما يمثله من سمو، بل تتمثل تلك الفرادة، على العكس من ذلك، في مآلات فكرة على يد الحضارة الأوروبية الناهضة، التي فتحت له كما قلنا، عقلها وقلبها، ودرست فكره في كل جامعات ذلك الزمان، رغم المقاومة الشرسة من الرجعيين أنفسهم في الجهة المقابلة. وتلك قصة شيقة نتعرض لها بعد حين.

Post: #2
Title: Re: الخاتم عدلان عن ابن رشد الذين احرقوا كتبه كانوا يشعلون النار في رؤوسهم
Author: عبد الله بولا
Date: 10-16-2004, 05:34 AM
Parent: #1

فوق خالص،
ولي عودة إلى هذا المقال العالي.
بــولا