بيان كتيبة الفرقان وتناسل الأسئلة المفزعة عن الفكر فى السودان

بيان كتيبة الفرقان وتناسل الأسئلة المفزعة عن الفكر فى السودان


06-04-2003, 06:02 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=16&msg=1078721393&rn=0


Post: #1
Title: بيان كتيبة الفرقان وتناسل الأسئلة المفزعة عن الفكر فى السودان
Author: خالد عويس
Date: 06-04-2003, 06:02 PM

النزعات الارهابية تبدأ من هنا :
بيان " كتيبة الفرقان " يثير تساؤلات مفزعة عن الوضع الفكري فى السودان !!
خـالد عــويس
أحداث غريبة ومتشاكلة شهدتها العاصمة السودانية الخرطوم خلال الأيام القليلة الفائتة ، فمن الحريق الهائل الذى شبّ بمحطة بري الحرارية لتوليد الطاقة الكهربائية ، الى العنف "المريب" الذى شهده حي فلسطين فى أمدرمان وراح ضحيته عدد من أبناء جبال النوبة وجنوب السودان ، ثم بيان خطير مهرته جماعة اسلامية مجهولة الهوية ومتشددة الى أبعد درجة ، كلها موضوعات تثير عواصف من الأسئلة وعلامات الاستفهام !!
اذا كان بالمقدور انتظار نتائج التحقيقات ، والمساءلات حتى بواسطة منظمات حقوقية دولية بشأن أحداث حي "فلسطين " فان البيان الذى أصدرته مجموعة اسلامية مجهولة الهوية فى السودان هذا الاسبوع يستدعي قدرا كبيرا من الشروحات واستنطاق المدلولات واتجاهاتها ، اذ لا يمكن المرور عليه مرور الكرام ، ولا يصح تجاهل ما يمكن قراءته من خلال سطوره ، كما لا يمكن التغافل عن امكانية ربطه مع تداعيات حادثة من الدار البيضاء غربا الى الرياض شرقا بهذا الخصوص ، فالبذرة التى يزرعها بيان " كتيبة الفرقان " فى النسيج السوداني مؤداها انفلات العنف من عقاله ، وضرب السلام الاجتماعي فى السودان بكل عنف ، والاطاحة بعملية السلام الجارية فى ما اذا أقدمت " كتيبة الفرقان" فعلا على تنفيذ جريمة نكراء باغتيال شخصيات سياسية وعدلية سودانية كما جاء فى بيانها !!
بالمستطاع تلخيص بيان الجماعة كي تتسني قراءته من الجوانب كافة هكذا : " في خطوة تعّد الأولى من نوعها في السودان، اهدرت جماعة اسلامية متشددة مجهولة الهوية، دماء تسعة من السودانيين بينهم قضاة ورجال دين وصحفيون ورصدت مبلغ عشرة ملايين جنيه سوداني لكل من يأتي برأس أحد هؤلاء التسعة. وقالت الجماعة في بيان صادر عن الفئة التي اطلقت على نفسها «كتيبة الفرقان، الجناح العسكري لجماعة المسلمين» ، أنه بعد أن ارتفعت أصوات اهل الباطل المحاربين للإسلام والطاعنين في الشريعة الإسلامية الغراء كان لابد من تضحية وفداء يرفع أهل الحق إلى اعلى العليّين ويسكت ألسنة أهل الباطل وأئمة الكفر والضلال.
واشترط البيان في نيل الجائزة أن يكون القاتل مسلماً وقال: نرصد مبلغ عشرة ملايين جنيه سوداني لكل من يأت برأس أحدهم بشرط ان يكون من جماعة المسلمين وأما غيرهم فلا، فإنا لا نستعين بمشرك على مشرك.
وأهدرت الجماعة دم كل من: النيل أبو قرون «الرافض الخبيث الذي يسب أبو بكر وعمر» وهو قاض يتبع لجماعة صوفية، فاروق كدودة «بقية آل فرعون والماركسي الضال وهو قيادي في الحزب الشيوعي» ، الحاج وراق «طليعة الاستعمار الغربي صحفي معروف وزعيم حزب حق»، عصمت الدسيس، الطاهرحسن التوم «تاجر العقيدة» ، أيلي حداد «صاحب الدواء المسوم» ، عبد الله فريد وكيل نيابة الجرائم الموجهة ضد الدولة، محمد سر الختم الغرباوي (قاض).
وقال البيان ان «هذين الأخيرين من رموز الطواغيت الحاكمين بغير ما أنزل الله والمتخذين من القانون الوضعي الباطل ذريعة لتحقيق مصالح شخصية وارهاب المساكين».
انتهي الخبر الذى أوردته جريدة "البيان" ، لكن الأصداء التى يخلفها مقلقة جدا ، فللمرة الأولي فى تاريخ السودان يجري التكفير بهذه الطريقة الجماعية ، وتسلّ السيوف من أغمادها على مسلمين تمّ الحكم عليهم بالكفر من دون بيّنة ، ومن دون واسطة الدولة ، ومن قبل جماعة شديدة التطرف ، وغاية فى عدائها واحتكارها الحق الالهي !!
الشخصيات التى تعرضت لها "كتيبة الفرقان" تضم مثقفين وسياسيين وصحفيين وقضاة ، جري توصيفهم بعبارات قاطعة فى دلالاتها ، ومنبئة بحجم التشدد المخزون فى نسيج هذه الجماعة !!
ثمة ما يدعو لتحديد نقاط بعينها يتوجب التطرق اليها بشكل مفصّل
أولا : توقيت البيان ، فمن زاوية ، يستبطن رفضا قاطعا لمسيرة السلام ، ويؤسس لاتجاه معيّن فى رفض "علمنة" العاصمة السودانية أو جعلها عاصمة قومية ، ومن زاوية ثانية ، ينسجم تماما مع ما شهدته العاصمة السعودية الرياض والدار البيضاء المغربية ، ولا يمكن قطعا فصل مثل هذا النوع من التفكير عن تفكير الجماعتين اللتين روّعتا الآمنين فى المدينتين المذكورتين ، الا أن خصوصية الوضع السوداني ، ترشّح لقراءات أخري ، لا تستثني اللعبة السياسية بأكملها ، وامكانية تلاعب بعض تيارات الاسلام السياسي بأوراق كهذه بغية ارباك المشهد السياسي ، وخلط أوراق عملية السلام !!
ثانيا : بعض الجماعات السلفية المتشددة كانت قد استهدفت مساجد لجماعة أنصار السنة فى أمدرمان ومدني منتصف التسعينات ، وحينها جري ذبح المصلين أثناء سجودهم ، ومنذ حادثة "الخليفي " وغيرها ، لم يظهر لتلك الجماعات المتشددة أثر ، الى أن ألقت السلطات السودانية القبض على سودانيين منتمين لتنظيم القاعدة وتمّ تسليم بعضهم الى السعودية نظرا لتورطهم فى تدبير أعمال عنف ، وكانت جامعة الخرطوم أيضا شهدت أعمال عنف بين جماعات طلابية اسلامية متطرفة قادوها ضد طلاب مسيحيين أثناء معرض للكتاب المقدس ، وبرزت خلال تلك الأحداث أسماء الداعية د. عبدالحي يوسف ، اضافة الى طالب فلسطيني منتم الى "التكفير والهجرة" أو "جماعة الجهاد" ، وفى هذه الأحداث المتفرقة والمتباعدة ، يتوضح قدر من النهج "التكفيري" والاتجاه العنفي الذى لم يلق فى حينه التفكيك الفكري اللازم !!
ثالثا : الثقافة العنيفة والاستئصالية التى بثها الاسلاميون فى المجتمع طوال سنوات حكمهم ، ينبغي مساءلتها عن حوادث عنف ، واستزراع نهج متشدد فى بيئة لم تشهد فى تاريخها ، ذبح مغن "خوجلي عثمان" ومحاولة ذبح آخر " عبدالقادر سالم" ، واختفاء شاعر " أبوذر الغفاري" ، وقتل مسلمين أثناء سجودهم فى مسجدي الثورة ومدني ، فضلا عن ممارسات لا تحصي ولا تعّد فى اطار العنف اللفظي ، والفكري ، واستئصال الآخر وعدم الاعتراف به ، واحتكار الحق الالهي !!
رابعا : من واجب الدولة حماية التسعة المذكورين فى بيان " كتيبة الفرقان" وتجنيبهم التعرّض لأي حادث يستهدف حيواتهم ، وينبغي عليها كذلك أن تسعي جادة لكشف هذه الكتيبة الظلامية المنتمية الى روح العصور الوسطي ، وثقافة التجهييل ، وصكوك الغفران ، والادعاء الديني الفارغ !!
خامسا : تكمن خطورة هذه الجماعات ليس فى تشددها المقيت ، ورغباتها الدموية فحسب ، وانما أيضا اطلاقها شعارات ، ومتاجرتها بمقولات وعبارات فضفاضة ، لا يتسني لأعضائها تعريفها أبدا ، من قبيل "الحاكمية لله " ، و" دولة الاسلام" من دون احتكام للعقل ، أو تفسير المراد بهذه الشعارات ، والمشكلة فى أن هذا النهج يستهدف أول ما يستهدف المثقفين والمفكرين ، ثم ينقلب الى المجتمع بأكمله ليوسعه تكفيرا وسبا ، والملاحظ فى بيانهم أن من مهروه تحدثوا عن جماعة المسلمين ، التى تعني فى عرفهم ، اتباع طريقتهم فقط ، وحكموا على خصومهم بالشرك ، واعتبروا أن من يقوم بقتل هؤلاء المشركين ينبغي الا يكون مشركا ... من هو المشرك ، ان لم يكن المجتمع كله خارج الجماعة ؟
سادسا : يتوجب على المفكرين والمثقفين وعلماء الدين والجهات المسؤولة عدم الوقوف مكتوفي الأيدي ، فالموضوع الذى نستهين به اليوم قد يكون مهددا حقيقيا لاستقرار السودان غدا ، وما نعتبره هامشيا قد يضحي مركزيا باشاعة ثقافة الموت ، التى مهدت لها الانقاذ ورعتها بكفاءة نادرة من خلال التحريض على الجهاد فى الجنوب ، وحفرت لها عميقا فى ثقافة مشايعيها ، ويتوجب على مفكري الحركة الاسلامية اقتلاعها قبل أن تصبح مشكلة حقيقية سيكون المتضرر الأول منها رموز الحركة الاسلامية أنفسهم !!
سابعا :
معظم من تمّ تكفيرهم وتجهيز قبور لتضمّ رفاتهم ، هم من حملة مشاعر التنوير ، والكتّاب المثقفين ، وفى هذا الاجراء تكمن دلالات متقاطعة ومهمة لابد من الاشارة اليها من خلال جدليات قائمة بالفعل بين الدين / التدين / الكتابة / الوعي / الاختلاف / التاريخ :
فلنعترف بدءا _ ومن دون الخوض فى جدل سياسي بغية اتهام جهة بعينها _ بأن القضية الآن اكثر تشعبا وابعد غورا من التناول السطحى الذى يعمد اليه البعض ، ولا يمكن النظر اليها من زاوية واحدة ، فعناصر كثيرة تغوص فى خاصرة المشكلة بشكل جدلى ، وتستدعى تشريحا وتفكيكا على مستويات عدة :
المستوى الاول :_ المستوى التاريخى ، اشارة لاعدام الحلّاج نظرا لاسباب سياسية تلبّست ثوب الفكر ( المقصلة فى وجه الفكرة _ المدية فى مواجهة القلم) ، يتبين ان الاسباب التى ادّت لسحقه هى خاصة بخطر الفاطميين على الدولة العباسية ، والقحط والجوع ، اللذين اديا لتذمر الناس فما كان بد من شغلهم بقتل الحلّاج ، شاغل الناس بفكره وشعره وكتبه رغم عدم مصادقة الحنابلة والشافعية على الامر !! مأساة الحلاج (الفكر) فى مواجهة السلطة ( المجتمع _ النموذج) دعا العديدون للدفاع عنه تاليا : صلاح عبدالصبور ، ماسينيون ، عبدالوهاب البياتى ، مارى شيمل ، هربرت ميسن.
تفكيك المستوى التاريخى يقودنا لاستنطاق ( الثابت والمتحول : بحث فى الابداع والاتباع عند العرب / ادونيس) وكتابات العروى / الجابرى وغيرهم حول مراجعة العقل العربى وتفكيكه ، ودراسة عناصر تكوينه ، فهم اشاروا بادئا لقبول العقل العربى بمصادرة العقل ومصادمة الفكر ارتهانا لمأزق النقل وتخلصا من "مجازفة العقل" او ( الابداع / الاتباع) ، فالعقل العربى واقع _ برأيهم_ فى مأزق تاريخى يشده للوراء دائما ، وفى حالة من الثبات والركود الماضوى ، المصادم لكل ما هو جديد : شعرا /فكرا / ادبا / اجتهادا . يلازم هذه الحالة ،، اخرى من تنامى الشعور بضرورة حراسة ( كل القديم) بحسبانه "ايقونة مقدسة" تستوجب الدم اذا ما تعرض لها احد ! وهذا فى حد ذاته باعث على خلق توازن عاطفى فى تحقيق الواجب الحياتى / الثيوقراطى على وجه اكمل تجاه (المقدسات) بدء بالدين نهاية بالمتنبىء وزهير ! ويحفظ للفرد والجماعة احساساها بالقرب من المصادر الاولى (الكاملة) فيتقمص روحها وحقيقتها الكاملة معظّما من (الانا) حيال (الآخر) المتجاسر على المصادر الاولى . امكانية الحوار بين (الانا) و(الآخر) تصبح مجازفة باقترابها من حدود المصادر ذاتها طالما ان (الانا) تلّح فى افتراضها _بالحلول _ فى المصادر . المحصلة النهائية لوضع كهذا هو انقراض الفكر وتشريده لأن الفكر يتغذى بالحوار (فالآخر) _ المصادر بالطبع_ هو المحفز الاول لاطلاق طاقات (الانا المترفعة) فى مجال الفكر . اى اننا امام نموذج يجزم بأنه الحق الكامل وانه ما من فكرة يمكن ان تزحزح يقينه بما وصل اليه : اذ انه اصبح المقدس نفسه ،
ورقى عتبات اليقين وبلغ حد مصادرة اراء الآخرين لثبات بطلانها سلفا لحصول المعرفة الكاملة
وهذا بالضبط ما يطرحه البيان الذى حفل بكل قاموس التخلف والنزعات المتسلطة المصادرة للدين نفسه !!
المستوى الثانى :_ اللغة . افتراض ان اللغة يمكن الاحاطة بها وحصر دلالاتها هو افتراض يمج فى هطرقته وجدليته ، ويحصرها فى اطار زمنى ومكانى ودلالى محدد . بامكان اللغة ان تتجاوز كل المألوف لقدرتها على التجدد والتشكل ( او حتى الانحدار) حسب معطيات كثيرة منها قدرة الكاتب نفسه على ارتياد مدارات جديدة للتراكيب والدلالات فالكلمة يمكن ان تعنى معان كثيرة ، وتتشرب رمزية عالية ومكثفة حسب ظرف الكاتب ومناخاته النفسية ، وتطويعه للمصطلح ، ورؤيته له ، ولغيره من المصطلحات _ وربما تماساته التاريخية به_ ، فالنص هو حالة معقدة من الظرف الوجدانى ، والتفاعل الفكرى ، والتكنيك اللغوى ، بحيث لا يمكن فصل هذه المكونات فهى تشكل فى ختامها ( فضاء النص) و(مناخ الكاتب) وبين الاثنين علاقة جدلية معقدة يستحيل حشرها فى زاوية فك الرموز ، فالنص ( وبخاصة فى الفكر ، والادب) لم يعد محدودا بالسقوف التقليدية المتاحة لفهم هؤلاء المتعصبين بعدما خيّم على آفاقه وهج الحداثة آخذة فى ثناياها حوارات ضروب الفلسفة والفكر والفن المختلفة وتماهيها وتأثيراتها المتبادلة من سريالية ورمزية وتجريدية وتعبيرية ، بحيث يصعب قطعا ضبط حركة الصعود والاكتشاف داخل النص اللغوى بتجريده من المستويات الاخرى : معرفية ، وجدانية ، طفرات لغوية تختص بالكاتب نفسه ، اذ اصبح من المرجح تماما افتراض ان اللغة يمكن ان تنقاد _ لحيويتها _ الى زمان لغوى لاحق .
المستوى الثالث :_ الفكر ،، المغامرة الفكرية (ربما قبل الحلّاج نفسه) اصبحت محفوفة بالمخاطر مما جعل الفكر مقيدا ، راكنا الى الاعتياد والترديد والتقليد ، متلبسا ومتحولا الى حقل السياسة دون الخوض فى متاهة الاسئلة الكبرى ( ما عدا النذر القليل ) ، مكتفيا بحنجرة الهتاف والاحتجاج . التحرش الفكرى الدائم ادّى لظهور "ثقافة مهادنة " لا تحفل بالدفاع عن معتقداتها وارائها بجرأة خوفا من ( القتل ، المحق والتكفير ) . هذا الامر اكاد اجزم انه عطّل حركة الابداع بل وجعلها حركة ورائية ، فما من مبدع يبدع بيننا الا واذنه على الباب وعينه على النافذة خوفا من اطلالة (ملالى) الشرف والفضيلة ، رغم ان المقاييس الاخلاقية متبدلة ولا يمكن قياسها (للفرد) حتى بالركون للملالى انفسهم . وللصوفية عبارة ذهبية يلخصون بها رأيهم فى الاخلاق : ان على الانسان ان يكف شروره عن الآخرين قبل ان يتجه بتفكيره الى تحاشى شرورهم لأن مجرد التفكير فى شىء كهذا شر فى حد ذاته ! ، ومع تطوّر الحياة وولوجنا الى عصر الوسائط التكنلوجية اصبح بمقدور ( نجيب محفوظ) ان يحط رحاله فى "روما" ليكتب ما يشاء ، و( نصر ابى زيد) فى "استكهولم" و(مارسيل خليفة) بامكانه ان يخوض معركته عبر الكاسيت او الانترنيت من "شيكاغو" والحاج وراق والدسيس وبروفسير فاروق كدودة بامكانهم ان يتجهوا الى لندن ليجأروا بأفكارهم كما يشاؤون ، بل ان ما يجرى من ارهاب فكرى هو مدعاة لذوى المواهب الضئيلة والطاقات الكاسدة بالتنطع وتبنى مواقف متطرفة ضد الدين نفسه (بحسبان ان الملالى هم الدين) سعيا وراء بطولات وهمية انطلاقا من عواصم لا تلقى بالا لما يكتب او يقال . وحتى العلمانيون المعتدلون فى ظل الموقف المتصاعد يمكن ان ينتقلوا الى خانة اكثر تشددا حيال وجود الدين فى الحياة العامة . ولعل الظاهرة اقوى وجودا فى المجتمعات المتباينة مذهبيا ودينيا اذ يصبح التشدد جزء من عوامل التماسك الداخلى لفئة او فئات دينية بعينها
المستوى الرابع :_ الدين . فهو فى جوهره ثابت ، المتغير ، حركة الناس تجاهه او عنه (نمط التدين) التى تتشكل بحسب الاستيعاب ، الموروث الثقافى ، والبيئى وعوامل لا حصر لها . نزاع الحلّاج لم يكن بين الدين وخصومه وانما بين انماط التدين ( الخلاص الفردى _ الصوفية _ فى مواجهة الخلاص الجماعى_ الدولة العباسية ) او الحلّاج فى مواجهة خصومه ، الصراع فى لبّه كان فكريا ولا يمكن التكهن بصحة مسلك احد الطرفين فعلم ذلك عند الله . المشكلة ان موقف (غلاة المتعصبين) _ اليوم _ يمكن ان يقودهم الى مأزق _ فى الغد _ اذا تهجّمت على المجتمع جماعة اكثر مغالاة فى تعصبها ورفضها للحوار ، ترى فى الجماعة الاولى تساهلا ولينا تجاه (المنكر) . وقد يفرز فى الجانب الآخر خطاب من لقوا اضطهادا وذلا ثقافيا على ايدى هؤلاء ( انظر الى الخطاب المستخدم ضد الجماعات المتشددة ، يحفل بمصطلحات : الرجعية ، الظلامية ، الجمود ، قوى التخلف ، القوى المحنطة ) مما ينذر بكارثة تعطل الحوار تماما ليحل بدلا عنه خطاب العنف وحوار الدم .
وللاستدلال على النتائج الكارثية لقمع الفكر وانتهاج العنف ، نعود بذاكرتنا ( الجمعية) الى الوراء للاستشهاد بحادثة وقعت فى السودان ! اعدم قبل عقدين من الزمان تقريبا شيخ مفكر هو محمود محمد طه بتهمة التجديف (راجع عبارة رسل التى صدّرت بها مقالى ، ثم تأمل مسيرة جعفر نميرى التى بدأها بشلالات من الدم وختمها بدفن نفايات ذرية بالصحراء السودانية ، وترحيل يهود الفلاشا الى اسرائيل فى ظل ادعاءاته بتطبيق الشريعة السمحاء ) اعتقد ان اعدام "محمود" كان الباعث الاول على كساد حركة الفكر فى السودان ، وبوارها على نهج "انج سعد فقد هلك سعيد" ادى ذلك الحادث البشع بحق شيخ سبعينى ينافح عن رأيه بالكلمة والقلم الى احجام المفكرين عن ارتياد آفاق الفكر ، واختزال طاقاتهم فى الفعالية السياسية ، خاصة بعد الصمت المفجع الذى قوبل به الاعدام فى اوساط السودانيين ( مع ميل ظاهر لتجريم محمود ومدح قتلته !) . الانتلجنسيا السودانية بدورها (الا النذر القليل) تنصلت عن واجبها تجاه محمود _ القضية _ حتى بعد ان غيّبه الموت الذى جرى فى طقوس غرائبية خلطت بين المفاهيم الثورية والصوفية والكاريزمية ، ولعل بعض المثقفين تنفسوا الصعداء بازاحة خصم قوى الحجة ، راسخ فى الدفاع عن ارائه ، ولا زال اعدامه محل تعتيم اعلامى ينبىء عن تواطؤ فادح مع المقصلة التى جزت عنقه والايدى الخفية التى تسببت بمقتله لتخلو لها الساحة "الاسلامية" فى السودان ! . اعدام محمود "برأىّ" كان نقطة تحوّل كبيرة فى مسار تطور الفكر السودانى ويحق لى استخدام مصطلح الصدمة
"shock”
التى حاقت به وصيّرته منغلقا لا يبارح مكانه (1983 _ 1995 م) مما دفع الفكر الدينى المتشدد الى الاضواء فى ظل انحسار للمنظومات الفكرية المعتدلة ووسط مناخ ارهابى ، ونتيجة لذلك اصبح التكفير فى السودان ايسر من غسل اليد ، ساد مناخ جديد ، شديد الترويع ادّى لخلق وتشّكل ثقافة عنف غير مسبوقة ( من المفارقات ان القتل على ايدى متشددين طال فنانا هو خوجلى عثمان وجماعات من المصلين المنتمين للفكر الوهابى بمدينتى ام درمان ومدنى بتهمة الكفر !!) ولم يجرؤ الا قلة على التعبير عن امتعاضهم لما جرى لأن سيف (الدين) كان مسلطا على الرقاب يتلاعب به المتشددون كيفما شاءوا ، بل ان الثقافة الجديدة لجّت فى عدوانيتها حين شنّت حملة تجريمية من الوزن الثقيل ضد الطيب صالح متهمة اياه بالخلاعة والفجور ومنعت رواياته من ان تدرس بالجامعات السودانية ( هذا لأنه كتب : من اين اتى هؤلاء ؟) ولو كان الاديب الكبير موجودا بالسودان لما نجا من متربص ينتظره "بمدية" او "سيف" عند طرف الشارع مثلما جرى "لمحفوظ" ، الا ان هذا كله لا يعنى عجز الاسلام عن الدفاع عن نفسه وارتهانه للبطش والعنف فقط ، انما يعبر عن ورطة فكرية بالغة الحدة تستدعى محاورة هؤلاء حول ( وادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ) الآية و " اذهبوا فانتم الطلقاء " الحديث وموقف سيدى رسول الله صلى الله عليه وسلم من عبدالله بن ابىّ ، وحول معنى ان يضع فيلسوفا غربيا كتوماس كارليل ، سيدى رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأس عظماء كتابه "الابطال _
heroes”
وغيرها من مفاهيم التسامح والحوار والعقلانية التى ينطوى عليها الاسلام

وبالتأكيد لى عودة مرة اخري

وعذرا عذرا للاطالة

Post: #2
Title: Re: بيان كتيبة الفرقان وتناسل الأسئلة المفزعة عن الفكر فى السودان
Author: malamih
Date: 06-04-2003, 06:40 PM
Parent: #1

اخي خالد..مازلت تتحدث عن الوضع الفكري باحساس الشاعر المرهف..ولكني اقول انها ظاهرة ارهابية وجريمة يعاقب عليها القانون..خوفي ان يضمونك للقائمة

Post: #3
Title: Re: بيان كتيبة الفرقان وتناسل الأسئلة المفزعة عن الفكر فى السودان
Author: alfatih
Date: 06-04-2003, 07:03 PM
Parent: #1

الاخ خالد عويس
لك التحيه .....

قال تعالي [ يا ايها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا
اكبر واخطر انواع الهوس.... الصراع الفكري المستبطن.....و الذي تشوبه الانا الناقصه و المليئه بتعفنات متراكمه من جراء إستلاب كميه زائده من التخلف الذي تناوله علي عده سنوات....

إذا اردنا ان نستأصل هذا الداء ..علينا بالوقوف و المراجعه الكامله لسنوات الجبهه .....و التي بذرت فيها سموم وثقافه العنف و التطرف و إلغاء الاخر .
نتساءل عن التكفير و الهجره...وعن عبده الشيطان ...وكذلك عن الدبابين واخيرا هذه الجماعه الجديده....
واخريات طالما ظل الحكم مستمرا علينا ان نترقب ونستشعر حواسنا في كل برهة وغسيل المخ مستمراايضا

Post: #4
Title: Re: بيان كتيبة الفرقان وتناسل الأسئلة المفزعة عن الفكر فى السودان
Author: alfatih
Date: 06-06-2003, 03:32 PM
Parent: #1

فوق