السيدة الأولى (مشروع جديد)

السيدة الأولى (مشروع جديد)


01-01-2008, 11:16 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=188&msg=1239814091&rn=0


Post: #1
Title: السيدة الأولى (مشروع جديد)
Author: هشام آدم
Date: 01-01-2008, 11:16 AM

__________________________

السيدة الأولى
(راوية)


اختفت خلف صخرة كبيرة على شكل قبعة ساحر، تتخذها مكاناً لدفن الأصداف التي تقذفها أمواج الكاريبي، عندما صادفت طائراً ضخماً برأس رجل بشع ذو شعر كثيف، بينما غطى الريش بقية جسده. تقدّم الطائر نحو الصخرة العملاقة، وبدأ ينبش الرمل بمنقاره الذي على شكل خطّاف، واختطف الأصداف المدفونة، ثم فرّ جناحية المهولتين وارتفع كطائرة عامودية، واختفى بين غيوم حمراء ابتلعته ثم تلاشت بعدها تماماً. شعرت بخوف شديد، ووضعت يدها على صدرها بقوة، وكأنها تحاول أن توقف دقات قلبها المتسارعة، ولم تهدأ أنفاسها بسهولة. كان يخيّل إليها أنّ الطائر يقف في مكان ما، ينتظر ظهورها مجدداً لينقض عليها، و لم تعلم سرّ تواجدها فجأة في ذلك المكان المليء بالوحل اللزج، وهي تحاول أن تقتطف زهرة آجرموني يافعة تمتصها طفيليات وحشائش إلى قاع البحيرة الوحلية، وقفت بطريقة يسوعية على بحر الطين المتحرّك وعندما انتزعت الزهرة وجدتها برأس أفعى مصابة بالأنفلونزا فرمتها على الفور، وهي تحاول احتساب الشؤم في يومها ذلك. أذهلها أنها كانت حافية حين رفعت قدميها بفعل سقوطها، ووجدت على أصابعها بعض الخيوط الحمراء والصفراء التي لم تعرف مصدرها، غير أنها لم تكترث بنزعها كثيراً، بل راحت تحاول النهوض، ولكنها لم تستطع، أحسّت بأنها مربوطة إلى الأرض الرطبة بأغصان نبتة متوحشة، وراحت تضرب بأقدامها وتحاول تحريك يديها في يأس، فيما كانت الأغصان تلتف حول جسدها غارسة فيه شوكها المسموم. وجدت نفسها فجأة بين يدي سجّانة من العمالقة، ذوي أجنحة سوداء غائرة في جوانبهم وممتدة إلى الأفق، فتحوا لها أبواب الجحيم وهم يصرخون بها: "هكذا تكون نهاية المتآمرين" لم تجد توسلاتها المبحوحة نفعاً، ولم تمتلك قوة لتدفع عنها أجنحتهم القويّة، وفجأة وجدت نفسها تهوي في قعر الجحيم لا نهائي حاولت أن تتشبث بشيء ما ولكنها كانت تسقط بقوة خرافية، وثمة حيوانات مخيفة تنظر إليها وتضحك في سخرية، ثم سقط أرضاً.

Post: #2
Title: Re: السيدة الأولى (مشروع جديد)
Author: هشام آدم
Date: 01-01-2008, 11:18 AM
Parent: #1

_____________________

هرعت تندارسي الخادمة الأفريقية مسرعة نحو الصراخ القادم من غرفة ليلاتيا، دون أن تضيء مصباح الغرفة ذات الجدران المبطّنة بأخشاب الماهوجني وجلست قربها بطريقة أمومية "أهو ذات الكابوس المزعج صاحبة الجلالة؟" بالكاد كانت ليلاتيا تأخذ نفسها وكأنها تحاول التنفّس تحت الماء. ولم تهدأ حتى وضعت رأسها على صدر مربيتها. ومضت بعينين خائفتين تجول ببصرها في أرجاء الغرفة، وكأنها تخشى حدوث أمر ما. الغرفة هادئة إلا من عوي رياح الخريف الضاربة على النافذة، وحفيف أشجار المنغروف بالخارج، وصوت صرصور الليل الموحش. لمحت في تجوالها البصري رأساً شيطانياً سرعان ما اكتشفت أنّه شمعدان أثري كان والدها قد اشتراه لها عائداً من رحلته في بلاد الهند، عندها أخذت تبكي "لقد اشتقت لوالدي كثيراً" لم تستطع تندارسي أن تمنع نفسها من البكاء كذلك، فأضاف بكائهما إلى الصخب الليلي مقطوعة حزائنية جديدة. "يا له من منفى، ما زلت صغيرة على تحمّل كل هذا الحزن صاحبة الجلالة" هكذا أسرّت تندارسي في نفسها، وهي تربّت على ظهر ليلاتيا التي نامت على صدرها بعد نوبة بكاء طويلة. ونامت هي إلى جوارها حتى الصباح.

Post: #3
Title: Re: السيدة الأولى (مشروع جديد)
Author: هشام آدم
Date: 01-01-2008, 11:19 AM
Parent: #2

____________________________

الشتاء يوحي بالوحشة، ويحفّز على التفكير والانغماس في التأمل، لذا فإن تندارسي كانت لا تحب فصل الشتاء، الذي يجعل سيدتها تكثر الإنفراد بنفسها. كانت تخشى عليها كثيراً من تلك الأفكار الشيطانية التي تدور في خلدها، ولا يمر أسبوع كامل دون أن تهاجمها تلك الكوابيس اللعينة. ذلك الطائر الذي برأس إنسان بشع كثيف الرأس ذو المنقار الخطّافي القادم من قيامة الغيوم الحمراء الملبّدة، وهوايته في اختطاف الصدفات المخبأة في الرمل، نظراته المتوحشة، وأنفاسه التي كصوت أزيز قطار البضائع البخاري أو هدير طائرة مروحية لم يصنعها الألمان بعد. هي الأقدار وحدها من تحرّك الناس كعرائس ليلة رأس السنة في ساحة مونوبوليس العامة وأصناف العابرين يحملون كل ما هو جديد وقادم من بلاد ما وراء العالم كما كانوا يسمونها: آلات التصوير الفوتوغرافية، أجهزة التحّكم بالصوت، النوافير الموسيقية، معدان ذات أشكال هندسية غريبة، أدوات لا يُعرف فيم تستخدم، وأخرى تعمل بالبطاريات الحجرية، قردة تقود دراجات هوائية، أقزام يشكّلون هرماً جسدياً، دببة أسترالية تمشي على قوائمها الخلفية، أرانب وطيور بيضاء تخرج من القبعات، وكلاب البحر التي تعزف على الآلات الموسيقية. "الدنيا كساحة مونوبوليس، وما نحن إلا أدوات عرض للتسلية عن الإله" لم تعرف تندارسي لم تذكّر تلك الكلمات التي كان يصيح بها أحد السكارى في محطة المترو، ولكنها أحسّت أنّ الأمور لا تخرج عن ذلك الإطار الكوميدي الذي اختلقه ذلك السكّير.

Post: #4
Title: Re: السيدة الأولى (مشروع جديد)
Author: هشام آدم
Date: 01-01-2008, 11:20 AM
Parent: #3

________________________

الدنيا، لا تضيق ولا تتسع إلا من أجلنا فقط. لا تأخذنا الأشياء خارج حدودها إنما تصنعنا اللحظة التي نشعر فيها الأشياء، وكأننا مربوطون في كنه الأشياء بخيط رفيع، ونحن الذين نشدّ هذا الخيط أو نفلته، ولكننا لا نملك أن نقطعه، هي الأشياء وحدها من تملك تلك القدرة. تضيق الدنيا للبائسين والحزانى لأنهم فقط يريدون أن تكون كذلك، وتتسع للسعداء كي تسع ضحكاتهم. ولكل شيء موسيقاه الخاصة. للحزن موسيقاه وللفرح موسيقاه والأشياء تغني بطريقتها، وقد نسمعها أو لا نسمعها، هذا يعود إلى من نكون، هل سعداء أو أشقياء. إذا كنا أشقياء فسوف لن نسمع تغريد العصافير وحفيف الأشجار وهدير المياه في الجداول، إنما سوف نركّز طاقتنا السماعية في صوت صرصور الليل، وعويّ الرياح.

Post: #5
Title: Re: السيدة الأولى (مشروع جديد)
Author: هشام آدم
Date: 01-01-2008, 11:21 AM
Parent: #4

____________________________

ليلاتيا، المرأة الحزينة دائماً منذ أن ألقت بها عربة القصر الرئاسي في هذا المنفى، وهي لا تغادر عزلتها إلا إلى الداخل. تشعر أنها لا تأمن أحداً على نفسها إلا نفسها. يتملّكها الخوف إلى الحد الذي يجعلها لا تنام إلا بتعاويذ تحفظها تندارسي، وعزفت عن كل شيء إلا اللعب على آلة البيانيو. كانت دائماً تصاب بابتسامات هازلة تتقاطع مع ملامحها الواجمة والحزينة. "ترى فيم تفكّر الآن" كانت تندارسي تسأل نفسها كلما رأت تلك الابتسامة الساخرة على وجهها. لقد تركت الثرثرة منذ أن جاءت في صيف 1963 إلى هذا المكان النائي على أطراف بحر الكاريبي تاركة ورائها عالماً من الفوضى والذكريات والأبهة. كل ما سمح لها بحمله: تندارسي وآلة البيانو الخشبية.

Post: #6
Title: Re: السيدة الأولى (مشروع جديد)
Author: هشام آدم
Date: 01-01-2008, 11:22 AM
Parent: #5

_____________________

من النافذة المطلّة على الحديقة، كانت ليلاتيا تتابع حركات الجنود المسلّحين ، وهم يحرسون مدخل المنزل الذي تقطنه، حاملين بنادق منتهية بسونكي يبرق في سماء التاسعة صباحاً يحول دون استمتاعها بضفائر الأرض الخضراء المجدولة بحقل قمح مهمل، وأشجار الأكاسيا والسرو، تعبرها نسمات الساعة التاسعة صباحاً، كانوا يدخنون المواريهوانا بشغف جمّ، وهم يصدرون ضحكاتهم الهستيرية، نظرت إليهم في قرف "كلانا حبيسان هاهنا، فقط أنا حبيسة في الداخل، وأنتما حبيسان في الخارج. لابد أنّكما الآن تشتمان الثورة في سرّكما، فلتدخنا المواريهوانا إذن، ربما كان هو الحل الوحيد" راحت تفتش بنظرها بين الغيوم علّها تجد غيمة حمراء، غير أنّ السماء كانت زرقاء تماماً، وبعض الغيوم البيضاء المتناثرة كقطع الصوف المجهّزة للتنجيد. رأت إحداهن كوجه امرأة عجوز ضاحكة، وأخرى كطائر على وشك التحليق وأخذت ترسم في خيالها روابط بين هذه الصوّر المتزاحمة في سماء ممتدة من المكان إلى اللامكان. شعرت بنسمات باردة تداعب وجهها وخصلات شعرها المنسدلة على أكتافها.

Post: #7
Title: Re: السيدة الأولى (مشروع جديد)
Author: هشام آدم
Date: 01-01-2008, 11:23 AM
Parent: #6

________________________

انسدل شعرها على يد خادمة آسيوية وهي تغسله لها بالزيت، رأت نفسها في المرآة الضخمة ذات البرواز المطلي بماء الذهب، وأخرى تشذّب لها أظافر قديميها، بينما انشغلت ثالثة بترتيب ثيابها التي سوف ترتديها بعد التبرّج. وصوت محبب إلى قلبها يأتيها من الخلف "ألم تجهز سيدة البلاد بعد، إن السفراء على وشك الوصول صاحبة الجلالة" أهدته ابتسامة ملوكية، وهمست في أذن الخادمة الآسيوية فأسرعت في عملها. وجهها امتلأ بالرضا، عندما رأته في المرآة، متوّرداً، وكأنها عروس في ليلة زفافها. أخذت تتفحّص بعض الأطراف بأناملها المصقولة بالمبرد العاجي. وساعدنها الخدم في النهوض وخلع ملابسها ثم في ارتداء الفستان المعد خصيصاً لسهرة الليلة. فستان أبيض من قطعة واحدة، من الدانتيل المشغول، متكسّر النهايات حتى الخاصرة، ومفرود بشكل مخروطي من الجانب السفلي، وذيل من النيون المبطّن بالقطيفة ومطرّز في نهايته.

Post: #8
Title: Re: السيدة الأولى (مشروع جديد)
Author: معتصم محمد صالح
Date: 01-01-2008, 11:29 AM
Parent: #7


Post: #9
Title: Re: السيدة الأولى (مشروع جديد)
Author: هشام آدم
Date: 01-01-2008, 11:31 AM
Parent: #8

_______________________

تتناول هذه الرواية، حياة زوجة رئيس سابق تم خلعه من منصبه ونفيه على ثورة قامت في بلاده. تطرح الرواية عدة تساؤلات من أهمها: ما هو دور زوجة الرئيس في صنع القرارات السياسية؟ هل يمكن أن تختلف الزوجة مع زوجها الرئيس في سياسته؟ ما هو موقفها إذا كانت رافضة أو (معارضة) لسياسته؟ كيف حياة زوجات الرؤساء الخاصة؟ كيف يدرن علاقاتهن الخاصة والعامة؟ هل تعتمد على منصب زوجها في كل شيء، أم أنّ زوجة الرئيس يجب أن يكون لديها حياتها الخاصة بعيداً عن الرئيس والهالة المترتبة على منصبه؟ الرواية تتناول الجوانب الإنسانية في حياة زوجات الرؤساء بالإضافة إلى الجوانب السياسية.

Post: #10
Title: Re: السيدة الأولى (مشروع جديد)
Author: هشام آدم
Date: 01-02-2008, 06:12 AM
Parent: #9

UP