د. حيدر ابراهيم عن الانقاذ..للموهومين حتى الان

د. حيدر ابراهيم عن الانقاذ..للموهومين حتى الان


07-11-2003, 12:12 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=183&msg=1199261351&rn=0


Post: #1
Title: د. حيدر ابراهيم عن الانقاذ..للموهومين حتى الان
Author: esam gabralla
Date: 07-11-2003, 12:12 PM

السودان: الإنقاذ بلا تاريخ وبلا مستقبل

د . حيد ابراهيم علي

إن مقولة أن وسيلة وشكل وصول أى مجموعة سياسية الي السلطة تحدد ماهية السلطة وممارستها ، ومسار النظام الذي تقيمه ، تنطبق على انقلاب الانقاذ الذي قادته الجبهة الإسلامية القومية صباح الثلاثين من حزيران / يونيو 1989م . فالوصول الى السلطة عن طريق القو العسكرية، انعكس على سلوك ومصير نظام الانقاذ طوال السنوات الماضية ، ورغم انه يحتفل بعيده الرابع عشر هذه الايام، الا ان عقدة الميلاد غير الشرعي والنشأة القمعية لازمته ، علما بأن النظام اجرى تعديلات وتحويرات عديدة في شكله وتكوينه ، ويظل مثل هذا النظام مهجوسا باضفاء الشرعية، ويبحث عن كيفية لتغيير طبيعة الاشياء ـ وهذه مهمة صعبة ـ من خلال التسمية والرمز والوعود والتبرير ، وتكون بداية هذه المحاولة باطلاق صفة الثورة على الانقلاب، ثم يروج للأسم ثم يأتي تبرير الانقلاب على السلطة السابقة بتعداد اوجه الفشل والعجز والفوضى والاخطار المحقدة بالبلاد مع فساد وضعف النظام "البائد"، ولابد ان يأتي البيان الاول يحمل الوعود التي ستجعل من البلد فردوسا ارضيا ، ثم يحرص الانقلابيون على اعطاء انطباع البساطة ونظافة اليد والقناعة والوطنية الفائضة. كل ذلك من خلال سلوك او مظهر رمزيين .





جاءت الانقاذ ضمن هذه الصورة النمطية للانقلاب وزيادة ، فقد بشرت بمشروع حضاري عظيم وشامل يرتكز على قدسية الدين ، لذلك كانت الشعارات الكبيرة والنبيلة التي رفعت في البداية، تحاول تبرير كل افعال الانقاذ في اعوامها الاولى من تعذيب وبيوت اشباح واذلال متعمد للشعب السوداني ، كما بررت الفساد والترف لاحقا ، فقد كان الترابي ومتظرو الجبهة الاسلامية يتحدثون عن ثورة عظمى، تقدم نموذجا للعالم كله ، وكانوا يخلطون بين تدشين انقلاب عسكري وعودة رسالة سماوية ، حيث يقول الشيخ الترابي "والسودان اليوم وهو يتقدم نحو الإسلام، يبدأ اولا بالغاء ما مضى لأن الدين يبدأ بالنفى ، ثم يثبت العبادة لله سبحانه وتعالى ، لان قبل الإيمان يكون الارتهان للمعبودين من دون الله ، فالبداية هي تنظيف الساحة وطهارتها ونفى خبثها ، ثم الصيرورة الي ساحة العبادة والتوحيد والإيمان ، والسودان يبدأ المشروع بنفي النظم القديمة ويجمع السلطة وسلبها من اهواء البشر وصراعاتهم". ويضيف في محاولة لتعريف وتحديد النظام الجديد : "والاطار الذي يتجلى الآن، هو اطار لا يمت للحكم العسكري ولا الى التعددية الحزبية المتصارعة، ولا الى نظام مجموعة الحزب الواحد ، بل هي نظام ائتمار بالمعروف".

مجلة قراءات سياسية 2/3 صيف 1992 ص 32). هذا النظام غير المحدد، هو الذي سيقوم بالمهام العظمى التي وردت سابقا ، والنظم القديمة التي يراد تطهيرها هي مجموعات دينية تقليدية على رأسها الختمية والانصار ، ولكنها صنفت وكأنها جاهلية سابقة لإسلام النظام الجديد ، وكأن الاسلام دخل السودان مع الانقاذ وفي نفس السياق يقول امين حسن عمر: "فالسودان قد أعلن اسلاميته يوم ان جاءت الثورة واكدها عبر مؤتمرات الحوار التي جمعت عشرات الآلاف من صفوة اهل السودان في كافة مناحى الحياة (كتاب المشروع الاسلامي السوداني الخرطوم 1995 ص 37) . ادعى الانقلابيون انهم يقدمون نموذجا للعالم كله وليس مجرد تجربة سوداية محلية تنقذ البلاد من الفقر والمرض والجهل ، حسب الشعارات القديمة ،ومن الحرب الاهلية في الجنوب ويقارنون بين الانقاذ ومجتمع المدينة في قياس عقيم ولا تاريخي ، اذ يصرح الشيخ الترابي : "ولقد كان قدر المسلمين في النموذج الاو، ان يبدأوا من الصفر يعنى من امية بالغة ، ومن تخلف تقنى وعلمي مريع (.....) فلعله سبحانه وتعالى قدر ان يجعل حظنا اليوم من الابتلاء هو ذات النموذج الاول الاسلامي ليكون مصيرنا هو ذات مصير النموذج الاول (المصدر السابق ص 2 ودعت الانقاذ الدول الاسلامية الاخرى للاقتداء بهذا النموذج. وكان تأسيس المؤتمر الشعبي العربي الاسلامي عام 1991م ، محاولة لان تكون الخرطوم مركز اشعاع وتأثير، بل عاصمة للاممية الاسلامية الجديدة (تجمع السنة والشيعة اذ امكن تجاوز ايران) وتورط النظام في علاقات كانت تهدف الى تصدير الثورة من خلال استضافة شخصيات وتنظيمات اشتهرت باعمال العنف ، وسمح السودان لجميع المعارضين الإسلامويين في البلدان العربية ، بالاقامة وكان هذا القرار مصدر فخر واعتزاز في ذلك الوقت ، يقول امين حسن عمر "وفتح السودان حدوده بغير تأشيرة لكل العرب شأنهم شأن السودانيين بغير تمييز (كتاب المشروع الحضاري ص 37) . هذه مجرد شواهد للشعارات والوعود التي يسمح بايرادها مقام مقال مختصر ، ولكنها كافية لطرح السؤال في العيد الرابع عشر للانقاذ : ماذا تبقي من الحكم الاسلامي في السودان ؟ وماهو مآل الحركة التي رعت المشروع الحضاري : انقلابا وخططا واستراتيجيات واعادة صياغة للانسان السوداني ؟ هل يملك النظام والحركة، مستقبلا ام هما مجرد تاريخ في المتحف والارشيف وذاكرة الشعب اللاعنة ؟ هل ستتحول الحركة بالمعني الكافكاوي (

metamorphosis) الى كائن

آخر في المرحلة القادمة لان عناصرها السابقة لن تموت وفي نفس الوقت لن تنبعث بشكل ما قبل انقلاب الانقاذ ؟ . يجئ سقوط المشروع الانقاذي متزامنا مع انهيار مشروعات مماثلة في المنطقة رغم اختلاف اشكال الانهيار، فقد بدأ الرئىس السادات باغراق المشروع الناصري في الانفتاح الاقتصادي ومعاهدة السلام ، وانتهى المشروع الشيوعي العشائري او العالمثالثي في اليمن الجنوبي في مصيدة وحدة علي صالح التي انتهت بالقصف والمطاردة ، وما زلنا نعيش دوي سقوط المشرع البعثي في العراق . وبالإمس، صلى القذافي صلاة الجنازة على مشروعه العالمي الاخضر بالغاء القطاع العام، وقبلها تحول امين القومية العربية الى شيخ الوحدة الافريقية القومية الافريقية، وفي نفس هذا السياق، ظلت الانقاذ كدولة والجبهة الاسلامية كحركة في حالة تفكك مستمر وضعها على عتبة الانهيار بالطريقة السودانية، اي بلا عنف وفي صمت يستر الفضيحة حسب القيم السائدة . فالانقاذ فقدت الفكرة والتنظيم والافراد ، وهذه مكونات وعناصر المشروع ،واعتمدت في الاستمرار على الاجهزة وضعف المعارضة . وكانت الانقاذ عند قيامها، قد اعلنت على لسان احد المنظرين ـ التجاني عبد القادر ـ ان منهجية التحول الاسلامي تقوم على اربعة مبادئ : الثورة ـ النظرة الاستراتيجية ـ الاعتماد على الذات ـ الجهاد الشعبي (مجلة الانسان العدد 13 السنة الثالثة مارس ـ آذار 1995 ص 26 ــ 2 ومن الملاحظ ان هذه المبادئ، كانت ذات طابع شعبي وكان انجازها يعني أن المشروع يقوم على انحياز للجماهير واقتناعها ، وهذا ما عجزت عنه الانقاذ نتيجة خيبة الأمل المتبادلة بينها وبين الشعب، فقد عزلها الشعب وبادلته العزلة بالقمع والتهميش في المشاركة السياسية .

تتم عملية تقييم الانقاذ من خلال محاكمة فكريةواخرى تنموية، والأخيرة مهمة لنظام مثل الانقاذ جاء عن طريق الانقلاب لانه يعمل على تعويض الشرعية الدستورية او الشعبية من خلال ما يسميها كارل ديوتش شرعية الانجاز . وقد ادرك نظام عبود العسكر ي الاول ، ذلك فطريا حين رفع شعار احكموا علينا باعمالنا ، ولكن الانقاذ فشلت في الاثنين: لفكر والانجاز التنموي ، فقد تراجعت عن جميع شعاراتها الكبرى، بل اصبحت تراها ماضيا بغيضا لا يجب تذكره، وتطلب من معارضيها ومخالفيها ان ينظروا الى الامام في طلب خبيث لتناسي الاخطاء والخطايا ثم المحاسبة ، ولا تعني هذه الدعوة من الانقاذ بأى حال من الاحوال التفكير في المستقبل ، لأن اى مستقبل تبنى اسسه على استيعاب عبر الماضي ودروس التاريخ بقصد النقد والتقويم الذاتي ، وهذه ما تتجنبه الانقاذ وتريد القفز الى مستقبل سيكون هو الماضي ضد الزمن وسياق التاريخ . يمكن القول أن إبعاد الشيخ حسن الترابي كان في حقيقة الأمر استبعادا للاهتمام بالافكار دخل الحركة ، اذ رغم ما يشوب كثير من افكاره من التناقضات والمغالطات ، لكنه في النهاية يحاول توليد افكار ومفاهيم او حتي كلام جديد قد يخلو من الافكار الجديدة او الاصيلة ، وهذه مشكلة الاعتماد على شخصية كارزمية داخل الحركات السياسية . ففي الحركة الإسلامية السودانية، رضى الجميع بأن يكون الشيخ الترابي المارشال للفرقة والبقية مجرد جنود حتى ولا ضباط، وحين غُيب الامام، وضح الارتباك الفكري ولم يستطع الطرفان المنقسمان تقديم البديل ، وكانت الندوة التي نظمتها هيئة الاعمال الفكرية في الاسبوع الاول من اكتوبر / تشرين الاول 2002م اول مناسبة جادة لنقاش الوضعية الفكرية للحركة، ولكن الاسلامويين ندموا على فتح هذا الباب فاوصدوه سريعا وبعنف ، ورغم ان غازي صلاح الدين مستشار الرئىس لشئون السلام قال بضرورة الحاجة الى نقد ذاتي ، اضاف بأن "الحركة ليست في حاجة الى ابوية" اشارة الى زعيم الحركة المعتقل ، ابدى قلقه من تحديات المستقبل والمشكلات الداخلية للتنظيم . إعترف احد القياديين ربيع حسن احمد، "ببروز خلاف في شأن تنظيم الحركة ورؤاها السياسية والفكرية خصوصا بعد وصولها الى السلطة ، كما فشلت في دورها في المجتمع والدولة، ولم تتطور" وفي نفس السياق ارجع أمين حسن عمر رئىس هيئة الاذاعة والتلفزيون ، ضعف دور الحركة السالامية روحيا وفكريا، الي بروز اولويات وتحديات جديدة بعد انتقالها من التنظيم الى السلطة . وقد اقر "بأن الحزب الحاكم جبهة عمل سياسي، ولا يوجد اطار فكري جامع بين عضويته ، وأن أي تصعيد لخطاب الحركة الاسلامية من خلاله، سيساهم في خسارة الاسلاميين سياسيا) "صحيفة الحياة 13/10/2002م" واضاف بأنهم لا يريدون تحويل الحركة الاسلامية الى ناد للشلليات او مطبخ للحزب الحاكم. واكد المعقبون المأزق السياسي والفكري للحركة وضرورة الاعتراف بالفشل، وان قلة صغيرة تحكم البلاد أمنيا وبلا فكر ، أو كما قال شرف الدين علي مختار : "لا يمكن ان نرهن مصير البلاد باكملها لارادة عشرين شخصا" وختم المسؤول السياسي الشفيع احمد : "أى شخص يقول إننا بخير، نعتبره كاذبا" . قدمت هذه الصورة من داخل الحركة نفسها وهي ليست تقييمات معارضين مغرضين ، لكي اسأل : ماهو منطق وشرعية تنظيم في أن يستمر في السلطة والحكم وهو بهذه الوضعية المهترئة والآيلة للسقوط ؟ ومن المضحك انه مع الشعور بأى خطر حقيقي يهدد السلطة وليس الوطن، ترتفع اصوات تدعي الدفاع عن العقيدة والشريعة وتهدد بالجهاد وتسيير المظاهرات المليونية ، من الواضح ان الحركة الاسلاموية اصبحت تعتمد على غريزة البقاء التي لا يسندها عقل او ذكاء ، فمن غير المفهوم، ان تعترف الحركة نفسها بأنها افلست وليس لديها ما تقدمه فكريا ولا تنمويا للبلاد، ومع ذلك تتشبث بالحكم والسلطة والامتيازات. يتحدد سقوط اى مشروع حضاري او وطني، بفشل وسقوط شعاراته ومبادئه المعلنة ، ويمكن ببساطة ان نرى أين هي الشعارات التي اطلقها منظرو النظام والحركة حتى عام 1995م، والتي عجّت بها اجهزة الاعلام المرئىة والسمعية والمكتوبة . ليس من غاية هذا المقال عرض كتاب اسود موثق بالاحصائىات لاثبات سقوط المشروع تنمويا بعد ان سقط فكريا واعلن ذلك بنفسه ، ولكن نوعية ومستوى الحياة التي يعيشها الشعب السوداني بعد 14 عاما، دليل على تضحيات غالية وصبر طويل على امل تحسين اوضاعه لينتهي به الى الامر الى معاناة البؤس، مع تفشي الفساد والترف ، امثلة التدهور والفشل عديدة ، فالنظام الذي رفع شعار نأكل مما نزرع، استورد الشهر الماضي البيض الفاسد من الهند ، وتظل العاصمة بلا تيار كهربائى اكثر من عشرين ساعة يوميا في هذا الصيف الصحراوي ، وتعاني من مشكلة المياه والبلاد محاطة بالانهار وحين يشتكي المواطنون من تلوث المياه، يرد عليهم عبقري : بان الطحالب والاجسام الموجودة في المياه ليست مضرة بالصحة. وفوق ذلك فقد دلت الاحصائيات ان الملايين من السودانيين هم دون خط الفقر بكثير ، وتدهور ت الخدمات الصحية، فقد استوطنت الملاريا في السودان بعد ان تم استئصالها في الستينيات ، وكثيرا من الامراض التاريخية عادت مظفرة في سودان الانقاذ بعد ان صارت في بلاد كثيرة ضمن تاريخ الطب . قررت الانقاذ عدم مسؤولياتها عن خدمات التعليم والصحة والاسكان والطرق ، فهي اختصرت وظائف الدولة في مجالات ضيقة مثل امن النظام وليس حتي أمن المواطن ، ويبدو ان الانقاذ حين اتجهت الى الخصخصة، بدأت بالخدمات الضروريةوتلبية الحاجات الاساسية للمواطنين، واخرجتها من دائرة مسؤولية الدولة الرشيدة ، وحين تعدد الانقاذ انجازاتها، تقصرها على قطاعات مثل الاتصالات والنفط ، فبالنسبة للاتصالات، السؤال المهم كيف ساهم تطور الاتصالات في التنمية الاقتصادية، ام زاد من السلوك الاستهلاكي للمال والوقت ؟ كذلك النفط هل شعر المواطن العادي بأثر النفط في زيادة مستوى دخله ومعيشته ،ام يسمع عنه كارقام مجردة على الورق ؟ وتظهر الانقاذ عدم اهتمام واضح بتحسين الاوضاع المعيشية للمواطنين، خاصة اذا لم يسبب هذا التردي في مستوي الحياة ، سخطا وغضبا قد يتحول الى تهديد للسلطة .

يمكن تفسير الفشل التنموي للانقاذ في اطار فكري بحت، بمعني ماهي رؤية الاسلامويين للكون والمجتمع والطبيعة ؟ ثم ماهو موضع الانسان والحية في هذه الرؤية ؟ يتنازع الحركة اتجاه يرى في الحياة الدنيا متاع الغرور ، على حساب اتجاه يرى تعمير الارض وتكريم الانسان،" ولا تنس نصيبك من الدنيا" . والاتجاهان موجودان بالقوة في الدين او الفكر الاسلامي، ولكن تحول اتجاه ما الي وجود بالفعل حسب القوى الاجتماعية المؤثرة التي تسند اتجاها ما ،وتجعله هو السائد. ويبدو ان تجربة الانقاذ في السودان انحازت الى الاتجاه القائل بأن الحياة الدنيا متاع الغرور، ويلاحظ ذلك في الخطاب الاعلامي الذي يمجد الموت على حساب الحياة وقد اعطت الحرب الاهلية وفكرة الجهاد والاستشهاد، دفعة قوية لهذا الاتجاه ، ومن هنا قل الاهتمام بنوعية الحياة لانها عابرة ، لذلك نجد صفحة يومية في جريدة شبه رسمية : "اخبار اليوم" عنوانها : الدار العامرة تشرف عليها جمعية تسمي "حسن الخاتمة ، وهي عن شعائر الميت والموت وعن وضعية المقابر وبها عمود من طرائف المقابر ، يورد نكات عن المقابر والموت . من ناحية اخرى، اصبحت الخرطوم ـ والتي تنوي ان تكون عاصمة ثقافية عام 2005م ـ مدينة مظلمة بكل المعاني ،وكئىبة تنام مبكرا وتكاد تخلو من المسارح ودور السينما والمعارض الفنية ـ لولا المراكز الثقافية الاجنبية، وتقل فيها المكتبات الغنية بالكتب والمجلات بسبب ارتفاع رسوم وضرائب مفروضة على الثقافة، وكل هذا يصب في اتجاه تنمية الموت والدار العامرة على حساب تنمية الحياة وجعل الانسان السوداني اكثر سعادة وحرية وعافية ومعرفة. ومثل هذه الحاجات المادية والمعنوية تخرج من اولويات الانقاذ ولا تشعر بتأنيب ضمير لانها لم تشبع او تلبي هذه الحاجات ، لان اهمال التنمية الدنيوية متسق مع رؤية شاملة وفكر معين لدي المجموعة الحاكمة ، وهي بالتأكيد فهم خاص للاسلام تتبناه فئة معينة، وليس فهم الاسلام الاصلي للحياة الدنيا وللآخرة .

يلتقي فشل الفكر مع فشل التنمية لدي الانقاذ لانها ابتعدت باستمرار عن فهم الواقع وفهم التاريخ، وارادت ان تحشر الدولة والمجتمع والانسان في السودن داخل نسق ايديولوجي مغلق يدعى الاسلام ، وحين طرحت الانقاذ شعار اعادة صياغة الانسان السوداني وانشأت له وزارة التخطيط الاجتماعي، واجهت سؤال هل يتم ذلك قسرا ام بالاختيار ، وكانت اجابة الشيخ الترابي جاهزة : "والشعب المسلم غير مهيأ وما تزال فيه عصبيات ، ولو اطلقت له الحرية، فإنه لا ينطلق بالاسلام وانما ينطلق بكثير مما ورثه من قبل !" ومن هنا كانت سقطة الحركة الاسلاموية حين حكمت ، خشيت الحرية كقيمة عليا ، وبالتالي جعلت من الإنسان وسيلة لتحقيق شعارات وايديولوجيات معينة ولم تعامله كغاية في حد ذاته ، لذلك لم تتردد في تعذيبه واهانته واذلاله حين اختلف معها أو عارضها في أمور دنيوية تدعي هي بأنها إلهية ومقدسة، واعتبرت نفسها الممثل والوكيل لما هو الهي ومتعال ، وهذا ما اطلق يدها وجعلها فوق اي مرجعية بشرية لانها وضعية، لذلك تحدت في البداية منظمات حقوق الانسان العالمية واحتجاجات الرأى العام العالمي ثم عادت في النهاية للتعامل معها جميعا ، دون ان توضح ماذا حدث في رؤيتها اي لماذا واجهت كل العالم في بداية التسعينيات ثم تراجعت مع بداية القرن الحادي والعشرين ؟ هل تغير العالم ام تغيرت الحركة والسلطة ؟ . هذا السؤال يقودنا بطريقة مريحة لسؤال المستقبل ، ولماذا نرى الإنقاذ مجرد تاريخ بلا مستقبل ؟ يتسم عدد كبير من قادة الحركة الاسلاموية بقدر كبير من المكابرة والعناد، وخوف المراجعة والاقرار بالخطأ ـ وقد يكون ذلك من سمات العقل الاصولي الصمد الذي لا يعرف التعدد والآخر ، لذلك نلاحظ ان الانقاذ ـ رغم كل الاخفاقات والفشل ـ تضيق بأى نقد واختلاف، وتلجأ سريعا الى القمع ، فالمرء يظن انه يحاور مفكرين ومثقفين ورجال دولة ، ولكن غالبا ما يكون محاوره جهاز الأمن ويختفي المحاور المستهدف من النقاش ، فهذا الحل الأمني لمأزق الحركة والفكر والدولة الاسلاموية، لا يمكنها من رؤية عيوبها ومراجعة نفسها، وسوف تأخذها العزة بالاثم . يظن كثير من الاسلامويين السودانيين، انهم خارج التاريخ وانهم استثناء لن تمسهم التغييرات والتحولات التي تهز المنطقة والعالم كله ، لذلك يستدعون ردود فعل واستجابات كانت صالحة قبل عقد من الزمان، ولكنها الآن تكون مجرد لعب في الوقت الضائع وهروب الى الامام ، يظن البعض انه في جزيرة روبنسون كروز بينما السودان في قلب مكونات تشكيل النظام العالمي الجديد بوضعيته الاستراتيجية المهمة والعليا : فهو في تماس مع القرن الافريقي والبحر الاحمر ووسط افريقيا وحدود مصر وليبيا ،والنموذج المحتمل للتعايش العربي ـ الافريقي ، والمسلم وغير المسلم ، كل هذه الحقائق لا يبصرها الانقاذيون ويجترون شعار الطفولة المبكرة قبل ان يفطمهم العالم، وتصطدم رأسهم بحائط الواقع .

يتطلب الخروج من الازمة، مراجعة جذرية شاملة يبلور فيها الاسلامويون رؤية جديدة وبرامج عملية جديدة، ثم تشكيل تنظيم مختلف لكي لا تضيع هذه الشخصيات والكوادر في تيه الفشل والمكابرة ، فهم رغم الاختلافات سودانيون، لابد ان يشاركوا بواقعية وعلمية في ايجاد حلول لمعضلة الوطن الكبرى . ولكن محاولات التجديد او الترتيب الحالية، تقوم على المكايدة ـ حسب لغتهم ـ والاحقاد والمرارات وتصفية الحسابات، وليس على ادراك عبرة الفشل وتجنب تكرار الفشل ، ليست لدينا وصايا عشر للاسلامويين ولكنهم عناصر مطلوبة في المرحلة القادمة بعقل جديد ، والاحتمال الآخر هو بروز جماعات التكفير والهجرة وجيش الفرقان التي اعلنت هدر دماء سودانيين، بينهم رجال طرق دينية صوفية وهذه الجماعات قد تكون نتيجة تواطؤ سابق مع الاسلامويين ارادهم ضد المعارضيين من علمانيين ورافضين لفكر الاسلامويين ، اوفي احتمال آخر، هم تفريع لنفس فكر تمجيد الموت على مستوى اكثر تعصبا وانغلاقا . مدير مركز الدراسات السودانية ـ الخرطوم

نقلا عن الصحافة

Post: #2
Title: Re: د. حيدر ابراهيم عن الانقاذ..للموهومين حتى الان
Author: sudani
Date: 07-11-2003, 12:54 PM
Parent: #1

up