شركاء التوليب

شركاء التوليب


09-29-2009, 03:05 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=240&msg=1254233155&rn=0


Post: #1
Title: شركاء التوليب
Author: هشام آدم
Date: 09-29-2009, 03:05 PM

++ جثت على ركبتيها بتثاقل أمام قبره كملاكٍ باهت الإضاءة ضلّ طريقه إلى السماء، قصّت عليه أنباء القرية: الذين قضوا نحبهم، والمهاجرين، والمتزوّجين، وحديثي الولادة، قصّت عليه أنباء التجّار، والبحارة، والمُزارعين في غيطان الباذنجان والبرسيم، حكت له عن انهيار سقف عليّة المنزل الخشبية لبيت جارتها جليلة صالح، ونفوق بقرة عبده هاشم، وفيضان النهر الأخير، وموسم الجراد، وفضائح القرية. أنشدت له أغنيته المفضلة، وكأنها تهدهده قبل النوم. باحت له بما يعتلج داخلها من شوق، ورغبة في اللحاق به إلى الجنة حيث يقبع في هدوء وسكينة، ناعماً تحت ظلال أشجارها الأسطورية، ومُعفراً قديمه المتشققتين في مياه أنهارها التي بلا منبع ولا مصب، ثم وضعت باقة من زهور التوليب وغادرت في هدوء.

Post: #2
Title: Re: شركاء التوليب
Author: هشام آدم
Date: 09-29-2009, 03:13 PM
Parent: #1

++ عادت بعد أسبوع، وقصّت عليه الأنباء وحكت له الحكايا المُعتادة وأنشدت له أغنيته الدافئة التي يُحبها، وبكت ما شاء لها الشوق أن تبكي، وعندما همّت بإبدال أزهار التوليب بأخرى جديدة، وجدتها طازجة كما تركتها آخر مرّة. لم تستطع أن تفهم شعورها حيال تلك الغرابة، ولكنها بطريقة ما اقتنعت بأن زوجها يحمل كرامة الأولياء الصالحين قابعاً في عليائه المجيد، ناعماً تحت ظلال أشجارها الأسطورية، ومُعفراً قدميه المتشققتين في مياه أنهارها التي بلا منبع. خمّنت أن تكون تلك علامة ما، أو رسالة يُحاول أن يُوصلها إليه فأخذت تستعد للحاق به في أيّ لحظة. أخذت زهورها القديمة، ووضعت الأخرى وانصرفت في هدوء.

Post: #3
Title: Re: شركاء التوليب
Author: هشام آدم
Date: 09-29-2009, 03:14 PM
Parent: #2

++ كانت تنتظر الموت بفرح جم وخوف هادئ؛ لذا حرصت على إعادة الأواني الفخارية إلى جارتها ووهبتها قطتها المُدللة، وباعت حليها الفضية العتيقة لتتمكن من الإيفاء بديونها المتفرقة، واستأجرت نجاراً ليُصلح لها نوافذ منزلها وأبوابه الخشبية، واشترت كفنها ووضعتُ أعلى خزانة الملابس، غير أنها لم تمت طوال أسبوع.

Post: #4
Title: Re: شركاء التوليب
Author: هشام آدم
Date: 09-29-2009, 03:15 PM
Parent: #3

++ بدأت تفقد إيمانها بكرامة زوجها المُخمّنة، وتتيقن من أن هلاوس العشاق المكلومين بدأت تسكن جيوبها الأنفية، وزقاقات أوردتها البطيئة الساخنة. عادت إلى قبره بعدها، وأخذت تقص عليه من جديد أنباء القرية: تفشي الطاعون، وهجرة الشباب، وعنوسة الفتيات، وتوقعات حرب قادمة. اشتكت إليه خبث التجّار، ولؤم البحّارة وبشاعة غيطان الباذنجان المهجورة، وحكت له عن نفوق قطتها المُدللة عند جارتها، والنجار الذي لم يؤد عمله كما يجب، واكتشافها زيف بعض الحُلي، ثم أنشدت له أغنيته المفضّلة، وعندما همّت بإبدال أزهار التوليب بأخرى جديدة وجدتها طازجة كذلك.

Post: #5
Title: Re: شركاء التوليب
Author: هشام آدم
Date: 09-29-2009, 03:17 PM
Parent: #4

++ كانت ما تزال تتساءل عن سر بقاء زهور التوليب طازجة في كل مرة، والرسالة الخفية التي يُريد زوجها أن يوصلها من وراء ذلك، ولكنها لم تتمكن من الوصول إلى تفسير نهائي وقاطع. ولكنها عادت مقتنعة بأن لزوجها كرامةً ما غير مفهومة، وألا شأن لها بما يجري على الإطلاق.

Post: #6
Title: Re: شركاء التوليب
Author: هشام آدم
Date: 09-29-2009, 03:18 PM
Parent: #5

++ ذلك اليوم -لم يكن يوم الأحد كما هو عادتها- وجدت شاباً وسيم الطلعة والقسمات، جاثياً على قبر زوجها، يُردد بعض الآيات في خشوع، ويُبدل زهور التوليب اليابسة بأخرى جديدة، فابتسمت لأنها عرفت سر التوليب، ولكنها لم تفهم سر علاقته بالقبر وصاحبه، فتقدمت إليه برشاقة:

- هل كنتَ تعرف زوجي أيها الوسيم؟
- زوجك؟ ولكنني أقف على قبر والدي.

Post: #7
Title: Re: شركاء التوليب
Author: هشام آدم
Date: 09-29-2009, 03:21 PM
Parent: #6

++ حكا لها عن صاحب القبر المزارع الذي جندته الحكومة إبان الحرب الأهلية، والبطولات التي عاش زملاؤه ليحكونها لهم، وقصة استشهاده التي أفجعت الجميع. وحكت له عن صاحب القبر الحداد الذي مات برفسة من فرس، كيف تزوجا منذ سنوات بعد افتضاح قصة عشقهما السرّية، وأمنيته في الإنجاب التي ظلّ بتحققها حتى وفاته.

Post: #8
Title: Re: شركاء التوليب
Author: هشام آدم
Date: 09-29-2009, 03:22 PM
Parent: #7

++ جلسا إلى شيخ القرية الذي لم يستطع أن يُحدد بشكل قاطع هوية صاحب القبر، ولم يكن من أحد في كلا القريتين يعرف ذلك. قالوا: "القبور كلها تتشابه، وشواهدها لا تحمل أسماءً أو حتى تواريخ وفاة!" لذا فإنه أصدر حُكمه بنبش القبر وإخراج الميّت للتعرّف إليه. واتفقوا على أن يتم نبش القبر صباحاً.

Post: #9
Title: Re: شركاء التوليب
Author: هشام آدم
Date: 09-29-2009, 03:23 PM
Parent: #8

++ في مكان آخر كان الشاب متكئاً على أريكةٍ كقارب صيد، وهو يُفكّر فيما يُمكن أن يُخبئ له الصباح، وكأنه سوف يرى والده لأول مرّة. كم لا نُحب رؤية الأموات! مهما كان مقدار حبنا لهم، إلا أننا لا نحب أن نراهم نائمين لا تحمل وجوههم تعابيرها التي نحبها فيهم. خمّن أنها فرصة مُناسبة لنقل قبر والده الشهيد إلى حيث يجب أن يكون. ونام باكراً تلك الليلة.

Post: #10
Title: Re: شركاء التوليب
Author: هشام آدم
Date: 09-29-2009, 03:23 PM
Parent: #9

++ وقتها كانت السيّدة العجوز تجلس على كرسيّها المتأرجح، تلتف عليها عشرات الهواجس الخائفة والمُطمئنة، تلوك لُبانها الذي فقد نكهته، ركّزت بصرها على نقطة وهمية في فضاء الردهة، وكأنها تحضّر روح زوجها لسؤاله عمّا يتوجب عليها فعله. خمّنت أنها سوف تفتقد شيئاً ما سواء أكان هو أم غيره الذي يرقد في ذلك القبر. لم تتساءل أين قد يكون زوجها إن لم يكن هو من كانت تقصّ عليه أنباء القرية وتُنشد له أغنياته المفضلة، ولكنها كانت تُفكّر بأمر آخر لا تستطع الإمساك بخاصرته تماماً.

Post: #11
Title: Re: شركاء التوليب
Author: هشام آدم
Date: 09-29-2009, 03:24 PM
Parent: #10

++ بحلول التاسعة صباحاً كان الجميع يتجمهرون أمام القبر في انتظار شيخ القرية الذي أتى بمشية البطريق حاملاً مصحفاً بيد، وفي الأخرى عصا أبنوسية غليظة. كانت قسماته ليست كالمُعتاد، أو هكذا خيّل إلى السيّدة العجوز والشاب الوسيم. نظر شيخ القرية إلى وجوه الجميع بطريقة متفحصة، وكأنه يُريد استنطاق شيء ما، وقبل أن ينطق بكلمة واحدة تقدم الشاب والسيّدة العجوز: "لا نريد نبش القبر، فليكن من يكون. نبش قبر الميّت كتعرية الحيّ!" وصفق الجميع لذلك، وانصرفوا، ولم يكف الشاب الوحيد عن زيارة القبر كل جُمعة والدعاء عند قدميه، ولم تكف العجوز عن زيارة القبر كل أحد، تقص عليه أنباء القرية وتنشده أغنيته المفضلة وتستبدل زهور التوليب الطازجة بأخرى مثلها. [النهاية]

Post: #12
Title: Re: شركاء التوليب
Author: JAD
Date: 09-29-2009, 10:45 PM
Parent: #11



كل عام وأنت بخير يا هشام ..


حقيقة الموت وما أدراك ما الموت..

تلك والبوابة المرعبة التي تفصل بين عالمين مختلفين .. ما نسميه عالم الغيب وعالم الشهادة ..

بحلول الموت يصبح نظر الإنسان قوياً حاداً وقد وصفه الله تعالى بـ (حديد) كصيغة مبالغة لحدته إذ يرى ما كان محجوباً من قبل ..

فيرى الملائكة ويرى عوالم ما كان البصر مجهزاً لرؤيتها ..


فالموت للرواة والأدباء المحلدين ليس مصدراً للإلهام فقط ولكنه أيضاً يمثل بعبعاً مرعباً .. وشيئاً عجزوا عن تخيل كنهه ..

لأن الموت قوة قاهرة لا سبيل لدفعها ..

ولأنه إما أن يأتي ببطء وتثاقل يقضم القوى والأعضاء ويصرم العمر يوماً يوماً بما يرسل أمامه من العلامات والنذر من كبر السن وضعف القوة أو تعرض الجسد لمرض عضال معروف المصير .. أو يأتي بغتة وذلك أدهى وأمر ..

ما يؤرق الملحدين هو استعصاء معرفة هذه الحقيقة الموغلة في الغموض .. كيف يموت الجسد وأين تذهب الروح بعد مفارقةالجسد .. وهل الروح تفارق الجسد أن أنها تبيد وتتلاشي كما الأعضاء .. ؟؟

المؤمن يعتقد في مصير هذه الأرواح ومصير هذه الأجساد .. ويعلم أن من أنشأه أول مرة قادر على بعثه مرة أخرى بالكيفية التى يريدها من أنشأ النشأة الأولى .. ويعلم أنه لم يخلق ليأكل ويشرب ويتناسل ثم ينقرض .. بل إلى هدف سامي هو إعمار هذه الأرض بهدى من الله وتعبد بما شرع للناس .. وأن هذه الدنيا دار عمل واختبار والحياة الأخرة دار جزاء .. وهي الحياة الأبقى لأنها لا موت فيها بل سعادة أبدية أو شقاء أبدي ..

بسم الله الرحمن الرحيم

وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14) ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَٰلِكَ لَمَيِّتُونَ (15) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ (16)

-

(وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (29) وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُوا عَلَىٰ رَبِّهِمْ ۚ قَالَ أَلَيْسَ هَٰذَا بِالْحَقِّ ۚ قَالُوا بَلَىٰ وَرَبِّنَا ۚ قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (30) قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَىٰ مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ ۚ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (31) وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ ۖ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ۗ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (32)

-

(وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَٰذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (33) وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ (34) أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ (35) هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ (36) إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (37)

صدق الله العظيم ..

البعض قد يقول كما قال الأولون:


(وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا ۙ اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا ۖ قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164)


وأقول لهم:: (معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون)



والسلام على من اتبع الهدى ..


جاد

Post: #13
Title: Re: شركاء التوليب
Author: هشام آدم
Date: 09-30-2009, 06:48 AM
Parent: #12

؟؟؟