اغـتراب المــوج

اغـتراب المــوج


09-04-2005, 02:12 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=17&msg=1135897658&rn=0


Post: #1
Title: اغـتراب المــوج
Author: ودقاسم
Date: 09-04-2005, 02:12 AM

تخرج إليك ملساء من غير سوء ، تفيض بالدهن الذي يمنحك الدفء وأنت تحتاجه في موسم حصادها البارد . تكون حبات الفول السوداني ناضجة وطرية حين خروجها من غلافها المدفون تحت التراب ، هكذا جعلها الخالق في قرار مكين لتأتيك نظيفة وطاهرة فتحرك غرائزك في امتلاكها ، ثم تقلبها بين يديك فتستمع بها كعروس لم يمسسها قبلك إنس ولا جان .
والخريف هذا العام كان موسوما بخضرة مزهرة ، ونسمة ندية ذات أريج ، وفتيات القرية كالفراشات يرحن ويجئن بين الترعة وبيوت القرية . والحقول ترسل نوارها فيختلط شذا البساتين فيرسل عبقا كزهر الفل ، فتستحيل الحياة جرة من عسل النحل . والأولاد يتقافزون ، ويهمسون ، ويأتمرون بالجمال والوداعة ، والحياء الذاخر . حياء كحياء حبات الفول السوداني ، تبقى في غلافها حتى يأتيها صاحب النصيب ، فتفيض عليه من شبقها ، فيتلقاها بلهفة من انتظر عشقه الأبدي مكابدا عنت الأيام والشهور .
سيكون محصول هذا العام وفيرا ، وسيتم تحميله في ثلاث شاحنات . وتهافت التجار عليه لن يهزم طموح عبد الرحيم في الحصول على سعر مجز . فهو سيدفع منه المهر، ويستجيب به لكل عادات أهله في الكرم ، والتفاخر . وأبوه يقف بين الناس ، يحلف بالطلاق أن حفل زواج ابنه سيكون مسموعا في كل القرى والفرقان ، وأنه ينوي ذبح ثلاثة عجول من خيرة مراحه .
ليالي الحصاد باردة ، وفئران الليل تمنعه النوم ، لكن لا مفر ، فهو سيبقى هنا إلى جوار جرن الحصاد حتى تعبئه المحصول في جوالات البيع . كلما فتح غلافا وجده يحتضن حبتين من الفول الناضج ، ممتلئتين بالدهن ، فيرسل غناءه في الآفاق ، ليصل إلى أعماق الحبيبة المغلفة برداء الحياء الذي ينضح أنوثة . وعند الصبح ترسل الشمس أشعتها لتمتص تدريجيا رطوبة الغلاف الخارجي لحبات الفول فيكتسب صلابة تجعله يقوى على قسوة الدق وحركة الانتقال ، وكلما ازدادت أيام الانتظار يزداد غلاف الفول صلابة ، ويزداد معها غلاف الحياء صلابة . لكن الأبواب الموصدة دائما تنتظر من ينقر عليها لتنفتح له على مصراعيها فتكشف طواعية عن ما تواريه خلفها .
لم يخب ظن عبد الرحيم بجرن الفول ، حين خرجت من الحقل شاحنات ثلاث كل واحدة تتبع أختها محملات بمائتين وأربعين كيسا من الفول الناضح ، الممتلئ بالزيت . تراقصت آمال عبد الرحيم وهو يجلس إلى جانب السائق في مقصورة القيادة بالشاحنة الأخيرة . غدا يبيع المحصول ، ويعود محملا بوعوده للغالية ، فتفرح أمه ، ويطرب أبوه ، وتكتمل الزينة لتجعله محط أنظار شباب القرية . والمدينة تفغر فاه مصانعها لتعبئ مجهود عبد الرحيم كلّه في صفائح ، وتجعل من بعضه علفا للماشية . وعبد الرحيم لا يهتم إلا بالجنيهات التي ستدخل جيبه وتيسر له فض غلاف الحياء ليستطعم مكنوناته كما استطعم من قبل حبات الفول الناضجة خلف غلافها المتين .
تجّار القرية لم يتمكنوا من قهر رغبة عبد الرحيم في نقل محصوله إلى هناك ليبيعه بنفسه لمصنع الزيوت ، لكن تجار المدينة انتظروه عند مدخل المصنع ، وغمروه بعطائهم ، فأسالوا لعابه ، وملئوا جيبه بالأماني . وعندما قبض عبد الرحيم تلك الرزم من الجنيهات ، فكّر بشراء المدينة . واحتواه كرم أبناء قريته في منزلهم العامر بذلك الحي القصي . واستجاب عبد الرحيم لنداء الأمواج المغتربة ، فما هو إلا موجة تسير باتجاه الريح ، فاستأجر مخبزا ولم يكن بإدارته خبيرا ، لكن ابن عمه الذي سبقه إلى الاغتراب اكتسب خبرة في هذا المجال .
والعمل في المخبز يستدعي وجود عبد الرحيم لأكثر من ثلثي اليوم ، ثم ينام عبد الرحيم ، ليصحو باكرا ليبدأ دورة جديدة في فجر اليوم التالي . بدأت ذاكرة عبد الرحيم تتساقط شيئا فشيئا ، المشي على حافة الترعة ، مراقبة الفتيات جيئة وذهابا بين الترعة وبيوت القرية ، شجرة الطلح الكبيرة وهي تغرس جذورها في قاع الترعة ، حياء حبة الفول ، ونقائها ، وحالة انتظار نضج الحبة وفض غلاف الحياء المتجذر في أعماق ابنة خالته . وخلف بطانيته احتمى عبد الرحيم من برد الشتاء في موسم الحصاد ، ولم تعد فئران الليل في الحقل تزعجه . والآن لا حاجة لعبد الرحيم بهذه الذكريات ، فهنا تسير أموره كدورة قطعة الخبز ، ثم تأتيك طازجة من الفرن إلى مائدتك كاشفة عن حمرة وجهها واستوائها دونما حياء . وفتيات المدينة يقفن حاسرات في صفٍ طويل للحصول على الخبز ، ويتسابقن للفوز بالوصول إلى طاولة عبد الرحيم ، فيبادل الواحدة منهن كلمة أو كلمتين وربما يهفو قلبه لواحدة أو اثنتين فتخرج منه ابتسامة خليطا بين نقاء الموج الخارج من البحر وأدران البر . ويتمدد اغتراب الموج هنا ، وهناك تنضج حبات الفول ، ويقوى غلافها ، فتحتمي به حتى تمتد إليها أيدي آكليها ، فلتقاهم ندية ، نظيفة ، ناضجة . وعبد الرحيم لم تعد تشغله حبات الفول ونضجها ، فهو فقط يفكّر بحبات الخبز المحسّن والتي اعتاد تزيين وجهها بمادة كيميائه قيل أنها تسبب السرطان للبشر .



Post: #2
Title: Re: اغـتراب المــوج
Author: حمزاوي
Date: 09-04-2005, 02:43 AM
Parent: #1

الخال ودقاسم
كيفنك
الفول فولي زرعته وحدي وساحصده وحدي وابيعه وحدي واعمل فرن كمان بقروشه دا عبدالرحيم بس في ناس تانية تلقاهم عاملين مخابز اتوماتيكية بس ما يزرعوا ولا يحصدوا ولا يتعبوا نحن تعبنا خالص من عبدالرحيم .

Post: #3
Title: Re: اغـتراب المــوج
Author: ودقاسم
Date: 09-04-2005, 04:36 AM
Parent: #2

حمزاوي
طيب ديل كيف عملوا أفران أتوماتيكية ؟؟؟

Post: #4
Title: Re: اغـتراب المــوج
Author: ابو جهينة
Date: 09-04-2005, 05:02 AM
Parent: #3

أبو طلال

سرد بنكهة زيت الفول على طبق من فول يتصاعد بخارو و رائحة كمونه الأخضر

Quote: غدا يبيع المحصول ، ويعود محملا بوعوده للغالية ، فتفرح أمه ، ويطرب أبوه ، وتكتمل الزينة لتجعله محط أنظار شباب القرية . والمدينة تفغر فاه مصانعها لتعبئ مجهود عبد الرحيم كلّه في صفائح ، وتجعل من بعضه علفا للماشية . وعبد الرحيم لا يهتم إلا بالجنيهات التي ستدخل جيبه وتيسر له فض غلاف الحياء ليستطعم مكنوناته كما استطعم من قبل حبات الفول الناضجة خلف غلافها المتين .


كلنا ذاك العبدالرحيم .. نحمل أحلامنا و تتراقص الآمال أمام أعيننا جيئة و ذهابا.
الفرق بيننا و بين عبدالرحيم أن عبدالرحيم يمسك بزمام أحلامه ..
أما نحن فأحلامنا أضغاث .. و آمالنا سراب بقيعة .. و الغربة طاحون تدرش حبات فولنا هنا التي نخرها سوس التقهقر عن قرار العودة ..

أرقد عافية

Post: #6
Title: Re: اغـتراب المــوج
Author: ودقاسم
Date: 09-04-2005, 06:20 AM
Parent: #4

الوريف أبو جهينة
لك عارم التحايا

كلنا نتعرض لسلب الإرادة ، تدفعنا ظروف مفروضة علينا لأصعب الخيارات ، ونتمرد نحن على الخيارات السهلة بدلا من أن نهتم بتطويرها،،،وآمالنا يمكن أن تتحقق إن وقفنا فوق قاعدة صلبة من نفحص بموجبها مكنونات أنفسنا ونسبر مقدراتها


Post: #5
Title: Re: اغـتراب المــوج
Author: Abdulla Ageed
Date: 09-04-2005, 05:22 AM
Parent: #1

الخال ود قاسم
لك التحية

كما قال العزيز ابو جهينة (كلنا ذلك الـ عبد الرحيم)..

خلف هذا السرد الجميل، يكمن الأساس لإحدى مشاكل السودان
الاقتصادية والاجتماعية، وهي مشكلة الهروب من مجال الانتاج
إلى مجال العمل (الهامشي) الذي يتصف بقصر دورته الإنتاجية
وسرعة عائده.. على قلته.
واللجوء إلى هذه المهن يبين افتقارنا للثقافة الإنتاجية
وللتوعية بفوائد المهن ذات النفس الطويل والعائد المجدي
سواء كانت فوائد مادية مباشرة، أو فوائد اجتماعية واقتصادية
تشمل العامة، وما تلك (العروس) التي ظلت تلتف بثوب (حيائها)
إلا واحدة من ضحايا هذا الفقر الثقافي والمعرفي.
.. وهناك أسباب أخرى!!

Post: #8
Title: Re: اغـتراب المــوج
Author: ودقاسم
Date: 09-04-2005, 07:58 AM
Parent: #5

ود عقيد
لك التحية وأنت دائما تقرأ بين السطور وتنفذ إلى ما وراء حجبنا ،،، ولعلك تحاول أن تعمل من فسيخنا شربات ،،، ولعل المدينة تتراجع عن صلفها في التعامل معنا نحن القرويين ، وتتركنا على حالنا لنتمكن من تحريك عجلة الإنتاج وإكمال دورته ...
لك الشكر ،

Post: #7
Title: Re: اغـتراب المــوج
Author: Mohamed Abdelgaleel
Date: 09-04-2005, 07:15 AM
Parent: #1

ود قاسم
كان بوشنا في حش التمور الليله دوشنا مع اللقيط

قصة مجنونة جن .. انصر دينك

محمد عبدالجليل

Post: #9
Title: Re: اغـتراب المــوج
Author: ودقاسم
Date: 09-13-2005, 02:34 AM
Parent: #7

الرجل الجميل
محمد عبد الجليل
شكرا لاحتفائك بالنص ، وشكرا لقراءتك بعين الرضا ..

Post: #10
Title: Re: اغـتراب المــوج
Author: ودقاسم
Date: 10-05-2005, 06:25 AM
Parent: #1

تاني الموج اغترب

Post: #11
Title: Re: اغـتراب المــوج
Author: saif massad ali
Date: 10-05-2005, 10:40 AM
Parent: #10

كلنا مرقنا من البلد بي الفول واكلنا نيم , غربة واحلام بس

Post: #12
Title: Re: اغـتراب المــوج
Author: ودقاسم
Date: 10-10-2005, 03:41 AM
Parent: #11

سيف
تصوم وتفطر على خير ...
لا عزّ لنا ولا كرامة لنا إلا في ديارنا ، والعودة هي الأمل الوحيد الذي ننتظر تحقيقه ..