الطيب صالح ونقد الشعر ،،

الطيب صالح ونقد الشعر ،،


09-11-2005, 10:03 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=19&msg=1189231895&rn=0


Post: #1
Title: الطيب صالح ونقد الشعر ،،
Author: Agab Alfaya
Date: 09-11-2005, 10:03 PM

الطيب صالح ونقد الشعر


كان الطيب صالح اذا ما سئل عن سبب توقفه عن الكتابة الروائية ، اجاب انه لم يتوقف عن الكتابة ولكنه يمارس الان شكلا آخر من اشكال الكتابة الابداعية . وهو يقصد بذلك قراءاته النقدية في الشعر العربي القديم وكتاباته عن اسفاره وذكرياته . وفي السفر الذي ضم مراجعات نقدية لشعر المتنبي وشعراء قدماء آخرين ،يرقي بنا الطيب صالح الي مستوي آخر من الكتابة الابداعية المتينة كاشفا عن ملكة نقدية لا تجاري وعن رصيد معرفي ضحم بالتراث ، شكل لديه هذا الحس اللغوي المرهف ، وهذه اللغة الشاعرية المتفردة التي تجلت في قصصه ورواياته وسائرضروب كتابته النثرية ، مؤكدا علي ان الحداثة لا تاتي من فراغ وليست هي انقطاعات معرفية، مع الماضي ، بقدر ما هي ديالتيك معرفي متواصل .
اذكر وانا اطالع هذه القراءات الممتعة والاشارت الثاقبة ، تسلل الي ذاكرتي قول المتنبي:

عليم باسرار الديانات واللغي
له خطرات تفضح الناس والكتبا


ووقر في نفسي ان عجز هذا البيت لا ينطبق علي احد مثل انطباقه علي الطيب صالح وهو يغوص في بحور شعر المتنبي، مستخرجا درره النفائس، كاشفا عن اسرار بلاغته الساحرة ، مستعرضا بديع آيات بيانه الشوراد ، مستدركا ما فات علي شراحه الافذاذ وما زلت به اقلام الرواة وذاكرة الحفاظ النجباء، الذين لم يكد يتركون شاردة او واردة، مما جادت به قريحة هذا الشاعر الفلتة ، الا احصوها وعدوها عدا .



من عيون الحكم التي وردت في شعر المتنبي ، قوله :

لم أر في عيوب الناس شيئا
كنقص القادرين علي التمام


( لم أر شيئا ) وليس (عيبا ) . هكذا ترد في كل طبعات ديوان المتنبي تقريبا ، بما في ذلك شرح العكبري والبرقوقي . جعلوا ( شيئا ) مكان (عيبا) حتي لا تجتمع مع كلمة (عيوب ) السابقة عليها ، ربما خوفا من التكرار .الا ان الطيب صالح يرفض، شيئا ، بشدة ، قائلا : " لا يا رعاك الله ! المتنبي العظيم لا يقول شيئا . فهو لم يخشي ان يقول عيبا بعد ان قال عيوب ، لان في الكلمة الواحدة سعة لمزيد من الانفاق " . ثم يورد عدد من الشواهد علي ذلك المنوال .
وهديا علي ما المح اليه الطيب صالح ، استوقفني قول المتنبي في قصيدة اخري ، يصف تناثر جثث القتلي التي خلفها ، سيف الدولة ، وراءه فوق الجبل ، في احدي معاركه مع الروم :

نثرتهم فوق الاحيدب نثرة
كما نثرت فوق العروس الدراهم


وردت في شرح البرقوقي وبعض الطبعات المتداولة الاخري للديوان : " نثرتهم فوق الاحيدب كله " . جلعوا ( كله) مكان ( نثرة ) ربما خوفا من التكرار كما توهموا ، وما دروا انهم بذلك قد هبطوا بالاداء الشعري كثيرا . فكلمة (نثرة ) تعطي الصورة الشعرية زخما وحراكا يشي بقوة البطش والتنكبيل .

في احدي القصائد الرائعة ، يصف المتنبي شوقه واستعجاله الوصول ، ديار الاحبة ، بقوله :

نحن ادري وقد سالنا بنجد
أقصير طريقنا ام يطول
وكثير من السؤال اشتياق
وكثير من رده تعليل


" أقصير طريقنا ام يطول " هكذا وردت في كل طبعات الديوان المتداولة . ولكن الطيب صالح يري ان الرواية الصحيحة ينبغي ان تكون : " أطويل طريقنا أم يطول " . فالطريق قد يبدو طويلا و هو في حقيقة الامر ليس بالطويل – علي حد تعبيره . والمعني ان الشاعر انما يفصح عن حالته النفسية في الاحساس بطول الطريق . فهو علي رغم من معرفته بحقيقة الطريق ، الا انه ، من شدة الشوق ، يتعلل بالسؤال عن طوله ، رغبة منه في طي المسافة واستعجالا للوصول ولسان حاله يقول : مال هذا الطريق يطول ، أهو طويل حقا، ام انه يطول لاننا في شوق للحبيب ؟!.
وتنسب الرواية التي اخذ بها الطيب صالح ، الي ابن جني ، احد شراح المتنبي ومعاصريه ، ومن علماء اللغة الافذاذ ، الا ان محققي الديوان لم يعتمدوها في سائر الطبعات .والمتامل في شعر المتنبي ، يلحظ احساس الشاعر الحاد بالزمن وبسلطانه . وقد عرضنا لهذه الظاهرة في مقالة لنا عن : " الحداثة في شعر المتنبي " ، نشرت في النصف الاول من تسعينات القرن الماضي.


اذا كان الطيب صالح قد اخذ برواية ابن جني ، في مسالة (طول ) الطريق ، فانه يخالفه هذه المرة في رواية بيت مشهور آخر للمتنبي ، يقول فيه واصفا ، غشيان النوق ، ماء المنهل ، في طريقها الي الممدوح :

اذا استجبن الماء يعرض نفسه
كرعن بشيب في اناء من الورد


والمعني ان الماء يعرض نفسه ، للابل ، وهي تجيب بارتشافه ارتشافا وتكريعه تكريعا . والكرع او التكريع معروف في اللهجة السودانية العربية . والشيب ، صوت مشافر الابل في الماء وهي تشرب .والزهر يحف بالماء كانه اناء من الورد .
لكن بعض رواة المتنبي وشراحه ومنهم ابن جني ، يروون البيت بصيغة اخري، وهي :

اذا ما استحين الماء يعرض نفسه
كرعن بسبت في اناء من الورد


يجعلون (استحين ) بالحاء من الحياء ، مكان ( استجبن ) والسبت والشيب، واحد . ولكن الطيب صالح يعترض علي ابن جني ومن نحي مذهبه ، ويقول : " كيف تستحي الابل هذه من الماء يعرض نفسه عليها ؟ .. وكيف يستقيم الحياء مع كون الابل قد كرعن الماء ، والكرع شرب فيه نهم وعجلة ، حال الظمآن " .
ثم يذهب ابو زينب ، مذهبا بديعا في شرح البيت : " .. وهكذا انت تسمع وتري ، تسمع اصوات الابل الظماي تعب الماء عبا : شيب ، شيب ، شيب ، وتري النبات والزهر من مختلف الالوان حول الماء وعلي وجهه . ولعلك تري ظلال الابل منعكسة علي صفحة الماء . هكذا تصبح الصور بديعة لا حدود لجمالها في الخيال ، مثل مزهرية صينية نادرة ، او كرسم من هذه الرسوم المرهفة التي صنعها الفنانون اليابانيون القدامي علي الحرير. "

من الاشارات الالمعية التي المح اليها الطيب صالح ، نقده للمعني الشائع ،لقول المتنبي :

اذا كان بعض الناس سيفا لدولة
ففي الناس بوقات لها وطبول


يذهب جمهرة شراح المتنبي الي ان الشاعر يقصد ببعض الناس سيف الدولة . وهو اذن يمدح سيف الدولة ويهجو غيره من امراء الدولة الاسلامية . والمعني انه يخاطب الممدوح قائلا، انك انت حقا سيف الدولة وحامي حماها ، وغيرك من الملوك والامراء مجرد طبول وابواق.
ولكن ابا زينب يري غير ذلك ويقول في سياق رده علي الدكتور طه حسين الذي اخذ بذاك المعني : ظن العميد - رحمه الله - ان هذا البيت متصل بالابيات التي سبقته في مدح سيف الدولة ، لكنه لو لم ، يحمل بوقات ، وطبول علي المعني المعاصر وألحق البيت ،لا بالابيات التي سبقته ، بل بالابيات التي جاءت بعده ، لوجد معنا طريفا حقا .
فما هذا المعني الطريف ؟! . يقول ، ان المتنبي هنا يؤكد دوره كشاعر . فهو قد افلت في هذا البيت من مدح الامير الي مدح نفسه . وقوله :" بعض الناس سيفا لدولة " ، كانه يقلل من شان سيف الدولة ، فهو بعض الناس وهو مجرد سيف لمجرد دولة . اما الشاعر، فهو طبول تصطخب وابواق تضج .
وكانه اراد ان يقول للامير : لا تظن ان الملك يبني بالسيف وحده ، انما ايضا بالفكر والادب والفن ، واذ تخيلت ان ما انجزته بسيفك عظيم ، فان دوري انا الشاعر ، لا يقل اهمية عن دورك ، ولعله يفوقه !
حقا انه معني طريف ، يؤكد عبقرية هذا الشاعر الفذ . ومثل هذا الموقف ليس جديدا علي المتنبي ، فقد ردده ، في قصائد مدحه لسيف الدولة صراحة وتلميحا ، ولعل ادلاله بنفسه واحساسه انه صنو سيف الدولة ونده هو الذي ادي الي الخلاف بينهما فيما بعد ، او كما قال ابو زينب .
من الحوارات الممتعة عن شعر المتنبي تلك المؤانسة التي جمعت بين الطيب صالح والدكتور محمود مكي عضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة ، حول مائدة دعاهم اليها الدكتور جابر عصفور رئيس المجلس الاعلي للثقافة في مصر . حيث اختلفا في رواية ومعني بيت المتنبي في مدح سيف الدولة :

تهاب سيوف الهند وهي حدائد
فكيف اذا كانت نزارية عربا


ظاهر المعني ان الشاعر يعقد مقارنة بين سيوف الهند والسيوف العربية ، ويقول اذا كانت الناس تخشي سيوف الهند وهي من حديد ، فكيف تكون خشيتها من السيوف العربية ؟ ! ولكن لماذا ؟ هل السيوف العربية ليست من حديد ؟!ا
يذهب جمهرة شراح المتنبي الي ان الشاعر يرمي الي تفضيل سيف الدولة ، علي سيوف الحديد . يقول العكبري :" المعني ، انه سيف – يقصد سيف الدولة – كاسمه ، وهو عربي من ولد نزار بن معد بن عدنان ، فالخوف منه اولي من الخوف من سيوف الحديد . فاذا كانت هذه الحدائد تخاف وترهب ، وهي لا عمل لها الا بغيرها ، فهذا السيف اولي ان يخاف، وهو يعمل بنفسه ."
ولكن للطيب صالح راي آخر . فهو يري ان هذا الشرح لا يفهم الا اذا قبلت ان المقارنة ليست بين سيف وسيف ، بل بين السيوف جميعا وبين سيف الدولة الذي هو السيف والضارب بالسيف في آن ، فكانه يضرب نفسه بنفسه .
وكيف يستقيم المعني يا ابا زينب ؟ يقول : ان صانع السيوف العماني ببلدة صور ، علمه ان المتنبي لم يقل (حدائد ) بالدال ، ولكنه قال (حدائب ) بالباء . وذلك لان السيف الهندي احدب او محدودب يقطع من جهة واحدة ، في حين ان السيف العربي مستقيم ، ذو حدين يقطع من جهتين . فذلك موضع المدح !!
ولكن الدكتور محمود مكي الذي شاركه حديث المائدة ، يرفض ذلك جملة وتفصيلا ويقول ان كلمة ( حدائب ) لا وجود لها في اللغة لانه لو صح ذلك فينبغي ان تكون جمعا لحديبة او حدوبة ، لان وزن فعائل انما هو جمع فعيلة او فعولة ، ولا وجود للفظ حديبة او حدوبة في اللغة .
ومع ذلك يتمسك الطيب صالح بوجهة نظره ، بل يغامر بالدخول في رهان مع عضو مجمع اللغة العربية مع احساسه انه سيخسر الرهان لا محالة ، لكن لا لقلة ايمانه بصحة رايه وانما من قلة السند : " ومهما يكن فما اظن الا اني سوف اخسر الرهان ، فالدكتور محمود مكي مع علمه وراءه مجمع اللغة العربية وجمهرة شراح المتنبي وانا اقف أعزل ليس معي سوي صانع السيوف العماني ."
وانا بدوري - غفر الله لي – اخشي ان يخسر ابو زينب الرهان حقا هذه المرة ، بعد ان كسبه المرة السابقة مع طه حسين والدكتور محمود مكي ايضا . فالمقارنة علي مايبدو لي ، بين سيف الدولة ، وسيوف الحديد جميعا . والدليل البيت السابق للبيت محل الجدال :

اذا الدولة استكفت به في ملمة
كفاها فكان السيف والكف والقلبا


يقول العكبري ، المعني ان الضرب لا يحصل الا بالسيف والكف والقلب . يريد بهذا ان يفضل سيف الدولة علي ، سيف الحديد . فهو لا يعمل الا بضارب ، وسيف الدولة يعمل بنفسه . وما قاله العكبري هو موضع المدح في نظري .




هامش :

ابو زينب : زينب البنت البكر للطيب صالح وقد استعمل هذه الكنية في حديثه عن المتنبي.


المراجع :

1- منسي انسان نادر علي طريقته – الطيب صالح – رياض نجيب الريس – بيروت – نوفمبر 2004
2- في صحبة المتنبي ورفاقه – الطيب صالح – رياض نجيب الريس – بيروت – ابريل 2005
3- ديوان ابي الطيب المتنبي بشرح ابي البقاء العكبري المسمي بالتبيان في شرح الديوان – دار الفكر بيروت – 3ج
4- شرح ديوان المتنبي – عبد الرحمن البرقوقي – دار الكتاب العربي 2ج



عبد المنعم عجب الفيا





Post: #2
Title: Re: الطيب صالح ونقد الشعر ،،
Author: عاطف عبدالله
Date: 09-11-2005, 11:02 PM
Parent: #1

أستاذي عبد المنعم عجب الفيا
أقرأ لك بأعجاب وأمتنان كبيرين.. تناولك الجاد للأدب ونقدك البناء يحفظ لهذا المنتدى توازنه وإتزانه ..
مزيد من العطاء .. ولك التحية

Post: #3
Title: Re: الطيب صالح ونقد الشعر ،،
Author: ابو جهينة
Date: 09-11-2005, 11:44 PM
Parent: #2

أديبنا النحرير عجب الفايا

تحايا ماكنة و سلام أمكن

كعادتك تقطف لنا من حدائق المفيد و الممتع.

توقفت كثيرا عند :

Quote: نثرتهم فوق الاحيدب نثرة
كما نثرت فوق العروس الدراهم

وردت في شرح البرقوقي وبعض الطبعات المتداولة الاخري للديوان : " نثرتهم فوق الاحيدب كله " . جلعوا ( كله) مكان ( نثرة ) ربما خوفا من التكرار كما توهموا ، وما دروا انهم بذلك قد هبطوا بالاداء الشعري كثيرا . فكلمة (نثرة ) تعطي الصورة الشعرية زخما وحراكا يشيء بقوة البطش والتنكبيل .


شكرا لك ..
مع تقديري

Post: #5
Title: Re: الطيب صالح ونقد الشعر ،،
Author: Agab Alfaya
Date: 09-12-2005, 10:40 AM
Parent: #3

الاخ الاستاذ الاديب الاريب /جلال داوود

يا مليون مراحب

اتابع كتاباتك باعجاب شديد ،

ولكن كما يقولون العين بصيرة والايد قصيرة ،

وشكرا علي اعجابك بالتعليق علي بيت المتنبي ،

وفي انتظار المزيد من التعليق علي اشراقات الطيب صالح




Post: #4
Title: Re: الطيب صالح ونقد الشعر ،،
Author: Agab Alfaya
Date: 09-12-2005, 10:34 AM
Parent: #2

الاخ الاستاذ الاديب /عاطف عبدالله

تجدني اكثر امتنانا فقد اسعدني مرورك وتعليقك وارجو ان يستعيد المنبر سيرته الاولي
ودوما في انتظار جديدك ،

وافر التقدير والاحترام

Post: #6
Title: Re: الطيب صالح : بعض شعراء الحداثة يستخفون بالشعر القديم
Author: Agab Alfaya
Date: 09-12-2005, 11:05 AM
Parent: #1



[email protected]




Last Update 31 اغسطس, 2005 07:49:17 AM

الطيب صالح والشعر العربى القديم..

أصيلة - العرب اونلاين - حسونة المصباحي:

أظهرت رواية "موسم الهجرة الى الشمال" وبقية الروايات الأخرى مثل "عرس الزين" و"بندر شاه" ان الطيب صالح ناثر مرموق كما أظهرت ايضا أنه صاحب شاعرية عالية. والذى يعرف هذا الكاتب السودانى الأصيل يعلم أنه عاشق متيم للشعر العربى القديم، وللمتنبى وأبى نواس، وأبى العلاء وذى الرمة بالخصوص. وفى المجالس الخاصة والعامة، يحب الطيب صالح أن يقرأ القصائد التى تعجبه من الشعر القديم اذ انه يحفطها عن ظهر قلب. وفى أصيلة التى يأتيها كل عام مدعوا من قبل صديقه الكبير الاستاذ محمد بن عيسى وزير الخارجية المغربية، ينشد فى السهرات الجميلة أبياتا لهذا أو ذاك من الشعراء الذين اصطحبهم واصطحبوه خلال حياته. منذ أن كان طفلا صغيرا وحتى هذه الساعة. وفى هذا الحوار، يتحدث عن الشعر، وعن امرؤ القيس والمتنبى والمعري، وأبى نواس، وبشار بن برد..وذى الرمة. كما يتحدث عن أحمد شوقى وعن الشعر العربى الحديث..

كيف ومتى بدأ تعلقك بالشعر؟
أعتقد أنّ تعلقى بالشعر وهيامى به بدأ مع الدراسة الابتدائية التى كنا نسميها فى السودان"التعليم الأولي" وكانت تدوم أربعة أعوام. وبما أنى كنت صغير السن فان تذوقى للشعر لم يكن واعيا. لكن فى ما بعد، أى فى المرحلة التى أعقبت التعليم الأولى بدأت أتذوق الشعر العربي، وأفهم معانيه ومقاصده. واذكر أنى امتحنت مرة شفويا، فأنشدت قصيدة امرؤ القيس الشهيرة: "ألا عم صباحا أيها الطلل البالي..." وكنت اذ ذاك فى الحادية عشرة من عمري.
وفى المرحلة الثانوية، كان لنا مدرسون جيدون مطلعون اطلاعا واسعا على الشعر العربى القديم. وكان لنا مدرس اسمه الشيخ حسن أحمد. وكان هذا الشيخ يحب البحتري، ويمضى الوقت الطويل فى إنشاد قصائده. وكان يفعل ذلك بشكل مسرحي، بحيث حين يشتد به الطرب للقصيدة التى ينشدها، يبدأ فى القيام بحركات مسرحية، ناسيا نفسه، ونحن أيضا. وفى الصباح يكون شديد النشاط، لكن عندما تأتى الظهيرة يتعب، بسبب الجهد الكبير الذى كان يبذله أثناء إنشاده لقصائد البحتري.. وشخصيا تأثرت بهذا الشيخ. وقد يكون هو الذى جعلنى ازداد تعلقا بالشعر..ولا زلت أحفظ أبياتا للبحترى حفظتها وأنا تلميذ صغير فى السنة أولى ثانوي. وفى هذه الأبيات يقول البحتري:

عذلتنا فى حبّها أمّ عمرو
هل سمعتم بالعاذل المعشوق
عند البحترى خفة دم وحلاوة. وفى بيت آخر يقول:

ورأت لمّة ألمّ بها الشيب
فريعت من ظلمة فى شروق
ولعمرى لولا الأقاحي
لأبصرت أنيق الرياض غير أنيق

وثمة بيت آخر للبحترى طربت له فى ذلك الوقت من دون أن أفهم معناه الحقيقي، وفيه يقول: وقفة بالعقيق أطرح ثقلا من دموعى ..
طول حياتى وأنا أحبّ الشعر وأنشده، واقرأه بشغف لا مثيل له. والغريب أنى لم أحاول قط كتابة الشعر. كنت أحب اللغة العربية واللغة الانجليزية. والشعر كان ولا يزال بالنسبة لى مصدرا للغة، وللإلهام الوجداني، وللراحة النفسية، وفى فترة المراهقة كان الشعر متنفسا هاما بالنسبة لي.

كنز شعري

أنت تعتبر المعلقات العشر كنزا شعريا لا بالنسبة للتراث العربي، بل بالنسبة للتراث العالمي..لكن الا ترى انها جافة، ورتيبة كما قال الشاعر التونسى أبو القاسم الشابى فى محاضرته الشهيرة " الخيال الشعرى عند العرب"؟
طبعا..المعلقات العشر كنز شعرى هائل لا ينضب وما أعتقد أنها رتيبة وجافة الا بالنسبة لمن ينظر اليها باستعجال لكن الذى يتمعن فيها، ويقف طويلا عند معانيها ومقاصدها، يجد نفسه فى النهاية مفتونا بها، وعاجزا عن نسيانها وتركها. ان الشعر الحقيقى فى نظرى هو ذلك الذى تعيش معه، ويعيش معك. وهناك شعر جاهلى سلس جدا كما لو أنه كتب اليوم..يقول امرؤ القيس مثلا:

نظرت اليها والنجوم كأنها
مصابيح رهبان تشبّ لقفال
سموت اليها بعدما نام أهلها
سمو حباب الماء حالا على حال

وفى أبيات أخرى شهيرة، يحنّ امرؤ القيس الى شبابه ويقول:
كأنى لم أركب جوادا للذة
ولم أتبطن كاعبا ذات خلخال
ولم أسبأ الزق الروي
ولم أقل لخيلى كرّى كرة بعد إجفال

ولكن أبا نواس، وهو شاعر كبير مولع به أنت أيضا، سخر من الشعراء الجاهليين فى بيته الشهير الذى فيه يقول:
عاج الشقى على رسم يسائله
وعجت أسأل عن خمارة البلد ..
- اكتشفت المتنبى وأبا نواس والمعرى على نضوج وبالمناسبة أقول إن أبا نواس شاعر كبير جدا. وكان يزعم فى شعره أنه يكره الأطلال والرسوم والحبيبة التى لا ترى الا فى المنام، ولا يستمتع الحبيب منها الا بآثار قدميها على الرمال..لكن هناك مفاتيح فى شعره لا بد من الوقوف عندها. وفى أبيات له هو يقول:

لقد طال فى رسم الديار بكائي
وقد طال تردادى بها وغنائي
كأنى مريغ فى الديار طريدة
أراها أمامى مرة وورائي
فلما بدا لى اليأس، عديت ناقتي
عن الدار واستولى عليّ عزائي
الى بيت حان لا تهرّ كلابه
عليّ ولا ينكرن طول ثوائى

وماذا عن أبى العلاء المعري؟
النقاد يقولون إنه شاعر فيلسوف. وهذا كلام لا معنى له فى نظرى لان أبا العلاء شاعر وكفي. لا هو فيلسوف. ولا هم يحزنون. وأنا لا أتعب من قراءة شعره. انه من الشعراء الذين يصحبوننى وأصحبهم طول الوقت.
انظر الى هذا البيت، كم هو رائع:

لقد مسخت قلبى وفاتك طائرا
فأقسم أن لا يستقر على وكن

وانظر الى هذه الابيات أيضا:

كم صائن عن قبلة خده
سلطت الأرض على خده
وحامل ثقل الثرى جيده
وكان يشكو الضعف من عقده
وربّ ظمآن الى مورد
والموت، لو يعلم فى ورده


سلبيات المبدعين

كتبت الكثير عن المتنبي، وقلت إنك مفتون بشعره أيضا..لكن ألا ترى أن شخصيته السلطوية، وحبّه للمناصب أفسد شعره؟
عندما نقرأ سير كبار الكتاب والشعراء والفنانين والفلاسفة فى اوروبا مثلا، نجد أن البعض منهم متقلب فى مواقفه، محبّ للمال والشهرة، راغب فى المناصب الكبيرة، غير أن هذا لا ينقص من قيمتهم الأدبية أو الشعرية أو الفنية أو الفلسفية. هايدغر الالمانى مثلا، لم يتخذ موقفا حازما من النازية مثل توماس مان، لكنه فيلسوف كبير.
وكان جويس سكيرا غير أنه روائى عظيم. وبيكاسو كان يحب النساء ويغيرهن مثلما يغير أقمصته، لكنه فنان عظيم. وفى حياة المتنبى هناك سقطات كثيرة، لكنه كان عبقريا..وبعد ذلك، كانت له قضية. وأنا أميل الى رأى الاستاذ محمود محمد شاكر الذى هو أحسن من كتب عن المتنبى والذى أثبت بالدليل القاطع ان أباه لم يكن سقاء كما زعم ذلك كثير من النقاد ومؤرخى الادب بل كان همذانيا صحيح النسب.
وقد تربى المتنبى عند جدته التى هى همذانية، صحيحة النسب وتعلم مع أبناء الأشراف فى الكوفة. وفى شعره يظل يطالب بحقه فى العز والشرف والنبل. ولكن كل هذا ليس مهما. على أية حال المهم ان المتنبى عرف كيف يختزن تجربته الوجودية، وينتج منها شعرا عظيما.


الشعراء الصعاليك


أعود بك الى الوراء لأسألك عن رأيك فى الشعراء الصعاليك..
لقد كتب الشعراء الصعاليك شعرا انسانيا عظيما..وبالمناسبة أقول لك بأنه نشأ عندنا فى السودان فى بداية القرن العشرين شعراء صعاليك بنفس طريقة عروة بن الورد، وتأبط شرا، والسليك. وهؤلاء خرجوا عن القبائل، وبعضهم طردوا منها فتحولوا الى مشردين، وكونوا قبيلة أخري. وكانوا يسمون رئيسهم "الأم" لانه هو الذى يطعمهم ويهتم بشؤون حياتهم اليومية. انظر هذه الأبيات لتأبط شرا:

فرشت لها صدرى فزل عن الصّفا
به جؤجؤ عبل ومتن مخصر
فخالط سهل الارض لم يكدح الصفا
به كدحة والموت خزيان ينظر

أعتقد أننا مقصرون تقصيرا كبيرا بحق شعرنا الكبير القديم. وكل الدراسات والاطروحات التى كتبت عنه ليست كافية فى نظري، وينقصها العمق. نحن ازاء كنوز لكننا لا نرى ما تحتويه، بل لا نراها أصلا. وهذا عيبنا. ان ثقافة تهمل تراثها، وتستنقص من قيمته، لا يمكن أن تتطور ولا يمكن لها أن تفيد الانسانية فى شيء. ان الشعراء الصعاليك مثلا هم برأيى ظاهرة فريدة من نوعها فى الشعر الانسانى برمته. وبالرغم من أنهم لصوص ينهبون القبائل، والقوافل فان لهم مواقف انسانية نبيلة، ولهم قانون شرف يجعلهم يساعدون ضعاف الحال واليتامى وغيرهم.

هناك شاعر آخر أريد أن أسمع رأيك فيه، وهو بشار بن برد
شاعر عظيم..لكن أبا نواس طغى عليه، وحرمه من المنزلة التى يستحقها فى الشعر العربي..وهذا ما فعله أيضا بشعراء آخرين كتبوا فى الخمر، وفى اللذة، وفى متع الحياة..وأنت تعلم أنه قال ذات مرة : والله لن يقول شاعر فى الخمر وأنا حي! وأقول ان بشار كان له دم خفيف..
كان قبيح الشكل ضخم الجثة لكنه كان شاعرا يتمتع بحس جمالى رفيع. وكانت حياته وجودية بالمعنى العميق للكلمة. فقد كان مولى وكان أعمى ومع ذلك كان يعشق النساء ويغازلهن.


ذو الرمة شاعر كوني


من من الشعراء العرب القدامى الآخرين الذين تحب أن تقرأ لهم مثلما تفعل مع المتنبى والمعرى وأبى نواس؟
أنا أحب شاعرا قلما تجد الناس يهتمون به أو يتحدثون عنه حتى الاكاديميون لا يولونه الأهمية التى يستحقها. هذا الشاعر هو ذو الرمة الذى عاش فى صدر الدولة الأموية. وقد انقطع لوصف الطبيعة. وفى الكثير من قصائده هو يصف رحلاته فى الفيافى وفى الصحارى على ظهر ناقته التى لم يكن يتعب من وصفها، ومن التغنى بها وهى راحلة به. وبالنسبة له الطبيعة كلها من وديان وجبال وسهول وهضاب وسيول وشجر كلها متآخية. وفى قلب هذه الطبيعة المتآخية، هناك الإنسان. وأعتقد ان ذا الرمة كان متقدما على عصره. بل أقدر أن أقول أنه قريب من عصرنا خصوصا فى تمجيده للطبيعة وهيامه بها وبما فيها من نباتات وأودية وحيوانات اليفة ووحشية. انه شاعر كونى بالمعنى العميق للكلمة. ولو ترجم الآن الى اللغات العالمية لأصبح يحظى بشهرة واسعة لدى عشاق الطبيعة والمدافعين عن المحيط بصفة عامة. والجانب المهم عند ذى الرمة هو الصور العجيبة والمذهلة التى يبتكرها. مثلا هو يقول:
وحبّها لي، سواد الليل، مرتعد
كأنها النار تخبو ثم تلتهب
وفى أبيات أخرى هو يقول:
وقفت على ربع لميّة ناقتي
فما زلت أبكى عنده وأخاطبه
وأسقيه، حتى كاد مما أبثه
تكلمنى أحجاره وملاعبه،
تمشى به الثيران كل عشية
كما اعتاد بيت المرز بان مرازبه
كأن سحيق المسك ريّا ترابه
إذا هضبته بالطلال هواضبه

وكانت لذى الرمة ناقة اسمها هيدح. وكان يصفها بطريقة سينمائية. فمرة هى ثور ومرة هى ذكر نعام..وفى الليل هى تشرب النجوم حتى السحر. لذا أقول ان ذا الرمة شاعر عظيم يحتاج الى نقاد عظماء.
مكانة شوقي

لنذهب الى الشعر الحديث، ونبدأ بشوقي..ما رأيك به؟
انا معجب جدا بهذا الشاعر لانه امتداد للشعر العربى القديم فى اجمل وأبدع تجلياته. والمؤلم أن العقاد والمازنى وشكرى تسلطوا عليه وانتقدوه انطلاقا من مقولات الحداثة والتجديد، وقالوا إنه تربّى عند الخديوي، وبالتالى هو لا يعرف عن الحياة المصرية الا القليل، وقالوا أيضا إنه شاعر فردى لا يهتم الا بنفسه. وهذا ظلم كبير فى حق شاعر كبير مثل أحمد شوقى الذى كان امتدادا رهيبا من امثال المتنبى والبحترى وابى تمام وغيرهم.

هل يمكن أن نقول إن شوقى هو الذى أعاد الحياة للشعر العربى بعد قرون الانحطاط المظلمة والطويلة؟
هذا أكيد..ثم أنه كتب شعرا فى مواضيع مختلفة ومتعددة فهو يكتب قصيدة عن توت غنخ آمون، ويخصص أخرى لزيارة غاندى الى مصر ثم ان له لغة متينة.

ولكنه عاش فترة من الزمن فى اسبانيا، ولم يتأثر بأى شيء هناك وظل مشدودا الى الماضي.
لقد ذهب شوقى الى اسبانيا وهو ناضج. وقد جلس هناك ليكتب قصيدة جميلة يعارض فيها ابن زيدون. معنى هذا انه ظل وفيا لعالمه الشعري. اما قصة التأثيرات، فلا مدلول لها فى نظري..
وفى هذه الأيام، نحن نحكم بأحكام لها أثر رجعي. وهذا ليس مفيدا لنقرأ شوقى كما هو..وليس كما نحب نحن . هذا هو المهم.

وماذا عن الشعراء العرب فى القرن العشرين السياب، البياتي، نازك الملائكة فى العراق، صلاح عبد الصبور، وأحمد عبد المعطى حجازى فى مصر، ادونيس فى بلاد الشام، محمود درويش فى فلسطين..
انا أحب السياب..والبياتى أيضا ولكن أنا أحب بعض القصائد فى الشعر الحديث..لذا لا أتوقف كثيرا عند رموزه مثلما أفعل مع الشعر القديم. فمثلا يمكن أن أقضى وقتا طويلا فى قراءة المتنبى وأبى العلاء وأبى نواس وذى الرمة وغيرهم..لكن ليس هناك شاعر من المحدثين أنا منكب عليه، ومنصرف الى دراسة شعره. انما فقط معجب بقصائد لمحمود درويش ولأدونيس ولاحمد عبد المعطى حجازي.
والشيء الذى يؤلمنى ان بعض الشعراء من أصحاب قصيدة النثر يعاملون الشعراء العرب القدامى باحتقار شديد معتقدين ان الحداثة التى هم منشغلون بها يمكن أن تأتى من فراغ.

وماذا عن الشعر العالمي؟
أنا أحب بودلير، وأعتبره شاعرا عظيما. ومن الشعراء الانجليز هناك كولريدج، وشكسبير، وميلتون، ومن المحدثين أحب شاعرا اسمه امسون وقد توفى قبل سنوات قليلة..وهو استاذ فى الغرابة.

وعندك اعجاب كبير بالشعر الشفوى فى السودان..
أنا معجب كثيرا بالشعر الشفوى فى السودان وفى مصر وفى الشام وفى الخليج..ولكن هذا يستحق حديثا آخر.

نقلا عن العرب اونلاين

------------------
* نقلا عن سودنايل




Post: #7
Title: Re: الطيب صالح ونقد الشعر ،،
Author: Abdulla Ageed
Date: 09-13-2005, 08:56 AM
Parent: #1

الأستاذ عبد المنعم
لك التحية

Quote: يرقي بنا الطيب صالح الي مستوي آخر من الكتابة الابداعية المتينة


وكذلك تفعل أنت أيها المبدع
فتواجدك في هذا المنبر يرقى بنى إلى مستوى آخر من الكتابة الإبداعية المتينة
فنرجو أن تكثر الطلة.

ولك التقدير

Post: #8
Title: Re: الطيب صالح ونقد الشعر ،،
Author: Agab Alfaya
Date: 09-13-2005, 09:43 PM
Parent: #7

الاستاذ عبدالله عقيد

اولا اغتنم هذه الفرصة لارحب بانضمامك للمنبر الحر
واتمني ان يطيب لك المقام ،
واهنيك علي هذا النشاط وهذه المثابرة
كتر خيرك علي الزيارة والتعليق

وتعالوا لنرتقي معا بالكتابة في هذا المنبر


ولك الود

Post: #9
Title: Re: سودانيات !
Author: Agab Alfaya
Date: 09-16-2005, 12:33 PM
Parent: #1

الطيب صالح ونقد الشعر

Post: #10
Title: Re: سودانيات !
Author: mutwakil toum
Date: 09-18-2005, 06:14 PM
Parent: #9

الأخ الاستاذ. الفيا .. تحياتي .

شكراً لهذا السرد الممتع السهل ، والذي يفتح بوابة الشعر
في مداخل الطيب صالح ،،،
في حوار مع صديقي معاوية والذي اشرت له ان يقراء
هذا البوست ويأتيني بالملاحظات
ردً قائلاً
-- ملاحظات بتاع ايه .. الطيب صالح ده عبقري ، ،،
قال لي انه يصنف الكتّاب الي كتًاب وعباقرة ..
وبداء في تعداد وتصنيف العباقرة الطيب صالح عبقري
ماركيز عبقري . هذا كاتب و ذاك كاتب ..
اتهمت تصنيفه بالكسل لكني عدت الي نفسي راجعت
موسم الهجرة الي الشمال سراً ثم قلت له جهراً
- سبب تصنيفك هو موسم الهجرة ..
قال نعم
ثم عاد ليقول منذ فرغت عن قراءتها قبل عشرة اعوام
وانا اقراءها بلا توقف بدافع ايجاد ثغرة كما لجميع
روايات الكُتاب من ثغرات وما وجدت..
للحوار بواقي قد اعود اليها ..
لكن امر العبقرية يعيدنا الي ذائقة الطيب الشعرية
واقتراحاته او قراراته ببدائل المفردات .
وحبه الصوفي للمتنبي .. وكيف انه ان طال عنه احس بالشوق اليه
واعتباره ان طه حسين نظر الي المتبنئ بغير حب فأخفق ..

Post: #11
Title: Re: الطيب صالح ونقد الشعر ،،
Author: Agab Alfaya
Date: 09-19-2005, 11:28 PM
Parent: #1

التحية لك ولصديقك العزيز وللحديث بقية ،،
فالحديث عن طيبنا الصالح لا يمل ولا ينقضي منه الوطر يا متوكل

بالامس اهداني صديق عزيز المختارات رقم 7 في سلسلة الاصدارات الجديدة
بعنوان : وطني السوداني ،

ساعود


=
عجب الفيا

Post: #12
Title: Re: المتنبي .. الطيب صالح .. وعجب الفيـا
Author: Agab Alfaya
Date: 09-23-2005, 12:04 PM
Parent: #1



[email protected]





Last Update 20 سبتمبر, 2005 10:44:42 PM


المتنبي .. الطيب صالح .. وعجب الفيـا


صلاح محمد علي
[email protected]

الشكر للأستاذ عجب الفيا على مقاله الرائع (الطيب صالح و نقد الشعر) بسودانايل قبل أيام لأنه أتاح لنا أن نلم بطرف من المراجعات النقدية لأديبنا الكبير لشعر المتنبي - ضمن شعراء آخرين - فى سفره الجديد "فى صحبة المتنبي ورفاقه " . تلك المراجعات التى حسب قوله (رقى بنا الطيب صالح فيها إلى مستوى آخر من الكتابة الإبداعية كاشفاً عن ملكة نقدية لا تجارى و عن رصيد معرفى ضخم بالتراث ) .

لم أتشرف بالالتقاء بالأستاذ عجب الفيا بعد وإن كنت قد سمعت عنه من الأستاذ الراحل المقيم على "أبوسن" – رحمه الله وعطّر ثراه – عندما كنت أتواصل معه فى أيامه الأخيرة عبر الهاتف أو الرسائل الالكترونية . فقد لفت أبوسن انتباهي لكتابات عجب الفيا فى سودانيز أونلاين خاصة قراءته لموسم الهجرة للشمال ومراجعته لكتاب "أبو سن" عن المجذوب ..

(أظن هو الأستاذ الطيب صالح الذى قال عن "أبو سن": أنه كان يقرأ نشرة الأخبار فى البى بى سى كأنه يتفضل بها على الإنجليـز ! ) .

سعدت بالمقال لأن الحديث عن المتنبي – حديث لا يملّ . وقد أدركت منذ زمن ( نحو أفق بعيد) للأستاذ الطيب صالح بمجلة المجلة أن لا أحد من الكتاب المعاصرين قد بلغ شأوه فى (الغوص فى بحور المتنبي لاستخراج درره النفائس.. والكشف عن بديع آيات بيانه و أسرار بلاغته الساحرة ) كما جاء فى مقال الأستاذ عجب الفيـا .

وإلى أن تتاح لى الفرصة للإطلاع على الكتاب ، أود أن أبدى الرأى فى بعض ملاحظات الأخ عجب الفيا و ذلك على خلفية ما تيسّر لى سماعه أو قراءته من الأستاذ الطيب :-

- لاحظت فى كثير من كتابات الطيب أنه أخذ فعلاً برواية ( أطويل طريقنا أم يطول ) خلافاً لما جاء فى كثير من طبعات الديوان المتداولة ( أقصير طريقنا أم يطول ) و عليه يرى الأستاذ الطيب أن الرواية الصحيحة - و المنطقية - ينبغى أن تكون :

نحن أدرى وقد سألنا بنجد

أطويل طريقنا أم يطول

وكثير من السؤال اشتياق

و كثير من رده تعليل !

- فى اعتقادى المتواضع أن رفض الطيب صالح استبدال كلمة ( عيباً ) بكلمة ( شئياً ) فى الأبيات التالية فى محله تماماً ذلك " لأن المتنبي العظيم لا يخشى أن يقول عيباً بعد أن قال عيوب لأن فى الكلمة الواحدة سعة لمزيد من الإنفاق " حسب قول الأستاذ الطيب و ذلك فى البيت الذى يعتبر من شوارد المتنبي و من عيون حكمه :

لم أر فى عيوب الناس عيباً

كنقص القادرين على الكمال

- ومن جهة آخرى ، أغلب الظن عندى أن الأستاذ الطيب قد وقف فى سفره الجديد عند قول

المتنبي :

ولله سـيرى ما أقـلّ تيّـةً

عشية شرقىّ الحدالى وغـرّب

عشية أحفى الناس بى من جفوته

وأهـدى الطريقين التى أتجنب

وذلك لأننى سمعت – أو قرأت - أنه قد ذكر أن هذه الأبيات تعتبر من أبلغ ما قالت العرب فى المأساة.

- وأنه قد وقف عند قول أبى الطيب :

علىّ قلق كأن الريح تحتى

أوجهها يميناً أو شمالاً

- و كذلك عند قوله :

لا تحسبنّ المجد زقاً و قينةً

فما المجد إلا السيف و الفتكة البكر

و تضريب أعناق الملوك و أن ترى

لك الهبوات السود و العسكر المجر

و تركك فى الدنيا دويّاً كأنما

تداول سمع المرء أنمله العشر

ذلك لأن ثمة أصداء فى " موسم الهجرة " لهذه الأبيات كما ذكر الطيب فى إحدى المقابلات التلفزيونية.

وأختم بمقتطفات من آراء بعض كبار الأدباء عن الشاعر الكبير نشرتها مجلة " الهلال " عـام 1935 م بمناسبة ( ألفية المتنبي ) :

يقول الأستاذ على الجارم ( طلب الىّ أن اكتب فى إحدى نواحى أبى الطيب و أعلم أن الناس فى القديـم و الحديث كتبوا عنه كثيراً و أن شعره نال من عناية الأدباء و بحثهم و جدلهم ما لم ينله شعر قبله و لا بعده و أن كتباً ضخاماَ ألفت فى كل ناحية من الرجل و الشاعر حتى لقد يسبق إلى الوهم أن كل قول فيه يكون معاداً ، و أن كل نظره فيه تقع على نظرات سبقتها إليه من قرون. و لكن المتنبي الضخم يعز على من رامه و يطول : فهو الجبل الأشم أينما قلبت فيه النظر رأيت عجباً ، و كيف ملت برأسك إلى ناحية من نواحيه رأيت جديداً ) .

و يقول الأستاذ خليل مطران ( لا جرم أن أبا الطيب قال الشعر كأحسن ما قالته العرب إلى زمنه.. و بزّ بطائفة من أبياته و قصائده كل قائل من قبل ومن بعد . غير أن من وهب تلك العبقرية كان جديراً بأن يحدث فى الشعر العربى حدثاً غير ما قصر همه عليه من تفكير فى بعض أساليب التعبير و من التنبه لكل حالة من حالات الحياة يقول فيها حكمة تتناشدها ألسنة الخلق كلما عرضت تلك الحالة . رجل دلت حكمه فى شعره على أنه كان عليماً ببنى الدنيا واقفاً على مواقع الصواب و الخطأ من سرائرهم و أفعالهم .. زعم قوم أنه كان يعرف اليونانية و أن كلماته الجوامع مأخوذة من أرسطاطاليس . و زعم آخرون أنه لم يعرف اليونانية و أن ما توافق من أفكاره و أفكار ذلك الفيلسوف الأكبر إنما كان توارد خواطر : فهو فى الحالين ذو مقدرة عقلية سامية لا نزاع فيها . ) .

و يقول الأستاذ العقاد ( كان المتنبي رجلاً لا يعوزه الاعتداد بالنفس و لا الطمع فى الجاه و لا ملكة البلاغة و القدرة على المنظوم و المنثور مع شيء من الفروسية كما ثبت من مجمل تاريخه و مجمل كلامه. فالشعر الذى نقرأه فى الديوان لا يستغرب من الشاعر الذى نظمه و لا من الرجل الذى علمنا بسيرته من أنباء الراوين عنه و شخصيته ماثلة هنا و هناك على صورة واحدة جليّة متفقة لا تعقيد فيهاو لا تنافر بين القول و الحقيقة . و يرى بعض الناقدين تناقضاً بين طموح المتنبي و تعاظمه و بين طلب النوال من الأمراء ، و لا تناقض بين الحالتين كما قد يلوح لنا الآن لأن نوال الأمراء كان حقاً للشاعر فى ذلك العصر . و مع هذا لم يكن المتنبي يبتذل حقه فى مواقف المدح و لم ينزل إلى مدح كل طامع فى قصيدة و لا رضى لنفسه مع الذين ارتضاهم لمديحه مقاماً دون مقام الحفاوة و الكرامة فينشدهم الشعر و هو جالس أو يقف لديهم وقفة التجلة و المهابة ) .

ومن أقوال المحدثين المأثورة فى عبقرية المتنبي ما قاله نزار قبانى : ( المتنبي لا يزال منذ ألف سنة مستشار العرب فى كل كبيـرة و صغيرة من شئون الحياة . إننا نلجأ إلى المتنبي كفنان عظيم استطاع ببصيرته و رؤياه الخارقتين أن يحّول تجربته الشخصية إلى تجربة بحجم الكون وأن يخرج من حدود الزمن العربي إلى براري الزمن المطلق ) .

وبعد : رحم الله إبن رشـيق فالمتنبي فعلاً ( قد ملأ الدنيـا .. و شـغل النـاس !! ) .

حاشـية :

1) من الطرائف أنه عندما نشرت مقالاً ًمن ثلاث أجزاء بعنوان ( السودلنيون و المتنبي ) بصحيفة " الرأى العـام " فى فبرائر 2002 م ، أخبرت من بعض الأصدقاء أن السعى لإقتناء ديوان أبى الطيب قد زاد بصورة ملحوظة ! ( الله أعلم إن كان ذلك صحيحاً . لكن فى هذا المنحى ذهب الأخ السفير محمد شريف عبد الله – و كان وقتها بدمشق - إلى القول عندما التقيته هناك : ينبغى أن تدفع لك المكتبات هنا عمولة على كل نسخة من ديوان المتنبي تبيعه .. إذ ما من وفد أتى إلينا من السودان فى الآونة الأخيرة إلاّ و سألنا أن ندلّه على مكتبه لشراء الديوان ! ) .

2) لم أطّلع بعد على كتاب الطيب صالح الجديد الآخر ( منسـى ) و لذلك ربما تكون بعض ملاحظاتى قد فات عليها العهد .




________

* نقلا عن سودانايل

Post: #13
Title: Re: المتنبي .. الطيب صالح .. وعجب الفيـا
Author: Agab Alfaya
Date: 09-30-2005, 04:36 AM
Parent: #12

جزيل الشكر للاخ صلاح محمد علي لهذا التعقيب ،
ولنحي بهذه المناسبة ذكري الراجل الاستاذ الاديب والشاعر الدبلوماسي والاذعي الوطني الفذ علي ابو عاقلة ابو سن

Post: #14
Title: Re: المتنبي .. الطيب صالح .. وعجب الفيـا
Author: عاطف عبدالله
Date: 10-17-2005, 02:43 AM
Parent: #13

أرفع هذا البوست كي أرتقي بالصفحة الأولى والمنبر

Post: #17
Title: Re: المتنبي .. الطيب صالح .. وعجب الفيـا
Author: Agab Alfaya
Date: 12-01-2005, 02:55 AM
Parent: #14

الاستاذ والكاتب المبدع عاطف عبدالله
ارجو ان تكون بخير
اعذرني اننا علي مرمي حجر ولم نلتقي حتي الان وما الوم الا نفسي
كنت قد اخذت تلفونك من الاستاذ عبدالله الشقليني واضعته
كما دعني اعبر لك عن اسفي لعدم رؤيتي لاشارة رفعك لهذا البوست الا بعد ارسال المداخلة الاخيرة فالف شكر ولك العتبي حتي ترضي ودائما نشوفك فوق ان شاء الله
تلفوني هو 5611982

Post: #15
Title: Re: النقد عن محبة ،
Author: Agab Alfaya
Date: 11-30-2005, 09:34 PM
Parent: #1

" النقد عن محبة " مبدأ نقدي اطلقه وانطلق منه الطيب صالح في كتاباته النقدية . وهو قد اورد هذا التعبير في سياق حديثه عن كراهية طه حسين لابي الطيب المتنبي .

يقول : " .. والحق ان العميد ، رغم علمه وريادته ونظراته الثاقبة ، لم يغن كثير غني في كتابه (مع المتنبي ) ذلك لانه صحب الشاعر علي نفور وقلة ود ، كما اعترف هو نفسه فلا عجب انه لم يظفر منه بطائل ، فالمتنبي شاعر اما ان تحبه وتتحمس له ، واما ان تتركه وشانه . أحسن النقد ما كتب عن محبة لان المحبة تفتح البصيرة وتزيل الحجب التي تقوم بين ما يرمي اليه الشاعر وبين فؤاد المتلقي . هذا صنعه العميد مع المتنبي ، وعجيب انه احب ابا العلاء ولم يانس لابي الطيب ، وقد كان ابو العلاء متيما بابي الطيب ."

علي ان المحبة عنده لا تعني المجاملات والتطبيل المجاني . فهو رغم محبته لابي الطيب الا انه انتقده نقد قاسيا في بعض المواضع . ومن ذلك انتقاده له في البيت الذي يمدح فيه الشريف العلوي طاهر بن الحسين :

وأبهر آيات التهامي أنه * أبوك وأجدي ما لكم من مناقب

وظاهر المعني ان ابهر معجزات النبي محمد هو انه ابو هذا الممدوح !!
وقد ذهب محبو المتنبي مذاهب كثيرة في تخريج معني البيت حتي يرفعوا الحرج عن المتنبي .
فابو الفضل العروضي يري انه امدح بيت والمعني عنده ان كفار قريش رموا النبي وقالو انه ابتر لا عقب له ، لذلك جعل الشاعر انتساب هذا الممدوح الي النبي احدي معجزاته . وقال الواحدي المعني ان النبي التهامي احدي مناقبكم اي لكم مناقب كثيرة واحداها انكم تنسبون اليه .
ولكن ابا زينب لا يقنع بكل ذلك ويري ان المتنبي خرج عن حدود الادب : " كل هذا البلاء الحسن من هؤلاء الشيوخ الاجلاء ، لا يغفر للمتنبي في ظني ، انه شطح شطحة خرجت به عن مقتضيات الذوق وان لم نقل الادب ، وعنده مثل هذا كثير ."
ان هذا البيت - كما يقول اب زينب ، قد ازعج حتي ابن جني العتيد ، رغم تعصبه الشديد لابي الطيب ، فقال : " قد اكثر الناس في هذا البيت ، وهو في الجملة شنيع الظاهر ، فاضربت عن ذكره ، وقد كان ( يقصد المتنبي ) يتعسف في الاحتجاج له والاعتذار بما لست أراه مقنعا .." ثم يضيف كالمعتذر - يقصد ابن جني " ومع هذا فليست الاعتقادات والآراء في الدين مما يقدح في جودة الشعر ورداءته " !

وانتقد الطيب صالح قصيدة اخري للمتنبي حظيت باهتمام خاص عند شراحه ، ويري انها قصيدة عادية واقل من مكانة المتنبي . وهي القصيدة التي يمدح فيها ابن العميد ويقول مطلعها :

جاء نيروزنا وأنت مراده * وورت بالذي أراد زناده
هذه النظرة التي نالها منك * الي مثلها من الحول زاده
ينثني عنك آخر اليوم منه * ناظر أنت طرفه ورقاده
نحن في أرض فارس في سرور * ذا الصباح الذي يري ميلاده
عظمته ممالك الفرس حتي * كل ايام عامه حساده

هذه القصيدة - والكلام للطيب صالح : " برمتها قصيدة فاترة ، غفل من روح عبقرية المتنبي .لقد تكلفها تكلفا ، ربما ليدهش ببلاغتها ومحسناتها ابن العميد ، وهو من هو . وقد نظمها وهو ثمة ، في هناءة عيش وراحة بال وطيب خاطر . والمتنبي كما نعلم لا يقول الشعر العظيم هكذا . لا بد له من اشياء تحرك سواكن عبقريته ، حيئذ يحلق في سماوات لا يصلها شاعر غيره ."
وقد اهدي ابن العميد ، الي ابي الطيب هدايا كثيرة من بينها سيف محلي بالذهب والفضة . خصص المتنبي عددا من ابيات القصيدة في وصفه . ولكن ابا زينب يري ان هذه الابيات عادية وليس فيها " شيء لا يقدر عليه شعراء أقل منه مكانة " . الا ان هذا الابيات نالت استحسان شراح المتنبي وتفننوا في شرحها .
يقول ابو زينب :" وأوقفني تكالب الشراح علي بيت من أبيات القصيدة ليس فيه معني طريف ولا تصوير مدهش الا انه أثار هؤلاء الشيوخ الاجلاء فكأنهم كلاب تتناوش عظما ." . " قبل الشيوخ الاجلاء عن طيب خاطر ، بعضهم شروح بعض ، حتي جاءوا الي هذا البيت :

وتقلدت شامة في نداه * جلدها منفساته وعتاده

فتباري الشراح في تخريج معني البيت . ولكن ابا زينب يقول لهم في كل هدوء : " المعني ، يا جماعة ،أقرب منالا من كل هذه المماحكة ، وقد أصابه شيخنا ابو الفتح أول مرة ، ألا تقع العين أول ما تقع علي الشامة في الجلد ؟ كذلك هذا السيف ، يجذب النظر اليه دون سار الهدايا رغم نفاستها . لذلك ركز عليه المتنبي وتفنن في وصفه .. "
بيت واحد في القصيدة اثار اعجاب الطيب صالح : " اللهم الا بيتا واحد في هذه القصيدة يذكرك اذا كنت قد نسيت انك في حضرة الاستاذ . وهو بيت لم يكترث له هؤلاء الشيوخ الاجلاء ومروا عليه مرور الكرام .انه يخرج من جسد القصيدة كما يخرج البازي من العش ، ويبسط جناحيه ، ويحلق في آفاق بعيدة ، ويغدو قصيدة قائمة بذاتها :

ان في الموج للغريب لعذرا * واضحا ان يفوته تعداده

Post: #16
Title: Re: النقد عن محبة ،
Author: munswor almophtah
Date: 11-30-2005, 11:25 PM
Parent: #15

الأخ الفيا... لنارجل من الأعراب عليه الرحمه...كان يعشق الشاى فسئل كم كوب من الشاى يشرب فى جلسة واحده فقال أحمر أمره تسعى...بى لبن أسكت كب...فأنا كذلك التلب من الطيب صالح أسكت كب............


ولك السلام والشكر

منصور

Post: #18
Title: Re: النقد عن محبة ،
Author: Agab Alfaya
Date: 12-01-2005, 03:10 AM
Parent: #16

Quote: بى لبن أسكت كب...فأنا كذلك التلب من الطيب صالح أسكت كب

بلي يا منصور
حديث الطيب صالح احلي من اللبن المضروب علي عصيدة دخن حارة بعد ختة كباية شاي برمكية مدنكلة .

الف شكر

Post: #19
Title: Re: الطيب صالح وكافور
Author: Agab Alfaya
Date: 12-03-2005, 08:49 PM
Parent: #1

الاستاذ عاطف عبدالله
الاستاذ منصور المفتاح
القراء والاصدقاء الكرام

بعض مثقفينا الرادكاليين يحكمون علي المتنبي بمعايير اليوم ويقفون منه ومن شعره موقفا سلبيا بسبب هجائه كافور وهذا الموقف غير التاريخاني يصب في مصلحة العنصريين من العرب الذين اغضبهم مدح المتنبي لكافور فطفقوا يقللون من ذلك ويحاولون المستحيل لصرف هذا المديح وقلبه الي هجاء بشتي السبل .

وقد المح الطيب صالح الى ذلك في كتابه : " في صحبة المتنبي ورفاقه" وأورد مثالا عليه الكاتب والمحقق الاسلامي المصري الاستاذ محمود شاكر ، اذ يقول :

" وقد زعم الاستاذ محمود محمد شاكر ، وسار كثيرون علي دربه ، ان المتنبي لم يمدح كافورا الاخشيدي ، وانما اضمر له الهجاء والسخرية فيما يظن انه مدح . وضرب مثلا علي ذلك قول المتنبي لكافور :

تفضح الشمس كلما ذرت * الشمس بشمس منيرة سوداء
ان في ثوبك الذي المجد فيه * لضياء يزري بكل ضياء


ويقول - يقصد محمود شاكر : " تدبر التهكم العجيب في هذه الابيات وذكر المستحيلات التي لا تكون ولا تتوهم ، اذ جعله ، شمسا منيرة ، ولكنها سوداء "
ويعلق الطيب صالح علي كلام محمود شاكر بقوله : " هذا يا عمرك الله ، من قبيل الحكم علي الامور باثر رجعي ، وحسب معايير غير معايير العصر الذي حدثت فيه . كون المتنبي مدح كافورا الاخشيدي ، أمر لا مراء فيه . وعلي اي حال فنحن اليوم بعد كل ما افدناه من علوم الفيزياء وخصائص اللون ، وما فعله الرسامون التعبيريون ، أقدر علي تخيل الشمس كيف تكون منيرة سوداء . وقد وضع أهل دولة غانا نجمة سوداء علي علمهم الوطني ، لانهم رأوها أكثر ضواء من نجمة بيضاء . ومن اراد ان يعرف اكثر كيف يكون السواد مضيئا ، فليقراء شعر سيدار سنقور وايمي سيزير .

ثم يواصلا متسائلا :
" وهب ان ذلك لم يكن مدحا ، فما قولك في هذه الابيات :

قواصد كافور توارك غيره * ومن قصد البحر استقل السواقيا
فجاءت بنا انسان عين زمانه * وخلت بياضا خلفها ومآقيا
فتي ما سرينا في ظهور جدودنا * الي عصره الا نرجيء التلاقيا


اذا لم يكن هذا مديحا فلست أدري كيف يكون المديح !
قال شيخنا ابو البقاء رحمه الله : " قال ان سيف الدولة لما سمع البيت قواصد كافور قال : " له الويل ، جعلني ساقية وجعل الاسود بحرا "
ثم يواصل الطيب صالح : " وعندي ان أعجب من ان المتنبي جعل كافورا بحرا مثل بحر النيل وجعل سيف الدولة ساقية مثل نواعير حمص ، كونه جعله "انسان عين زمانه" فهذه آية اخري من آيات الشمس المنيرة السوداء " . - انتهي .
اي انه يقصد ان قول المتنبي في كافور :
فجاءت بنا انسان عين زمانه * وخلت بياضا خلفها ومآقيا
تاكيد لضياء الشمس السوداء ، وزيادة عليه :
تفضح الشمس كلما ذرت * الشمس بشمس منيرة سوداء

وهو كذلك فقد صدق ابو زينب .

Post: #20
Title: Re: الطيب صالح ونقد الشعر ،،
Author: أبوالزفت
Date: 12-04-2005, 01:03 AM
Parent: #1

الاخ عجب

السلام عليكم

اذا كان لديك نص مقال " من أين اتى هؤلاء" ارجو منك انزاله او ان تدلنى على ربطه ان كان موجود على النت ولك الشكر

Post: #21
Title: Re: الطيب صالح ونقد الشعر ،،
Author: Agab Alfaya
Date: 12-04-2005, 09:06 AM
Parent: #1

ابو الزقت اهلا وسهلا
المقال موجود وبنزله ليك هنا كاملا
بس اديني فرصة اخوك مزنوق جدا

وخليك مرابض قريب

Post: #22
Title: Re: الطيب صالح ونقد الشعر ،،
Author: هاشم نوريت
Date: 12-04-2005, 09:15 AM
Parent: #21

عجب الفيا
دبايوا
تدفعنا دفعا نحو الغوض فى عصور الشعر العربى ولا اخفى اعجابى بتلك الحقبة
وخاصة شعر المتنئ الا اننى اراه رجلا لا يثبت على موقف واحد فقط الثابت عنده
الاعتزاز بنفسة وكبرياءه.
وواصل.

Post: #23
Title: Re: الطيب صالح ونقد الشعر ،،
Author: Agab Alfaya
Date: 12-06-2005, 03:36 AM
Parent: #22

Quote: وخاصة شعر المتنئ الا اننى اراه رجلا لا يثبت على موقف واحد فقط الثابت عنده
الاعتزاز بنفسة وكبرياءه.

هذا صحيح يا اخ هاشم الكبرياء وعدم الثبات ولكن هذا لا يمنعنا من الاستمتاع بشعر ابي الطيب . يقول عن هذا القلق وعدم الثبات :
علي قلق كان الريح تحتي * فاججها جنوبا او شمالا
هذا القلق سببه الحرص علي تحقيق ما يصبو اليه ونخطيء اذا ظننا ان منافع الدنيا هي كل هم المتنبي :
اريد من زمني ذا ان يبلغني * ماليس يبلغه من نفسه الزمن
وقوله :
يقولون ما انت في كل بلدة وما* تبتغي ماابتغي جل ان يسمي
وقوله :
اي محل ارتقي اي عظيم اتقي
وكل ما خلق الله وما لم يخلق
محتقر في همتي كشعرة في مفرقي


عند مجيئه الي مصر اغدق عليه كافور العطايا والهبات ومنحه ضيعة خاصة به ، فعاش في دعة ونعيم . ولكن طموح المتنبي اكبر من ذلك بكثير فلم يقنع بمثل هذه الحياة الهينة اللينة . وذات مرة اصيب بالحمي فزاره الطبيب لتشخيص حالته وقال له ، ربما تكون قد تناولت طعاما او شرابا ملوثا . ولكن المتنبي لم يوافق الطبيب علي هذا التشخيص وعزي الامر الي حياة الكسل والخمول والقعود التي لم يعتاد جسمه عليها . يقول :

أقمت بأرض مصر فلا ورائي * تخب بي الركاب ولا أمامي
وملني الفراش وكان جنبي * يمل لقاءه في كل عام
قليل عائدي سقم فؤادي * كثير حاسدي صعب مرامي
عليل الجسم ممتنع القيام * شديد السكر من غير المدام

وزائرتي كان بها حياء * فلا تزور الا في الظلام
بذلت لها المطارف والحشايا * فعافتها وباتت في عظامي
يضيق الجلد عن نفسي وعنها * فتوسعه بانواع السقام
اذا ما فارقتني غسلتني * كأنا عاكفان علي حرام
كأن الصبح يطردها فتجري * مدامعها بأربعة سجام
أراقب وقتها من غير شوق * مراقبة المشوق المستهام
ويصدق وعدها والصدق شر * اذا ألقاك في الكرب العظام
أبنت الدهر عندي كل بنت * فكيف وصلت انت من الزحام

يقول لي الطبيب أكلت شيئا * وداؤك في شربك والطعام
وما في طبه أني جواد * أضر بجسمه طول الجمام
تعود أن يغبر في السرايا * ويدخل من قتام في قتام
فأمسك لا يطال له فيرعي * ولا هو في العليق ولا اللجام
فان أمرض فما مرض اصطباري * وان أحمم فما حم اعتزامي
وان أسلم فما أبقي ولكن * سلمت من الحمام الي الحمام *
_____
* الحمام بالكسر : الموت . يقول ان سلمت من هذه الحمي فلن أسلم للابد فالموت اسبابه كثيرة .

Post: #24
Title: Re: الي ابو الزفت
Author: Agab Alfaya
Date: 12-09-2005, 08:39 AM
Parent: #1

تجد النص الكامل لمقال الطيب صالح : من اين جاء هؤلاء الناس ؟

هنا
Re: من اين جاء هؤلاء الناس - النص الكامل

Post: #25
Title: Re: الطيب صالح ونقد الشعر ،،
Author: أبوالزفت
Date: 12-13-2005, 01:25 AM
Parent: #1

الاخ عجب لك من الشكر اجزله