الهوية...البروفيسور عبد السلام نورالدين.........

الهوية...البروفيسور عبد السلام نورالدين.........


01-22-2010, 01:19 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=162&msg=1272861460&rn=25


Post: #1
Title: الهوية...البروفيسور عبد السلام نورالدين.........
Author: munswor almophtah
Date: 01-22-2010, 01:19 AM
Parent: #0

البروفيسور عبد السلام نورالدين (1ـ3):

تحولت الهوية علي أيدي خاطفيها إلى آيديولوجية قومية ودينية
إستسلمت النخبة السودانية حفظا ً لمنافعها وأسلافها
الذين إختطفوا الهوية لا يزيد تعدادهم في أحسن التقديرات عن 5% من مجمل السكان
هل تتعلق ورطتنا بقصور الاكاديميا السودانيه التي أغفلت النظر المنهجي إلى إنتمائنا في لفائفه اللولبية؟
أبو آمنة حامد وعبدالله زكريا وصلاح أحمد إبراهيم قفزوا علي جذورهم الإثنية والاقليمية



حوار: صلاح شعيب


البروفيسور عبد السلام نور الدين حماد إجازة الدكتوراة في الفلسفة، من قسم الفلسفة، ومن معهد الدراسات الأفريقية والأسيوية بجامعة كارولينا 1971م ببراغ. وحاضر بجامعة هالة ويتنبرج بالمانيا، وجامعة الخرطوم، وجامعة صنعاء، وجامعة عدن، وجامعة اكستر، وجامعة ليدز في المملكة المتحدة. وزار محاضراً العديد من الجامعات ومن أهمها في ذاكرته كلية الفنون الجميلة بمعهد الكليات التكنولوجية وجامعة الأحفاد.
للبروفيسور نور الدين العديد من الدراسات والكتب عن نقد العقل البدوي، التصوف في الحضارة الإسلامية، المعتزلة رواد الحرية والعقل، الفارابي، ابن رشد، ابن خلدون، المجتمع المدني، دستور دولة المدينة، المتنبي وسقوط الحضارة العربية، نصر حامد أبو زيد ومأزق الدولة المصرية، ولاية المرأة على نفسها في الإسلام. كما اشرف البروفيسور عبد السلام نور الدين على كثير من رسائل الماجستير والدكتوراة بجامعة الخرطوم وعدن وصنعاء وممتحنا خارجيا لكثير من الجامعات البريطانية ومحكما في الدوريات العلمية. و أسس قسم الفلسفة بجامعة صنعاء 1974م وترأسه. كما رأس قسم الدراسات العليا بكلية التربية جامعة عدن 1990-1994، ورأس مركز دراسات البحر الأحمر – جامعة اكستر، وصار رئيسا للمنظمة السودانية لحقوق الإنسان بالمملكة المتحدة وايرلندا 1995-1998
وضيفنا اليوم عضو بمنظمة العدالة الأفريقية، ورئيس مؤسسة كردفان للتنمية بالمملكة المتحدة وأيرلندا، وأسس مع الراحل البروفيسور أحمد الطيب زين العابدين – دار النسق للنشر 1986. ضمن حوارات المنتدى الفكري تحدث البروفيسور عبد السلام نور الدين لـ"الأحداث" وهذا نص الجزء الأول من الحوار:

*هل ترى ان هناك أزمة في فهم الهوية السودانية ما دعا النخب المتعلمة إلى الفشل في انجاز مشروع الدولة السودانية؟

(ــ) قبل ان أشرع في أوجه تلمس الاجابة علي السؤال آنف الذكر دعنا نستطلع علي سبيل الإستقراء ماذا كنا سنتلقي من وجهات النظر إذا وجهنا هذا السؤال علي نحو مباشر قبل أربعين عاما ( 1969) الي أربعة من البارزين في دوائر النخبة السياسيه والثقافية وقتئذ، وكلهم قد رحلوا عن عالمنا ولا زلنا نكن لهم الكثير من التقدير رغم مواقفهم التي كانت مثيرة للجدل، أما الخامس فلا يزال يسهم بما تيسر له، ويعد من الخبراء الذين لا يشق لهم غبار في إخبارالسودانيين بأخبار الليبيين وبالعكس وهم: الأول: ابو آمنة حامد ضابط الشرطة - الشاعر الغنائي المرموق، والقطب الرياضي، والناقد الإجتماعي الساخر، البجاوي القادم إلي وسط السودان لمواصلة دراسته بالخرطوم الثانوية، ومقيما مع الأميرلاي عبدالله خليل سكرتير حزب الامة ورئيس الوزراء والنائب المنتخب من قبل دائره أم كدادة بشرق دارفور. والثاني هو صلاح احمد إبراهيم الباحث بمعهد أكرا بغانا، والدبلوماسي لأمد لم يمتد طويلا، وصلاح يعد من رواد الشعر الحديث والقصة وكاتب المقال الرصين، والمقاتل بالقرطاس والقلم وكانت مقارعاته لها دوي مع الناشط والمفكر الماركسي عمر مصطفي المكي وحسين عثمان منصور رئيس تحرير مجلة الصباح الجديد، ومع الزعيم اليساري عبد الرحمن عبد الرحيم الوسيلة، ويعود بجذوره الي دناقلة القطينة. والثالث هو محمود حسيب، من أنتلجنسيا المؤسسة العسكرية المايوية، ومن أعلام الناصريين بالسودان وقد شغل مناصب هامة منها وزارة المواصلات ومحافظ جنوب كردفان ومدير عام ورئيس مجلس إدارة لمؤسسة إستثمار عربية كبري بجنوب الخرطوم إلي ذلك اليوم الذي أطلق أحدهم الرصاص عليه داخل مكتبه في رابعة النهار، ويمت حسيب الي النوبا بجنوب كردفان، والرابع هو بدر الدين مدثر القائد الذي خلف محمد سليمان الخليفة في مقعد قيادة حزب البعث العربي الإشتراكي في السودان وفي عضوية القيادة القومية ببغداد والمقرب إلي حين وفاته إلي الرئيس صدام حسين التكريتي ويمت الي النوبيين بحلفا. أما الخامس فهو عبدالله زكريا، أحد مؤسسي الحركة الاسلامية في السودان والذي قاد في مطلع عقد الخمسين من القرن الماضي أول إنشقاق كبير في الحركة الاسلامية إلي جانب ميرغني النصري وبابكر كرار وناصر السيد ويمموا وجوههم شطر الإشتراكية الاسلامية وتعلق قلبه إلي حين بالتي لا تنزل الأحزان ساحتها، ثم تبني النهج القومي لمعمر القذافي الذي جالسه وإستلهمه وألهمه، وأثمرا كتابا غلافه وحروفه خضراء. لعبد الله زكريا في فقه الفيلق الإسلامى وأحمد أصيل والتجمع العربي بدارفور وقريش لأولي والثانية، ومآلات ليبيا في تشاد والسودان أحكام لها فروع وأصول وناسخ ومنسوخ. يعود عبد الله زكريا بجذوره إلي دناقلة الفور وفور الدناقلة.

*هل تريد القول إن كل هؤلاء الذين ذكرتهم تجاوزوا قومياتهم وتماهوا مع الآيدلوجية بوصفها حل لمشاكلهم ومشاكل أهلهم؟

(ــ) الحقيق بالنظر أنه قد قفز كل هؤلاء علي جذورهم الاثنية والأقليمية وكلها سودانية قديمة بإعتبارات الجغرافيا والتاريخ واللغات والثقافات والإنتماء الإثني والقومى، وفي ذلك القفز قد نافح صلاح أحمد أبراهيم بحمية بالغة عن العاربة السودان (نحن عرب العاربة) ورفع أبو آمنه حامد حبه لجمال عبدالناصر إلي هوية عربية تشمل كل السودانيين المستعربين منهم، والذين إعتصموا بلغاتهم الأولي وثقافاتهم التي إعتروها بالنذرغير القليل من التغيير، والتبديل قسرا تحت نفوذ السوق والإعلام والتلقين في المسيد والمدرسة الاولية ثم تدفق هجراتهم إلي السعودية - اليمن والخليج. لم يصد التشدد القومى الحلفاوي/النوبي الذي سارت بمفارقاته النكات بدرالدين مدثر ان يكون عضوا في القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي الذي يستضئ بشعاليل أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة ولم تردع محمود حسيب الذي عاني بني قومه من عقابيل الرق والاضطهاد العرقي طويلا أن يظل حتي مصرعه في صدارة القوميين الناصريين في السودان.
نعم إنتقل سليل القاضى أدريس وحفيد الاميرات "الميارم" في كبري منازل الكيرا عبد الله زكريا من هوية السودان الاسلامية التي أعتنقها علي أيام حنتوب الثانوية ونقلها الي صفيه الأقل منه شهره وخبرة وضلوعا في إسلام الحركة وقتئذ حسن عبد الله دفع الله الترابي الذي زاد وتزيد فيها وأريي بعدئذ ثم تخلي عبدالله عنها إلي الناصرية بقراءة ومسند معمر القذافي .

*بعد تفضلك بهذه الإجابة دعنا نعيد السؤال عن قدرة هذه الشريحة من النخبة، وهم بهذه الإنتماءات الجهوية، في التعامل مع موضوع الهوية السودانية ؟

(ــ) قبل الإجابة على سؤالك دعني أتساءل أيضا: هل يعاني أمثال صلاح أحمد أبراهيم – أبوامنه حامد – محمود حسيب- بدرالدين مدثر – عبدالله زكريا وهم في صدارة نخبة المتعلمين السودانيين ولهم من الذكاء والخبرة والمعرفة الوفير من أزمة في الفهم أم أن هنالك معضلات وملابسات ومآزق موضوعية تكتنف تشكل أمة سودانية تحت التكوين يتمظهر الانتماء فيها وإليها بتجليات شتي منها التأزم والهروب والرفض والتكاذب ومغالطة النفس؟ وإذا إستبدلنا كلمة أزمة الذائعة في أدب المساجلات ألسودانية بكلمة أخرى أكثر دقة واقل ورودا وهي إلي العامية أقرب - ورطة- فهل تتعلق الورطة بمجري وطرائق تشكل أمة سودانية تحت التكوين مع المشاق التي تصاحب عادة إنتماء أفراد وجماعات تعيش تحت ظلال وطن يبدو أحيانا إفتراضيا وأخري هلاميا وتارة مفروضا عليهم بفوهات البنادق وكثيرا ما يقلب لهم هذا الوطن ظهر المجن في لحظاتهم الرومانسيه معه- فيدمغهم - ودون مقدمات إنهم: حلب، غجر، وعبيد أو مرتزقة من شذاذ الآفاق وإذا لم يجد كل ذلك معهم فتيلا " فللضمان" أنهم من الحثالات التي في القاع .
يبدو هذا الوطن لبعض السودانيين إذا ما أغترب عنهم فضيحة بجلاجل وجرحا عميقا في أغوارالمشاعر ودمغه ووصمة في قسمات الوجه واليد واللسان كما قد لمحت رسيس تلك الأحاسيس وهى تشك مشاعر غير الموسرين بأرضهم في مظاعن النوي بأبر الإستفزاز والشتائم موهبة وفطنة الشاعر محمد المكي ابراهيم : أفريقيا يا أيها الجرح العميق بذاءة فوق البحار.هذا عصير الشمس فوق جبهتي.

"......................................."

والحال هكذا دعنا نتساءل هل تتعلق الورطة بقصور الاكاديميا السودانيه التي اغفلت النظر المنهجي إلى ذلك الانتماء في لفائفه اللولبيه؟ هل استخدمت الاكاديميا السودانيه يوما مقولة الهوية في سياقها السوسيولوجي والمعرفي لقياس العلاقة المتبادلة ودرجة الإنتماء بين المواطن والدولة لتحديد نصيب الفرد من الدولة - ثروة وسلطة وثقافة - ونصيب الوطن من عطاء بنيه وأن يفضي الاستقصاء عن كنه الهوية علي المستوي العملي إلى تنمية الوطن والمواطن والدولة؟ بكلم واحد: هل درست الهوية بوصفها إحدي المفردات الأساس في التنمية المستدامة التي ستعزز إذا تحقق نمو الأمة؟ أم أن كل تلك الاسئلة سالفة الذكر ترقص خارج الحلبة إذ يجري سجال النخبة المتعلمة حول الهوية ليصب في المجري القبائلي المناطقي لتفاضل السودانيين بعضهم فوق بعض درجات في الوقت الذي تم فيه سلفا إختطاف تلك الهوية السودانية التي يدور حولها الجدال والسجال من قبل فئات اجتماعية لا يزيد تعدادها في أحسن التقديرات عن5% من مجمل سكان البلاد ومع ذلك لها إنتماء وتحيز عرقي وإقليمي وديني ولغوي طاغ علي طول البلاد وعرضها ولها مصالح مالية إقتصادية ممعنة في التمركز ولها توجهات سياسية ومذهبية لا تحيد عنها وقد عن لها علي سبيل "إستعينوا علي قضاء حوائجكم بالمراوغة والكتمان" أن تضع يدها على مقولة الهوية السودانية لتنسج منها وتنسخ قناعا فسيفسائيا ليغطي وجهها الي أخمص قدميها ليستر مصالحها وتطلعاتها وأن تستعير في ذات الوقت لسانها لتتحدث بالنيابة عنها عن إيديولوجيتها الخاصة بها .

*ما عرفتها بالورطة وقلت إنها تتعلق بطرائق تشكل الأمة السودانية تحتاج إلى بعض تشريح، وإذا كان ذلك كذلك فما هي أبرز مسببات هذه الورطة لتمثل أمر الهوية؟

(ــ) لورطة الهوية في السودان ثلاث شعب: -1- تضافرت وقائع الرق والعز له التاريخية الطويله في الممالك النوبيه القديمه مرورا بسقوط مروي علي أيدي الأكسوميين حتي نهوض السلطنه الزرقاء 1505 ثم سقوطها 1820 علي أيدي إسماعيل باشا في سياق حضارات وثقافات وأديان وملابسات إثنية وقومية تتلاقي وتتباين وتتنافر تحالفا وإحترابا وتساقطا (من أهمها ثقافات أعالي النيل الابيض والازرق- ثقافات البحر الاحمر- ثقافات السافانا الغربية ـ ثقافات الممالك النوبية القديمة- ثقافات البحر الابيض المتوسط) مع مؤثرات الاحتلال البريطاني المصري 1898 وتبادلت النتائج مع الأسباب الأدوار لتجعل من الهوية السودانية التي صيغ مصطلحها بعد الاستقلال وتداخلت مع طرائق الإنتماء إليها لتكون مصدراً وموضعاً للنزاع والتناحر والتفاخر والتباغض والتشتت والمغالطات إذ تدامجت في صيغه الهوية: اللغة والثقافة والعقيده الدينية والطائفية والأفكار السياسية والمذاهب الفكرية والمصالح الاجتماعية في بوتقة عملة واحدة لها وجهان: العروبة والإسلام.
إذا كان تاريخ التضافر والتداخل والملابسات يعود إلى زمان جد ضارب في القدم ولم يكن للسودان الحديث وجودا بالفعل فيمكننا أن نتلمس على وجه الدقة سارية البداية المعاصرة للهوية السودانية حينما فرض وأطلق محمد على باشا 1820 على بعض سكان وأقاليم الرقعة التي تقع جنوب مصر أسم السودان، وكان ذلك بقوة السلاح والرغبة في الإستيلاء على مناجم الذهب وعلى إنتاج الصمغ العربي وتزويد دولته بمقاتلين أشداء.
ثم أتت بريطانيا من وراء البحار تسعى بتراثها الاستعماري لما وقع إختيارها علي السودان المصري أن يكون لها بالحق أو بالباطل وكان ذلك إبان بحثها المحموم آنئذ عن مصادر جديدة يأتي القطن طويل التيلة منها لمصانعها بعد إندلاع الحرب الأهلية في أمريكا في النصف الثاني من القرن الـ19 الذي أصاب مصانع الغزل والنسيج في شمال أنجلترا بالشح والتقلص والاضطراب.
إتفق لبريطانيا أن تصبح شريكة من الباطن لأسرة محمد على باشا في حكم السودان وأمدت الامبراطورية أسرة محمد علي بخبراء في إدارة المستعمرات كهكس وجسي ورودلف الفونس لاتين (سلاطين) وغردون وآخرين ثم هبت في 1885م العاصفة المهدوية بتوقها الروحي المبهم الذي مزج بين الأصولية الوهابية والتصوف على الطريقة السودانية من أجل تحرير السودان من قهر الاستبداد المصري التركي.
أضافت القوات المشتركة " استرجاع " السودان عام 1889 ــ إذ كان الشريك الأقوى بريطانيا والشريك الأضعف مصر ــ هوية ذات طابع مزدوج وغامض يشق تحديد معالمها للمستعمرة السودانية إذ يتحدث البريطانيون لأعيان السودان وزعماء عشائره وطرقه الصوفية قائلين بلغة البراءة : إنهم أنما قدموا لتلبية دعوة الدولة المصرية التي تزعم ملكيتها المطلقة للسودان وأهله وفي كل الأحوال فأنهم يعملون ليبقي السودان للسودانيين وأنهم على استعداد كامل علي خلاف خيال الأصاغر من خصومهم عنهم أن يعودوا أدراجهم متى قرر السودانيون بكامل رشدهم ذلك ومن جانبهم أكد زعماء العشائر والطوائف الدينية الكبرى ورجال الشرع والطرق أنهم لن يتخلوا عن الانجليز وإذا خرجوا لا قدر الله لطاروا إليهم زرافات ووحدانا.
وتحدثت الإدارة المصرية من جانبها لغة أخرى لأعيان السودان وزعماء عشائره وطوائفه بأنهم أشقاء في المقام الاول "وإنما مصر والأخ الشقيق السودان كانا لخافق النيل صدرا " وأن صلة أزلية قد قدرت أن تصوغ من الإقليمين بلدا واحداً عقيدته الإسلام وهويته العروبة وخافقه وادي النيل.
ومهما يكن من أمر كان لابد جريا مع كل ذلك ان تستسلم نخب السودانيين رغم النسبة والتناسب في تقاربها وتباعدها حفظا لمنافعها أوتحيزا لمآثر سلفها الصالح المصري أو البريطاني أو قناعة كاملة من بعضها بأنها من أدني النيل أو أعلي الفرات أو خضوعا لنفوذ حكم العادة لترداد ما ظل يُوقع على آذانها وتقوم عليه مناهجها الدراسية التي قررت عليها ولم تتحفظ عليها بعد الاستقلال وظلت تغرغر به وتلهج وسائل الإعلام صباح مساء ليصبح مصدرا لفكرها اليومي في شمال السودان ويجني السياسيون الذرائعيون ــ والذين تقوم تجارتهم علي التسوق بالاديولوجيات ــ المن والسلوي من كل ذلك.

*وماذا عن الشعب الأخرى؟

(ــ) الشعبة الثانية تتعلق بتقلص في أحاسيس انتماء المواطنين الذين تم عزلهم وطردهم من مراكز السلطة والثروة ودفعهم قسراً الى الهوامش أو الى المهاجر.أما الشعبة الثالثة فتتعلق بتحول الهوية علي أيدي خاطفيها من الطائفيين والذين آل إليهم الحكم في السودان بالوراثة أو القوة ألعسكرية الى آيديولوجية قوميه ودينية والأخطر من كل ذلك أن حلت الآيدولوجية المستنسخة من الهوية علي طرائق "القطع" والرتق و"الاستبدال و"اللصق" محل المشروع السياسى الشامل الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له في تصورات الطائفيين أو نخبة املتعلمين وجود أو ذكر.

نقلا عن صحيفة الأحداث

انتقل الى الاعلى

Post: #2
Title: Re: الهوية...البروفيسور عبد السلام نورالدين.........
Author: munswor almophtah
Date: 01-22-2010, 01:31 AM
Parent: #1

البروفيسور عبد السلام نورالدين: 2ــ3:
دولة ما بعد الاستقلال السودانية كانت جوادا هزيلا تمطى عليه تاجر المحاصيل والمواشي
الأحزاب تتوكأ على الطائفية والمناطقية والقبائلية في غدوها ورواحها ان لتصوغ نفسها في تنظيمات سياسيه
ورطة الحركات المسلحة أنها أعادت أنتاج الداء الدوي الذي استكن في جسد الاحزاب
غياب الكتلة التاريخية في المجتمع السوداني قد يقودنا إلى جرف الإنهيار
تحول إستقلالنا إلى غنيمة تتجاذبها وتتنازعها النخبه التي تمثلها الفئات

*كيف تنظر إلى المستقبل السوداني؟

(ــ) لا جدال ان الدولة التي انتزعها من قبضة الاحتلال من تحقق الاستقلال السياسي على أيديهم في 1956 تقف بعد مضي أكثر من نصف قرن من الزمان علي رفع علمها 2009على منحدر قد تهوى منه الى هاوية لا قرار لها وذلك هو الفشل الذي أفضى بها ان تصنف من قبل مواطنيها ومن قبل المؤسسات الدولية المعنية بمراقبة احصائية لاداء الدول بأنها عاجزة ومتهرئة وتهدد الجميع بتلاشيها علي منوال الصومال الذي يراه الذين ينقصهم الخيال بعيدا عن السودان.
إذا تجنبنا النظر إلي مستقبل السودان بعيون التفاؤل أو التشاؤم رغم مشقة ذلك، إذ أن التفكير بالرغبات والتوقعات سيما في لحظات الخطر الجسيم يحمل قدرا من تخفيف الألم وقبل ذلك اكثر إغراء من أعمال منطق الوقائع وإستقراء مجراها بشجاعة العقل البارد وأخضعنا فشل دولة الاستقلال الذي تخطي سجال الإعتراف والإنكار الي استقصاء المقدمات منذ نشأة الحركة الوطنية ونظرنا بنفاذ في البنية العشائرية والمناطقية والطائفية للاحزاب السياسية التي انجزت الاستقلال ثم تساءلنا– هل كان لأحزاب الاستقلال التي تولت مقاليد الدولة مشروعا مكتوبا ما؟ وما هو؟ لم فشلت الاحزاب الكبري؟ هل لغياب أي مشروع لها أم لهشاشة في بنية تكوينها الحزبي الذي يخضع السياسة للامامة والقاعدة الجماهيرية العريضة لمصالح القمة في الاسر الطائفية ؟. لم أقتصر الطريق الي البرلمان الأطروحة الكبري للسيد إسماعيل الازهري(1900-1969) أستاذ الرياضيات بكلية غردون التذكارية - اول رئيس لمؤتمر الخريجين 1938 وأول رئيس للوزراء في السودان 1956 علي طرائق الانتخاب في الجمعيات والاتحادات والمؤسسات في النظام الديمقراطي ولم يتضمن نهجا او تصورا أو حتي مجرد ذكر للتنمية او عمران السودان؟ هل كانت دولة الازمة التي تولت وادارت بها الجبهة الاسلامية القومية السلطة والثروة والسكان في البلاد منذ الثلاثين من يونيو -1989 من مقدمات الفشل الحالي أم تجسيدا مرعبا لنتائج وتداعيات كامنة في مقدمات سابقة لتشكلها ما يقارب خمسين عاما (1938-1985) لوجودها؟

*إذن كيف تنظر لمقدمات دولة الاستقلال والنتائج والتداعيات؟

(ــ) لقد عجزت الحركة الوطنية في السودان التى أعلنت وجودها المنظم بمؤتمر الخريجين فى 1938م وشكلت لها أحزاباً سياسية ومؤسسات مدنية – من نقابات واتحادات وروابط وجمعيات منذ عام 1945م وتحقق على يدها الاستقلال في 1956م - أن تقدم مشروعا شاملاً للنهوض والتنمية البشرية المتواصلة والشأن كذلك تحول الاستقلال إلى غنيمة تتجاذبها وتتنازعها النخبه التي تمثلها الفئات التالية : قيادات الطائفية والصفوة من المتعلمين في احزابها، قيادات الخدمة المدنية والعسكرية، رجالات الإدارة الاهلية، بيوتات الطرق الصوفيه، رأسمالية تجارة الصادر والوارد وملاك مشاريع القطن في النيل الابيض والزراعة الالية في القضارف . بررت الحركة الوطنية التى آل اليها الاستقلال عزوفها عن التصدى لقضايا البناء الاقتصادي والاجتماعي والثقافي الشامل في وطن متعدد القوميات والاديان والأعراق والثقافات واللغات - أن المرحلة تقتضى تحريراً من الاستعمار والقضاء علي عقابيل مخلفاته وليس تعميراً أو تنمية وقد شجعها وغرر بها آنئذ 1956 ان عدد السكان كان صغيراً (13 مليون) فى بلد متعدد الموارد كبير المساحة ( واحد مليون ميل مربع- عاشر قطر في العالم) - إذ كان السودان جزءاً من الاقتصاد العالمي وقد عزز الازدهار – الاقتصادي BOOM إرتفاع اسعار القطن في البورصات العالمية نتيجة الحرب الكورية 1953 وقد واكب ذلك صعودا في الحركة الوطنية (الاتفاقية 1952) وتراجعا من قبل البريطانيين فى وجه التقدم المتصاعد لقوي الاستقلال، الامر الذي ثبت انطباعا خاطئا لدي قوي الاستقلال– بتلازم ما بين حركة التحرير ودوام تلقائية الازدهار الاقتصادي الذي يضرب بأسبابه في الخطوط الحديدية ذات الكفاءة العالية – ومشروع الجزيرة والزيداب واروما ومؤسسة جبال النوبة الزراعيه في جنوب كردفان بإدارات مستقلة ويرعى كل ذلك جهاز رفيع للخدمة المدنية – ونظام تعليمي يسير مسترشدا بمقررات التعليم العام فى بريطانيا .

*وماذا عن دور السيد إسماعيل الأزهري والذي دائما ما يكنى بأبي الوطنية؟

(ــ) لم يكن السيد اسماعيل الازهري في حاجة الي الغوص في متون العلم الحديث للبحث عن المصادر الطبيعية والبشرية والتمويل والاطارالزمني اللازم لإعمار السودان بعد خروج البريطانيين إذا بدا له كل ذلك تحصيل حاصل وفي طلعة الشمس ما يغنيك عن زحل أما الذي ينقص السودانيين حقا كما قد بدا لحفيد السيد المكي ساعتئذ فهي المعرفة بأصول الإقتراع التي تمكنهم من نصب الرجل المناسب في المكان المناسب وفق اللوائح والمضابط في مجلس العموم والشيوخ البريطاني ولسد ذلك النقص المريع في ثفافة السودانيين الديموقراطيه صدر للسيد أسماعيل الازهري كتابه "الطريق الي البرلمان". الحقيقة أنه أفضى شد التجاذب والتنازع الملحاح للفئات الآنفة الذكر في تداخلها تحالفاً وتضاربا مع بعضها البعض ومع قوى المجتمع المدني- صغير الحجم- وضده في آن واحد الى سباق مبادلة أعمي للهيمنة علي السلطة والثروة فى السودان وكانت النتيجة دورات محمومة من الانقلابات العسكرية تعقبها انتفاضات مدنية عارمة تطيح بها من جديد ذات الانقلابات ببيانات تعيد انتاج نفسها بديباجات ذات طابع هلامي.

*كأنك تحاول هنا تحميل غالب النخب مسؤولية هذه الدورة السياسية التي تتجاذبها تدخلات المؤسسة العسكرية والإنتفاضات الشعبية؟

(ــ) نعم..كانت محصلة تنازع النخبة وسباق مبادلتها صوب السلطة والثروة ان قد خرج السودان من خارطة الاقتصاد العالمي واهملت مرافق ومؤسسات الانتاج الاساس: الكهرباء- الخطوط الحديدية- المشاريع الزراعية الكبري والمصانع التي تنشأ عادة مع بداية كل دورة عسكرية جديدة وانتفاضة مدنية ثم تذوي رويدا لتموت بعد حين.
لم يعرف السودان منذ الاستقلال 1956 تلك التي يطلق عليها التنمية المتواصلة وتركزت خدمات الماء والكهرباء والتعليم والصحة والمواصلات ووسائط الاعلام والبنوك والحراك الثقافي في مثلث دنقلا – كوستي – سنار لتوفر البنية التحتية والقاعدة الانتاجية ( مشروع الجزيرة – توليد الكهرباء – الطرق - والخطوط الحديدية – والتعليم والتجانس الاثني والقومي ) واهملت بدرجات متفاوته – بعداً وقرباً من ذلك المثلث كل اقاليم السودان اقصى الشمال - الشرق – الغرب – والجنوب وكانت النتيجة اقصاءا وحرمانا شبه كامل لكل اقاليم السودان الشمالي المسلم الذي يقع خارج المثلث المختار ثم اندلعت الحرب مع جنوب السودان فى عشية الاستقلال 1955 لتستنزف موارداً بشرية ومادية كانت كافية لتنمية ذلك الاقليم، الجدير بالتسجيل ان قد اصاب " الخدمات فى المثلث المختار نفسه " تدهورملحوظا حيث ضجت واحتجت فئات العاملين في حاضرة البلاد والمدن الكبري من تدني معيشتها واسلوب حياتها.

*إلى أي مدى إنعكس هذا التدهور على مستوى بنية الدولة؟

(ــ) كان من النتائج الوخيمة التي ترتبت علي ذلك العجز والاهمال في تداخل مع سباق المبادلة المحموم لفئات الصفوة شطر السلطة والثروة ما يمكن إيجازه في التالي: -إغفال كامل لحماية البيئة الطبيعية وتنميتها مع التخلي في ذات الوقت عن مكافحة آفات الزراعة والحيوان سيما في اقاليم الري المطري في شمالي كردفان وشمال دارفور مما افضي إلي مزيد من التصحر والجفاف مع تدهور للتربة بوتائر عالية وكان طبيعيا ان تتقلص مساحات الرعي والزراعة والتحطيب وان يختل التوازن البيئي والسكاني وان يؤدي ذلك في سياق مجتمع تحوز فيه القبائل الارض والكلأ ومساقط المياه ان تتفجر النزاعات والحروب حول ملكية الارض والمراعي وموارد الماء والنفوذ في سياسة الديار وكان ذلك جليا في جنوب النيل الابيض وشرق النيل الازرق وشقيق الماجدية وجنوب كردفان وجنوب دارفور وشرق السودان كما قد أشارت مرارا وتكرارا تقارير مصلحه المراعي والعلف في مطالع عقد السبعين 1970. لم تك الدوارات المتسارعة للمجاعات التي تخلف مواسم الجفاف المتعاقبة واكثرها دمارا وسوءا في الصيت مجاعة 1985-1993 سوي التعبير المأساوي عن الخلل الذي اصاب البيئة الطبيعية ومجتمع المنتج الصغير وعموم السكان في غياب خدمات الدوله ومسؤوليتها .

"....................................................."

(ــ) من عجائب دولة ما بعد الاستقلال السودانية أنها قد كانت جوادا هزيلا تمطى عليه تاجر المحاصيل والمواشي والفحم ومالك المشروع الزراعي مستعينين بخبرات السائس ـ الافندي المتخم بوجبة السودنة الدسمة ثم لحق بهم ضابط الجيش الذي كان يتلمظ لتبطن السلطة، وعلى الطريق إلتقي بهم رجل الإدارة الأهلية ليتحفهم بمفارقاته وطرائفه وشواء ذبائحه والعلف المجاني الذي يتملق به جوادهم الذي قصموا ظهره بتداولهم عليه جميعا مرة ونصفهم تارة أخرى ـ تلك الدولة قد سقطت منها الذاكرة التي ورثتها من بريطانيا ولم تعد تذكر حتى واجباتها الاولى في كردفان ودارفور والبحر الاحمر التي شبت عليها في المهد منذ 1898 كمكافحة الآفات الزراعية من ابابيل الطير والجراد والفئران وحماية الحيوانات الوحشية ووقاية النباتات وصيانة التربة وانشأت لها المصالح والادارات والوزارات وكلها تجري لتصب في حماية البيئة والتصدي لزحف الصحراء".
2-أطلقت الدوله يد تجارها في كردفان ودارفور وشرق السودان فعاثوا نهبا في الموارد( المحاصيل بانواعها والثروه الحيوانيه والتمباك في دارفور والكروم والمعادن في شرق السودان)، أما ملاك مشاريع الزراعة الالية في القضارف، الدالي والمزموم، جنوب كردفان، جنوب دارفور فقد قدموا شهاده حية ان دمار البيئة وصناعة التعاسة لمئات الآلاف من السكان المحليين كان مصدرا لثرائهم وسعادتهم علي المستوي الخاص.
لم تكتف الفئات التي آل إليها الاستقلال ان تنصرف عن تنمية البيئة واقتصاديات المجتمع فحسب ولكنها انكرت أيضا هوية السودان التعدديه( مجتمع متعدد الاعراق- متعدد القوميات-متعدد الاديان- متعدد الثقافات- متعدد اللغات- لغه130) وابتسرت كل ذلك في دين واحد ولغة واحدة وثقافة واحدة- الاسلام والعروبة.
تفاعلت مآزق غياب التنمية المتواصلة مع الدمار الذي لحق بالبيئة والزراع والرحل مع النهب التجاري المنظم تحت الحماية المباشره للمركز وافضت إلي إنهيار مجتمع المنتج الصغير في شمال كردفان وفي شمال دارفور حيث لم تبق سوي خيارات جد محدودة وكلها تعيسة لسكان تلك الاقاليم كالهجرة الداخلية والخارجية والنهب المسلح او الانضواء في جيوش الارتزاق التي تمولها الدول المجاورة ولما كان ذلك قد تم في سياق إلحاق وإبتسار كل القوميات والثقافات والاديان واللغات السودانية في لغه وثقافة ودين وقومية المركز العربية الاسلامية التي لاتتجاوز وسط شمال السودان فقد قاد ذلك الي أزمة عامة في الهوية والمواطنة والوجود الاجتماعي انتظمت كل السودان افرادا وجماعات واعراق وقوميات وشرائح وفئات وطبقات اجتماعية واقاليم.
في هذا السياق والاطار النظري يتسني لنا النظر الي أزمة كردفان والحرب في دارفور وفق خصوصياتها في التاريخ والجغرافيا والبيئة و حركة السكان في مجري الاستقرار والترحال والانتاج ونظام ملكية الارض والعلاقة مع المركز وقبائل وطموحات دول الجوار وتفشي تداول السلاح وإنبعاث ثقافه النزاع والحرب.
ثم أتت الحركة الاسلامية بإنقلابها في الثلاثين من يونيو1989 لتسير بتلك الازمة العامة إلي نهايتها المنطقية والتي عبرت عن نفسها في كل أقليم طبقا لخصائص المكان والزمان.
ظل السودان ومنذ اليوم الاول في الاستقلال بخطي ثابتة قد تبطئ احيانا ولكنها ماضية شطر جرف الانهيار وذلك قد يعزي "لغياب ما يمكن ان نطلق عليها ـ الكتلة التاريخية في المجتمع السوداني، تلك القوة الاقتصادية والاجتماعية الضاربة التي كان من المتوقع منها في حال وجودها بالفعل وليس بالقوة، ان تستجيب بجسارة لتحديات التنمية البشرية الشاملة، كجزء اصيل من تكوينها البنيوي، لترقية ذاتها وشرائحها وفئاتها وطبقاتها الاجتماعية ذات الطابع المدني. وان يتأتى لها في سياق ذلك ان تستقطب كل مؤسسات المجتمع الاهلي من طرق صوفية وطوائف دينية وتجمعات اقليمية وقبلية لتسهم قدر إستطاعتها في ذلك النهوض التنموي .

*وكيف ترى صراع دارفور؟

(ــ) السؤال هو لماذا نجحت الحركات المسلحة في دارفور والبحر الاحمر ان تقسر دولة الانقاذ التي أعلنت باستعلاء أضحي" ماركة مسجلة" لها أنها لا تعترف بمعارضيها إلا في ميادين القتال ان تجنح صاغرة للسلم وأن تجلس معها حول مائدة المفاوضات ثم تعجز تلك الحركات ان تحقق الحد الادني من مطلوبها في الخدمات والتنمية التي دفعت بها الي حمل السلاح في المقام الاول ثم يكتفي بعض قادة الحركات المسلحة من محصول مفاوضات الحرب وحرب المفاوضات ان ينقل مقراته من تلال البحر الاحمر ووادي هور أو حسكنيتة الي داخل القصر الجمهوري علي أن يتقاضي علي ذلك اجرا ولا ضير ان يستصحب الانسان في ردهات ذلك القصر الذي تبوأه يوما غردون باشا من لا يلائمه .
إن ورطة الحركات المسلحه في شرق السودان ودارفور علي وجه أكثر مأساويه أنها أعادت أنتاج الداء الدوي الذي استكن في جسد الاحزاب التي آل إليها الاستقلال وتحول علي مدي ستين عاما الي عدوي مزمنة قضت عضوا فعضوا علي كل ضروب المناعة في بدن الاحزاب المتهالك ويتمثل في الغياب الكامل لأي مشروع مدروس ينهض باعباء التنمية البشرية الشاملة مع فوارق جد جديرة بالاهتمام.
إن احزاب دولة الاستقلال استندت إبان تشكلها علي نهوض سياسي محلي سودانى وآخر عالمي بعد نهاية الحرب العالميه الثانية وأن قد تأتي لها رغم الطائفية والمناطقية والقبائلية التي تتوكأ عليها في غدوها ورواحها ان تصوغ نفسها في تنظيمات سياسية جماهيرية مفتوحة وان تطرح نفسها علي المستوي القومي الواسع أما الحركات الاقليمية المسلحة فلم تتخط اعتاب التنظيمات العسكرية التي تدافع في أحسن الاحوال عن ألارض والقبيلة والدار بأفق الانتماء العرقي وطموحاته

"........................................................"

(ــ) لقد ورثت احزاب دولة الاستقلال إدارة إستعمارية رفيعة الخبرات والتجارب ولها قوة دفع ذاتي عاشت عليها سنين طوال أما الحركات المسلحة فقد ورث بعضها تقاليد النهب المسلح وأخري دوامات الحروب الاهلية في تشاد وتشربت كلها من أمواه فقه الضرورات لدولتي ليبيا وارتريا . قد أعاق التشتت والتشرذم والانطواء العرقي والمناطقي نمو الحركات المسلحة وحاصرها بفوهات بنادقها في معاقرها وسد عليها المنافذ واضحي سياجا شائكا أمامها كلما تطلعت ان تتحول إلي احزاب سياسية مفتوحة لها برامج ومشاريع ورؤي علي مستوي الاقليم والوطن وقد تكفل وضع البندقية امام السياسة ووضع القبيلة امام الاقليم ووضع العربة امام الحصان بهزيمة الحركات المسلحه علي مائدة المفاوضات مع وفد الدوله المركزيه .
لابد ان قد تكشف لدولة الانقاذ التي تناسخت بفضل إتفاقية نيفاشا في المؤتمر الوطني أن تتربص بصبر محسوب لتشن الحركات المسلحة حروبها العشوائية لزمان طويل ليصاب قادتها بالرهق وشيئا من اليأس ثم تبعث لهم دولة المركز وسيطا منها ومنهم يدعوهم الي مائدة المفاوضات التي سقطت عليها من السماء- وهناك تتعامل الانقاذ مع قاده الحركات المسلحة كما يتعامل الاطفال مع طائر السمان الذي يقطع المسافات الطويلة من شمال البحر الابيض المتوسط الي مدينة الاسكندرية في الجنوب بجولة واحدة من الطيران المتصل حتي إذا حط بسيقانه في الارض عجز تماما عن الحركة من الوني فيصبح صيدا سهلا وسائغا للاطفال الذين ينتظرون دائما حلول الخريف بفارغ الصبر لتنمية مصروفاتهم المدرسية من مطاعم شواء السمان وعشاق لحوم الطيور في المدينه التي بناها الإسكندر المقدوني .

*وكيف ترى الفرصة لتحقيق سلام دارفور؟

(ــ) يبدو عسيرا النهوض بأعباء السلام في أقليم دارفور دون أن يتصدي لذلك أبناؤه وفي مقدمتهم الذين كابدوا ويلات الحرب وبنفس القدر يشق أعادة ما دمرته الحرب والتصدي للتحديات الاولي التي تبادلت مع تداعيات نتائجها المواقع دون ان تكون هنالك رؤي وبرامج واطروحات شاملة ومتواصله تنهض بها حركات سياسية ذات طابع جماهيري واسع وذلك يفترض كخطوة أولي ان تتحول الحركات الاقليمية المسلحة في دارفور إلي احزاب سياسية مفتوحة لكل ابناء الاقليم ولكل ابناء السودان من الجنسين .

انتقل الى الاعلى


صلاح شعيب



--------------------------------------------------------------------------------


البروفيسورعبد السلام نورالدين:3ـ3:
أغمضت النخب عيون أقلامها وأحزابها عن إجلاء الحقيقة التي يشق إنكارها
توفرت في بشير محمد سعيد كل مواصفات المثقف المؤهل أكاديميا وحرفياً
يعد النظر الي تاريخ الممالك النوبية القديمة ضلالا مقدسا لدي بعض الأميين
لم يك لهذا السودان وجود قبل مئتى عام
لا نبارح المربع الأول كلما حاولنا مقاربة الهوية السودانية



*المثقف السوداني:ماهي حسناته وعيوبه وهل يتحمل بعض الوزر في فهم كيفية العلاقة بين السلطة والمثقف مابعد فترة الاستقلال؟

(ـ) يفترض هذا السؤال الذي لا يخلو من ظلال أخلاقية، كما تشير دلالات " العيوب والحسنات والاوزار" أن قد كان المثقفون السودانيون جسما واحدا وأن الذين شاركوا في السلطة منهم قد لعبوا دورا وسيطا بين السلطة وجمهور شريحتهم الاجتماعية. يبدو أن هذا الافتراض لن يصمد كثيرا للجس الفاحص إذا لم يك المثقفون السودانيون يوما جسما واحدا، ولم ينتموا جميعا إلي شريحة واحدة، أو إلي جيل واحد وقد لعبوا أدوارا سياسية جد متباينة إلي حد التقابل بالتناقض فإسماعيل الازهري ومحمد عشري الصديق وعبدالله عشري الصديق وعبدالخالق محجوب والصديق المهدي وعبد الوهاب زين العابدين عبد التام ومحمود محمد طه وابراهيم بدري وعلي طالب الله والدكتور آدم أدهم قد خاضوا بدرجات متفاوتة من مواقعهم المذهبية ومواقفهم السياسية وإنتماءاتهم وتحيزاتهم الاجتماعية كمثقفين نالوا قدرا من المعرفة والعلم لم يتوفر لغيرهم وكأفراد يتمايزون في المواهب والقدرات والمهارات خاضوا معترك الاستقلال ولكل ذلك ليس عدلا أقحامهم في سلة واحدة.
أرجو ان نتوقف قليلا قبل الاستشهاد بلسان العرب أو معجم أكسفورد في تعريف الثقافة وتصنيفها لدي نماذج محلية سودانية مثيره للنظر والاعتبار بمعيار الحد الأدني للحس السليم الذي يفضي بصاحبه إلي الوقوف الي جانب الحقيقة كما تحدث عنه عبدالخالق محجوب وبنهج ونمط آخر للمنقذ الصغير الذي لا يماثله أحد في اداء دوره الهام. .

*ولكن دعنا في الأول نعرف ماذا قال عبد الخالق؟

(ـ) إعتلي الأستاذ عبد الخالق محجوب (1927-1971) ــ ولم يك يوم ذاك في كامل وسامته المعتادة التي لم يتخل عنها حتي في الحالكات من أيام محاكمته التي قضت بإعدامه في يوليو عام 1971م ــ منصة المتحدثين بمقر إتحاد جامعة الخرطوم في تلك الأيام العاصفة من عام 1965 حينما تدبرت أحزاب الأمة والوطني الإتحادي وجبهة الميثاق الإسلامي أمرها وقر قرارها علي إسقاط عضوية الحزب الشيوعي من الجمعية التأسيسية وطردهم بالكلية من الحياة السياسية وتحدث الأستاذ عبد الخالق بأسى وغضب وتحدٍ في تلك الليلة قائلا :
"إننا نواجه هجمة همجية شرسة ولكني على ثقة أن كل سوداني يعني بغسل ملابسه الشخصية ويقوم بكيها وقد سمع بنا وعنا ومنا سيقف معنا في هذه المحنه التي لا محالة زائلة. وفي مكان جد بعيد من مقر إتحاد جامعة الخرطوم لم يكن لأحد رؤساء المحاكم الأهلية بإحدى صغرى المدن النائية إحساسا قويا بحركة الزمن، ويبلغ ذلك التشويش الزماني في دماغ رئيس المحكمة الأهلية حدا يشق معه أن يتحكم احد في فورة الغضب التي تعتريه إذا لم يصدع احد المتخاصمين ظالما او مظلوما داخل محكمته لأمره أو تجرأ أحدهم فتخطى الآداب المرعية في التخاطب معه أثناء الترافع أمامه آنئذ لا يتورع رئيس المحكمة الذي يشتاط غيظا ان يصدر في الحال أحكاما رادعة بالسجن علي من قل الادب عليه، قد تمتد لآلاف السنين كأن يقول مثلا لمن يعنيه الخطاب ــ حكمت عليك المحكمة بخمسة آلاف سنة او سبعين ألف سنة وقد تمتد السنين إلى أي رقم يتدافع الي فمه مع إرتفاع موجة إستبداد الحنق في أعصاب رئيس المحكمة، آنئذ يجتاح طوفان الرعب قاعة المحكمة ويضطر بعض الأعضاء الذين لا يحلو لهم النوم العميق إلآ في أثناء انعقاد المحكمة إلى التيقظ فجأةً فلا يعرفون من أين يلتقطون حبل ما فاتهم، أما الذي ينقذ الجميع في تلك اللحظة ابتداء من رئيس المحكمة والأعضاء والمغضوب عليهم والشهود والمارة الذين يتوقفون بدوافع حب الاستطلاع فيعثرون علي أنفسهم طرفا أصيلا في ما يجري فهو كاتب المحكمة الذي يحول بهدوء تام كل الاصفار التي تقع على يمين الأرقام التي نطق بها رئيس المحكمة إلى شمالها فإذا كان الحكم 100000 مائه الف سنة مثلا تصبح يوما واحدا وإذا كانت 300000 سنة إلي ثلاثة أيام وإذا كانت 8000000 إلي ثمانية ايام، وهكذا دواليك مع كل الاصفار العديدة التى تقع علي يمين الأرقام، أما إذا كان الحكم الذي نطق به رئيس المحكمة في إطار الايام والشهور فستبقي على ما هي عليه مادامت في مدار السلطات الممنوحة له والتي لا ينبغي لها أن تتجاوز عاما واحدا للفرد الواحد.
حينما أصابت حمى الملاريا كاتب المحكمة وظل طريح الفراش بمزله لوقت غير قصير أضطر رئيس المحكمة لإغلاقها حتي يمن الله علي كاتبه بالشفاء إذ تراكمت أثناء غيابه الإحكام المطلقة وعمت الفوضى المدينه الصغيره حين مرض المهدي المنتظر - اللقب الذي أطلقه المواطنون على كاتب المحكمة . ألا يدخل مثل ذاك الذي يعني بغسل جلبابه وكيه ويناصر بفطرته السليمة رؤي العقل في السودان وله علي قدر ما تتمرأي له الحياة مواقف منها وذاك المهدي المنتظر " كاتب المحكمة" الذي يُعِمل حكمته ومعرفته بسيكولوجية الولاة فينقذ سكان مدينته من مغبة بطش الحاكم ومن سوء سياحة الأرقام بلا دليل في دماغه ألا يدخلون في باحة الاستناره بجداره؟.

*نعود إلى أمر المعاجم التي تعرف المثقف، ولكن هل المعاجم وحدها تكفي؟

(ـ) يستدعي المصطلح "المثقف" والثقافة" والمثقفون" إيراد اكثر من مرجعية نعتمدها في المصادر المتجاورة التي ترفدنا حينما نلجأ اليها وكثيرا مانفعل ذلك. قد ورد الفعل:
ثقف: ثَقِفَ الشيءَ ثَقْفاً وثِقافاً وثُقُوفةً: حَذَقَه. ورجل ثَقْفٌ (قوله «رجل ثقف» كضخم كما في الصحاح، وضبط في القاموس بالكسر كحبر.) وثَقِفٌ وثَقُفٌ: حاذِقٌ فَهِم، وأَتبعوه فقالوا ثَقْفٌ لَقْفٌ. ابن السكيت: رجل ثَقْفٌ لَقْفٌ إذا كان ضابِطاً لما يَحْوِيه قائماً به. ويقال: ثَقِفَ الشيءَ وهو سُرعةُ التعلم. ابن دريد: ثَقِفْتُ الشيءَ حَذَقْتُه، وثَقِفْتُه إذا ظَفِرْتَ به. قال اللّه تعالى: فإِمَّا تَثْقَفَنَّهم في الحرب. وثَقُفَ الرجلُ ثَقافةً أي صار حاذِقاً خفيفاً مثل ضَخُم، فهو ضَخْمٌ، ومنه الـمُثاقَفةُ. وثَقِفَ أَيضاً ثَقَفاً مثل تَعِبَ تَعَباً أَي صار حاذِقاً فَطِناً، فهو ثَقِفٌ وثَقُفٌ مثل حَذِرٍ وحَذُرٍ ونَدِسٍ ونَدُسٍ؛ ففي
حديث الهِجْرةِ: وهو غلام لَقِنٌ ثَقِفٌ أَي ذو فِطْنةٍ وذَكاء، والمراد أَنه ثابت المعرفة بما يُحتاجُ إليه. وثَقِف الرجلَ: ظَفِرَ به. وثَقِفْتُه ثَقْفاً مِثالُ بلِعْتُه بَلْعاً أَي صادَفْتُه؛ وقال: فإمّا تَثْقَفُوني فاقْتُلُوني، فإن أَثْقَفْ فَسَوْفَ تَرَوْنَ بالي وثَقِفْنا فلاناً في موضع كذا أَي أَخَذْناه، ومصدره الثِّقْفُ. وفي التنزيل العزيز: واقْتُلوهم حيثُ ثَقِفْتُموهم. والثَّقاف والثِّقافةُ: العمل بالسيف؛ قال: وكأَنَّ لَمْعَ بُرُوقِها، في الجَوِّ، أَسْيافُ الـمُثاقِفْ) والثِّقافُ إلى أَن تقوم الساعة، يعني الخِصامَ والجِلادَ. والثِّقافُ: حديدة تكون مع القَوَّاسِ والرَّمّاحِ يُقَوِّمُ بها الشيءَ الـمُعْوَجَّ. وقال أَبو حنيفة: الثِّقافُ خشبة قَوية قدر الذِّراع في طرَفها خَرق يتسع للقَوْسِ وتُدْخَلُ فيه على شُحُوبتها ويُغْمَزُ منها حيث يُبْتَغَى أَن
يُغْمَزَ حتى تصير إلى ما يراد منها، ولا يُفعل ذلك بالقِسِيّ ولا بالرماح إلا مَد هُونةً مـمْلُولةً أَو مَضْهوبةً على النار مُلوّحة، والعَدَدُ أَثْقِفةٌ، والجمع ثُقُفٌ، والثِّقافُ: ما تُسَوَّى به الرِّماحُ؛ ومنه قول
عمرو: إذا عَضَّ الثِّقافُ با اشْمَأَزَّتْ، تَشُجُّ قَفا الـمُثَقِّفِ والجَبِينا)

........................................................؟

حسناً ، إذا كانت الثقافة تعني في التراث العربي ــ الحاذق ــ المشذب والمهذب فهل كان السيد عبد الرحمن المهدي (1885-1959) مؤسس المهدية الجديدة ــ الذي نهض كطائر الفينيق ــ بنفسه وبأسرته من رماد العوز والإدقاع وطار بأجنحة من فضة وبحمولة من ذهب وحط بساقيه على شماريخ جبل يعصمه ويعصم بنيه وأحفاده جيلاً بعد جيل من الفقر الذي أقسم الإمام على بن أبي طالب رضي الله عنه أن لو قد برز إليه في صورة رجل لخضب حسامه شعر مفرقة- وقد كان هذا السيد كما سارت الأمثال ــ بذكره مشذباً مهذبأ وقد علم السودان كله أنه الحاذق الذي يجري ولايجري معه إلا البريطانيون فهل كان بذات القدر مثقفاً ووسيطا يدخل في عٍداد الذين يتحملون بعض الوزر في القطيعة بين السلطة والمثقف التي وقعت بعد الاستقلال؟ وهل ينطبق علي السيد عبدالرحمن المهدي كما يفيد السؤال ترسيم المثقف بحدود دلالته التي وردت في السؤال الآنف الذكر أم كان السيد عبدالرحمن أميرا يتحلق حوله المثقفون من أمثال الشاعر البنا وعبدالرحمن شوقي وأحمد محمد صالح عضو مجلس السيادة بعيد الاستقلال ومحمد احمد محجوب رئيس الوزراء. ما هي الفواصل بين الامير المثقف ومثقف الامير؟ وأين يقع في خارطة الثقافة السودانية الحسيب النسيب على الميرغني 1885-1968م الذي لم يكد يراه من أتباعه قبل الاستقلال وبعده إلا خلائف الخلفاء وعلى بقية المحبين إقتناء قوارير عطر "الشبراويشي" من شمال الوادي إذا رغبوا في التمتع والتبرك به وبصورته وبما تضوع منها وفاح ولا جناح عليهم إذا إكتفوا من غنيمة المشاهدة بتلاوة مولد اجداده البرزنجي، وقد كان السيد على الميرغني ايضا مهذباً مشذباً نادر الكلام حاذقاً أقرب في تلثمه وخفائه إلى الأئمة المستورين في العقد المنضد للشيعة الإمامية الأثني عشرية في النجف الأشرف والعتبات المقدسة بقم ومرغن من بلاد آسيا الوسطي- فهل ينضوي السيدان على الميرغني وعبدالرحمن المهدي مع أبو آمنه حامد وصلاح أحمد أبراهيم ومحمود حسيب وبدرالدين مدثر وعبدالله زكريا وخليل عجب الدور في سلك الافندية المثقفين بتبنيهم المشترك بأختلاف المسالك والمعارج للآديولوجية الاسلامية العربيه؟.

*............................................................؟

وإذا كان لمصطلح الثقافة (وما اشتق منها المثقفون) الذي أستقر في العربية المعاصرة دلالات جد مختلفة في اللغات والمجتمعات الغربية (Intellect، Intellection،Intellectual intellectualism، intellectual، property، Intelligentsia) إذ يشتق المصطلح من العقل وإعماله بإبداع وخلق في النظر والتطبيق ويقتضي بالضرورة وحدة التفكير والتنفيذ في مجتمعات الحداثة أو مابعدها سواء كان الفضاء عمرانا بشريا أو طبيعياً ويتباعد بدرجات لها حساب من الثقافة بدلالة التهذيب والتشذيب والحذق التي تشتق من العزق والفلاحة واكثر إلتصاقا بما ترسب من المعرفة في السلوك فإلى ايهما إذن تنتمى تلك الشرائح ؟ الاجتماعية التي أطلق عليها السودانيون منذ نشأة المدارس الحديثة على يد حكم الثنائي – 1898- 1956 : أسماء ونعوت مختلفة : الأفندية - المتعلمون - الأساتذة - متفرغ سياسي - الدكاترة - المهنيون - المشايخ - المولانات ( جمع مولانا ) وأين ينضوي بجدارة أمثال الشيخ بابكر بدري، وبابكر التليـب، ومحمد سعيد العباسي؟، وكيف نصنف هؤلاء الذين اسهموا في البناء التعليمي الموازي للمدارس التبشيرية والكمبوني والأقباط المصرية والانجيليات في شمال السودان، هل هموا رواد للحداثة في مجراها الديني؟ أم دعاة للتقليد في سياق الحداثة – كالأستاذ الشيخ مولانا أحمد محمد الصادق الكاروري بمعهد كريمة العلمي ونوري، شيخ آدم بمدني - والشيخ عباس الفكي على بالنهود والشيخ محمد أحمد سوار بالفاشر والشيخ محمد عبد الباقي بالاُبيض والأستاذ الشيخ صديق عمر الإمام من أم درمان.

*........................................................؟

(ـ) يبدو أن مفهوم الثقافة الذي يستقي مصادره من إشتقاقات وردت في لسان العرب والقاموس المحيط ومختار الصحاح أو يستمد التعريف والتوصيف الحرفي من اللغات والحداثة الغربية ومعاجمها لا يتسع إلآ بتعسف وإقحام ليشمل كل بانوراما الحراك الثقافي السوداني الذي يتمدد بأطرافه ليدخل في رحابة كل من أشعل شمعة لإنارة البيت السوداني - من مدرسي ومدرسات الابتدائيات والمساعدين الطبيين والقابلات وكتبة المحاكم الاهلية في الاقاليم إلي معلمي اللغة العربية والدين الذين لايلمون باي لغة أجنبية ولم يتزودوا إلا بالنذر القليل من العلوم الطبيعية.

*........................................................؟

ليس في نطاق هذا الحوار إستقصاء العلل والمعلولات في مجري المقدمات والنتائج التي تشابكت وتداخلت وتضافرت فقعدت بالمجتمع السوداني أن يكون والداً وولداً لكتلة تاريخية ذات بنية حديثة صاعدة تخرج به من حمأة التحيزات العرقية والمناطقية والطائفية والدينية الاصولية التي طفحت ببشرته منذ اليوم الأول في الاستقلال إلي رحاب المجتمع الواسع الذي يحمل في باطنه كل مقومات نهوضه. عزونا العجز والقعود إلي غياب المشروع السياسي الشامل – (كما قد تلمسنا ذلك في الحلقة الثانية) الذي (عجن و خلق- بتشديد الجيم واللام ) بدوره ظواهر ومظاهر تتناسخ من العجز والقعود لتتمرأي بها في كل أوجه الحياة في السودان ويبدو ذلك دون مواربة في كل باب يطرقه المواطن من توفير الماء الصالح لشرب الانسان والحيوان إلي خفاض البنات فيتفتح عليه الجحيم باللهب والشظايا ليطارده وإذا لم ينجو بنفسه إلتهمه ثم تربص بأخيه وصديقه وجاره. ملحاحا ذاك السؤال الذي يبدؤ نفسه ويعيد - لم ظلت نخب الأفندية - المتعلمين - المثقفين – بتعدد الشرائح والفئات والأجيال التي ينتمون إليها ومنذ ان اصدر محمد احمد محجوب وعبدالحليم محمد كتابهما" موت دنيا " وحتي إتفاقية نيفاشا 2005 لا تبارح المربع الأول كلما حاولت مقاربة الهوية السودانية وهي من مقولات المواطنة في سياق التنمية المتواصلة - فتحصرها في تنازع سؤال الثنائية العقيمة :- أجب بلا أو نعم أعربي أنت أم لا؟ - أكافر أنت أم مسلم ؟.
لم يطف بخلد هذه النخب يوماً أن تضع في مقدمة أجندتها البحث عن الشروط والمقومات لنهوض ثقافي شامل لأمة حديثة التكوين متعددة الثقافات واللغات والأديان وان ليس من اليسر التعرف على المقومات الروحية للامة السودانية دون البدء بكتابة لغاتها - للتعرف على آدابها على الأقل - كتابة الكبرى منها كخطوة أولى كالتبداوية – الدينكاوية ولغة الشلك والنوير والآشولى، اللغة الدنقلاوية، لغة الفور والزغاوة والمساليت والزاندي والميدوب.
ومن أعاجيب لف ودوران نخب "الأفندية" - "المتعلمين" - "المثقفين" العربية الاسلامية حول نفسها رغم تهوسها بتفوق العربية السودانية على كل العاميات العربية الأخري بحسبانها الأقرب إلى الفصحى التي نزل بها القرآن لم تبذل جهداً ما - ولم تشرع أبداً - في مشروع يؤسس لأطلس لغوي للعاميات العربية في السودان ليكون سنداً موثقا لمعاجم لغوية قادمة - تبدو تلك النواقص التي حاول العالم عون الشريف قاسم رغم جهده العملاق إستدراكها في كل طبعة جديدة لمعجمه أنها تتصل بغياب ذيالك الأطلس اللغوي للعاميات السودانية.

*..................................................؟

أغمضت النخب عيون اقلامها وأحزابها عن إجلاء الحقيقة التي يشق إنكارها – أن السودان الحديث لم يك شيئاً موجودا- كوحدة إقليمية مستقله قبل غزو جيش محمد على باشا 1820م. كان ينبغي ان يترتب علي تبيان تلك الحقيقه المركزية التي مست بعجالة العابر الساهم من قبل المتعلمين ان ينظر السودانيون الي ذواتهم كأم’ تحت تشكل عسر في مجري تقاومه الاعشاب والرياح بضراوة وعلي الجميع مراعاة فروق الأعراق واللغات والاديان والثقافات ليتسني لهم اللقاء بطواعية في منتصف الطريق بصدر واسع وافق مفتوح علي كل الاحتمالات لبناء دولة قومية.
تحولت الكذبة حول وجود السودان عبر القرون تحت جنح الظلام الذي لم تبدده النخبة الي معتقد ثقافي سوداني ثابت يرجعه الجميع بوقار يصل حد القداسة وينبثق عنه ذلك السؤال الذي ظل يطرحه ضابط الجوازات بوزارة الداخلية السودانية منذ اول يوم في الاستقلال علي حاملي إستمارات الجنسية للحصول عليها: متي قدم اجدادك الي السودان فيجيب حامل الاستمارة بجدية كامله: منذ قدوم العرب إلي السودان. يتضمن هذا السؤال في باطنه تدليسا متعمدا يطالب فيه ضابط الجنسية من طالبها الكذب مع سبق الاصرار والترصد. أما لو تمادي ضابط الجنسية في طرح اسئلته العبثيه تمشيا مع روح السؤال: ومتي قدم العرب الي السودان؟ لأجاب المتقدم إلي الجنسية: لا أعرف علي وجه التحديد متي كان ذلك ولكن دون شك قبل مئات السنين. إذا حصرنا تلك المئات من السنين في مئتي عام فقط قبل الاستقلال (1956-200=1756) فلن ينال تلك الجنسية عبدالفتاح المغربي عضو مجلس السيادة بعد الاستقلال، ولن ينالها بالطبع الحسيب النسيب علي الميرغني الذي قدم جده محمد عثمان الكبير مع جيش محمد علي باشا 1820، ولن ينالها ايضا السيد عبدالرحمن المهدي الذي قدم جده حديثا من النوبة المصرية، ولن ينالها من اقربائه عبدالله خليل، أو أحمد السيد حمد، ولن ينالها الفريق ابراهيم عبود ابن الباشا التركي حاكم سواكن محمد عبود رئيس المجلس الأعلي للقوات المسلحة بدرجة رئيس جمهورية 1958-1964، ولن ينالها سليل المماليك جعفر نميري، ولكن سينالها بجدارة عمر أحمد البشير بوصفه اول سوداني إستقر أسلافه قبل مائتي عام يتولي رئاسة الجمهورية في السودان الحديث.
إذن ما هي الحكاية؟ ببساطة لم يك لهذا السودان وجود قبل مئتى عام. كانت هنالك شعوب تمتد من السنغال غربا الي البحر الاحمر شرقا يطلق عليها بلاد السودان.المدهش حقا أن قد ألحق البريطانيون دارفور الي حكمهم الثنائي عام 1916 ثم انضمت دار المساليت بمحض إختيارها إلي السودان الانجليزي المصري عام 1923 وهكذا كان عمر السودان الحقيقي في اليوم الاول للاستقلال ثلاثون عاما فقط -1923-1956. ويعد النظر الي تاريخ الممالك النوبية القديمة –بوصفها أساس الدولة القومية في السودان ضلالا مقدسا لدي بعض الأميين الذين تخرجوا من المدارس العليا كما أطلق عليهم البروفيسر عبدالله الطيب.

*قلت إن النخبة أغمضت عيونها عن إجلاء الحقيقة، ولكن ألا ترى أن هناك دراسات أكاديمية حاولت الوصول للحقائق التي تعنيها؟

(ـ) الاكاديميا السودانية ايضا أغمضت عيونها عن الحقيقة التي تقول لم يكن السودان يوما جزءاً أو امتداداً للحضارة العربية الإسلامية إبان ظهورها في القرن السادس الميلادي او ازدهارها في القرن الثامن والتاسع والعاشر الميلادي وحتى سقوطها في القرن الثالث عشر، لكل ذلك لم يعرف للسودان الشرقي ( سودان اليوم ) مدرسة في الفقه أو التفسير أو التوحيد أو اللغة أو العلوم الطبيعية كما هو الحال في كل أقطار العالم العربي والإسلامي في آسيا وأفريقيا ولا يزال السودان أكثر بلدان أفريقيا جنوب الصحراء المسلمة فقراً في المخطوطات والنقوش والآثار الإسلامية. ليس خبراً جديداً أن يقال إن أول مصدرٍ لكاتب سوداني على وجه الأرض هو طبقات ود ضيف الله في القرن الثامن عشر الميلادي وإذا عن لنا ان نحصى المؤلفات التي تعود لمؤلفين سودانيين المخطوطات منها والمنشورة ولها فهارس بدور الكتب منذ دخول العرب السودان وحتي سقوط الدولة المهدية فلا تزيد على اصابع اليد الواحدة ولا ينافس السودان في هذا الفقر الفضائحي في مضمار التراث المكتوب بالعربية سوى الصومال التي لا تتحدث العربية ولا تزعم لنفسها دوراً رياديا او رساليا في قيادة الأمة العربية.
كيف نفسر تهيب الاكاديميا السودانية من تبيان الحقائق التاريخية التي اكتنفت تشكل السودان الحديث. يبدو انه يشق تفسير كل ذلك دون الاهتمام بالنتائج والتداعيات التي ترتبت على غياب الكتلة التاريخية ومشروعها السياسي والثقافي. هل يصح في الافهام أن نستخلص من خلو السودان من الآثار والمخطوطات والمدارس الفكرية ذات الجذور الضاربة في الحضارة العربية؟.إن السودان يعاني فقراً في الآداب والتاريخ والتراث المادي والروحي؟ إن الذي نحاول إضاءته في هذا السياق – أن قد تجاهلت النخب التي تحدثنا عنها بتفصيل في الحلقات السابقة - الثراء الواسع الذي تتمتع به - الأمة السودانية – والكامن في التليد والطارف من ثقافاتها الحية ولغاتها التي تتواصل بها ومنها العربية – وأديانها ومنها الإسلام واعتصمت بتاريخ شامخ وحضارة باهرة - لا تمت له ولم يشاركوا في بنائها ولم يدافعوا عنها وهي تتراجع - بكلمة واحدة - لا يمتون إليها كما يمتون إلى الثقافات والحضارات واللغات والآداب التي يهربون منها لعجزهم عن مواجهة تحديات بناء امة جديدة في أمس الحاجة إلى عقل جسور ووجدان عامر بالطموحات التاريخية وعيون مشرقة.

*قلت إن هناك غيابا للكتلة التاريخية التي كان يمكن أن تخلق التسوية من أجل مشروع سياسي متكامل للنهوض، هل أثر هذا الغياب في ضعف نهوض أجيال المثقفين التالية والتصدي للتنمية الثقافية والإجتماعية؟

(ـ) لقد غاب حقا المشروع الكبير للنهوض الشامل ومع ذلك لم يستسلم المتعلمون المتعلمات والمثقفون والمثقفات الذين ظلوا يبحثون عن معني لوجودهم الفيزيائي والروحاني في هذا الوجود للفراغ الثقافي بوصفه المعادل الذاتي لغياب التنمية المتواصلة فوثقوا الصلات بحركة الحياة الفاعلة لشعوبهم وبجديد الحداثة الذي يمكث في الارض وينفع الناس- فتسنى لهم جهد المستطاع رغم التحديات التي تدفع بهم إلى الخلف في كل الجبهات - أن يصوغوا – على المستوى الفردي - واجباً منزلياً - ينبغي إنجازه كمشروعات يعملون لها طيله حياتهم - ينجحون أحيانا ويخفقون كثيراً لأنهم لا يتحكمون في نواصي الضرورة التي تحيط بوجودهم المحفوف بالمكاره.
الجدير بالذكر أن لا ينتمي أصحاب المشروعات إلى جيل واحد أو إقليم واحد او مدرسة فكرية واحدة ولا يعرف جلهم بعضهم البعض ولكنهم دائما يلتقون في البحث عن المعنى من خلال إنجاز مشروع عقلي يفضي في نهاية المطاف إذا تحقق – بدفع عجلة الحياة في السودان ومحيطه على الأقل خطوة إلى الأمام ويمكننا ان نذكر منهم علي سبيل المثال لا الحصر الاستاذ بشير محمد سعيد في الصحافة- سعد الدين فوزي في دراسات الإسكان الشعبي، صلاح هاشم في الترجمة، عون الشريف في معجم العامية في السودان، منصور خالد في الفكر السياسي - محمد سعيد القدال في التاريخ الحديث، فرانسيس دينج في الهوية والسياسة، أحمد الطيب زين العابدين في السودانوية، أسامة عبدالرحمن النور في الاثار، محمد الامين التوم-علي عبدالله عباس- مهدي امين التوم في التعليم العالي، حيدر ابراهيم علي في علم الاجتماع الديني، محمد سليمان محمد محمد في نزاعات الهوية والموارد، فاطمه بابكر الرأسمالية السودانية، محمد أحمد محمود الفكر الديني، أحمد سكنج، الرق في السودان، علي جماع عبدالله –الادارة والرحل، علي دراج وسليمان حسين في المراعي، الباقر العفيف في الهوية.

*أراك أشرت للأستاذ بشير محمد سعيد، هل تضعه في إعتبارك بأنه نموذج لمثقف كان يحمل مشروع المؤسسة المدنية (الأيام) ضمن أولوياته، أم تنطلق في تقييمك له من خلال رؤاه ومواقفه السياسية؟

الحقيقة أن الأستاذ بشير محمد سعيد يجسد شخصية مثقف سوداني من طرازٍ فريدٍ إذ ظل طوال سني عمره ومنذ أن دخل عالم الصحافة والسياسة والفكر حتي أيامه الأخيرة، منسق الأفكار، متكامل الشخصية، شجاع العقل، حريصا على موقفه المستقل، يفصل بدقة وصرامة ووضوح بين علاقاته في العمل وآرائه في السياسة وصداقاته في الحياة ومجاملات المجتمع. وقد خلت شخصيته من تلك النتواءات والإضطرابات والمنحنيات التي عصفت ولا تزال بعدد ليس قليلاً من المثقفين الذين يهبون النصف الأول من حياتهم الزاهرة دفاعاً وتثبيتاً لفكرة ما أو قيمة آيديولوجية ما، ثم يندفعون في النصف الثاني من حياتهم وبنفس القوة والحماس للبرهان في الاتجاه المعاكس تماماً أن تلك الفكرة وذلك الموقف ، وتلك الآيديولوجيا التي كرسوا لها النصف الاول من عمرهم كانت باطلة تماماً، ولا تساوي الحبر الذي كتبت به، أو ذلك النموذج الآخر من المثقفين الذين يستهلون حياتهم بالعقلانية والتنوير ثم يختمونها بالدوران في حلقات الشعوذة والتجوال في العالم السفلي والاقتران بإحدى سواحر الجنان ونموذج ثالث له يوم للسعد وآخر للشقاء، يوم الخميس للتبطل والتبذل وخم الرماد ويوم الاثنين والجمع للحوبة والنوبة واللالوبه. ونمط رابع يمزج بين البداوة والتحضر وبين الحداثة والتقليد كما تمزج الخمرة بالماء الزلال ، على حد تعبير الحسين بن منصور الحلاج وطراز خامس من المثقفين السودانيين ليس كمثله أحد في كل العوالم اذ يجمع في شخصه كل الانماط السالفة بجدارة وليس علي الله بمستنكر ان يجمع العالم في واحد لتتفتح أمامه كل الابواب دفعة واحدة: القبة والمرأة والرجالة والعبارة والنضارة والتهذيب والشطارة والتجارة والوزارة.

*ولكن ألم يكن الاستاذ بشير نموذجا لطبقة الأفندية، وما هي الظروف التي قادته لإسهامه النوعي في التثقيف السوداني بينما قلت أمثلة إسهاماته؟

(ـ) الأستاذ بشير محمد سعيد وفي وقت باكر تخلى عن عقلية وطموحات الأفندي الذي ينتشي ويحلم بالميري: العربة وبيت الحكومة والمكتب وكل ما قدمته السودنة للأفندي الذي حول إستقلال السودان إلى مجد شخصي وغنيمة، وتحالف مع الشيطان لتبقى تلك الغنيمة خالصة له - وتحالف مع شيخ القبيلة رجل الإدارة الأهلية، ومع الفكي شيخ الطريقة، ومع الضابط الذي أدى القسم ليكون حارساً أميناً فأقام نفسه ولياً ووالياً.
تخلى الأستاذ بشير عن كل ذلك، وابتعد نهائياً عن امبراطورية الأفندي وحلفائه، واتجه لبناء مؤسسته "الأيام" في عام 1954، بعد تدريب وتأهيل في السودان والمملكة المتحدة أما الذي يميز الأستاذ بشير محمد سعيد فإنه قد قدم إلى عالم الصحافة كمثقف تخرج من مدارس السودان العليا آنذاك ، تتوفر فيه كل قسمات ومواصفات المثقف المؤهل أكاديميا وحرفياً سواء كان في السودان أو في أي مكان آخر، صحيح لم يكن الأستاذ بشير محمد سعيد عصامياً كأحمد يوسف هاشم أو عبد الله رجب، كان مثقفا يحمل عقلاً حديثاً يعرف قيمة الوقت والانضباط في السلوك والعمل، ولنفس الأسباب تسنى له أن يؤسس داراً متكاملة للطباعة والنشر والتوزيع تحكمها اللوائح وقوانين الشركات وجهاز للرقابة المالية والإدارية. كما إجتذب مؤسس (الأيام) جهاز الخدمة المدنية سيما بعد السودنة ، صفوة المتعلمين والمثقفين في الخمسينات حيث تحول إلى مرقى جد رفيع يقود مباشرة إلى خزائن الثروة وإلى بيوت أزياء الوجاهة الاجتماعية بمفاتيح الإدارة، أما الصحافة فقد تٌركت لمن فاتهم قطار التعليم المنظم ، أو لأولئك الذين تستهويهم متعة البحث عن المتاعب، أما التوجه إلى ميدان جديد بإنشاء مؤسسات مدنية مستقلة عن الأحزاب يستطيع من خلالها المثقف الفرد أن يحقق وجوده العقلي والاجتماعي، وأن يعيش كريماً، وأن تكون في ذات الوقت إحدى مراكز التنوير والتعبير لكل المواطنين، فذاك هو الطريق العسير الذي سار فيه الأستاذ بشير محمد سعيد بركنيه - محجوب عثمان ومحجوب محمد صالح .

*ألا ترى إسهامات نوعية للمثقفين في جانب العمل السياسي؟

(ـ) لقد انصرف المثقف السوداني إلى الوظيفة ليكون أفندياً، ولم يلتفت في وقت باكر إلى دعم الاستقلال بإنشاء مؤسسات مدنية للثقافة والعلم، ولم تتقدم المدارس الأهلية ومشاريع الاكتتاب التي نمت في سنوات عصر الأربعين والخمسين لتصير تكأة للتعمير والتنمية المستقلة، بل مضت قدماً إلى الخلف. وظلت الجبهة المتفردة التي تحظى بالحضور والتقدير والحماس – هي السياسة في إطارها الحزبي التنظيمي الضيق، فغٌمرت الثقافة، وتراجعت المعرفة العالية، لغياب مؤسسات لها مستقلة عن الدولة والأحزاب، إلى مواقع من يحصرها ويحاصرها في الدين.

Post: #3
Title: Re: الهوية...البروفيسور عبد السلام نورالدين.........
Author: صلاح شعيب
Date: 01-22-2010, 02:40 AM
Parent: #2

الاستاذ منصور المفتاح


تحية طيبة وآمل أن تكون بخير.
شكرا لإعادة نشر هذا الحوار الهام مع الفيلسوف عبدالسلام نور الدين كما يحب أصدقاؤه وعارفي فضله وفطنته مناداته.
وحقيقة مادة هذا الحوار بالنسبة لي من اعمق الحوارات التي أجريتها حتى الآن، وعلى فكرة هذه الحوارات التي بدأتها منذ ما يقرب ربع قرن من الزمان أكثر من 200 حوار صحفي، واذكر أن أول حوار صحفي أجريته في حياتي كان رياضيا مع المرحوم عبد الحميد الضو حجوج وذلك في عام 1886 بمنزله وصادف أنني حاورت بعض المبدعين أكثر من مرة، كان نصيبي أن أجري اربعة حوارات مع الاستاذ محيي الدين فارس وأربعة حوارات مع هاشم صديق وحوارين مع الراحل اسماعيل خورشيد وثلاثة حوارات مع الاستاذ مصطفى سند وثلاثة حوارات مع الراحلة ليلى المغربي وحوارين مع الاستاذ مصطفى سيد أحمد ومثلها مع الراحل البروفيسور أحمد الطيب زين العابدين، فضلا عن حوارين مع الراحل الاستاذ صلاح أحمد أبراهيم وهكذا تطول القائمة. والحقيقة أن هذه الحورات يمكن أن تكون مراجع ضخمة للصحافيين والنقاد والادباء والتشكيليين والمسرحيين وطلاب الجامعات. المشكلة في الناشر يا استاذ منصور ويا ريت تبحث معانا عن ناشر أو منحة لتصنيف هذه الحوارات وضمها في مجلدات.
موضوع الهوية الذي تطرق له البروفيسور عبد السلام نور الدين شائك ويحتاج إلى حوارات جادة ولدي مادة بالأنجليوية عنها نشرت في الاسبوعين الماضيين في سودان تربيون وفي بعض المواقع الأخرى منها موقع سودانيزاون لاين. وسوف أقوم بإنزالها متى ما أحسسن بحاجة إلأى رفع البوست. ولك التقدير على ما تقوم به جهد دؤوب في خدمة الثقافة والأدب عبر إسهاماتك هنا وفي مواقع أخرى.

Post: #4
Title: Re: الهوية...البروفيسور عبد السلام نورالدين.........
Author: munswor almophtah
Date: 01-23-2010, 00:26 AM
Parent: #3

الأستاذ صلاح شعيب يا رعاك الله...فقد رتعت بكار خيالنا والحضور عند سدرة
منتهى العقل الناقل الناقد...والرامز الموحى...والجاهر بسر التابوهات
المقدسة عندما ياتى ذكر الهويه ذلكم الدكتور الحاذق والكارب رحل
معارفه بإتقان يشوبح بها كما الشنكيب المعلوف والمكلوف ثابت المناكب
يناغى أطياف الواحات فى جزوع الصحارى ولم لا وهلامى المعانى الممعنه
فى الموضوعيه يضج بها مكتوبه المكتوب بلغة أنثى تطربك خلاخلها وتصبح
مخلولا من زم زمامها وترعبك نصل العيون الكحيلة فيها فلا تقوى على الهيف
وعلى القيف المنصوب لغما لتفجير براكين الحيرة فيك... التاريخ والإجتماع
والسياسه والفلسفه والصحافه والحصافه والجرأه والشجاعة والإبانة والتوضيح
والتقدير والتقرير والتفكيك والتركيب فقد صنع من من الإختلاف إئتلافا فجاء من
دناقلة الفور وفور الدناقله بعبدالله زكريا إبن الميارم كما أبان وجاء
بحسيب الجنرال إبن الجنرال من بـطون النوبه وجاء بعشرى إخوان الأدباء
والكتاب وأبناء الجنرال ذو الأصول النيليه وجاء بأبو آمنه حامد البجاوى
وصلاح أحمد إبراهيم من دناقلة القطينه وجاء بالأزهرى والمحجوب والنميرى
بأصوله غير المعلومة للناس وكذا عبود إبن الباشا محمد عبود التركى
وجاء بالمراغنه وبآل المهدى وجاء بالتواريخ والقبول والإتفاق وجاء
بالوسط وبالأطراف جاء بالصوفيه والأفنديه والإداره الأهليه جاء بالزراعه
الآليه وبالرعاة والحواكير وجاء بالإختلاف والحركات المسلحه والأطماع والتحوصل
حتى الإختفاء فى القبليه وجاء بسقوف المطالب والأحلام التى تنتهى
بردهات القصر وجاء بالكثير المثير الخطر وأتمنى من كل ذوى الشأن والأهتمام
الوقوف بهذا العرضحال المعبر والذى ربما تستخلص منه أحكاما
وعبر تعبر بنا من ظلام هذا النفق الواغب غسقه والشكر لك يا صلاح على تفتيتك
لذلكم الصخر الكنز وإنى أرشح لك مفكرا شابا أن تستجوبه كذلك
الدكتور الوليد مادبو ولـك وللدكتور عبدالسلام نورالدين السلام....



منصور

Post: #5
Title: Re: الهوية...البروفيسور عبد السلام نورالدين.........
Author: munswor almophtah
Date: 01-23-2010, 12:07 PM
Parent: #2

تحولت الهوية علي أيدي خاطفيها إلى آيديولوجية قومية ودينية
إستسلمت النخبة السودانية حفظا ً لمنافعها وأسلافها
الذين إختطفوا الهوية لا يزيد تعدادهم في أحسن التقديرات عن 5% من مجمل السكان
هل تتعلق ورطتنا بقصور الاكاديميا السودانيه التي أغفلت النظر المنهجي إلى إنتمائنا في لفائفه اللولبية؟
أبو آمنة حامد وعبدالله زكريا وصلاح أحمد إبراهيم قفزوا علي جذورهم الإثنية والاقليمية

Post: #6
Title: Re: الهوية...البروفيسور عبد السلام نورالدين.........
Author: munswor almophtah
Date: 01-24-2010, 11:00 AM
Parent: #5

كتابة تقتل دابر القو وقلواء الظمأ فى صحراء ليس فيها إلا هى
ودليل الناس إليها أعشى وليتهم أبدلوه بحاش أو بعير





منصور

Post: #7
Title: Re: الهوية...البروفيسور عبد السلام نورالدين.........
Author: munswor almophtah
Date: 01-26-2010, 01:28 AM
Parent: #6

ـ) لقد انصرف المثقف السوداني إلى الوظيفة ليكون أفندياً، ولم يلتفت في وقت باكر إلى دعم الاستقلال بإنشاء مؤسسات مدنية للثقافة والعلم، ولم تتقدم المدارس الأهلية ومشاريع الاكتتاب التي نمت في سنوات عصر الأربعين والخمسين لتصير تكأة للتعمير والتنمية المستقلة، بل مضت قدماً إلى الخلف. وظلت الجبهة المتفردة التي تحظى بالحضور والتقدير والحماس – هي السياسة في إطارها الحزبي التنظيمي الضيق، فغٌمرت الثقافة، وتراجعت المعرفة العالية، لغياب مؤسسات لها مستقلة عن الدولة والأحزاب، إلى مواقع من يحصرها ويحاصرها في الدين.





عبد السلام نورالدين.........

Post: #8
Title: Re: الهوية...البروفيسور عبد السلام نورالدين.........
Author: Khalid Kodi
Date: 01-26-2010, 02:43 AM
Parent: #7

شكرا للأستاذ المنصور على البوست،

أخونا صلاح شعيب...
حوار مع استاذنا عبد السلام نور الدين يعنى إكمال نصف المتطلبات لدخول الجنه!

شكرا لك عليه.

وسلام للمفكر الكبير د. عبد السلام نور الدين.

(أستاذى لزم)!

Post: #9
Title: Re: الهوية...البروفيسور عبد السلام نورالدين.........
Author: عبد الحميد البرنس
Date: 01-26-2010, 04:02 AM
Parent: #8

على سبيل التحية والمتابعة.

Post: #10
Title: Re: الهوية...البروفيسور عبد السلام نورالدين.........
Author: munswor almophtah
Date: 01-27-2010, 00:04 AM
Parent: #8

الاستاذ خالد لك وعليك السلام وكذا للأهل
والشكر لك على متابعة هذا اللقاء ثقيل العيار
والمضامين المتينة العميقه والتى تحتاج
للوقوف عليها بأعين أهل بحث أشداء أذكياء



ولك ثانية السلام



منصور

Post: #11
Title: Re: الهوية...البروفيسور عبد السلام نورالدين.........
Author: munswor almophtah
Date: 01-27-2010, 00:15 AM
Parent: #10

يا برنس لك من التحايا التقيل الفخيم والشكر لك على المتابعة
وهمنا نبنى جنه..جنه تلمنا


ولك السلام

Post: #12
Title: Re: الهوية...البروفيسور عبد السلام نورالدين.........
Author: أحمد أمين
Date: 01-27-2010, 02:34 AM
Parent: #11

شكرا يا اخ منصور
هذه من اعمق الحوارات التى قرأت فى الاوانه الاخيره لتشخيص ازمة السودان
كم تفتقد البلاد امثال دكتور عبد السلام نورالدين

للاخ صلاح شعيب الف تحيه

Post: #13
Title: Re: الهوية...البروفيسور عبد السلام نورالدين.........
Author: munswor almophtah
Date: 01-27-2010, 11:38 PM
Parent: #12

الأخ أحمد أمين الشكر لك أنت مضاعفا أضعافا كثيرة
والسلام لك ما حييت وقد صدقت فى ذكر عمق المكتوب
ويا ليت السودان يهتم بأراء الأكاديميين الخلص
دون طلاء إنتاجهم بأى طلاء غير طلاء الدافع الوطنى
مهما كانت مرتكزات الأكاديمى الإنتمائيه فحرية
خيارات الأشخاص لا ينبغى أن تحرم عائد إنتاجهم
المفيد فكل شعوب العالم الأول لا تقوم بأى حراك
إلا من خلال أهل البحوث ورجال الأكاديميا.



ولك الشكر ثانية ولك السلام



منصور

Post: #14
Title: Re: الهوية...البروفيسور عبد السلام نورالدين.........
Author: munswor almophtah
Date: 01-28-2010, 09:33 AM
Parent: #13

قبل أن ننتحب بإنتخاب رئيس علينا أن ننخب من جوف البحوث الحقائق





منصور

Post: #15
Title: Re: الهوية...البروفيسور عبد السلام نورالدين.........
Author: Mohamed Abdelgaleel
Date: 01-28-2010, 12:21 PM
Parent: #14

الاخ - منصور - تحياتي،

شكرا قبل القراءة

Post: #16
Title: Re: الهوية...البروفيسور عبد السلام نورالدين.........
Author: Souad Taj-Elsir
Date: 01-28-2010, 12:54 PM
Parent: #15

الأستاذ الكريم منصور،

حية لكَ، وسلام وتحية لأستاذي الجليل عبدالسلام نور الدين،
لقد كانت كورساته في الفسلفة ممتعة في جامعة الخرطوم، كلية الآداب.

سعاد تاج السر

Post: #17
Title: Re: الهوية...البروفيسور عبد السلام نورالدين.........
Author: munswor almophtah
Date: 01-28-2010, 06:00 PM
Parent: #15

محمد عبدالجليل ـ وعليكم السلام ورحمة الله وكيف الحال

ياخ عليك الشيخ الطيب اقرأ الكلام دا وشوف الجن الما بتصرم




منصور

Post: #18
Title: Re: الهوية...البروفيسور عبد السلام نورالدين.........
Author: صلاح شعيب
Date: 01-29-2010, 00:21 AM
Parent: #17

الاخوة: صاحب البوست والزملاء
خالد كودي
أحمد أمين
عبد الحميد البرنس
د. سعاد تاج السر
محمد عبد الجليل

شكرا لكم للتدراس حول حديث البروفيسور عبد السلام نور الدين وقد تلقيت منه هذه الرسالة ردا على
رسالة أذكره فيها بما جاء في هذا البوست الذي سقاه زميلنا منصور المفتاح
ولم يمانع نور الدين في نشرها هنا:


صلاح شعيب:
لك خالص المودة والتقدير علي متابعتك واهتمامك، ومن يحرص مثلك علي إشعال الشموع لا يعدم معجبا ولا يذهب العرف بين الله والناس.
للاصدقاء الاحباب منصور المفتاح، وخالد كودي، وأحمد أمين، والبرنس، ود. سعاد تاج السر، ومحمد عبد الجليل، إعزازي وإمتناني علي ثقتهم في وتقديرهم لما أكتب، وهذا بالطبع يدفعني إلي مزيد من الاحساس بالمسؤولية تجاههم، وصوب كل من يقرأ بعيون مفتوحة، وعقل لا يغشاه النعاس في أفق ممتد .
أكتب لك هذة اللحظة من صنعاء اليمن، وانا بها قبل اسابيع واليمن ملاحن فيها الهوي والالم، بلغة التيجاني يوسف بشير.
بعد لحظات سألتقي الطبيب، والموسيقار، والشاعر نزار محمد عبده غانم لألبي دعوتة التكريمية لي بمنزلة بنزل جامعة صنعاء. وقد اقمت هناك سنين عددا قبل ربع قرن من الزمان وسأنقل له اخبارك التي لا شك أنه سيفرح بها.
أرجو شاكرا أن تنقل للأصدقاء الأحباب منصور المفتاح، واحمد امين، والبرنس، وخالد كودي تقديري وامتناني .إنني اعتز بلقائي بالباحث المجيد أحمد أمين والتشكيلي المبدع خالد كودي، والاستاذة سعاد تاج السر في قاعات المحاضرات بجامعة الخرطوم وكلية الفنون الجميلة طلابا في النصف الأول من عقد الثمانين في القرن الذي تولي. وقد تلاحقت الكتوف منذ أمد غير قصير، وصرنا بفضل وفائهم، واجتهادهم، ومساهماتهم الثرة في حقولهم، أخوانا واصدقاء. واذا بدا لأحد إنني اطول منهما قامة فعليه ان يري انهما يقفان علي اكتافي..إذا جاز لي استخدام هذة العبارة من ذلك الايرلندي الذي لا يشق لة غبار .
ولك التقدير والمحبة
عبدالسلام نورالدين

وهذا ردي على رسالته:
شكرا يا بروف على هذه الكلمات الجميلة
وإذا كنت لا تمانع سأنشر هذه الرسالة في البوست
وتحياتي للدكتور نزار والذي أشتاق إليه هذه الايام كثيرا، ولدي مادة سأكتبها عنه قريبا
وقل له أنه لا بد أن يغني لك أغنية عبد القادر سالم (جيناكي زي وزين هجر الرهـيد يوم جــفا) وهي من كلمات شاعرنا الجميل الأستاذ فضيلي جماع.
والتي غناها لنا نزار في قاهرة التسعينات بوجود عثمان حسين ولا زلت أذكر عزفه المتمكن على العود. فضلا عن ذلك فقد قاسم أداء هذه الأغنية
مع سالم في حفلة من حفلات الخرطوم. نزار حاول بأيدلوجيا (السومانية) أن يجسر بين السودان واليمن ويرد هذه العلاقة لأيام باكرة، حتى إن جاء ناجي القدسي الذي ألف أجمل الألحان، منها لحن أغنية الساقية وسلم بعيونك وأحلى منك، غمرتنا السومانية بمعانيها الإنسانية التي تدعوا للتواشج . أما فيما بعد فقد بذخت سومانية الطيب عبدالله، حيث بصوته (الغرويد) منحنا السنين، الابيض ضميرك، يا فتاتي، يا غالية يا نبع الحنان، أندب حظي أم آمالي، إلخ الترانيم. أما والد نزار، رحمه الله، فحظه أنه تخرج الآلاف من الطلاب على يديه بجامعة الخرطوم، وكان علاقة والد نزار بعبد الله الطيب ومحمد المهدي المجذوب وكمال شانتير، وغيرهم،أيام التدريس بجامعة الخرطوم قد أنجبت العديد من الملاطفات الشعرية والأدبية بينهما. قل لنزار أنك أكثر سودانية مني، خصوصا إذا إستمعت يا بروف إلى حديث لي معه مسجل منذ ايام القاهرة، وفيه يحلق في تحليل الأغنية السودانية والتراث السوداني بعامية سودانية باذخة. مع السلام

صلاح

ثم تلقيت هذا الرد لاحقا:
Dear Salah
Nizar is keen to contact you.
Nizar party was amazing, Iwill tell you about it in details later.Interestingly, Nizar sang Ginaki as greeting .
Yes please go ahead with what with my comment on Mansour, Khalid Kodi,Souad Taj-Elsir,Mohamed Abdelgaleel<
Al-prince,Ahmed Amin.
All the best
Abdelsalam

Post: #19
Title: Re: الهوية...البروفيسور عبد السلام نورالدين.........
Author: Souad Taj-Elsir
Date: 01-29-2010, 00:32 AM
Parent: #18

Quote: أرجو شاكرا أن تنقل للأصدقاء الأحباب منصور المفتاح، واحمد امين، والبرنس، وخالد كودي تقديري وامتناني .إنني اعتز بلقائي بالباحث المجيد أحمد أمين والتشكيلي المبدع خالد كودي، والاستاذة سعاد تاج السر في قاعات المحاضرات بجامعة الخرطوم وكلية الفنون الجميلة طلابا في النصف الأول من عقد الثمانين في القرن الذي تولي. وقد تلاحقت الكتوف منذ أمد غير قصير، وصرنا بفضل وفائهم، واجتهادهم، ومساهماتهم الثرة في حقولهم، أخوانا واصدقاء. واذا بدا لأحد إنني اطول منهما قامة فعليه ان يري انهما يقفان علي اكتافي..إذا جاز لي استخدام هذة العبارة من ذلك الايرلندي الذي لا يشق لة غبار .
ولك التقدير والمحبة
عبدالسلام نورالدين

---
الأستاذ الفاضل صلاح شعيب،
لك الشكر والتقدير على اهتمامك ونقل رسالة الدكتور الفاضل عبدالسلام نورالدين،
أسعدني جداً أن أسمع منه بعد هذه المدة الطويلة. أرجو تبليغه بأنه سيظل أستاذي
الجليل مهما تلاحقت الكتوف نتمنى أن نلتقي به من جديد إن شاء الله.
تحياتي وجلاب لكما والأسر الكريمة.

Post: #20
Title: Re: الهوية...البروفيسور عبد السلام نورالدين.........
Author: munswor almophtah
Date: 01-29-2010, 02:32 AM
Parent: #19

الدكتوره Souad Taj-Elsir
السلام ورحمة الله عليك وعلى جلاب وعلى الأبناء
والبنات حتى الآتين من رحم الغيب

تاج وجلاب (لئلاف قريش) ثقافه وإعلام وعطور
ومساند ولبن....
فيا أستاذتى آلك أصدقاء وزملاء ومعارف
ونحن عرب السروراب الببيعولكم اللبن
والرغيف الحار
وظاهره تلمذتك على عبدالسلام نورالدين
من الأسئله الكبيره التى تفترعين فى خيوط
عده وذلك مظهر بواح بصحة وعافيه لا يدل
إلا لوعى ثاقب ونظر سديد....


ولك الشكر والسلام



منصور

Post: #21
Title: Re: الهوية...البروفيسور عبد السلام نورالدين.........
Author: يحي ابن عوف
Date: 01-29-2010, 07:46 AM
Parent: #20


شكرا اخ منصور

الاعوج رأي و العديل رأي
ولن نسير الي الامام لو لم نسمع كل الاراء

انت رأيك شنو يا منصور فى الهوية....؟
هل الهوية جزور...؟
وهل الثقافة جزء من الهوية...؟
هل السودان عريى وهل العروبة جزور أم ثقافة.....؟

Post: #22
Title: Re: الهوية...البروفيسور عبد السلام نورالدين.........
Author: munswor almophtah
Date: 01-29-2010, 10:23 AM
Parent: #21

يحى إبنعوف سلام...إنت عينك فى عبدالسلام نورالدين بتسأل منصور
ياخ قل يا لطيف وأرجع البصر كرات ومرات فى ذلك الدسم من
المكتوب فى أمر الهويه وأنا كما التيمم فى حضرة عبدالسلام
نورالدين ذلكم الزلال القراح......................






منصور

Post: #23
Title: Re: الهوية...البروفيسور عبد السلام نورالدين.........
Author: munswor almophtah
Date: 01-29-2010, 07:10 PM
Parent: #22

الأستاذ صلاح شعيب والدكتور عبدالسلام نورالدين السلام عليكما
ورحمة الله وبركاته وكذا للدكتور نزار غانم الأديب الفنان والعالم الطبيب
وأمانينا للدكتور عبدالسلام رحله مفيده فى ذلك الكنز من بلاد الدنيا
اليمن الحبيب...............................................



منصور

Post: #24
Title: Re: الهوية...البروفيسور عبد السلام نورالدين.........
Author: عبد الحميد البرنس
Date: 01-29-2010, 10:27 PM
Parent: #23

كان ذلك قبل أكثر من عقد تقريبا. ذات صيف قاهري بعيد. الحديث رتيب واعتذارات متوالية من محمود أمين العالم وغيره عن المشاركة في ملف فرانتز فانون (الذكرى الأربعون على رحيله تقريبا). وفجأة اقترحت فريدة النقاش اسم عبدالسلام نورالدين. أي بشر، أية نور ومض من عينيها حين ذكرت اسمه آنذاك. لدهشتي أنها أكدت لي أن عبدالسلام من السودان، ويا لجهلي. كان ولا يزال يتكون لدي احساس ممض كلما اكتشفت وجود ثغرة في جدار نظامي المعرفي والادراكي. لقد دأبت منذ ذلك الحين على تتبع ما يكتبه عبدالسلام نورالدين ما أن تقع عيني عليه. لعله كان من الأسماء القليلة مثل عبدالله علي إبراهيم التي ظل المرحوم سامي سالم يتحدث عنها بفرح معرفي كما لو أن مؤمنا يطالع فيوض الله في صورة كتابة. تروقني كذلك قراءة العالم بحبّ.

Post: #25
Title: Re: الهوية...البروفيسور عبد السلام نورالدين.........
Author: munswor almophtah
Date: 01-30-2010, 04:29 AM
Parent: #24

صديق محمد البشير: الإنسان الطيب من دارفور بقلم: د.عبد السلام نورالدين
السبت, 08 أغسطس 2009 00:02


abdelsalamhamad@yahoo

أنت إنسان برهن على ذلك



هل الإنسان متوحشٌ بالفطرة، كاسر بالطبعِ، شريرٌ بالميلاد؟ كما قد نبت وإعشوشب وتسلق ذاك التصور في دماغ وسلوك وخلق أبي الطيب المتنبئ فعدا بشعره علي كل من خلق الله، وما لم يخلق، ولم يتخل منذ نعومة بوصيلات مشاعره وحتي مصرعه في دير العاقول عام 354هـ عن ذات الاعتقاد الراسب في باطنه؟!

في لحظة من الإشراق يانعة تخلى أبو حامد محمد بن محمد بن أحمد الغزالي ( 450هـ -505هـ ) عن بلاط السلطان نظام الملك السلجوقي، وعن الشيطان أيضاً في صورة الطالح والمرسل من المصالح الدنيوية التي كما قد إعترف في سيرته الروحية أنها قد كتبت عبره الكثير من مصنفاته، فتكشف له بما لا يدعو مجالاً للمراوغة دلالة الحديث النبوي (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه) والمعني الذي تبدي له بصريح العبارة العربية والفارسية إن كل العقائد الدينية عارضة، وأن الأبوين، والعائلة، والبيئة، والمجتمع، والتعليم، والثقافة، وما يتداعى منها وينساب تتداخل وتتبادل الأدوار وتتصارع هزيمة وإنتصاراً، عفواً وقوة، في بناء الشخصية الإنسانية وصياغة أخلاقها ومزاجها.

يبدو أن الإمام الغزالي قد أسقط بالضربة القاضية السؤال الكلامي المدرسي الشائع الذي ما زال يأتي بعد ألف عام من وفاته: هل الإنسان بالطبع شريرٌ أم خيرٌ؟ وما تناسل منه وتفرع وتفرخ.

وكيف إذن يتأتى للإنسان أن يكون فاضلاً؟ قد عثر الغزالي في التصوف ذوقاً وعملا ً، مدخلا ً ومخرجا، من ظلمات البغي السلطاني، ومن حلزونيات كهوف الأنا، وكلها من الصناعات التي برع فيها الأوباش من بني الانسان، والحاجه أم الإختراع.

تشبه ضربات الإمام الغزالي القاضية جولات الإنتفاضات الشعبيه في السودان (1964-1985) مع الطغم الإستبدادية، إذ تطيح بها بالضربة القاضية، ولكنها تعجزعن توطين الديمقراطية، فتسمح للاستبداد أن يستعيد قواه فيعتلي الحلبة مرة أخري لينازل بهمة عالية، والضربة التي لا تقتلك ستستقويك.

جاوز الشاعرُ والكاتبُ والمسرحي الألماني برتولد برشت (1898– 1956م) مفاوز الأخلاقيين من حكماء يونان، ومتاهات علماء الكلام في المسيحية والإسلام عن الخير الأقصى والشر المطلق، وتخطى مقولات عصر النهضة والتنوير عن اللذة والمتعة، والمنفعة والألم، إلى مازق الفعل ومعارجه إلي أعلي عليين واسفل سافلين في ثنايا التحديات التى تجابه الإنسان في فكره وسلوكه اليومي . تساءل برشت بتشاؤم الشعراء وتفاؤل عامل يعرف القراءة والكتابة عن مدى قدرة هذا الإنسان أن يتجاوز شح نفسه، وقصور يده، وحدود بصره، في سياق ثقافة ومجتمع يتقلب بين الهبوط الي القاع والنهوض لإقتحام السماء.

كتب " برشت" قصيدة كاملة تتألف من خمس كلمات فقط على منوال برهن علي ذلك في الرياضيات.

تقول معلقة الكلمات الخمس:

أنت إنسان

برهن على ذلك

Du bist ein mensch beweis das

ماذا تتضمن أطول القصائد معني وأقصرها مبني؟

*ليس الشر أو الخير معطي جاهزا يفيض من لوح محفوظ وانما يتخلقان في مجري الحرب الاهلية الدائمة التي ألفي الانسان نفسه في دواماتها منذ أن إنبثق ضوء الوعي يوما في محجريه فأبصر.

حينما تحول مصاعب السهول دون أن يبلغ الإنسان مراده الفردي أو الاجتماعي يتعرق العجز واليأس من مساماته لؤما وشرا، وحينما ينتصر نفس الانسان علي تحديات الجبال يشرق الفرح في عيونه أملا ويملأ العالم نضارة وبشرا.

*إذا طرح إنسان ما بجدية كاملة على نفسه مهمة أن يبرهن على إنسانيته فسيظل طوال حياته مستغرقا على مدار الساعة آناء الليل وكل النهار لإنجاز تلك الغاية التي ليست بأية حال يسيره، ومع ذلك سيظل هذا الإنسان على غير درايةٍ عما إذا كان برهانه صحيحاً أم باطلا، إذ لن يتأتي له أن يكون علي قيد الحياة في تلك اللحظة التي تتم فيها مراجعة "البرهان" في كراسة واجبه المنزلي الذي إقتضاه كل سنى عمره.

(2)

الانسان الكامل في السودان



لقد برهن صديق محمد البشير(1936-2009) الإنسان الطيب من حي القاضي بمدينة الفاشر، وصاحب مكتبة الجماهير الحبيب إلي كل من تعلق بالمدينة التي كانت في عقد الخمسين والستين(1965 ــ 1950) وديعة و زاهرة بنبوغ علي المسألة التي درات حولها معلقه برشت.

تسنى لصديق محمد البشير أن يحافظ طوال حياته بصرامة العلوم الرياضية وتلقائية منطقها أن يتزيا بالوسامة، والأناقة، والسماحة، والأريحية، في روحه، وفي بدنه، وفي الملابس التي يرتديها، وفي الخطابات التي يكتبها إلي الخلص من أحبابه والاباعد من معارفه، وفي توجهه الشخصي في المحافل التي يغشاها، وفي الأحداث والوقائع التي شارك فيها مؤازرا أو مبتكرا فاعلا، ومع الذين يلتقي بهم أثناء ساعات العمل الرسمية، وفي الفكر الذي تمثله بشفافيه التذوق، وفي الأهداف والغايات التي تطلع أن يراها تمشي بثبات علي الارض، وقبل ذلك في صلاتة مع أقرب الناس إليه، وعلي وجه خاص الاطفال، والنساء، والشيوخ.

قد حافظ صديق حتى اللحظات الأخيرة التي فارق فيها الحياة على الوسامة، والإناقة، والسماحة التي طبعته، وتحلي بها ظاهرا وباطنا، فلم يزعج أحدا بمسراته، أو بالكوارث السياسية التي حلت به في سني 1965 وفي 1971، أو تلك السنين العجاف التي عقبت قضاء سنتين بسجون دارفور، ثم الطامة التي تلت وفاة شقيقه أحمد محمد البشير الذي تبتل في محراب أطروحة الدكتوراة بمصر لأكثر من ثلاثين عاما، يروح ويغدو بين الجامع الأزهر وشارع عباس العقاد بمصر الجديدة، وظل صديق يرفده بسخاء وحب في ذلك المحراب إلي يوم وفاته، ولقد كانت أيضا اياما عصيبة وفاة زوجه الأولي.

ظل صديق محمد البشير معتدلا متسقا كقامته في كل الأنواء والفصول، إذا إبتهج إبتسم وإذا غضب كظم، وإذا مرض إحتمل، وإذا أضرم سفهاء قومه النار في بيته ومكتبته لمجرد إختلافه معهم في الرأي لم ينتقم.

قد برهن صديق محمد البشير بدقة ونعومة وجمال على عمق إنسانيته التي لم تفارقه لبعض ثانية من الزمان في كل دقائق رحلة حياته.

لو كان ثمة إنسان يمكن أن يُطلق عليه في هذا السودان الذي كاد أن يكون في بعض العالم من معالم الشر المطلق في كل العالم- الإنسان الكامل فقد كان صديق محمد البشير الإنسان الطيب من حي القاضي بالفاشر إنسانا كاملا بحق.

(3)

ألفاشر-النهود-ودجاداللة –ابوالقاسم حاج محمد وعبدالخالق محجوب



لكل مدينة في غرب السودان في عقد الخمسين ومبتدأ الستين من القرن الذي تولي معالم ومنارات وآيات واساطير فإذا ما ألقت بك عصا الترحال يوما في "النهود" مثلا ولم تتعرف على نادي الوطن، ونادي حيدوب، ونادي السلام، ولم تلتق بإدريس الصويم ود بوجة، وعبدالله محمد محمود، ومحمد احمد البلاع، ومحمد آدم يعقوب، وإبراهيم المغواري، وحسن العشاري، وإبراهيم حمادي، وصالح كردفاني، وصالح آدم بيلو وعبد الرحمن الزين، وعبد الرحمن الحضيري، والتيجاني عمر، والغالي جديد، وعبد الحق أحمد الازهري، ولم تجلس إلي عباس الفكي على(عالم عباس)، وعمر عبدالرحمن، وبا نقا مهيد، واسماعيل موسى الحدربي، وفكي كرسي، ومكي الخليفة، والامين جحا، ومنصور ابكر، وضوالبيت شيخ السوق، وميرغني عبدالوهاب، وجبارة اللة الحامادابي، وحامد صقر، وفكي حسن ابراهيم سبيل، وشيخ منعم منصور، والجراح، وأبوالزول، والخليفة الحسن الحسين، وحامد رشوان، ومحمد الامين رشوان، ومستمهل ماكن، ولم تنتظم في شباب الختمية والأنصار حينما تعاشقا في شهر عسل جد قصير وتهاتفا :الختمية والانصار حزبا واحد لن ينهار، ثم فجأه تدابرا- وإذا لم تتذوق علي إيقاع النوبة والحوبة فتة الشيخ البدوي حمد النيل، وود كريب، والخليفة اسماعيل، ولم تسمع بشكري عرقتنجي، وإلياس دولتلي، والكدرش، والريح، وشده كرياكو، وفاطمة راشد، وكركاب، والبرياب، وطاحونة لينق، ومهرة حسين شلبي- والشيخ الزبال، وبالمدرستين الشرقية والغربية ولم تطرف بالساري والجاري من اخبار عُمـري وابو سميركو، وود دامرة، وباكوم، وحسن قاتا، وجمباكا، وباشري وللي، وعلي سعيد، وصلاح السنوسي، وفريق الطويشة وأبو سنون، وابو جلوف، وخور جهنم، فأنت مصاب بداء عضال في البصر والبصيرة، وبأمطار وصواعق في اليافوخ وتائة بين جبال المرخيات علي تخوم أم درمان، وتظن نفسك في غرب كردفان. أما إذا ذهبت في خواتيم عقد الخمسين ومبتدأ الستين (1958-1962) إلى الفاشر أبو زكريا، ولم تكن تعيس الحظ، مبعثر النوايا، ضائعا بين الاتجاهات وإلتقيت منذ الوهلة الأولى بالمدينة صديق محمد البشير الهاش الباش في مكتبة الجماهير بعد أن غادر النهضة فأنت في قلب المدينة العريقة، وأمامك قبابها، ومنائرها التي ستتلو عليك برخيم صوتها آياتها بكل القراءات في مستقبل أيامك بها ولن تخرج منها ابدأ إلا وأنت عليم بالمستور من أخبار"حجر قدو" ومحكمة واقف طولك" و"كفوت" و"القاضي" و"الكرانك" و"الحملة" و"اولاد الريف" و"سبيل" وبالمحجوب من أسرارها لغير بنيها، والمنشور من صحائفها، والمؤتلف والمختلف من آرائها وأفكارها، ولكن قبل أن تتعرف علي كل ذلك تمتع بصديق نفسه الذي سيأمر لك بما تحب من الليمون الطازج، وشاي علي ماء أبيض، أو قهوه مرة فنجانها مزوق، فينادي لتوه: ياشباب!!، فيأتي إليك وقبل أن تتصفح الصحف، والمجلات، والكتب التي وصلت لحظتها من المطار..الشاي الأحمر تضوع منه القرفة والنعناع من قهوة قنديل المجاورة، وستلمح بالطرف الأعلي من عينك وانت ترتشف الشاي الساخن علي الطرف الآخر من الشارع فضل محمدي، صاحب مكتبه النهضة، يتعثر في جلبابه السكروتة، ويعاظل في أمر دفين التجاني سراج الذي فارق الشعر رأسه فراقا غير وامق، ويعبر في تلك الهنيهة هادئا في مشيته مراسل صحيفة كردفان والكاتب الرصين الذي لم يتخط العشرين من عمره مكي نصر، وهو يصغي كعادتة لإبن دفعتة صلاح عبدالله الذي يتحدث بحماس في كل أمر يطرقه، ثم تجلجل علي بعد خطوات في المكتبة الثالثة الاخرى ضحكة لها هدير وارزام فأعلم أنها لشيخ المكتبات، وصحافييها، وقطب الوطني الاتحادي بالفاشر الاستاذ أبوالقاسم حاج محمد الذي كان في عام 1953 علي رأس المظاهرة التي أحرقت العلم البريطاني، ومع ذلك تحرش به ود جاد اهلا في ليلة سياسية لحزب الامه "رمز القوة" في إنتخابات 1958 قائلا بصوت لا ينقصه الإستخفاف والاستكبار:

يا أبوالقاسم حاج محمد يا تقعد في البلد دي زيك وزي أي (مماكوس) ويا عندنا لينا معاك كلام تاني!!.

أما الكلام الثاني الذي لم يخطر علي بال ود جاد الله إذ رد الإعتبار لأبو القاسم حاج محمد وكال الصاع عشرات لود جاد الله الذي لابد أن قد ندم علي ما فلت منه وإنزلق فلم يكن من الطاهر محمد أبراهيم كبير الاتحاديين بالمدينة أو من خطيبها "المفوه" إدريس حبيب بل كان للمفارقات من عبد الخالق محجوب عثمان في ثنايا طوافه دارفور في مارس 1958 مع قادة الجبهة المعادية للاستعمار التي لا بقر عندها تهديها ولا مال فأسعد الفاشريين بمعرفة حالهم وبحسن المقال والثأر للفلانيين، والفزانيين، وأولاد الريف، والصليحيين، والطوارق، والشناقيط، الذين كانوا وما فتئوا من نسيج المدينة وحبلها المتين وقبل ان تنضم دارفور الي السودان الشرقي في 1916.

حالما تتوقف ضحكة أبو القاسم حاج محمد المشاغبة تعلو الأصوات التي لا تعرف ترسيم الحدود بين الجد والهزل بين الجارين العزيزين إلياس جاد كريم وعضو مجلس الشيوخ محمد علي أبو سم، إذ تتجدد الموضوعات والنزاع الودي قائم، أما اذا سئم رجل الأعمال محمد علي أبو سم من جدوي المناظرة التي لانهاية لها مع إلياس جاد كريم الترزي الافرنجي في ذلك الشارع إلتفت يمنة ويسري فإذا لم يجد أحد ابنائه الذي ينبغي أن يكون علي الدوام حاضرا أمامه نادي بأعلي صوته عليهم جمعيا: أين أنت يا إسماعيل؟ ياعبد العزيز؟ يافاروق يا عبد الباقي ؟ ياجاه النصر؟ ثم يعود مواصلا حواره الأثير، مستشهدا بكرزون وشاشاتي وكلهم أعضاء في المجلس البلدي الذي قد قرر في إحدي جلساته بتحريض (كما قد بدا لأبو سم) من إلياس جاد كريم بطرد حمار أبوسم من مربطه بشجره السوق حيث المكتبات التي يؤمها الأفندية الذين يتحلقون لأغراض تقدحها، وتشحذها، المنافسه التجارية، والتوجهات السياسية، وبحث الأفراد الدائم عن شقائقهم في الأرواح فيتوزعون بين صديق محمد البشير وفضل محمدي وابوالقاسم حاج محمد، ولا ينافس اولاء في التألق وبهاء الهالة والوجاهة في ذلك الزمان (1958) إلا: عوض الكريم أبو سن، مؤلف تاريخ دارفور، ومدير المديرية، وقاضي المديرية حسن عبد الرحيم(- المنشفيكي الذي فضل أطروحات عوض عبد الرازق علي موضوعات عبد الخالق محجوب- شقيق عبد الرحمن عبدالرحيم الوسيله وخال القاص البديع مصطفي مبارك) ثم مولانا عوض الله صالح قاضي المديرية الشرعي) ومصطفي أحمد الشيخ ا الذي كان نجما شارقا في قياده إتحاد الشباب السوداني فنفي من الخرطوم الي الفاشر نكاية فيه فإزداد إزدهارا في حاضرة علي دينار، إذ أنتخب رئيسا للنادي الاهلي بالفاشر فأعادوه مرة أخري للخرطوم حتي لاينشر الشيوعية في (الكومة وأزاقرفا) وبعض الشر أهون من بعض. لقد كان دائما في عجلة من أمره، ودودا بتحفظ وحزم، يأتي إلي المكتبة ليلتقط مجلاته، وكتبه، ويخرج كالسهم إلي مرماه، ولا يضحك بملء فيه مسترخيا إلا مع صديق محمد البشير أو مع الاديب النابه فاروق الطيب أبن الاراك والمقل والمطرود من مصر الناصرية لأواصره مع الاخوان المسلمين ذلكم هو الشاعر محمد الحسن عكود الاستاذ بالوسطي بنات ولم تحل مشاركته في تأسيس حركه الاخوان المسلمين السودانية إبان نشأتها الاولي ان يكتب شعرا رومانسيا غزلا فينشده فاروق الطيب المفتون بسيد قطب الناقد الادبي وأنور المعداوي بمحبة، وبقي الاستاذ عكود بالفاشر ردحا من الزمان، وتزوج منها، وعاصر وكون مع الشاعرين عوض مالك الضابط بالقيادة الغربية ومبارك حسن خليفة الاستاذ بالفاشر الثانوية حلقة للتدارس الادبي. حينما تحتسي آخر جرعات الشاي مع نهاية يوم العمل في الثانية بعد الظهر يهل كرف وباسيلي اولا، ثم تتدفق علي مكتبة صديق جحافل الافندية، وضباط الحامية، الغربية، وعمال الحملة المستنيرين، من مدمني القراءة لتناول الصحف اليومية والمجلات المصرية التي ترد مرة كل اسبوع بالطائرة لإلتهامها قبل واثناء تناول وجبة الغداء.

أما غير العجولين فسيأتون بعد الرابعة مساء، إذ تتحول مكتبة صديق إلي منتدي وملتقي عام لنخبة المدينة بكل مشاربها وألوانها في الثقافة والسياسة والفكر والرياضة والغناء، أما مركز الأضواء والدائرة فهو صديق محمد البشير الذي يجسد ويبلور في سلوكه، وأخلاقه، ومواهبه، ورحابته، روح المدينة، وسعة صدرها، وحسن استقبالها للوافدين اليها من كل حدب وصوب قبل أن يجتاحها الغلاة من الأصوليين في 1965 الذين أشعلوا النيران في كتبه، ومنزله، وأفسدوا علي الفاشريين بهجتهم بسماحة مدينتهم. لم يخطر لأكثر اهل دارفور خيالا شرودا أن الإعتداء الغاشم الذي وقع علي صديق محمد البشير في (1965) الذي يضرب بوداعته وتسامحه وحبه للبشر الأمثال، كانت المقدمة المشؤومة للقيامة في الحياه الدنيا التي تعيشها كل دارفور الان.

(4)

كرف -حسبو ابراهيم - عبدالرحيم علي بقادي



إنني علي يقين تام أن كل الفاشريين الذين عاصروا بعيون مفتوحة المدينة في إبان تألقها في النصف الثاني من عقد الخمسين والأول من عقد الستين في القرن الماضي يدركون أن صديق محمد البشير في إيلافه قلوب المقيمين بها بأفئدة الوافدين إليها كان رمزا لوجدان وعقل الفاشر المتسامح، الودود، الشارق، وبوفاة صديق تنطوي لهم صفحة مضيئه كانت لها تاريخ في أعماقهم.

يظل صديق عالما من الخير، ورمزا له بالنسبة لأولئك الذين كانوا في الخامسة عشر من عمرهم مثلي الذين إنما قدموا إلي الفاشر للإلتحاق بإحدي ثانويتيها- الفاشر الثانويه أوالمعهد العلمي ـ الشرقية، وكان صديق محمد البشير من مصادرهم الأساس للتعرف علي الكتب، والمجلات، والبشر، وعلي وجة خاص الناس في المدينة الوادعة.

أدرك أن كثيرا، عديدهم من أسرة صديق ومن ابناء الفاشر ومن اصدقائه وأحبابه الذين لا حصر لهم، قد أصابتهم الواقعة برحيل صديق المفاجئ، ومع ذلك قد عجزت تماما أن أتصور كيف استقبل كرف، وحسبو ابراهيم، وعبدالرحيم علي بقادي، الخبر أن صديق محمد البشير لم يعد من الاحياء.

لصديق الرحمة والمغفرة بقدر البشر، والسماحة، والمودة، والعطاء، الذي فاض منه

وأربي.

**

صحيفة الاحداث- الخرطوم الاثنين /08/0903



Dr Abdelsalam Noureldin

Post: #26
Title: Re: الهوية...البروفيسور عبد السلام نورالدين.........
Author: munswor almophtah
Date: 01-31-2010, 02:22 AM

البرنس السلام والرحمه

عبد السلام نورالدين يكتب بمعياريه فلسفيه شاهقة العيار ونافذة
لأحشاء الحقيائق بأبعادها المختلفه نفوذ العارف بحيوية النتائج


منصور

Post: #27
Title: Re: الهوية...البروفيسور عبد السلام نورالدين.........
Author: munswor almophtah
Date: 02-01-2010, 03:24 AM
Parent: #26

إذا كان تاريخ التضافر والتداخل والملابسات يعود إلى زمان جد ضارب في القدم ولم يكن للسودان الحديث وجودا بالفعل فيمكننا أن نتلمس على وجه الدقة سارية البداية المعاصرة للهوية السودانية حينما فرض وأطلق محمد على باشا 1820 على بعض سكان وأقاليم الرقعة التي تقع جنوب مصر أسم السودان، وكان ذلك بقوة السلاح والرغبة في الإستيلاء على مناجم الذهب وعلى إنتاج الصمغ العربي وتزويد دولته بمقاتلين أشداء.



عبد السلام نورالدين


Post: #28
Title: Re: الهوية...البروفيسور عبد السلام نورالدين.........
Author: Mohamed Abdelgaleel
Date: 02-01-2010, 09:14 AM
Parent: #27

المنصور - تحياتي ليك .. والأماني العذاب

ياخي والله عبدالسلام كتب!!

كلما أقرأ شويه أقول الله يبارك فيك يا منصور
جئتنا بكل هذا ..

Post: #29
Title: Re: الهوية...البروفيسور عبد السلام نورالدين.........
Author: munswor almophtah
Date: 02-03-2010, 04:22 AM
Parent: #28

عليك الله يا محمد كتر لينا فى يبارك فيك دى
ونحن ما بننساك من سنكيت بس تاكى بابك والبع
خالص السلام للأخ عادل محمد الصافى وياسر على نايل
وعلى كل الجماهير..................


منصور