قصص قصــــــــــــــيرة.........

قصص قصــــــــــــــيرة.........


05-05-2008, 05:23 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=160&msg=1209961388&rn=4


Post: #1
Title: قصص قصــــــــــــــيرة.........
Author: rani
Date: 05-05-2008, 05:23 AM
Parent: #0



أم دَغْـش

قصة قصيرة، بقلم: مجدي محمود جعفر
.................................................

(1)

بدت لنا على غير عادة النساء العربيات - و البدويات على وجه الخصوص - ممصوصة كعود قصب ، يابسة كعود حطب ، كادت الرياح أن تذروها - لولا أن اتكأت على جدار البيت و راحت تتفحصنا واحداً تلو الآخر بعينيها الضيقتين من خلف " البرقع " !
00 لم تزل آثار السفر على وجوهنا ، و الحقائب أثقلت كواهلنا ، و العرق ينز من جباهنا ، و أنوفنا .. تنظر لنا بعينين حادتين00
- " مصريون " ؟
= نعم
- " و لماذا جئتم " ؟!
= بحثاً عن لقمة العيش يا خالة .
زامت ، و ضيقت ما بين حاجبيها ، و تمتمت بكلمات لم نتبينها ثم قالت :
- " من خرج من داره قل مقداره " !
ألجمتنا عبارتها ، و كدنا ننسحب ، لولا أن تذكرنا أن أصحاب البيوت يرفضون " العزاب " سكاناً ، و كل من سألناه دلنا على " أم دغش " .
قادتنا إلى غرفة فوق السطوح - أقامتها بجوار برج للحمام - ضيقة الغرفة كزنزانة ، ارتفاعها لا يتجاوز المترين ، شباك صغير ينفذ منه الضوء بصعوبة ، نصف معتمة ، رغم قربها من الشمس ، فالشمس تكاد تلامس سقف الغرفة المصنوع من الصاج القديم الصدئ 00
ما كادت أقدامنا تطأ عتبات الغرفة حتى هب هواء ساخن ، راكد ، و رائحة عفنة ، انكوت وجوهنا ، و نفرت أنوفنا 00
قالت :
- " بالماء و الصابون تنظفونها " !
قال أحدنا :
= ولا نهر النيل ينظفها !
نظرت إليه و قالت :
- " النيل " 00 النيل ما عاد يجرى " ! 00
قال ضاحكاً :
= و الله العظيم تركناه - و هو يجرى !!
نظرت إليه ، و شردت قليلاً ، ثم قالت :
- " النيل توقف من عشرين سنة " !!
00 و ما كادت تنصرف ، حتى نزعنا ملابسنا ، و فتحنا صنبور الماء ، و رحنا نغسل أرضية الغرفة و جدرانها و نغنى " مصر 00 مصر 00 مصر هي أمي ، نيلها هو دمى 00 شمسها في سمارى ، شكلها في ملامحى ، حتى لونى قمحي ، لون خيرك يا مصر " !
( 2 )
ما كدنا نفرغ من تنظيف الغرفة ، و صب الماء على أجسادنا ، حتى جاء ولد صغير دون العاشرة أو أزيد قليلاً 00 و قال :
- أمي تقول لكم لا تقربوا الحمام ، و أيش جبتم معاكم من مصر!!
= أنت دغش ؟
- نعم 0
راح كل ينقر على ما معه و نغنى 00
= دغش 00 يا دغش 00 حلو يا دغش 00
أخذ الولد يضحك ، و يغنى معنا ، و لكنا وجمنا ، و سكتنا فجأة ، حينما رأينا أم دغش على بُعد خطوات منا ، فلم نشعر بوقع أقدامها على الأرض ، و أسرعنا إلى حقائبنا نفتحها ، و نخرج مافيها 00
: فطير ، عسل نحل ، جبنة قديمة ، 00
نظرت إلى الفطير و الجبنة القديمة ، و أطالت النظر إلى الفطيرة المستديرة كقرص الشمس وقت الغروب و قالت :
- " من وين أنتم في مصر " ؟
= من الشرقية !
ضحكت ، لأول مرة - نراها تضحك 00 و قالت :
- " أنتم اللي عزمتم القطر " :
ضحكنا و قهقهنا ، و قلنا :
= من قال لك يا أم دغش ؟ !
تناولت الفطيرة ، و بعض العسل و الجبنة القديمة ، و آنستنا بإبتسامة رضا بدت في عينيها ، و ريثما انصرفت رحنا نغنى :
= أنا المصري - كريم العنصرين 00
( 3 )
مع قرآن الفجر تصعد أم دغش إلى السطوح ، تدخل برج الحمام ، و تبقى مع الحمام حتى شروق الشمس ، و لا ندرى إن كانت تنوح أم تهدل ، يأتي صوتها همساً أحياناً ، و زعيقاً أحياناً ، أوقاتاً تبكى و أوقاتاً تضحك ، تناغى الحمام و تلاغيه ، يقف على راحتي يديها *، و فوق رأسها ، و على كتفها ، يحلق حولها ، منظر جميل و بديع يبدو لنا من الشرفة الصغيرة 00
00 أم دغش تلتقط حبات من الحبوب بفمها أو قطرات ماء و تلجه في منقار فرخ الحمام الصغير 00 و قبل غروب الشمس تجلس معه لساعات ، و لا ندرى متى نمت العلاقة بينهم و لا كيف فقهت لغة الطير ؟!
00 فما يكاد الحمام يشعر بقدومها حتى يحلق حولها ، و يتقافز طرباً ، كأطفال صغار - يستقبلون أمهم بعد غياب ، أو كعاشق يقابل محبوبته 00
00 كنا نحترم تلك العلاقة ، و نحاول ألا نزعج أم دغش و حمامها ، ففي حال وجودها لا نصدر أصواتاً - و نلتزم الصمت المهيب ، و أم دغش - كشفت لنا الأيام - عن عصبيتها - و مزاجها الحاد ، تشتمنا أحياناً بلا سبب 00 و لا يجرؤ أحد منا على الاعتراض ، و أم دغش لا تكون في حالة سوية إلا وقت وجودها مع الحمام 00
تهدأ نفسها الثائرة و تستكين ، يمتص الحمام ثورتها ، و يشيع في نفسها البِشر و السرور ، و كنا إذا أردنا منها شيئاً أجلناه لبعد قعدتها مع الحمام ، ففي هذا الوقت لا ترفض لنا طلباً و لا تؤخر لنا أمراً و لا تبخل علينا بشيء ، و تكون طيعة ، لينة ، هادئة 00
00 أقسم أحدنا أنه رأى - أم دغش - تصنع جناحين كبيرين من ريش الحمام ، و تقيسهما على ذراعيها - و تحدانا - أن نتسلل إلى البرج في الليل - و سنرى الجناحين معلقين على الحائط ، و قال أنه لا أثر لريش أو لزغب في المكان ، و أم دغش رأيناها أكثر من مرة تنتف ريشاً و تنزع زغباً ، و قادنا زميلنا إلى صندوق الزبالة بجوار البرج - فلم نر أثراً لريش أو لزغب - هل صدقتم ؟!
قلنا :
= من يدرى 00 عباس بن فرناس أول من حاول الطيران و فشل و قد تنجح أم دغش !!
( 4 )
ما كدنا نضع رؤوسنا على الوسائد حتى نهضنا فزعين على صراخ الولد دغش و طرقاته على الباب
- الحقوا أمي تضرب أبويا !!
صكت الكلمة آذاننا ، و تلاقت أعيننا في استنكار ، و نهضنا ، حفاة - عدونا و بسرعة البرق وصلنا للدور الأرضي - لنرى أم دغش مُمسكة برجل مُسن ، كنا نظنه أباها - كشفت عن مؤخرته ، و أطلقت عليها خرطوم الماء ، و كانت تقرعه عليها و تشتمه و تلعن الأيام السوداء 0
و الرجل المسن منكمش كالطفل ، و عندما حاولنا أن نتدخل ، هبت فينا كالمسعورة ، و أطلقت خرطوم الماء في وجوهنا ، و راحت تسبنا ، و لا ندرى لماذا أخذت تسب المصريين و تجرى وراءنا كالمجنونة 00
عرفنا فيما بعد - أن الرجل العجوز - أو الشايب كما يقولون - هو زوجها - و على هرمه لا يفيق من سكر و لا يتحكم في عملية الإخراج ، و يعملها على نفسه في الشارع أو في الفراش !!
( 5 )
كل يوم يمضى نكتشف فيه شيئاً ، و نعرف عنها جديداً ، و الجديد و المدهش هذه المرة - أن أم دغش مصرية !!
رحنا نضرب كفاً بكف - و ما كنا لنصدق أنها مصرية - لولا أن أكد لنا دغش أنها مصرية مائة بالمائة و أننا أخواله !
00 انتظرنا أم دغش قبل أن تدخل البرج و قلنا لها :
= لماذا تكرهين المصريين و أنت مصرية ؟ !
كان الحمام يحلق حولها ، و يحط على رأسها و كتفيها ، كعادته عندما تهل ، أمسكت بحمامة ، و راحت توشوشها بكلمات لم نتبينها ، ثم أطلقتها ، فانطلقت الحمامة ، و استدارت إلينا و قالت:
- كل يوم - من عشرين سنة - و أنا أحمل حمامة رسالة أبعث بها إلى مصر ، و كل يوم أنتظر ، لا الحمامة تعود و لا الرد يصل !!
و تركتنا أم دغش و دخلت ، و أغلقت الباب ، جلسنا بجوار البرج نحاول أن نصغي لبوح أم دغش للحمام 00
سرب من النمل يحمل كسرة خبز جافة و يتحرك صوب البرج ، سمعنا تحذير النملة لزملائها من سليمان و جنوده في قرآن المغرب الذى يُتلى بالمسجد القريب ، و حديث الهدهد ، و الجان ، و الرجل الذى عنده علم ، و أبداً 00 أبداً لم نتبين حديث أم دغش للحمام !
( 6 )
قالت أم دغش :
-" باعوني أولاد الـ 000 "
=000000000
-" أبويا ، و العمدة ، و المأذون ، ، و طبيب الصحة ، و شاهدا العقد 000000 و 000000000 " !
= 00000000
-" قبضوا الثمن ورموني للقيظ و الحر والصحراء والبداوة والحياة القاسية ، ورجل مزواج، فارغ العينين، يكبر أبى سناً، ويقارب جدي في العمر " !
= 00000000
-" عشرون عاماً عشتها معه ، ما شفت فيها راحة " !
-"كنت أتمنى أن آكل يوماً و أجوع يوماً في مصر، أرقد في عشة على النيل مع بائع فجل أو سائق عربة حنطور أو أعيش عمري كله عانساً بدون زواج" !
= 00000000
-" امرأة جاهلة مثلى ، إذا خرجت أبعد من ها الشارع تتوه " !
= 0000000
- " كانت رسائلي - عبر الحمام - فلولاه لمت كمداً - ما تركت أحداً في مصر إلا بعثت له رسالة - حتى أولياء الله الصالحين " 00
مرة نمت - و دموعي على خدي - حلمت أنى حمامة طايرة - ظللت أطير و أطير ، حتى شفت النيل ، نزلت فرحانة - أبل ريقي ، صحوت - على صوت الولد دغش و هو يبكى حضنته ، و قعدت أبكى ، و خلعت غطاء رأسي و دعوت على اللّي كانوا السبب - و من ذاك اليوم - و أنا عندي أمل أروح مصر و أشرب تاني من النيل !!

( 7 )

على غير عادتنا رجعنا من الشغل مبكرين ، لنسمع و نحن في أول الشارع صراخ أم دغش ، و نحيبها و عويلها ، ارتعدت فرائصنا ، ووجلت قلوبنا لما رأينا الولد دغش ملقى على الأرض يغوص في دمه ، شقت جلبابها ، و لطمت خدها و عفرت وجهها بالتراب 00
قال صبى صغير للعسكري :
- التقطت أرقام السيارة.
قالت امرأة :
-كان السائق هندياً يقود بجنون !
بصعوبة بالغة خلصنا الولد دغش من أمه آلتي احتضنته بهستريا ، و حمله أحدنا إلى الداخل ، و حملنا أم دغش عُنوة ، و صعدنا بها إلى السطوح 00 أدخلناها برج الحمام و أغلقنا عليها 00 سمعنا نوح الحمام و بكاءه 000
وفى اللحظة آلتي كان يخرج فيها دغش مُحملاً في النعش 0 كانت أم دغش تقف على قمة البرج ، تلبس الجناحين ، يغطى الريش و الزغب مناطق كثيرة من جسمها العاري ، و حولها الحمام يحلق و ينوح - و بينما الناس تتأهب للسير بالنعش - صحنا فيها :
= ارجعي 00 ارجعي يا مجنونة!


Post: #2
Title: Re: قصص قصــــــــــــــيرة.........
Author: مجدي عبدالرحيم فضل
Date: 05-05-2008, 06:34 AM
Parent: #1

Quote: أم دَغْـش

قصة قصيرة، بقلم: مجدي محمود جعفر


rani Alsmani
حمدا علي السلام وقصة رائعه كروعة مجدي والقلم لك شاهر

،،،،أبوقصى،،،،

Post: #3
Title: Re: قصص قصــــــــــــــيرة.........
Author: rani
Date: 05-07-2008, 10:59 PM
Parent: #2

مرحب الصديق مجدي
شايف كيف كل المواجد رائعيين

لك ودي


الحصن الحصين
قصة قصيرة جدا

ابراهيم درغوثي / تونس

وقفت في باب قاعة الانتظار المكتظة بالمرضى والمرافقين : أطفال صغار في أحضان أمهاتهم . عجوز افترشت الأرض ونامت . امرأة شابة تشكي لجارتها غبنها بهذا الولد الذي لا يبرأ إلا ليعود في اليوم التالي إلى المستشفى . رجل كهل يطلب من زوجته أن تنيم الطفل فقد أعياه الجري بين الصفوف ...
ثم فجأة دخل علينا . رجل أنيق . في أربعينات العمر . أجال النظر ذات اليمين وذات الشمال، ثم اختار امرأة مسنة تقطر الطيبة من وجهها . تقدم نحوها ، وقدم لها كتيبا قال : هو الحصن الحصين ، يشفي من الروماتيزم والصداع وجريان الجوف والأورام السرطانية الخبيثة ومرض القلب ويداوي كل العلل . ادفعي نصف دينار فقط ثمنا لهذه الثروة يا سيدتي .
امتدت يد المرأة إلى حقيبتها اليدوية . أخرجت منها النقود ووضعت الكتاب في الحفظ والصون . وراح - والابتسامة العريضة – تسبقه ، يوزع كتبه على المرضى ومرافقيهم ، ويقبض النقود .
عرفته . رأيت في وجهه طبيب الصحة العمومية الذي كان ذات يوم ملك المستشفى .
ولم أقل شيئا .
حين وقف الممرض أمام باب الطبيب وبدأ في المناداة على المرضى ، كنت وحيدا . وكانت القاعة فارغة . قاعة الانتظار الفسيحة .
وكان طفلي الصغير يغط في النومة الساِبعة ...

Post: #4
Title: Re: قصص قصــــــــــــــيرة.........
Author: مجدي عبدالرحيم فضل
Date: 05-08-2008, 06:53 AM
Parent: #3

واصل ياجميل

علنا نلتقي بكٌتاب رائعين نأخذ الحرف منهم ونبني القصة بيوتا نأوي إليها من هجائر الأنتظار وحرائق الغربه البدواخل

متابعين .......

Post: #5
Title: Re: قصص قصــــــــــــــيرة.........
Author: rani
Date: 06-26-2008, 01:07 AM

كوميديا الكاتب في الزمن الكاذب- حســــــب الله يحــيى

اكتب، الكتابة نزهة.‏

اكتب. الكتابة خلاص.‏

اكتب. اكتب.. اكتب.‏

تعلمت أن تكتب.. أتقنت الحرقة جيداً.. وصار بمقدورك الآن أن تبوح بكل ما تعاني في داخلك، أن تقول كل ما تعرف، أن تحقق موقفك، أن تعلن عن الخطأ، أن.. أن.. أن.. غير أنك تحس.. فتكتم إحساسك بالأشياء.‏

تنظر.. وتسمع.. وتشم وتدرك وتعلم.. وعن كل الأمور تتغافل، تتجاهل.. كان اهتمامك بالأشياء حكمة، كان الصمت عن كل ما يعرفه.. معرفة قطوفها دانية، كأن العمر المديد، يجعلك بل يلزمك أن تسكت وتتأمل:‏

وتهدأ.. بأقراص مهدئة.‏

وتنام.. بأقراص منوّمة.‏

وتتوسل النسيان أن يلغي منك ذاكرتك.. أن يقتلها فيك.. أن تكون كلمة النسيان نفسها منسية.‏

اكتب.. الكتابة ذاكرة يقظة، وأنت لا تريد أن تتذكر ولا أن تحس باليقظة.. فكلاهما عذاب وأرق وجنون ومحن.‏

وما دمت تملك بقايا أسنان، فإن بمقدورك أن تكون بمعدة مملؤة، يمكنها أن تهضم رغيف كامل مندى بماء زلال.‏

بقدمين تمشي، بيدين تنجز أعمالك، برأس كامل مرتاح يمكنك أن تفكر، بعينين ترى طبيعة بهية وسماء مشرقة، بأذنين تسمع كل أغاني الشباب التي تعيد إليك ما انطفأ من سنوات عمرك، بمقدورك أن تشم كل العطور التي تعلن شاشة التلفاز عن وفرتها في الأسواق.‏

من الأبناء: أنت فرح باثنين.‏

من الزوجات.. لك واحدة تتمتع بالوفاء.‏

من الأشجار.. لك شجرة تين وشجرة توت وشجرة برتقال.‏

من العمل.. لك راتب تقاعدي.‏



من السكن.. لك بيت يحتوي على غرفتين.. وفي كل غرفة نافذة.‏

من العافية، لك دفتر صحي.‏

ما الذي ينقصك.. لئن تكون في قمة السعادة؟‏

ما الذي تنشده.. لكن تكتب عن شمس تشرق وتضىء الكون وعصافير تنشد، ونسائم عليلة تهب عليك؟‏

لا عليك.. من أخبار تسمعها في آخر الليل، تروج لها إذاعات معادية لبلدك.. فغدا يكذبها مصدر مسؤول.‏

لا عليك.. من الأسعار اللاهبة للمواد الغذائية الضرورية التي تحتاجها، اليوم يعلن التلفاز عن التسعيرة والأمر بالالتزام بها.‏

لا عليك.. إن تمشي لساعات أو نهار، حتى تقوم بتسليم أجور الماء أو الكهرباء، دون استخدام سيارة للأجرة.. فهذا هو السبيل لإيقاف التلاعب بأجور النقل وجشع السواق الدائم. وبناء جسد قوي.‏

لا عليك.. أن تنتظر تناول حبوب هيبتون لتخفيف تصاعد ضغط الدم بعد أسبوعين أو شهر.. فحقك مضمون.‏

لا عليك.. أن تعاني قلقاً على بيتك وعلى قنينة الغاز بالذات من اللصوص.. يمكنك الاتفاق مع زوجتك ومع ولديك وذلك بتنظيم جدول للخفارات ليلاً نهاراً.. وبإمكاك استخدام سكين المطبخ، أو مسحوق نفاث السام في مواجهة اللصوص.‏

لا تشغل رأسك بشيء.‏

لا شيء يستحق أن يجعل شعر رأسك ناصع البياض.‏

لا تدع قلبك يخفق لامرأة.. ليست هناك امرأة تستحق أن يخفق لها قلبك.. فكلهن يطلبن منك خفية.. أن تكذب.‏

لا ترأف بأحد.. الرأفة ذل.‏

لا تقبل طفلاً.. القبلة دلال.‏

لا تبتسم لأحد.. الابتسامة نفاق.. والابتسامة بلا سبب من قلة..‏

لا تحزن لشيء، لا تبك، لا تفكر بالغد.‏

الحزن والبكاء والتفكير، حالات لا تلائم من هو في مقامك الرفيع.‏

مثلك.. يتباهى بأنه عرف جيداً آخر الأزياء الرجالية والنسائية التي تعلن عنها المجلات وشاشة التلفاز.‏

مثلك.. يعرف حفلات هذا المساء، يعرف المطاعم الأفضل دائماً.‏

مثلك.. يعرف ويعلّم زوجته كيفية استخدام الكريم الأساس للحصول على وجه ناعم وبشرة رقيقة.‏

مثلك.. يحفظ كل الأغاني.. وإلا فليس من المنطق أن يتداولها الجميع وأنت.. أنت ابن هذا الزمن.. على جهل بها.‏

مثلك.. مثل وعيك وقلمك الأنيق، ملزم بالكتابة عن تجربة تحويل التمور الرديئة التي تعطي علفاً للحيوانات إلى منتوج صالح للبشر ويعطيهم طاقة حرارية تضاهي عسل النحل الأجنبي المغشوش، والتين المغلف، والفاكهة المشتهاة.‏

اكتب.. اكتب.. الكتابة مسؤولية، ومسؤوليتك أن تقول الحقيقة للناس، وإلا أصبحت خائناً لبلد أخرجك من العتمة إلى النور، وجعل منك آدمياً يمشي على قدمين بزوج من الجوارب الملونة وحذاء يطول انتعالك له أكثر من خمسة أيام على التوالي.‏

صار بمقدورك أن تتعلم لغات المستعمرين والصهاينة في غضون أربع وعشرين ساعة.. وتنسى لغة قومك وأجدادك.. وكأنك لست من سلالة الجهل.. التي تخلت عن كل شيء وصارت تناقش مسائل ما بعد الحداثة.. حتى تستبق الأعداء وتنتقل من حظيرة الأمية إلى حظيرة العلم بالمعلوم والجهل بالمجهول..‏

اكتب.. فهذا زمن حرية تتقاسمها مع كتبك الأثيرة في غرفة منزلك التي تنطلق من نافذتها أشرعة كلماتك.. وتذوب بانصهار تام في الحرارة الموجودة خارج وداخل النافذة.‏

اكتب.. لا شيء يحول دون ممارسة الكتابة.‏

اكتب.. لا تفكر بأمور صغيرة، لا تليق بمقامك الكبير.‏

ذلك أنك من الوعي بحيث تكتفي بوضع صورة ملونة يمكن اقتطاعها من إحدى المجلات المترفة والصادرة من مكان آمن مترف مرفه، رسم فيها رغيف في دورة القمر ووجهه البهي وعلى مقربة منه يقف قدح الشاي المعطر، منتصباً، نشواناً، مزهواً بلونه المحمر العجيب، يفوح منه بخار شهي.‏

اكتب.. لا تتوقف.‏

هناك سيولة نقدية ورقية يمكن أن تملأ بها جيوبك.. كل ما في الأمر أن تكون مرناً في تعاملك مع ما تراه وتسمعه وتشمه وتحسه وتتذوقه.‏

- مثلاً..‏

مثلاً، لا تقل إننا نعيش في فوضى اقتصادية.. حدد المسؤولية، قل إن المواطن هو السبب.. فلو قام كل مواطن بمقاطعة شراء المواد الغذائية.. لتلفت، وصارت أسعارها زهيدة.‏

- مثل آخر..‏

- نعم.. مثل آخر، لا ترش ولا ترتشي.. فتلك ظاهرة سيئة ينبغي عليك فضحها بطريقة تقديم وقبول الهدايا.. تعبيراً على المودة والتلاحم في صفوف المجتمع.‏

مثل ثالث..‏

- هناك أمثلة كثيرة.. وأنت تريد العد والإحصاء.. مثلاً.. المواد الفاسدة والمغشوشة والرديئة التي تباع على أنها من أفضل النوعيات.‏

- ما الذي يمكن للكاتب أن يقول عنها؟‏

- الأمر سهل، سهل جداً.. قل إن مادة الملح التي تستخدم لادامة بعض المواد.. يمكن أن تكون فاسدة.. قل الملح فاسد، والبحر الذي دفع به إلى الضفة هو المسؤول عن هذا الفساد وينبغي معاقبته، بعدم السباحة فيه، ومقاطعة العبور إلى ضفته الأخرى.. حتى يعود إليه رشده فلا يلقي إلينا بملح فاسد مستغلاً بعض مشكلاتنا الآنية.‏

اكتب.. الكتابة تبرير، وأنت خير من يبرر الأخطاء، إن كانت هناك أخطاء فعلاً. مع علمنا أنها غير موجودة كما تشير كل أجهزة الإعلام المقروءة والمرئية والمسموعة.‏

اكتب.. فقنينة الحبر موجودة..‏

وما دامت قناني الحبر موفورة لك، فمعنى هذا أنك مدعو للكتابة، وأي تخلف عن أداء هذه المهمة الوطنية.. تعني.. إنك عاجز أو خائن..‏

أبعد تهمة العجز والخيانة عنك.. واكتب.‏

غازل من لا تحب.. مهمة الكاتب أن يستلهم.‏

كن سعيداً.. وأنت في قمة الحزن، فالكاذب من يتجاوز المحن الشخصية، وصولاً إلى الفرح والشموخ الإنساني.‏

شيد قصوراً من الآمال.. لا من الرمال. فهذا هو الفرق بين فحولتك الابداعية، والبراءة العابرة لطفولتك المضاعة.‏

ارسم العالم من حولك مزهواً بالخضرة.. امح من مخيلتك شيئاً اسمه الليل.. وان لاحاك والزمك الكتابة عنه، قل إنه مصدر الإلهام وموطن الخيال والمسرات..‏

اكتب.. اكتب.. اكتب.‏

وظل الكاتب يكتب.. ويكتب حتى آخر يوم في حياته مستجيباً لخوف لا يعرف مصدره - كما يقول بعضهم مع أن الجميع يعرفون مصدر كل شيء - وعندما تقرر طبع أعماله الكاملة.. فوجئ القاصي والداني القريب والبعيد. العدو والصديق، الغافل واليقظ. الصادق والكاذب.. الشجاع والجبان، إن كل ما تركه الكاتب.. لم يكن إلا حزمة من أوراق بيض.. وإلى جانبها قنينة حبر مملؤة بالماء.. وقلم حبر معبأ بالهواء..‏