أسامة عبد الرحمن النور: عدد الرمال عدد الحصى

أسامة عبد الرحمن النور: عدد الرمال عدد الحصى


05-17-2007, 07:45 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=214&msg=1179492763&rn=0


Post: #1
Title: أسامة عبد الرحمن النور: عدد الرمال عدد الحصى
Author: Mustafa Mahmoud
Date: 05-17-2007, 07:45 AM

أسامة عبد الرحمن النور: عدد الرمال عدد الحصى




د. عبد الله علي إبراهيم
[email protected]

حومت المنايا حول الحمي واستعرضتنا واصطَفَت سمح النفس بسام العشيات الوفي الحليم القلب العالم البروفسير أسامة عبد الرحمن النور بلندن في الأسبوع الماضي. وربما كنت حزنت قلباًً وأدمعت عيناً ولم أكتب عنه نعياً لولا ملابسات نعود لها بعد حين. فأسامة زميل عزيز تقاطعت دروبنا في الأكاديمية والسهر عند قضية غمار الناس. فهو أول من سمعته يستخدم عبارة "نفي النفي إثبات" في غير حلقاتنا الماركسية. فقد قالها في صباه الطروب بالشعب في 1960 وأمام قاض كان يحاكمه بالخروج في مظاهرة ضد نظام الفريق إبراهيم عبود. وكانت مناسبة المظاهرة زيارة عبد الناصر للسودان. وروي الناس عنه هتافه فيها :" صديق الدكتاتورية عدو الشعب". وكان هو في أخريات الثانوي وكنا في بدايات جامعة الخرطوم. وقد "أزعجنا" بدورنا عبد الناصر حين زار الفريق بداره الكائنة بمقربة من داخلياتنا. ولما استوى أسامة على الأكاديمية ظل يطلعني على مشروعاته. أذكر أنه أراد تأسيس دار نشر بأسبانيا مرة ثم ظل يبعث لي مجلته "أركماني" على الشبكة بصورة منتظمة.

ولكننا لم نعش معاً وجهاً لوجه حتى أعرفه عن كثب وأتذوقه ذوقاً أذيعه على قارئ محامده أو نعيه. فقد درس الجامعة بموسكو وعاد منها في 1969 وعمل ضابطاً بمصلحة الآثار. وتلك فترة. وقد اتفق له أن يكون من بين جماعة المرحوم معاوية إبراهيم في انقسام 1970 بالحزب الشيوعي. وكنت من شيعة أستاذنا عبد الخالق محجوب الميامين. وربما باعد هذا بيننا. فأنا لم أصف بعد متعلقات هذا الانقسام الفكرية وإن تجاوزته في ما عدا ذلك. ثم عاد أسامة إلى موسكو ليحضر للدكتوراة التي نالها في 1976 عن تاريخ السودان القديم. وكنت منقطعاً في خلوة سياسية معلومة. ثم تعاورته هجرات عديدة بسبب فصله عن العمل بمتحف الخرطوم سواء في ظل حكومة نميري أو على عهد البشير الحالي. واضطره ذلك إلى هجرات لليمن الديمقراطي والجزائر وليبيا وغيرها.

وعرفت مع ذلك عن كثب جداً طائفة صالحة من أهله آل النور. وعرفت الفضل. بل اكتنفوني في طور عصيب في حياتي السياسية ويسروا أمري. وبدا لي دائماً أن تقدمية أكثر آل النور هي امتداد لبركة البيت وحبه للخير وإحسان صحبة الكتاب. ولا فرق. فإن استعان جيلهم الأول بعلم الدين على الدنيا فقد استعان جيلهم المتأخر بعلم الدنيا على الدنيا.

هذه الكلمة بحق أسامة ثمرة محادثتين. كانت الأولى مع الاستاذة غادة عبد العزيز خالد بعد تقديم فروض "الكفارة" بعد اعتقال والدها لأسابيع مضت. ولما رأيت تكرار محادثاني معها حول الاعتقالات المتجددة لعبد العزيز قلت لها لماذا لا تكتبي مقالاً طالما استقوى قلمك الشفيف تقولين فيه بصراحة لا تعتقلوا والدي بعد هذا أبداً فهو أجمل ما عندي وإذا فشلتم في سبر غور جماله فأتركوه لي. . . حراً طليقاً جميلاً. كانت هذه فكرتي عن ثورة جيل الأبناء والبنات لدوامة شقاء الآباء في ظل نظام طال ولم يتفق له بعد العيش المر مع الخلاف. "كفاية" وحتاما. وأظنها استحسنت رائي وكتبت مقالاً بهذا الخصوص.

أما الظرف الثاني الذي أملى علي هذه الكلمة فهو متابعتي لنعي أسامة في منبر "السوانيزأونلاين" بالشبكة. بدا لي الناعين، وقد اذهلهم الفقد، طارت أنفسهم شعاعاً حتى احتجوا على الموت مع أن لكل أجل كتاب والحمد لله من قبل ومن بعد. ومما أمض هذه الجماعة حوم الردى ببلدنا واصطفائه من سمحت نفوسهم من أهل الرأي والفكر والفن. وبلغ الهول حداً عدَّد فيها أهل المنبر من رحلوا من هذه الطائفة فرداً فرداً ينسى الواحد منهم علماً فيتداعى الآخرون يذكرونه ويزيدون. وهذا إلى شق الجيوب أقرب. وسمى جدي أحمد ود حمد ود إزيرق هذا ب" حَقَر الموت". فقد كان يجلس في ظل خلوته يوماً بقرية البرصة فسمع الصائح ينعي للقرى "فلان ود جينابي" والجيناب من جيراننا في قرية القلعة. ثم ما انقضى يومان أو ثلاثة حتى سمع جدي عن الصائح بأن "علان ود جينابي" قد مات الحقو الدافنة. ولم يفوت جدي الزَقلات (كثير الهذر والمرح) هذا النسق الناشيء عن موت الجيناب فقال:" إنت عليك الله ما تشوف. أماني الموت ما حقر بالجيناب حقر".

الموت حق. ولكن ما أطاش لب جماعة (السودانيزأونلاين) هو فوت هؤلاء المنتظر وعدهم ومأثرتهم من أهل الفكر "الواحد تلو الآخر" في سنوات عجفاء وصفوها ب"عهد الغيهب". وأسقمهم أن البلاد لم تستفد من مواهبهم الطريدة أو المؤجلة ولن ترث الأجيال منهم سوى وعد لم يقم على ساق ولا قدم.

ربما كان أسامة من دون الآخرين هو العالم-المشروع. فلم تصرفه صارفة الاضطهاد عن خطته الآثارية للسودان وحفظ تاريخه القديم والبحث فيه. لم يؤجل عمل اليوم الأسود في العهود الغيهب إلى يوم ديمقراطي أبيض يأتي ولا يأتي. وهو في هذا قريب من شيخنا الطيب محمد الطيب. إذا غطت سيوف الظلمة كبد الشمس تعلم أمثالهم الكتابة في رابعة الظلام. وقد تحدثت إلى صفينا الدكتور فاروق محمد إبراهيم عميد أسرة آل النور في لندن معزياً. ولم تطل بيننا عبارات العزاء المتداولة ليقول لي:" لقد كنت مع أسامة قبل ربع ساعة من وفاته فمر، وهو يغالب نفسه، على خطة كتبتها جماعة من أحبابه لدعم مشروعه "أركماني" على الشبكة. وكان سعيداً بها يلح على فاروق أن تكون اركماني هو ما يبقى منه للأجيال". ومات أسامة وقد اطمأنت نفسه شيئاً ما إلى مصائر مشروعه.

إذا كان على جيل الآبناء والبنات مثل غادة عبد العزيز أن تعلن الحب على والدها الذي "حقر" به الاعتقال الجزافي فعلينا في جيل الآباء ان نعلن الحب على أنفسنا ل "حقرة" الموت بنا. وهي حقرة من جهة خلو وفاضنا من مشروع نافع باق بعد استلام صاحب الوداعة وداعته. لقد ناشتنا العهود الغيهب طويلاً وليس هذا بدعاً في سنة السياسة. ولكن الأمر البدع حقاً هو تمكن المعارضة الغيهب منا. وهي المعارضة المٌشَفَرة على المظاهرة ولعبة الكراسي التي تتعطل فيها لغة الفكر والمأثرة والمشروع الرامي بعيد. فلا صوت في هذه المعارضة يعلو فوق صوت المعركة التي هي إسقاط النظام ثم يأتي يوم المشاريع بعد ذلك ك "الكنوز انفتحت في باطن الأرض تنادي: باسمك الشعب انتصر حائط السجن انكسر والقيود انسدلت جدلة عرس في الأيادي". انتفاضة أخرى أقصر عمراً وأقل فجيعة وندباً وشعرها الراثي بعمر افتراضي قصير.

من أكثر ما أثرني في نعي أسامة تعديد الكاتبة سلمى الشيخ سلامة للأشياء التي ستبكيه لإحسانه. فطلبت له المغفرة "بعدد رمال نقب فيها وصخور" لينفذ إلى أثر أو خبر عن ماضي السودان. ولربما استفادت سلمى هذا من المديح الديني لأجدادنا شعراء الشعب كما سماهم ود المكي من قولهم في الصلاة على أفضل البشر ب "عدد الحصى عدد الشجر". وقد أسعدني من أسامة دائماً أنه رد استثمار اليسار فيه على دائر المليم. فقد كان الهدف من بعثاتنا لطلاب لدول المعسكر الاشتراكي المنحل أن يعودوا ليفتحوا جبهات الفكر المستغلقة من التاريخ والفلسفة والاقتصاد. قال لهم أستاذنا عبد الخالق محجوب: "تميزوا وانجحوا وعودوا إلى الوطن". فقد سبقهم الكادر الشعبي قاسم والشفيع وكامل محجوب والأمين محمد الأمين وفاطمة وغيرهم إلى فتح جبهات العمل الجماهيري من نقابات واتحادات واحتاج هذا المخاض العظيم إلى داية الفكر ليشرق ويسعد غمار الناس. وربما كان أسامة من بين جماعة تعد على أصابع اليد الواحدة أوفوا الوعد وعاد يشق كثبان الرمال وركام الحصى يفتح جبهة للتقدم في مجاهل التاريخ القديم.

نفي النفي إثبات. وداعاً أيها الرفيق

Post: #2
Title: Re: أسامة عبد الرحمن النور: عدد الرمال عدد الحصى
Author: Mustafa Mahmoud
Date: 05-17-2007, 07:51 AM
Parent: #1

أما الظرف الثاني الذي أملى علي هذه الكلمة فهو متابعتي لنعي أسامة في منبر "السوانيزأونلاين" بالشبكة. بدا لي الناعين، وقد اذهلهم الفقد، طارت أنفسهم شعاعاً حتى احتجوا على الموت مع أن لكل أجل كتاب والحمد لله من قبل ومن بعد. ومما أمض هذه الجماعة حوم الردى ببلدنا واصطفائه من سمحت نفوسهم من أهل الرأي والفكر والفن. وبلغ الهول حداً عدَّد فيها أهل المنبر من رحلوا من هذه الطائفة فرداً فرداً ينسى الواحد منهم علماً فيتداعى الآخرون يذكرونه ويزيدون. وهذا إلى شق الجيوب أقرب. وسمى جدي أحمد ود حمد ود إزيرق هذا ب" حَقَر الموت". فقد كان يجلس في ظل خلوته يوماً بقرية البرصة فسمع الصائح ينعي للقرى "فلان ود جينابي" والجيناب من جيراننا في قرية القلعة. ثم ما انقضى يومان أو ثلاثة حتى سمع جدي عن الصائح بأن "علان ود جينابي" قد مات الحقو الدافنة. ولم يفوت جدي الزَقلات (كثير الهذر والمرح) هذا النسق الناشيء عن موت الجيناب فقال:" إنت عليك الله ما تشوف. أماني الموت ما حقر بالجيناب حقر".

الموت حق. ولكن ما أطاش لب جماعة (السودانيزأونلاين) هو فوت هؤلاء المنتظر وعدهم ومأثرتهم من أهل الفكر "الواحد تلو الآخر" في سنوات عجفاء وصفوها ب"عهد الغيهب". وأسقمهم أن البلاد لم تستفد من مواهبهم الطريدة أو المؤجلة ولن ترث الأجيال منهم سوى وعد لم يقم على ساق ولا قدم.

Post: #3
Title: Re: أسامة عبد الرحمن النور: عدد الرمال عدد الحصى
Author: Mustafa Mahmoud
Date: 05-17-2007, 07:52 AM
Parent: #2

من أكثر ما أثرني في نعي أسامة تعديد الكاتبة سلمى الشيخ سلامة للأشياء التي ستبكيه لإحسانه. فطلبت له المغفرة "بعدد رمال نقب فيها وصخور" لينفذ إلى أثر أو خبر عن ماضي السودان. ولربما استفادت سلمى هذا من المديح الديني لأجدادنا شعراء الشعب كما سماهم ود المكي من قولهم في الصلاة على أفضل البشر ب "عدد الحصى عدد الشجر

Post: #4
Title: Re: أسامة عبد الرحمن النور: عدد الرمال عدد الحصى
Author: Mustafa Mahmoud
Date: 05-17-2007, 10:48 AM
Parent: #3

نفي النفي إثبات. وداعاً أيها الرفيق

Post: #5
Title: Re: أسامة عبد الرحمن النور: عدد الرمال عدد الحصى
Author: Mustafa Mahmoud
Date: 05-18-2007, 12:03 PM
Parent: #4

****************

Post: #6
Title: Re: أسامة عبد الرحمن النور: عدد الرمال عدد الحصى
Author: غادة عبدالعزيز خالد
Date: 05-18-2007, 12:07 PM
Parent: #5

العزيز
د. مصطفى

معذرة يا أخي
فلم أكن أعلم أنك قد فتحت
نفس البوست
لدكتور أسامة النور الرحمة و المغفرة
و لدكتور عبدالله كثيرا
من تحية و تقدير

لك ودي
غادة