قضايا معاصرة

قضايا معاصرة


06-03-2009, 09:13 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=188&msg=1252052076&rn=0


Post: #1
Title: قضايا معاصرة
Author: هشام آدم
Date: 06-03-2009, 09:13 AM

هشام آدم
موقع الحوار المتمدن

.:: مقدمة ::.

هنالك العديد من القضايا الإشكالية المتداخل والمرتبطة ببعضها، لدرجة أنني لم أتمكن من طرح كل واحدة منها على حدا، وهذه القضايا ليست قضايا معاصرة وحسب، بل هي قضايا حيوية ومفصلية للغاية، وربما تكون من الأهمية بمكان بحيث يُمكنها أن تُحدد مواقفنا الأخلاقية تجاه ديانة كالديانة الإسلامية التي تطرح نفسها كحل شمولي لجميع القضايا الإنسانية بجميع تفصيلاتها: الاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية وحتى السياسية. وهذه القضايا تتمثل في:

• قضية الرق والعبودية.
• قضية التعددية.
• قضية الاغتصاب الزواجي.
• رؤية الإسلام للمؤسسة الزوجية.

وللوهلة الأولى قد تبدو هذه القضايا منفصلة، وليست ذات علاقة مباشرة، ولكنها غير ذلك على الإطلاق؛ تشترك كل قضية منها بالأخرى بروابط وثيقة، لتُشكل لنا منظومة متكاملة يُمكننا من خلالها إطلاق أحكام مبدئية على الإسلام كديانة في زمننا الحاضر الآن، حيث دعوات المجتمع المدني والمؤسسات ذات السلطة التنفيذية والتشريعية المطلقة والمُلزمة نحو المساواة والعدالة الاجتماعية، وواقع العولمة الذي نعيشه؛ لاسيما أنّ الإسلام في كل ذلك يتلبس بلوس الصلاحية المطلقة عبر الزمان والمكان.

وقد يُفيد في طرحنا لهذه القضايا تناول النصوص الدينية غير متجزئة من سياقها التاريخي، ودلالات ذلك على الواقع الاجتماعي المتغيّر، وبالتالي إمكانية القول بالتعديل في التشريع الإلهي المتمثل في النصوص المقدسة، ودلالات هذه الإمكانية نحو الاعتقاد بشمولية النصوص والأفكار الدينية أو قصورها.

وفي مكان آخر قلنا أنّ الإسلام ديانة عربية، كما كانت بقية الديانات السماوية ديانات لشعوب بعينها محددة بجغرافياها، من حيث أن الجغرافيا المكانية توازي في المقابل جغرافيا ثقافية محددة، لا يُمكن لأي دين أن يتجاوزه أو يأتي منعزلاً عنه، على اعتبار أن الدين ما هو إلا منتج ثقافي في النهاية.

والكلام عن عروبية الإسلام، ليس ببدعة أستحدثها، ولكنه جدل دائر في أكثر من رواق ولحقبة طويلة، والحقيقة أنّ عروبية الإسلام من الحتميات والبدهيات التي لا يُمكن إغفالها؛ فأي منجز فكري إنساني لا يُمكن أن ينفصل –بأي حال من الأحوال- من واقعه الثقافي والاجتماعي، فالأفكار هي ابنة بيئتها، وإن لم تكن كذلك، فلاشك أن المجتمع سوف يرفضها وينبذها.

تظهر عروبية الإسلام في الكثير المظاهر الطقوسية، والتشريعية ومنها -على سبيل المثال لا الحصر- فقه التيمم المرتبط بثقافة بدو الصحراء واعتقادهم بطهارة التراب، وقضايا المرأة المنطلقة في الأصل من وضع المرأة في الثقافة والعقلية العربية والتي امتدت لتشمل تصوّرات عربية بدوية لبعض المظاهر التنعيمية في الجنة كالتصورات الذكورية للحور العين بأنها مقصورات في الخيام، وأنهن قاصرات الطرف، وكذلك مخاطبة الضمير العربي في التصوّرات المختلفة للجنة ونعيمها من: الولدان المخلدون، وأنهار العسل واللبن والخمر .. إلخ

هذه العروبية التي تجعل من الصعب التصديق بشمولية الإسلام على المستوى الجغرافي، وبالتالي الثقافي؛ فمفهوم العفة (مثلاً) لدى العقلية البدوية، ليس مطابقاً –بأي حال من الأحوال- لذات المفهوم في أيّ حضارة أو ثقافة أخرى، مما يعني قصور هذه الديانة على مستوى التطبيق في المجتمعات الأخرى.

وبالعودة إلى الموضوع الرئيس للمقال؛ فإننا نجد أنّ التشريع الإسلامي راعى كثيراً هذه العقلية، بل وجاء مطابقاً لها ومنطلقاً عنها بالصورة التي تجعلها تتصادم كل يوم مع حركة التطوّر التاريخي والفكر البشري على مستويات عديدة، الأمر الذي دعا كثيراً من المسلمين إلى الانقسام إلى شقين:

• شق يُدافع عن النصوص الدينية بوصفها نصوص ربانية كاملة، يجب تطبيقها كما هي لأنها تمثل الحكمة الإلهية التي لا يمكن لنا كبشر أن نستوعبها وندرك خفاياها.
• وشق آخر يعمل على توفيق هذه النصوص مع الأنساق الفكرية المعاصرة، وذلك بخلق تفسيرات أكثر حداثة للنصوص المقدسة والتي من المفترض أنها نصوص تشريعية يُشترط فيها الوضوح والمباشرة.

وفي اعتقادي الخاص، فإن كلا الشقين قد ساعدا على إحالة الإسلام –كديانة- إلى طاولة النقد؛ إذ أنّ القول بجمودية النصوص الدينية الإسلامية يضعنا مباشرة في تساؤلات حول إمكانية جهل أو إغفال المُشرّع للمستجدات الفكرية والحياتية المستقبلية، بحيث يستحيل التصديق بتطبيق تشريعات زمانية ومكانية محكومة بثقافة محددة على كل الأزمنة والأمكنة دون مراعاة حركة التاريخ والتغيّر المستمرة سواء للزمان أو المكان. وهذا الأمر بالتحديد يجعلنا نقول بقصور هذه التشريعات والطعن فيها، ومن ثم الطعن في الدين نفسه وبلا شموليته، وبلا صالحيته لكل زمان ومكان، لأن المنجزات الفكرية الإنسانية تجاوزت كل ذلك.

ومن ناحية أخرى، فإن محاولات إيجاد تفسيرات معاصرة للنصوص الدينية التاريخية، هو في الحقيقة طعن خاص في قداسة النص الديني؛ فالنص الديني من المفترض أنه نص إلهي، والنص الإلهي لا يُمكن أن يكون ناقص الشرح والتفسير، أو يحتاج أن يأتي إنسان (ناقص) لشرحه وتفسيره، وبالتالي يجعلنا في تناقض بين كون الإنسان (الناقص) والعاجز عن فهم الحكمة الإلهية في ناحية، هو نفسه المفسّر والشارح لهذه النصوص في ناحية أخرى.



.::نواصل::.

Post: #2
Title: Re: قضايا معاصرة
Author: هشام آدم
Date: 06-03-2009, 09:24 AM
Parent: #1

.:: قضية الرق والاسترقاق ::.

من القضايا التي اصطدمنا بها –على المستوى الأخلاقي- مع الدين في مسار التطوّر الفكري الإنساني (قضية الرق والعبودية)، فمن المعلوم أن موقف الإسلام من الرق لا يُعد موقفاً واضحاً بالمقارنة مع مواقف أخرى أكثر وضوحاً، كموقف الإسلام من الربا، وأكل الميتة، والميسر، وغيرها من القضايا الواضحة والبيّنة في التشريع الإسلامي، ومن المؤكد أنّ مسألة تحريم الرق ليست واردة على الإطلاق، ليس فقط لعدم توافر أدلة ونصوص صريحة على تحريمها، بل لتوافر أدلة على عدم تحريمها.

ولان التاريخ الإسلامي المكتوب والمحفوظ بشكله الحالي لا يُمكن الاعتماد عليه، ويسهل الطعن فيه، وبالتالي لا حجّيته، فإنني سوف لن أعتمد كثيراً على ما جاء فيه، بل سوف أركز على ما جاء في النصوص القرآنية مع الإشارة إلى بعض الآثار التاريخية المتوافقة مع الرؤية التشريعية لهذه النصوص.

• (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلا تَعُولُوا ) (النساء:3)
• (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ) (النساء:24)
• (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ ) (النساء:25)
• (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالا فَخُورًا ) (النساء:36)
• (إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ) (المؤمنون:6)
• (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ) (النور:33)
• (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ ) (النور:58)
• (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ ) (الأحزاب:50)
• (لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ ) (الأحزاب:52)
• (إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ) (المعارج:30)

وفي موقع (الإسلام ويب) ورد في تعريف الجارية، وحكمها ما يلي:
"والجارية هي الأمة المملوكة بملك اليمين، ويدخل الإنسان في ملك اليمين بواحد من ثلاثة:
1- استرقاق الأسرى والسبي من الأعداء الكفار، فلا يجوز ابتداء استرقاق المسلم، لأن الإسلام ينافي ابتداء الاسترقاق، لأن الاسترقاق يقع جزاء لاستنكاف الكافر عن عبودية الله تعالى، فجازاه بأن يصير عبد عبيده.
2- ولد الأمة من غير سيدها يتبع أمه في الرق، سواء أكان أبوه حراً أو عبداً.
3- الشراء ممن يملكها ملكاً صحيحاً معترفاً به شرعاً، وكذا الهبة والوصية، وغير ذلك من صور انتقال الأموال من مالك إلى آخر، ولو كان البائع أو الواهب كافراً ذمياً أو حربياً فيصح ذلك، وقد أهدى المقوقس للنبي صلى الله عليه وسلم جاريتين فتسرى بإحداهما، ووهب الأخرى لحسان بن ثابت رضي الله عنه.

فإذا علم ذلك: فاعلم أن الاستمتاع بالجارية بالوطء أو مقدماته لا يكون مشروعاً، إلا أن تكون مملوكة للرجل الحر ملكاً تاماً كاملاً، وهي التي ليس له فيها شريك، وليس لأحد فيها شرط أو خيار، ويشترط ألا يكون فيها مانع يقتضي تحريمها عليه، كأن تكون أخته من الرضاعة، أو موطوءة فرعه أو أصله، أو تكون متزوجة، أو أختاً لأمة أخرى يطؤها، أو مشركة غير كتابية. فإذا استوفت ذلك كله جاز له وطؤها بملك اليمين لابعقد الزوجية .

والجارية التي يتخذها سيدها للوطء تسمى سرية، فإذا حبلت من سيدها وأتت بولد ـولو سقط ـ سميت أم ولد، وعتقت بعد موت سيدها. والله أعلم."

وفي نفس الموقع، ورداً على سؤال حول آية ملكة اليمين جاءت الإجابة على هذا النحو:
"الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الصواب في لفظ الآية كما وردت في القرآن هكذا: (إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) [المؤمنون: 6] ، [المعارج 30]، وملك اليمين: هم الأرقاء المملوكون لِمن ملكهم عبيداً، ذكوراً أو إناثاً، والمقصود بقوله (أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ): النساء مِن الرقيق، وهنّ الإماء، إذ يحقّ لمالكهنّ أن يطأهنّ مِن غير عقد زواج، ولا شهود، ولا مهر، فهنّ لسن أزواجاً، فإذا جامعهن سُمّيْنَ (سراري) جمع: سُرّيـة.

وقد انتهى الرق تقريباً في عصرنا هذا، فلم يعد هناك عبيد ولا إماء لأسباب معروفة، وهذا لا يعني إبطال أحكام الرق إذا وجدت أسبابه، كالجهاد بين المسلمين والكفار، فإن نساء الكفار المحاربين سبايا تنطبق عليهن أحكام الرق، وملك اليمين، وإن أبطلته قوانين أهل الأرض. وما لم توجد هذه الأسباب الشرعية، فالأصل أن الناس أحرار.

قال ابن قدامة في المغني: الأصل في الآدميين الحرية، فإن الله تعالى خلق آدم وذريته أحراراً، وإنما الرق لعارض، فإذا لم يعلم ذلك العارض، فله حكم الأصل، وقال صاحب فتح القدير: والحرية حق الله تعالى، فلا يقدر أحد على إبطاله إلا بحكم الشرع، فلا يجوز إبطال هذا الحق، ومن ذلك لا يجوز استرقاق الحر، ولو رضي بذلك. والله أعلم"



.::نواصل::.

Post: #3
Title: Re: قضايا معاصرة
Author: زهير عثمان حمد
Date: 06-03-2009, 09:32 AM
Parent: #2

الرائع هشام
تحياتي
لك كل الود قرأت ماورد وكنت في غاية المتعة متعك الله بعلمك أننا في حاجة بهذا المنبر لقضايا جادة ومعاصرة كما عنوانت مقالك ولكن تظل سهام الجهالة تصيبنا بأقسي ما يمكن من أذي وتجريح في الامس القريب أتصل بي أحد الذين نعتبرهم قامات في الشعر السوداني المعاصر وسمعت منه أسخف كلام وتجريح بسبب رأي ولكن هذا لن يفت منا عضض ولا يمثل الاغلبية الصامتة التواقة للمعرفة واصل ولنا تواصل أيها الفنان
مع صادق ودي

Post: #4
Title: Re: قضايا معاصرة
Author: هشام آدم
Date: 06-03-2009, 10:50 AM
Parent: #3

الأخ العزيز: زهير عثمان حمد
تحية طيبة

أشكرك يا عزيزي على المتابعة، وبالفعل نحن بحاجة إلى تجديد خطابنا الاجتماعي؛ لاسيما ونحن في عصر نتوجه فيه إلى المطالبة بالمساواة والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان. لم يعد بمقدور الآخرين أن يُغمضوا أعيننا، أو أن يؤصدوا عقولنا؛ هذا زمان ولى، ولن يعود. بنا شغف عارم لمعرفة الحقيقة، ليس من أجل شيء ولكن فقط من أجل كرامة الإنسان، وليهن في سبيل ذلك كل شيء آخر؛ فلا مُقدّس فوق الإنسان نفسه، وفوق حقوقه في هذا العالم.

لك مني كل التحية، وسوف يتواصل نشر سلسلة المقالات هنا بتتابع

Post: #5
Title: Re: قضايا معاصرة
Author: هشام آدم
Date: 06-03-2009, 01:48 PM
Parent: #4

.:: مواصلة ::.

فيما سبق عرفنا أن الإسلام لم يُحرّم الرق، وما كان له ليفعل؛ لأن الرق قوام الاقتصاد العربي، لاسيما عرب مكة الذين كانوا أثرى بدو العرب لاشتغالهم بالتجارة، وكان لتحريم الرق أن يعمل على نفور عدد كثير منهم عن الدين الإسلامي. إن الخلاف الأساسي بين محمد وبين سادة قريش كان قائماً على مبدأ السيادة، ولذا فإن كبارات قريش رفضوا هذا الدين الذي جاء به واحد منهم، وكان الأجدر بهم أن يُفاخروا به، ويُناصروه، كونه سيكون فخراً لمعاشر الأميين في مقابل أهل الكتاب من اليهود والنصارى الذين علا شأنهم على العرب بسبب اتصالهم بالسماء عبر دياناتهم السماوية، وكان لظهور نبي متصل بالسماء ليكون عزوة لأهل قريش والعرب جميعاً، حتى تجتمع لهم مجامع السيادة مالاً وحسباً وديناً.

وما حدث أنّ الإسلام حاول إلغاء الرق في بداياته (العهد المكّي) ثم تراجع عن هذا القرار، فأباحه وقيّده في إطار شديد الخصوصية كما في بعض الكفارات ككفارة الظهار وككفارة اليمين والقتل الخطا، ومن المعلوم أنّ هذه الكفارات هي من أصعب الكفارات على الإطلاق ولذا نقرأ (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ) (البلد: 11/13) وعليه فإن تقييد الإعتاق بالكفارة لا تعد مساوية للكرامة التي يبحث عنها الإنسان الحر منذ ولادته، ومن المعلوم أن العديد من الصحابة (بل وحتى محمد نفسه) كان له عبيد وجواري، وكان يتم تهادي العبيد والإماء بين الصحابة على زمانهم.

وأولى الإشكاليات التي تواجهنا هنا الآن، هو موقف الإسلام من قضية الرق والعبودية في مقابل نهايات الفكر الإنساني العام الذي توجّه إلى تحريم الاسترقاق دولياً. تظل هذه النصوص الدينية عقبة كئود لا يستطيع المسلمون تجاوزها إلا بالتحايل على النصوص المقدسة نفسها، أو مصارعة التيار الكوني العام، ليقفوا بذلك في ظل التاريخ؛ وعلى هذا فإن حكم الاسترقاق يظل جارياً ونافذاً في الزمان والمكان بلا قيد أو حصر؛ وإن كان الأئمة والفقهاء يرون انتفاء الاسترقاق مستخلص من انتفاء مصادره (أي مصادر الاسترقاق) فإن هذا (سواء علموا ذلك أو لم يعلموا) دلالة على قصور التشريع الإسلامي، أو قصور الفقه الإسلامي في أفضل الحالات. فقد اتفق جمهور من العلماء على أن للاسترقاق مصدران رئيسان:

• السبي في الحرب.
• وابن الأمة من غير سيّدها (لأن ابن الأمة من سيّدها لا يُعد عبداً وإنما حراً)
بالإضافة إلى التملّك (الشراء من حر المال)

ولكننا اليوم نرى صنوفاً من الاسترقاق المعاصر التي لا تنحصر في لون أو عرق أو طائفة دينية عن الأخرى؛ وإنما اتسعت رقة الاسترقاق لتبلغ ذروتها في عصر طغيان الرأسمال، والانتهازية من صاحب العمل للعمّال، ومن المخدوم لخادمه، ومن المستأجر للأجير، وغير ذلك من أصناف يُمكن أن تكون تقنيناً لعملية الاسترقاق، أو يُمكننا أن نرى بأنها اتجاه إلى قوننة الاسترقاق. ويمكن لمن يُريد الاستزادة أن يُراجع مقال الأستاذ فهمي هويدي في صحيفة الرؤية الكويتية (7 مايو 2009) بعنوان (في الاسترقاق المعاصر)

والكلام عن الاسترقاق يأخذنا قصراً إلى حقوق الأرقاء والعبيد والإماء وواجباتهم: ما لهم وما عليهم، لنعرف إلى أيّ مدى كان المنحى الديني صادقاً في دعاواه للمساواة بين الفئات البشرية، ولنرى إن كانت الدعاوى -التي يُصرّح بها المسلمون في أنّ الإسلام شدد فعلاً على حسن التعامل مع العبيد- صحيحة أم لا.

وهذه جزئية يسيرة من فقه الاسترقاق كما جاء في الموسوعة الفقهية الصادرة من وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بالكويت:

عدة الأمة في الحيض شهران بينما عدة الحرة ثلاثة أشهر (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ ) (النساء:228).

• لا يحق للعبد أكثر من طلقتين.
• إذا تزوّج العبد دون إذن مالكه، فللمالك أن يُطلقه من زوجته.
• لا يحق للعبد أن يتزوّج بأكثر من امرأتين.
• لا يجوز أن تنكح الأمة على الحرة.
• العبيد والإماء لا يُورّثون.
• ديّة العبد عن أيّ ضرر يلحق به هي ملك لسيّده.
• دين العبد لسيّده.
• العبد يتبع دين المالك لأن المالك يُعتبر وليّه.
• إذا أخلّت العبادات والشعائر الدينية بواجبات العبد تجاه سيّده، فإنه يكون في حل منها كصلاة الجماعة والجهاد وغيرهما.

وجاء في موقع (الإسلام ويب) ما يلي في حكم الاسترقاق وفقهه:

(وأما الكبار فلا يسترقون لانقطاع التبعية بالبلوغ ، ويجبرون على الإسلام وذكر في الجامع الصغير : الولدان فيء أما الأول فلأن أمه مرتدة . وأما الآخر فلأنه كافر أصلي ; لأن تبعية الأبوين في الردة قد انقطعت بالبلوغ، وهو كافر، فكان كافرا أصليا، فاحتمل الاسترقاق ولو ارتدت امرأة وهي حامل ولحقت بدار الحرب، ثم سبيت وهي حامل كان ولدها فيئا ; لأن السبي لحقه وهو في حكم جزء الأم، فلا يبطل بالانفصال من الأم والذمي الذي نقض العهد ولحق بدار الحرب بمنزلة المرتد في سائر الأحكام من الإرث والحكم بعتق أمهات الأولاد والمدبرين ونحو ذلك; لأن المعنى الذي يوجب لحاقه، اللحاق بالموت في الأحكام التي ذكرنا لا يفصل، إلا أنهما يفترقان من وجه: وهو أن الذمي يسترق والمرتد لا يسترق وجه الفرق أن شرع الاسترقاق للتوسل إلى الإسلام، واسترقاق المرتد لا يقع وسيلة إلى الإسلام لما ذكرنا أنه رجع بعد ما ذاق طعم الإسلام، وعرف محاسنه فلا يرجى فلاحه، بخلاف الذمي والله - سبحانه وتعالى – أعلم)

إذن فالعبيد والأحرار ليسوا سواء في الإسلام، وعليه فإن دعاوى الرحمة والتعامل باللين معهم تبقى ضمن إطار المشروع الإنسان العام الذي تنادي به الأخلاق العامة، وليس الخاصة والتي بدورها يشترك فيها الجميع مسلمين وغير مسلمين، وعلى هذا فإن المؤسسات المدنية والمنظومات الدولية –كذلك- تشترك في هذه الأخلاق العامة التي يرفضها البعض بحجة أنها دخيلة على الدين ومنافية للأخلاق.

وجواز وطء الأمة والجارية دون عقد نكاح إلا بملك اليمين هو في حدّ ذاته تناقض واضح لهذه الكرامة التي يُنادي بها المسلمون. فكيف يُمكن لرجل أن يطأ امرأة لا تحل له فقط لأنه سيّدها؟ هذا السؤال الساذج يفتح أمامنا مجموعة من الأسئلة التي تنسل من ذات البكرة: هل يحق للسيّد أن يقتل عبده أو أمته؟ فإذا كان للسيّد أن يتحكّم في جسد عبده وأمته فما الذي يمنعه من التصرّف فيه بالقتل أو بالتشويه أو غيره؟

إنّ الإسلام يرى الناس –في حقيقة الأمر- على صنفين: مسلمين وكفار. ولذا فإنّ ما يحل للمسلم لا يحل لغيره، وكأن هؤلاء بشر وهؤلاء جنس آخر؛ ولذا نقرأ (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) (النساء:92) فيكفي أن تؤدي الكفارة لينتهي جرم القتل الخطأ لغير المسلم، في حين أن قتل المسلم الخطأ يُلزم الديّة، وكذلك فإن ديّة الكافر (مسيحي أو يهودي) تعدل ثلث ديّة المسلم أما المجوسي فديّة أقل من الثلث، وكأن أرواح غير المسلمين أرخص من أرواح المسلمين (أين المساواة في هذا؟)

وكذلك جاء في كتاب (منهاج الصالحين) كتاب الديّات:

( ( مسألة 216 ) : دية العبد قيمته ما لم تتجاوز دية الحر ، فان تجاوزت لم يجب الزائد ، وكذلك الحال في الاعضاء والجراحات ، فما كانت ديته كاملة كالانف واللسان واليدين والرجلين والعينين ونحو ذلك ، فهو في العبد قيمته ، وما كانت ديته نصف الدية : كاحدى اليدين أو الرجلين فهو في العبد نصف قيمته وهكذا .
( مسألة 217 ) : لو جنى على عبد بما فيه قيمته ، كأن قطع لسانه او أنفه أو يديه لم يكن لمولاه المطالبة بها إلا مع دفع العبد إلى الجاني . كما أنه ليس له المطالبة ببعض القيمة مع العفو عن بعضها الآخر ما لم يدفع العبد إليه وأما لو جنى عليه بما لا يستوعب قيمته كان لمولاه المطالبة بدية الجناية مع إمساك العبد وليس له إلزام الجاني بتمام القيمة مع دفع العبد إليه" )

وعلى هذا فهنالك فرق بين ديّة العبد (سواء أكان مسلماً أو غير مسلم) عن ديّة الحر (سواء أكان مسلماً أو غير ذلك) وذلك مما ينافي المساواة التي يدعو إليها الإسلام ويُنادي بها أهله. وبعد أن سقنا أدلة عدم تحريم الاسترقاق، وأتبعناه بأدلة عدم مساواة الحر بالعبد في الإسلام يتبقى فقط أن نضع وطء الإماء جنباً إلى جنب مع مسألة تعدد الزوجات لنرى إلى أيّ حدّ يمعن الإسلام وأهله في انتهاك كرامة الإنسان (لاسيما المرأة)، وهذا ما سوف أتناوله بالتفصيل في الرسالة التالية.



.::نواصل::.

Post: #6
Title: Re: قضايا معاصرة
Author: هشام آدم
Date: 06-04-2009, 07:41 AM
Parent: #5

مواصلة
.::تعدد الزوجات::.

فيما سبق عرفنا أن الإسلام لم يُحرم الرق، وكيف أنه حاول ذلك تحت دعاوى المساواة الوهمية ولم يستطع، وتطرقنا إلى الأسباب التي دعت المُشرّع الإسلامي إلى التراخى في قضية الرق، رغم أنّ الأصل في الإنسان أن يكون حراً. وتعرفنا على بعض المسائل الفقهية المتعلقة بالرق والاسترقاق، وما يحق لهم وما لا يحق، وعرفنا كيف أنّ الاسترقاق الذي يبيحه الإسلام يعني تماماً انتهاك كرامة الإنسان بشكل عام، وكرامة المرأة بشكل خاص؛ إذ يمكن للمسلم أن يطأ جاريته من غير عقد نكاح فقط لأنه اشتراها بماله. وعرفنا كذلك أن حكم الاسترقاق مستمر وإن زعم البعض بانتهاء الرق، أو قال بتدرّج التحريم لأنه لم يرد في ذلك نص لا صريح ولا غير صريح. وعرفنا كذلك كيف يُفرّق الإسلام بين المسلم الحر والمسلم العبد، حتى على مستوى الدم والديّات مما يعني انتفاء المساواة التي ينادي بها الإسلام، وبعد أن سقنا أدلة عدم تحريم الاسترقاق، وأتبعناه بأدلة عدم مساواة الحر بالعبد في الإسلام يتبقى فقط أن نضع وطء الإماء جنباً إلى جنب مع مسألة تعدد الزوجات لنرى إلى أيّ حدّ يمعن الإسلام، وأهله في انتهاك كرامة الإنسان (لاسيما المرأة)، وهذا ما سوف أتناوله في هذه الرسالة.

إن مناقشة قضية مثل قضية تعدد الزوجات بمنأى عن الجوانب الدينية يضعنا مباشرة أمام سؤال الحرية الفردية وإشكالاتها. هذه الحرية التي تمت مصادرتها من قبل العقليات الذكورية المتسلّطة في شكل قوانين وقوالب اجتماعية أصبحت من المسلّمات مستمدة شرعيتها وسلطتها من الدين الذي لم يكن منفصلاً عن هذه الثقافة أصلاً، بحيث يكون الرجل الواحد لأكثر من مرة، في حين تظل المرأة لرجل واحد فقط إلى أن يموت أو يمّن عليها بالتطليق إن شاء.

وفي الوقت الذي يتم فيه تدويل قضية مثل قضية التعددية في الشريعة الإسلامية، تتعالى بعض الأصوات الفقهية التي تذهب إلى أنّ التعددية غير مسموح بها في الإسلام إلا في حالات خاصة جداً، بل ويذهب البعض إلى أبعد من ذلك محاولاً إظهار البُعد الاجتماعي للتعدد، والحكم الإلهية الخفية من وراء ذلك، مما يُساعد في حال مشكلتها اجتماعية، دون أن يعلم هؤلاء أنّ أصل هذه المشكلات في الحقيقة نابع من الدين نفسه، وليس من قضية كقضايا التعدد وغيره.

وبين تمسك البعض بحق الرجل في التعدد (هذا الحق المكتسب بالنصوص الدينية)، وبين رفض البعض لفكرة التعدد (هذا الرفض المرتبط بفهم حداثوي للنصوص الدينية) تكمن المشكلة التي تحدثنا عنها في المقال الأول (قضايا معاصرة 1) ضمن حديثنا عن إشكاليات التشريع وتصادمه مع حركة التطوّر الفكري للبشرية، وقلنا كيف أنّ المسلمين أنفسهم انقسموا إلى شقين:

• شق يُدافع عن النصوص الدينية بوصفها نصوص ربانية كاملة، يجب تطبيقها كما هي لأنها تمثل الحكمة الإلهية التي لا يمكن لنا كبشر أن نستوعبها وندرك خفاياها.
• وشق آخر يعمل على توفيق هذه النصوص مع الأنساق الفكرية المعاصرة، وذلك بخلق تفسيرات أكثر حداثة للنصوص المقدسة والتي من المفترض أنها نصوص تشريعية يُشترط فيها الوضوح والمباشرة.

وبعيداً عن مراعاة مشاعر المرأة (المهمّشة) في الأساس سواء على مستوى الدين أو القانون المحكومين بالثقافة الذكورية المتسلّطة، فإن الإسلام لم يبتكر هذه التعددية، إذ عرفت المجتمعات العربية التعددية قبل الإسلام، وهذا مدعاة أخرى للقول بعروبية الإسلام كم جاء من قبل، وهو (أي التعدد) من الأشياء التي أبقى عليها الإسلام من الجاهلية، ولكن قام بتقنينها كما يُقال فقصر الزواج على أربع بعد أن كان مطلقاً غير محدداً بعدد معيّن من النساء.

والواقع أن الإسلام لم يُقنن ذلك بقدر ما أنه نظّم التعددية فأباح للرجل الزواج بأربع نساء فقط، ولكن في الوقت ذاته أباح له وطء الإماء وإن بلغن مائة أمة وجارية. ولأن الفكر البشري المعاصر ينطلق في رفضه لفكرة التعدد بناء على أسباب إنسانية خالصة لم يُراعي لها الإسلام، فإن واحدة من الإشكاليات الكبرى التي تترتب على التعدد هو كون التعدد نوعاً من أنواع القهر الممارس على المرأة؛ ففي حين يستطيع الرجل أن يستمتع بعشر نساء في وقت واحد (4 زوجات + 6 جاريات)، تظل كل امرأة من هؤلاء مكتفية بالتمتع برجل واحد، مما يعني انتفاء العدالة والمساواة مرّة أخرى.

إن تطوّر الفكر البشري عبر التاريخ أدى إلى نضوج الكثير من المفاهيم، لاسيما فيما يتعلّق بعلاقة الرجل بالمرأة، الأمر الذي أدى إلى نشوء حركات وتيارات تناهض هذا القهر والاضطهاد والتمييز الذي يُمارس على المرأة تارة باسم القانون وتارة أخرى باسم الدين، وفي حين تظل المرأة قابعة تحت نير هذه السلطوية المتكررة والمتتابعة، يصدح أتباع هذا الدين، وحماة هذا القانون بما تمنحه للمرأة من حرية، وكرامة لم تر المرأة منهما شيئاً يُذكر.

إن فكرة تجريم التعدد على المستوى الفكري العالمي جاء من أنّ التعدد يعني ظلم المرأة فيما يتعلق بجسدها ورغباتها، واعتبار أن المرأة كائن بلا مشاعر ولا أحاسيس. فكما أن الرجل يرغب أن يكون هو الإنسان الوحيد الذي يستمتع بزوجته، فإن للمرأة أن تطالب بنيل هذا الحق بالمقابل كذلك، فمن حقها أن تكون المستمتعة الوحيدة بزوجها. وعلى هذا فإن العدالة المُدعاة في الفقه الإسلامي التشريعي: عدالة المبيت وعدالة الإنفاق وعدالة المسكن تظل قاصرة على تحقيق العدالة المنشودة، بل إنه يُعتبر نوعاً من أنواع التحايل على حقوقها.

وإلى هذا الحد تُصبح اجتهادات المجتهدين من الفقهاء حول محاولاتهم لتلميع التشريع، وبالتالي التقليل من حدّة تصادمها مع توجهات المجتمع الفكرية المعاصرة، تصبح مجرّد اجتهادات لا تعبر في الحقيقة عن طموحات الإنسان. والقول بقصر التعدد على مشروعيات ومبررات محددة (كمرض الزوجة/الرغبة في الإنجاب/إعالة اليتامى ...إلخ) هو قول لا يخص التشريع بقدر ما يخص الفقهاء المنظرين، لأن هذه المبررات (فيما عدا الأخيرة) لم ترد على لسان المُشرّع أصلاً.

ومن ناحية أخرى فإن القول بحصر العدالة في الأمور الظاهرة، وعدم تعميمها لتشمل الأمور العاطفية من محبة وغيرها، فهو قول مردود كذلك، لأن الزوج بالمقابل يُطالب أن يكون قلبها له فقط، وطالما أن الزواج شراكة بين طرفين، فإن هذه الشراكة تقتضي المناصفة والتساوي في كل شيء. فهل يقبل الزوج مثلاً أن تحب زوجته رجلاً آخر غيره (حتى وإن كان أباها أو أخاها)؟ فلم يتم التفريق بين الرجال والنساء حتى في الأمور العاطفية؟ لماذا يُسمح للرجل بأن يميل بعاطفته تجاه إحدى زوجاته دون أن يُعتبر هذا الميل ظلماً وتجنياً على حقوق الزوجة؟

إن وجه النقد الذي يُقدّم للتعدد؛ لاسيما في قوله: (.... فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ .... ) (النساء:3) يكمن في حقيقته في قوله (ما طاب لكم) وليس في حُكم التعدد من حيث هو، لأن عبارة (ما طاب لكم) هي في الحقيقة عبارة جارحة ومهينة للمرأة وتمس كرامتها كإنسان، ولأنه يعتبرها متعة تطيب للرجل، ومن الواضح أن الإسلام لم يستطع التخلّص (عبر عقليته العربية الذكورية) من رؤية المرأة على أنها شيء آخر غير ماعون جسدي لتفريغ الشهوة، وكأنها ما خلقت إلا لإمتاع الرجل.

إن نظام تعدد الزوجات نظام جائر ومجحف في حق المرأة، والواقع الذي يذهب إليه الفكر الإنسان المعاصر يتمثل في إنصاف المرأة والرجل على السواء، تلك هي الصورة الطبيعية والمثالية للعلاقة الزوجية، بحيث يكتفي الرجل الواحد بالتمتع بزوجته الواحدة، وتكتفي المرأة الواحدة بالتمتع بزوج واحد. لأن أيّ إخلال بهذا النظام (لأيّ سبب) يُعد ظلماً وقهراً للطرف الآخر. وعليه فإنه يُمكننا القول بأن منع التعدد هو أحد حقوق المرأة التي حُرمت منها، فللمرأة أن تُطالب بألا يتزوّج زوجها عليها بل وأن يكون هذا الأمر بدهياً، كما أنه من البدهي والمعلوم بالضرورة أن الزوج يفترض أنه المستمتع الوحيد بزوجته.

الأمر يتعدى مسألة العادات والتقاليد والتشريعات ويتجاوزه إلى مفهوم الجنس وحرية الجسد نفسه، فالمرأة كائن حر التصرف في جسدها، كما أن الرجل يمتلك ذات الحرية. وقبول المرأة الزواج من رجل ما، لا يخرج عن إطار هذه الحرية للتصرّف بجسدها، ولا يُعد امتلاكاً لهذا الجسد كما ينظر إليه الكثيرون. وهذا بالتحديد ما أعتبره مدخلاً إلى موضوعي التالي حول (الاغتصاب الزواجي) والمفاهيم المتعلقة بالزواج والجنس وعلاقة الجسد والامتلاك الجسدي داخل هذا الإطار وهو ما سوف أتناوله في مقالي القادم.

Post: #7
Title: Re: قضايا معاصرة
Author: هشام آدم
Date: 06-05-2009, 04:13 PM
Parent: #6

مواصلة

.::الاغتصاب الزواجي::.

فيما سبق عرفنا كيف يُمكن اعتبار تعدد الزوجات نظاماً مجحفاً للمرأة، وعرفنا أنّ معيار العدالة والإجحاف ليس فيما يفترضه الدين أو المتدينون في أنه بمناصفة الحقوق والواجبات تجاه الزوجات، وإنما معيار العدالة قائم في إعطاء المرأة حقها بألا يكون لزوجها زوجة أخرى غيره، تماماً كما تُطالب المرأة بألا تكون إلا لزوجها، وعرفنا كذلك زيف الإدعاءات التي يسوقها دُعاة التعدد من حيث أنه قد يكون حلاً للكثير من المشكلات الاجتماعية والأسرية؛ بل عرفنا أنّ هذه المشكلات ناجمة في أساسها من مفهومنا الديني القاصر لهذه القضايا، وتناولها على الوجه غير الصحيح، وأنّ هذه المشكلات الاجتماعية والأسرية ما هي إلا ثمار عقلية المجتمع الذكوري المتخلّف التي تعمل على إقصاء المرأة وجعلها مرتبطة بالرجل على الدوام ومتقيّدة به. ووصلنا في ختام الرسالة الثانية (قضايا معاصرة 2) إلى أنّ التعدد يطرح في نهايته تساؤلات كبرى عن حرية الإنسان في جسده، وكيف أن الزواج لا يُعد تنازلاً لأي الطرفين عن جسده للآخر بطواعية، بل هو ممارسة واعية لحرية الجسد في المقام الأول، وعلى هذا فإن هذه النقطة بالتحديد تُثير تساؤلاً آخر عن حرية الجسد داخل المؤسسة الزوجية.

إنّ من أكثر القضايا المعاصرة إثارة للتساؤلات والحيرة في آنٍ معاً، هي قضية امتناع المرأة عن وهب جسدها لزوجها، لأن الزواج (كغيره من التشريعات الذكورية) لا يُنظر إليه إلا على اعتباره احتكاراً لجسد المرأة وامتلاكاً له، وليس جسد المرأة فحسب، بل كل ما يتعلق بها من أفكار وعواطف ومشاعر وآراء، فالعقلية الذكورية لا تقبل أبداً بأن يكون للمرأة (الزوجة) رأي مخالف رأي زوجها، أو معتقد أو دين مخالفين لمعتقده ودينه، ومن هنا يأتي اللغط الكبير الحاصل حول زواج المسلمين وغير المسلمين، وكيف أن الإسلام يرفض أن تتزوّج المرأة من غير المسلم (الذمّي)، في الوقت الذي يُحل فيه ذلك للرجل المسلم، وبذات الفهم كيف ينظر المسيحيون واليهود إلى الزواج من أصحاب المعتقدات الأخرى؛ الأمر الذي يجعل قيمة الإنسان فيما يعتقد، ويُغفل القيمة الإنسانية والحقيقة للإنسان نفسه.

ولذا قد نقرأ في القرآن (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ) (البقرة:221) إن هذا التفريق القائم على أساس ديني، هو في الحقيقة أحد الأسباب الرئيسة التي تدفعنا إلى المطالبة بتحقيق العلمانية، دفعاً لهذا الغبار الشائب عن الإنسان حتى نبرز جوهره الإنساني، ونحترمه بموجبه، وليس بموجب ما يحمله في ذهنه من أفكار ومعتقدات.

ورغم أن هذه النقطة بالتحديد تدفعنا دفعاً للخوض في قضايا العلمانية ومفهومها واشتراطاتها؛ إلا أنني أُجاهد نفسي كي لا أخوض في هذه النقطة، لأنها سوف تعمل على تشعّب الموضوع، وربما أتطرق إلى هذه النقطة في مقال آخر. فقط يهمني هنا أن أُشير إلى نقطة تُضاف إلى مجموعة الأدلة الكثيرة لعدم توفر المساواة والعدالة في الدين الإسلامي، ومن كان يعتقد أن قيمة الإنسان مكتسبة بحق ما يعتقده فهو مخطئ بالتأكيد، وحتى إن سلّمنا بهذا الأمر، فلماذا استخدم القرآن صيغة متدينة للتعبير بها عن هذه الفكرة؟

لماذا يقول (ولأمة مسلمة خير من مشركة) و (لعبد مؤمن خير من مشرك)؟ ألا تُوحي هذه الصياغة بالنظرة الدونية العامة التي ينظر إليها الإسلام إلى كل العبيد، وبالتالي فهي تعني لا مساواتهم بالآخرين الأحرار؟ إن هذه الفكرة بهذه الصياغة تحديداً تجعل الإنسان يشعر بتقزز كبير تجاه المعيار الذي يستخدمه الإسلام لمحاكمة الآخرين، والنيل من إنسانيتهم وكرامتهم. فلو أنّ امرأة رفضت الزواج من عمرو وقالت: "أقبل الزواج بسبّاك، ولا أقبل بعمرو" فهل هذا يعني أنها تُعطي للسبّاك قيمته وكرامته؟ أم أنه –على العكس- يُشير بوضوح إلى النظرة الدونية والعنصرية لديها تجاه السبّاكين وأصحاب المهن الوضيعة؟ هذا بالتحديد ما تُشير إليه الآية القرآنية، والتي من المفترض أنها كلام الله، فهل الله عنصري؟ أم أنه يُحرّض على العنصرية؟

وبالعودة إلى قضية حرية المرأة في جسدها داخل المؤسسة الزوجية، فإنني أقول: إنّ الزواج بقيمته الإنسانية الكبرى لا يعني فيما يعني احتكار الزوج لجسد زوجته، وإنما هو تنازل وقتي حُر (عبر حرية المرأة الكاملة في جسدها) للرجل بالاستمتاع بهذا الجسد بطرفين؛ وإلا أًُعتبر ذلك اغتصاباً لحُرمة هذا الجسد، وعندما أقول (بطرفين) أعني أنه لابد أن تكون المرأة راغبة في الاستمتاع لا أن تكون موضوعاً للمتعة.

وإلى هذا الحد قد نُفرّق كثيراً بين مفهوم الجنس في العقلية الذكورية بما في ذلك من عادات وتقاليد وأديان، وبين المفهوم الإنساني العام والخاص للجنس؛ فالجسد (على اعتباره موضوع الجنس الأول) يظل رغم كل ذلك وسيلة للتعرّف على الذات من خلال المتعة المتولدة بالملامسة، وعليه فإن الجسد ليس نفسه وسيلة إمتاع منفصلة وقائمة بذاتها، وإنما هنالك عوامل أخرى تجعل من هذا الجسد وسيلة ناجعة للحصول على هذه المتعة من عدمه؛ ولذا فإننا لا نفترض حصول المتعة للمرأة في حالات الجنس الشاذة كالاغتصاب أو الدعارة والتي لا تفترض غير الحضور الجسدي، ولا تشترط توافر الرغبة الكاملة والاستعداد النفسي.

الزواج –فيما أراه- يوفر ضمانة جنسية مستدامة، فقط إذا توفرت الرغبة والاستعداد النفسي للممارسة والتوق للآخر، وكما أن الرجل لا يكون في حالة استعداد نفسي ورغبة دائماً في كل الأوقات فكذلك المرأة، ولكن العقلية الذكورية تفترض أن تكون لدى المرأة الرغبة دائماً في ممارسة الجنس، وقتما أراد الرجل ذلك، ويعتبر رفض المرأة للممارسة اعتداءاً صارخاً لحقه (ليس باعتباره زوجاً فقط)، ولكن باعتباره ذكراً كذلك. إن هذا التعاطي مع موضوع الجنس يدل على النظرة المتدنية للمرأة وكأنها ليست كائناً بشرياً ممتلكاً لرغبات سلبية وإيجابية تجاه موضوع الجنس والممارسة، تماماً كما لدى الرجل.

وموضوع رفض الممارسة الجنسية في العلاقات الزوجية، بالإضافة إلى علاقته بالحالة النفسية والمزاجية لدى المرأة، فإنه لا ينفصل عن كونه امتداداً طبيعياً لحق المرأة وحريتها الكاملة في جسدها، هذه الحرية التي لا تنتقص بالزواج ولا بغيره. ولقد أفردت النصوص الدينية جزءاً من تشريعات لهذا الموضوع فيما أسمته بالنشوز، فما هو رأي الدين (الدين الإنساني) في قضية النشوز والاغتصاب الزواجي؟

نقرأ في القرآن: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ) (النساء:34) إن هذه الآية من بدايتها تفترض علو الرجل على المرأة بالقوامة، التي كانت سبباً رئيسياً في تجذير الفهم الذكوري، وشرعنة الاضطهاد الذي يُمارس على المرأة.

وكما عرفنا من قبل فإن علماء الدين والفقهاء انقسموا في تفسير هذه الآية ومقاصدها الشرعية؛ ففي حين يرى البعض أن هذه الآية صريحة المعنى والدلالة وأنها تدل على قوامة الرجل المطلقة ويتخذونها دليلاً على عدم جواز عمل المرأة (وبالتالي نيلها لحق الاستقلالية المالية) لأن الله يعتقد بأن الإنفاق هو مهمة الرجل الأساسية، والتي بسببها استحق قوامته على المال؛ فإن البعض يذهب إلى هذه الآية تقصر القوامة على الإنفاق، وبالتالي فإنها ليست قوامة مطلقة، ولكن هؤلاء الذين يحاولون إيجاد منافذ من تهمة قهر المرأة واضطهادها ينسون الجزئية التي تسبق (بما أنفقوا) والمتعلقة بقوله (بما فضل الله بعضهم على بعض) دون أن نعرف أيّ معيار لهذا التفضيل، وكأن القوامة هبة إلهية مباشرة للرجل، وحق أعطاه الله للرجال. فعلى أيّ أساس تمّ هذا التفضيل؟

إن الآية السابقة تبرر لقوامة الرجل بشيئين أولهما (التفضيل الإلهي) ثم تتبعه بعد ذلك (بالإنفاق)، وهما في حقيقة الأمر قيدان كبيران يُكبلان المرأة ويُقعدانها عن المطالبة بحقها في المساواة مع الرجل، والمطالبة بالتخلّص من عبوديتها له، لأن هذه العبودية -في حقيقتها- حق للرجل ضمنه له الله شخصياً. ولذا فلا نستغرب أبداً حديثاً كـ(لو كنتُ آمراً أحداً أن يسجد لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها) تصبح المسألة برمتها واضحة وضوح الشمس؛ وعندها تسقط كل تلك الدعاوي الزائفة التي يُصرّح بها المسلمون من أن الإسلام كفل للمرأة حريتها، وأنه كرّم المرأة، وأنه انتشلها من براثن عبوديتها للرجل، وهذا الكلام العاطفي الذي لا يرتبط بالواقع بشيء، ولا أقول كلاماً على عواهنه بل النصوص الدينية نفسها هي من تقول ذلك.

ثم إن ربط هذه القوامة بما بعدها من قضايا متعلقة بالشرف هو أمر مخجل في الحقيقة، وهنا يتجدد الكلام عن (حرية المرأة في جسدها) فعندما تبدأ الآية بالكلام عن القوامة ومبرراتها غير المنطقية ثم يأتي مباشرة للكلام عن حفظ المؤمنات الصالحات لفروجهن؛ فإن هذا يعني بالضرورة أن حفظ الفرج هو أحد اشتراطات هذه القوامة، وإشارة واضحة وصريحة إلى اعتبار عقد الزواج عقد ملكية جسدية كامل، لا يصح الإخلال به، بل ويربط ذلك بقيمة أخلاقية (الصلاح)، فأمارة المرأة الصالحة هو تنازلها الكامل عن جسدها لزوجها فقط، وعدم التفريط في ذلك لغيره.

هذا يدفعنا للتساؤل عن حرص الدين على توفير المتعة الجنسية للرجل بكافة أشكالها: سواء بإباحة التعدد بأربعة نساء، أو و بإباحة وطء ملك اليمين إلى ما لانهاية منهن؛ ويحرص بنفس المقدار على ألا يكون ذلك الحق للمرأة بالمقابل؟ بل ويربط هذه القضية بالشرف والصلاح! بل لا أعرف كيف للمسلمين بعد كل هذه الحقائق الدامغة والمأخوذة من نصوصهم المقدسة أن يتبجحوا بالقول بتوافر حقوق المرأة في الإسلام؟

وهذه الآية نفسها تتناول بعد ذكر القوامة (وعلاقة هذه القوامة بقضية الشرف المرتبط بالصلاح) تتناول قضية النشوز فتقول: (وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنّ) وعليه فإنه لا يحق للمرأة أن ترفض دعوة زوجها للفراش، بل ويعتبر ذلك جريمة كبرى تستحق عليها العقاب المتدرّج من الوعظ فالهجر ثم الضرب! ولم تطرح هذه الآية أو أيّ آية أخرى استثناءات لهذا الرفض (النشوز) واحتمال ارتباطه بالحالة المزاجية لدى الزوجة، أو عدم استعدادها النفسي للممارسة أو حتى احتمال امتناعها عن الممارسة لسبب يتعلق بالرجل نفسه: كأن تكون رائحة فمه أو جسمه نتنه، أو أن تكون الطريقة التي يُمارس بها غير ممتعة بالنسبة إليها. كل هذا غير مهم، المهم هو أن يتحصّل الرجل على متعته دون النظر إلى المرأة وإلى ما يتعلّق بها؛ رغم أنها جزء أساسي من هذه الممارسة وطرف شريك فيها. ولا عجب عندئذ أن نقرأ حديثاً كـ(أيما امرأة باتت وزوجها عليها غضبان باتت تلعنها الملائكة حتى تصبح).

ويذهب أغلب رجالات التدين إلى قصر النشوز على عدم وجود عذر، وهذا ما لم تتضمنه الآية، ولا أدري من أين لهم بهذا الاستثناء والقصر، فالآية لم تقل (واللاتي تخافون نشوزهن بغير عذر) وإنما كانت الآية مطلقة وغير مقيّدة، وحتى إذا اتفقنا مع هؤلاء في ضرورة وجود عذر أو مانع، فمن يا ترى يُحدد قبول هذا العذر؟ المرأة أم الرجل؟ وماذا لم كان للمرأة عذر، ولم يقبل به الزوج أو لم يره مناسباً أو مقبولاً؟ إن الأمر في ذلك لا يخرج عن كونه تحايلاً عن النص الواضح والصريح.

والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة هنا: (هل الممارسة حق زواجي؟) إن طرح هذا السؤال بهذه الصيغة يجعلنا نستبصر الورطة التي يقودنا إليها الدين على اعتبار أن الجنس أمر حقوقي متعلّق ومرتبط بعقد الزواج مباشرة، والحقيقة أنه ليس حقاً بل منحة وهبة تُعطى بالقبول والتراضي حتى مع وجود عقد الزواج، فجسد المرأة حق لها هي فقط، وإن وهبته لشخص ما فإنها إنما تُمارس حريتها المطلقة في جسدها سواء أكان ذلك لزوج أو لغيره، ولا يحق لأحد أن يُحاكم المالك في ملكه.

وفي هذا الصدد نجد أقوال كثير من العلماء الذي يقولون بملكية الرجل لجسد المرأة بعقد الزواج؛ فنجد الإمام السرخسي يقول: "‏اعلم أن نفقة الغير تجب بأسباب منها الزوجية (...)‏لأنها محبوسة لحق الزوج ومفرغة نفسها له، فتستوجب الكفاية عليه في ماله" وهذا ظلم آخر يقع على المرأة؛ فإذا اعتبرنا الممارسة الجنسية في الزواج أمراً حقوقياً، فهو حق مشترك وليس متفرّد؛ بمعنى أنه حق للاثنين معاً، بينما الإنفاق (في حال كون المرأة غير عاملة) هو حق متفرّد، ومن غير الإنصاف أن تُحرم المرأة من حقها المتفردة لامتناعها عن أداء حق مشترك.

ولنقرأ معاً ما جاء على قلم شيخ الأزهر السابق جاد الحق علي جاد الحق في موقع (إسلام أون لاين. نت):

"وإذا تغيبت المرأة عن زوجها أو أبت أن تتحول معه إلى منزله أو إلى حيث يريد من البلدان وقد أوفاها مهرها فلا نفقة لها، لأنها ناشزة ولا نفقة للناشزة، فإن الله تعالى أمر في حق الناشزة بمنع حظها في الصحبة بقوله تعالى(وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ )‏ النساء ‏34 ، فذلك دليل على أن تمنع كفايتها في النفقة بطريق الأولى -‏ لأن الحظ في الصحبة لهما وفى النفقة لها خاصة، ولأنها إنما تستوجب النفقة بتسليمها نفسها إلى الزوج وتفريغها نفسها لمصالحه، فإذا امتنعت من ذلك صارت ظالمة. وقد فوتت ما كان يجب لها باعتباره فلا نفقة لها،‏ وقال ابن نجيم الحنفي:وإذا سلمت نفسها بالنهار دون الليل أو على عكسه لا تستحق النفقة لأن التسليم ناقص، وقالوا له أن يمنع امرأته من الغزل، بل له أن يمنعها من الأعمال كلها المقتضية للكسب، لأنها مستغنية عنه لوجوب كفايتها عليه)‏ ولقد تابع علماء الشريعة المحدثون هذه النصوص السابقة .‏ ففي كتاب الأحكام الشرعية في الأحوال الشخصية لقدري باشا في المادة ‏169 .‏ أن الزوجة المحترفة التي تكون خارج البيت نهارا وعند الزوج ليلا إذا منعها من الخروج فعصته فلا نفقة لها مادامت خارجة. وقد ذكر المرحوم الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه أحكام الزواج في الشريعة الإسلامية :أنه إذا كانت الزوجة من المحترفات اللائى لا يقررن في البيت فلا نفقة لها إذا طلب منها القرار فلم تجب طلبه وذلك لأن الاحتباس في هذه الحالة ناقص فله طلبه كاملا .‏ فإذا امتنعت فهي ناشزة .‏ ولم يفرق العلماء في هذا بين حرفة وأخرى، وإنما كان الحكم شاملا لسائر الأعمال التي تخرج بسببها المرأة من منزل الزوجية وتفوت بهذا الخروج حق زوجها وتصبح ناشزة . ومن كل ما تقدم من النصوص، يظهر جليا أن نفقة الزوجة على زوجها مقابل قرارها في منزل الزوجية وتفرغها لصالح الزوج، وأنها إذا اشتغلت بعمل خارج منزل الزوجية دون إذنه ورضاه ولو كان ذلك من الأعمال الضرورية للمجتمع كعمل القابلة والطبيبة كانت مفوتة حقه فيفوت حقها وتسقط نفقتها، لأن الحقوق المترتبة على العقد متقابلة"

ومن هنا يتبيّن لنا كيف أن عمل المرأة قد يحرمها من حقها المتفرّد في النفقة، وبالتالي بقائها تحت نير عبوديتها للرجل وقوامته عليها كرهاً. فأي عدالة وأي مساواة وأي كرامة هذه التي وفرها الإسلام للمرأة بعد كل ذلك؟ إن الأمر لا يتعدى كون الزوجة الحرة، والأمة بمكانة واحدة هي مكانة العبد من سيّده، الذي لا يجوز له التصرف في نفسه أو فيما يملك إلا بإذن سيّده أو مالكه. وهنا تحديداً يأتي السؤال الأخير الذي يطرحه المقال والمتعلق بنظرة الإسلام للمؤسسة الزوجية، ومدى توافق أو عدم توافق هذه الرؤية مع الحقوق والمطالب الإنسانية العالمية، وهذا ما سوف يتناوله الجزء الأخير من سلسلة مقالات (قضايا معاصرة)


.::نواصل::.