الجهاد ..؟ ام حرية الاعتقاد.. عمر القرّاي

الجهاد ..؟ ام حرية الاعتقاد.. عمر القرّاي


01-27-2004, 03:21 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=175&msg=1138823771&rn=0


Post: #1
Title: الجهاد ..؟ ام حرية الاعتقاد.. عمر القرّاي
Author: Amjad ibrahim
Date: 01-27-2004, 03:21 AM

سلام جميعا
كثر الحوار في الفترة الماضية عن الدولة الدينية و نجابه بتساؤلات عديدة في هذا الصدد، بين يدي كتيب قيم كتبه الاستاذ عمر القراي احد تلامذة الاستاذ محمود محمد طه النجباء، الحقيقة كنت انوي ان اكتب الكتاب و اقدمه كهدية مني لروح الاستاذ محمود في ذكرى اغتياله الغادر، و موته النبيل، لكنه كان مجهوداً كبيراً لم استطع القيام به حينذاك، لكن ايمانا مني بان مشوار الالف ميل يبداء بخطوة واحدة سأحاول ان انقل لكم هذا الكتيب على شكل حلقات يومية حسب استطاعتي لما رايته فيه من افكار جريئة لم تلقى نصيبها من النشر خاصة في عالم الانترنت، اتمنى ان يتابع الاخوة ما اكتبه و يساهموا معي في اصلاح الاخطاء في الكتابة خاصة في الآيات القرآنية
الشكر الجزيل موصول للاخ عمر عبدالله الذي ارسل لي نسخة مصورة من الكتاب عبر البريد، قد احتاج في وقت لاحق مساعدة من البعض ممن يتوفر له الوقت للمساهمة في طباعة هذا الكتيب على هذا البوست
لكم الود
امجد


الجهاد.. ام حرية الاعتقاد؟

عمر القرّاي

بسم الله الرحمن الرحيم
( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة و جادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله و هو أعلم بالمهتدين.)

صدق الله العظيم

المقدمة
يتناول هذا الكتاب، مفهوم الجهاد، من وجهة نظر جديدة، على كل الطرح الاسلامي، التقليدي. معتمدا في الاساس، على فكرة عتيدة، تم طرحها قبل حوالي اربعين عاما، من قبل الاستاذ محمود محمد طه الداعية الاسلامي السوداني، الذي قدم فهما متكاملا للاسلام، يختلف عن كل ما عداه من الافكار و الآراء، و الدعوات الاسلامية المعروفة في العالم اليوم.. و لقد فصل الاستاذ- محمود، هذا الفهم الجديد، في عديد من المؤلفات، و أقام هو، و اتباعه، الندوات و المحاضرات العامة، و منابر الحوار الحر، في شرح هذه الفكرة و ترسيخها بين افراد الشعب، حتى نالت اعجاب مؤيديها، و احترام معارضيها.. و لكن بكل أسف، قام في وجهها دعاة القديم، يناهضونها بغير كفاءة، ويشوهونها بغير أمانة، دون ان يستمعوا لها بعقول واعية مبرأة من الغرض.. حتى بلغت معارضتهم، حد التآمر على حياة صاحب الدعوة، و التحالف مع السلطة لاغتياله، ظنا منهم انهم بذلك، قد قضوا على الفكرة الجريئة، التي طالما وضعتهم امام جهلهم، و اقضت بذلك مضاجعهم.

لقد رايت، بوصفي من المؤمنين بهذه الفكرة ضرورة الا تغيب عن الساحة في هذا الوقت بالذات، ليقيني بأن بها وحدها الخلاص.. خلاص الاذكياء المخلصين، الذين يرزحون اليوم، تحت التناقض الحاد، بين واقع حياتهم، و معتقداتهم الدينية.. خاصة بعد ان ازدادت حيرة العقلاء، أمام ظاهرة التطرف الديني، الذي فرض نفسه على واقع الأحداث، و تعجز الحكومات و الافراد عن مواجهته خشية أن تتهم بالكفر و المروق..

و لقد اخترت الحديث عن موضوع الجهاد بالذات، لأنه يمثل حجر الزاوية في فكر الجماعت الاسلامية على اختلافها .. و لأنه المبرر الوحيد، لكل الاحداث الدامية، التي تنسب الى هذه الجماعات.. فاذا استطاع هذا الكتاب، أن يوضح من الدين نفسه، بأن ما يجري الان ليس جهادا. و ان الجهاد نفسه حتى حين كان يمارس بكل شروطه، و مقوماته، على أحسن صورة، بواسطة الاصحاب رضوان الله عليهم، لم يكن مراد الدين بالأصالة. و انما هو تشريع فرعي، مرحلي، اقتضته الظروف، في ذلك الوقت. و ان الاصل في الاسلام هو حرية الاعتقاد، و الدعوة بالتي هي أحسن. و أن قامة وقتنا الحاضر تقتضي بعث الاسلام على مستوى الاصول، و هذا يعني فيما يعني ان تكون الدعوة بالحسنى، و أن يسقط الجهاد، فقد أدى هذا الكتاب، الغرض الذي من أجله كتب. و بذلك تكون هنالك قضية جديدة، مطروحة الآن امام الجماعات الاسلامية، لتراجع مواقفها، و فق اعادة النظر في مفهوم الجهاد، قبل ان تسارع بمحاولة الاستيلاء على السلطة، و فرض فهمها القاصر على الآخرين..

التطرف عرض:
ان ظاهرة التطرف الديني، على بشاعتها، ليست المرض و انما هي عرض، يدل على المرض، الذي اصابنا منذ زمن بعيد.. و لكنه بهذه الظاهرة الشاذة، انما يبلغ آخر مستوياته، و التي ليس بعدها، الا الفناء أو الشفاء.. اما المرض فهو جهلنا لحقائق ديننا. فقد نظر شبابنا المحب للدين، الى مجتمعاتنا، فوجدها متخلفة، مليئة بصور البؤس، و الحرمان و الفساد.. و رأى الشعوب العربية و الاسلامية في جميع انحاء العالم، في ذيل القافلة البشرية، مهانة، و مغتصبة، مستسلمة.. فقام في خلده، و بحق، أن سبب مأساتنا، انما هو غياب الدين. و رغم توفر حسن النيه، عند كثير من الشباب، فانهم عجزوا عن فهم حقيقة الدين الذي نتج عن غيابه، هذا الوضع المزري، الذي تعيشه امتنا اليوم.
و ظن سائرهم، كما يظن عامة المسلمين، ان المقصود من الدين، هو تطبيق القوانين الاسلامية، و جعل مظهر الحياة اسلاميا حتى لو فرض ذلك بالقوة و العنف. و هذا فهم خاطيء لجوهر الدي، كما هو أيضا فهم خاطيء، لطبيعة العصر الذي نعيش فيه..ان جوهر الدين، يقوم عل المحبة، و الخير، و السلام و التسامح، و الرحمة بكل الناس.. كما أن طبيعة العصر، تقوم على العلم، و الحجة، و المنطق، حيث لا يستطيع أحد بلغ ما بلغ من القوة و البطش، أن يحمل الاخرين على رأيه الا بالاقناع.. و مع أن للقضية المطروحة بالحاح، طرفان هما: المجتمع الحاضر و تعاليم الدين، التي يراد لها أن تطبق عليه، الا ان الجماعات الاسلامية افترضت سلفا، أن امر الدين و اضح، و مفهوم و لا يحتاج الى نظر.. و الامر الذي يحتاج ان نقف عنده، و لا نتردد في اخضاعه للانسجام مع الدين، انما هو المجتمع ..وليس هنالك فهم أسوأ و لا أبعد من الصواب، من هذا الفهم، ذلك ان الانسان هو الغاية و ما تعاليم الدين، الا وسيلته ليترقى، و يكمل .. ان قصور الفهم، هو أصل الداء، الذي نعاني منه، و ما حركات التطرف،و الارهاب الديني الا العرض الذي يجب ان ينبهنا الى المشكلة، لا أن يصرفنا عنها، بالتركيز على مواجهته هو، بدلا عن البحث عن الفهم الصحيح للإسلام.. لقد اصبح الاسلام، اليوم، شعائر ميتة، لا روح فيها، و لا حياة.. و مظاهر تحكي الدين، بلا دين. لقد مات الاسلام فينا، و لم يعد له وجود، الا في المصحف. و لا بعد من بعثه من جديد، قويا حارا، خلاقا في صدور الرجال و النساء.. و انما ببعث الاسلام على مستوى الفهم الصحيح، تسقط الدعاوي ، التي تتمسح اليوم بالاسلام، و يظهر مدى بعدها، عن جوهره، و تخلفها عن الواقع.. عندها يدرك شبابنا، الذي يساق الآن معصوب العينين، ليرتكب باسم الاسلام، الجرائم التي لا تليق الا بعتاة المجرمين، كيف انه كان أول ضحايا هذا التضليل المنظم.

الخوف من التفاصيل:
على الرغم من الجماعات الاسلامية، لا تبالي ان تقتل في سبيل فرض ما تزعم انه الاسلام، الا انها لا تملك تفاصيل برنامج الحكم، وفق فهمها للاسلام، لو قدر لها الوصول الى السلطة !!و لعل هذا الامر هو أقوى ما وجه الى الجماعات الاسلامية من نقد. فهم يتحدثون عن الدولة الدينية، و أحكام الشريعة الاسلامية، دون أن يحددوا كيفية تطبيق التفاصيل، في واقع الحياة اليوم. بل ان من قادة الجماعات الاسلامية البارزين، من نصحهم بعدم الاستجابة الى من يسألهم عن تفاصيل برنامجهم، بقصد احراجهم، لأن هذه التفاصيل، لا داعي لها الآن، و هي ستعرف بعد وصولهم الى السلطة، و المطلوب الآن التركيز على كيفية الوصول الى السلطة!! ( راجع معالم في الطريق لسيد قطب). و تهرُّب الجماعات الاسلامية عن الخوض في تفاصيل النظام الاسلامي، ليس امرا عفويا، و انما هو أمر مقصود. فهم يخشون اثارة هذه المسائل، حتى لا ينشب بينهم الخلاف، فيمزق آصرتهم قبل أن يصلوا الى السلطة.. فاذا وصلوا الى السلطة فهم عندئذ، يملكون من القوة و البطش، ما يخضع خصومهم. ذلك ان المعارضين للدولة الاسلامية، سيعتبرون من الساعين في الارض بالفساد، و المعتدين على حدود الله، و يكون جزاءهم القتل أو القطع من خلاف.
ان السبب في ظهور الخلاف بين اعضاء الجماعات الاسالمية، لو طرحوا برنامجا مفصلا للحكم، ، هو ان أمر تطبيق الاسلام على الواقع المعاصر يحتاج الى اجتهاد و الاجتهاد انما يؤدي بالضرورة الى الاختلاف، اذا لم تكن هنالك قاعدة فكرية، و اضحة، ينطلق منها افراد الجماعة المجتهدة.. و هذا هو ما تفتقر اليه الجماعات الاسلامية بمختلف فرقها و تنظيماتها.

فاقد الشيء لا يعطيه:


Post: #2
Title: Re: الجهاد ..؟ ام حرية الاعتقاد.. عمر القرّاي
Author: Amjad ibrahim
Date: 01-28-2004, 03:45 AM
Parent: #1


الخوف من التفاصيل:
على الرغم من الجماعات الاسلامية، لا تبالي ان تقتل في سبيل فرض ما تزعم انه الاسلام، الا انها لا تملك تفاصيل برنامج الحكم، وفق فهمها للاسلام، لو قدر لها الوصول الى السلطة !!و لعل هذا الامر هو أقوى ما وجه الى الجماعات الاسلامية من نقد. فهم يتحدثون عن الدولة الدينية، و أحكام الشريعة الاسلامية، دون أن يحددوا كيفية تطبيق التفاصيل، في واقع الحياة اليوم. بل ان من قادة الجماعات الاسلامية البارزين، من نصحهم بعدم الاستجابة الى من يسألهم عن تفاصيل برنامجهم، بقصد احراجهم، لأن هذه التفاصيل، لا داعي لها الآن، و هي ستعرف بعد وصولهم الى السلطة، و المطلوب الآن التركيز على كيفية الوصول الى السلطة!! ( راجع معالم في الطريق لسيد قطب). و تهرُّب الجماعات الاسلامية عن الخوض في تفاصيل النظام الاسلامي، ليس امرا عفويا، و انما هو أمر مقصود. فهم يخشون اثارة هذه المسائل، حتى لا ينشب بينهم الخلاف، فيمزق آصرتهم قبل أن يصلوا الى السلطة.. فاذا وصلوا الى السلطة فهم عندئذ، يملكون من القوة و البطش، ما يخضع خصومهم. ذلك ان المعارضين للدولة الاسلامية، سيعتبرون من الساعين في الارض بالفساد، و المعتدين على حدود الله، و يكون جزاءهم القتل أو القطع من خلاف.
ان السبب في ظهور الخلاف بين اعضاء الجماعات الاسلامية، لو طرحوا برنامجا مفصلا للحكم، ، هو ان أمر تطبيق الاسلام على الواقع المعاصر يحتاج الى اجتهاد و الاجتهاد انما يؤدي بالضرورة الى الاختلاف، اذا لم تكن هنالك قاعدة فكرية، و اضحة، ينطلق منها افراد الجماعة المجتهدة.. و هذا هو ما تفتقر اليه الجماعات الاسلامية بمختلف فرقها و تنظيماتها.

فاقد الشيء لا يعطيه:
و لقد حاولنا، في جميع انحاء وطننا العربي، خاصة البلاد التي تفاقمت فيها المشكلة، ان نرد هؤلاء الشباب عن التطرف و الارهاب، بالمواعظ و الخطب. و لكننا نحن الوعاظ، كنا نتفق معهم، في جوهر فهمهم للدين، و لا نكاد نختلف معلهم، الا في بعض التفاصيل مما جعل خلافنا معهم ثانويا، و حوارنا معهم دون طائل، بل انهم في كثير من الاحيان، كانوا يكسبون مثل هذه الجولات، خاصة في نظر البسطاء، من أبناء شعبنا..
فما دمنا نتفق معهم في ان الجهاد( بمعنى القتال) ماض الى يوم القيامة، و ان الحاكم المسلم، اذا لم يطبق احكام الشريعة الاسلامية يكون هو المقصود بالآية الكريمة { و من لم يحكم بما أنزل الله فاولئك هم الكافرون}، المائدة الآية "44"، و ان من يراى منكرا فليغيره بيده، و ان المواطن المسيحي يجب ان يدفع الجزية، عن يد، و هو صاغر، فلماذا نفاجأ حين يحاولون قتل الحاكم بحجة انه كافر؟ و حين يحاولون بالاغتيالات و التفجيرات و الفوضى زعزعة السلطة، و على اساس انها حكم الطاغوت؟ لماذا نلومهم على سلب أموال المسيحيين بدلا عن الجزية؟ لماذا نعترض على تفجيرهم للمركبات العامة بغرض قتل السياح، و ارهابهم ليزيلوا بأيديهم المنكر الذي رأوه في زي النساء؟؟
لقد كشفت ظاهرة التطرف الديني، امرا مؤسفا، لا يقل عنها سوءا و هو ان المؤسسات الدينية الرسمية، في كافة البلاد العربية و الاسلامية، لا تملك فهما للاسلام، غير الفهم الذي تطرحه الجماعات الاسلامية.. بل أن من زعماء هؤلاء الشباب، من هم في الاساس من بين الاشياخ، الذين تتلمذوا في فهمهم للدين على هذه المؤسسات و قد ارتكب الشباب، ما ارتكبوا من الجرائم، و هم واقعون تحت تأثير خطبهم، و مواعظهم..

و العلمانية أيضا:
و على نحو من عجز المؤسسات الدينية و الرسمية، عن مواجهة التطرف الديني، يجيء عجز الفكر العلماني.. ذلك انه مهما يقال عن حجة العلمانيين، و مقدرتهم الفائقة في فضح ممارسات الجماعات الاسلامية، فأنهم في آخر المطاف، لن يستطيعوا اقناع المواطن البسيط، المحب للدين، بفصل الدين عن الدولة.. و ذلك لأن النبي الكريم عليه الصلاة و السلام، قد كان و هو نموذج الدين الامثل، الامام، و المربي، و الحاكم و قائد الجيوش، و القاضي و هو بذلك كان يجمع بين السلطة الزمنية، و السلطة الدينية في آن معا.
لقد ظهرت الافكار العلمانية، في البلاد العربية، في منتصف هذا القرن، كأثر من آثار الحضارة الغربية، التي خلفها الاستعمار، بعد ان جلا عن هذه البلاد.. و كنتيجة مباشرة ، لفشل النموذج الاسلامي التقليدي، الذي انهار بسقوط الخلافة العثمانية، التي كانت مسيطرة على المنطقة.. و هذه التيارات، انما بدأت تبرز الان، كنتاج طبيعي، و رد فعل مباشر، للتطرف الديني، ذلك ان الاذكياء، من ابناء شعوبنا، المحبين لأوطانهم، المخلصين لها، و هم يرون كل هذه الدماء تسفك باسم الدين و يشعرون بما وراء كل ذلك من اغراض سياسية، لدي قادة هذه الجماعات، لم يكن لديهم خيار ، الا المطالبة بابعاد الدين، عن الدولة، ليصبح مسألة شخصية. فلا يعتدي مواطن على الآخر، بسبب اعتقاده. و لا تتسلق جماعة سياسية السلطة، دون برنامج مقنع، و بمجرد شعارات دينية، لتفرض سيطرتها، و تمنع غيرها بحجة مخالفتهم للدين.. و هم يرون ان بالفكر العلماني يمكن ان تتحقق الوحدة الوطنية، و يتساوى جميع ابناء الوطن الواحد، الذين فرقت بينهم الجماعات الاسلامية على اساس ديني.
و هكذا اخطأت الافكار العلمانية ، الحل، حين لم تواجه القضية في جوهرها، و انشغلت بمظهرها السياسي عن مخبرها الديني.. و كذلك حادت عن الطريق حين اتخذت من النظام الغربي، النموذج الامثل الذي تنشده، رغم ما تعاني المجتمعات الغربية من الانحراف، و التحلل، و غياب الامن و الاستقرار. و الحق ان الاتجاه الوطني، او القومي، رغم أهميته، غير كاف لبناء نهضة الامم، و انما يحتاج بناء الحضارة، لفكرة يعتقد فيها الافراد، ويتغير وفقها سلوكهم، و اخلاقهم.. وليس هنالك فكرة قادرة على استيعاب طاقات المجتمع، و حفزه في مراقي التطور، مثل الاسلام، على أن يفهم الاسلام!! و فهم الاسلام لا يمكن ان يعزل عن الواقع، الذي ينبغي ان يطبق فيه و فهم الواقع الماثل يؤكد اختلاف وقتنا الحاضر عن الواقع الماضي بما يستحيل معه تطبيق كل الاحكام الاسملمية، كما كانت مطبقة في الماضي، مما يوجب فتح باب الاجتهاد، على مصراعيه، حتى يجيء الفهم القادر على استنباط المعاني الدينية التي يكون بها حل مشاكل المجتمع المعاصر.

الاجتهاد فيما فيه نص:


Post: #3
Title: Re: الجهاد ..؟ ام حرية الاعتقاد.. عمر القرّاي
Author: Amjad ibrahim
Date: 01-29-2004, 03:28 AM
Parent: #1


الاجتهاد فيما فيه نص:
لقد درج الفقهاء، على القول بأنه يجوز الاجتهاد، فيما ليس فيه نص. أما ما ورد فيه نص، فان الواجب فيه الاتباع.. بهذه المقولة، الشهيرة، قفل باب الاجتهاد الحقيقي، و فتح باب الخوض و البحث في الامور، التي لم تنزل فيها آية و لا حديث.
و هي امور لا أهمية لها، اذ لو كانت مهمة، لأنزل الله فيها نصا صريحا.. و بالتركيز على مثل هذه المسائل، غير الهامة، جاءت المتون و الحواشي، و الاختلافات الفقهية العديدة، في مسائل هامشية، زادت الدين تعقيدا، ثم لم تؤثر على حياة الناس.. ان الاجتهاد، يجب ان يكون، فيما وردت فيه النصوص. باعادة فهم النص، و معرفة الحكمة من ورائه، ذلك لأن المعاني، التي يحتملها النص القرآني، لا تنتهي. و لهذا يجب أن لا نبحث عن شيء خارجه، قال تعالى { و لو أنما في الارض من شجرة أقلام و البحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله ان الله عزيز حكيم} لقمان 27 وزعلوم ان القرآن المعروف يمكن ان يكتب بقلم واحد، و دواة واحدة، فأين هذه الكلمات التي لا تكتبها مياه البحار؟! انها المعاني، التي يمكن ان تحملها هذه الكلمات. و سبيلنا لمعرفتها، انما هو التقوى. قال تعالى: { و اتقوا الله و يعلمكم الله و الله بكل شيء عليم} البقرة 282، و قال النبي عليه الصلاة و السلام (ان هذا القرآن لا تنقضي عجائبه و لا يشبع منه العلماء، و لا يخلق على كثرة الرد). القرآن هو كلام الله. قال تعالى في ذلك {و إن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله} براءة6. و لهذا فاننا حين نقرأ القرآن فان الله يكلمنا و كلامه الينا قد حوى كل شيء. قل جل من قائل { ما فرطنا في الكتاب من شيء} الانعام 38، لكننا لا نفهم عنه، لأن قلوبنا قد غطي عليها ما كسبنا، من الخطايا و الذنوب.. اقرأ ان شئت قوله تعالى: {كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون} المطففين 14، و الفهم عن الله، انما يكون بالقلوب، قبل العقول. قال تعالى في ذلك{ ان في ذلك لذكرى لمن كان له قلب او ألقى السمع و هو شهيد} ق 37.
و قال ايضا { أفلم يسيروا في الارض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الابصار و لكن تعمى القلوب التي في الصدور} الحج 46، و من أجل ان نفهم عن الله يجب ان نرفع هذا الران، الذي غطى على قلوبنا، و هذا هو الاجتهاد الحقيقي، الذي به وحده نعي عن الله ما يكلمنا اليوم في القرآن. و رفع الران، لا يكون الا بالتقوى، و لهذا كانت التقوى هي الوسيلة الوحيدة للعلم. اقرأ مرة أخرى { و اتقوا الله و يعلمكم الله} البقرة 282.

كلمة أخيرة
ان الفكرة التي يقوم عليها هذا الكتاب و التي يحوي متنه تفاصيله، و أسانيدها، تزعم بأن الاسلام كما جاء في القرآن الكريم، قد وقع على مستويين: مستوى يناسب بشرية القرن السابع الميلادي، التي شهدت نزول القرآن.. ومستوى آخر لا يناسبها، و انما يناسب بشرية اليوم.. وهو لذلك لم يطبق في الماضي، و لم يقع الفهم فيه، لان وقته لم يكن قد حان، ولأن البشرية التي تطبقه، لم تكن قد جاءت بعد..
و أود في ختام هذه المقدمة، أن اؤكد لمن عسى ان يحتاجون لتأكيد، بأن الآراء الواردة في هذا الكتاب، و ان كانت في الاساس تعبر عن فهمي لأفكار الاستاذ محمود محمد طه، إلا انها انما كتبت هنا، على مسؤليتي الشخصية، و ليس هنالك فرد أو جماعة او تنظيم مسئول عنها.. و اني لعلى أتم الاستعداد لتحمل مسئولية كل ما ورد في هذا الكتاب، كما اني مستعد ايضا لمناقشة هذه الافكار في أي منبر حر..

هذا و على الله قصد السبيل..


Post: #4
Title: Re: الجهاد ..؟ ام حرية الاعتقاد.. عمر القرّاي
Author: Amjad ibrahim
Date: 01-30-2004, 04:21 AM
Parent: #1


الباب الاول

مدخل على القضية

المثاني:
قال تعالى{ الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثانى تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم و قلوبهم الى ذكر الله ذلك هدي الله يهدي به من يشاء و من يضلل الله فما له من هاد} الزمر. القرآن نزل مثاني: أي ذو معنيين.. و لقد فصل المفسرون كثيرا، في أوجه هذه المثاني، و لكن الذي يهمنا ، هنا هو ما لم يتعرضوا له، من معانيها. و ان ابرز، و أهم المثاني، هي الأصول و الفروع.. و الأصول ، هي الآيات الدالة على المعاني السامية، المتعلقة بالتوحيد، و قيم الخير.. و الفروع ، هي المعاني الادنى من هذه، المتنزلة عنها، لتناسب المجتمع. و من امثلة الاصول و الفروع، قوله تعالى{ يا أيها الذين آمنو اتقوا الله حق تقاته و لا تموتن إلا و انتم مسلمون} آل عمران 102، يروى أنه حين نزلت هذه الآية، قال الاصحاب، رضوان الله عليهم و ما حق تقاته يا رسول الله؟ قال: يذكر فلا ينسى و يطاع قلا يعصى!! فقالوا: أينا يستطيع أن يتقي الله، حق تقاته، يارسول الله؟ فنزل قوله تعالى {فأتقوا الله ما استطعتم و اسمعوا و أطيعوا و انفقوا خيراً لانفسكم و من يوق شح نفسه فاولئك هم المفلحون} التغابن 16.
فظل هو عليه الصلاة و السلام على مستوى الاصل {حق تقاته} و نزل لهم التشريع الى الفرع حيث {اتقوا الله ما استطعتم} .. و من أوجه المثاني ايضا، المعنى القريب و المعني البعيد.. و السر في أن للقرآن معنى قريب، و له معنى بعيد. أنه حديث من الرب، في عليائه، الى العبد، في أرضه. و المعنى الذي يطالع العبد لأول وهلة، و ليس هو كل ما يقصد الرب. فالمسافة. بيننا و بين الله ، مليئة بالمعاني، التي تبدأ من بداية، وتسير الى ما لا نهاية .. تسير الى الاطلاق..
اذ ليس بيننا و بين الله مسافة نقطعها، وا نما معاني نفهمها و كل معنى ندركه، يترأى خلفه معنى أدق، و هكذا حتى ينتهي العلم عند علام الغيوب..و لقد سميت المعاني الظاهرة، بعلم الظاهر، و المعاني الباطنة، بعلم الباطن ..و للقرآن ظاهر. و باطن، لأنه كلام الله، و قد وصف نفسه بأنه هو الظاهر و الباطن. و علم الظاهر علم كسبي، يمكن تعلمه بمعرفة اللغة، وقراءة التفاسير و الأخذ من العلماء و الاستذكار و الحفظ ..أما علم الباطن فأنه وهبي، لا يمكن الحصول عليه، الا من عند الله و هو ما سمي بالعلم اللدني، أخذا من قوله تعالى عن الخضر عليه السلام {فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا و علمناه من لدنا علما} الكهف 65. و انما عنى الله تبارك و تعالى هذا العلم حين قال يذكر حبيبه المصطفى عليه الصلاة و السلام {و لا تعجل بالقرآن من قبل ان يقضي اليك وحيه و قل ربي زدني علما} طه114 و هذا الادب نفسه هو الذي أدبه الله لكليمه موسى عليه السلام على لسان الخضر، حين قال {انك لن تستطيع معي صبرا} الكهف 67. و هو أدب مطلوب من كل ان انسان ن يصبر على ما لا يعلم، حتى اذا فاته العلم، لا تفوته فضيلة الصبر. و هذه احدى عبر قصة موسى و الخضر التي رواها لنا الله في القرآن. فقد كان موسى يمثل علم الظاهر و الخضر يمثل علم الباطن.. و انما يجيء عدم صبر صاحب علم الظاهر من ظنه انه ليس هنالك علم بخلاف علمه الذي يعلمه. و القرآن في حقيقته، اكبر من اللغة العربية و لكنه انما جعل عربيا، لعلة ان نفهم، و القرآن كلام الله، و كلامه تبارك و تعالى صفة قديمة قائمة بذاته و هو في التناهي ذاته.. قال تعالى في ذلك { حم×و الكتاب المبين× انا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون× و انه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم} الزخرف 1-4، اقرأ مرة أخرى قول الله تعالى عن القرآن {و انه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم} .. و مع ان القرآن كله حسن، الا ان بعضه، أحسن من بعض. و لذلك جاء في الحديث ( ان لك شيء قلب و قلب القرآن يس)..و لقد دعانا الله الى الاصول حين دعانا لاتباع الأحسن، فقال جل من قائل {و اتبعوا أحسن ما انزل اليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة و انتم لا تشعرون} الزمر 55.

الاصول و الفروع:
و لقد وقع التفصيل، في الماضي على فروع القرآن، و اعتمد عليها التطبيق، و قامت عليها دولة الاسلام في المدينة في القرن السابع الميلادي، و لقد كانت آيات الفروع مناسبة تماما لذلك المجتمع، و حكيمة كل الحكمة في تدريجه و تطويره.
أما أصول القرآن فانها لم تفصل و لم تطبق في الماضي، و انما ادخرت لوقتنا الحاضر، لانها كانت أكبر من المستوى البشري في القرن السابع الميلادي، و هي حتى تحفظ في القرآن دون تطبيق نسخت بآيات الفروع، التي قام عليها التشريع في ذلك الوقت. و لما كان معظم قرآن الاصول قد حوته الآيات المكية، و معظم قرآن الفروع قد حوته الآيات المدنية، فانه يصح القول بأن القرآن المكي في جملته يمثل اصول القرآن، بينما يمثل القرآن المدني في جملته فروعه.
و من ابرز علامات القرآن المكي، ان الخطاب وقع فيه بلفظ " يا أيها الناس" أو "يا بني آدم" ما عدا سورة البقرة و النساء.. في حين يقع الخطاب بلفظ "يا أيها الذين آمنوا" في عموم القرآن المدني، ما عدا سورة الحج.. و السبب في ذلك ان اصول القرآن قد طرحت للبشرية جمعاء. بينما قدمت فروعه لأمة معينة، هي أمة المؤمنين، في القرن السابع الميلادي.
و لقد أتى قرآن الاصول " القرآن المكي بأرفع القيم الانسانية..فاحتوى على الحرية و الدعوة بالتي هي احسن و الصبر على جهل الجهلاء، و المساواة بين الناس، على اختلافهم، و المساواة بينهم في السلطة و المال و المساواة بين الرجال و النساء في قوانين المجتمع.. بينما جاء قرآن الفروع " القرآن المدني" بقيم و تشاريع أدنى من هذه حين فرض الجهاد بالسيف، و أقر نظام الرق، و شرع عدم المساواة في المال، و وضع السلطة في يد فرد واحد، هو خليفة المسلمين، و جعله وصيا على الامة و حاكما مطلقا لها، و فضل الرجال على النساء في كثير من الاحكام. يتضح من ذلك أن الاختلاف بين القرآن المكي و المدني ليس اختلاف زمان أو مكان النزول، و انما هو اختلاف مستوى المخاطبين من حيث الرشد الذي يناسب المسئولية و القصور الذي يستوجب الوصاية.. و التداخل بين القرآن المكي و المدني (ووجود آيات اصول مدنية، و آيات فروع مكية) سببه تدرج تطور المجتمع.
فلقد هاجر المؤمنون الأوائل الى المدينة، و نزل عليهم القرآن في أول عهدهم بها، يخاطبهم بما كان عليه حالهم في مكة فجاءت بعض السور المدنية الاولى، في مستوى الاصول.. و في فتح مكة و ما بعدها نزلت آيات تعتبر مكية، و ان كانت في مستوى الفروع.. و لكن على العموم .. نجد ان القرآن المكي، قرآن مسئولية و حرية. و هو يعتبر أرفع من القرآن المدني الذي هو على العموم قرآن وصاية.

حكمة النسخ:


Post: #5
Title: Re: الجهاد ..؟ ام حرية الاعتقاد.. عمر القرّاي
Author: Yaho_Zato
Date: 01-30-2004, 05:48 AM
Parent: #4

الأخ أمجد .. لك التحية

و لك الشكر على هذا المجهود .. فقد قرأت كتيب الأستاذ الدكتور القراي هذا قبل اليوم في جلسة واحدة .. إذ أنني لم أستطع أن أضعه جانبا حتى فرغت منه.. و لكنه للأسف ليس بحوزتي الآن .. و إلا لكنت ساعدتك في عملية الطباعة هذه

كما أن كتابه الأكبر حجما و تناولا (الفكر الإسلامي و قضية المرأة) كان من الكتب التي قرأتها في بداية مشوار تعرفي على الفكرة الجمهورية .. و قد أعجبت به أيما إعجاب ... خصوصا و أنه يمثل ملخصا تاريخيا جميلا لقضية المرأة في الفكر الإسلامي .. و فيه عقد مقارنات جريئة بين طرح الفكرة الجمهورية و طرح غيرها من كافة المدارس الفكرية الإسلامية الحديثة و القديمة

و بعد .. كانت هذه مساهمة خجولة مني لدعم هذا المجهود.. و هو ما استطعت عليه الآن

و لك كل التقدير و التشجيع

Post: #6
Title: Re: الجهاد ..؟ ام حرية الاعتقاد.. عمر القرّاي
Author: Amjad ibrahim
Date: 01-30-2004, 07:32 AM
Parent: #1


حكمة النسخ:
و مع ان القرآن المكي هو الارفع، و هو الاصل، الا ان القرآن المدني، قد نسخه، وظل الامر على ذلك الى يوم الناس هذا!! و السؤال هنا هو: هل يجوز ان يكون ما هو ارفع في ديننا منسوخ بما هو، دونه ثم يظل هذا النسخ الى الأبد؟! و ما الحكمة في انزال آيات الاصول، اذا كانت ستظل منسوخة و لن تطبق مطلقأ؟! اين الجواب الوحيد لهذه الاسئلة هو ان النسخ ليس الغاء، و انما هو ارجاء .. فالآيات المنسوخة هي الاصل، و هي انما ارجئت الى ان يجيء وقتها، و تجيء المجموعة البشرية القادرة على تطبيقها.. و الحكمة في انزال الاصول في البداية هي اقامة الحجة على الناس بتقديم ارفع المستويات اليهم، حتى اذا ظهر عجزهم عن المستوى الرفيع، سحب منهم، و استبدل بالمستوى الذي يناسبهم.. قال تعالى{رسلا مبشرين و منذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل و كان الله عزيزا حكيما} النساء165. فالآيات الناسخة رغم انها ادنى مستوى من المنسوخة، الا انها حكيمة كل الحكمة، و مناسبة تماما لوقتها، و هي بذلك خير لهم من الايات الرفيعة التي لا يطيقونها، و لهذا وقع النسخ، قال تعالى:{ ما ننسخ من آية أو ننسئها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم ان الله على كل شيء قدير} البقرة 106. يقول الاستاذ محمود: ( فكأن الآيات التي نسخت،انما نسخت لحكم الوقت، فهي مرجأة الى ان يحين حينها، فاذا حان حينها فقد اصبحت هي صاحبة الوقت، ويكون لها الحكم، و تصبح بذلك هي الاية المحكمة، و تعتبر الآية التي كانت محكمة في القرن السابع منسوخة الآن .. و هذا هو معنى حكم الوقت.. للقرن السابع آيات الفروع، و للقرن العشرين آيات الأصول.. و هذه هي الحكمة من وراء النسخ. فليس النسخ، اذن، الغاء تاما، و انما هو ارجاء يتحين الحين و يتوقت الوقت) الرسالة الثانية الطبعة السادسة ً 9-10.

تطوير الشريعة:
و الانتقال من آيات الفروع الى آيات الاصول هو ما اسماه الاستاذ محمود محمد طه، تطوير الشريعة الاسلامية. ان السبب في اختلاف شرائع الامم هو اختلاف مستوى المجتمعات، فعلى الرغم من أن الدين واحد هو الاسلام، فان شرائع الامم اختلفت لاختلاف مستوياته، ويكفي في الدلالة على ذلك ان نذكر باختلاف شريعة الزواج بين آدم عيله السلام و محمد عليه الصلاة و السلام.. فقد كان تزويج الاخ من اخته شريعة اسلامية لدي، آدم و عندما جاء محمد صلى الله عليه و سلم، اصبح الحلال في هذه الشريعة، حراما، و شمل التحريم ما هو أبعد من الاخت، كالخالة و العمة و الأخت من الرضاعة الى غير ذلك.. يقول الاستاذ محمود، عن هذا الموضوع (فاذا الاختلاف الشاسع بين الشريعتين سببه اختلاف مستويات الامم، و هو من غير ادنى ريب كذلك، فان من الخطاء الشنيع ان يظن انسان ان الشريعة الاسلامية في القرن السابع تصلح بكل تفاصيلها، للتطبيق في القرن العشرين ذلك بأن اختلاف مستوى مجتمع القرن السابع عن مستوى مجتمع القرن العشرين، أمر لا يقبل المقارنة و لا يحتاج العارف ان يفصل فيه تفصيلا، و انما هو يتحدث عن نفسه فيصبح الامر عندنا امام احدى خصلتين: اما ان يكون الاسلام كما جاء به المعصوم بين دفتي المصحف قادرا على استيعاب طاقات مجتمع القرن العشرين فيتولى توجيهه في مضمار التشريع و في مضمار الاخلاق، و أما ان تكون قدرته قد نفدت و توقفت عند حد تنظيم مجتمع القرن السابع و المجتمعات التي تلته مما هي مثله، فيكون على بشرية القرن العشرين ان تخرج عنه و ان تلتمس حل مشاكلها في فلسفات اخريات، و هذا ما لا يقول به مسلم.. و مع ذلك فان المسلمين غير واعين لضرورة تطوير الشريعة، و هم يظنون ان مشاكل القرن العشرين يمكن ان يستوعبها و ينهض بحلها، نفس التشريع الذي استوعب و نهض بحل مشاكل القرن السابع، و ذلك جهل مفضوح..) الرسالة الثانية، الطبعة السادسة ص 8.
و بطبيعة الحال فان هذا الكتاب لن يتناول امر التطوير في جميع صوره، و انما يتناول الجانب الذي يخص امر الدعوة و مفهوم الجهاد. و هوسيتوجه لايضاح ان الجهاد بالسيف ليس اصلا في الاسلام و انما جاء في مستوى الفروع، و لقد نسخ الجهاد المستوى الارفع، وهو مستوى حرية الاعتقاد و الدعوة بالتي هي احسن..و اليوم، فان الدعوة الى بعث الاصول، تقتضي بعث هذا المستوى المنسوخ، ليصبح كل انسان حر، في أن يعتقد ما شاء، و يكون طريق المسلم لنشر دينه، هو الدعوة اليه بالتي هي أحسن، لا بالغزوات و الفتوحات، و بالمجادلة للمخالفين في الرأي، لا بمحاربتهم و قتالهم.


Post: #7
Title: Re: الجهاد ..؟ ام حرية الاعتقاد.. عمر القرّاي
Author: Amjad ibrahim
Date: 01-30-2004, 07:42 AM
Parent: #1


سلام جميعا
الاخ ياهو ذاتو شكرا جزيلا على الطلة، و كنا فرشنا الدنيا ورود لو كلمتنا يوم بالجية... لول
اتابع بتشوق سجالاتك السلسة مع الاخ عادل عبد العاطي التي تعطي درسا و تمرينا حقيقا على كيفية الحوار الراقي و اتعلم منك و من امثالك الكثير.
شكرا لك على العرض بالعون، و قد سبقك الى ذلك الاخ عيسى يوسف عطا المنان، الصديق المثابر و الجندي المجهول في كل عمل مفيد، و الاخ عيسى و اخوه الاخ و الصديق الصاوي يوسف اصحاب أيادي طولى في المساهمة في انزال كتابات الاخ احمد الملك على الورق لا عدمناهما.. و قد فعل و ارسل لي الربع الثالث من الكتيب مطبوعا و سيواصل الربع الاخير، و قد انجزت انا حاليا اكثر من الربع الاول بقليل، و بقى باقي ربع...
دي بقت غلوتية عديل

على اية حال اتمنى ان تنتهي الكتابة بنهاية الاسبوع القادم و عندها سانظم الكتيب في فايل وورد حتى يسهل تداوله و اذا رغبت يمكنني حينذاك ان ارسله لك بسهولة
لك التحية مرة اخرى و قد عملت اليوم حلقتين نسبة للويكند الجاي علينا
سلامات


Post: #8
Title: Re: الجهاد ..؟ ام حرية الاعتقاد.. عمر القرّاي
Author: Yaho_Zato
Date: 01-31-2004, 01:41 AM
Parent: #7

لك جزيل الشكر أخي أمجد

للرفع

Post: #9
Title: Re: الجهاد ..؟ ام حرية الاعتقاد.. عمر القرّاي
Author: Haydar Badawi Sadig
Date: 01-31-2004, 03:11 AM
Parent: #8

أخي الكريم د.أمجد،
أشكرك جزيل الشكر على هذا المجهود الرائع. ما زلت أبذل جهداً في محاولة اقناع أخي وصديقي الدكتور عمر القراي للانضمام للمنبر. وقد جددت له قبل أيام قناعتي بأن المنبر الحر سيتقوى بعضويته.

وقد وعدني مشكوراً بالنظر في هذا الأمر. ويمثل هذا تطوراً في موقفه، إذ كان لديه تحفظ كبير، بسبب أن عددا كبيراً من أعضاء المنبر يستخدمون أسماء مستعارة. في تقديره فإن هذا هو سبب اللأمسؤولية التي تبدو في نقاش البعض في كثير من الأحيان. وقد أوضحت له بأن هذا الوضع قد بدأ يتغير الآن، إذ أن معظم المنتمين الجدد ينتمون بأسمائهم الحقيقية. كما أن الكثيرين من القدامي غيروا الأسماء المستعارة إلى أسماءهم الحقيقية.

لا شك أن مستوى الحوار تطور تطوراً كبيراً، بالمقارنة لما كان عليه الحال من قبل. ولا شك أنه سستطور اكثر بانضمام الأخ عمر القراي. وإن من ههنا أحيه عبرك، راجياً منه أن يبهجنا بقبوله لحجتنا، بعد طول كلال في تكرار طرحها له.

أرجو أن ينضم إلينا، حتى يتمكن من إدارة حوارات حية حول مساهماته الغزيرة، الثرة، التي بدات تجد رواجاً واضحاً، في ساحات الرأي الحر.

Post: #10
Title: Re: الجهاد ..؟ ام حرية الاعتقاد.. عمر القرّاي
Author: Amjad ibrahim
Date: 02-01-2004, 11:33 PM
Parent: #1


الباب الثاني

الجهاد ي مستوى الفروع

كلمة الجهاد لغة تعني بذل الجهد لإنجاز عمل ما، و اصطلاحا، الجهاد هو حمل السلاح، بنية القتال، من أجل إعلاء لكلمة الله، و الخروج عن المال و الديار، بغرض إزالة مظاهر الكفر و الشرك، وهو يشمل " القتال و المرابطة و إعداد الجيوش و تمويلها، كما يشمل خدمة المحاربين و علاج الجرحى في ميدان المعركة.

التدرج في فرض القتال
و الأمر بالجهاد لم يبدأ مع ظهور الإسلام و بداية الدعوة و إنما تأخر نحو ثلاثة عشر عاما، اتخذت فيها الدعوة سبيل الحسنى،و الصبر على أذى الكافرين، و السعي لتوصيل قيم الإسلام السمحة إليهم، رغم كفرهم و جاهليتهم و غلظتهم..و لم يتأذن الله بقتال الكافرين، إلا بعد أن بلغ بهم الكفر، أن يتآمروا عل حياة نبيهم المصطفى، الذي عرفوا صدقه و أمانته، إذا أدلوا بهذه الفعلة الشنعاء إنهم دون المستوى الذي، قدم لهم، و هم لا يستحقون المعاملة الإنسانية الكريمة. ولم يكن هنالك بد من إنزالهم حيث يستحقون، بعدما عجزوا عن الوفاء بما ندبهم الله تبارك و تعالى إليه، جزاء و فاقا.. و كذلك أمر النبي صلى الله عليه و سلم بالهجرة استعدادا للمواجهة ثم أذن له في القتال بعد تدرج وئيد، كان من وجوه الحكمة فيه إنضاج الرعيل الأول من الأصحاب..
فهم بعد أن جاهدوا أنفسهم بالصبر و الإحسان في مقابلة الأذى و تحمل الظلم و القهر، و أتقنوا العبادة و اللجوء إلى الله، امتحنوا بالهجرة عن أرضهم، و ترك كل ما يملكون ورائهم فرارا إلى الله، بتفريغ البال مما سواه. و بعد أن نجحوا في الاستفادة من هذه التربية العظيمة في التوكل على الله، و الصبر و التواضع، أصبحوا مأذونين في ترشيد غيرهم و حملهم على مصلحتهم بالقوة، و لهذا أعطوا حق الوصاية على الكافرين و فرض عليهم جهادهم.
و لعل أول ما و رد به الخطاب الإلهي في أمر الجهاد هو عدم موالاة الكافرين ، من قوله تعالى{يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي و عدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة و قد كفروا بما جاءكم من الحق} الممتحنة 1.. و لم يقصد المشرع بهذه المعاملة، كل الذين كفروا، و إنما عنى بالتحديد، الذين قاموا بإخراج المؤمنين من ديارهم و اضطروهم للهجرة ..و لذلك يقول من نفس السورة { لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين و لم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم و تقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين× إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين و أخرجوكم من دياركم و ظاهروا على إخراجكم أن تولوهم و من يتولهم فأولئك هم الظالمون} الممتحنة 8-9 .. و يجدر بالملاحظة إن هذه الآيات لم تأمر بقتال الكافرين رغم إخراجهم للمؤمنين و ذلك لأن الإذن بالقتال لم يجيء إلا بعد ذلك في قوله تعالى{ أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا و أن الله على نصرهم لقدير× الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله و لو لا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع و بيع و صلوات يذكر فيها اسم الله كثيرا و لينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز} سورة الحج 39-40.

آية السيف
و لقد استمر التمهيد لقتال المشركين، حتى نزلت الآية المشهورة عند المفسرين بآية السيف، من سورة براءة و هي قوله تعالى:{ فإذا انسلخت الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم و خذوهم و احصروهم و اقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا و أقاموا الصلاة و آتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم} التوبة 5.
لقد حددت هذه الآية الكريمة، زمان قتال المشركين بمجرد انقضاء الأشهر الحرم، و حددت مكان القتال بأنه حيث وجد المشركون، و حددت إيقاف القتال معهم، بأن يتوبوا و يقيموا هذه الشعائر!! و لقد نسخت هذه الآية، حسب رأي معظم المفسرين، آيات الاسماح و الحسنى و الصبر على الكافرين، و على هذه الآية جاء حديث النبي صلى الله عليه و سلم (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويقيموا الصلاة و يؤتوا الزكاة فإن فعلوا عصموا مني دمائهم و أموالهم إلا بحقها و أمرهم إلى الله) أما في حق أهل الكتاب فقد جاء في سورة التوبة قوله تعالى { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله و ولا باليوم الآخر و لا يحرمون ما حرم الله ورسوله و لا يدينون دين الحق من الذين أتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد و هم صاغرون} التوبة 29 .. و بناء على هذا التوجيه الواضح كانت تتوجه رسائل النبي صلى الله عليه و سلم إلى ملوك الفرس و الروم { أسلموا تسلموا يكن لكم ما لنا و عليكم ما علينا فإن أبيتم فأدوا الجزية و إلا فاستعدوا للقتال} هذه هي خيارات الإسلام في مستوى فروعه لأهل الكتاب: إما الإسلام أو الجزية أو القتال..
أما بالنسبة للمشركين فهما خياران لا ثالث لهما: الإسلام أو القتال. و يجدر بالقول أن الجزية ليست ضريبة دفاع، يدفعها أهل الذمة من يهود و نصارى للمسلمين، لأنهم يقومون بحمايتهم، كما ذكر بعض الدعاة الإسلاميين. و لكنها إقرار بالخضوع لسلطان دولة المسلمين، و إشعار بالمهانة و المذلة، حتى يضطر الذمي إلى الدخول في الإسلام. و لذلك جاء في كتب التفسير في شرح قوله تعالى {وهم صاغرون} أي ذليلون حقيرون مهانون و لذلك لا يجوز إعزاز أهل الذمة و لا رفعهم على المسلمين، بل هم أذلاء صغرة أشقياء كما جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: (لا تبدأوا اليهود و النصارى بالسلام و إذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه) و لهذا اشترط عليهم أ/ير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه تلك الشروط المعروفة في إذلالهم و تصغيرهم و تحقيرهم، ذلك مما رواه الأئمة الحفاظ من رواية عبد الرحم بن غنم الأشعري، قال كتبت لعمر بن الخطاب رشي الله عنه حين صالح نصاري من أهل الشام (( بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتبا لعبد الله عمر بين الخطاب أمير المؤمنين من نصارى كذا و كذا، أننا لما قدمتم علينا سألناكم الأمان لأنفسنا و ذرارينا و أموالنا و أهل ملتنا و شرطنا على أنفسنا ألا نتحدث في مدينتنا و لا فيما حولها ديرا و لا كنيسة و لا قلاية و لا صومعة راهب و لا نجدد ما خرب منها و لا نحي منها ما كان خططا للمسلمين و أن لا نمنع كنائسنا أن ينزلها أحد المسلمين ثلاثة أيام نطعمهم و لا نأوي في كنائسنا جاسوسا و لا نكتم غشا للمسلمين و لا نعلم أولادنا القرآن و لا نظهر شركا .. و لا ندع إليه أحدا و لا نمنع من ذوي قرابتنا الدخول في الإسلام إن أراده و أن نوقر المسلمين و أن نقوم لهم من مجالسنا إن أرادوا الجلوس و لا نتشبه بهم في شيء من ملابسهم، في قلنسوة و لا عمامة و لا فرق شعر و لا نتكلم بكلامهم و لا نتكنى بكناهم و لا نركب السروج و لا نتقلد السيوف و لا نتخذ شيئا من السلاح و لا نحمله معنا و لا ننقش خواتيمنا بالعربية و لا نبيع الخمور و أن نجز مقاديم رؤوسنا و أن نلزم زينا حيث كنا و أن نشد الزنانير على أوساطنا و ألا نظهر الصليب في كنائسنا و أن لا نظهر حلينا و لا كتبنا في شيء من طريق المسلمين و لا أسواقهم و لا نضرب نواقيسنا في كنائسنا إلا ضربا خفيفا و علا نرفع أصواتنا بالقراءة في كنائسنا في شيء من حضرة المسلمين و لا نرسل شعانين و لا بعوثا و لا نرفع أصواتنا مع موتانا و لا نظهر النيران معهم في شيء من طرق المسلمين و لا أسواقهم و لا نجاورهم بموتانا و لا نتخذ من الرقيق ما جرى عليه سهم من سهام المسلمين، و أن نرشد المسلمين و لا نطلع عيهم في منازلهم)) قال فلما أتيت عمر بالكتاب زاد فيه ((و لا نضرب أحدا من المسلمين شرطنا لكم ذلك على أنفسنا و أهل ملتنا، و قبلنا عليه الأمان، فإن نحن خالفنا في شيء مما شرطناه لكم ووظفنا أنفسنا فلا ذمة لنا و قد حل لكم منا ما يحل من أهل المعاندة و الشقاق)) {ص 132 الجزء الثاني من تفسير القرآن العظيم لأبن كثير، طبعة دار الحديث القاهرة} .. هذه المعاهدة لا تحتاج إلى تعليق ولقد أوردتها كاملة كما جاءت في تفسير ابن كثير حتى لا نخدع أنفسنا بأن الإسلام في مستوى فروعه يمكن أن يحقق الكرامة لمواطن مسيحي يفي الدولة الإسلامية.

الجهاد ليس دفاعا عن النفس:

Post: #11
Title: Re: الجهاد ..؟ ام حرية الاعتقاد.. عمر القرّاي
Author: Yasir Elsharif
Date: 02-02-2004, 11:53 AM
Parent: #1

لك الشكر يا أخي أمجد على هذا المجهود الرائع.. لقد حاولت قبل مدة تنزيل هذا الكتاب في منبر الفكرة الحر وقد كتبت لأخي القراي بهذا الخصوص....
أهنئك على هذا الاختيار.. وسأضع وصلة البوست هناك لمزيد من القراء..
http://www.alfikra.org/forum/viewtopic.php?p=3427#3427

Post: #12
Title: Re: الجهاد ..؟ ام حرية الاعتقاد.. عمر القرّاي
Author: Amjad ibrahim
Date: 02-04-2004, 02:05 AM
Parent: #1


الجهاد ليس دفاعا عن النفس:

هنالك خلط شائع بين الجهاد و الدفاع عن النفس، فمع أن المدافع عن نفسه أو عرضه أو أرضه أو ماله في وجه المعتدي يعتبر مجاهدا، إلا أن الجهاد أبعد مدى من ذلك. إذ أن كل دفاع عن النفس جهاد، و ليس كل جهاد دفاع عن النفس. و الدفاع عن النفس حق مشروع لم يجيء به الاسلام، و إنما هو عرف سابق لكل الاديان، و عليه نشأت المجتمعات البدائية القديمة. و هو لذلك أمر طبيعي، و لا يحتاج الاسلام لفرضه على الناس، و أن اعتبره من مكارم الاخلاق، و بدأ به الجهاد كما ذكرنا. أما الجهاد المقصود و الذي جاء به الاسلام، و رفع الله أصحابه الدرجات العلى، فهو القتال من أجل اعلاء كلمة الله في الارض و لذلك خرجت جيوش المسلمين من جزيرة العرب تغزوا بلاد الهند و الصين و الاندلس، لنشر الاسلام مع أن أهل تلك البلاد لم يعتدوا على العرب في أرضهم. و حين انتصر المسلمون فرضوا نظامهم و أقاموا سلطان الدولة الاسلامية، و لم يرجعوا عن تلك البلاد، مما يدل على أنهم لم يجيئوا دفاعا عن النفس أو درءا لظلم وقع بهم. و الحق ان الشعوب الاخرى، التي وقع عليها الغزو، هي التي كانت تدافع عن أوطانها و نظامها، و معتقداتها، في وجه الغزو الاسلامي.
لقد أخطاء كثير من الدعاة الاسلاميين، خطأ فادحا حين ذكروا أن حروب الاسلام قد كانت حروبا دفاعية.. و لعل ما دفعهم لهذا الخطاء، هو محاولتهم للرد على بعض المستشرقين، الذين كتبوا، أن الاسلام انتشر بحد السيف.. و الحق أ، حروب الاسلام مبررة بما يكفي، اذا أخذنا ملابسات الوقت في الاعتبار. فقد نزل الاسلام على مجتمع، كان العرف السائد فيه، هو الحرب و القتال، لاتفه الاسباب. فلم يكن من الممكن تجاوز هذا العرف تماما. لذلك اتجه الاسلام ليوجه غاية الحرب بدلا من الحرب بلا هدف، لتصبح حربا من أجل اعلاء قيم الحق و العدل، و هو مع ذلك لم يحارب ابتداء، و انما حارب بعد أن اضطر الى ذلك، حين عجزت الجماعة عن النهوض بمسئولية الحرية، فلم يكن هنالك بد من مصاردة حريتها و فرض الوصاية عليها.. فالاسلام استعمل السيف و لكن (( كما يستعمل الطبيب المبضع، و ليس كما يستعمل الجزار المدية)) كما قال الاستاذ محمود محمد طه.
و لكن الامر الذي لا بد من تقريره، هو أن الحروب بغرض نشر الدين غير مبررة اليوم. لأن العرف المقبول اليوم، أصبح السلم و ليس الحرب. و لأن البشرية قد تطورت للحد الذي جعلها تتعلق بمباديء الحرية و تستنكر مصادرتها إلا وفق القانون الذي ينظمها.. و لقد قامت مواثيق الامم المتحدة، و مبادئ حقوق الانسان على حق الانسان في الحياة و في الحرية بغض النظر عن دينه أو جنسه أو لونه أو نوعه من ذكر و أنثى.. لقد أصبح من الصعب على العقل المعاصر، أن يقبل فكرة قتل انسان لمجرد انه مخالف لما تعتقد فيه انت.. و هذا هو السبب الذي دفع بعض الدعاة الاسلاميين حين عجزوا عن الرد، على المستشرقين، أن ينكروا حقيقة أن الاسلام فرض نفوذه و سلطانه بقوة السلاح، و غزو الآخرين في ديارهم، لنشر عقيدته..

الجهاد و الرق

لقد وجد الاسلام نظام الرق، سائدا في شبه جزيرة العرب. و لعله كان من أرسخ ، اعراف المجتمع الجاهلي.. فقد كانت القبائل كثيرة الاغارة على بعضها. فإذا أسرت أسرى اعتبروا رقيقا . و حين جاء الاسلام لم يمنع الرق، كما منع الربا، و الميسر، و الخمر و سائر العادات الجاهلية الذميمة .. و السبب في ذلك انه فرض الجهاد، فاضطر الى مجاراة عرف الحرب و عرف الأسر. فالجهاد كما يؤدي الى قتل الاعداء، يؤدي ايضا الى أسرهم، و هؤلاء الاسرى كانو يقسمون على رؤوس المجاهدين، ليصبحوا لهم عبيدا، يسخرونهم في خدمتهم و يجوز لهم بيعهم.. قال تعالى:{فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا اثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد و إما فداءاً حتى تضع الحرب أوزارها..} محمد 4. و المن هو اطلاق السراح بلا مقابل، انتظارا لثواب الله، و الفداء هو شراء العبد لنفسه من سيده بمبلغ متفق عليه من المال. و بطبيعة الحال يمكن ألا يقبل السيد العرض المقدم له، ويظل العبد عبدا.
و هكذا أقر الاسلام، في مستوى فروعه، الرق كنظام اجتماعي، و تعايش المسلمون الأوائل، مع عبيدهم، يبيعونهم، يشترونهم، و يعتقونهم إذا لزمت أحدهم الكفارة.. و مع أنه من حق المسلم، في ذلك المجتمع، من الناحية القانونية، أن يكون له عبد، إلا انه بالرغم من ذلك فقد حث الاسلام على حسن معاملة الرقيق، و شجع على عتقهم، و يسر سبل الفداء لهم، و ما ذاك إلا لأنه في مستوى أصوله، يدعو الى حرية الانسان، من حيث هو انسان. و هو لم يكن ليتنزل الى مستوى اقرار الرق، لولا انه اضطر الى الجهاد، و من ثم، كافة تبعاته. و لقد جاء في الحيدث الشريف عن الرقيق (هم أخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده ليطعمه مما يأكل و ليلبسه مما يلبس و لا تكلفوهم ما لا طاقة لهم به و ان كلفتوهم فأعينوهم)).
و لقد ظلت هذه الوصية الرفيعة، دعوة في مستوى الاخلاق، و لكنها لم تغير شيئا، من الوضع الشرعي {القانوني} للرقيق، و لم تمنع عنهم البيع و الشراء، و كافة ممارسات الاذلال..و الجدير بالذكر، أنه و ان كان العبد يسترق ابتداءاً بسبب كفره، إلا انه لا يعتق بمجرد اشهاره لاسلامه. و لا حتى حين يتغلغل الدين في نفسه، و يصبح مؤمنا. ذلك لأن الرق قد أصبح وضعا اجتماعيا راسخا، لا يتأثر بمدى ايمان الشخص أو كفره، و كثير من الرقيق قد كانوا افضل دينا من أسيادهم، و قد تعاطف الاسلام في مستوى فروعه، مع الرقيق المؤمنين، ( و ان لم يمنع رقهم ولا بيعهم) و حث على عتقهم في حالة حدوث ما يوجب الكفارة، قال تعالي: { و من قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة} النساء 92.
إن الدعوة الى الجهاد، اليوم هي دعوة لاعادة نظام الرق، شعر بذلك دعاتها، أو لم يشعروا.. فالرق لازمة من لوازم الجهاد، و لا يمكن أن ينفصل عنه، و الانسان المعاصر، المرهف، الذكي، ينفر ذوقيا من أن يبيع أخيه الانسان أو يشتريه أو يقيد حريته، و يحد من حركته، كما يفعل بالحيوان،، ان الحيوان نفسه قد وجد في عصرنا الحاضر من تعاطف معه و أنشاء الجمعيات التي تسعى لاشاعة الرفق به و عدم تعريضه للمهانة و الأذى!!

الجهاد و ما ملكت أيمانكم


Post: #13
Title: Re: الجهاد ..؟ ام حرية الاعتقاد.. عمر القرّاي
Author: Amjad ibrahim
Date: 02-05-2004, 03:10 AM
Parent: #1


الجهاد و ما ملكت أيمانكم

و كما ان من نتائج الجهاد، ان يتخذ الأسرى من الرجال عبيدا، فإن من نتائجه أيضا اتخاذ الأسرى من النساء اماء. و لقد أجاز الاسلام في مستوى فروعه، ان يعاشر الرجال ما ملكت أيمانهم، من النساء و يدخلون بهن دون عقد شرعي. فأصبح بذلك للرجل المسلم الحق في معاشرة عدد غير محدود من النساء، بغرض الاستمتاع بهن بغير زواج، قال تعالى: {و الذين هم لفروجهم حافظون× إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين} المؤمنون 5-6. و ربما كان لهؤلاء الاماء الاسيرات في الحرب أزواج من قومهن، و لكن هذا لم يمنع معاشرة المسلمين المقاتلين لهن فقد رخص الله لهم في ذلك، حين استثنى من المحصنات ملك اليمين في قوله تعالى:{ و المحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم} النساء 24، جاء في تفسير ابن كثير( أي حرم عليكم الأجنبيات المحصنات و هن المتزوجات إلا ما ملكت أيمانكم بالسبي فإنه يحل لكم وطؤهن إذا استبرأتموهن، فإن الآية نزلت في ذلك). و قال الامام أحمد حدثنا عبد الرازق أخبرنا سفيان و هو الثوري عن عثمان البتي عن أبي خليل عن أبي سعيد الخدري قال: أصبنا سبيا من سبي أوطاس و لهن أزواج فكرهنا أن نقع عليهن، فسألنا النبي صلى الله عليه و سلم فنزلت هذه الآية فاستخللنا فروجهن. و هكذا رواه الترمذي))تفسير ابن كثير الجزء الأول ص448 طبعة دار الحديث القاهرة.
كذلك يجوز للمسلم أن يبيع جاريته لغيره و أن يشتري غيرها من الجواري، يعاشرهن، ثم يبيعهن مرة أخرى.. و هكذا نشاء سوق للجواري بالقرب من سوق العبيد. و أصبح نظام الاماء مثل نظام الرقيق، نظاما اجتماعيا راسخا، مرتبطا أيضا بالجهاد.. و كما أن أمر الرقيق لا يستطيع مسلم أن يدافع اليوم عنه، فكذلك نظام الاماء. خاصة في عصرنا الحاضر، حيث دخلت المرأة المسئولة العفيفة، كافة ميادين العمل، و أثبتت جدارتها و عهد اليها بأرفع المناصب، و أصبحت مساواتها بأخيها الرجل في الحقوق و الواجبات من المكتسبات الحضارية التي لا يماري فيها إلا الجهلاء.

الجهاد و الردة:
إن الحكم في الاسلام بالردة و العقوبة عليها بالقتل انما هو ظل من ظلال آية السيف. ذلك أنه ما دام بالجهاد قد صودر حق الانسان في اختياره لدين آخر غير الاسلام لأنه يقاتل اذا أعتنق الكفر فإنه من البديهي أن يقتل أو يقاتل اذا هو حاول الخروج عن الاسلام!!
بل إن بعض الفقهاء قد استدل على قتل المرتد بآية السيف نفسها. جاء في الفقه على المذاهب الاربعة (( و اتفق الائمة الاربعة عليهم رحمة الله تعالى على أن من ثبت ارتداده عن الاسلام- و العياذ بالله- وجب قتله و أهدر دمه ..الحنفية قالو: اذا ارتد المسلم عن الاسلام عرض عليه الاسلام فإن كانت به شبهة أبداها.. و عرض الاسلام عليه مستحب غير واجب لأن الدعوة قد بلغته. فإذا طلب الامهال يستحب ان يؤجله القاضي ثلاثة أيام و يحبس ثلاثة أيام فإن اسلم بعدها و إلا قتل لقوله تعالى: { فاقتلوا المشركين} و قوله صلى الله عليه و سلم ((من بدل دينه فاقتلوه)) المرجع الفقه على المذاهب الاربعة الجزء الخامس صفحة 373.
و قتل المرتد، في العهد الأول، لم تكن فيه مشكلة، بالنسبة للمسلمين، و ذلك لأن العرف السائد هو الحروب. و لقد يخشى على الخارج من معسكر الاسلام، الانضمام، الى المعسكر المعادي، و نقل أخبار المسلمين لاعدائهم، مما يجعل قتله، و كأنه عمل تبرره استراتيجية القتال نفسها. و لقد دفعت هذه الملابسات التاريخية، بعض الدعاة الإسلاميين، للدفاع عن عقوبة الردة من هذا المنطلق. اذا اعتبروها عقوبة على الخيانة أو على الخروج من سلطان الدولة حتى تجد التبرير في الأنظمة السياسية السائدة في العالم اليوم، يقول السيد سابق ((إن الخروج عن الاسلام و الارتداد عنه انما هو ثورة عليه- و الثورة ليس لها من جزاء الا الجزاء الذي اتفقت عليه القوانين الوضعية، في من خرج على نظام الدولة و أوضاعها المقررة، أن أي انسان سواء ان كان في الدولة الشيوعية أو الدولة الرأسمالية- اذا خرج عن نظام الدولة فإنه يتهم بالخيانة العظمى لبلاده، و الخيانة العظمى جزاؤها الاعدام. فالإسلام في تقرير عقوبة الاعدام للمرتدين منطقي مع نفسه و متلاق مع غيره من النظم)). المرجع الردة: السيد سابق صفحة 23.
إن خطأ السيد سابق في عبارته آنفة الذكر، انما يجئ من أمرين: أولهما: أن الاسلام لا يقاس بالشيوعية أو الرأسمالية و هذا على الأقل ما كان ينبغي أن يعتقد فيه السيد سابق، و ثانيهما و هو الأهم هنا ان سبب قتل المرتد ليس هو الخيانة، أو معارضة الدولة، و إنما هو نفس سبب قتل المشرك، مجرد الكفر. و هو بهذا المعنى جرم شخصي، و إثم فردي، كغيره من الآثام المتعلقة بسلوك الافراد. و لهذا جاء في الحديث النبوي: ((لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد ايمان، و زنا بعد احصان، و قتل نفس بغير نفس)) لقد اعتبر الاسلام في مستوى فروعه، الناس دون مستوى الرشد، الذي يعطيهم الحق، في اختيار الدين الذي يشاؤون، و البقاء فيه و الخروج من كما شاؤوا، و لذلك فرضت الوصاية باختيار الاسلام لهم، و حملهم عليه، و من هنا فرض الجهاد، و فرضت الردة كعقوبة، أو كمجاهدة للمسلم الذي يرجع الى الكفر، فيصبح في وضع الكافر، الذي وجب قتله بمقتضى شريعة الجهاد. و كما أن الدخول في الاسلام يرفع عن المشرك السيف كما جاء في آخر آية السيف {فان تابوا و أقاموا الصلاة و آتوا الزكاة فخلوا سبيلهم} التوبة 5. فكذلك الرجوع من الردة، و اقامة الشعائر مرة اخرى يدراء عن المرتد القتل، و لهذا فرضت الاستتابة كفرصة يرجع فيها المرتد و إلا قتل.
ان وقتنا الحاضر، وقت العلم، و الحجة، و المنطق، حيث قامت المفاهيم الانسانية على حرية الانسان في اعتناق ما يشاء من المبادئ. و التحول عنه الى غيره، متى ظهر له حسب رؤيته، ما هو أفضل منه. في هذا الوقت و بحسب هذا العرف الانساني- الذي يتفق مع جوهر الاسلام و ان خالف مستوى الفروع منه- لا يوجد أي تبرير لقتل شخص، بسبب اعتقاده، أو محاولة ابقاء شخص داخل دين معين، أو معتقد معين بالتخويف بالقتل، اذاتركه و خرج منه الى معتقد آخر.
و مع ذلك، نرى بكل أسف، كيف أن الجماعات الاسلامية، تلوح بالردة في وجه كل رأي يخالفها، و لو لم يخرج صاحبه عن الدين، و إنما بسبب هذه الفتاوي الجاهلة، التي يتبرع بها فقهاء جهلوا جوهر الدين، و تعلقوا بمظاهره، جنح الشبان المتطرفون الى قتل المفكرين، و الكتاب و المثقفين، الذين لا جريرة لهم إلا ابداء رأيهم المخالف، لرأي الفقهاء الذين يشيعون الجهل باسم الدين في طول وطننا العربي و عرضه.

الجهاد و النفاق


Post: #14
Title: Re: الجهاد ..؟ ام حرية الاعتقاد.. عمر القرّاي
Author: Amjad ibrahim
Date: 02-05-2004, 03:19 AM
Parent: #1


سلام جميعا
الخال العزيز ياسر الشريف
كل عام و انت و الهام والاولاد بخير و العاقبة على امانيكم، و الشكر الجزيل لك على التشجيع، اليوم انتهيت من طباعة الجزء الذي الزمت نفسي بطباعته كهدية مني لروح الاستاذ، تغمده الله بفيض من رحمته، و الشكر ايضا موصول مرة اخرى للاخ عيسى عبد المنّان، الذي سلمني الجزء الثاني كاملا.
السؤال لك و لبقية المتابعين لهذا الموضوع، هو هل استمر بانزال البقية بنفس الطريقة على حلقات مع العلم ان الجزء المكتوب اعلاه يمثل نصف الكتاب بالضبط،ام انزل البقية كلها في يوم واحد. على كل حال انا في انتظار رأي القراء و رهن اشارتهم.

لكم الود جميعا
امجد


Post: #15
Title: Re: الجهاد ..؟ ام حرية الاعتقاد.. عمر القرّاي
Author: Yasir Elsharif
Date: 02-05-2004, 10:27 AM
Parent: #14

عزيزي أمجد
تحية المودة والشوق

أعتقد أن تنزيل الكتابة على حلقات تجعل البوست في الواجهة وتسهل قراءته.. وبالطبع هناك من يحبون قراءته كاملا وهؤلاء يمكنهم الانتظار حتى تنزيل كامل الكتاب فيقرأونه في قعدة واحدة..

سلامي للجميع معك، وتقبل سلام إلهام والأبناء
قلت لإلهام أهو أمجد طبق مسالة الجمعية الخيرية في مستواه الشخصي وقام بطباعة كتاب متميز..
ياسر

Post: #16
Title: Re: الجهاد ..؟ ام حرية الاعتقاد.. عمر القرّاي
Author: Amjad ibrahim
Date: 02-06-2004, 03:24 AM
Parent: #1


الجهاد و النفاق
ومن الآثار السلبية لاستعمال السيف في أمر الدعوة ظهور النفاق.
والنفاق هو أن يظهر الإنسان الإسلام ويبطن الكفر، خشية أن يلحقه أذى من المسلمين إذا أعلن كفره. فحين كانت الدعوة بالتي هي أحسن في مكة ، لم يكن هنالك منافقين، والناس إما مؤمن أو كافر.. لك بأن الكافر يعلم أنه لن يلحقه أذى من المسلمين، بسبب كفره، ولذلك لا يحتاج لإخفاء هذا الكفر، ولهذا لم يرد ذكر المنافقين في القرآن المكي..
أما بعد الهجرة، وبعد نسخ آيات الإسماح، وإحكام آيات الجهاد، فقد ظهر في المدينة رجال يظهرون الإسلام، ويؤدون كل شعائره، وتمتلئ قلوبهم حقدا وغلاً للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، بل أنهم كانوا يحيكون المؤامرات، ويحتالون الحيل ضد الإسلام ما استطاعوا، ونزلت في المدينة آيات عديدة، تتحدث عن المنافقين، وتكشف مؤامراتهم وتتوعدهم بسوء المصير.
والمنافق أسوأ من الكافر، لأنهما يستويان في الكفر، ولكن المنافق يزيد على الكافر، في محاولته خداع المسلمين، والإيقاع بهم، من حيث لا يشعرون. ومن هنا فإنه يفتقد شرف الخصومة الذي قد يكون لدى الكافر، الواضح العداء للمسلمين والإسلام. ومن أجل ذلك قال تعالى (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا) النساء 145. والمنافق قد أٌكره على الإسلام خوف السيف، ولكن لم يكن من الممكن إكراهه على الإيمان، لأن الإيمان محله القلب، ولا يطلع أحد على السرائر، ليحكم بكفر أحد أو إيمانه، ودين الشخص هو ما في قلبه، لا ما في لسانه، ولهذا لا يمكن الإكراه في الدين وإن أمكن في الإسلام. قال تعالى: (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم) البقرة 256 والإسلام الذي في مستوى القول باللسان، والعمل بالجوارح للأركان المعلومة، قصاراه أن ينجي من السيف، ولكن لا عبرة به عند الله ما لم يزيد فيدخل معنى في القلب به يتحول الإسلام إلى إيمان.
قال تعالى (قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم) الحجرات 14 فالمنافقين كانوا مسلمين، وهذا ما منع عنهم السيف، ولكنهم لم يكونوا مؤمنين، بل كانوا يكيدون للمؤمنين وهم محسوبون عليهم، ولم يكن من الممكن ظهور هذه الظاهرة لولا استعمال السيف في الدعوة..

أدب الجهاد

وعلى الرغم مما ذكرنا من عدم موضوعية الجهاد، واستحالة قبول تبعاته في وقتنا الحاضر، ومع يقيننا من أن الجهاد قد كان تشريعاً مرحلياً، بدليل أنه جاء في فروع القرآن، ولم يكن مطلقاً في أصوله، إلا أنه حتى في ذلك الوقت، وبذلك المستوى الذي تحدثنا عنه، فإن الجهاد لم يكن عملاً دموياً، يعبر عن إنتقام أنفس حاقدة ومريضة، وإنما كان عملاً يوجهه أدب الدين، ويراعى فيه ما يمكن من القيم الإنسانية. فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يوصي جيوش المجاهدين بألا يقتلوا أعزلاً، ولا يقتلوا أمرأةً، ولا يقتلوا الشيخ الكبير، أو الراهب المنقطع في صومعته، ولا يحرقوا زرعاً، ولا يقطعوا نخلاً. ولقد كان الجهاد يبدأ بإعلان الأعداء، ولم يكن يتم خلسة أو سراً، ولم يكن المجاهدون ينكرونه إذا سئلوا عنه..
إن أقل الناس إدراكاً يستطيع أن يدرك أنه ليس هنالك أي علاقة بين الجهاد الذي كان المجاهد يثبت فيه في ميدان القتال ليفوز بإحدى الحسنيين، النصر أو الشهادة، وبين حوادث الإغتيالات، والتفجيرات وإثارة الفوضى، التي تسمى اليوم جهاداً. حيث يهرب المجاهد، ويختفي بعد أن يكون قد ضرب العزل، وقتل النساء والأطفال بتفجيرات عشوائية، واعتدى على الآمنين في المركبات العامة، دون سابق إنذار، وفرّ دون أن يفكر في الثبات أو حتى الإعتراف لو تم القبض عليه..
إن العمليات التي تتم اليوم باسم الجهاد، بعيدة عن روح الجهاد وأدبه وأخلاقه، فإذا وضح أن الجهاد نفسه على رفاعته، إذا قورن بهذه الجرائم، بعيد عن أصل الدين.. يمكننا أن نتصور مدى بعد هذه الأعمال الإجرامية من ناحية، ومدى رفعة الإسلام في جوهره من الناحية الأخرى.

الباب الثالث
الجهاد في مستوى الأصول

الجهاد ليس أصلاً في الإسلام
الأصل في الإسلام أن كل إنسان حر، إلى أن يسئ التصرف في الحرية، وعند ذلك تصادر وفق القانون.. وهذا الأصل هو جوهر الدين، وللوفاء به بدأت الدعوة إلى الإسلام في مكة بآيات الإسماح، وهي الآيات التي حددت مهمة النبي الكريم في النذارة والبشارة، ثم دعته إلى الصبر على كيد الجهلاء والإصرار على دعوتهم، والإعراض عن سفهائهم، مع تذكيره بحقائق الدين الكبرى، في أن الهداية من الله، فيجب ألا يتحسر على كفرهم وضلالهم، بل يواصل الدعوة منتظراً لأمر الله.. فبعد قرآن النبوة الذي ركز على تربية النبي صلى الله عليه وسلم، وإعداده ليتحمل هذا الأمر الثقيل، مما جاء في سور العلق والقلم والمزمل.. بدأ قرآن الرسالةبقوله تعالى: (يا أيها المدثر* قم فأنر) المدثر1،2 وقد حصرت مهمته العظيمة في قوله تعالى: (وبالحق أنزلناه وبالحق نزل وما أرسلناك إلا مبشراً ونيراً) الإسراء 105 .. وحين قابل قومه الدعوة بالإعراض، ذكره الله ان مهمته هي مجرد البلاغ، ومن ذلك قوله تعالى: (فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حقيظا إن عليك إلا البلاغ) الشورى48 ودعاه إلى الصبر في العديد من الآيات مثل قوله تعالى: (فاصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تكن في ضيق مما يمكرون) النحل 127 وجاء أيضاً (واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور) لقمان 17 وقال تعالى: (فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون) فاطر 8 وجاء أيضاً (فاعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون) السجدة30
ولعل كل هذه الآيات المكية، والعشرات من مثيلاتها، يمكن أن يلخصها مفهوم الدعوة بالتي هي أحسن، الذي جاء صراحةً في قوله تعالى: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين) النحل125.
هذا المفهوم الجوهري إنما يعتمد على حقيقة أن الإسلام في أصوله يقدس الحرية الفردية، بصورة ليس لها مثيل، حتى أنه يبلغ في ذلك حد إعطاء حق الكفر!! قال تعالى: (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) الكهف29
ولقد ظل النبي صلى الله عليه وسلم على هذا النهج الرفيع من الدعوة ثلاثة عشر عاماً، هي عمر الدعوة في مكة، وفي هذه الفترة، فترة الإسماح والحرية، تخرج من مدرسة النبوة كبار الأصحاب، من المهاجرين الأوائل الذين حملوا لواء الدعوة وسط الكفر والبغي والفجور، دون أن يسمح لهم برد الظلم ودفع العدوان، فكانوا وسط هذا الظلام، يبينون بلسان الحال الصادق، ولسان المقال البليغ، كمالات الدين، يدعون الناس إلى واجبهم في هذه الحياة، نحو ربهم بإخلاص عبادته، ونحو بعضهم بإصلاح ذات البين، والسعي بالخير والمسالمة والإخاء. وإذا أصر القرشيون المتجبرون العتاة على الإعتداء على هؤلاء النفر المسالمين، ,اصروا على عبادة الحجر الأصم وقطع الرحم ووأد البنات، وفعل المنكرات.. فقد أساءوا التصرف في الحرية، وقابلوا الإحسان بالإساءة، فكان لابد من مصادرة حريتهم.. ولما لم يكن هنالك قانون لمصادرتها، فقد صودرت بحد السيف، فأمر النبي بالهجرة، وأذن له بالقتال، ونسخت بلك آيات الإسماح والصبر والدعوة بالتي هي أحسن وأحكم الجهاد كما رأينا في الباب السابق.. فالجهاد إذن ليس أصلاً في الإسلام، وإنما هو فرع.
والأصل في الأسلام هو حرية الإعتقاد، وحتى لا تضار هذه الحرية، قيدت الدعوة في مستوى الأصول، بالدعوة بالتي هي أحسن، التي يقوم أدبها على كف الأذى عن الناس، وتحمل أذاهم، وتوصيل الخير لهم، برغم ما تلاقي منهم من أذى ومن فجور.. هذا هو الأسلوب الذي يربيالداعية ويحترم المدعو، وهو الأسلوب المناسب لوقتنا الحاضر، حيث أصبحت حرية الإعتقاد من البدائه التي لا تقبل الجدل.. وأصبح أسلوب الإقناع، والدعوة بالحسنى، هو الأسلوب الوحيد الذي يمكن أن يطرح به أي فكر، أو رأي أو دين..أما فرض الرأي بالقوة فقد أصبح أمراً متخلفاً، لا يشرف صاحبه، فضلاً عن أنه غير ممكن عملياً..

الجهاد بالسيف غير ممكن اليوم:
أن حاجة وطاقة المجتمع المعاصراليوم، تسقط الجهاد تماماً.. فأما حاجة المجتمع فإلى السلام، فإن البشرية قد ضاقت من ويلات الحروب مما يجعل السلام هو أملها المنشود.. ولهذا فإن الدعوة للقتال مهما كان مبررها، تعتبر أمراً مرفوضاً من جميع العقلاء، دع عنك أن يكون القتال المعلن هو بغرض نشر أي دين، أو فكرة، أو عقيدة.. وأما طاقة المجتمع المعاصر، فإنها قد بلغت من التطور العلمي، حداً جعل السلاح المدمر الرهيب، يصل إلى مستوى يجعله يلغي نفسه، من شدة خوف أصحابه من نتائج استعماله، لتصورهم لبشاعة التدمير الذي سيلحقه هذا السلاح بالحياة على هذا الكوكب. حتى أصبحت الحروب لا تسوق في النهاية إلا لطاولة المفاوضات.
لقد فرض تطور السلاح السلام العالمي على كافة الدول.. والمسلمون اليوم، أكثر ضعفاً وتخلفاً في هذا الجانب، من الذين يجب عليهم، حسب فهمهم، مجاهدتهم من الدول، التي يصفونها بأنها كافرة، فلو فرضنا جدلاً بأن المسلمين تطوروا حتى ملكوا السلاح النووي، فإنهم مع ذلك لن يستطيعوا أن يجبروا الدول التي تملكه قبلهم على إعتناق الإسلام بالقوة!! فإذا وقعت الحرب واستعمل السلاح الرهيب، فلن يكون هنالك منتصر ومهزوم، وإنما هو الفناء الشامل، ومع ذلك فإن الإسلام لن ينتشر وإنما سيعم الخراب.. فهل يصح عقلاً أن يكون هذا هو مراد الدين؟ أن يأمر بالجهاد في وقت لا يعني فيه الجهاد إلا فناء البشرية جمعاء؟!
إن الجهاد لا يناسب العصرالذي تطور فيه السلاح إلى هذا الحد الرهيب، وهذا هو السر في أن الله قد ربطه بالخيل، في قوله تعالى: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم) الأنفال60.
ولقد ظن سائر الدعاة الإسلاميين أن كلمة (الخيل) هنا ليست مقصودة لذاتها، وإنما هي كناية عن كل ما يستعمل في الحروب.
وذكروا أنها في وقتنا الحاضر، يمكن أن تعني الصواريخ والقنابل والطائرات. وهم إنما اتجهوا إلى تأويل هذا النص الصريح، لأن تطور الحياة جعل الخيل عديمة الجدوى في الحرب.. ولكن هذا التطور الذي أبطل مفعول الخيل، لم يكن تطوراً حسياً فقط، وإنما هو أيضاً تطور معنوي، وهو في هذا المستوى قد أبطل مفهوم العنف والإكراه، بأكبر مما أبطل فاعلية الخيل. فقد أصبح فرض أي دين على من لا يريده بالعنف في وقتنا الحاضر، أطثر بشاعة وتخلفاً من الخيل في الحرب الحديثة. وهذا التطور الحسي والمعنوي، إنما تم بإرادة هادية وحكيمة، تستهدف فرض السلام بشتى الوسائل كمقدمة ضرورية لتطبيق الإسلام على الأرض.. اقرأ قوله تعالى: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا) الفتح 28.. ومعلوم أن الإسلام حين استعمل الجهاد في الماضي، لم يظهر على كل الأديان، ولم يصل إلى كل أنحاء الأرض، بل أن الأرض نفسها لم تكن قد اكتشفت يومئذ.. هذه الآية لا تزال تطالب بمظهرها، وهي ستتحقق دون ريب، بالدعوة بالتي هي أحسن، فإن موعود الله لابد آت.

الأصول وعقوبة الردة:
ليس في أصل الدين عقوبة على الردة، ذلك لأنه ليس في أصل الدين عقوبة على مجرد الكفر.. فالناس كل الناس أحرار في إعتناق الإسلام، وأحرار في الخروج عنه، إذا عجز المسلمون أن يثبتوا لهم كمماله على غيره من المعتقدات..
وهذا هو السبب، في أن الذين أرتدوا في مكة، عندما حكى النبي صلى الله عليه وسلم واقعة الإسراء والمعراج، انصرفوا موفورين ولم يتعرض لهم أحد بسوء.
بل أن الذين أرتدوا المدينة قبل نزول آية السيف التي نسخت محتوى الإسماح لم تترتب على ردتهم أي عقوبة. وإنما أوكل أمرهم إلى الله، ليعاقبهم على كفرهم في الدار الآخرة.. وفي هذا الكرامة كل الكرامة لهم، والمسئولية كل المسئولية. قال تعالى: (إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفراً لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلاً) الآية 137 النساء. فلو كانت هناك عقوبة القتل على الردة، لقتلوا من أول مرة ولم يجدوا الفرصة ليكفروا مرة أخرى، ولم يجدوها ليزدادوا كفرا في آخر أمرهم ثم يترك أمرهم إلى الله.
وكما أن حكم قتل المرتد، ظل لآية السيف، فإن حكم عدم قتل المرتد وترك أمره لله، ظل لآية حرية الإعتقاد وهي قوله تبارك وتعالى: (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) الكهف29. فإن إعطاءه الحق في الكفر، يعطيه بداهةً الحق في الكفر بعد الإسلام، وهو الردة.
وهذا المستوى الرفيع من الحرية هو ما ينسجم مع حقوق الإنسان ومع كرامته ومع ثقة الإسلام في نفسه، ومقدرته على إقناع الناس، دون الحاجة إلى إبقائهم بالعنف داخل هذه القناعة. وهذا هو المستوى الذي يناسب البشرية، وهي تستشرف عهد السلام، حين كان القتل والحروب هو الذي يناسبها في عهدها الأول، الذي مثلته آيات فروع القرآن..

الجهاد الأكبر:
إن الجهاد الحقيقي الثابت في أصل الدين، هو جهاد النفس.. لأن به استقامة السلوك، وترقي الفرد والجماعة. إن من السهل على الإنسان أن يرى العيوب في الآخرين، ويهُب لمصاولتهم ومقاتلتهم. ولكن من الصعب عليه أن يرى العيب في نفسه، ويقاومها ويشدد عليها، ويهذبها ويردها بقوة عن رغائبها. ومن أجل ذلك، كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول وهو راجع من غزوات الجهاد (رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر)!! يقصد جهاد النفس! وأرفع مستويات الجهاد الأصغر، الموت في سبيل الله، وأرفع مستويات الجهاد الأكبر، الحياة في سبيل الله، وهذا لعمري أصعب بكثير، لأنها تعني أن يكون النفس الطالع والنازل لله.. تعني أن يكون الإنسان في كل لحظة مراقب لربه ولقد شهد الله تبارك وتعالى للنبي الكريم بالحياة في سبيله في قوله تعالى: (قل أن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين. لا شريك له وبذلك أُمرت وأنا أول المسلمين) الأنعام 162-163. هذه حياة كلها لله منشطها ومكرهها، وهذا هو الإسلام في قمته السامقة التي لا تطال.. ومن أجل تجويد النظر إلى عيوب النفس أولاً، قبل إدانة الآخرين، يجئ الأدب الإلهي الرفيع (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم) المائدة105. ذلك أن هداية أنفسنا هي واجبنا بالأصالة، بيننما هداية الآخرين هي واجبنا بالحوالة، فإذا لم نستطع هداية أنفسنا فإننا عن هداية غيرنا أعجز. فقد جاء في الأثر، أن الله عز وجل قال لعيسى عليه السلام (يا عيسى عظ نفسك، فإن اتعظت فعظ الناس وإلا فاستحي مني). فأنت إذا دعوت الناس ولم يستجيبوا لك، فاعلم أن العيب ليس في الآخرين، وإنما فيك أنت. فلو أنك أطعت الله بالقدر المطلوب، لأطاعك الآخرين. ولقد ربّى الإسلام الأصحاب رضوان الله عليهم، على هذا النهج، فدعاهم إلى التأكد من إسلامهم هم أولاً، إذا لم يستجب لهم الآخرين، قال تعالى (فإن لم يستجيبوا لكم فاعلموا إنما أنزل بعلم الله وأن لا إله إلا هو فهل أنتم مسلمون) هود14. إن من أكبر أخطاء الجماعات الإسلامية، إغفالها للمضمون التربوي والسلوكي للدين.
هذا المضمون الذي يقوم في الأساس على الإعتماد على الله، لا على صالح الأعمال، وعلى النظر المتصل إلى عيوب النفس، واكتشاف دسائسها وخداعها، وردها في كل لحظة عن مهاوي الغرور، والتعالي على الآخرين.. وعلى العكس من هذا، يقوم سلوك أفراد الجماعات الإسلامية، على إستعلاء، سببه أنهم يرون أنفسهم، أفضل من بقية الناس،لا لقيامهم بالأوامر الشرعية واجتنابهم لكبائر الآثام التي يتورط فيها غيرهم. وإنما بسبب رضا أحدهم عن نفسه لا يواجهها، ولا يكتشف عيوبها، بل ينشغل عن ذلك بمصاولة وعداوة الآخرين، ما دامت نفسه قد أوهمته أنها لا تحتاج إلى شئ، وهذا في حد ذاته أكبر المفارقات الدينية..
فقد قال الشيخ إبن عطاء الله السكندري رضي الله عنه: (رب معصية أورثت ذلاً وانكساراً خير من طاعة أورثت عزاً واستكباراً) والسبب في ذلك أن العبادة يجب أن تسوق إلى العبودية لله، والشعور بأن ما حقق الإنسان من أفعال، إنما هي بأعانة الله، وليس بمجاهدته هو.. فإذا ساقت المعصية إلى العبودية، في معنى ما ساقت إلى الندم والذلة، فقد أدت ما عجزت الطاعة أن تؤديه فتكون بذلك أفضل منها، أما إذا ساقت الطاعة إلى الإستعلاء والتكبر، فإنها تكون عملاً باطلاً وهو ما أشار إليه تبارك وتعالى في قوله: (وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثوراً) الفرقان23. هذا هو حال الأعمال التي يعجب بها أصجابها، وتسوقهم للإستعلاء على الآخرين، بدلاً من الإنكسار لله، والنظر إلى تقصيرهم هم..
إن الفهم الدقيق لحقائق الدين، وواقع الحال يجعلنا نفهم، أن الجهاد الأكبر هو المقصود في العبارة النبوية الكريمة: (الجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة) لأن به الترقي في مجالات الكمال الذي لا تحده نهاية.

الأصول وحقوق الإنسان:


Post: #17
Title: Re: الجهاد ..؟ ام حرية الاعتقاد.. عمر القرّاي
Author: Amjad ibrahim
Date: 02-06-2004, 03:50 AM
Parent: #1


سلام جميعا
العزيز ياسر الشريف
عندك حق تماما و اصبت كبد الحقيقة، فبهذا المجهود المشترك مع الاخ عيسى، كان الهدف الاساسي تجاوز مرحلة التفكير الى انجاز شيء عملي محسوس.
و قد ذكرتني ملاحظتك، حول القيام بعمل فردي تجاه مقترح منظمة الاستاذ محمود محمد طه الخيرية، حديث ذكرته ناشطة بولندية في مجال حقوق الانسان في العام 1994-1995، حيث قالت اذا لاحظت ان شيء ما لا يسير على ما يرام فعليك انت شخصيا اصلاحه، فربما تكون انت الوحيد الذي لاحظت هذا الشيء، و الحديث يرمي الى عدم انتظار الاخرين للقيام بمشروع معين، المقولة في البداية تبدو عادية..لكن ما تلى هذه المقولة من مجهود من قبل هذه المرأة اقل ما يقال عنه انه غير عادي، فقد قامت هذه الشابة بتجهيز قافلة اغاثة كبيرة من بولندا البلد الفقير اصلا، الى جمهورية الشيشان ابان اشتداد الحرب الاهلية في ذلك البلد، يجب الاشارة الى ان اكثر من 90% من سكان بولندا من الكاثوليك لكن ذلك لم يمنعها من القيام بهذا المجهود الذي كان بالفعل عملاقا، و قد سافرت مع القافلة المكونة من عشرات الشاحنات عبر طرق وعرة و خطيرة حتى تقوم بنفسها على عملية توزيع الاغاثة.

و الان لك هذه المفاجأة هذه الشابة مشلولة تماما في نصفها الاسفل و تتحرك بمساعدة عكازين، وقد نالت على مجهودها ذاك لقب امرأة اوروبا لنفس العام.

هذا ما أسميه مساهمة ايجابية، و قد اثرت في تلك المشاهد ايما تأثير و صارت قدوة لي عندما اتعاجز عن أداء اي عمل ايجابي و انا الصحيح.

هناك نموذج بولندي آخر استذكره الان:
كنا في كورس طب المناطق الحارة في السنة السادسة من كلية الطب، و كان القائم على الكورس بروفسير Obrenbowski ان لم تخني الذاكرة و هو رجل عالم يطراه الله بالخير قضى سنوات عديدة و هو يجوب القارة الافريقية و غيرها من دول العالم الثالث، و قال لي ملاحظة لن أنساها ما حييت: "..انتم في افريقيا تشغلون انفسكم دائما بما يفعله و لا يفعله الآخرون، و لا تجتهدون في تجويد العمل و الرقي به في ظل الامكانيات المتاحة لديكم، ان اجتهاد كل منكم فيما يوكل اليه من مسئوليات و تأديتها بصورة جيدة، سيؤدي بالضرورة الى محصلة ايجابية ستكون نتيجتها في النهاية رقي حقيقي ناتج من عمل جماعي مسئول تجاه مختلف القضايا في مجتمعاتكم، مما سيفضي الى تغيير حقيقي في مستوى حياتكم ..".

في رأيي هذا يوضح الفرق الكبير في العقلية بيننا و بين هؤلاء الخواجات سواء كانوا شرقيين ام غربيين في التعامل مع الاشياء.

عذرا على الاطالة لك ودي
امجد


Post: #18
Title: Re: الجهاد ..؟ ام حرية الاعتقاد.. عمر القرّاي
Author: Yasir Elsharif
Date: 02-06-2004, 02:50 PM
Parent: #17

لك التحية والأشواق يا عزيزي أمجد

وأشكرك على النماذج التي ذكرتها، والتحية لتلك السيدة البولندية العظيمة والتحية لذلك البروفيسور البولندي العظيم..

لقد تذكرت مقولة مأثورة:
Do not preach change, be that change.

لا تعظ الآخرين للتغيير، كُن ذلك التغيير..

وأنت قد ضربت أروع مثل..

لك الود والشكر

فوووووق

Post: #19
Title: Re: الجهاد ..؟ ام حرية الاعتقاد.. عمر القرّاي
Author: Amjad ibrahim
Date: 02-08-2004, 01:44 AM
Parent: #1


الأصول وحقوق الإنسان:
لقد صدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من الجمعية العامة للأمم المتحدة في العاشر من ديسمبر 1948م.
وجاء في المادة الأولى منه: [يولد جميع الناس أحرار متساوين في الكرامة والحقوق وقد وهبوا عقلاً وضميراً وعليهم أن يعامل بعضهم بعضاً بروح الآخاء] وجاء في المادة الثالثة [لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه] وجاء في المادة الرابعة [لا يجوز استرقاق أو استعباد أي شخص ويحظر الإسترقاق وتجارة الرقيق بكافة أوضاعهما]. وجاء في المادة الثامنة عشر [لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته وحرية الإعراب عنها بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها سواء كان ذلك سراً أو مع جماعة] المصدر: الوثيقة الدولية لحقوق الإنسان –الأمم المتحدة 1948.
وبعد إصدار هذا الإعلان العالمي اتجهت الأمم المتحدة إلى أمر أكثر صعوبة ومشقة وهو تحويل هذه المبادئ إلى معاهدات محددة توقع عليها الدول وتصبح بذلك ملتزمة بها قانوناً.
ولهذا الغرض صدر في 16 ديسمبر1966م، عهدان يحويان تفاصيل لهذا الإعلان: العهد المدني والسياسي والعهد الإقتصادي الإجتماعي والثقافي ووقعت عليها أكثر من مائة دولة، تعهدت بما جاء فيهما من بنود تقوم كلها على دعم حرية وكرامة الإنسان، وإعانته بشتى الوسائل على تحقيق أرفع مستويات العيش الكريم، والأمن والسلام.
فقد جاء في العهد المدني والسياسي المادة <1 style="color:black;background-color:white"> :[ لكافة الشعوب الحق في تقرير المصير ولها استناداً لهذا الحق أن تقرر بحرية كيانها السياسي وأن تواصل بحرية نموها الإقتصادي والإجتماعي والثقافي]، وجاء في المادة<2 style="color:black;background-color:white"> [تتعهد كل دولة طرف في العهد الحالي باحترام وتأمين الحقوق المقررة في العهد الحالي لكافة الأفراد ضمن إقليمها والخاضعين لولايتها دون تمييز من أي نوع سواء كان ذلك بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الديانة أو الرأي السياسي أو غيره أو الأصل القومي أو الإجتماعي أو الملكية أو صفة الولادة أو غيرها]. وجاء في المادة<3 style="color:black;background-color:white"> [تتعهد الدول الأطراف في العهد الحالي بشمان مساواة الرجال والنساء في حق الإستمتاعبجميع الحقوق المدنية والسياسية المدونة في الإتفاقية الحالية].
وجاء في العهد الإقتصادي والإجتماعي الثقافي المادة<7 style="color:black;background-color:white"> [تقر الدول الأطراف في العهد الحالي بحق كل فرد في المجتمع لشروط عمل صالحة وعادلة تكفل بشكل خاص مكافآت توفر لكل العمال أجور عادلة.. معيشة شريفة لهم ولعائلاتهم.. ظروف عمل مأمونة وصحية.. فرص متساوية بالنسبة لكل فرد لترقيته في عمله..]..
وجاء في المادة <9 style="color:black;background-color:white"> [تقر الدول الأطراف في العهد الحالي بحق كل فرد في الضمان الإجتماعي بما في ذلك التأمين الإجتماعي].
وجاء في المادة <12 style="color:black;background-color:white"> [تقر الدول الأطراف في العهد الحالي بحق كل فرد في المجتمع بأعلى مستوى ممكن من الصحة البدنية والعقلية].
وجاء في المادة <13 style="color:black;background-color:white"> [تقر الدول الأطراف في العهد الحالي بحق كل فرد في التعليم وهي تتفق على أن توجه التعليم نحو التنميةالشاملة للشخصية الإنسانية وللإحساس بكرامتها وأن تزيد من قوة الإحترام لحقوق الإنسان والحريات الأساسية كما أنها تتفق على أن يمكّن التعليم جميع الأشخاص من الإشتراك بشكل فعال في مجتمع حر وأن يعزز التفاهم والتسامح والصداقة من جميع الأمم والأجناس والجماعات العنصرية والدينية وأن يدعم نشاط الأمم المتحدة في حفظ السلام]. المصدر السابق.
إن الذين قاموا بوضع هذه المبادئ الرفيعة، ليسوا مسلمين، فما هو واجبنا نحن المسلمين إزائها؟ هل نوافق عليها، ندعو لها، ونسعى لتطبيقها؟ أم نعترض عليها بدعوى أنها جاءتنا من الكفار؟! وإذا اعترضنا على كل ما جاء في العهود الدولية ورفضناه فما هو بديلنا عنه؟ هل يجوز أن ندعو إلى دون ما جاء في هذه العهود الدولية ثم بعد ذلك نملك الجرأة على دعوة المؤمنين بها، الساعين لتطبيقها من غير المسلمين، إلى إعتناق الإسلام؟! أم أن الإسلام الوحيد الذي يمكن الدعوة إليه اليوم هو الإسلام في مستوى الأصول حيث يحتوي على جميع هذه الحقوق؟!
إن شعوب العالم تتطلع إلى الخلاص من الظلم والقهر والإستبداد، وتسعى لتأكيد الحقوق الأساسية، التي يستطيع الإنسان في ظلها، أن يعيش عزيزاً كريماً.. وعلى الرغم من أن الحكومات قد عجزت في مجال التطبيق، من تحقيق آمال الشعوب، بتنفيذ هذه المبادئ السامية، إلا أن الدول بفضل الله، ثم بفضل تطور الفكر الإنساني، وضغط الشعوب، قد تجاووزت مرحلة الخلاف عليها، وأقبلت على محاولات التنفيذ، وكونت لذلك الهيئات، والمحاكم التي تشرف على هذا التنفيذ، وتحسن من الآداء في مجالاته كل يوم..
هذه المبادئ الرفيعة التي توصلت إليها اللبشرية، بعد تطور طويل، بذلت خلاله الدماء والدموع، طرحها الإسلام في القرن السابع الميلادي، عندما نزل القرآن.. ولكنها لم تطبق في ذلك الوقت، لأن البشرية تشعر بضرورتها، وتتطلع إلى تحقيقها، لم تجئ إلا في منتصف القرن العشرين!!
إن المدافعين عن حقوق الإنسان في العالم العربي والإنساني، إنما يواجهون مشكلة فريدة، لا يواجهها دعاة حقوق الإنسان في بقية أنحاء العالم، ذلك أنهم بالإضافة إلى مواجهة الحكومات القائمة، التي تنتهك حقوق الإنسان، بالقوانين الرادعة التي تسنها كل يوم، والإجراءات القمعية التي تستهدف إرهاب الشعوب ودوام سيطرة هذه النظم عليها، ينبغي عليهم مواجهة الإعتداءات التي تقع على المواطنين من الجماعات الدينية المنظمة، التي ربما وصلت إلى السلطة، في أي بلد، فزادت قدرتها على القمع والإرهاب، الذي تمارسه الآن وهي بعيدة عن السلطة.
لقد لجأت بعض الدول لإعلان تطبيق الشريعة الإسلامية في هذا الوقت بالذات، ولا تزال هذه الظاهرة تزيد، فنسمع كل يوم عن إرهاصات هنا وهناك، وليس هدف هذه الأنظمة هو الإسلام، وليس دافعها هو الشعور الديني المتأخر، بعد أن حكمت لعدة سنوات، وإنما هي ترمي من ذلك على أمرين: أولهما أن تمتص غضب القطاعات الشعبية، التي تأثرت بالدعوات الإسلامية، وتسحب بإعلان تطبيق الإسلام ورقة رابحة من يد الجماعات الإسلامية المعارضة. والأمر الثاني وهو الأخطر هو أن تسكت نداءات الجمعيات المطالبة بحقوق الإنسان، بأن هذه العقوبات الرادعة، على الرغم ممن أنها ليست مقبولة في مواثيق الأمم المتحدة، إلا أنها عقوبات دينية، يجب الأخذ بها وترك كل ما عداها، حتى ولو كان نداء الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.
إن ما تمارسه الحكومات اليوم، في مختلف أقطارنا العربية والإسلامية، من محاولات تطبيق القوانين الإسلامية، مجاراة للجماعات الإسلامية، ومزايدة لهم على حساب الدين والوطن، لهو من أبشع وأسوأ أخطاء نظم الحكم، وأسوأ منه أن تحتمي وراء هذه المزاعم الدينية لتسلط القوانين الرادعة باسم الإسلام، على خصومها ومعارضيها السياسيين. فتكون بذلك قد استغلت الدين في ظلم الآخرين، والإعتداء عليهم، من أجل الحفاظ على سلطان الدنيا الزائل.
وليس أمام المثقفين المسلمين، المدافعين عن حقوق الإنسان، إلا النظر في الإسلام من جديد، واستنباط حقوق الإنسان من القرآن، حيث يجدونها في أصول الدين دون فروعه، والمطالبة بهذه القيم الإنسانية الدينية الرفيعة، دون أن يترددوا في إعلان أن الإسلام في مستوى فروعه، التي طُبقت في الماضي، وحوت لشرائع الجهاد، والرق والخلافة وغيرها، يتعارض مع أصل الدين، ومع مواثيق حقوق الإنسان، ولذلك فأنهم لا يطالبون به، ولا يعتقدون أنه كافياً اليوم ليجعلهم يؤيدون الحكومات التي ترفعه كشعارات وإن عجزت عن تطبيقه في الواقع المعاش.
وهم حين يفعلون ذلك، لا يفضلون عقيدة على أخرى، ولا دين على دين، ذلك أن الإسلام في مستوى الأصول، ليس ديناً بالمعنى المألوف عن الأديان، وإنما هو مرحلة العلم من الدين حيث كانت الفروع مرحلة العقيدة منه.
الإسلام في مستوى الأصول، قسم إنسانية في الأساس. لهذا قلنا في غير هذا المكان إن آيات الأصول، كانت دائماً تفتتح بقوله تعالى (يا أيها الناس) و (يا بني آدم) وحقوق الإنسان التي جاءت في مواثيق مختلف الدول، وشُكلت بعض اللجان لتطبيقها، وأقيمت لها المحاكم لترعاها، إنما هي مكتسب حضاري رفيع وعرف إنساني سامي، ولقد دعا الإسلام إلى الأخذ بالعرف المحقق لكرامة الإنسان، اقرأوا إن شئتم قوله تعالى: (خذ العفو وأمربالعرف وأعرض عن الجاهلين) الأعراف199.. والجاهلين هم الذين جهلوا قدرة الإسلام على إستيعاب حاجة وطاقة العصر، وظنوا أنه سيقف بهم، دون مكتسبات الرقي والتطور، فجنوا عليه، وعلى أنفسهم، وعلى شعوبهم (وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا) الكهف104.



Post: #20
Title: Re: الجهاد ..؟ ام حرية الاعتقاد.. عمر القرّاي
Author: Amjad ibrahim
Date: 02-08-2004, 01:57 AM
Parent: #1


الباب الرابع
مفاهيم لابد من مراجعتها

وحتى يفتح الباب أمام الفهم الصحيح للإسلام، المبرأ من العنف، ويتضح أن الدعوة إلى الجهاد، وإن كانت مقبولة في الماضي، على عهد الأصحاب، إلا أنها اليوم أصبحت مفارقة لروح الدين، وواقع العصر. وإن ما يجري الآن من أحداث عنف، في كثير من البلاد العربية على أيدي أفراد الجماعات الإسلامية، لا علاقة له بالإسلام، لا من بعيد ولا من قريب.. فلابد لنا من إعادة النظر في مفاهيم، حسبناها لطول ما ألفناه، جزء لا يتجزأ من عقيدة الإسلام.

الحاكمية لله:
هذه العبارة، ترددها كافة الجماعات الإسلامية، حتى أصبحت شعاراً أساسياً من شعاراتهم، والغرض منها الدعوة لتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، وإلغاء كافة القوانين الأخرى، وهي تعني فيما تعني أن الجماعات الإسلامية، لا تريد الحكم لنفسها، مثل بقية الأحزاب والتنظيمات الأخرى، وإنما هي تريد الحكم لله. والهدف هو أن يقارن المواطن البسيط بين حكم الله وحكم البشر، فيختار حكم الله، ويؤيد الجماعات الإسلامية التي سوف تطبقه عليه، متى ما وصلت.. وهكذا أصبح هذا الشعار، سلاحاً قوياً، يزيد أتباع الجماعات الإسلامية، ويقدم حجة لا تقاوم في أعين البسطاء المحبين للدين..
ووجه التضليل في هذه الحجة، هو أن الحكم لا يكون لله، بمجرد رفع مثل هذه الشعارات، مادام المنفذين الحقيقيين من البشر، الذين تغلب أهواؤهم، ومصالحهم، وأخطاء فهمهم، على أمر الله حين يباشرون تنفيذ هذه الأحكام..
وكم من نظام رفع شعار الإسلام، ثم كان في مستوى الممارسة بعيد كل البعد عن الإسلام.. ويكفي أن ننطر في التأريخ الإسلامي لنأخذ العبرة الكافية.. فالأمويين الذين قتلوا آل البيت، والعباسيين الذين نبشوا قبور الأمويين، وحرقوا عظامهم، والأمراء الذين مردوا على اللهو والمجون، كانوا جميعاً يزعمون بأنهم يطبقون حكم الله!! أما في العصر الحديث، فلنا عبلاة واضحة، في تجارب الحكم الإسلامي في إيران وباكستان والسودان. حيث جرّت الحكومات التي ادعت تطبيق شعار الحاكمية، على شعبها، الويلات والدمار، ولم يطبق من الإسلام إلا هذه الشعارات الجوفاء.. فالمقارنة إذن ليست بين حكم الله وحكم البشر، كما يحب أفراد الجماعات الإسلامية أن يصوروها لنا. إنما المقارنة بين جماعة تدعي أنها ستحكم بأمر الله، وجماعة لم تدع هذا الإدعاء. على أن الواقع يؤكد أنهم جميعاً لن يحكموا بأمر الله، مهما رفعوا من شعاراته. هذه هي المقارنة العادلة التي يجب أن توضع أمام الشعب، وعندها فإن العقلاء سيختارون الجماعة التي لم تدع أنها ستطبق حكم الله، لأنها كانت صادقة معهم منذ البداية، ولأنه يمكن نقدها وإبعادها عن السلطة، إذا فشلت في تحقيق مصالح الناس، التي تولت السلطة على أساس تحقيقها، خلافاً للجماعة الأخرى التي ترفع شعار الحكم الإلهي، حتى إذا وصلت إلى السلطة، وأضرت بمصالح الناس، وطالبوها بالتنحي عن السلطة، رفضت بحجة أن حكم الله لا يزول برغبة الشعب، واعتبرت المعارضة لنظامها، خروج عن أمر الله، وحكمت على أصحابها بالكفر والمروق..
ومع ذلك، فإن الحكم يمكن أن يعتبر حكم الله، إذا كان الحاكم متفهم للدين، ومطبق له في نفسه، بالمستوى الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه هو وحده الذي شهد له الله وشهد له الناس بهذا الحق، فأما شهادة الله فقد جاءت في قوله تعالى: (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم) الفتح10. وأما شهادة الناس فقد روى أن أحد الأصحاب قد قال: ( ما كدنا ننفض أيدينا عن تراب قبر رسول الله حتى أنكرنا قلوبنا). وكل حكم يقرب أو يبعد من حكم الله، بمقدار قرب الحاكم أو بعده عن شخصية النبي الكريم، ولهذا استطاع كبار الأصحاب أن يحققوا الخلافة الراشدة من بعده، وهي دون حكمه ببعيد، ثم حين تولى الأمر من هم دونهم، تدهور الوضع حتى تحولت الخلافة إلى ملك عضوض..

تكفير الحكام:
لقد اعتمدت الجماعات الإسلامية في تبرير محاولاتها لاغتيال الحكام والمؤولين، على أساس أنهم كفار، على قوله تعالى: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) المائدة44. وبناءً على هذه الآية اعتبروا الحاكم المسلم الذي لا يطبق أحكام الشريعة الإسلامية، مثله مثل المشركين الذين أوجب الله قتالهم. والحق غير ذلك، فالكفر معناه تغطية الحقيقة، ولما كانت أكبر حقلئق الوجود هي وجود الله ووحدانيته، فإن الملحدين والمشركين هم أكبر الكافرين..
ويتفاوت الكفر بعد ذلك حسب الحقيقة التي غطاها الكافر، حتى يصل إلى مجرد عدم شكر النعمة، وهذا وإن كان كفر فإنه لا يخرج صاحبه عن الملة، ولا يبيح دمه. وفي ذلك يقول تعالى: (ولقد آتينا لقمان الحكمة ان اشكر لله ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن الله غنيٌ حميد) لقمان12. أو يقول: (وما يفعلوا من خير فلن يكفروه والله عليم بالمتقين) آل عمران 115. وعلى نحو من ذلك نجد أن الحاكم الذي لم يطبق أحكام الإسلام وهو مسلم، لم يفعل ذلك جحوداً ولا نكراناً لهذه الآيات، وإنما لظروف ومشاكل، إن لم تعطيه كل العذر، فإنها لا تهدر دمه.. و(بما أنزل الله) الواردة في قوله تعالى: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) تعني القرآن، والقرآن لا يمكن الحكم به كله، لأن بعضه ناسخ لبعضه! ولما كان الناسخ هو فروع القرآن، والقرآن المنسوخ هو أصوله، وأن الفروع كانت مناسبة للوقت الماضي والأصول هي المناسبة لوقتنا الحاضر كما أوضخنا آنفاً فإن الأصول إذن هي المقصودة بعبارة (بما أنزل الله) اليوم.. فغذا وضح هذا، فإن الحكام اليوم، قد غطوا على الحقيقة كغيرهم من سائر المسلمين، حيث لم يكتشفوا أن الأصول يجب أن تطبق، وانصرفوا عنها إلى أحكام وقوانين دون مستواها، وهم بذلك يعتبرون من الكافرين، ولا يجئ كفرهم من عدم تطبيق الشريعة الإسلامية، وإنما من عدم تطبيق أصول الإسلام!!
والكافر في أصول الإسلام، يقدم له الحق ومن شأنه أن يقبله أو يرفضه، فقد جاء في قرآن الأصول: (وقل الحق من ربكم فمن شاء فيؤمن ومن شاء فليكفر) الكهف29.. فالحكام اليوم ليسوا كافرين بالمعنى الذي يوجب قتالهم، وإنما بالمعنى الذي يوجب دعوتهم بالحسنى.

من رأى منكم منكراً:
يعتمد كثير من أفراد الجماعات الإسلامية، على الحديث النبوي المشهور [من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه وإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان] في كثير من أعمال العنف والتخريب، والإعتداء على النساء في الشوارع، بحجة أن زيهن مخالف للزي الشرعي، وإلقاء القنابل على المسارح، والسينمات، وأماكن اللهو والطرب، باعتبارها من صور المنكر.. وهي حجة يقف كثير من الناس إزائها عاجزين، رغم إدانتهم للإعتداءات، وما يترتب عليها من أضرار وخسائر، تهدد مصالح الناس.. والحق أن هذا الحديث يقع في نطاق مستوى الفروع حيث نظام الوصاية من الراعي على الرعية، ومن صالحي الرعية على عصاتها ومجرميها.. فقد ورد في الحديث أن شارب الخمر كان يؤتى به على عهد النبي صلى الله عليه وسلم على أعين الناس، فيضربه هذا بالنعال وهذا بالجريد، وهذا بيده. وهكذا كانت الجماعة تنفذ الحكم من باب الوصاية على المجرم. لأن شكل الدولة لم يكن قد تبلور بعد، ولم تكن السلطة قد قسمت إلى تخصصات واضحة لا يتدخل أحدها في الآخر.. ولكن فيها بعد، حين عيّن القاضي وعيّن الجند، أصبح كل فرد معتدي أو خارج عن قانون الجماعة، تقدم ضده شكوى وتجرى له محاكمة، ولا يعاقب إلا بعد ثبوت إدانته بالإعتراف أو بشهادة الشهود العدول..
وإذا كان المسلمون الأوائل رفيقين بفاعل المنكر، يضربونه بالنعال والجريد، فإن الجماعات الإسلامية ليست كذلك، فقد نقلت الأخبار، حوادث إلقاء قنابل على مركبات عامة، في مصر، مات على أثرها عدد من المواطنين، وتعرض آخرون لمختلف أنواع الأذى.. وفي الجزائر أعلنت الجماعات الإسلامية، فرض الحجاب على الطالبات في إحدى الجامعات، وانصاع معظمهن لهذا الأمر، إلا قلة قليلة، ولقد فجع الطلاب والمواطنون، حين وجدوا أن أربعة من الطالبات من اللائي رفضن الإنصياع للأمر بالحجاب، قد وجدن مقتولات، وقد فصلت رؤوسهن عن أجسادهن!!
فهل المنكر هو عدم الحجاب أم المنكر هو القتل والتمثيل بالجثة بهذه الصورة البشعة؟! وهل المنكر هو وجود سائحات أجنبيات أم المنكر هو تدمير المركبة بمن فيها، وقد يكون منهم أطفال لا ذنب لهم في كل ما يجري؟!
أن مثل هذه الأفعال الإجرامية، يجب الا يحرم أصحابها الأحر بالمعروف والنهي عن المنكر فحسب، بل ينبغي أن تفرض عليهم رقابة القانون، وعقوبته الصارمة تربية لهم، وتقويماً لنفوسهم المريضة، وحماية للمجتمع من شرورهم وآثامهم.
إن من الأعراف الحميدة، والمكتسبات الحضارية الراقية، في وقتنا الحاضر، أن تكون الدولة هي التي تحدد نوع المنكر، ومقدار العقوبة، وتنفذ العقوبة بعد الإدانة الواضحة. هذا العرف، الذي أحال تنفيذ العقوبة على جهة أخرى، غير المتضرر أو مدعي الضرر، هو الذي يؤدي إلى حفظ الأمن، وحماية المجتمع من الفوضى، هو عرف صالح والعرف الصالح يتفق مع جوهر الدين. قال تعالى: (خذ العفو وأمر بالعرف واعرض عن الجاهلين) الأعراف199، والجماعات الإسلامية حين تأخذ القانون في يدها، إنما تبرر ذلك بأن الدولة الحاضرة لا تمثل الحكم الشرعي، الذي تجب رعايته، وعدم الخروج عليه. ذلك أن الحاكم نفسه، يعد حسب فهمهم، كافر. ويجب قتله، بدلاً من طاعته. ولقد أوضحنا خطل هذا الرأي، ومع ذلك فإن المشكلة حسب فهمهم، يجب أن تكون في السلطة وحدها، باعتبارها هي أصل كل منكر، فلماذا يعتدون على الأفراد، بدلاً من أن يوجهوا كل تركيزهم على السلطة؟
إن الفهم السليم لحقائق الدين، يدعونا أن ننظر في المعنى السلوكي لهذا الحديث، ما دمنا قد علمنا أن فهمه العام قد كان يناسب المجتمع الماضي، الذي لم تتبلور فيه شكل الدولة الحديثة، وفصل السلطات وسيادة القانون.
والفهم السلوكي للحديث، هو أن الشخص المتدين يجب أن يرى المنكر أول ما يراه في نفسه هو، وهي أقرب الناس اليه، وهو يجب أن يغير المنكر الذي يراه في نفسه، قبل أن ينظر إلى منكر الآخرين.
والمنكر يبدأ بالمنكر الغليظ الذي يرفضه العرف والدين، ويدق كلما دق الفكر، حتى يصبح مجرد الغفلة البسيطة عن ذكر الله، وهي من أكبر الكبائر عند العارفين، الذين يحاسبون أنفسهم، حتى على خواطرهم. اقرأ إن شئت قوله تعالى: (وإن تبدوا ما في انفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله) البقرة284، فالشخص المتدين، في شغل شاغل بعيوب نفسه، عن الإعتداء على الآخرين، بحجة تغيير المنكر بيده، خاصة في وجود القانون الذي يفرض الأمن ويملك القدرة على حماية جميع المواطنين.
إن الشخص الذي يمارس الإعتداء على الآخرين بيده، ويهرب من مسئولية عمله، حتى لا تطاله يد القانون، إنما يعيش في رعب دائم. وهو في داخله، تتنازعه مشاعر متباينة، من إلحاق الأذى بالآخرين. والتوجس من عدم إمكانية الفرار، والقلق على مصيره، ومصير أبناءه،ومصير ضحاياه الذين يعتدي عليهم، دون أن تكون بينه وبينهم أي عداوة شخصية.. وهو في مخبئه يترقب أن يقبض عليه بين الحين والآخر، ورغم أنه يحاول أن يتماسك إلا أنه يخشى العقوبة الرادعة، ولذلك يعيش في حالة اختفاء دائم وخوف دائم وقلق دائم.. فهل هذا الشخص الفاقد للأمن شخص متدين؟! وأين هو من قوله تعالى: (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلمٍ أولئك لهم الأمن وهم مهتدون) الأنعام82.


Post: #21
Title: Re: الجهاد ..؟ ام حرية الاعتقاد.. عمر القرّاي
Author: Amjad ibrahim
Date: 02-08-2004, 11:40 PM
Parent: #1


خاتمة
إن ما يجعلنا نقرر وبكل تأكيد، أن الجهاد ليس أصلاً أصيلاً في الأسلام ، هو أن الجهاد مهما قيل عن مبرراته، إنما هو في النهاية مصادرة حق إنسان في الحياة (إذا قتل في المعركة) أو حقه في الحرية (إذا وقع في الأسر) لا لشئ إلا لرفضه أن يعتنق الإسلام.
والإسلام في جوهره يقدس كرامة الإنسان من حيث هو إنسان، قال تعالى في ذلك (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً) الإسراء70، ومن كرامة الإنسان على الله، لم يجعل على حريته وصياً، حتى ولو كان هذا الوصي، هو النبي صلى الله عليه وسلم، على رفعة أخلاقه، وحلاوة شمائله، قال تعالى في ذلك (فذكر إنما أنت مذكر* لست عليهم بمسيطر) الغاشية21و22..
والمعنيون هنا، هم المشركون الذين رفضوا عبادة الله، وعبدوا الحجر الأصم، والمنهي عن السيطرة عليهم، هو النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال في حقه تبارك وتعالى: (وإنك لعلى خلق عظيم) القلم4. ومن هنا نعلم أنه ليس هنالك رجل هو من الكمال بحيث يؤتمن على حريات الآخرين، وإن ثمن الحرية الفردية هو سهر كل فرد عليها. وإنما كانت الحرية هي الأصل، لأنها مطلب العقل، حيث كان الغذاء هو مطلب الجسد.. وإنما بالعقل تميز الإنسان عن الحيوان، وبه وقع عليه التكليف، وبه يرقى المراقي في القرب من الله..
ولما كان تطور المجتمعات هو ثمرة لتطور العقول، فقد جاءت الحرية كلازمة طبيعية من لوازم المجتمع الحديث.. وحفاظاً على الحرية، من تغول الأفراد، جاء النظام الديمقراطي.. بمؤسساته المختلفة، ليجعل ممارسة الحرية ممكنة وفق القانون والنظام..
والنظام الديمقراطي في تطور على النظام الديكتاتوري، وعلى نظام الخلافة الإسلامية، على تفاوت في ذلك في القرب والبعد، ومن حيث الأخلاق..
وتطور الحياة كما يسوق إلى الحرية و الديمقراطية، يسوق أيضاً إلى السلام.. وذلك بانتهاء أسباب الحرب، وهي النزاع حول السلطة وحول الثروة.. حيث تمثل الديمقراطية إشاعة السلطة، كما تمثل الإشتراكية إشاعة الثروة.. والديمقراطية والإشتراكية كلاهما من أصول الإسلام، ومن متطلبات المجتمع المعاصر، غير إننا لم نفصل فيهما هنا تقيداً بموضوع الكتاب.. وقبل السلام الحقيقي الذي يقوم بنهاية أسباب الحرب، هناك سلام فرضه تطور السلاح، وهو ما تعيشه البشرية اليوم. فالخوف من الآثار المدمرة للحرب، بعد أن بلغ السلاح مستوى السلاح النووي، منع الدول الكبرى من الدخول في حروب شاملة تضطرها إلى استعمال السلاح الرهيب والقضاء على الحياة..
وهكذا أصبحت الحروب لا تسوق إلا إلى طاولة المفاوضات وأصبح السلام، ومحادثات السلام هي العرف السائد في عالم اليوم..
أما نحن المسلمون فإن السلام هو جوهر ديننا، وتحية المسلم حين يلقى أخاه هي: (السلام عليكم). ولقد جاء في الحديث الشريف: (إن لكل شئ قلب، وقلب القرآن يس) ولقد ذكر بعض العارفين أن قلب (يس) هو قوله تعالى: (سلام قولاً منرب رحيم) يس 58. فإذا نحن قدمنا الإسلام في مستوى السلام، نكون قد قدمنا أحسن ما في ديننا، أليس القلب هو أحسن ما في الجسد؟! ألم يجئ في الحديث الشريف (إن في الجسد مضغة لو صلحت صلح سائر الجسد ولو فسدت فسد سائره ألا وهي القلب)؟! وقال تعالى: (واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون) الزمر55.
فإذا وضح ذلك، يتضح أن الجهاد إذا تم على أكمل صورة، ومن رجال غايتهم الدين، لا الأطماع السياسية، وشهوة الحكم، فإنه اليوم لا يعتبر عملاً دينياً، لأنه يكون قد وقع في غير وقته، وطبِّق على غير مجتمعه، فالعمل الديني المناسب اليوم، هو الدعوة إلى الله بالتي هي أحسن.
والدعوة إلى إلغاء الجهاد، لاتعني الإستكانة أو قبول الظلم، أو الخضوع للحكومات الحاضرة، أو إيقاف أمر الدعوة إلى الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها، بل على العكس من ذلك تعني أن يتحمل الدعاة بذل أنفسهم في سبيل دعوتهم، وهم بالحياة في سبيلها، لا الموت في سبيلها، يقدمون للبشرية التي أرهقتها ويلات الحروب، السلام الذي ظل حلمها المأمول..
إن العلمانية بمعنى فصل الدين عن الدولة، والحكم بالنظام المدني، والقوانين الوضعية، والأخذ بتجارب الديمقراطية، التي تناسب شعوبنا، ولا تتعارض مع تقاليدنا، هي بديل المرحلة عن النظام الإسلامي الذي تطرحه الجماعات الإسلامية بإلحاح.. ويجب ألا يتردد الحكام في البلاد الإسلامية، أن يعلنوا هذا الرأي، ويدافعون عنه.
فالإسلام كدين ونهج تربوي وأخلاقي، وكعقيدة وشعائر لاخلاف عليه، أما الإسلام كنظام سياسي فإنه يحتاج إلى نظر وإلى إجتهاد، والي برنامج واضح ومفصل، والسبب في ذلك هو اختلاف عصرنا الحاضر عن العصر الذي نزل فيه الإسلام.
ومهمة الحكومة المدنية، هي أن توفر الجو الصحي الملائم، ليتحاور المسلمون على اختلاف آرائهم، حول المفهوم الصحيح الذي تحتاجه اليوم، حتى تتم قناعة الشعوب به، وفي ذلك الحين يصبح هو البديل الحقيقي للنظام العلماني..
أما قبل الحوار وقبل الدراسة، وقبل النظر، وقبل الإجتهاد، فإن أي تطبيق للشعارات الإسلامية، إنما تكون نتيجته فشلاً ذريعاً، وصوراً متطرفة ومتخلفة، أقل مايمكن أن تفعله بنا هو إظهارنا بمظهر الإرهابيين والعدوانيين في نظر العالم، ثم هي إنما تنفر شبابنا الذكي عن الدين.
إن مفهوم الجهاد، الذي يجب أن يشغل به الشباب المتدين نفسه اليوم، هو الجهاد الأكبر، جهاد النفس. والإنشغال الدائم بتهذيبها وترقيتها. وأول ما يبدأ به الإنسان في هذا المضمار، هو محاولة الفهم السليم لأغراض الدين.. وجماع أغراض الدين كرامة الإنسان، كما أسلفنا الإشارة.. وإنما تفهم حقائق الدين بالتقوى، ويعرف سبيل الله بالمجاهدة، والتجويد والإحسان، قال تعالى: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين) العنكبوت69، فإذا ركز الشباب على هذا الإتجاه، ظهر لهم من كل أولئك، أن الجهاد بالسيف منسوخ اليوم، وأن الدعوة بالتي هي أحسن هي صاحبة الوقت. ووضح لهم سبب تخلف المسلمين، وعجز حكوماتهم، وسوء حالهم في أطراف الأرض. واتضحت في أذهانهم معالم التغيير ومنهاج النهضة المنتظرة، التي تحقق عودة الدين إلى الحياة، وربما كانوا هم أنفسهم، من دعاة هذا الأمر إذا نظروا إلى نقصهم، وانشغلوا به عن عيوب الآخرين..
فإذا قدر لهم أن يشاركوا في تقديم الإسلام للبشرية الحائرة، فقد قدموا لها منهاج الخلاص، الذي به يتحقق السلام في كل نفس بشرية، قبل أن يحل في الأرض فتملأ به عدلاً، كما ملئت ظلماً وجوراً.. ذلك وعد غير مكذوب..
اقرأوا إن شئتم بشارة الكتاب المقدس: (الحمد لله في الأعالي وبالناس المسرة وعلى الأرض السلام).. ودونكم بشارة القرآن العظيم.. (دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين) يونس 10.. صدق الله العظيم.

انتهى


غلاف الكتاب:-
هذا الكتاب
إن ظاهرة التطرف الديني على بشاعتها ليست المرض، وإنما هي عرض يدل على المرض الذي أصابنا منذ زمن بعيد.. أما المرض فهو جهلنا لحقائق ديننا.
هذا الكتاب
ولقد فجع الطلاب والمواطنون حين وجدوا أن أربعة من الطالبات من اللائي رفضن الإنصياع بالحجاب، قد وجدن مقتولات، وقد فصلت رؤوسهن عن أجسادهن!!
فهل المنكر هو عدم الحجاب هو القتل والتمثيل بالجثة بهذه الصورة البشعة؟!

هذا الكتاب
فالمقارنة إذن ليست بين حكم الله وحكم البشر كما يحب أفراد الجماعات الإسلامية أن يصوروها لنا. وإن المقارنة بين جماعة
تدعي أنها ستحكم بأمر الله وجماعة لم تدعي هذا الإدعاء، على أن الواقع يؤكد أنهم جميعاً لن يحكموا بأمر الله مهما رفعوا من شعاراته.

هذا الكتاب
هذا المفهوم الجوهري إنما يعتمد على حقيقة أن الإسلام في أصوله يقدس الحرية الفردية بصورة ليس لها مثيل، حتى أنه يبلغ في ذلك حد إعطاء حق الكفر!!
قال تعالى: ( وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر).

هذا الكتاب
فإذا وضح ذلك يتضح أن الجهاد إذا تم على أكمل صورة ومن رجال غايتهم الدين لا الأطماع السياسية وشهوة الحكم فإنه اليوم لا يعتبر عملاً دينياً، لأنه يكون قد وقع في غير وقته وطبق على غير مجتمعه، فالعمل الديني المناسب اليوم هو الدعوة إلى الهه بالتي هي أحسن.



رقم الإيداع 2094/1995
ISBN 977-00-8365-8