بين أبادماك و بورتبيل مواضيع توثقية متميزة
مواضيع توثقية متميزة

بين أبادماك و بورتبيل


03-08-2004, 08:23 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=13&msg=1139077595&rn=91


Post: #1
Title: بين أبادماك و بورتبيل
Author: Salah Yousif
Date: 03-08-2004, 08:23 PM
Parent: #0

أبدأ بالتحية والشكر للأخ بشرى سليمان وكذلك للأخ أبو ذر ( المطر) إن صحت التسمية0 ومن ثم استجيب لمطلب الأخ بشرى بذكريات عن أبادماك وهي مقال نشر لي كمفكرة في أوائل عام 1989 بجريدة الخرطوم0

"عند تكوين تجمع الكتاب والفنانين التقدميين "ابادماك" في أواخر ديسمبر 68 وليس بعد مايو 69 كما يزعم بعض الذين يصنفون التجمع كبوق مايوي، كانت دوافع التكوين سلسلة من الهزات التي بدأت تخلخل عروش الديمقراطية وحرية التعبير والاعتقاد في ذلك الوقت، مما استوجب توحد كافة المبدعين التقدميين تحت لواء واحد يحميهم من التشتت ويجعل قرارهم فاعلاً ومؤثراً00 فما أقسى تكبيل يد الفنان أو إسكات صوته، وبالأخص عندما يجيء ذلك في عهد اتصف بالديمقراطية التي انتزعت وقتها من فوهة بندقية الحكم العسكري الأول0

ولعل من أبرز المواقف التي أجمع كل صاحب فكر وحس فني وريشة وقلم على خطورتها، خروج جماعة لا تملك حق تكفير الغير بقرار يقضي بردة الأستاذ محمود محمد طه الذي كان على أيام تلك الفترة شعلة نشاط فكري جذبت قطاعات كبيرة ممن يحترمون فكر الرجل أو ممن يرغبون في مقارعته الحجة0 ولا أود أن أسهب في هذا المجال، ولكن ربما يكون أكثر الذين وقعّوا على عريضة الدفاع عن حرية الفكر ضد قضاة الأستاذ ، لا يؤمنون بفكره ولكنهم انطلقوا من حرص شديد على صيانة حقه في التعبير ومن مغبة استخدام التكفير ضد الآخرين إن هم عبّروا بما لا يرضي قضاة الأستاذ يوماً ما0

وكان أيضاً من دواعي تكوين أبادماك، تلك (الفركشة) الشرسة والدامية التي نفذها دعاة الهوس الديني مستهدفين بها نشاط الجبهة الديمقراطية بجامعة الخرطوم عندما كانت تقدم جانباً من فنوننا الشعبية التي من الواجب أن نتوحد حولها ونرضي بها كأصالة يقوم عليها إرثنا الفني، بدلاً من النظر إليها بمنظار مظلم وظالم أعتبرها من قبيل التفسخ والإنحلال0 ولعل المتأمل لهذه الخلفية يدرك تماماً تشابه الأمس واليوم، فما تكفير وردة وإعدام الشهيد محمود محمد طه على أثر إصدار قوانين سبتمبر 83 أو حتى شغب وسقوط الباستيل ببعيدين عن الأذهان، إضافة إلى ممارسات الحجر الفكري العديدة في مجال الفنون ووسائل نشرها التي تقف دليلاً على وهن خيط الوصل بين أصحاب وجعة الحرية والتعبير0

قصدت بهذه المقدمة المطولة أن أنبش جانباً من ذكريات أبادماك00 ففي أغسطس 1969م جاب أعضاء التجمع، بعض قرى الجزيرة تحقيقـاً لأحد شعارات نشاطهم الأدبي الفني الثقافي، وهو توصيل المعرفة والثقافة إلى الجماهير في مواقعها0 وكان التجمع يحشد لذلك أعمالاً مسرحية مثل سقوط دبشليم وهي من تأليف محمد الفيتورى، والكتاحة من تأليف خالد المبارك، فضلاً عن لفيف من الشعراء والكتاب والمغنيين والموسيقيين والتشكيلين بمعارضهم المتنقلة0 وقد حدث أن قدمت في وادمدنى في وقت واحد سبع ندوات وليالٍ شعرية ومعارض ومسرحيات وأغانٍ0 ثم توالى الطواف على قرى عديدة، أقف عند واحدة منها وهي بورتبيل التي تقع في وسط مشروع الجزيرة 0 وهناك كانت فرحة أهالي القرية كبيرة لمقدمنا الحاشد ولإصرارنا على الوصول إليهم رغم رداءة طرق الجزيرة الطينية في موسم الخريف00 وكنا قد درجنا على سؤال أهل القرى عن خلفية اسم قريتهم، وغالبـاً ما ترجع الأسماء إلى أسماء الشيوخ أو تنسب إلى الأولياء، إلا أن اسم بورتبيل الذي فيما علمنا كان مكونـاً من جزأين على غرار بورت سودان وعليه فإن كلمة بورت كلمة إنجليزية وبيل اسم لأحد الإنجليز الذين كانوا يشرفون على ذلك التفتيش الزراعي00 وبحق إنني كنت أظن أن سكان تلك القرية الصغيرة سوف لا يحسنون استقبالنا بحسبان أن الثقافة كمٌ مهمل، وربما لا تجد الترحيب لديهم، غير أنهم فاجأونا بتقديم برنامج ثقافي من جانبهم أبرزوا فيه فنونهم وقدراتهم المسرحية ومن ثم أبرزنا نحن ما عندنا من فنون فتكامل عطاؤنا وعطاؤهم المشتركان كأروع ما يكون، ولم يفسد تسلسل العطاء تكاثر الحشرات التي اجتذبتها الإضاءة من كل حدب وصوب، أو تسلل عقارب المشروع الزراعي إلى مكان العرض وتسببها في لدغ طفلة كادت أن تموت بين يدي والدها الذي رفض إيقاف العروض حين أبدينا أسفاً وتحرجاً0
وقد كان من ضمن ما خرج به تجمع أبادماك، هو اعتبار بورتبيل قرية صديقة وتم الاتفاق مع أهاليها على تبني أبادماك لعمل مسرحي تكون عناصره الفاعلة من بورتبيل00 وبالفعل تم الوفاء بذلك وأنتدب الأستاذان طلحة الشفيع وعلى وراق، على ما أذكر، لإخراج عمل مسرحي كان هو مسرحية الفتريتة التي ألفها طلحة الشفيع0 ولقد تواصل العمل لشهر أو يزيد حتى جاء العمل إلى خشبة المسرح القومي تعبيراً عن الوفاء وكسراً لحوائط المستحيل0 فقد أفضت التجارب إلى صعود بعض المزارعين الأميين مع أبنائهم على الخشبة لإبانة قدراتهم الكامنة بصورة مشرّفة0

تلك إشارات جديرة بالتسجيل، فقد حَفَرت حروفها في ذاكرتي ذات يوم، كشاهد على ايجابيات التواصل الثقافي حين يتوفر له مناخ المعافاة والتضحية والإيمان0"

صلاح يوسف

Post: #2
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: Giwey
Date: 03-08-2004, 09:07 PM
Parent: #1

صلاح يوسف

تحياتى شذيات نديات

شكرا لك وانت توثق لهذه التجربة الرائعة

ورحم الله زمانا كانت فيه الجزيرة معطاءة

قمحا ووعدا وتمنى ..لست مندهشا فتلك هى ديارى

التى عرفت ..التحية لاهلنا فى بورتبيل

التحية للزميل القديم ابراهيم حماد ..أميمة

أينما كانا...


لك الود من قبل ومن بعد...


عبد الرحمن قوى...

Post: #3
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: bushra suleiman
Date: 03-08-2004, 09:46 PM
Parent: #1

العزيز صلاح،شكرا على هذه الاناره وان كنت اطمع فى مزيد من الضوء،ان لم تمانع،على كيفية تكوين ابادماك والاشخاص المؤسسين وسيرة ذاتية لمن تسعفك الذاكرة باسماهم مع خالص ودى

Post: #4
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: حسن الجزولي
Date: 03-08-2004, 10:11 PM
Parent: #1

العزيز /صلاح

أثمن عاليا مقترح الاخ بشرى سليمان , ففى فترة من الفترات أجتهدت مع مولانا عبدالله لاعلى ابراهيم لأجل فكرة نيرة اقترحها علي حينما كنت مسئولا عن الملحق الثقافى لصحيفة ( الفجر ) اللندنية بأن نحتفل بذكرى مرور 30 عاما على تأسيس أبادماك , فتحمست للفكرة وبالفعل شرعنا بالاتصال بأعداد مهولة من اعضاء ابادماك والمؤسسين , وللآسف ماتت الفكرة بعد فترة لاسباب متعددة , الأن انت أحد هؤلاء الذين نعنى , والاجيال اللاحقه تلهث خلف تاريخ كهذا , انا مع بشرى فى ان تبدأ بسرد تاريخى موثق لمسيرة ابادماك .. وربما نجلب للبورد فيما بعد استاذنا عبدالله على ابراهيم (ليجادعك ) .. مارأيك بالفكرة.
مع تحياتى ولبشرى

Post: #5
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: bayan
Date: 03-09-2004, 00:35 AM
Parent: #4

شكرا لكم منذ عام 1997 والى 2000 انا اوجه النداءات واطلب المساعدات لمن يمدنى بمعلومات عن ابيدامك
ولم اجد اى مساعدة
وعليه رجعتا لكتاب عبده بدوى
وخرجت بالتالى من هذه الجماعة
Quote: وفي أواخر سنوات الستين ظهرت حركة "ابيداماك" تيمناً بالإله النوبي "أبيداماك"، وهذه الحركة تبناها اليساريون فانظر إلى هذا التناقض بين الفكر والسلوك لديهم! وكان كتاب هذه الجماعة في الغالب يكتبون بالعامية عن أشياء سودانية بحتة ولكن سرعان ما انتهت هذه الجمعية، وكما ذكرنا سابقاً في الفصل الأول أن محمد عبد الحي كان قد نشر تكذيباً عندما ادعى البعض أنه ينتمي إلى هذه الجماعة مما أثار غضب اليسار عليه.
#


فقر’ من بحث بعنوان ثنائية الغابة والصحراء عند عبدالحى

سارجع لاضع لكم تساؤلاتى وارجو ان يتسع صدركم
لها والقصد فقط المعرفة وتحقيق المعلومات لباحث فى تاريخ الثقافة السودانية.. وجيتا جيتو

Post: #6
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: Salah Yousif
Date: 03-09-2004, 06:43 PM
Parent: #1

الأخ عبد الرحمن قوي

لك الشكر على إطلالتك وإعجابك بهذا القدر الضئيل من التوثيق

الأخ بشرى سليمان

بناء على طلبك لمعرفة المزيد عن كيفية التكوين والأشخاص الذين كانوا وراء الفكرة، آمل أن يكون فيما سأورد إضافة مفيدة0 واضح من اسم التجمع (تجمع الكتاب والفنانين التقدميين) قبل أن يطلق عليه اسم أبادماك باقتراح عبد الله جلاب الذي وجد القبول، أنه وعاء يستوعب قطاعا كبيرا من المبدعين في شتى ضروب الآداب والفنون ممن يؤمنون بحرية التعبير وحداثته في وقت برزت فيه مدارس فكرية وأدبية تقتضي التوحد لإثبات الوجود، وأنه تجمع أراد أن يكسر الحاجز بين المبدع والمتلقي بتبنيه فكرة الوصول للمتلقي وإشراكه فضلا عن كونه نشأ في وقت لم تكن فيه فاعلية للتنظيمات الإبداعية الفردية كإتحاد الأدباء أو الفنانين أو التشكيليين الخ0

لقد كان أغلب أعضائه من بين خريجي وطلبة جامعتي الخرطوم والقاهرة الفرع إضافة إلى بعض المبدعين والصحفيين الآخرين، وأذكر منهم د0 عبد الله علي ابراهيم – عبد الله جلاب – سعاد ابراهيم احمد – عبد الهادي الصديق- علي عبد القيوم – محمد المهدي بشرى – عبد الله شابو – خالد المبارك - علي وراق – الفاتح سعد – جمعة جابر – عبد الباسط سبدرات – صديق ضرار – شوقي عز الدين – يوسف خليل – عثمان خالد – طه العطا – صلاح حاج سعيد – حدربي محمد سعد – نصر الدين سنادة – عبد العزيز جمال الدين – عبد الرحيم عطية الله – صلاح يوسف – وفرقة فنية من أبناء الجنوب وآخرين كثر0

أما لماذا انفرط العقد، فذلك لأن التغيرات السياسية في فكر مايو من حب اليسار إلى معاداته لم تعد تحتمل كل ما يصدر عن مبدع يشتم فيه رائحة التقدمية0 كما أن الهجمة الشرسة بعد يوليو 1971 أوصدت الأبواب أمام الوجود و أغلقت المنافذ التي كان التجمع يطل من خلالها، هذا إذا وجد بعض أعضائه خارج الأسوار0 وأذكر أن البديل الذي أرادت السلطة وقتها طرحه، كان اتحاد الأدباء الذي كان رئيسه اسحق القاسم شداد وهو محامي لم نعرف له إبداعا أو عطاءا أدبيا في ذلك الوقت، لذلك ماتت فكرته في مهدها حين انزوي المبدعون بعيدا عنه0

الأخ حسن الجزولي

أؤيدك بشدة في فكرة استدراج د0 عبد الله علي إبراهيم لأنه كان الأمين العام0 وكنا على ما أذكر نطلق عليه لقب (شيخنا) قبل أن يتم استخدام اللقب مؤخرا بواسطة الإنقاذيين0 إن عبد الله علي إبراهيم أحسن من يلقي الضوء على هذه التجربة باعتباره الأب الروحي والأقدر مني على التوثيق0 وطالما أن الكلام عن التوثيق أسجل هنا أن التجمع أخرج عملا مسرحيا لبعد الله علي إبراهيم يؤرخ لثورة أكتوبر في ساحة الشهداء أمام القصر الجمهوري كتجربة لمسرح الشارع 0 كما أنه استضاف الموسيقار اليوناني ثيودراكس بمناسبة عرض فيلم (زد) بسينما كلويزيوم لأول مرة ومن ثم أقام ندوة عن تجربته الموسيقية، وهو واضع المؤثرات الموسيقية لعدة أفلام من بينها زد وزوربا، بدار الثقافة وقد قام النور عثمان أبكر بالترجمة فيها علما بأنه لم يكن وقتها عضوا ولكنه فيما بعد انتسب وساهم بالكثير خاصة في إطار تبني وتوجيه المبدعين الشباب0

الأخ بيان

إن ما أوردته عن عدم انتماء د0 محمد عبد الحي لأبادماك صحيح0 وأذكر أنه كان إبان تأسيس وبداية نشاط أبادماك في لندن ربما يعد وقتها للدكتوراة وحين عاد زارنا في دار الثقافة بالخرطوم وهي الدار التي كان لنا فيها ركن للتلاقي وإقامة الندوات0 وكان رحمه الله واضحا في رأيه تجاه أبادماك، فجلس ذات مرة على طاولة الندوة وبدأ يرسل انتقاداته للتجمع باعتبار أنه بوق لليسار0 وهنا تصدى له المرحوم جمعة جابر بمرافعة دفاع أقل ما يقال عنها أنها قوية، غير أن كل ذلك لم يفسد للود القائم قضية تصل حد المقاطعة0


أكتفي بهذا مع شكري لمن وجد في ثرثرتي إفادة0

صلاح يوسف

Post: #8
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: bayan
Date: 03-09-2004, 11:16 PM
Parent: #6

أخى الكريم لا تتخيل مدى سعاداتى

بما اطلقت عليه ثرثرة تجدنا فى تشوق لها

Quote: ومن جهة أخرى ذكر عبد اللَّه علي إبراهيم الذي ينتمي إلى الحزب الشيوعي السوداني "أن محمد عبد الحي ترك الحزب الشيوعي في أوائل الستينات".
ولكن المتتبع لكتابات الشاعر الإبداعية لا يجد فيها أي نزوع مادي في أعماله بل نزعة صوفية إيمانية عميقة (معلقة الإشارات - اللَّه في زمن العنف - العودة إلى سنار) كما ندلل على ذلك بقوله هو نفسه:
"كشاعر أعتقد أني أختلف عن شعراء العصر في السودان - وفي العالم العربي - بإيماني العميق بهذا الجوهر الديني للوجود الإنساني وبإيماني الأعمق منه بأن هذا الجوهر بلغ أقصى نقائه وجماله الشكلي في الإسلام وهذا الإيمان إيمان خلق لا تحجر".
وقد ذكر لي الشاعر مصطفى سند أن محمد عبد الحي كان قد نفى انتماؤه لـ"أبيداماك"* والذي نشر في صحيفة الرأي العام.
وخلاصة القول أن محمد عبد الحي كان رجلاً شجاعاً في إبدائه لآرائه والإعلان عنها دون مواربة أو خشية لومة لائم وأكسبه ذلك الكثير من الأعداء وأيضاً كان بسيطاً متواضعاً مما أكسبه حب الكثير من الناس. ولو كان يسارياً لما أخفى ذلك.


تساؤلاتى

هل كان هناك مانفستو؟
كما ذكرتا ان هناك خلفيات تأريخية هل كانت للنكسة اى
أثر فى اختياركم لرمز من الثقافة النوبية متجاوزين التأريخ العربى الاسلامى؟
ابو ذكرى لماذا رفض هذه الجماعة؟

لماذا تنصل عدد كبير منكم فيما بعد للانتماء لهذه الجمعية
فهل تناقض الفكرة الشوفونية مع ما تحملون من فكر يسارى كانت سبب لذلك؟

وشكرا لك ولى عودة

Post: #7
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: zumrawi
Date: 03-09-2004, 07:20 PM
Parent: #1

الاستاذ صلاح يوسف
نريد المزيد عن الجماعة اعمالها المسرحية,
الدواوين ,الليالى الادبية والشعرية,
الجو العام فى تلك الايام والتحديات التى واجتمهونها

Post: #9
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: Salah Yousif
Date: 03-10-2004, 07:23 PM
Parent: #1

شكرا على التساولات التي أعتبرها مهمة وآمل أن أجيب عليها قدر استطاعتي حيث أنني أشرت بأن الدكتور عبد الله علي إبراهيم أقدر مني على الإجابة وكذلك أغلب الذين عاصروا تلك الفترة0

نعم كان هناك مانفستو بمثابة دعوة لتأسيس التجمع وقد تضمن عرضا للأسباب والدواعي التي لا تخرج عن ضرورة قيام تجمع يصون حرية التعبير ويدعو لتجديد وسائل توصيل المعارف الثقافية0

هناك عدة أسباب لاختيار الرمز وأولها كونه خلفية سودانية ضاربة في عمق التاريخ والتراث حيث عرف في عهد أبادماك إعلاء راية الثقافة وتوحيد الشمال والجنوب0 وربما لو كانت المرجعية إسلامية أو عربية لدخلنا في متاهات يصعب عدنها اختيار رمز0 ولو تم ذلك لما سلم التجمع من التساؤلات عن لماذا هذا ولماذا لا يكون ذاك0 وحسب مبلغ علمي لم يكن للنكسة أثر في ذلك الاختيار يقدر ما أن الدواعي كانت سودانية خالصة حين وجد مبدعو السودان أنفسهم إزاء تحديات قد توصد أمامهم أبواب ووسائل التعبير عن إبداعهم0

لا علم لي بالأسباب التي منعت عبد الرحيم أبو ذكرى من الانتماء لأبادماك ومن حقه أن يختار الوقوف بعيدا0 ولا يعني كون التجمع يضم قوي اليسار والقوى الديمقراطية العريضة إلزام الجميع بالانتماء مع احترامنا لكل من كان يقف بعيدا حيث أن الوقوف لا ينفي عنه صفة الإبداع والتميز0

أعتقد أن الظروف التي أعقبت يوليو 1971 وما تبعها من اعتقال للبعض ومنع للآخرين حتى من الكتابة أو إقامة الندوات هي الأسباب التي باعدت بين الأعضاء0 وشتان بين التباعد حين يكون دون إرادة، والتنصل الذي يتم عن قناعة0


الأخ زمراوي

لك الشكر أجزله0 وأذكر أن كانت هنالك مسرحية الكتاحة تأليف الدكتور خالد المبارك 0 ومسرحية سقوط دبشليم تأليف الشاعر محمد الفيتوري ومسرحية ساحة الشهداء أو القصر وهي من تأليف عبد الله علي ابراهيم ومسرحية الفتريتة تأليف طلحة الشفيع 0 وأذكر أن كان صلاح قوله ويوسف خليل وعلي وراق من المخرجين0 ومعذرة لو شوش طول الفترة نقاء الذاكرة ولذا سأحتاج أنا إلى من ينعش ذاكرتي0

أقيمت الكثير من الندوات الثقافية والليالي الشعرية في العديد من أندية العاصمة وكانت تحظى بحضور كبير0 أما فيما يتعلق بالدواوين فقد نشر ديوان واحد تضمن مختارات من قصائد الشعراء الأعضاء وتم تداول مطبوعات لبعض قصص ومقالات الأعضاء النقدية فيما بينهم 0

أما فيما يتعلق بالجو العام فهو كما يقال ( يا أبيض يا أسود) وأعني بالأبيض تلك الأيام التي لم تكن فيها ملاحقات أمنية أو ما شابه ذلك 00 أما الأسود فهو تلك الفترة التي اتسمت بالحجر التام لنشاط التجمع0

أرجو أن يكون في ذلك بعض الخيوط والمؤشرات وسأقف مثلك لتلقي المزيد من الذين يتمتعون بحضور ذهني أكثر مني0

مع شكري وتقديري لكل من تابع هذا البوست0

صلاح يوسف

Post: #10
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: siddieg derar
Date: 03-10-2004, 07:47 PM
Parent: #1

عقب ليلة شعرية أقيمت بنادى أبناء حلفا ـ فى ذكرى أكتوبر وكان ذلك عام 1968 اشترك فيها بعض من الشعراء وقام بالتعقيب عليها الأستاذ عبدالله على إبراهيم والذى فى نهاية الليلة قدم دعوة للشعراء الحضور بأن هنالك شبه اجتماع سيقام بدار الصداقة السوفيتية للتفاكر حول الهجمات الشرسة التى توجهها القوى المعادية للتقدم والحرية ، وكمثال لذلك ما حدث فى جامعة الخرطوم عند قيام جمعية الثقافة الوطنية وضمن مهرجانها السنوى ، عند قيامها بعرض للفنون الشعبية ، قامت تلك القوى بمهاجمة مقدمى العرض بوسائل التعدى البربرى اليدوى والسيخى ، وأيضا مثال لذلك ما تم من هذه القوى من رفع قضية على الأستاذ محمود محمد طه أمام المحكمة الشرعية ومطالبة هذه القوى بالحكم بالردة عليه ومن ثم تنفيذ ما يتبعها من تطليق لزوجه و . و .
لذلك وجب على كل الكتاب والفنانين التقدمين التجمع مع بعضهم حتى لا نتكسر آحادا . انطلق المشاركون إلى دار الصداقة السوفيتية وهنالك وجدنا لفيفا من الشبان المشتغلين فى مجال الأدب والفن وكان أكثرهم يعرفون بعضهم البعض وكان هنالك أيضا الأستاذ محمد أمين حسين المحامى ذلك الرجل النشط والمعروف بكتاباته الوطنية . بعد التداول والمفاكرات إتفق المجتمعون على صياغة بيان يدين ماتم من هجوم على ليلة الفون الشعبية بجامعة الخرطوم . وأيضا ما تم من ملاحقة للأستاذ محمود محمد طه قضائيا وأدين كلا العملين فى ذلك البيان وشمل البيان إعلان صريح بأن كل قوى الفكر والتقدم لن تتهاون فى الدفاع عن نفسها ضد أى هجمات تصدر من أية جماعة وأننا نملك السلاح الرادع لوقف مثل تلك الهجمات وأيضا أننا سائرون فى طريق الفكر الحر والعلم متخذين من موروثات شعبنا ما ينير لنا هذا الطريق وأننا أبناء لشعبنا وأننا طلائعه سنهتدى بذلك الموروث فى سيرنا الأدبى والفنى والفكرى .
وزع البيان على جميع الصحف ونزل البيان آنذاك به أسماء تعد فى تلك الفترة من خيرة العاملين فى مجال الأدب والفن والصحافة .
بعدها أخذ أفراد تلك الجماعة فى الإلتقاء بعضهم البعض ولم يكن لهم موقع يتجمعون فيه سوى نشاط جامعة الخرطوم ، ومقر الإتحاد بجامعة القاهرة ، والمنتدى بالمعهد الفنى وكلية الفنون الجميلة به . ثم أذكر أن الأستاذ الشيخ عبدالله على إبراهيم ومعه لفيف من الشباب النشط عملوا على تجميع هذاالعدد المتكاثر من العاملين بالأدب والفن بدار الثقافة . ورحب بهم آباؤنا وأخواننا الأكبر سنا فى دار الثقافة ومنحنا يومين أسبوعيا أن نلتقى فى جزء من الدار مع استعمال بعض الأثاث والمقاعد . وأذكر بكل خير أديبنا الراحل الأستاذ عبد الله حامد الأمين صاحب الندوة الأدبية فقد ساعد فى ذلك . بعدها وبهمة الأستاذ عبدالله على إبراهيم تم اجتماع لهؤلاء الشبيبة فى دار اتاد طلاب جامعة القاهرة ، وحضر الأجتماع عدد كبير من الشباب وأذكر حضور الأستاذ أحمد عبد الحليم والأستاذة سعاد إبراهيم أحمد من الدراسات الأضافية بجامعة الخرطوم وكانا قامتين لهما وزنهما . بعد ذلك نضجت واكتمات الفكرة فى بناء هذا التجمع . وقد صيغت شفويا الأهداف التى من أجلها تم بناء هذا التجمع ولم ترد أى إشارة لدستور محدد سوى أنه تجمع للأدباء والمفكرين للعمل على إثراء بعضهم البعض ومن ثم إثراء الفكر السودانى . وكما قال صديق الشاعر صلاح يوسف فإن اسم هذا التجمع ( تجمع الكتاب والفنانين التقدميين ) . أصبح عليهم إيجاد رمز توضيحى لهذا التجمع . جرت المشاورات . منا من رأى أن يكون سنار ، ومن رأى مروى . ثم أتانا الشاب الشاعر الصحفى عبداله جلاب بهذا الأسم ( أبادماك ) وهو رمز إله بمملكة مروى القديمة
كان هذا الإله حسبما تقول الأسطورة المروية القديمة فى زمن كان فيه الأدباء والفنانون يواجهون الاضطهاد والعداء من غالبية الناس أو الحكام . فكان لهم موسم يذهبون فيه الى هذا الإله فينحر لهم الذبائح ويكرمهم وينشدون فى حضرته أشعارهم ويقدمون فنونهم . و كان يحتضنهم وينافح عنهم ، وكان هذا الإله جسد بثلاث رؤوس كل رأس له رمز معين ، فرأس تعنى الحكمة ورأس تعنى اليقظة ورأس تعنى الإنقضاض ،
وافق هذا ما رمت إليه الجماعة من تجمعها . وسمى ( إتحاد الكتاب والفنانين التقدميين ـ طلائع أبادماك ـ وأعلن رسميا كما قال صديقى صلاح يوسف ديسمبر 1968 أى لا علاقة له بتاتا بمايو . ولم يحدث أن غرد التجمع بمايو بالذات بل لنا برامجنا الثورى التقدمى وشامل لكل إتجاهات اليسار والتقدم والتحرر .
مذكرات صغيرة
1 ـ فى الندوة الشعرية والتى قام بالتعقيب عليها الأستاذ عبدالله على إبراهيم لأول مرة وجدت أن هنالك وظيفة أخرى للتعقيب التى كان يقوم بها بعض المتأدبين عقب كل ليلة شعرية بأن يتحدثوا عن ذلك البيت الذى كان مكسور الوزن وتلك الكلمة التى تحتمل معنى آخر وكأننا فى جمعية أدبية مدرسية
بل كان تعقيبه على الموقف الأدبى العام وكلام فى الفن والأدب وإثراء الليلة بإضافة شىء أو دراسة صغيرة فى ضرب من ضروب الأدب ولم يتطرق بتاتا لما قاله المشاركون بنوع من النقد لاستعراض العضلات الفكرية لديه وهذا ما كان متبعا . من لحظتها أصبح التعقيب فى الليلى الأدبية والشعرية له وظيفة أخرى .
2ـ ذكر صديقى صلاح يوسف بعض من الأعضاء ، وأستغرب جدا نسيانه ـ برغم من مداخلة الأخ حسن الجزولى لم يذكر إسم صديقنا كمال الجزولى قبل أن يذهب إلى الدراسة بكييف . أيضا لم يذكر محجوب شريف بالتداعى . ولم يذكر صديقنا الشخصى أنا وهو الأستاذ يحي الحاج والذى ذهب عند قيامنا بقافلة الجزيرة إلى قريته وحجزته المطرة ولم يجد حتى حمارا يصل عليه فحضر كدارى . وهو قد درس كثيرا من الشباب المتواجين فى البورد

3 ـ من الأسماء أذكر أيضا الفنان ضياء أبوالريش صدقى كبلو ، الخاتم عدلان ، ود. محمد كبلو ،والراحل عبد الهادى الصديق ، والزميلات التشكيليات بديعة الحويرص ، نجاة جاد الله جبارة ، دار السلام ، وآمال ميناء الصحفية يا صلاح تذكرها . وأيضا زمبة وكينديوى والذى هو الآن بالبورد ، ومحمد المكى إبراهيم ، على عمر قاسم ومصطفى عوض الله بشارة ومصطفى سند و الراحل صديق حسن ، ومحمد المهدى بشرى وهشام الفيل وأحمد عبد الرحمن الشاعر بجامعة القاهرة . وأبو آمنة حامد ، و الفنان المبدع الثورى حسن عجاج ، وعلى عبد القيوم ومحمد الحسن دكتور ،


3 ـ من ضمن الندوات التى قدمت آنذاك
أ ـ دراسة حول دلالة الأسماء فى روايات الطيب صالح للراحل عبد الهادى الصديق
ب ـ دراسة حول الرحيق والدم لجمال ( إبن خلدون وأظن قدمها محمد المهدى بشرى وآخرون
ج ـ دراسة حول مصطفى سعيد وكيف نزع عنه الطيب صالح سودانيته
د ـ دراسة كان من المفروض أن تقدم قراءات للشاعر محمد الفيتورى والذى اعتذر لمشغوليته
هـ ـ إذ كان فى زيارة للسودان لكن حضر لنا بعض الندوات.
و ـ قراءات شعرية للشاعر مصطفى سند أتبعت بنقاش ،
ز ـ قراءات شعرية لشعراء بالعامية يوسف خليل وحدربى محمد سعد وعبدالباسط سبدرات
وصديق ضرار أتبعت بنقاش متشعب بأن هل هذا الشعر شعبى أم عامى فقط . وأذكر
أن التشكيلى نصيف جرجس كان له رأى جميل فى هذه المسألة .
( وربما قدمت عرضا مفصلا لتلك الدراسات )
ر ـ كان من المفترض تقديم قراءات شعرية لمحمد عبد الحى والذى حضرنا نحن وحضر هو .
لكن فى نفس ذلك اليوم كان هنالك بيان حول إعتقال الأستاذ عبد الخالق محجوب وزع ةقبل الندوة
على الحضور ، فاعتذر عبد الحى عن تقديم قراءاته لأنه لا يرى ما يراه البيان ،


4 ـ إتصلت بصديقى الفنان التشكيلى على الوراق فوعد أن يكتب فى هذا الموضوع خصوصا وأنه كان المقرر للتجمع بالرغم من أن التجمع لم تكن له لجنة أو إنتخابات أو مسئوليات محددة للأفراد بل هو مثل هذا البورد يأخذ شكل انتظامه من مبادرات عضويته
وعد على الوراق بالكتابة عن هذا التجمع حتى يعلم به الجيل اللاحق لنا ، وأتمنى أيضا أن يكتب الأخوان صدقى كبلو والخاتم عدلان وود البشرى
وهذا تحريض شديد لصديقى محمد المكى إبراهيم ( ود المكى )برضه عشان يأتى إلى هنا .
نواصل يا صلاح
أيضا إضافة بسيطة ليس للحزب الشيوعى أى علاقة تنظيمية أو تزاصلية مع أبادماك حيث أنه كان تجمعا من إبداعيين وكتاب ومفكرين ولهم مجالهم الحزبى إن أرادوا ولا أقول بأننى سأةضح ذلك لأنه شيئا أصلا غير موجود لا يمكن توضيحه وما تم فى مسألة بيان بشجب إعتقال الأستاذ عبد الخالق محجوب هو بنفس الغرض الذى من أجله تجمعت هذه الجماعة ولم يعتقل " إن السلطة فى بلادنا تعتقل اليوم المناضل الثورة الثورة المناضل عبد الخالق محجوب عثمان " كما طرحه البيان من أدب صديق وأخى عبدالله على إبراهيم. فهو لم يعتقل فى ارتكاب عمل يجرمه القانون الجنائى ، وجب التوضيح

هذا جزء من إجابة على أختنا الفضلى دكتورة بيان والذى نعتز بأخوتها وأيسضا بأخوة الآخرين
ويا قوى ما علاقتك بقوى دفعة وصديق صدقى كبلو والخاتم عدلان وهو حبيبنا فقد ذكر لى صدقى فى إىميل أنه بالأمارات
صديق ضرار

Post: #11
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: حسن الجزولي
Date: 03-11-2004, 01:29 AM
Parent: #1

الاخوة المتداخلون

بالفعل فأن هذا البوست ومداخلات من شاركوا فيه يعد محفزا جيدا للمساهمة والحوار -رغما عن الأجواء غير المشجعة والتى يشهدها البورد حاليا والتى نسأل الله ان يزيل غمتها سريعا حتى لاتضيع مثل هذه البوستات فى غمرة وهطول بوستات ( الغيبوبة ) التى تفرض نفسها فرضا على الناس فرضا ! .

أعود الى الخال صلاح يوسف متسائلا ما اذا كان ابادماك هو بالفعل من أحضر واستضاف الموسيقار اليونانى ميكس ثيوداركس ! , فالمعلومة التى عندى هى ان مؤسسة الدولة للسينما والتى أشرف على ادارتها كل من الاستاذه سعاد ابراهيم احمد والراحل على المك بعد تأميمها هى التى اشرفت على دعوة الموسيقار العالمى ! .. ارجو الافادة .. الامر الآخر ماهى علاقة ابادماك بالمسرح الجامعى -تحديدا بجامعة الخرطوم- نهاية الستينات وبداية السبعينات ( شوقى عزالدين , محاسن عبدالرحيم , هشام الفيل , فائزه حسين , جعفر عباس , وآخرين ) .

وأما بخصوص تساؤل الاخ ضرار حول ( قوى ) , فهل المقصود هو الضلع الثالث لصدقى كبلو والخاتم عدلان بجامعة الخرطوم وقتها! , وزوج السيدة انصاف عووضه ؟ّ! .. وبهذه المناسبة هل جرى ذكر الشاعر كمال عووضه شقيقها ضمن اعضاء ابادماك .. واين هو الآخر حاليا ؟! .
مع تحياتى للجميع

Post: #12
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: bayan
Date: 03-11-2004, 06:06 AM
Parent: #11

شكرا شكرا لكم جميعا

سعدت جدا بهذه المعلومات التىكنت احتاجها فى فترة كتابة بحثى

تساؤلات

هل هذا المانفستو موجود فى دار الوثائق وهل تذكر اين نشر
كنت اعتقد ان فقط مدرسة الخرطوم التشكلية هم وحدهم لديهم مانفستو ولم اتحصل عليه..؟

السؤال التالى الرجاءعدم أخذه بحساسيات فاحترامى لكم فوق التصور

هل ترون ان انقلاب نميرى والتوجه الاشتراكى فى الدولة وتاميم كل المؤسسات الثقافية و اتخاذ النموذج الاشتراكى فى سيطرة الدولة على كل الاجهزة الاعلامية والثقافية فى البلد اضر وعوق تطوربالثقافة السودانية التى بدأت متفتحة كميا وكيفيا بعد الاستقلال؟

ظهور ضرب جديد من الشعر العامى بعيدا عن المسادير والدوبيت والمدائح
والاغانى
واشكال الادب العامى المعروف آنذاك.. هل هى تقليل من حدة سطوة
الثقافة العربية الاسلامية؟
استاذى صديق يريد ان يظهر انها جماعة تجمع كل الوان الطبف
ومحايدة.. استاذى الا ترى ان هذه الجمعية هى وليد شرعى لحزب الشيوعى؟ والا ترى ان التسمية لهذا الجمعية ابيداماك لم يكن بريئا اذا استقرأنا الواقع التأريخى والسياسى آنذاك

ومثلك اخى دكتور حسن اتمنى ان يستمر هذا البوست لاهميته ولوجود شهود عيان..

هذا اقتطاع من بحثى عن مروى وسنار ورمزيتها عند شعراء سنوات الستين



Quote:

فـ"مروي" كانت حضارة سادت في وادي النيل ردحاً من الزمن، أقامها النوبة الذين هم من عناصر زنجية، قامت هذه الحضارة وازدهرت وصارت لها شأن
في التاريخ الإنساني، لما قدمته من إرث حضاري، أسهم في تطور تاريخ الحضارات القديمة، لتدلك على أنه عندما دخل العرب السودان لم تكن هذه المنطقة خاملة الذكر، أو بدائية كما يدعي البعض.
وسنار هي مملكة إسلامية، قامت في القرن الخامس عشر، وقد أقامها جنس هجين بين العرب والزنج، وكانت أول مملكة إسلامية في السودان، ويرى كثير من المؤرخين أن سنار هي نواة للإنسان السوداني الحالي، كون أن السوداني الشمالي هو خلاصي بين العرب والزنج ويدين بالإسلام.
ونلاحظ أن محمد عبد الحي قد كتب قصيدة أسماها مروي 1965 وقصيدة أخرى أسماها سنار 1962 ولعل الشاعر أراد أن يربط بين مروي وسنار في الطريقة التي سمى بها القصيدتين رغم أنه لم يذكر ذلك في سياق واحد أو قصيدة واحدة رمز سنار ومروي. فبالنظر في قصيدة مروي 1965، نرى أن الشاعر يقف تحت وهج الشمس مستنطقاً الأحجار والحطام، عله يرجع إلى بدايات مروي التي هي جزءاً من ذاكرته المفقودة ليست حاضرة فيه، ولكنها تمثل بعداً من ذاكرة التأريخ يحتاج منه إلى التأمل والاستقراء للحطام، فهي تأريخ مفقود تليد لكنه حطام فهو حينما ينصت للعصفور بين بساتين الحاضر والرمال يريد أن يفهم شيئاً عن نفسه ربما أباح بسره ذلك العصفور، ولكنه سيسمع لغناء لا معنى له وجزء من ذلك الحطام لذلك القفر، (وحدي) يقول الشاعر تحت شمس مروي اقرأ الحطام، من يقرأ، تحت وهج الشمس في ذلك الحطام يمسك بتأريخ هو ليس له إنما هو تأريخ غابر قد اندثر. تلك هي مروي في مخيلة الشاعر تقف بإزاء سنار التي تمثل حضوراً أبدياً راسياً في نفسه، يبحر إليها عبر الليل فهي له ملاذٌ لجأ إليه، ولكنها تبقى في ذاكرة التأريخ رمزاً يستكين إليه، وليس صدفة أن نرى أنه حينما أبحر إلى سنار لم يبحر وحده ولكنه أبحر ومعه زخم من الأضداد والتأريخ والحضور، فسدرة التاريخ تهتز له لتمنحه حياةً وجوداً راسخ القدم، ليس في سنار حطام وإنما
تأريخٌ ناصعٌ لا يستعصي على القراءة، وليس هناك طلاسم وإنما تبدو سدرة التاريخ لتمنحه أصولاً، وجذوراً واضحة المعالم. فمروي حطام يستعصي على القراءة وسنار تأريخ بيِّن المعالم.
وإن كان النور عثمان أبكر يقف ذلك الموقف الغاضب من سنار، الداعي لحضور مروي في ذاكرتنا، فإن محمد عبد الحي يثبت عمق استدعاء مروي في ذاكرتنا ويبين الحضور الطاغي لسنار في وعينا، وهي التي تهبنا التأريخ وتمثل موقفاً بإزائه نُدرك وجودنا في التأريخ، فمروي وسنار رمزان عند النور عثمان أبكر يمثلان التقاطع بين العرب والزنج، ومروي وسنار عند محمد عبد الحي تمثلان استحالة التواصل، وبين استحالة التواصل والتقاطع يبدو موقف النور عثمان أبكر واضحاً إزاء الثقافة السودانية وكيفية البعث الحضاري لها ويبدو كذلك واضحاً عند محمد عبد الحي عدم جدوى مروي بإزاء سنار وبدايات سنار هي البدايات، وما كان في مروي قد كان لكن ذاكرة التاريخ قد ضيعته وصار حطاماً.
وباستخدام الرموز مثل سنار، ومروي لبعث الحضارات القديمة يشحن السوداني الحالي بالفخر من ماضيه والاعتزاز به، سواءً أكان العنصر الزنجي أو العربي، كلاهما أتيا بحضارات عظيمة جديرة بالاحترام والإعزاز، ولذلك يرى هؤلاء الشعراء أنه من المهم أن نعتز بهويتنا الخلاصية هذه، وهذا واحد من أهداف مدرسة الغابة والصحراء عندما بدأوا في بعث الحضارات القديمة، وذكرها في أعمالهم الشعرية.



فماهو هو هدف جماعة ابيدماك؟

Post: #13
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: Salah Yousif
Date: 03-12-2004, 07:56 AM
Parent: #1

صديقي الشاعر صديق ضرار

لقد غطت مداخلتك الكثير من الجوانب وهي إضافة لازمة ويا حبذا لو استجاب عبد الله علي ابراهيم وعبد الله جلاب وعمر الحويج الذي فات عليّ ذكر اسمه ضمن المؤسسين علما بأن هناك العديد لم أذكرهم ربما لخلل أصاب الذاكرة0 ولم لا وقد كسا الشيب ما تبقى من شعيرات0 أقول ما تبقى لأن التصحر زحف واحتل مكانة مرموقة في مساحة الرأس0 لك تحياتي وودي0

العزيز حسن الجزولي

صحيح أن دعوة ثيودراكس كانت بواسطة مؤسسة الدولة للسينما وقد انتهز تجمع أبادماك الفرصة وأقام الندوة0
العلاقة بين أبادماك والمسرح الجامعي كانت حميمة ومكملة خاصة وأن أعضاء المسرح الجامعي فلي تلك الفترة كانوا ينتسبون إلى الجهتين0 وكما ذكرنا قبلا فإن أغلب عضوية أبادماك كانت من بين المبدعين، طلبة وخريجين من جامعتي الخرطوم والقاهرة الفرع0

صلاح يوسف

Post: #14
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: THE RAIN
Date: 03-12-2004, 10:46 AM
Parent: #1

أستاذى صلاح المحترم

كثيف التقدير وجزيل الشكر على هذا السرد، غنى المعنى وشهى الطعم أيضا، وعلى هذه الإضاءات الساطعة لفترة ثرة وزاهية من مسار حركتنا الأدبية الفكرية

وفى إنتظار المزيد، طامعين فى إثراء هذه الشرفة البهية بضياء كلامك المفيد والممتع، ودمت

أبوذر المطر

Post: #15
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: bushra suleiman
Date: 03-13-2004, 01:14 PM
Parent: #1

شكرا صديق على هذه الاضافة المتميزه ونتمنى على الاخ صلاح ان يستمر فى تزويدنا بجرعات اضافية من هذا التاريخ الثقافى الثر،وان يتمكن من استكتاب بقية الاساتذه

Post: #16
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: حسن الجزولي
Date: 03-13-2004, 03:24 PM
Parent: #1

دكتور عبدالله على ابراهيم يشارك فى البوست
_________________________________________


تلقيت الرسالة التالية من أستاذنا عبدالله على ابراهيم كفاتحة لمساهماته اللآحقة فى موضوع هذا البوست , فأهلا به وسهلا :-

......................................

عزيزى حسن

تابعت بعناية ماكتبت وزملائى صلاح وصديق ضرار وآخرون عن تجديد ذكرى أبادماك . وقدرت أن أبعث عن طريقكم هذه الرسالة تثبيتا للشغف بمؤسسة اقترحت تعاطيا مبتكرا للابداع استفاد منه جيل من الشباب التقدمى . وقد تفرقوا الا أنهم استصحبوا خبرة أبادماك فى لاحق حياتهم .

أرجو أن أطمئن المناقشين أننا ربما لم نكتب تقويما أو تاريخا لأبادماك ولكننا وثقنا لها بعناية . ومن أراد الكتابة عنه أو التعرف عليه فليرجع الى ملفها فى دار الوثائق المركزية بالخرطوم المصنف ضمن ( منوعات ) . وأرجو أن احيى هنا رفيقى الفاتح سعد وخلي عبد الرحيم عطية الله اللذين احتفظا بأوراق الجيل فى زمان متقلب غير ودود تجاه اوراق الانشقاق حتى أودعتهادار الوثائق من قريب .

لأخونا عبدالله جلاب ورقة قديمة لفصل دراسى بالجامعة منذ 10 سنوات عن تجربته فى برتبيل وقد وعد بدفعها الى طاولة الحديث عن أبادماك . قد أتمكن خلال عطلة نهاية الأسبوع من دفع بعض الوثائق القليلة التى معى مثل بياننا ضد اعتقال استاذنا عيدالخالق محجوب وأشياء أخرى .وقد أجيب على بعض أسئلة الجيل الحدث .

وأهلا بصلاح وصديق والسن تضاحك نديدها .

عبدالله على ابراهيم

Post: #17
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: bayan
Date: 03-13-2004, 06:31 PM
Parent: #16

Quote: ملفها فى دار الوثائق المركزية بالخرطوم المصنف ضمن ( منوعات )


هذه العهدة و العهدة خاصة محمد عبد الحى مسجلات فى الكشافات ومفقودة
هذا كان عام 1999.. فهل وجدت الان؟

Post: #18
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: Salah Yousif
Date: 03-14-2004, 00:06 AM
Parent: #1

العزيز حسن الجزولي

شكرا على إستنفار عبد الله على إبراهيم وعلى الإفادة القيمة التي دفع بها0

الآن نقول ( الكلام دخل الحوش) مع تحياتي لعبد الله الذي أكن له كل معزة وأقدر له الاستجابة وحفظ الجميل0 فقد كنت أظن إنني الوحيد الذي أذكر عبد الرحيم عطية الله (مبرعة) الذي أحب أبادماك وشارك في منتدياتها بحضور وافر وهو الذي لم يعزف تحت تعريشة إبداع محددة إلا كونه قارئ ذكي ومتلقي فطن0

الأخت بيان

قد تجدين ضالتك من خلال إسهامات عبد الله علي إبراهيم مع تمنياتنا لك بالتوفبق0

صلاح يوسف

Post: #19
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: عاطف عبدالله
Date: 03-14-2004, 08:17 AM
Parent: #18

الأساتذة الأجلاء
صلاح يوسف
صديق ضرار
حسن الجزولي
عبد الله على إبراهيم
لكم أجمل تحية وأنتم تستنهضون همة البورد وتنفحون في أوردته تلك الروح التي غابت عنه منذ أن طوينا ملف الراحل على المك.

بدولة الإمارات يوجد ثلاثة من الأصدقاء الذين كان لهم شرف الانتماء والمشاركة في أعمال أبادماك وهم القاص الأستاذ عثمان حامد والصحفي والباحث أحمد طه والشاعر المرهف عبد العزيز جمال الدين.
وبحكم علاقتي الوطيدة بهذا الثالوث الرائع سأحاول أن أستكتبهم وأحصل على شهادتهم عن ذلك الصرح الثقافي ( أبادماك ) الذي يمتد أثره ليومنا هذا كتجربة حققت إضافات ثرية للثقافة السودانية، وهناك ملف كامل أعده الأستاذ أحمد طه عن أبادماك ونشره بجريدة الأضواء السودانية " على ما أظن" وهو وعد بالمساهمة الخاصة في هذا البوست والكتابة لسودانيس اون لاين عن أبادماك
أكرر التحية لهم ولكم ولجميع الأخوة الذين ساهموا في هذا البوست

Post: #20
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: bayan
Date: 03-14-2004, 08:49 AM
Parent: #18

استاذى صلاح يوسف
لك كل الود والاحترام
واتمنى ان اجد ضالتى
وتجدنى فى غاية الامتنان
لقد كنتم انتم الجيل الذى عاش فجر شبابه فى الستينات محل حسدى ليتنى كنت قد عشت فى سنوات الستينات بكل زخمها .. لقد كان جيلا مستنيرا على الرغم من صغر السن استطعتم ان تقوموا ثلاثة مدارس
محلية (الغابة والصحراء و ابيداماك ومدرسة الخرطوم التشكيلية)..ليس مثل جيل سنوات الثمانين الذى تم استلابه تماما
وحاول تطوين ما لا يمكن توطينه فى الثقافة السودانية.. فأتى انتاجه لا جذور له..
التحية والتجلة والاحترام لكم جميعا
انابتساؤلاتى اعلاها لم اقصد الاساءة لكم او تقليل شأنكم
واستمحيكم عذرا..لقد أحسست انكم قد تجاهلتم مداخلاتى
واتمنى ان تكون مجرد تخيلات

Post: #21
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: Bushra Elfadil
Date: 03-14-2004, 11:11 AM
Parent: #20

كانت ابادماك جذوة هائلة في دنيا الثقافة السودانية ومحاولة حسورة لتجميع قدرات أفراد مهمومين بالعمل الثقافي بشكل مركب. وفي ظني أن ابادماك كانت قد قامت في مجال العمل الإبداعي بدور مماثل لما قام به مؤتمر الخريجبن في المجال السياسي. استلهمت ابادماك تجارب الجمعيات الادبية والجماعات الفكرية والتراث السوداني والإبداع العالمي ونفث أولئك الشباب وقتها ذلك كله في فضاء الثقافة السودانية فازدهت بالالوان. ولك أن تتخيل مقدار ما فعلته ابادماك حين تعلم ان بعض من اجتذبتهم لعضويتهاكان دون العشرين امثال محجوب شريف وكمال الجزولي ومبارك بشير . بل إن ابوذكرى حين تاسست ابادماك كان في الحادية والعشرين.ولا علم لي بعضويته أو عدم اشتراكه في التنظيم لكن ابادماك كانت حاضرة في كل تجربته الشعرية
وككل حركة يكون لها ما وراءها فالثقافة تزدهر بالخلخلة والاندياحات فقد جئنا للمدارس الثانوية وقد ثاثر المهتمون بالعمل الإبداعي منا بتجربة ابادماك . كنت طالباص بحنتوب الثانوية في الفترة من غام 67 إلى 71 وانضممت عام 69 إلى طلائع الهدهد وكانت هناك طلائع النخيل بمروي . كان هذان تنظيمان للإبداع يستلهمان تجربة ابادماك في العمل الإبداعي بمختلف ضروبه ويستلهمان تجربة العمل خلال الأجازات في مسارح المدن والريف وبالغضافة لهذين التنظيمين كان هنالك تنظيم لطلائع طلاب مماثل بمدرسة القضارف الثانوية يمكن ان يطلعنا عليه الاستاذ الباقر موسى . ومساهمة التشكيليين السودانيين بالمدارس السودانية كانت بائنة ومؤثرة في مثل هذه التنظيمات. ويمكن ان يكتب عن تجربة طلائع الهدهد بحنتوب في تلك الفترة حنى عام 71 كل من اساتذتناالسر مكي الذي قام بدور تنويري ومسرحي بارز في التنظيم حيث انفتح الباب واسعاً على يديه للمسرح العالمي بخشبة حنتوب. والاستاذ محمد عبد العال والاستاذعبدالله بولا ووالاستاذعبدالعظيم خلف الله .وكان من مشرفيها أيضاً الاستاذ الراحل المرالذي ساهم مع الاستاذ على وراق وغيرهم من الاساتذة الاجلاء في طلائع النخيل بمروى فابادماك لها امتداداتها ولعل إتحاد الكتاب السودانيين الذي نشا بعد الغنتفاضة خير إمتدا لابادماك حيث ان الاصل هو تجميع المبدعين السودانيين لخدمة قضابا الثقافة السودانية والثقافة عموماً والفكر غض النظر عن الغنتماءات الساسية لكن هنالك حد أدنى هو الديمقراطية حيث ان الانظمة الشمولية مثل مايو الإنقاذ لا تنتج غلا نقيض مرامي الثقافة السودانية ولا بستقيم الامر كما هو دائماً مع تكميم الافواه ولهذا اقفلت الإنقاذ أبواب إتحاد الكتاب السودانيين الذي كان براسه البورفيسور الراحل على المك وكان من مؤسسيه جمال محمد أحمد والمن عضويته البروفيسور عبدالله الطيب والكاتب العالمي الطيب صالحوسلمت الدار لإتحاد طلاب الثانويات الحكومي الفوقي الذي يتشبث بكونه إتحاد للثانويات دون إنتخابات وحتى لو كان منتخبافهل انعدمت الدور؟
أعتقد أنه لا بد من بعث أبادماك من جديد في فترة الديمقراطية المقبلة التي نتمنى ديمومتهاحتى يطلع الفجر وبالتالي ستحمي نفسها بوعي بني سودان [B

Post: #22
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: Dr.Elnour Hamad
Date: 03-14-2004, 08:40 PM
Parent: #21

تمثل تجربة ابادماك أحد المعالم البارزة في مسار الثقافة السودانية المعاصرة. ويبدو أن أوان تقويمها، قد جاء بالفعل. ولكم سعدت أن أقلاما كثيرة قد أخذت في الإدلاء بشهاداتها عن تلك الحقبة المهمة. خاصة الشخصيات التي لعبت أدوارا مفتاحية في تلك التحولات، كأستاذنا الدكتور عبد الله علي إبراهيم. وأتمنى أن تصلنا سراعا، إضافة إلى ما سمعنا من كل من الأستاذ صلاح يوسف، والشاعر صديق ضرار، شهادة أستاذنا عبد الله جلاب، وأساذنا علي الوراق، وغيرهم ممن كانوا شهودا فاعلين في مجريات أمور تلك الحقبة الحية. ويتوجه الشكر، في الأساس، للأستاذ صلاح يوسف الذي افترع هذا الملف الشديد الأهمية.

من الضروري جدا، أن يشتمل هذا الملف، إضافة إلى التوثيق لتلك الحركة، مقاربات نقدية أيضا. وأتطلع لأن أرى مقاربات نقدية تتسم بالشفافية، بها يتم ثبر أغوار الواقع الظرفي الذي أحاط بنشأة حركة أبادماك. وهي، كما نعلم كلنا، أنها حركة لم تعمر طويلا. فقد بدأت الحركة في نهاية الديمقراطية الثانية (1964 ـ 1969). ولكن احتضان الحزب الشيوعي لإنقلاب مايو 1969، والمشاركة الإيجابية من قبل الحزب الشيوعي السوداني، في مؤسساتها، قد ساعد كثيرا في فتح المجال لتلك الحركة لتزدهر، وتمتد في الريف، في تجارب (طلائع الهدهد) بحنتوب الثانوية، و(طلائع القندول) بالقضارف الثانوية، و(طلائع النخيل) بمروي الثانوية. غير أن الإنقلاب العسكري الذي قاده المرحوم الرائد هاشم العطا في يوليو 1971، قد قلب ميزان الأمور كلها، فيما يتعلق بحركة اليسار السياسية، وامتداداتها الثقافية. جرى إعدام قيادات الشيوعيين، نتيجة لذلك الإنقلاب. كما أصبحت كل القيادات الشيوعية مطاردة، وتعثر من ثم استمرار تلك الحركة. وبقي مع مايو أولئك الذين انقسموا على الحزب الشيوعي، واصبحوا من ثم، جزءا من مايو في تخلقها الجديد.

في ظل الفراغ السياسي الذي خلفه خروج الشيوعيين من الصورة، كان لابد لنميري من خلق جسم سياسي يستند إليه. وهكذا كان الإستفتاء المتعجل، (الشعب قسم لنميري نعم!!) وقام من ثم، الهلام الذي سمي بـ (الإتحاد الإشتراكي السوداني). ومن هنا قامت التنظيمات الشبابية الرسمية، ومراكز الشباب، الرسمية ايضا، ومهرجانات الثقافة، وغير ذلك مما لا يتسع المجال لذكره، وتغير شكل المسرح الثقافي تغيرا كبيرا. الشاهد أن تجربة ابادماك، لم تتعد الثلاث، أو الأربعة أعوام. ومع ذلك، فقد كانت تجربة شديدة الأهمية، وقد ألقت بظلالها المتتدة على أجيال من الشباب والطلاب، والمثقفين.

لابد أيضا من إماطة اللثام عن المستور من خفي الصراعات السياسية التي كانت تعتمل تحت السطح، في جسد تجربة ابادماك، مما لا تتيسر للمراقب من بعيد فرصة الإطلاع عليه. ولعل موقف محمد عبد الحي من أبادماك، وموقف اليسار، حينها، من محمد عبد الحي، ربما مثلت قمة الكتلة الجليدية المندسة تحت سطع الماء. والذي لا شك فبه أبدا، أن تجربة ابادماك قد كانت إفرازا يساريا. وهذه الصفة لا تعيبها في شيء أبدا. غير أن التقويم لتلك التجربة على ضوء مسارات التحولات التي طالت آثارها الحركة الشيوعية الدولية في عقدي الثمانينات والتسعينات، وطالت كل أقاليم الفكر اليساري، يظل أمر ضروريا. وأعتقد ان اسئلة الأخت بيان، التي لم تجد إجابات مباشرة، حتى الآن، أسئلة مهمة، وتقودنا في الوجهة التي تمكننا من موضعة تلك الحركة في إطارها التاريخي الذي بزغ فيه فجرها، ثم ما لبث أن شَحُبَ فيه أصيلها. بذلك يتيسر للمبدعين أن يلتقوا من جديد، على أرض جديدة، وفضاء معرفي جديد. خاصة وأن فجرا ديمقراطيا جديدا ربما أهل على بلادنا، قريبا. غير أنني أزعم أن تجميع المثقفين، والمبدعين، وكل أصحاب القلوب الكبيرة، هذه المرة، سيكون على بساط إنساني أرحب أفقا، وأكثر تسامحا، وأكثر اعترافا بالتعدد، والتنوع، وأقل شوفينية تنظيمية، وأقل عجبا بالنفس بسبب اللبوس الآيديولوجي.

وسأعود لاحقا، لأسلط الضوء، من زاويتي، على الجوانب السلبية والإيجابية في امتدادت أبادماك في المدارس الثانوية، وخاصة في مدرسة حنتوب الثانوية. فقد كنت عضوا فاعلا في (تجمع طلائع الهدهد) الذي طاف قرى الجزيرة ناقلا تجربة العروض المسرحية لأهل القرى، في عقر دارهم. وأحب أن أؤكد قبل أن أعود، أنني قد انتفعت كثيرا في حياتي الفكرية، والثقافية، والسياسية من تجربة الزمالة وتجربة العمل مع كل أولئك الذين شكلوا ما سمي في حنتوب بـ (طلائع الهدهد) من أساتذة عظام، وطلاب مهمومين بالشأن العام. وأهم من ذلك أن تلك الصلات قد دامت إلى يومنا هذا، بل وتعمقت كثيرا مقارنا بما كانت عليه في نهاية الستينات، وبدايةالسبعينات.

Post: #23
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: siddieg derar
Date: 03-14-2004, 09:37 PM
Parent: #1

لكسر حاجز الرتابة والجمود عمل تجمع الكتاب والفنانين التقدميين أبادماك على استحداث وسائط التلاقى عبرمنافذ جديدة . فمهوم السوق الخيرى فى السودان إرتبط بنوع من التسويق لبضاعة لإشباع إحتياج الإنسان المادى من مأكول وملبوس ولعب وخلافه .
قام ابادماك فىالعام 69 بإقامة سوق خيرى بحدائق المقرن من بضعة خيام كل خيمة تختص بنوع معين من أنواع الثقافة فخيمة للشعر :
تجد فيها الشعراء وقوفا بين الجمهور ثم يتبادلون مسألة القراءات الشعرية لنتاجهم وهم بين صفوف المتفرجين ، وليس بالوقوف على منصة منصوبة وهم جلوس على الكراسى ولهم التجلة والقدسية ، و كأنما يقدمون شيئا مقدسا متعال على المتلقين .
ينبرى من بين الحضور من له إنتاج شعرى خاص به ويبدأ فى قراءات لشعره ، دون أن يكون هنالك برمجة و لأشخاص محددين . فكان هذا التواصل بين شبيبة أبادماك وحمهور الحضور . وكما قال شيخنا عبد الله على إبراهيم إنه يتحتم علينا إنزال هذا الضرب من برجه العاجى إلى مصاف العامة . وليس بمعنى إسقاط جماليه وفنيته بل إنزاله وبلورة معانيه حتى وأن يستوعب المشاركة الشعبية وحتى يحس كل فرد من الشعب أن هذا الإبداع هو خارج من صميمه وليس متنزل عليه من علٍ . وأن تصبح القطعة الشعرية مثل الدوبيت الشعبى كل من أحسها شعر بأنه يمكنه الإضافة اليها وبهذا تكون نابعة وعاكسة للمشاعر الموجودة أصلا فى هذا الشعب .
هذا مثل ما هو فى بعض بلاد شرق آسيا اليابان والصين .
وبهذا حدث أن طورت الجماعة أدواتها حتى تتمشى وهذه الفكرة فأصبح الشعر من البساطة وفى نفس الوقت العمق ما جعل كثيرا من الشباب ولجوا بابه وظهر جيد إبداعهم . ـ
مسألة كيف بدأ بعض من أفراد الجماعة فى كتابة الشعر العامى بشكله الحديث ، فربما كانت قبل أن تتكون هذه الجماعة ـ من الشعراء يوسف خليل ، سبدرات والشاعر المجيد محمود خليل والذى كان يكتب الشعر بكل لغاته العامى والفصحى ( تفعيلة وعمودى ) كما وأنه كتب بالعامية المصرية لإتقانه لها عند دراسته بمصر وهو صديق للأبنودى ولا يقل قامة عنه فى الشعر المصرى العامى . وأذكر قصيدته العامية المصرية التى كتبها عند حضور كوكب الشرق أم كلثوم الى السودان بدعوة وقد ألقاها أمامها فى المسرح القومى بأم درمان مما جعل دموعها تجرى من الفخر الذى حباها به . أيضا كان هنالك الشاعر حدربى محمد سعد وهو الذى أعطى الشعر باللغة الشايقية قوميته حيث أنه لم يقصره على صور من المنطقة بل إستعمل الأداة لمعالجة قضية القومية . وأذكر أن حدربى وبداية مايو كان من أوائل من استوجب بخصوص شعره خصوصا قصيدته تحسبوا لعب شليل ترتار وكيرة ـ ونطيط بطان فوق الدميرة ـ وقصيدته ( لمبة صفيح ) . كان هذا الشاعر مؤمنا بالثورة لكن ليس بالمفهوم الذى أراده قادة إنقلاب مايو وكان صراعا داميا لتوجيه المسار . وأذكر الشاعر الجعلى( محمود الحاج ) على ما أذكر وهذا الشاب له شعر عامى لا يستهان بما يورده ، والشاعران حدربى محمد سعد ومحمود الحاج من أقصى الضرورات فى الليالى الشعرية فهما يعرفان كيفية إرضاء جمهورهما . وكان كل منا يبغى الريادة لكن ليس بطريق التنافس الحسدى .
وأيضا خيمة أخرى للمسرح قدمت فيها على ما أذكر ـ وليذكرنى ـ من يستحضر جيدا عرضت بهذه الخيمة ولا أقول بمسرحها مسرحية الكتاحة وهى من شباب جمعية الثقافة الوطنية بجامعة الخرطوم ، تأليف و إخراج أخينا وصديقنا دكتور خالد المبارك ، أيضا فى هذه الخيمة وحتى لا أكون مبالغا جدا فقد سمح لبعض الحضور من تقديم فقرات من إبداعهم فمن له إهتمام بالتقليد عرضشسيئا من ذلك ومن له حب بعرض جزء من مسرحية كان له ذلك وهكذا
خيمة تتسم بزهوها وجمالها ، هى خيمة التشكيليين من خريجى كلية الفنون الجميلة بالمعهد الفنى وطلبته . فقد عرضت لوحاتهم وتصاميمهم وتماثيلهم . وأجمل من كل ذلك أنهم كانوا يجلسون بموادهم وأدواتهم يتناوبون الرسم للوحات والأشخاص . فكنت ترى الفاتح سعد وطه العطا , وضياء ابوالريش على الوراق ونجاة جاد الله ودار السلام وهم يمسكون بريشهم فى الرسم ثم يأتى من له رغبة من الجمهور ويشارك معهم . وظهر أن هنالك كثير من المرتادين متملكون لأدوات الفن دون دراسة أكاديمية منتظمة . وأنا على أكيدة من أن هؤلاء قد قاموا بعدها بالإلتحاق بمعاهد لتربية وصقل موهبتهم .
ولم يستثنى الأطفال من هذا فقد طلبوا هم المشاركة فى الرسم والشخبطة .
أعجب من كل هذا أنه كانت هنالك خيمة للقصة : فالمعروف أن القصص لا تقرأ على الجمهور وإنما تظهر فى كتب وعلى المتلقى قراءتها منفردا أو فى ( شلة ) . لكن كسر هذا الحاجز أخوتنا مختار عجوبة وعمر الحويج ويوسف خليل والآخرين بأن كانت لهم خيمة يقرأون فيها قصصهم . وبما أنى لا أستطيع توضيح كيف أنهم قد تمكنوا من إيصال قصصهم الى المرتادين ، أظن هذا راجع لأنهم إختاروا قصصهم التى تتوافق مع أدب الحجى . وبعدها كانت القصة جزءا مكملا لليالى الأدبية لأفراد التجمع .
لم يكن الحضور من الجمهور فى سوق أبادماك الخيرى يتلقى فقط بل كان يشارك بالأسئلة والنقد . ولكن بما أن الزمن تلك الأيام كان جميلا فلم يحدث وأن حصلت مشادة أو محاككة بل بالعكس من ذلك كنا دائما ما نقابل بالترحاب فى كل ليالينا الأدبية والتى مسحنا فيها العاصمة المثلثة من أدناها وإلى أقصاها فى الأندية القبلية والثقافية والفنية والرياضية فكانت الدعوات تترى على أخينا طلحة الشفيع فى جريدة الصحافة وهو يقوم بدوره بنشر مذكرة صغيرة بإعلان عن ندوة ابادماك بالنادى المعين فى الحى المعين يقيمها الأشخاص المعينون فى مساء كذا الساعة كذا . وكل من ذكر إسمه عليه التوجه فى نفس الموعد والمكان ونجد أن الإستقبال الحار بانتظارنا . ما أجملها من أيام . وكان الواحد فينا حتى لو ذهب مشاركا فى حفلة عرس تجد كل النا س ينادون عليه بأبادماك ثم نحاول التخلص من طلب المشاركة الذى يأتى أحيانا من العريس شخصيا . ونضطر لإلقاء بعض من شعرنا والذى كما قلت كان يلقى ترحيبا .
كانت الدنيا جميلة والحياة وادعة وممكنة والناس ما أكرم خلقهم وأنبل مستقبلهم .
يا صلاح فرقة الأخوة من الجنوب التى ذكرتها هى فرقة أخينا وحبيبنا إسماعيل وانى و لا أستحضر إسمها الآن ، لكن سأجده وأذكر أنا ذهبنا يوما لمنزله بامتداد الدرجة الثالثة بمناسبة سماية إبنه مجموعة منهم صلاح حاج سعيد .
من أعضاء ابادماك ياصلاح عبدالرحيم ( مبرعة ) ومبارك بشير وعمر الدوش ونصر الدين محمد عمر وكمال خليل المحامى وسيد جعفر بتاع مشاتل الفيروز . والسر حيمورة
دكتورة بيان لها كلمة فى مداخلتها أثرت فى جدا حتى وكاد الدمع يهمى : فهى قد شعرت بالأيام الجميلة فى الستينات التى عشناها نحن . نعم دكتورة فقد كان السودان طيبا ، بل والعالم جميعه طيبا تلك الفترة الأخصب فى القرن العشرين فقد كانت الأحداث تجرى فى العالم ونتفاعل معها : جيفارا ، فيتنام ، الثورة الفلسطينية وشعراءها وكتابها ، الثورة الإريترية ، أنجولا ، موزمبيق ، نهوض الهمة العربية ، وفى السودان كانت المواصلات وكانت الكتب التى ترد من دور النشر العالمية متوفرة خصوصا بيروت وهنالك القرش لشرائها ، كما وكاااااااااانت هناك دور صداقة مع جميع دول العالم وكان هنالك الإتحاد النسائى واتحاد الشباب ولهم عضوية فى الإتحادات العالمية . وكان هنالك الذهاب الى مؤتمرات عالمية ومهرجانات عالمية مثل مهرجان هلسنكى و صوفيا
وكانت هناك دعوات من كل بقاع العالم تترى بالهبل على السودان للمشاركة فى . . وفى .. وفى .. لكن بعدها أتى زمن الإنغلاق والتحريم والتجريم ثم أتى بأسوأ الأزمان . وأنا يادكتورة ما أشعره الآن أن هنالك شباب بالبورد لهم ما لهم من إبداع أخاف أن ينتهى الإحساس به حيث الغربة وتلاشى المحفز .
واصل صلاح لحد مايجى شيخنا عبدالله وإن شاء الله نلتقى بالبقية .

وأتى الدكتور بشرى الفاضل والدكتور النور حمد ليواصلا . يلهذه الروعة فقد ازددنا تسامقا وكأنا فى تلك الأيام. لم أقرأ مداخلتيهما حتى أفرغ من هذه الإضافة ولهما الحب والإعزاز

صديق ضرار

Post: #24
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: Dr.Elnour Hamad
Date: 03-15-2004, 08:54 PM
Parent: #23

أعود لأواصل:

لا أزال أذكر، وبوضوح شديد، زيارات عبد الله جلاب لنا في حنتوب، ضمن مساعيه لإنشاء تجمعات طلابية بالثانويات على قرار أبادماك. رأيت جلاب مرات كثيرة، مع أستاذنا الجليل، تاج السر مكي أبو زيد. وقد كان تاج السر مكي أبو زيد من أكثر المعلمين تميزا. كان يدرس الرياضيات، ولكنه كان مختلفا عن كل أساتذة الرياضيات الذين عرفناهم. فحصص الرياضيات لديه، تعرج، على غير العادة، على الشعر، وعلى الفكر، وعلى الثقافة. ولقد كنت معجبا بشخصيته، ولا أزال، إعجابا يفوق الوصف. منه عرفنا سارتر، والبير كامي، عن قرب، كما عرفنا جان جينيه، وحركة اليسار الفرنسي في الستينات. ومنه أيضا انفتحنا على شعر البياتي، وصلاح عبد الصبور، ومحمود درويش، وسميح القاسم، وتوفيق زياد، وكثير من أفراد ذلك الجيل الحداثي من الشعراء. كان تاج السر مكي شخصية مفتاحية في نشأة طلائع الهدهد. غير أن الذين تولوا إدارتها تنظيميا، وسيروا قوافلها إلى قرى الريف، من الأساتذة، فقد كانا الأستاذان الجليلان، محمد عبد العال مراد، والمرحوم، محمد بشير المر. وقد نشأ تجمع (طلائع القندول) في مدرسة القضارف الثانوية، على قرار تجمع، (طلائع الهدهد) في حنتوب الثانوية. وقد صاحب ذلك النشوء نقل أستاذنا الجليل، عبد الله بولا، من حنتوب الثانوية إلى القضارف الثانوية، وأظن أن طلائع القندول قد قامت تحت رعايته. وكما تفضل الأخ بشرى الفاضل، فيمكن لصديقنا وزميلنا الباقر موسى التوثيق لتلك التجربة. وفي نفس تلك الفترة، تشكلت (طلائع النخيل)، في مدرسة مروي الثانوية تحت إشراف الأستاذ علي الوراق. وعلى ما أذكر فإن تنظيما مشابها قد تشكل في كوستي، ولعله قد نشأ في مدرسة القوز الثانوية، تحت إسم (طلائع تانهسو). وأذكر أنني التقيت من أعضائه من الطلاب آنذاك، كلا من محمد خير صالح، وصالح إدريس خليفة، شقيق أحمد إدريس خليفة الذي كان عضوا بطلائع الهدهد في حنتوب.

قامت طلائع الهدهد في حنتوب تحت رعاية الأساتذة ذوي الميول اليسارية. وقد كنت أحس من كثير من الملابسات، أن استاذنا السر مكي، وأستاذنا عبد العظيم خلف الله (كبوشية) عضوين في الحزب الشيوعي السوداني، غير أنني لم أكن متأكدا، ولا أجزم حتى هذه اللحظة، ما إذا كان محمد بشير المر، ومحمد عبد العال مراد عضوين، أيضا. وقد كان هناك مدرسون يدعمون تجمع طلائه الهدهد، غير أنهم لم يكونوا يعملون فيه بشكل مباشر. وأذكر منهم، أستاذينا، عمر مودي، من شعبة التاريخ، وعبدالله خليل من شعبة الرياضيات. كما أن استاذنا الفنان، عمر إدريس رفاي، قد كان قريبا من روح ذلك التجمع، وقد أفاد التجمع من خبراته، ومواهبة. فهو قد كان مدرسا للأحياء، غير أنه كان رساماموهوبا، وراقصا مطبوعا.

من أبرز الطلاب في طلائع الهدهد، محمد يوسف أحمد المصطفى، (ود يوسف)، وقد جمع محمد يوسف إضافة للمقدرة التنظيمية، كشيوعي منظم في حركة الطلاب الشيوعيين في حنتوب، قدرات صحفية بارزة في الصحافة الحائطية المدرسية، وقدرات مسرحية ممتازة، جعلته يحتل مركز الجذب في العروض التي قدمناها في قرى الجزيرة. فقد كان ملما بالثقافة الشعبية، ومقتدرا في توظيفها في مخاطبة أهل القرى بلغتهم، وبروح الفكاهة التي يستسيغونها. وقد استقطبت طلائع الهدهد كل الطلاب الموهوبين، والمهتمين بالشؤون الثقافية في المسرح، والموسيقى والشعر. وأذكر من الطلاب الصديق، المبدع، بشرى، الفاضل، (قرية ود البر) والشقيقين، محمد المبارك، والفاضل المباركة (حلة مصطفى بالحلاوين). وأذكر المطرب المبدع، مضوي الطيب بانقا، (وادي شعير)، وعازف العود، بابكر بلة موسى، (قرية صراصر) التي هي أيضا قرية ود يوسف. وعازف الكمان والعود صديق أحمد، وعازف الكمان عزالدين علي ساوي من قرية (ودساوي) ريفي المسلمية. ثم، عباس الوسيلة الصادق، (حلة حنتوب)، وعوض محمود (الدويم)، وعبد الله محمد أحمد، (ود البصير، بالحلاوين) وصديق الماحي الذي حمل لقب (الحلاج)، لقيامه بدور الحلاج في مسرحية الحلاج، وهو من (التكلة جبارة بالحلاوين). وحسن فحل محمد دفع الله، (ريفي الحوش)، على ما أذكر. ومغني الحقيبة الطيب الزبير، من قرية ( كريعات) ريفي الحوش. والعازف والمغني أحمد إدريس خليفة، (كوستي) وعبد القادر بنقز، وصديق يوسف (صراصر) وهو شقيق لمحمد يوسف أحمد المصطفى. وبالطبع فهناك آخرون لم تسعفني الذاكرة بتذكرهم، وإليهم اقدم العذر، ويقيني أنه سوف يتفهمون. فقد فصلت بيني وبين تلك التجربة الباكرة، خمسة وثلاثون عاما.

وأواصل

Post: #25
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: Dr.Elnour Hamad
Date: 03-15-2004, 09:20 PM
Parent: #24

مواصلة:
لقد اندغمت في تلك الفترة جمعية الموسيقى، في حنتوب، في تجمع (طلائع الهدهد). وكما هو في سائر المدارس الكبيرة، فقد كان لجمعية الموسيقى صول متقاعد من الجيش، يقوم بتدريب الطلاب على الآلات النحاسية والوترية، بعد تدريب قصير في قراءة النوتة الموسيقية. وحين قدمنا إلى حنتوب كان صول الموسيقى هو أستاذنا، دليل بخيت الحاج. وحين تخرجت من كلية الفنون، وتم تعييني مدرسا للفنون بمدرسة خورطقت الثانوية، في سبتمبر 1974، أصبحت مشرفا على جمعية الموسيقى بها. وقد وجدت هناك أستاذي، الصول دليل بخيت. وكان قد سبقني إليها بنحو ست سنوات، أو يزيد قليلا.

بعد نقل الصول دليل، من حنتوب، بقينا لفترة قصيرة، بلا صول للموسيقى. ثم جاء الصول، السر الطيب، (من جزيرة الفيل)، وقد كان عازفا ممتازا للكمان، وللترمبيت. وقد كانت جمعية الموسيقى في غالب أحوالها تحت إشراف أحد اساتذة الفنون، ثم أصبحت تدريجيا جزءا لا يتجزأ من طلائع الهدهد. وقد كانت شعبة الفنون، هي مقر طلائع الهدهد. أردت بالإشارة إلى إندغام جمعية الموسيقى، وجمعية الفنون، في تنظيم طلائع الهدهد، إلى ما يمكن أن يكون قد حدث من خلط بين الأكاديمي والسياسي، في مدرسة حنتوب الثانوية في تلك الحقبة. وهذه من النقاط التي أعتقد أننا بحاجة إلى إلقاء الضوء عليها. أعني خلط النشاط الأكاديمي البحت، بالفعل السياسي الحزبي، لمجرد أن الأساتذة المشرفين على ذلك النشاط، الذي هو أكاديمي بالأساس، قد اتفق أن يكونوا منظمين سياسيا، ويعملون في المجال الأكاديمي، وفق خطة غير اكاديمية. أو بالأحرى خطة سياسية، لها تمدداتها في الفضاء السياسي خارج أسوار المدرسة. وهذه واحدة من أشكال مصادرة النشاط الأكاديمي، وإلحاقه بالنشاط السياسي لقوى تقبع خارج أسوار المدرسة. وليس هذا حصرا على قوى اليسار وحدها، فقد كانت جمعية التربية الإسلامية، التابعة، لشعبة التربية الإسلامية، مفرخة لكوادر الإخوان المسلين، في، حنتوب. فقد كانت تلك الجمعية، مضافا إليها مسجد المدرسة، امتدادا للفضاء السياسي الواقع خارج أسوار البنية الأكاديمية للمدرسة مما مثله تيار الإسلامي السياسي في تلك الحقبة (جبهة الميثاق الإسلامي، بقيادة الدكتور حسن الترابي).

ولا أريد أن يفهم من ذلك أنني ضد ممارسة السياسة في المدارس، أو ضد أن يكون للمدرسين والطلاب انتماءاتهم ااسياسية التي من حقهم أن يعبروا عنها. ولكنني أردت أن أشير إلى ضرورة أن نملك القدرة على رسم الخط الفاصل بينما هو أكاديمي، رغم ما تحويه كلمة (أكاديمي) من ارتباطات عضوية بالسياسة، وبين استغلال المال العام، والمؤسسة العامة، بواسطة المعلم لمنفعة الكيان السياسي الذي ينتمي إليه ذلك المعلم. كما أن حالة الإستقطاب في الأنشطة المدرسية، داخل الحرم المدرسي، تجعل السواد الأعظم من جمهور الطلاب العريض، يحجمون عن إرتياد النشاط الأكاديمي بسبب تسييس ذلك النشاط بواسطة القلة. وبذلك تصبح المؤسسة الأكاديمية العامة، بوقا من نوع ما، لقوى سياسية. وغني عن القول أن كل الأنشطة المدرسية ملك للجميع، بلا فرز، ويدفع ضرائبها أولياء أمور الطلاب مجتمعين. ولذلك يجب أن تكون فضاء مفتوحا لكل الطلاب، بل يجب أن تكون فضاء ودودا، حميما، ومرحبا بكل الطلاب. ويجب ألا تثير في دواخل الطلاب، في تلك السن الغضة، أي وساوس، أو توجسات كانت تدفعهم دائما لعمل ألف حساب، قبل اتخاذ القرار بالإنخراط في أي نشاط. فقد شاع غي حنتوب أن الفنون، والموسيقى والمسرح، جمعيات لا يقبل عليها إلا الطلبة اليساريون. وأن جمعية التربية الإسلامية هي المحل الطبيعي للطلاب لا الإخوان المسلمين.

لم تخل تجربة طلائع الهدهد من استعلاء بالمصطلح، ومن هرمية طبقية في تصنيف الأفراد بسبب الإنخراط
التنظيمي. أي مدى القرب من النواة التنظيمية للحزب الشيوعي بالمدرسة. ولقد عانيت شخصيا من مثل هذا النوع من الإضطهاد، وكثيرا ما سمعنا في تلك الحقبة عن مصطلح (المغفلين النافعين). وكان يشار بها إلى من يخدمون أجندة حزب بعينه، دون أن يكونوا أعضاء مسجلين به. وعلى الرغم من أنني كنت يساريا، ومطلعا بقدر مناسب على أدبيات اليسار، الفكرية والسياسية،إلا أنني لم أكن عضوا منظما، لا في الحزب الشيوعي، ولا في الجبهة الديمقراطية. وقد عانيت إلى حد ما بسبب عدم رغبتي في عضوية أي من التنظيمين. وقد كان مثل ذلك الوضع مما يعرض المرء إلى شيء من فقدان المكانة العلية، أو (النادي الخاص). كنت أحس بأنني لم أكن استشار في أمور بعينها، وأحس بأنني أترك في الظلام فيها، رغم أن عطائي في مجالات العمل الذي كانت تقوم به طلائع الهدهد، قد كان عطاء غزيرا، ومتنوعا. ومع ذلك فقد كانت التجربة في عمومها مفيدة، ومثمرة جدا.

لابد من الأخذ في الإعتبار عنصر السن في تلك المرحلة. فكل التجاوزات التي تحدث من شباب دون العشرين، أمر طبيعي، ومتوقع. كما أن اليسار قد كان يعيش وقتها، عصره الذهبي. فالإيمان بحتمية انتصار الطبقة العاملة قد كان على أشده. وحركة الثوران في أسيا، وإفريقيا، وأمريكا اللاتينية قد كانت على أشدها، أيضا. وقد كانت حالة المد الثوري اليساري تعطي الإنطباع بتلك الحتمية. كما أن اللينينية كانت لا تزال محتفظة ببريقها، وبتركيزها المفرط على التنظيم، كآلية لا بديل عنها لإنجاز مراحل الثورة. كما أن الإيمان المطلق بتصنيفاتها لمسلك البرجوازيين المترددين في الإنخراط في سلك التنظيم، جعل المنتمين تنظيميا يحسون بزهو التميز عمن سواهم. ولذلك فقد أصبح المنتمون تنظيميا كهنوتا ماركسيا لينينيا مهووسا بإصدار الفرمانات في حق الواقفين على سياج الحركة الثورية. فاللينينية قد كانت بمثابة الكتاب المقدس، والقماشة السحرية التي يتم منها تفصيل الحلل للناس، سلبا وإيجابا.

وأواصل

Post: #26
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: حسن الجزولي
Date: 03-16-2004, 00:18 AM
Parent: #1

الآعزاء فى البوست

وهذه مداخلة أخرى من أستاذنا د. عبدالله على ابراهيم شغفا بأبادماك وولعا بالتوثيق له ولسنواته:

000000000000000000000000000000000000000

أبادماك فى خطوط سريعة
_____________________

عزيزى حسن,

أسعدني تلاحق الإهتمام والتوثيق لأبادماك. جاء الي الحلقة عاطف عبدالله وبشري الفاضل والنورحمد. والأخيران جاءا اليها من تجربة إمتداداتها في المدارس الثانوية. وهذا براح من براحات أباداماك وسعتها. بحثت عن فايلي الذي احفظ فيه بعض اوراق أباداماك فتعزز. وساقبض عليه طال الزمن أو قصر. فبوسعه الإختفاء لا الهرب. ولذا قدرت أن اطلق الخاطر علي السجية أعلق علي بعض ما ورد.

عن اسئلة بيان. لقد نشر ما نفيستو ابادماك بالصحف فور إجتماعنا الأول بجمعية الصداقة السودانية الألمانية في مطلع بناير 1968. وهو بيان سياسي بنفس مبدعين. كما نشره المرحوم غسان كنفاني في ملف الأدب السوداني في ملحق أدبي لجريدة "الأنوار" البيروتية كما اعتقد.
عن رأينا في "تأميم" التقافة لدولة نميري. كنا تحت تأثير التجربة المصرية في قصور الثقافة ومسرح القهوة وكسر الحائط بين المبدع والمتلقين. غير اننا تمسكنا بعقيدتنا الديمقراطية في أن البعث الثقافي شغل كتاب وفنانين تضع الدولة إمكانيتها بين ايديهم وتنفض يدها. ولذا قاومنا قيام المجلس القومي للآداب والفنون بفهم أنه موتور النهضة الثقافية. وكتبنا، ونحن في شبه سرية بعد مفاقسة نميري والشيوعيين في مارس 1971، مذكرة الي الدولة ننتقد فيها وظائف المجلس ونطلب قصرها علي "صندوق" للمبدعين يرتب منافسات مشروعاتهم ويختار جيادها ويرعاها. وهذا شبيه بما تفعله المبرة الوطنية للإنسانيات في الولايات المتحدة.

أما أن اباداماك هو وليد شرعي للحزب الشيوعي فهي تهمة لا ننكرها وشرف ندعيه. فليس من شيء جميل في بلدنا منذ الأربعينات لم يكن وليداً شرعياً للحزب الشيوعي. . . يابيان. ونحن أولاد حلة واحدة في عطبرة وتعرفي أن الشيوعيين كانوا أوسم الرجال فيه. بنوا أهرامه ومدارسه وشبابه. وتلك قصة طويلة. واريد مع ذلك ان تفهمي أننا لم نكن وليداً بمعني الدسيسة والأملاء. لم يحرضنا أحد علي بنائه ولم يحملنا ما لاطاقة به. فقد خرج التنظيم بصورة مباشرة من بيئة صدام ثقافي كان الشيوعيون طرفاً فيه. وأملت علينا ملابسات تلك الحرب أن ننتظم دفاعاً عن الثقافة وحرية التعبير. ولم يتعقبنا "كوميسار" يضع لنا عمل اليوم والغد. ,اذكر أنني التقيت استاذنا عبد الخالق بمنزل المرحوم عبدالله محمد الحسن ، رحمه الله علي فيض وده لنا، وكنا عدنا من قافلتنا التي زارت الجزيرة في اغسطس 1969 . وقال لي استاذنا: "ولماذا إخترتم الجزيرة. لماذا لم تنجعوا الي الهامش حيث الحاجة ماسة؟" قلت له: "يأستاذ ولكن تقريركم ألأخير وضع الجزيرة كأسبقية للعمل الثوري لطبيعة جمهورها من المنتجين الصغار وتذبذبهم السياسي." ولم يزد استاذنا. فقد علم اننا ليس بحاجة الي وصاية واننا نقرأ ونفهم ونفعل. ولم يسؤه هذا الرد الصريح بل ظل يتعهدني بمودة إنتهت بي الي التفرغ للعمل الحزبي. كان هذا الحزب وكنا كذلك وكان ابادماك وليد الشيوعيين في هذه المعاني من الإستقامة والندية.

يؤسفني ان بيان لم تجد ملف اباداماك في دار الوثائق. فلأجل باحثين مثل بيان تجشمنا جمع هذه المادة كدم الحجامة. ويؤسفني أنني لم استفسر من المسئولين عن الملف في آخر مرة زرت فيها الدار في ديسمبر الماضي. ولكنني بالطبع سأجعل مصير أوراقنا في دار الوثائق علي رأس اجندتي متي عدت الي السودان قريباً إن شاء الله.

محاور نشاط أبادماك:
____________________

المدينة الثقافية يوليو او اغسطس 1969 وقد وصفها ضرار بما لامزيد عليه. وقد استخدمنا دخلها لتمويل قافلتنا للجزيرة. لم نحصل علي أي مال من الدولة (المفروض انها تحت قبضة الشيوعيين) وساعدتنا وزارة الإعلام ببص وهذا عون كبير.


القافلة الثقافية أغسطس 1969
____________________________

اقمنا في مدني بإتحاد مزارعي الجزيرة وكان أتحاد الشباب والنساء هو همزة وصلنا بالقري والأحياء . وكان من نهض بإعاشتنا زميلنا كمال كمونية. وكمونية مما التصق باسمه من تلك الأيام. وقضينا إسبوعاً غطينا فيه مدني والقري بنشاطاتنا المختلفة. وكنا نطلب من اهل القري أن يشتركوا بفقرات من إبداعهم من منلوجات ونكات ومسرحيات وغناء ونضمها للبرنامج العام. وتوقفنا عند مساهمة شباب برتبيل في البرنامج. واقترحنا عليهم علي الفور ان نعقد زمالة إبداعية نتفق عليها فيما بعد. كانت الأغنية المفضلة في برنامجنا هي "البعيد الليهو سنة" للعطا علي المسرح. أما بين الأعضاء في رحلات الباص فقد ساد نشيد محمد الأمين عن ثورة إكتوبر وكان يحي الحاج نجم الموقف حين يقلد محمد الأمين تفصيلاً . ومما أحبه الناس غناء جاز فرقة الرجاف الجنوبية المكونة من عمال مصانع. وكانت قد قبلت ان تكون لها عضوية جماعية في أبادماك. وفي عام 1980 أخذني مديرها وفنانها إسماعيل واني اخذاً من إستراحة مدينة ياي (وكان قد استقر بها) وأسكنني معه في بيته ومع اسرته وقضي لي كل غرضي. وهذه هي إلفة. ولما عدنا من القافلة ناقشنا تقريراً مكتوباً عن التجربة موجود بالأرشيف بدار الوثائق ومنشور بأخبار الإسبوع.

إكتوبر 1969: مسرح الشارع
__________________________

إحتفلنا بيوم شهداء القصر 1964 في تاريخه 28-10-1964 . كان الإحتفال عصرأ. واستفدنا من المنصات والكنب الذي رتبته الدولة ليوم الدولة الرسمي لذكري ثورة إكتوبر. وكنا سألناهم أن يتركوه لنا حتي نفرغ من مناسبتنا ففعلوا. نشأ تجديد ذكري الشهداء حول نص مسرحي عنوانه "قائمة باسماء الشهداء بعد إزالة كلمة "للحفظ" التي كتبها بروقراطي محال للمعاش تحت المادة 32 ب". وهي منشورة في "تصريح لمزارع من جودة" لشخصي (منشورات نادي المسرح1991). وقد استوحيتها من نص خلد وقائع إقتحام الثوار الروس قصر الشتاء ببطرسبيرغ في ثورة 1917 وجري تمثيلها في الذكري الأولي لذلك الإقتحام. وقد أخرج النص المخرج المصري الماهر صلاح قولة الذي هو خلق آخر واتمني ان يكتب عنه زملائي عمر الحويج وطلحة الشفيع وجلاب ممن عاصروه ليلاً. فهو رجل فريد. ووقع لنا من السماء. ولم نكن في ابادماك سنصلح بدونه.
(بلا تاريخ) سميح القاسم
________________________

نظمنا مشهداً للتضامن مع سميح القاسم المسجون بإسرائيل بصورة درامية من يتذكر خيطها؟


مارس –أبريل 1970
__________________

كنا نعد للإحتفال بالذكري الرابعة عشر لحادثة مذبحة مزارعي جودة بطلب من إتحاد مزارعي النيل الأبيض. واعددنا نصاً وثائقياً عنوانه "في تصريح لمزارع من جودة" تجده في كتابي المذكور أعلاه. وارسلنا صلاح قولة ليخرجه مع طاقم مسرحي من إتحاد حي النصر بكوستي. ثم حدث أن إصطدم نميري والأنصار خلال رحلته لحضور ذكري جودة وتكهرب الجو وألغي الإحتفال. والتحمت مايو والأنصار في الأحداث المشهورة. وكنا ممن راها استهدافاً للتغيير وتعطيلاً له. فشد فريق منا الرحال الي كوستي وربك والجزيرة ابا نوثق لهذا الصدام من وجهة نظرنا المتوافقة مع النظام. ولما عدنا اقمنا معرضاً بمقرنا بدار الثقافة بالخرطوم عرضنا فيه لمؤسسة أبا الرجعية ومفاهيمها وحرائقها. فمثلاً أصدرنا كتيباً عن "الإشارة" كعلاقة إجتماعية سياسية بين السيد والمريد ونشرنا كشفاً بما يصرفه السيد علي عماله وكان عيشاً علي الكفاف. ثم جئينا بآثار من حريق مصنع بذرة ربك توسمنا فيها ان تكون بمثابة لوحات فنية وشاهداً علي غريزة التدمير الرجعي. وعرضنا في تلك الليلة مسرحية جودة التي جاء ممثلوها من كوستي.



صيف وخريف 1970
________________

كنا بعثنا علي الوراق (تشكيل) وطلحة الشفيع (مسرح) وجلاب (إخراج وكله) لقرية برتبيل ليصقل مبدعيها وترتيب يوم فني للقرية. وكانت لمبعوثينا تجربة سياسية حية في تنفيذ هذا البرنامج بين صراعات القري أتمني ان يدلي جلاب بدلوه فيها. وقد نجحنا في الآتي:
1- زرنا القرية لمشاهدة بروفات المسرحية التي إتفق لزملائنا ولشباب القرية إخراجها وهي لطلحة الشفيع.
2_ عرضنا المسرحية علي مسرح مدني
2- ثم عرضناها علي المسرح القومي.
اباداماك والمرحوم محمود محمد طه:
في إجتماعنا الأول العاشر من يناير 1969 أجزنا قرارين. واحد يشجب الإخوان المسلمين علي إعتدائهم علي حفل جمعية الثقافة الوطنية بجامعة الخرطوم في شتاء 1968. أما القرار الآخر فقد شجبنا فيه حكم الردة الذي صدر بحق المرحوم محمود محمد طه. وهذا نصه:

يستنكر إجتماع الكتاب والفنانين التقدميين التضييق الذي تمارسه بعض الجهات علي العقل بإسم الدين. إن الحرج الذي تعرض له العقل والوجدان بوقوف فكر ومنهج الأستاذ محمود محمد طه أمام القضاء الشرعي لهو حرج في افئدة كل الذين يريدون لبلادنا أن تستظل بالحوار وأن تسترشد بالحجة والبيان وأن يصان العقل من الاستعلاء والاستعداء. وإننا لنؤكد بالقطع مسئولية الفكر في خلق سودان معاصر في التاريخ والزمان والمكان. لن ننثني أمام محاكم الردة وما أشبه . . ففي عمق رؤانا يعيش شعبنا وتراثه وبإسمه نستشرف آفاق المعاصرة والبهاء.

فلينزلهم الله منازل الصدق والمبدعين ومحبي الناس:

1- عثمان خالد عضو سكرتارية أبادماك
2- علي عبدالقيوم
3- جمعة جابر
وليتم المتتمون هذه القائمة من رفاقنا الذين كان الشعب أرقاً إبداعياً لهم.


Post: #27
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل: المسرح الجامعي و أبا دماك وتنظيمات الطلائع
Author: Sidgi Kaballo
Date: 03-16-2004, 06:07 AM
Parent: #1

المسرح الجامعي و أبا دماك وتنظيمات الطلائع وسط الطلاب

حكى لي عثمان جعفر النصيري وهو مؤسس المسرح السوداني الحديث بلا منازع أن الأستاذ عبد الخالق محجوب ناقش في خطابه أمام مؤتمر الطلاب الشيوعيين بالقاعة 101 بكلية الآداب بجامعة الخرطوم قضية تعدد مناشط الشباب والطلاب طارحا فكرة أن الطلاب يقتربون إلى الفكر التقدمي من مواقع مختلفة، ليس كلها سياسي، لذا يجب أن تكون حركة الطلاب الديمقراطية متعددة النشاطات ومفتوحة النوافذ على كل الإهتمامات (وقد عاد عبد الخالق لمناقشة تلك القضية التي مثلت هما من همومه في ثضايا ما بعد المؤتمر في عام 196. وكان عثمان جعفر النصيري سكرتيرا لرابطة الطلاب الشيوعيين قبل حلها..
ورغم أنني لا أدعي بتقديمي هذا أن هناك أي ربط مباشر بين ما قاله عبد الخالق وما حدث في جامعة الخرطوم، وفيما بعد كل المعاهد العليا والجامعات، إلا إني أجزم بوجود علاقة غير مباشرة بين الإثنين وكما قال صديقنا الأستاذ الدكتور عبدالله علي إبراهيم، كان المبدعون من الشيوعيين يستلهمون بعض خط الحزب في نشاطهم.
نشأت في جامعة الخرطوم مع قيام التمثيل النسبي في 1957 جمعيات فكرية تنتمي للتنظيمات السياسية (او القوائم كما كانت تسمى التنظيمات رسميا في الإتحاد) وقد تكونت للجبهة الديمقراطية جمعيتان: الثقافة الوطنية والفكر التقدمي. وكانتا تمارسان نشاطا فكريا وثقافيا عاما حتى عام 1966 عندما نشأت فكرة المهرجان الثقافي السنوي والذي كان يشمل إنتاج مسرحي، قراءات شعرية، وعرض للفنون الشعبية، معرض فنون تشكيلية، ومعرض عام وندوات فكرية وثقافية تختم بندوة سياسية (في الغالب لعبد الخالق). وقدم في المهرجان الأول عمل مسرحي بعنوان الحبل، ثم قدم في المهرجان الثاني مسرحية المغنية الصلعاء وفي الثالث مسرحية جان دارك للنصيري وأيها الرجل كم أنت جميل لعلي عبد القيوم وطه أمير وفي الرابع مسرحيتي مرصاد للنصيري وسمك عسير الهضم لعلي عبد القيوم وطه أمير.
ثم إنتقل النشاط المسرحي في عام 1969للمسرح القومي بعد تعيين المرحوم الفكي عبد الرحمن مديرا له فقدم عثمان جعفر النصيري الحلاج، وحسن سنظ، وقدمت مسرحية دبلشيم. وفي تلك الظروف.
تلك هي الظروف التي نشأ فيها أبادماك،( وللحقيقة أنا لم أكن عضوا فيه، وكان العضو أخي محمد عوض كبلو الأستاذ بقسم الفلسفة جامعة الخرطوم، حينها، غير أني أستطيع أن أدعي أنني حضرت كل نشاطاته التي أقيمت قي الخرطوم). وصحيح أن المرحوم الصديق الدكتور محمد عبد الحي لم يكن عضوا، وحتى وفاته كنت أود معرفة أسباب تحوله المفاجئ للعداء للشيوعيين، فقد عرفته شخصيا في حقل شاي أفامته الجبهة الديمقراطية في وداعه وهو يسافر للبعثة عام 1967 وكنت طالبا بالسنة الأولى الجامعية، وحضرت مناقشة بينه والنصيري بعد عامين فقط وقد جاء في إجازة يشترط أن لا يكون لأستديو كان النصيري يفكر في إنشائه، علاقة بالحزب الشيوعي إذا كان النصيري يريده مساهما. ولكن الأستاذ النور عثمان أبكر، وهو شاعر ممتاز، كان عضوا وأظنه كان أخر أمين عام لأبادماك. وكان أبادماك يعرف بلغة عبدالله على إبراهيم الرضينة المدهشة سواء في بيان إستنكار محاكمة محمود مخمد طه، أوإعتقال عبد الخالق أو مسرحية قائمة بأسماء الشهداء، أو كتاب الإشارة أو مسرحية جودة، ولعل الفضل يعود للأستاذ الدكتورعبدالله في القدرة على لم وتوحيد المبدعين دون تزمت وأذكر جيدا أني قلت، وقد كنت صديقا لمحمد المهدي بشرى وعبد الهادي صديق (ولذلك قصة ربما نحكيها في وقت أخر) لعبدالله "أن بعض الناس يلمونه عي تقريب محمد المهدي وعبد الهادي" فقال لي "دعك منهم فهؤلاء شباب مجتهدين والمجتهد بيصل". وأثبت التاريخ صحة رأيه وأنظر لإسهمات الإثنين في الثقافة السودانية.
ولعل في تقديري أن أبا دماك قد قدم أناس من المبدعين للشعب كأمثال الشاعر الفذ حدربي محمد سعدـ، أو صديقنا الأستاذ يوسف خليل.
وعلى نهج أبا دماك وبمبادرة من أعضائه المعلمين نشأت طلائع الهدهد بحنتوب والقندول بالقضارف والنخيل بمروي، وقد إحتفى إتحاد الشباب السوداني بتلك التجربة فخصص لها في مؤتمره الثالث عام 1970 سمنارا لمناقشتها وتقويمها وقد تشرفت (رغم أني لم أكن عضوا في إتحاد الشباب) بالإشراف على التحضير لذلك السمنار بتكليف من الأستاذ عبد علي إبراهيم.
لو لم تخني الذاكرة فعبدالرحيم أبوذكرى لم يكن بالخرطوم وكان بموسكو ,أن كمال الجزولي لم يحضر سواء الفترة الأولى لأنه سافر لموسكو، وأن محمد المكي إبراهيم كان بالسفارة بشيكسلوفاكيا.
ومن بين شعراء الجامعة أعضاء أبادماك كان كمال عووضة ومحمد تاج السر وفاطمة بابكر والمرحوم عبدالله محسى والناقد جار النبي (وهو جيولوجي يختلف عن محمد هبدالله جارالنبي).
كان الدكتور طه امير من المؤسسين، بل أني رأيت البيان التأسيسي أول مارأيت عند طه أمير.
كان المرحوم علي عبد القيوم أحد أنشط الأعضاء وكان هو وعبدالله جلاب والنصيري يشكلون مجموعة أصدفاء.
كان من بين الفنانين التشكيليين النشطين حينها صديقنا العزيز خلف الله عبود. ولنا عودة

Post: #28
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل: المسرح الجامعي و أبا دماك وتنظيمات الطلائع
Author: بكرى ابوبكر
Date: 03-16-2004, 06:45 AM
Parent: #27

الله ده بوست قيم ....يا استاذ صلاح يوسف ذكرنى بعد تلاتة شهور اضعه فى صفحة المواضيع التوثيقية و المهمة و يا استاذ حسن الجزولى خلى د.عبد الله ابراهيم يراسلنى علشان اسجله
ويلا يا شباب و اصلوا كلامكم التوثيقى ده ...اتمنى ان يقراءه بتاعين العواات حتى يتعلموا منه

Post: #29
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل: المسرح الجامعي و أبا دماك وتنظيمات الطلائع
Author: Dr.Elnour Hamad
Date: 03-16-2004, 08:37 AM
Parent: #28

أعود لأواصل:

كما تفضل الدكتور عبد الله علي إبراهيم، فإن كثيرا من الأفضال في مسار التحولات الوعيوية، في سودان أواسط القرن الماضي، في عموم ساحات االفكر، والسياسة، والثقافة بضروبها المختلفة، إنما ترجع بشكل رئيس، إلى حركة اليسار السوداني. وحين أقول هذا القول، فإنني أميل لأن أضع حركة الجمهوريين، تحت مسمى اليسار أيضا. أضعها هناك، وأنا مطمئن، تمام الإطمئنان، رغم إطارها الديني الذي لفها. فهي من حيث التقويم السياسي، إنما تقع تحت مسمى اليسار. واليسار في مفهومه الواسع لا يرتبط فقط بالعمل لتحقيق الحلم الإشتراكي، كما تنبأت به، ورسمت خريطة طريقه، الماركسية اللينية. وإنما هو في حقيقته، فضاء عريض، فيه تحدو قوى كثيرة، وعريضة، قافلة حركة التقدم، والتحرير، في عديد جبهاتها، ومساراتها. وقد دار الزمان، دورات سريعات في أخريات النصف الثاني من القرن العشرين، وتقلص جسد اليسار المتطرف، المتمثل في التنظيمات الحزبية الماركسية اللينينة، بأسرع مما تنبأ به أي أحد من العالمين. وأصبحت فصائل اليسار، من اقصى يسار اليسار، إلى أقصى يمينه، تتوافى رويدا، رويدا، على بساط الإشتراكية الديمقراطية الذي سبق أن جلس عليه اليسار الفرنسي، منذ الستينات، مع من تبعه في ذلك النهج، من قوى اليسار الأوربية. هذا مجرد استطراد قصير، أقتضته محاولتي لوضع حركة الجمهوريين، تحت مسمى اليسار.

استشعر الحزبان الكبيران، الأمة والإتحادي، خطر الشيوعيين والجمهوريين. فكان الإستغلال المتعمد لحادثة طالب معهد المعلمين، التي انتهت بتعديل الدستور، بغرض إخراج النواب الشيوعيين، من الجمعية التأسيسية. رغم أن الشيوعيين قد جاءوا إلي الجمعية التاسيسية كنواب منتخبين من جانب الشعب. بل جاءوا من دوائر الخريجين، التي هي دوائر الوعي. وقد أثبت مؤرخ حركة الإخوان المسلمين، الدكتور حسن مكي، استغلال جبهة الميثاق لتلك الحادثة. وأعترف بالتصعيد المتعمد الذي قامت به جبهة الميثاق من أجل إيقاف نشاط الشيوعيين. وقد كان كل من السيد الصادق المهدي، والدكتور حسن الترابي، في مركب واحد من حيث الدعم والحماس الذي أبداه كليهما لطرد الشيوعيين من الجمعية التأسيسية. وقد بلغ الأمر بالسيد الصادق المهدي، الذي كان رئيسا للوزراء وقتها، أن رفض الإنصياع لقرار المحكمة الدستورية، التي قضت بعدم دستورية حل الحزب الشيوعي، وطرد نوابه من البرلمان.

خرج الشيوعيون مطرودين من الجمعية التأسيسة، بسبب إجراءات تعسفية مثلت في حقيقة الأمر، إنقلابا مدنيا على مبادئ الديمقراطية. بل، لقد كان ذلك الإنقلاب أسوأ من أي انقلاب عسكري، لأنه قد تم بإسم الديمقراطية. وعلى أثر ذلك، تكثف نشاط الحزب الجمهوري في دوره. وبدأ الأستاذ محمود محمد طه، سلسلة من المحاضرات في فضح تلك المؤامرة، وتعريتها من المسوغات القانونية. ثم أخرج الأستاذ محمود كتاب، ((زعيم جبهة الميثاق الإسلامي في ميزان: 1- الثقافة الغربية 2- الإسلام)). ردا على كتاب الدكتور الترابي ((أضواء على المشكلة الدستورية)). ومن هناك بدأ الضيق بحركة الأستاذ محمود يتزايد. وبدأ العمل المنظم لعرقلة محاضراته، بحجة أنها تثير الأمن. وقد تصاعد نشاط الأستاذ محمود أيضا ضد ما تلى المؤامرة على الشيوعيين من محاولة حثيثة لتمرير ما سمي، بالدستور الإسلامي، من داخل الجمعية التاسيسة. وقد كانت جبهة الميثاق هي المزمر الأكبر لذلك المسعى. وقد كانت هي التي ساقت وحدت كلا من الأزهري، والسيد الهادي المهدي، وأركبتهما ذلك المركب الخطر. وبالفعل فقد ساعد خلو الجمعية التأسيسية من الشيوعيين، وقد كانوا أكثر جناح المعارضة وعيا، وأفصحهم عبارة، في التسريع بحبكة ما سمي بالدستور الإسلامي. تم التخلص من الشيوعيين، وصوتهم المزعج داخل البرلمان، ولم يبق غير إسكات الأستاذ محمود الذي كان نشيطا في المنابر العامة. فقامت من أجل ذلك مجكمة الردة في عام 1968. ولكن، بعد ستة أشهر من تلك المحاكمة، قام انقلاب مايو، الذي مهد له الحزبان الكبيران، وجبهة الميثاق الإسلامي، بما جرى منهم مجتمعين، من سوء استخدام مسرف، للمسار الديمقراطي. وقد قاد التلاعب بالديمقراطية، في تداعياته، إلى زهد الجمهور في تجربة الحكم الديمقراطي، برمتها. وكان أن استقبل الشعب بمختلف فئاته قدوم الحكم العسكري الثاني، في مايو 1969، بالأحضان.

كان لابد لي من هذا العرض الموجز لبعض جوانب تلك الحقبة التاريخية، وذلك لأن معرفة حالة المسرح السياسي، وقتها، يساعد كثيرا في فهم تجربة أبادماك، وامتداداتها، في المدارس. خاصة وأنني أحكي عن تجربة (طلائع الهدهد)) في حنتوب. كما أن ذلك يساعد أيضا، في فهم دور حركة اليسار في عمومها، في بلورة الوعي السوداني. فالحزبان الكبيران لم يكن لهما فكر، يزيد في كثير، أو قليل، على حالة الولاء الطائفي التي ظلت تربط الجمهور بالبيتين الكبيرين، الذين مثلا النواة للحزبين الكبيرين ((الأمة، والإتحادي الديمقراطي)).

أما جبهة الميثاق الإسلامي التي أعادت انتاج حركة الإخوان المسلمين السودانية في قالب جديد، عقب ثورة أكتوبر 1964، تحت الزعامة الداينميكية للدكتور حسن الترابي، فلم يكن لها فكر غير فكر السلف. فهي قد اقتاتت فقط، على الرصيد الحركي لحركة الإخوان المسلمين في مصر. ولم تكن بهذا المعنى، سوى صدى باهت لحركة الإخوان المسلمين في مصر. نعم، لقد أوصل الدكتور الترابي، هذا الحركة، إلى ما لم تصل إليه ضريباتها، في دول المشرق العربي، من حيث بناء الجسد التنظيمي، ومن حيث التمكن من الوصول الى دست الحكم. إلا أن الحركة قد ظلت، مع ذلك، أرضا خلاء، من حيث المُنتج الفكري، وأهم من ذلك، من حيث المُنتج الأخلاقي، أيضا.

ومما يدلل على سمة الإقتيات على موائد السلف، في حركة الإخوان المسلمين السودانية، في أطوارها، وتخلقاتها المختلفة، ومما يدلل أيضا على عقمها الفكري، والرؤيوي، خلو هذه الحركة، شبه الكامل من المبدعين، المتميزين، عبر كل تاريخها. فقد ظل الإبداع السوداني، المتميز، يساريا، في غالب أحواله. وسوف أعود في المداخلة القادمة لأصل الموضوع، وهو البعد التعليمي الجديد، الذي مثلته ((طلائع الهدهد)) في محيط حنتوب الثانوية، وما تم اثر ذلك، من تجربة القوافل الثقافية في قرى ريف الجزيرة المروية.

Post: #30
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل: المسرح الجامعي و أبا دماك وتنظيمات الطلائع
Author: bayan
Date: 03-16-2004, 10:03 AM
Parent: #29

لله دركم
ما اروعكم
تحية خالصة لدكتور النور حمد
استمروا من فضلكم

Post: #31
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل: المسرح الجامعي و أبا دماك وتنظيمات الطلائع
Author: عشة بت فاطنة
Date: 03-16-2004, 11:51 AM
Parent: #30

شكرا لهذه الاضاءات الثرة ولابد للرجوع لها مرة اخرى بلا عجالة ..

بت فاطنة

Post: #33
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل: المسرح الجامعي و أبا دماك وتنظيمات الطلائع
Author: Dr.Elnour Hamad
Date: 03-16-2004, 07:59 PM
Parent: #31

أبدأ بشكر الدكتورة بيان على تحيتها، وأعود لأواصل:

كانت حنتوب، وهي كبرى المدارس الثانوية السودانية، نموذجا مصغرا لحالة القطر. غير أنه لم يكن للحزبين الكبيرين وجود بارز فيها. كان هناك طلاب اتحاديون، وطلاب لحزب الأمة، غير أن صوتهما كان ضعيفا نوعا ما، وكان يسيطر على مجريات الأحداث في المدرسة، مجموعة من الشيوعيين، ومجموعة من الإخوان المسلمين. أما الجمهور العريض من الطلاب، فقد كان متفرجا. أذكر أن ليلة أقيمت، على مسرح المدرسة،ولا أذكر ما هي مناسبتها، ولكن كان من المفترض أن يتحدث فيها ممثلوا الأحزاب من الطلاب. ولم يكن هناك ممثل لحزب الشعب الديمقراطي، فقام الطالب إبراهيم من السيد حسن ـ وكان من فصحاء الطلاب، ومن المشهورين على مستوى المدرسة ـ بلبس جلباب، وملفحة، وعمامة، وقدم نفسه بوصفه ممثلا للختمية، رغم أنه لم يعرف عنه الطلاب انتماء للختمية، أو الإتحاديين قبل تلك الليلة. وعلى ما أذكر فإنه قد قام بقراءة شيء من أدب الختمية، على الحاضرين. ولعلها قد كانت مقتطفات من المولد العثماني، أو شيئا شبيها بذلك، ولم يتمالك كثير من الطلاب أنفسهم من الضحك. وكان الأمر بمثابة طرفة، ونكتة عملية ممسرحة، أعدها وأداها إبراهيم من السيد كواحدة من قفشاته وملحه، وطرائفه.

كانت هناك خصومة كبيرة بين شعبة التربية الإسلامية والمعلمين اليساريين الذين ينتمون إلى شعب مختلفة، غير أنهم غالبا ما يتواجدون حول شعبة الفنون، واساتذتها. وقد بلغت الخصومة درجة أن الطلاب اليساريين كانوا يحصلون على درجات متدنية في مادة التربية الإسلامية. فقد كان هؤلاء الطلاب مكروهين، بلا مواربة، من قبل بعض أساتذة التربية الإسلامية. وقد شكا الطلاب اليساريون من ذلك للأساتذة اليساريين. ومن الطرائف التي أذكرها في هذا الباب، نقاشا جرى بخصوص هذه المسألة في موقف ضم بضعة طلاب يساريين، وأساتذة يساريين. وذكر الطالب اليساري، للأستاذ اليساري، الذي كان مشرفا على صفه، أن درجته في التربية الإسلامية سوف تكون متدنية جدا، وربما أثرت على مجموع الدرجات، وعرضته، من ثم، للإعادة، أو الفصل من المدرسة. فاقترح أحد الأساتذة اليساريين الحاضرين لذلك النقاش، على مشرف ذلك الفصل، أن يقوم بتعديل درجة التربية الإسلامية حين تصله من شعبة التربية الفنية. وقد كان مشرفو الفصول هم الذين يعدون النتيجة النهائية لكل صف. فرد مشرف الفصل، قائلا: ولكن ماذا أقول لو علم بذلك مولانا. فرد عليه الآخر، وقد كان معروفا بالسخرية، قل لمولانا: (ضربناها في باي نق تربيع وقسمناها على اثنين)، وأوكد لك أن مولانا سوف لن يسألك أي سؤال بعد ذلك.

من التجارب المؤلمة، التي لا تزال منطبعة في ذاكرتي، والتي تدل على مدى العداء بين شعبة التربية الإسلامية، من جهة، والأساتذة اليساريين، والطلاب اليساريين من جهة أخرى، حادثة جرت حين قام أحد الطلاب، ولم يكن يساريا صارخا بتقديم بحث عن الوجودية، في شكل محاضرة على الطلاب، جرت من على مسرح المدرسة، الذي كان وقتها مجرد مصطبة جنوب فصل أولى متنبي تقف عبر الميدان المنجل المقابل للجرس ومكتب الناظر. وما أن فرغ الطالب من مقدمته، وفتح باب النقاش حتى نهض رئيس شعبة التربية الإسلامية، بعجلة وأعتلى المنبر، وكان ظاهر التوتر. وأمسك بالميكرفون وقال: أول سؤال يمكن أن يسأل لشخص يقدم محاضرة مثل هذه، هو: هل أنت وجودي؟ وكان واضحا أن رئيس شعبة التربية الإسلامية لم يقصد بذلك سوى إحراج ذلك الطالب أمام زملائه. وكان واضحا أن الأستاذ قد قصد أن يضع ذلك الطالب بين خيارين: فإن قال أنه وجودي، فإنه يصبح كافرا بالله ورسوله، وإن قال إنه ليس وجوديا، يصبح مواجها بتبرير ترويجه لفكر إلحادي. أراد رئيس شعبة التربية الإسلامية، أن يختزل المسألة ويحصرها قسرا في ذلك الجحر الضيق. وأذكر أن الجو توتر، وتعالت صيحات من الحضور، وانتهى الأمر إلى ما يشبه الفوضى.

هذه مجرد نماذج قليلة مما أذكره عن حالة الشد والجذب بين اليمين واليسار في حنتوب. وحقيقة الأمر، فإن كل صور النشاط، في الجمعيات المختلفة لم تكن سوى مسرح عريض لذلك الصراع. وقد كان الطلاب المنتمون إلى تيار الإخوان المسلمين وإلى تنظيم الشيوعيين يرسلون عضويتهم إلى الجمعيات المختلفة، أول العام لحضور انتخاب اللجان، وذلك لمنع التيار الآخر من تصعيد عضويته للجنة الجمعية. ومما أذكر أن جمعية التاريخ قد كانت في بعض الفترات، مسيطر عليها من قبل الشيوعيين، وقد تحول متحف المدرسة، الملحق بالنادي، إلى مكان لعمل اليساريين، ولكتابة صحفهم الحائطية.

كانت جمعية الفنون من أنشط الجمعيات بحنتوب. خاصة بعد وصول عبد الله بولا، ومحمد عبد العال مبروك، ومحمد بشير المر. وقد كان قسم التربية الفنية المكون من مكتب وأربع حجرات كبيرة، ومخزن، قسما حسن التجهيز. وأذكر أنني حين دخلت كلية الفنون ةعام 1970 وجدت أن مخزن حنتوب لا يقل بحال من حيث توفر المواد، من مخازن كلية الفنون، إن لم يفقها. وقد كان قسما الفنون خلية نحل في الأمسيات. وقد كان لطلاب الفنون دور كبير في التجهيزات المسرحية المختلفة، من لبس وديكورات، وأكسسورارات، ولوحات خلفية، وكل ما يصاحب العروض الأسبوعية التي تقوم بها الداخليات. وحين تشكل تجمع طلائع الهدهد، قفزت الحركة المسرحية في حنتوب قفزة كبيرة. فقد تحسن اختيار النصوص كثيرا. وانفتح الطلاب على تجارب المسرح العالمي، بما شمل من تجارب المسرح الطليعي، ومسرح اللامعقول، وغير ذلك مما كان عالي الصوت وقتها، من تجارب المسرح العالمي قي تلك الحقبة. ومن الأعمال البارزة التي قدمتها طلائع الهدهد، على مسرح حنتوب، (ماساة الحلاج)، لصلاح عبد الصبور، و(الإستثناء والقاعدة) لبرتولد بريخت. وقد تنوعت قراءاتنا في المسرح، فأصبحنا نقرأ ليوجين يونسكو، ولسارتر، وللبير كامو. وانعكست تجربة طلائع الهدهد إيجابا على ليالي الداخليات الأسبوعية.فأصبحت مسرحيات الداخليات لا تقل جودة عن تلك التي تقدمها طلائع الهدهد. وفي داخلية ود ضيف الله، قدمنا مسرحية (الخضر) ليوسف خليل، بإخراج رائع. وقد تألق الأخ والصديق بشرى الفاضل في الدور الرئيس، وهو دور (السرة بت شاشوق)، ومحمد علي إبراهيم، الشهير بـ (نوح)، في دور (لنقلتي)، والحاج البشير نور الدائم، في دور محوري، آخر.

وازدهرت في تلك الفترة أيضا، حركة التحديث في الشعر وسط الطلاب، والغريب أن حركة الشعر وسط الطلاب لم ترتبط كثيرا بشعبة اللغة العربية، بقدر ما ارتبطت بالأساتذة اليساريين في الشعب المختلفة. ولذلك فيمكن القول أن قوى اليسار وسط المعلمين هي التي كانت مرتبطة بحركة التجديد، في الفكر، والأدب والثقافة، وكانت بذلك حاملة شعلة التجديد، والتحديث، بلا منازع.

وسأعود لأواصل

Post: #32
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: siddieg derar
Date: 03-16-2004, 07:49 PM
Parent: #1

لماذا بدأ الصدام بين سلطة انقلاب مايو وطلائع أبادماك
وموقف ألأصدقاء فى محاولة تثنية الطلائع عن موقفها إزاء السلطة
وبعض ما ورد من نتاج العضوية فى هذا
هذا ما أنا بصدد إضافته
الى الأعلى حتى نأتى

صديق ضرار

Post: #34
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: Salah Yousif
Date: 03-16-2004, 11:01 PM
Parent: #1

سعدت كثيرا لكون هذا البوست لفت أنظار أساتذة معاصرين ومهتمين لكل منهم زرع مثمر في حديقة الثقافة والآداب حتى دفع أمين الموقع بكري أبو بكرلاختيار مادته لتحتل مكانا مرموقا ضمن المواد التوثيقية بالموقع وتصبح كتابا مفتوحا لمن يرغب في الإطلاع والاستزادة 0 وذلك بالطبع بفضل إضافات وتحليلات المشاركين ومنهم صديق ضرار ود0 عبد الله علي إبراهيم وصدقي كبلو وبشرى الفاضل ود0 النور حمد0 إضافة إلى تساؤلات الدكتورة بيان وتحفيز بشرى سليمان وأبو ذر وعاطف عبد الله وعبد الرحمن قوي وزمراوي وعشة بت فاطنة0

ولعلي من فرط السعادة الغامرة ظللت في الآونة الأخيرة أجلس على كنبة الاحتياط أنعش ذاكرتي بما يكتبون وأضيف إلى حصيلتي مناقب التجارب اللاحقة0 فليس هنالك أروع من أن يتسابق الناس لهذا النفير ليكملوا صرحا جاءت فكرة بنائه من د0 حسن الجزولي حين دعاني لركل ضربة البداية0

وإذا كان لي ما يمكن إضافته، فإنني في إطار النشاطات الأباداماكية كنت قد قدمت ندوة بنادي الصداقة السودانية مع ألمانيا الديمقراطية بدعوة من الشاعر محمد الحسن دكتور عن تجربة الشاعر الفلسطيني معين بسيسو الذي كان وقتها يعتبر نفسه شاعر المقاومة ويعتبر توفيق زياد وسميح القاسم شعراء معارضة0 وتواصلا لاهتمامي به شرعت في أخراج مسرحية تشي جيفارا وهي من تأليف معين بسيسو بنادي الإتحاد الرياضي بالخرطوم بحري مستفيدا من امكانات أعضاء الجمعية الثقافية بالنادي في التمثيل، غير أن ذلك لم يصل مرحلة الكمال والعرض لعوامل عدة كان بينها بداية الحرب الخفية على نشاطات أبادماك بعد أن علت نبرة الجفاء ومن ثم العداء بين المايويين والشيوعيين مما جعل البعض يتخوفون ويتساءلون عن السر في اختيار مسرحية جيفارا دون غيرها0 وأذكر أن جئت يوما للبروفة لأجد المكان المعد لنا مليئا بطاولات لاعبي الورق وتبع ذلك في مرات أخرى تكاسل البعض وتغيب البعض الآخر، فاكتفيت بما تم داخل النادي الرياضي من حراك ثقافي كان له الأثر في تغيير رتابة الحياة اليومية المألوفة بالنادي ولو لفترة قصيرة0

وفي منتصف السبعينات وأنا بعيد عن العاصمة أعمل بنيالا عاودني الحنين إلى ذكريات أبادماك وأشكال التجمعات الأدبية والثقافية، فشاركت عالم عباس وشمو ابراهيم شمو وآخرين في تكوين رابطة جنوب دارفور الثقافية التي قدمت العديد من النشاطات والندوات0 ثم وجدت الفرصة من خلال إشرافي على مناشط فرع وزارة الشباب هناك لأخرج مسرحية الرجل الذي ضحك على الملائكة وهي من تأليف علي سالم وسبق أن أخرجت في المسرح القومي بواسطة عثمان أحمد حمد بعد سودنتها تحت اسم (مدير ليوم واحد)0 لقد كانت تلك المسرحية كما علمت من أهل المنطقة هي الأولى التي تقدم بكوادر محلية من نيالا وبتذاكر للدخول ويسبق عرضها بوسترات دعائية في أرجاء المدينة0 وهنا تحضرني ملاحظة مفادها أن المحافظ طلب مني تغيير الإسم باعتبار أن الضحك على (الملائكة) قد يثير مشاعر الناس، لكن ذلك جاء متأخرا وتم العرض وفقا لعنوان المسرحية الأصلي دون إثارة0

ما أردته من وراء ذلك أن تجربة أبادماك جرت في عروقنا وأكسبتنا حرصا على التواصل0 واكتفي بهذا القدر وآمل أن يكون في ما أثرت ما يستحق الوقوف مع شكري لكل متابع ومشارك0

صلاح يوسف

Post: #35
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: bayan
Date: 03-17-2004, 01:34 AM
Parent: #34

Quote: ومع ذلك
أبادماك: تهمة لا ننكرها وشرف ندعيه

د. عبد الله علي ابراهيم



(كان ريحانة المجلس ...جميل المحيا... شاعراً غزلاً متلافاً حتي في حب الوطن . . عثمان خالد ياحليلو)
أسعدني تلاحق الإهتمام والتوثيق لتجمع الكتاب والفنانين التقدميين (أبادماك، يناير 1969 ـ يوليو 1971 ) علي صفحات سودانيزاونلاين على شبكة الإنترنت. وهو التجمع الذي سعدت بقيادته طوال تلك الفترة. وقد فتح باب هذا التوثيق ابن حلال هو الشاعر صلاح يوسف وساهم فيه الشاعر صديق ضرار عضوا التجمع . ثم تتالت كتابات من جيل اصغر هم السادة حسن الجزولي والنور حمد والفاضل بشرى. والأخيران إنتسبا الى أبادماك من خلال منظمات قامت على هئيته وتطلعه في المدارس الثانوية. ثم تداخل جيل اصغر فيهم السيدة نجاة محمود، بنت استاذنا محمود محمد الأمين، والسيد عاطف عبدالله. وقضيت سحابة أمس الأول أكتب مذكرة عن أبادماك تحكي بعضاً من تاريخه وتجيب على اسئلة قيمة أثارها الجيل الحدث.
سألني سائل على الشبكة عما إذا كن أبادماك هو وليد شرعي للحزب الشيوعي. وقلت انه تهمة لا ننكرها وشرف ندعيه. فأي شيء جميل في بلدنا منذ الأربعينات لم يكن وليداً شرعياً للحزب الشيوعي. واريد مع ذلك أن نفهم أننا لم نكن وليداً بمعني الدسيسة والإملاء. فلم يحرضنا أحد على بنائه ولم يحملنا ما لاطاقة به. فقد خرج التنظيم بصورة مباشرة من بيئة صدام ثقافي وضع حرية التعبير على المحك. فقد تجمعت سحابات برمنا بتضييق الجماعات الدينية لتلك الحرية بعد اقتحام عصبة من الإتجاه الإسلامي لحفل جمعية الثقافة الوطنية في شتاء 1968 الذي اشتموا منه خروجاً من العرف بسبب رقصة العجكو الشعبية العرفية. ثم جاء حكم المحكمة الشرعية العليا بردة المرحوم محمد محمد طه وغزل السيد إسماعيل الأزهري مع قضاة الشرع ليجعل يدهم العليا علي القضاة المدنيين. وأملت علينا ملابسات تلك الحرب على التقدم أن ننتظم دفاعاً عن الثقافة وحرية التعبير.
صدر أبادماك عنا ونحن في كامل صحونا وحريتنا. كان قدحنا في هذه الحرب المعلنة لإنزال التقدم المعاش بالغاء الوظيفة . لم يتعقبنا كوميسار من الحزب يضع لنا عمل اليوم والغد. وأذكر أنني التقيت استاذنا عبد الخالق محجوب بمنزل المرحوم حبيبنا عبدالله محمد الحسن ( رحمه الله على فيض وده لنا). وجاء استاذنا يبارك له زواجه. وكان بين المرحومين لغة وقربي وإلفة عجيبة. وكنت قد عدت لتوي من قافلة أبادماك الثقافية التي زارت منطقة الجزيرة في اغسطس 1969 . وعرضنا فيها مسرحاً وغناءً وتشكيلاً وشعراً. وقال لي أستاذنا: ولماذا إخترتم الجزيرة. لماذا لم تنجعوا الى الهامش حيث الحاجة ماسة؟ قلت له: يأستاذ ولكن تقريركم الأخير وضع الجزيرة كأسبقية للعمل الثوري لطبيعة جمهورها من المنتجين الصغار وتذبذبهم السياسي. ولم يزد أستاذنا. فقد علم أننا ليس بحاجة الى وصاية وإننا نقرأ ونفهم ونفعل. ولم يسؤه هذا الرد الصريح بل ظل يتعهدني بمودة إنتهت بي الى التفرغ للعمل الحزبي. كان هذا الحزب وكنا نحن كذلك وكان أبادماك وليد الشيوعيين في هذه المعاني من الإستقامة والندية.
كان شاغلنا الكبير في أبادماك هو كسر الحائط بين المبدع والجمهور. وكان ذلك منهجاً مشهوراً في العالم وقد تسرب الينا عن طريق مصر التي نفذ مبدعوها مسرح القهوة وأشياء اخرى. وبدأنا بالمدينة الثقافية في حديقة المقرن في يوليو أو اغسطس 1969 وكانت المرة الأولى التي يكون معروض اليوم الخيري بالمقرن ثقافة وليس بضاعة من مناديل وخبيز كما قال صديق ضرار. ونصبنا خيمة لكل ضرب من ضروب الإبداع. وقد تقاطر الجمهور الى مناسبتنا واستخدمنا دخلها لتمويل قافلتنا الثقافية للجزيرة. لم نحصل على أي مال من الدولة (المفروض انها تحت قبضة الشيوعيين) وساعدتنا وزارة الإعلام ببص وهذا عون كبير بالطبع.
اقمنا في مدني بإتحاد مزارعي الجزيرة خلال طوافنا الإبداعي بالجزيرة في إغسطس 1969 وكان اتحاد الشباب والنساء هما همزة وصلنا بالقرى والأحياء . وكنا نطلب من أهل القرى أن يشتركوا بفقرات من إبداعهم نضمنها البرنامج العام. وتوقفنا عند مساهمة شباب قرية برتبيل في البرنامج. واقترحنا عليهم على الفور ان نعقد زمالة إبداعية نتفق عليها فيما بعد. وهي صداقة اسفرت عن إبتعاثنا لمندوبين عنا اقاموا في القرية ودربوا شبابها على ضروب المسرح والفن والشعر. وقد عرضوا حصيلتهم على مسرح الجزيرة بمدني والمسرح القومي. ومما أحبه الناس في قافلتنا غناء جاز فرقة الرجاف الجنوبية المكونة من نفر موهوب من العمال. وكانت الفرقة قد قبلت ان تكون لها عضوية جماعية في أبادماك. . وفي عام 1980 أخذني مديرها وفنانها إسماعيل واني اخذاً من إستراحة مدينة ياي (وكان قد استقر بها) وأسكنني معه في بيته ومع اسرته وقضى لي كل غرضي. وهذه هي إلفة. وسأعود مرة اخرى الى أبادماك لأحدثكم عن مسرح الشارع وحفلنا بذكرى عنبر جودة ومعرضنا عن أبا وليلتنا لسميح القاسم.


توحيدا للجهود



د. عبد الله على ابراهيم عن أبادماك .. وعن الطلاق بالمحكمة الشرعية!

Post: #36
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: bayan
Date: 03-17-2004, 02:00 AM
Parent: #34

الاستاذ صلاح يوسف
تحية واحترام عميق

نتمنى الا تتوقف والا تترك اى شادرة او واردة عن نشاط الروابط الادبية

واتمنى لو كان هناك من يود كتابة بحثا عن الادب السودانى
ان يتخذ من نشاط الروابط الادبية و الثقافية موضوعا لاطروحته لمزيد من التو ثيق..
امنية اخيرة هل لدى احد نسخة من بيان التأسيس..


كما لا زلت اود ان اعرف لماذا ابيدماك او (ابادماك)* لماذا الرجوع الى الحضارة النوبية؟


جمعية كونها اليساريون في سنوات الستين وأطلقوا عليها أبيداماك تيمناً بأول إله سوداني في مملكة مروى.
سأعود لاحقا للكتابة عن اباداماك او ابيدماك.. الاله

Post: #37
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: عاطف عبدالله
Date: 03-17-2004, 09:26 AM
Parent: #36

وصلتني هذه الرسالة من البروفيسور آدم مهدي المستشار الاقتصادي بأبوظبي

الصديق عاطف عبد الله
أرجو أن تسمح لي بأن أطل من خلال منورك على قراء وأعضاء سودانيز أون لاين وان أحييهم وأحي فيهم الروح التواقة للمعرفة والتوثيق ,واحي أمر القائمين على هذا المرفق الثقافي الذي توهج فينا كمنارة بدأت تؤتى أكلها.
تتبعت ما كتب عن أبادماك .. مما أثار شجوني .. طالعت مقالة الدكتور عبد الله علي إبراهيم الذي أكن له معزة خاصة بعد أن جمعتني به ضروب العمل الوطني ( أتحاد الشباب والعمل السياسي وأبادماك ) وكان معلما بارزا أينما حل وياليته لو واصل كتاباته في المجال الثقافي وعكس لنا تلك التجارب الثرية التي عاشها وتجربته الذاتية على وجه الخصوص .
تذكرت تلك النخبة المخلصة للعمل الوطني التواقة للحرية والديمقراطية ، عملنا معا وتعلمنا معا معنى الصداقة والزمالة ونكران الذات والإخلاص للعمل الجماعي والتضحية بكل أنواعها ، تعرفت على أخوة كرام أذكر منهم معاوية الطاهر النيل ، عبد الله جلاب ، شابو ، عباس الأمين ، د. عبد السلام نور الدين ، عبد العزيز جمال الدين ، صبري جسور ، فضيلي جماع ، الياس فتح الرحمن ، يوسف خليل ، أحمد طه وآخرين منهم من قضى نحبه ومنهم من لا يزال يواصل ويعطر وجداننا بالدفء النبيل وعلى رأسهم الدكتور عبد الله علي إبراهيم "متعه الله بالصحة والعافية " .
ومع تداعيات السلام في ظل سودان جديد تنصهر فيه كل القوميات والثقافات فهل لنا عودة يا أبادماك ... يا إله الشمال وإله الجنوب........
سوف أتناول لاحقا بعض الذكريات الجميلة عن أبادماك ودمتم
د.آدم مهدي أحمد
أبادماكي سابقا ولاحقا

Post: #38
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: حسن الجزولي
Date: 03-17-2004, 08:47 PM
Parent: #1

المتداخلون الاعزاء

أسئلة أختنا بيان حول موقف الشاعر الراحل محمد عبدالحى من ابادماك نبهتنى الى موقف شبيه له حينما اتخذ نفس الموقف من تجمع اتحاد الكتاب السودانيين والذى تم تكوينه بعد الانتفاضة والذى نجح نجاحا باهرا على مستوى بنيته التنظيمية وبيانه التأسيسى فى جمع السواد الاعظم من المبدعين والكتاب السودانيين , وقد فضل شاعرنا الراحل البقاء فى اتحاد الادباء السودانيين كتنظيم (سلطوى ) حسب فى عداد بقايا مايو بعد سقوط حكم جعفر النميرى , فأن تجاوزنا عن الاسباب التى حدت براحلنا من الانضمام لأبادماك بحكم معرفتنا لها , فماهى الاسباب الموضوعية التى ابت عليه الانضمام لأتحاد الكتاب السودانيين الذى ضم فى صفوفه أعلاما كالدكتور عبدالله الطيب وجمال محمد احمد ومحمدالمكى ابراهيم وغيرهم , فى حين ان عبدالحى رفض كل المناشدات التى قدمت له مستعصما بالاتحاد القديم!.

هناك سؤال آخر فيما يتعلق بالتنظيمات الادبية الفرعية التى نشأت داخل المدارس الثانويه اهتداءا بتجربة ابادماك والتى تناول مسيرتها بعض الاساتذه فى هذا البوست كطلائع القندول والنخيل والهدهد . الاحظ الغياب التام لهذه التجارب فى اوساط مدارس البنات ! , هل كان الاشتغال بالفنون والآداب والابداع عموما مهنة ذكورية ؟ , علما بأن طلائع المعلمين التقدميين والتى ساهمت فى الاشراف ورعاية تلك التجارب فى اوساط ثانويات ( البنين ) كان بالمثل يوجد امثالها فى غالبية مدارس البنات معلمين ومعلمات , ومن جانب آخر فان ظروف استنارة الستينات وثوريتها فى العالم والمحيط الاقليمى كان مداها يعم كل المجتمع السودانى , وللعنصر النسائى حضوره بشكل او آخر فى اوساط المجتمع ايضا, فقد كانت مدارس ثانويات البنات تقيم معارضها واسواقها الخيريه فى العاصمة والاقاليم , وكان الاتحاد النسائى فى اوج نشاطه المؤثر , اضافة الى انشطة اخرى , فاذاعة امدرمان كانت تبث اغنيات المطربات السودانيات وبكورس نسائى فرض نفسه على المستمع السودانى وكان ظهورهن فارضا لنفسه خلف المطربين والمطربات فى حفلات المسرح القومى بأكثر من حضورهن حاليا فى جهاز كالتلفزيون ! , وفى الدراماالسودانية ايضا, (اذاعة وتلفزيون ومسرح ) وكان نشاط المرشدات بارزا فى العاصمة, ومعهد الموسيقى والمسرح ضم دارسات فى مختلف اقسامه , والكتابات النسائية بمختلف تخصصاتها بارزة فى الصحف والمجلات السودانية .. كما ان المكتبات السودانية زاخرة بكتابات نسائية عربيا وعالميا من خلال كتبهن ومقالاتهن فى المجلات والصحف , فما الذى حجب التجربة من مدارس البنات تحديدا ياترى ؟! .مع تحياتى .

Post: #39
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: bushra suleiman
Date: 03-17-2004, 09:07 PM
Parent: #1

ياسلام عليكم ياجماعه،تواتر المعلومات والذاكرة الجميله الى لم يغيبها الزمن اعادتنى لتلك الايام الى لم اعشها بتفاصيلها،احسن بنبض الثورة يفور فى عروقى وانا اقراء متسلسله د/النور حمد واتمنى ان لاتنتهى الكلمات..شكرا استاذنا عبدالله وصلاح وصديق وبشرى الفاضل ودحسن،فانواركم تسطع لتضىء العتمة

Post: #40
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: Dr.Elnour Hamad
Date: 03-17-2004, 09:47 PM
Parent: #39

شكرا للعزيز بشرى سليمان، وأعود لأواصل:

لم يغير الأفندية الذين جلسوا على مقاعد الإنجليز بعد الإستقلال منهج الإنجليز الذي لم يكن همه أكثر من إخراج مهنيين يملأون الوظائف. وتجربتي الشخصية مع المنهج المدرسي اتسمت في عمومها، بالمعاناة. لقد تركت المدرسة ثلاث مرات في حياتي. مرة في الإبتدائية، ومرة في المتوسطة، ومرة في الثانوية. وأذكر أنني حين وصلت رابعة ماركوني في حنتوب، أصبحت لا آتي إلى حجرة الدراسة إلا قليلا. ولولا أن مشرف الفصل، قد كان أستاذنا الجليل، الطيب عبد الرحمن البقاري، وقد كان ذا أفق واسع، وإدراك تربوي راسخ لحالات الإضطراب، وربما الإكتئاب، التي تعتري من هم في مثل تلك السن، لتم فصلي من المدرسة. كان جاري في رابعة ماركوني من جهة اليسار، الدكتور حسن مكي، وقد كان في تنظيم الإخوان المسلمين، منذ ذلك الحين. ولم نكن نحدث بعضنا كثيرا، بسبب التباعد الآيديولوجي، غير أننا كنا نحترم بعضنا كثيرا جدا. فحسن مكي كان منذ شبابه، شخصا هادئا، رزينا، ووقور السمت. كان ثابت الإستقامة، ويتصرف، بل ويتحرك بطريقة كهل أو شيخ. كنت أغيب عن الفصل أسابيع ثم أعود، وأرى في عينيه نظرات الإشفاق نحوي. الطريف أنني بعد أن تخرجت من حنتوب، والتحقت بكلية الفنون، وتعرفت على الأستاذ محمود محمد طه، وجدت أن شقيق حسن مكي الأكبر، وإسمه إبراهيم، أحد المنتمين للجمهوريين.

عانت المناهج، وربما لا تزال تعاني، من عدم قدرة على استيعاب الطاقات الخلاقة وسط الدارسين. كان المنهج حشوا من المعلومات القديمة. وقد كانت حركة التجديد فيه، حتى فيما يتعلق بجغرافيا القطر، على سبيل المثال، حركة بطيئة جدا. بل لربما لم يكن هناك أصلا اهتمام حقيقي بتجديد المنهج. فكثير من المعلومات قد عفا عليها الدهر. كنا ندرس جغرافيا القطر، وهو قطر نامي حدثت فيه تغيرات مهمة في البنية الإقتصادية، ونجد أن الكتب خالية من تلك الملومات. وينطبق ذلك على المعلومات عن بقية العالم الذي يزذخر بالمستجدات. وفي مجالات الفكر والأدب، كنا نقرأ الطيب صالح في أوقات فراغنا، ونحصل على كتبه بمجهوداتنا الشخصية، وبمعاونة المستنيرين من المعلمين. وكنا نقرأ بنفس الصورة، اشعار محمود درويش، وسميح القاسم، وبدر شاكر السياب، وعبد الوهاب البياتي، وصلاح عبد الصبور، في حين يصر منهج الأدب على حبسنا في الجاهلية، وصدر الإسلام، والعصرين الأموي والعباسي، وامتدادات ذلك في التجربة الأندلسية. وفي (أيام) طه حسين، و(زينب) محمد حسين هيكل، و(سارة) العقاد، ومسرحيات الحكيم. وحين يتعطف علينا منهجهم بفتح نافذة على الجديد، فإن نافذته تلك لاتتعدى مرحلة البارودي، وشوقي، وحافظ، ومعاصريهم في الشام والعراق مثل الزهاوي، وخليل مطران، وفي أحسن الفروض، مدرسة المهجر!

أما الفكر فلا يدرس أطلاقا!!!! لم نحظ بحصة واحدة في الفلسفة، حتى تخرجنا من حنتوب. ومعرفتنا للفكر البشري حصلناها بالمجهود الفردي. وتذكرون كيف قابل رئيس شعبة التربية الإسلامية مبادرة الطالب الذي حاول أن يعين رفقاءه على التعرف على مجريات الفكر المعاصر، حين تبرع بتقديم محاضرة عن الفكر الوجودي. فرئيس شعبة التربية الإسلامية، لا يرحم، ولا يريد لرحمة الله أن تنزل. هو لا يعرف شيئا ذا بال عن الفلسفة، ولا يعتقد أن من الضروري أن يعرف. أكثر من ذلك هو يرى أن من حقه منع الآخرين عن تلك المعرفة!!!

أذكر أننا في السنة التي جلسنا فيها لإمتحان الشهادة، حفظنا معلقة طرفة بن العبد عن ظهر قلب، وللاسف، فحين جاء امتحان الشهادة، لم يسألونا عن تسميع بيت واحد منها، هذا مع العلم أننا قد أضعنا أمسيات حنتوبية جميلة، ونحن نتمشي بين الأشجار حاملين كتاب الأدب مستغرقين بجهد قي حفظ طلاسم معلقة طرفة عن ظهر قلب. وكل ما جاء، في الإمتحان ـ رغم الساعات الطويلة التي أهدرناها، في الحفظ، ورغم ضياع بعض الأصائل الحنتوبية البديعة، التي فاتنا التأمل فيها، ونحن نتجول في الميادين، كالمجانين، نسمِّع لأنفسنا، ونلقي نظرة على كتاب الأدب المحمول في اليد، بين فينة وأخرى ـ كل الذي ورد في امتحان الشهادة، كان مجرد سؤال عن شرح بعض الأبيات. وقمنا بالشرح لأن معاني الكلمات قد كانت حارة في الذاكرة القصيرة الأجل. أما اليوم فتقبع أبيات طرفة في الذاكرة الطويلة الأجل، ولكن بلا معاني، تقريبا!

ومن أمثلة ذلك:
وفي الحي أحوي ينفض المرد شادن مظاهر سمطي لؤلؤ وزبرجد
خذول تراعي ربربا بخميلة تناول أطراف البرير وترتدي
وتبسم عن ألمى كان منورا تخلل حر الرمل دعص له ندى
سقته إياة الشمس إلا لثاته، أسف ولم تكدم عليه بإثمد

فهل فهم أحد عن أي شيء يتحدث الشاعر هنا؟ (ولا أنا) فقد نسيت معاني كلمات من شاكلة: ( المرد، خذول، ربرب، البرير، دعص، إياة، أُسفَّ، ... ألخ) وتصور كم عدد الكلمات الصعبة في القصيدة كلها، وهي تقارب، في جملتها، السبعين بيتا؟!!!!

أردت من كل ذلك مجرد الإشارة إلى مدى يباس المنهج، وابتعاده عن تسمع خفق الحاجة في أفئدة الطلاب. وأردت بذلك القول الإشارة، أيضا، إلى إن تجربة طلائع الهدهد، التي هي امتداد طبيعي لتجربة أبادماك، قد مثلت نوعا من الثورة التعليمية. وذلك بما انجزته على مستوى التجربة المعاشة، وقتها، من تحديث للمنهج. أقول هذا، على الرغم من أن ذلك المنهج التعليمي (ألأبادماكي) (الأهلي). قد كان يدرس في الأمسيات، وليس في أوقات الدراسة الرسمية، وفصول الدراسة الرسمية. الشاهد، أن تركيز تجربة طلائع الهدهد، التي هي تجربة ابادماك على مستوى الثانويات، قد ركزت على الأدب، والمسرح، والشعر، والتشكيل، وقد اتت إلينا بالحار الذي كان يدور في تلك الساحات، وليس بقصص من التاريخ. وفي تقديري أن تلك التجربة قد حقنت في أوردة تجربتنا التعليمية في حنتوب، ما يسمى الآن في المناهج الأمريكية Liberal Arts . وفي تقديري أنه لا يزال ينتظرنا تدقيق كثير في تجربة أبادماك، وخاصة إمتدادتها في المدارس الثانوية، بوصفها قد مثلت معالجة عملية لقصور المناهج. علينا أن نجري مقاربات نقدية أعمق، لتلك التجربة، بعيدا عن التأثر بأن تلك التجربة قد كانت امتدادا لنشاط الحزب الشيوعي السوداني، كما تفضل الدكتور عبد الله علي إبراهيم. ومعلوم أننا في السودان نحاكم الأشياء متأثرين أولا، واخيرا، بنظرتنا إلى الجهة التي صدرت عنها، وليس من منطلق القيمة المنطوية عليها في في ذاتها.

كانت تجربة (طلائع الهدهد) تجربة مؤثرة، ومفيدة للمبدعين من الطلاب في تلك السن. فقد كانت متنفسا لطاقاتهم، ومجالا لنسج أحلامهم، ووعدا محفزا للأمل في غد أرحب، وأنقى، وأكثر استيعابا لدفقات الفعل الإنساني المتعلق بالخير والجمال. لقد باعدت تجربة (طلائع الهدهد) بيننا وبين خواء العطلات الصيفية. كما أنها قد حصنتنا، هونا ما، من موجات الإكتئاب التي عادة ما تعتري من هم في مثل تلك السن (15 -20 سنة). فتجربة طلائع الهدهد خلقت امتدادا للمنهج المدرسي، استوعب طاقات الكثيرين من الراغبين بنهم شديد في المعرفة. كما خففت من غلواء جفاف ذلك المنهج، وخلوه مما يثير الخيال، ويستوعب طاقات الخلق الشبابية. يضاف إلى ذلك أن تلك التجربة قد مثلت مشروعا تجريبيا مبكرا في محاولة كسر الحاجز الذي يقيمه نظام التعليم الموروث من الإنجليز بين الطلبة، وحياة أهلهم في الريف. فمسار الطالب كان مسارا يفضي، في غالب حاله، إلى تحقيق الحالة الصفوية، التي تباعد تدريجيا بين المتعلم وأهله في القرية، وتتنقله، من ثم، إلى حيث يصبح جزءا من عوالم جديدة، ربما لا تحفل كثيرا بمصير القرية، وبهموم تحسين أساليب الحياة فيها. كما أن الأساتذة الذين أشرفوا على تلك التجربة، قد كانوا أساتذة متميزين بمعنى الكلمة. فقد ربطنا أولئك الأساتذة الأجلاء بهموم الثقافة، وفتحوا أعيننا على هموم الكوكب. وكل تحصيل معرفي حصلناه، فيما بعد، إنما انطلقت شرارته من تلك التجربة الخصبة، التي أخرجت المدرسة من محدودية الهدف الإستعماري، من التعليم، ومن عقم الكاديمية الجامدة القائمة على نهج حفظ المعلومات و(تسميعها) إلى عالم الفكر، والخلق الفني، وسيولتهما، وحيوتهما.

سأعود لأحكي في المساهمة القادمة، عن قافلتنا الكبرى التي طافت ريف الجزيرة عقب انقلاب مايو.

Post: #41
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: siddieg derar
Date: 03-18-2004, 01:40 PM
Parent: #1

حتصفى مين باسم الوطن
يا بتاع نضال آخر الزمن
عامل جدع تحكى وتغش
تضرب يمين
ولامن يلين
تضرب شمال
بالمرة موش
ما نحنا عارفين التمن
يا بتاع نضال آخر الزمن
* *
ما قلنا فى التأميم ودار
وسعادته فاكره ضرب نار
جاب بالمعاش ضباط كتار
وفى كل حتة يخت حمار
وطبيعى زول ما مؤتمن
* *
حتصفى مين
الحزب حى
حتحلو كيف
ما أصلو ضى
وانت المصاب بعمى النهار
وعشان تصوغو قرار حمار
لازم يكون والدنيا ليل
والطقس فى القعدات جميل
وبعيد كمان عن أى ناس
وبين كاس وكاس
تتغنوا دنيا الحكم محن

عثمان خالد
ياحليلو قال سايب البلد
بيان وزير داخلية إنقلاب مايو والذى هو صادر عن مجلس قيادة ( الثورة ) . والذى أستهل ب :
تلاحظ فى الآونة الأخيرة أن بعض الجماعات تريد التحدث باسم الثورة ،وأنه قد تمت تصفية جميع الآحزاب والجماعات
وليس من حزب مستثنى من هذا القرار .
يا الله هل كان لابد من إذاعة مثل هذا البيان وفى ذلك الوقت بالذات . نعم لقد المقصود اليسار وتحديدا الحزب الشيوعى السودانى . لا أذكر التاريخ بالضبط ، لكن أذكر أنه ورد فى صدر نشرة الثامنة مساءا المحلية . وأظن فى 1970 لكن أى شهر لست بمتأكد .
وكما ذكر أخونا دكتور بشرى الفاضل فإن طلائع أبادماك كانوا فى بداية العشرينات . ,انا أعرف حتى شيخنا عبدالله على إبراهيم لم يكن قد تعدى السادسة والعشرين من عمره ـ وهذا لا يعنى أنه كان أكبرنا سنا ، . شباب فى مثل هذا السن وبهذه الثورية والفكر التقدمى ، يتعاطون الأدب والفنون وهم طلائع شعبهم ، لا أظن أنهم سينصاعون ويسكتون عن هذا الأمر . فلا موجه لهم إلا فكرهم وقناعتهم التامة بالشىء . أضف إلى ذلك أنهم كانوا قاب قوسين أو أدنى من علم ملىء بالنهار وقد بدأوا مشوارهم فى طريق الثورة التى أصبحت تؤتى أكلها فى تفاعل الشعب معهم فى لياليهم الأدبية سواء فى الأحياء السكنية أم فى المؤسسات المدنية من نقابات وتنظيمات .
كان هذا هو بداية الحرب على إنقلابيى مايو . وأقول الحرب على إنقلابيى مايو وليس حرب المايويين على أبادماك ليس من باب شىء سوى أن مايو وإنقلابيوها قد مضوا وقضوا ولا تزال أبادماك وطلائعها يحييون بين ظهرانيى شعبهم بل لهم إمتدادات وإمتدادات . كانت هذه بداية الشعر الملحمى الرائع . فكتب عثمان خالد رحمة الله عليه القصيدة المذكورة فى بداية المداخلة . وأرجو ملاحظة الآتى أيضا ( ما قلنا فى التأميم ودار "ضياع" ) . فقرار التأميم ليس كما قال أحمد سليمان ونميرى بفمه أن الشيوعيين هم من قالوا لنا بالتأميم . هذا البيت الوارد فى قصيدة عثمان خالد هو الشاهد تاريخيا على أن الحزب الشيوعى كان ضد قرار التأميم . والعكس فإن النميرى قبلها كان يقول بأن الشيوعيين عارضوا التأميم ثم بعد أن ثبت ضرر التأميم ألقى باللائمة على الحزب الشيوعى السودانى . فعلا الشعراء لسان حال قومهم
كتب حينها محجوب شريف رائعته :
لا تخطئوا فى حقنا ولو بحسن نية
لا ترفعوا فى وجهنا زناد بندقية
لأنها إن آجلا أو عاجلا مرتدة إليكمُ
عليكم نخاف لا نخاف منكمُ
فنحن إخوة الشهيد
والشهيد قبله شهيد
والشهيد بعده شهيد
ولم تكن تعجزنا صياغة النشيد
ولم تكن بلادنا حظائرا تعج بالعبيد .
طبعا يستحيل أن يتذكر المرء كل ما كتب فى هذا ولكن لتقديم نماذج لابد من ذكر شىء منها
ومعليش أسمحوا لى فقد كتبت

ما بتقدروا
تاريخنا إنتو تغيروا
ورصيد نضالنا تحوروا
ياعصبة مهما تزوروا
وتتآمروا
يانا البنرجع تانى للشارع عديل ونثوروا
ما هو الحبيبنا ونحنا درعه
ومن زمان يانا بنناضل
شان نعزوا ونستروا
حنقولا لا
ونعيدا لا
ونشيلا لا
والما بيرضى لا ويتحملا
كيفن بدور يحكم بلدنا الفيها لا متغلغلة
عشرين سنة ونحن بنوعى الشعب
شان يعرف صحيح يستعملا
ما تكون كتيرة مكررة
ما تكون حكاية هرجلة
ولامن وعى الشعب ورفض حكماً بلا
جيتوها بس زى القدر
وقلنا ثورة للثورة الكبيرة موصلة
ما كنا دايرين وبى فورة حماس عابر نقوم نستعجلا
بالصبر والعمل الدؤوب
لامن تخدر فى النفوس
بى جوّ تنبت بذرتها
شان تنفجر تملا البلاد بى نور صباحها وصحوتها
كل البلاد : انجولا ، موزمبيق ،
فيتنام وإربد : ترضى وتعانق ضحكتها
موش ثورة بى نص العصاية
يكون مقادها ومسكتها

المهم طويلة وكثير من زملائى الطلائع كتبوا فى هذا المنحى . وحاول بعض الطيبين أن يتوقف الطلائع عن مهاجمة الإنقلابيين
ممن هم أكبر سنا حتى تهدئة الوضع . لكن سبق السيف العزل .

دور إتحاد الشباب السودانى مع أبادماك :
وبدون أى إرتباط تنظيمى بين الجانبين ،ولأن الجماعتين من الشباب نفسه أو ذى الرؤية المشتركة حدث التنسيق عفويا وليس تنظيما
فقد كان لأعضاء إتحاد الشباب بأحياء العاصمة المثلثة دور فى الدعوات التى كانت توجه إلى أفراد الطلائع لإقامة ندوات أدبية وليالى شعرية
وتقديم دراسات ومعارض فنية .
لم نكن بحاجة للتحدث فى السياسة بالمعنى المفترض . فلنا أدواتنا الخاصة .
أذكر هنا من عضوية أبادما صديق محيسى ومحمود محمد مدنى والشاعر العامى محمود الخضر وقد كتبت سابقا محمود الحاج خطأ . ورحمة الله عليه . كما أن أنه كان من أساتذة جامعة الخرطوم الدكتور محمد كبلو وهوآنذاك يكبرنا بقليل وخالد المبارك ومختار عجوبة القاص وطبعا عبد الله على إبراهيم . كما هنالك سعاد إبراهيم أحمد وأحمد عبدالحليم ومن أساتذة كلية الفنون الجميلة الفنانة كمالا والأستاذ احمد الطيب زين العابدين رحمة الله عليه . أما محمد المكى إبراهيم فكان بالسودان التحق بالخارجية لكنه لم يستلم العمل فى الخارج وقتها فكان معنا حتى بعد مايو بفترة طويلة . وعندما كان سفيرنا بجدة كنا دائما فى معية بعضنا مع أخينا الفاضل المستشار محمد المرضى .
فينك ياعبدالله وعلى الوراق وصلاح

Post: #42
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: Dr.Elnour Hamad
Date: 03-18-2004, 08:38 PM
Parent: #41

في صيف 1970 نظمت (طلائع الهدهد) قافلة ثقافية صيفية أسهمت فيها بعض المؤسسات الحكومية بالتبرع بحافلات، وعربات، مع وقودها لفترة جاوزت الشهر. وفي تقديري أن ذلك التبرع السخي لم يكن ليتم لولا مجي مايو التي كانت وقتها، طفلة في عامها الأول. وأعتقد أن علو نجم اليسار وقتها، وظهور أسماء الوزراء الشيوعيين في وزارة نميري الأولى، ربما جعلت القائمين على أجهزة الخدمة المدنية يعملون الف حساب لطلبات قوى اليسار. وقد كانت قوائم التطهير، وشعارات (التطهير واجب وطني) ملء السمع والبصر. المهم ، تيسرت لقافلتنا تلك كل سبل النجاح، من دعم وتمويل، وقد استقبلنا المسؤولون الحكوميون بالترحاب أينما حلننا. وقد لاحظنا أن إدارة حنتوب قد آثرت، من جانبها، أن تترك المعلمين المشرفين على طلائع الهدهد وشأنهم. لقد كان هناك الكثير من (عمل الحسابات) فيما يبدو.

حين ولجنا القرى، لفنا الأهالي، بعناية، وحفاوة، وكرم، وتقدير لا ينسيان. فقد كنا نرى في عيونهم كل آيات الشكر، الإمتنان ، لكوننا تجشمنا المشاق وأتينا إليهم في قراهم لنحيي لهم مجرد أمسية واحدة، لا تتعدى فقراتها الثلاث، أو الأربع ساعات. غير أن الذي ظهر لنا، أن تلك السويعات كانت تعني الكثير بالنسبة لهم. إذ كانت، على أقل تقدير، بمثابة كسر لرتابة ليالي الريف، وخلوها من أنشطة الترفيه، والمتعة. لم يكن التلفزيون قد وصل القرى بعد في تلك الفترة، ولم تكن الكهرباء إلا في قرى قليلة جدا. ولم يكن للناس وسيلة تثقيف أو ترفيه، سوى الراديو، إضافة إلى حفلات الأعراس التي تأتي من موسم لآخر. ولذلك فقد كان الأهالي يفرحون بمقدمنا فرحا كبيرا. خاصة الأطفال والشباب. ولا أذكر كيف كنا نفرح بمجيء السينما المتجولة في حلة حمد الترابي، حين كنا صغارا. كانت السينما المتجولة تنقل لنا صورا لعوالم تشبه بالنسبة لنا عوالم الأحلام.

طافت تلك القافلة خمسة مجالس ريفية بمنطقة الجزيرة. وهي مجالس ريفي الحوش، وريفي المدينة عرب، وريفي الحصاحيصا، وريفي المحيريبا، وريفي المعيلق. وقد تم اختيار خمس قرى في كل واحد من تلك المجالس الريفية. وأذكر من الأماكن التي تمت لنا فيها عروض، مدينة الحوش، وقرية الرميتاب، وحلة فحل، وأظن الحاج عبدالله. وأذكر أيضا المدينة عرب، والمسلمية، وود النعيم، والحصاحيصا، وطابت، وود بهاي، وصافية وكتفية، وربما أم عضام. ثم المحيريبا، والمعيلق والكاملين، وقرية ألتي، وأم مرحي الشيخ الطيب. وقد أنساني الزمن قرى أخرى. المهم أن مجموع المدن الصغيرة والقرى التي طفنا بها قد بلغ الخمس وعشرين. وأذكر أننا حين كنا في ريفي المدينة عرب، مررنا ببورتبيل ورأينا بداية المسرح الذي تم تشييده بها، ولا أذكر إن كنا قد قدمنا عرضا في بورتبيل، أم لا.

بدأن الرحلة من جنوب الجزيرة. فقد نقلنا معداتنا عبر النيل الأزرق برفاس المدرسة. حيث كانت حافلتان وكومر في انتظارنا. كانت المجموعة تنقسم على الحافلتين. اما الكومر فقد كان للمعدات والمواد. وقد اشتملت المواد والمعدات، تجهيزات مسرحية كثيرة ومتنوعة، كما شملت مواد غذائية ناشفة، من مخزن حنتوب، وكان هناك المعرض التشكيلي، وكل ما يتصل به من وسائل للتعليق. وكان وجهتنا الأولى مدينة الحوش، حيث تم التنسيق لكي ننزل بإحدى داخلياتها التي فرغت بسبب العطلة الصيفية. وقد فاتني أن أذكر الصديق عبد العظيم جمال الدين، ضمن من ذكرت في كتاباتي السابقة، من أعضاء تجمع طلائع الهدهد. فعبد العظيم جمال الدين، من أبناء مدينة الحوش، وقد كان صديقا شخصيا لي بحكم عضويتنا في جمعية الفنون، التي أصبح معظم أعضائها، أعضاءً في طلائع الهدهد.

كانت مدينة الحوش هي مركز الإنطلاق لقرى ريفي الحوش، والمدينة عرب كانت مركز الإنطلاق لقرى ريفي المدينة عرب، وكذلك كانت المحيريبا، والمعيلق. كنا نصحو في الصباح الباكر، ثم نغادر مركز الإنطلاق متجهين نحو القرية التي سيكون فيها العرض، ونصلها عند الضحى. نقوم بتركيب المسرح الذي هو عادة من ترابيز المدرسة التي يتم فيها العرض، ثم نقوم بتعليق أقمشة وديكورات، كما نقوم بتعليق المعرض التشكيلي. وقد تمت كل عروضنا في المدارس. وقد كانت العروض تشتمل على اسكتشات ضاحكة، وأحيانا أحاديث، هذا بالإضافة إلى الفقرات الموسيقية، وقد كان بالفرقة مغنون ممتازون، كمضوي الطيب بانقا، والفاضل المبارك، وأحمد إدريس خليفة. لقد وجد كل ما قدمناه تجاوبا أذهلنا، ودفعنا إلى المزيد من التجويد، ومن التعلق بالتجربة. فقد كنا نرى تأثير ما نقدمه في عيون الناس، وكان الأهالي يحيطوننا بحالة من الحفاوة، والإمتنان عقب كل عرض نقدمه. وحين نهم بمغادرة القرية عند منتصف الليل، كانوا يسائلوننا في لهفة عن متى نعود. وقد ظل أهل الجزيرة المروية يكنون تقديرا خاصا لمدرسة حنتوب. فمعظم ابناء الجزيرة قد تلقوا تعليمهم الثانوي بها. وقد ظلت حنتوب منارة للعلم وللمعرفة، وللإبداع في أذهان الأهالي، لا تدانيها مؤسسة تعليمية أخرى.

بدأ الطواف كما ذكرت من جنوب الجزيرة، متجها إلى شمالها، حتى انتهينا في ريفي المعيلق. وكانت أقصى نقطة قدمنا فيها عرضا شمالا هي قرية ألتي (ثلاث كيلو مترات جنوب المسيد)، وأقصى نقطة جنوبا هي الحاج عبد الله، على ما أذكر. وتقع الحاج عبد الله في منتصف المسافة بين سنار ومدني. ولقد كانت التجربة مفيدة جدا إذ عرفنا اعماق الجزيرة التي لم نرها من قبل. وقد منحنا ذلك تصورا لأحوال القرى خاصة التي تقع عن حواف المشروع مما يلي جهة النيل الأبيض. وقد رأينا تفاوتا كثيرا في أحوال القرى. بعضها به كهرباء، ويشبة إلى حد كبير الأ حياء الشعبية في المدن، وبعضها عليه فقر ظاهر، لاى تخطئه العين. وقد كانت المحصلة التعليمية، غير المباشرة، من تلك التجربة، عظيمة جدا.

لم تخل العروض التي كنا نقدمها، من صبغة آيديولوجية كان يصر عليها الأعضاء المنظمون في الحزب الشيوعي، والجبهة الديمقراطية على توجيه خطاب سياسي مباشر, وأذكر أنني تعرفت في تلك التجربة على أغنية الشيوعيين الشهيرة (يا صلاح) وقد كنا نرددها قي عروضنا كموسيقى خلفية:

بين صخرٍ وحديدٍ وجنازيرٍ وسلْ
وجنودٍ وسدودٍ قتلوا منا بطلْ

حسبوه سيساوم عندما يدنو المصيرْ
وجدوا حراً يقاوم وهو في النزع الأخيرْ

تتغنى شفتاه بحديث كاللهيبْ
وتنادي قبضتاه للكفاح لا للطبيبْ

وقد كانت تلك واحدة من أدبيات التعبئة اليسارية، العاطفية، شأنها شأن (أبتاه ماذا قد يخط بناني والحبل والجلاد ينتظراني)، التي مثلت الطلقة السحرية في أدبيات التعبئة لدى الإخوان المسلمين في الستينات. وقد عاشت أدبيات التعبئة العاطفية لدى الإخوان المسلمين دهرا دهيرا حتى بلغت هذا الحد غير المعقول من (الإستهبال) والإسفاف، على عهد الإنقاذ الراهن. الشاهد في حالة اليساريين، أن ظلال اللينينية، وتيار الواقعية الإشتراكية، وأدب الدعاية اليسارية قد كانت مسيطرة في تلك الحقبة. وهذه واحدة من نقاط المقاربات النقدية التي ينبغي لحركة اليسار بكل ألوان طيفها، أن تطلع بها الآن. وذلك من أجل فهم أعمق للديمقراطية، والتنوع، والتعددية، وفهم أعمق لوظيفة الفن، بعيدا عن الشعارية، والهتافية.

حين أعود سوف أحكي عن زيارة طلائع الهدهد لكوستي، والجزيرة أبا عقب أحداثها.

Post: #43
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: حسن الجزولي
Date: 03-19-2004, 04:05 AM
Parent: #1

فوق

Post: #44
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: bayan
Date: 03-19-2004, 08:42 AM
Parent: #43

اتمنى الا تتوقفوا وفى كل لحظة اجد اضافة جديدة
كل المحبة والمعزة لكم

Post: #45
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: Tanash
Date: 03-19-2004, 12:13 PM
Parent: #44

أبادماك

"أبادماك" .. "أبادماك" .. "أبادماك"
سمعنا الاسم فلم نعرف ماذا يعنى ! .. ذلك أن تاريخ السودان القديم مغيب فى مخيلة أهل السودان. ثم لاحقا بمجهودنا الخاص تعرفنا على اليسير من ذاك التاريخ الهام فعلمنا أن الاسم يعنى "الاله الأسد" و شكله ثعبان ضخم برأس أسد. فهللنا مستبشرين لوجود تجربة ثقافية سعت الى تنوير أهل السودان بثقافتهم و تاريخهم المشترك فى وادى النيل القديم, فاضحة "فرية" تنوع ثقافاتهم الظاهرى الحالي, تمهيدا لتفجيرثورة ثقافية تعيد أمجاد السودان القديم. و الآن نطلع فى هذا "البوست" على ذكريات هذه الجمعية فلا نجد عملا واحدا ينفذ الى ذاك التاريخ الذى تحمل أسمه عنوانا لها !!؟ ..

فتساءلنا .. ما داعى استعارة اسم من تاريخ حضارة السودان فى وادى النيل القديم مادام هذا الاسم لا يدل على حامله ؟! .. و لم نجد تفسيرا لذلك سوى أن مؤسسى الجمعية سعوا للترويج للجمعية باسباغ صفة التوجه القومى الأفريقى على عنوان مشروعهم الثقافي كنشاط مؤسس على تاريخنا فى وادى النيل القديم, لتمرير مشروع ثقافى عروبى يضخ دماء جديدة من مواهب شباب السودان فى شرايين مشروع تعريب السودان الكبير ذو الوجوه المتعددة الطائفية و الاسلامية و القومية, و تأتى "أبادماك" فى نفس الخط بنزعات يسارية لا ترى فى تاريخ السودان فى وادى النيل القديم سوى: " تاريخ يبدو كله دين"! كما صرح "ماركس", لا يستحق فى نظر مؤسسى الجمعية سوى استلاف أسماء الآلهة منه عنوانا لها !
فبقدر حيرتنا فى اختيار اسم من ذاك التاريخ لجمعية ثقافية ليس من أولوياتها و لا ثانوياتها هذا التاريخ, تمتد حيرتنا فى عدم اختيار المعنيين بالجمعية لاسم يتناسب مع انتاجها الذى لا يعبر عن التاريخ المعنى. "فأبادماك" اسم كبير على قدر عظمته تأتى المشاريع الثقافية التى تحمله عنوانا لها, و هذا ان كنا لمسناه على مستوى اسم الجمعية لم نلمسه على مستوى مشروع الجمعية و أهدافه.
" فأبادماك" التى لم تولد و لم يأتى وقتها بعد, لن تقوم دون أن تكون مرجعيتها حضارة السودان "السوداء" فى وادى النيل القديم, القاعدة التى يلتقى عليها كل أهل السودان "السود" بما فيهم العروبيين بأصلهم العرقى فى شخص "اسماعيل" النبى الخلاسى و أمه السيدة "هاجر" الأفريقية "السوداء" – تقرأ فى ثقافة "العربان" "العبدة" "هاجر" !-, و ثقافتهم و لغتهم التى أخذت البحوث مؤخرا تؤكد أصولهما العائدة لحضارة وادى النيل القديم الأفريقية "السوداء".
" أبادماك" التى سنظل نتطلع لها, اذا كان شاغلها - كما جاء فى مقال د. عبد الله على ابراهيم -
Quote: كسر الحائط بين المبدع و الجمهور
, لا ينسرب لها ذلك عن طريق
Quote: مصر الذين نفذ مبدعوها مسرح القهوة و أشياء أخرى
, بل عن طريق فن المسرح السودانى فى وادى النيل القديم, حين كانت تقدم الملاحم المسرحية فى الفضاء المكانى قبل أن يسجنه الأغريق على خشبة المسرح بين الجدران !! .. و عند استلهام أعمال مسرحية من هذا التاريخ حتما لن تكون على شاكلة: " نبتة حبيبتى", التى ما كانت الا ادانة و تبرؤ من هذا التاريخ بزعم الثورة على الدين و الكهنة.
" أبادماك" التى سنظل نتطلع لها, ليس محيط نشاطها حديقة "المقرن" و الجزيرة, " الوسط" العروبى المحظوظ دائما باليسير الذى يجود به أهل السودان, و انما محيطها الأساسى الأقاليم حيث صنوف الابداع لا حصر لها لكل بصير متحرر من غشاوة "العربسلام!", بحيث بعملها الدائم هناك يكتسب وجه "أبادماك" كل ملامح السودان. و الأقاليم, كما هو واضح من مقال د. عبدالله, لم تكن من أولويات "أبادماك" ذات النزعات اليسارية حتى و لو لم يمانع السكرتير العام الأستاذ عبد الخالق محجوب و ادراكه لحاجة الهامش الماسة:
Quote: ولماذا إخترتم الجزيرة. لماذا لم تنجعوا الى الهامش حيث الحاجة ماسة؟ قلت له: يأستاذ ولكن تقريركم الأخير وضع الجزيرة كأسبقية للعمل الثوري لطبيعة جمهورها من المنتجين الصغار وتذبذبهم السياسي. !!

"أبادماك" التى سنظل نتطلع لها, لا تزين نفسها, سعيا لاكتساب الشكل القومى المعبر عن " تنوع" السودان, بفرقة يتيمة من جنوب السودان لا تكاد تصدق نفسها بالسماح لها التنفس عبر عمل ثقافى "شمالى", و أنما لحمتها و سداها تحديدا أقوام السودان غير العربية. "فأبادماك" هى البوق الثقافى لهذه التكوينات, رصيدها و انتاجها الثقافى هو موروث هذه الثقافات, تروج له الجمعية و تمنحه كامل الحرية فى التعبير من خلالها اسهاما منها فى تشكيل ثقافة شعب "أبادماك".
"أبادماك" التى سنظل نتطلع لها, ليس من بين مؤسسيها و الفاعلين فيها من يؤلف كتب فى الفخر بالأنساب من قبيل: "الحصن المنيع الباس فى اتصال ابراهيم جعل بأصله العباس"!, ليتضح لاحقا "فرية" علاقة نسب القبائل السودانية بأصل "العباس". استغرق ذلك أحد "أولاد جعل" – "د. حريز" - وقتا طويلا حتى يتمكن من اكتشاف ذلك و التصريح علنا فى برنامج فى التلفزيون السودانى عقب عودته النهائية من دولة خليجية, بأن ما اعتقدنا أنهم قبائل عربية اسمها "جعل"! و "شايق"! لا وجود لهما على الاطلاق !, و انما هما قبائل "نوبية" تمثلت مظاهر العروبة بشكل أكبر !! .. الأمر الذى عبر عنه "كمال الجزولى" بشكل أكثر دقة حين قال: ( تنتسب غالبية الجماعة المستعربة المسلمة, بثقلها الاقتصادى السياسى و الاجتماعى الثقافى فى بلادنا, الى العنصر النوبى [النوبى لا النوباوى] المنتشر على امتداد الرقعة الجغرافية من أقاصى الشمال الى مثلث الوسط الذهبى "الخرطوم – كوستى – سنار", و هو العنصر الذى ينتمى اليه غالب "الجلابة", أو الطبقات و الشرائح الاجتماعية التى تمكنت, منذ خمسة قرون, من تركيز الجزء الأكبر من الثروة فى أيديها [ساندرا هيل – ضمن ب. ودوارد, 2002 م], و التى تشكل فى رحمها, تاريخيا , التيار [السلطوى] المستعلى على الآخرين فى الوطن بعرق [العرب] و دين و ثقافة [الاسلام], بالاضافة الى اللغة العربية بطبيعة الحال, فعلى الرغم من الأصول النوبية لهذه القوى الاجتماعية, الا أن ثقافتها و الهوية التى تسطبتن الوعى بها ليست نوبية بأى معنى, فهى تقدم نفسها كنموذج [قومى] أو ثقافة [قومية] ترتكز الى اللغة العربية و الثقافة العربية الاسلامية و الدين الاسلامى, فى حين أنها لا تمثل, فى الواقع, نموذجا [قوميا] أو ثقافة [قومية] كلية تعبر عن [مجموع] الثقافات السودانية, أو منظومة [التنوع] السودانى, "بل تعبر فقط عن ادراك و فهم نيلى شمالى لهذه الهوية السودانية الصاعدة" [دورنبوس, فى بارنت وكريم – صمن المصدر] .. ). [مقالات كمال الجزولى فى "الراى العام" تاريخ 10/3/2004 م]
فمن يتصدى لعمل ثقافى يحمل اسم "أبادماك" يجب أن يكون مستوى وعيه بالهوية السودانية أدناه مستوى الوعى الذى ورد عاليه, لا أن يكون أحد المساهمين فى تكريس الانتماء العروبى الاستعلائى المبهم, المقدمين لحجج اتصال "أولاد جعل" بأصل "العباس" للتيار [السلطوى] المستعلى على الآخرين.
و بما أن رواد "أبادماك" كانوا يستبطنون و عى الجماعة العربية المسلمة حسب التحليل أعلاه, و بما أن "أبادماك" لم يكن من أولوياتها تجاوز هذا الوعى القاصر عن هوية السودان, فقد كانت امتدادا لهذا الوعى, و خرجت من جاء يحمل فى ذهنه ما أسماه " د. عبد الله بولا": "مساحة سديم", مازالت تحجب عن المبدع السودانى حقيقة الوعى بذاته حتى يتمكن من انتاج ثقافة أصيلة.
" أبادماك" التى سنظل نتطلع لها, لا يتبناها من يستخف و يعتبر أن الدعوة الى عمل ثقافى يولى اهتماما خاصة لتاريخ أفريقيا "السوداء" فى وادى النيل القديم, مجرد " نكتة قديمة" !! أفريقيا تحت أضواء قديمة
Quote: كانت أستاذتنا لندا ديق تقول لنا ليست هناك نكت جديدة. وما يضحك ما يزال فيها أن هناك من لم يسمعوا بها بعد. وكثيراً ما خطرت لي هذه العبارة حين ينعي علينا الجيل اليساري الحدث والمتصابئة اهمال أفريقيا في نظرنا وممارستنا السياسية. وهذا اللوم من باب الذين جاءوا بآخرة ليضحكوا على نكتة قديمة.
[د. عبد الله على ابراهيم, أفريقيا تحت أضواء قديمة].
" أبادماك" التى سنظل نتطلع لها, لا يتبناها من يتجنب حقيقة أن اسم بلده السودان:
The name of the Sudan has more or less been the same all through history. It has been associated with the colour of blackness (such as Kush, Karma, Ethiopia, a/-Saltana al-Zarqa’ and lastly al-Südan) which was- and is still- the colour of its people, since the early times of the ancient civilizations of the Nile valley up to the present. The same name seems like evolving by translation from language to another in the course of time. This puts Sudan in the heart of African identity which is rightly called the Black Continent. It is to our honour that we are black Africans bearing the stamp of Africa both in our colour and national name. What seems to be difference of colour among us is nothing more than the shades of blackness.[ورقة غير منشورة, للباحث السودانى: "محمد جلال أحمد هاشم"]
فيتملص من انتماء السودان اللونى لأفريقيا "السوداء" بأسلوب أكروباتى :
Quote: ولا زلت أذكر مظاهراتنا ضد اغتيال لوممبا ذات الحدين في1960م: ضد الاستعمار الجديد وضد حكومتنا التي اتهمناها بالضلوع مع المستعمرين. وكانت المظاهرة هي بذرة وعينا الباكرة أن الرك في الانتماء الى أفريقيا ليس على اللون أو الميلاد أو الدس الرخيص، بل في الانتماء الى الحق والعدل والنضال من أجلهما


" أبادماك" التى سنظل نتطلع لها, لا يتبناها من يعتبر أن ترجمة جمال محمد أحمد لكتاب "بازل ديفيدسون" كافية لتجاوز مطلب الالمام بتاريخ السودان فى وادى النيل القديم, بينما مؤلفات العلامة "شيخ أنتا ديوب" الأكثر أهمية, و رهط من أنصار المركزية الأفريقية تواجه فى السودان التجاهل المريب !! .. و انما يتبناها من يعتبر أن من أهم جوانب نشاطها, مشروع ترجمة يستهدف كل ما كتب عن حضارة وادى النيل القديم من وجهة نظر أنها حضارة أفريقية "سوداء", و ترجمة أعمال المبدعين "السود" أينما كانوا فى تواصل حميم مع مبدعى قارتنا الأفريقية "السوداءBlack Mother", القارة التى يعبر السودان عن هويتها اسما و لونا. و يتبناها من يجعل من أولويات نشاطه الثقافى تعديل كفة ميزان الثقافة العربية فى السودان المنحازة الى "البيضان", بالكشف عن ما تحويه هذه الثقافة فى منبعها عن جانب أفريقى "أسود" فصيح اللسان, مثالا على ذلك ما جاء فى كتاب "الجاحظ" و كتابه عن أفضال "السودان على البيضان".
" أبادماك" التى سنظل نتطلع لها, شعارها مقولة العلامة " شيخ أنتا ديوب":
The African who has understood us is the one who, after reading of our works, would have felt a birth in himself, of another person impelled by an historical conscience, a promethean carrier of a new civilization and perfectly aware of what the whole earth owes to his ancestral genius in all the domains of science, culture and religion.
و " أبادماك" التى سنظل نتطلع لها, فى مشهد مشروعها الثقافى الطموح الكبير تسعى للقيام بدور أفريقيا فى مقولة " شيخ أنتا ديوب" الثانية:
We believe that in the long run the special contribution to the world by Africa will be in this field of human relationship. The great powers of the world may have done wonders in giving the world an industrial and military look, but the great gift still has to come from Africa — giving the world a more human face.
و لأن سليل "العباس" ما كان له أن ينتج ثقافة "أبادماك", لم أجد مقولات لسودانيين فى عظمة و بلاغة هاتين المقولتين لأستشهد بهما, فأرض السودان بور من عقول تسطبن فى و عيها حضارة السودان "السوداء" فى وادى النيل القديم, الا من أسماء آلهة له توشح بها – للتضليل !- مشاريعها الثقافية العروبية !!

Post: #47
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: bayan
Date: 03-19-2004, 04:25 PM
Parent: #45

Quote: الاله اباداماك او ابيداماك

يرى زبكر ى اثار معبد الاسد فى المصورات الصفراء اقدم آثار مصورة للاله المروى الذى رمز له بشكل الاسد وعرف فيما بعد بالاسم ابيدماك
ومن التقارب فى الشكل الكبير فى الشكل والزى بين هذا الاله والاله مخوس خلص زبكر الى ان الفنان المروى تاثر كثيرا عند صياغته لشكل
الهه المعبود ابيدماك بشكل الاله المصرى مخوس ولا اعتراض على ما ذهب اليه زبكر خاصة ان فترة القرن الثالث قبل الميلاد وهى فترة بناء معبد الاسد فى المصورات قد شهدت تداخلا حضاريا بين مروى ومصر البطلمية
ولكن مهما يكن من امر التأثير المصرى فى صياغة الشكل او الاشكال التى جسد فيها الاله ابيدماك فاننا نرى ان تاليه الاسد فى مروى نابع من وحى البيئة المروية حيث ظلت الاسود تجوب بقلع الاقاليم القريبة من عاصمة المملكة القديمة حتىالقرن الماضى ومن ناحية اخرى فان فى حمل هذا الاله لاسم محلى خالص تاكيد على انه كان واحدا من الالهة التى ابتدعها المرويون
اعظم اثار الاله ابيدماك التبقية معبدان احدهم معبد المصورات المشار اليه ويؤرخ له بالقرن الثالث قبل الميلاد وثانيهما معبده فى النقعة يورح له ببداية القرن الميلادى*

هذا النقل تم بناء على طلب احد الاخوة الى اراد لن يعرف من هو هذا الاله
ارى هناك اختلاف فى رسم الكلمة
بينما كتبها المتداخلون بابادماك كتبها عمر حاج الزاكى ابيدماك

للاستزادة راجع

صفحة 133 من كتاب الاله امون فى مملكة مروى 750 ق.م 350م
تاليف عمر حاج الزاكى
مطبوعات كلية الدراسات العليا
بحث رقم 5
جامعة الخرطوم
الطبعة الاولى 1983

Post: #46
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: الجندرية
Date: 03-19-2004, 03:22 PM
Parent: #1

ما تطولوا الغيبة
في رجاكم

Post: #48
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: Dr.Elnour Hamad
Date: 03-19-2004, 06:20 PM
Parent: #46

لا أذكر بالضبط السبب الذي جعلنا نذهب إلى كوستي. كما أنني نسيت حتى الوسيلة التي أخذتنا إلى كوستي. ولم أعد أذكر ما إذا كانت بصا، أو قطارا. ولكن، يبدو لي أن أحد الأسباب التي جعلتنا نذهب إلى منطقة كوستي، هو زواج أستاذنا السر مكي أبوزيد، من الأستاذة قمر. والأستاذة قمر من أهالي الجزيرة أبا، وهي معلمة بالمرحلة الثانوية. وقد أصر طلائع الهدهد، وأعني هنا الموسيقيين منهم، على وجه الخصوص، على مشاركة أستاذنا السر مكي، والأستاذة قمر، فرحتهما. ويبدو لي أننا قصدنا كوستي باديء الأمر، وعسكرنا في المدرسة الأميرية الوسطى، الواقعة بين بيوت السكة الحديد، وحي النصر. وبعد يوم أو يومين عبرنا النيل الأبيض بالبنطون من كوستي متوجهين إلى الجزيرة أبا لحضور حفل العرس. وقد لفتت نظرنا المسافة الطويلة التي يقطعها البنطون فوق مياه النيل الأبيض. كما لفت نظرنا تباعد الشطين عن بعضهما بعضا في تلك المنطقة. دخلنا الجزيرة أبا من جهة طيبة، ولم يكن قد مر على الأحداث الدامية، التي جرت فيها، سوى بضعة شهور، وجدناها غارقة في سحابة من الحزن، ومن الصمت الحذر. وسمعنا ممن كانوا في سننا، ممن جمعتنا بهم، مناسبة الزواج، من من طلاب الثانويات، من أبناء الجزيرة أبا، قصصا مختلفة، عن معركة الجزيرة أبا. وعن زيارة أبو الدهب الأولى للإمام الهادي، وما تعرض له من إهانة من قبل بعض الأنصار، ثم قصص المدفعية التي نصبت في جهة قرية الطويلة، الضفة الغربية للنيل الأبيض. ثم طلعات طائرات الميج فوق سماء الجزيرة، ومعركة الجاسر، وحريق محلج ربك، ثم دانة المدفع التي سقطت بالقرب من منطقة النقل النهري، والسكة حديد في كوستي. كانت الأحداث حارة في الأذهان، وكان الناس يجدون متعة في روايتها، والتفنن في ذلك، خاصة الشباب ممن كانوا لا يزالون، مثلنا، دون العشرين من العمر.

كما قص علينا أولئك الشبان حالة الجزيرة أبا قبل اجتياحها من قبل حكومة نميري. وأذكر مما ذكروا لنا، أن أنه لم يكن من الممكن للشخص أن يشق شوارع الجزيرة أبا، وهو يحمل سيجارة في يده. وأن (الصعوت)، على شيوع استخدامه، في كل أرجاء السودان، لم يكن يباع في الجزيرة أبا، إلا في الخفاء. وقد تملكتنا دهشة شديدة عند سماع تلك القصص. وإلى اليوم لا أدرى، على وجه التحقيق، صحة تلك الروايات من عدمها. وقد ذهبنا إلى سرايا الإمام الهادي التي أضحت مهجورة، ورأينا حالة الخراب التي لحقت بها. تجولنا في غرفها الكثيرة، ورأينا آثار قصف طائرات الميج والثقوب الكبيرة التي أحدثتها القنابل في السقوف الخرسانية. وقد اتسمت نظرات الناس نحونا، ونحن نتجول في أرجاء الجزيرة أبا، بعداء ظاهر، مكبوت. ولعلنا كنا أكبر مجموعة من حديثي السن تتجول بالبنطلونات جهرة، في شوارع الجزيرة أبا، منذ أن قامت الجزيرة أبا. ومع ذلك، فقد عزفنا وغنينا داخل بيت العرس الذي جئنا من أجله، ولكن لجمهور محدود جدا.

كان للدعاية الحكومية، من أجهزة الإعلام المختلفة، مما صاحب معارك الجزيرة أبا، تأثيرها الشديد علينا. فقد كنا مشحونين ضد زعماء الطوائف، بما روجت له وسائل الإعلام الحكومية في أيام النزاع المسلح، وبعد أن قتل الإمام الهادي، واستسلمت الجزيرة أبا. كما كنا مشحونين أيضا بقراءاتنا في تاريخ الثورات، ومنعطفات التحول في حياة الأمم، وغير ذلك من وثوقيات الحتميات التاريخية. وكنا نظن أن مايو ثورة، وسوف تفتح المجال لعصر الجماهير، ولإنطلاقة تنموية تقلب اليباب خضرة، وتزرع فيافي الريف بالمصانع. وكنا نظن أنها بداية لثورة لا تنتكس، وأنها ثورة، مؤمنة بما تذيع على الناس، وواعية تماما، بالشعارات اليسارية التي رفعتها. وما يد في الأخلاد، أنه في عام واحد من اقتحام الجزيرة أبا، الذي احتفلت به قبائل اليسار، سوف تنقلب مايو على حلفائها، وتأكلهم، ثم تنقض بعد ذلك، غزلها أنكاثا، وتعود في نهاية الأمر، أسوأ من أي قبضة طائفية كان الناس يخشونها، ويحاولون تجنبها.

في تقديري أن أحداث الجزيرة أبا لا تزال ملفوفة في كثير من الضباب. وتحتاج إلى بحث هاديء، محايد، يخرجها من قبضة التأطير السردي، الذي عادة ما يلتف حول كثير من الحقائق المهمة، من أجل أن يخرج بقصة، مفبركة، متماسكة، تبرر كل الذي حدث، وفق خط أحادي، يسير في شكل مستقيم من البداية إلى النهاية. كما نحن بحاجة إلى أعادة النظر، نقديا، في طفولة اليسار آنذاك، وتأثيرات النزعات الراديكالية المتطرفة على بعض منظريه، وكثير من جمهوره، وتأثير ذلك على مجريات الأحداث السياسية التي تسارع إيقاعها في فترة 1969-1971. كما نحن بحاجة إلى فحص سيطرة الحلم الرومانسي الثوري، عل بعض فصائل اليسار، إلى جانب فحص العقائدية الضيقة الجامدة، التي ترى أن طريق الثورة طريق معد سلفايسير في خطوات متتابعة، شأنه شأن اي عملية كيميائية أو فيزيائية.

ومن الجانب الآخر، فهناك حاجة إلى إعادة فحص دور الإخوان المسلمين في أحداث الجزيرة أبا من منظور، غير المنظور الحزبي الذي رووها به هم. خاصة دور الذين انضموا منهم إلى الإمام الهادي في الجزيرة أبا، من أمثال المرحوم، محمد صالح عمر. نحتاج أن نعرف دورهم في تعجيل المواجهة بين الإمام الهادي المهدي، والسلطة، إن كان لهم دور في ذلك، فعلا. كما يجب فحص دور الشريف حسين الهندي، وفق نفس المنظور. وهناك شهادة مبتسرة، ولكنها مهمة، وردت على لسان المهندس مرتضى أحمد إبراهيم، عن أحداث ابا، ضمنها في كتابه، (الوزير الثائر)، الصادر عن مركز الدراسات السودانية.

عدنا بعد زيارة الجزيرة أبا، إلى كوستي، حيث اقمنا برنامجنا المعتاد على مسرح المدرسة الأميرية. وقد حضر جمهور غفير لذلك العرض. واذكر أننا قمنا بزيارة دار فناني كوستي، فاستقبلونا استقبالا حسنا، وأسمعونا فرقتهم وهي تعزف. وقد لفت نظرنا العازف حمودة عبد الباقي، الذي لم يكن قد ذهب إلى الخرطوم بعد. وقد كان متمكنا جدا ، من آلة الأكورديون. (أصبح حمودة فيما بعد، من أشهر عازفي الأكورديون في التلفزيون السوداني). ودعانا فنانو كوستي لحضور حفل عرس بحي النصر، في اليوم التالي، كان عليهم إحياؤه، فذهبنا، وشاركناهم بالعزف والغناء. ومن الزيارات التي قمنا بها في كوستي، زيارة الشاعر المعروف، عبدالله شابو في منزله بحي النصر. وقد كنا نقرأ أشعاره، في الصحف السودانية، والمجلات، وكانت تجربة مؤثرة أن نراه عيانا بيانا، في عقر دراه. وأذكر أن الأستاذ عبد الله جلاب، قد كان موجودا في تلك الزيارة، وقد بدا أن له علاقة صداقة وطيدة بعبدالله شابو.

كانت تلك آخر رحلات طلائع الهدهد على ما أذكر. ففي مارس 1970 جلس الأفراد المؤسسون لطلائع الهدهد، والذين مثلوا مركز الدفع فيها لإمتحان الشهادة السودانية. وتفرقت بهم، من ثم، السبل. نجح بعضهم في دخول الجامعات والمعاهد العليا، وابتعلت الأكثرية منهم، المهن المختلفة. وكانت كبراها، مهنة التدريس في قرى ريف الجزيرة، وغير ريف الجزيرة. وبعد شهور قليلة أخذ الشرخ بين مجلس قيادة الثورة، والحزب الشيوعي السوداني، في الإتساع، وتداعت الأحداث التي جرى انتهت بإنقلاب هاشم العطا، في يوليو 1971. جرى إعدام قيادات الشيوعيين، وأودع كثيرون منهم السجون. وأصبح اليسار مطاردا، وانقضت حقبة المسحة اليسارية لمايو، وبدأت تجربة نقل نموذج الإتحاد الإشتراكي المصري.

حين أعود سوف أحكي عن أمتدادت تجربة، طلائع الهدهد التي لازمتني بعد أن التحقت بكلية الفنون في سبتمبر 1970 . وعن المشهد الثقافي العام في العاصمة، والأمسية التي حضرتها في دار الثقافة إبان زيارة ميكس ثيودوراكس للخرطوم في الفترة التي شهدت عرض فيلم (زد). وقد تمت دعوة ثيودوراكس لكونه الذي قام بوضع الموسيقى التصويرية لفيلم زد. وقبل ذلك، فقد كان هو الذي وضع موسيقى فيلم (زوربا).

Post: #49
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: Hussein Mallasi
Date: 03-19-2004, 10:13 PM
Parent: #48

كلما تذكر ابادماك أتذكر كشك ابادماك للجرايد ذلك الذي كان يقع في طرف المجلس ببحري أمام مواصلات شمبات لصديقنا النور إبراهيم "غزالة" و الذي أزيل من موقعه هو و كشك الملتقى الفكري من أمام سينما الوطنية ببحري لاخونا احمد عوض السيد و إخوانه في إحدى عنتريات تجميل العاصمة.

لطالما استغربت الاسم يومها – في النصف الأول من سنوات السبعين – و عندما أتقنت نطق الاسم سألت فعرفت انه كان تجمعا للمبدعين التقدميين و لم أجد مزيدا من التفصيل.... و لعلها سانحة لنعرف المزيد عن ذلك التجمع و تأثيره في الجو الثقافي العام الذي كان سائدا يوم ذاك.

و لعل الفرصة الأطيب هنا أن يطل علينا د. عبد الله علي إبراهيم و الذي انتقلت إليه محبتنا وتقديرنا من الوالد رحمه الله و الذي كان كلما ذكر اسم عبد الله على إبراهيم كلما اثنى عليه و ذكره بكثير من التقدير و الاحترام.

لفتت نظري عبارة د. النور حمد :
Quote: ولذلك فيمكن القول أن قوى اليسار وسط المعلمين هي التي كانت مرتبطة بحركة التجديد، في الفكر، والأدب والثقافة، وكانت بذلك حاملة شعلة التجديد، والتحديث، بلا منازع.

فتبادر لذهني هل البيضة من الدجاجة أم الدجاجة من البيضة بمعنى هل يتم استقطاب المبدعين عموما بواسطة قوى اليسار أم إن هؤلاء المبدعين يجدون أنفسهم اقرب فكريا لليسار فيسعون إليه ....
و لعل كلا الافتراضين صحيح.

و التحية موصولة لكل المشاركين في هذا البوست

Post: #50
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: Dr.Elnour Hamad
Date: 03-20-2004, 01:43 AM
Parent: #49

العزير ملاسي
لك من الشكر أجزله

لقد لمست أمرا، مررت عليه انا مرورا عابرا، بسبب حرصي على حصر نفسي في مجال التوثيق، ما امكن. ولكنه موضوع يستحق بوستا منفصلا. أعني، موضوع الإبداع السوداني، خاصة في حقبة ما بعد الإستقلال، وإسهام قوى اليسار بالقدر الأكبر فيه. ولا شك أن الإبداع مرتبط بالحرية. أعني حرية أن يفكر المرء، وان يكسر القيود المكبلة لحركة الفكر. وهذه ميزة لم تتوفر لقوى اليمين بحكم عقائدها الموروثة، المتشككة في صنوف الإبداع، وربما إيمانها أن للإبداع جانبا، لا يقره الدين، أو ان للإبداع جانبا (لا أخلاقيا). لقد كانت بعض قيادات الإخوان المسلمين في جامعة الخرطوم، ترفض التصوير، حتى الستينات، بحجة أن الإسلام لا يقر التصوير!! وقس على ذلك. وقد قام الكاروري، وهو احد قيادات الإخوان المسلمين، في الستينات بمعارضة حق المرأة في الإنتخاب، وقال إن المرأة قارورة، ولو تعرضت للإحتكاكات إنكسرت. ويمكن القول، وبإطمئنان شديد، أن حركة الإخوان المسلمين في السودان، قد تعلمت كثيرا من قوى اليسار، حتى أصبحت تجاري قوى اليسار في الإحتفاء بالفنون والآداب. وقد كان اتحاد الدباء السودانيين، هو (المسجد الضرار) الذي وقف خلف بنائه اليمين. غير أن كل ذوي المواهب الكبيرة، والإنتاج المتميز، بقوا في أتحاد الكتاب السودانيين، الذي هو أحد امتدادات ابادماك.

لو رجعنا إلى العشرينات، والثلاثينات، وأخذنا منها معاوية نور، والتجاني يوسف بشير، وحمزة الملك طمبل، ومحمد عشري الصديق، فإنه لا يمكننا أن نضعهم إلا في خانة اليسار. وحين نتقدم صوب الأربعينات، والخمسينات، والستينات، فإن صوت اليسار يعلو أكثر، وسيطرته على كل أقاليم الثقافة المدينية الحديثة، تتضح أكثر. فجيل تاج السر الحسن، وجيلي عبد الرحمن، وصلاح احمد إبراهيم، ومحمد المهدي مجذوب، ومنير صالح عبد القادر، قد مثل الرعيل الأول من أدباء الفضاء اليساري المعروفين، والمتميزين. والطيب صالح الذي ينتمي إلى جيل جيلي عبد الرحمن، وتاج السر الحسن، ومبارك حسن خليفة، يمكن أن يصنف هو الآخر، في خانة اليسار ايضا. وما تلا أولئك من أجيال
علي المك، ومحمد المكي إبراهيم، والنور عثمان ابكر، وعبد الله شابو، وعبد الهادي الصديق، وعبد القدوس الخاتم، وعبد الله جلاب كانت أجيالا يسارية ايضا. ومحمد عبد الحي، يمكن أن يتم تصنيفه في خانة اليسار، أيضا، رغم ابتعاده عن أبادماك. ثم الأجيال التي تلت، كبشرى الفاضل، وإلياس فتح الرحمن، ومبارك بشير، وكثيرون غيرهم مما لا يتسع المجال لذكرهم. واتمنى أن تعطي الدكتور بيان، بوصفها باحثة في هذا المجال، هذا الموضوع بعضا من عنايتها.

وينطبق ذلك على الشعر الغنائي، وعلى المسرح، والتشكيل، وسائر ضروب الفنون الأخرى. فمغنون من عيار وردي، وأبو عركي، ومحمد الأمين، ومصطفى سيد احمد، والموصلي، وكثيرون غيرهم، يمثلون دليلا ساطعا على عطاء اليسار المتميز، في ساحة الغناء. وفي الشعر الغنائي، فإن عمر الدوش، وكامل عبد الماجد، وعثمان خالد، ومحجوب شريف، يدللون على ذات الشي، أيضا. ولو قمنا بإحصائية شاملة للمبدعين المنتمين صراحة، أو ضمنا، لليسار، فإن المحصلة سوف تكون بلا شك، مذهلة، ولن يكون هناك مجال لمقارنتها من حيث الكم، ولا من حيث الكيف، بالأصوات التي تبنتها حركة الإخوان المسلمين، حين أحست بأهمية ذلك التبني، في وقت متأخر، جدا.

لا أعتقد ان اليسار يجند المبدعين، فاليسار لم تكن لديه أموال أو وظائف، يغدقها على المبدعين، وإنما نزوع اليسار نحو الحرية، والتحديث، وارتباط اليسار في عمومه، بأحلام الجماهير، هو الذي كان يسوق المبدعين إلى ساحاته. الشاهد، أن اليمين ممثلا في مايو، في حقبتها (الإسلاموية) الأخيرة، ثم الإخوان المسلمين، قبل أن يصلوا إلى السلطة، وبعد أن وصلوا إليها، قد أخذا في استخدام الوظيفة، والمال، والتسهيلات من حيث هي، في جر بعض المبدعين إلى جانبهم، وجعلهم جزءا من بوقهم الإعلامي. غير أنهم، لم يفلحوإلا في جر القليلين. وفي تقديري، ان حركة الإخوان المسلمين في السودان، لا مناص لها من أن تعتدل وتعتنق ما ظل اليسار يعتنقه، على الأقل في الإحتفاء بالفن، وبالأدب، وفي عدم التضييق على الإبداع، والمبدعين. وقد تعلم اليسار هو الآخر، كثيرا في العقود الثلاث الأخيرة. وذلك حين تحرر، من بقايا الستالينية، وموجهات الواقعية الإشتراكية.




Post: #51
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: bayan
Date: 03-20-2004, 05:44 AM
Parent: #50

شكرا استاذى العظيم
Quote: علي المك، ومحمد المكي إبراهيم، والنور عثمان ابكر، وعبد الله شابو، وعبد الهادي الصديق، وعبد القدوس الخاتم، وعبد الله جلاب كانت أجيالا يسارية ايضا. ومحمد عبد الحي، يمكن أن يتم تصنيفه في خانة اليسار، أيضا، رغم ابتعاده عن أبادماك. ثم الأجيال التي تلت، كبشرى الفاضل، وإلياس فتح الرحمن، ومبارك بشير، وكثيرون غيرهم مما لا يتسع المجال لذكرهم. واتمنى أن تعطي الدكتور بيان، بوصفها باحثة في هذا المجال، هذا الموضوع بعضا من عنايتها.


لقد لعب اليسار دورا عظيما فى اثراء الثقافة السودانية لا ينكره الا مخاتل.. تواجهنى كباحثة مشاكل فى تصنيف الادباء السودانين الى اتجاهات
فكرية اذ انهم دائما ينكرون الانتماءات القديمة...
كنت اظن ان محمدالمكى ابرهيم يساريا ولكن اخبرنى انه لم يكن يساريا او شيوعيا فى حياته
I am not,never have been "Yasari" which is shorthand for communist..

لكن ان عبدالحى عندما قابلته كان شيوعيا سابقا محمد عبدالحى نفسه ينكر تماما انه كان يساريا من قبل السيدة الفاضلة عائشة موسى امنت على انه لم يكن يساريا قط..النور عثمان قيل لى انه كان وجوديا ولكن قيل لي هذه المعلومة غير صحيحة.. ارسلت له بحثى شكرنى عليه لم يعقب سلبا او ايجابا..
فهذه فعلا مشكلة تواجهنى فى تميز من مع من..
ولكن سعيدة انكم لم تتنصلوا عن الانتماءات القديمة وساقوم بحفظ هذا البوست للتأريخ.. الله عالم ماذا يحدث بعد 30 عاما

والد الاخ حسين ملاسى المرحوم الاستاذ ابراهيم حسين ملاسى كان قد اخرج اول فلما روائيا سودانيا اسمه
امال واحلام فى نهاية الستنيات وكان مهتما بالادب والفنون
فهل كان يساريا؟
قد تجد عدد كبير من الناس يظنون انه يساريا لانه كان بتحرك فى اوساطهم.. لانهم فى ذلك الوقت هم وحدهم الذين يهتمون بالثقافة
والادب والفنون
هذه النقطة تقودنا الى انه فى كثير من الاحيان يتبنى لن استخدم
كلمة( يكاوش )اليسار بعض الناس فيحسبون على اليسار
لقد ادرجت مثلا المرحوم مصطفى سيد احمد الذى عندما كان طالبا
كان مع المستقلين وهو كان طالبا منتدبا اى كبيرا فى السن..
ولكن الان يعد من المغنين اليسارين..
فهل تبينت صعوبة ان تكون باحثا فى الثقافة السودانية
شهادات الاصدقاء تتعارض مع شهادات الشخص المعنى
شهاداتى انا تتعراض مع شهادات الاصدقاء
مثالا
فى حالة مصطفى الذى لدى شرف مزاملته لمدة 3 سنوات

والسؤال الموجه لحسين
هل كان والدك يساريا؟
حتى نعرف كيف يشهد الابن لابيه..
اسعدنى ما قاله عبدالله على ابراهيم انه فخور بأنتمائه لأبادامك
وشكرا لكم جميع لم احس بمثل هذه السعادة من فترة طويلة
كلى ترقب للمزيد

Post: #52
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: nassar elhaj
Date: 03-20-2004, 11:00 AM
Parent: #51

رائع وبديع هذا التوثيق والاضاءات التي حققها هذا البوست،
وبالطبع الشكر الكثير للمبدع صلاح يوسف،
لما قدمه من علامات هامة وضرورية تتعلق بأبادماك
وكل المشاركات كانت ذات أبعاد ومحتويات كلها
تصب في ضرورة مساءلة تجاربنا أيا كانت طبيعتها ،
والتعامل معها بحالة من الرؤيا التي تفيد في أي تجارب
لاحقة او مواصلة وانبعاث تجارب سابقة
وفق ملامح تسمح لها بانجاز اضافتها .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


وهنا اضيف مساهمة البروفيسور مختار عجوبة، حينما سألناه
في حوار أجريناه معه ( نصار الحاج – عبدالمنعم حسن – عبدالفتاح عبدالسلام ) ضمن حوار طويل، تم قبل عامين تقريبا وللاسف
حتى الان لم ينشر، سالناه عن " أبادماك الرؤية الإبداعية
والموقف السياسي ؟ " فكانت افادة مختار عجوبة عن سؤالنا،
كالتالي :


أبادماك ، الرؤية الابداعية والموقف السياسي ؟
أول اجتماع لتكوين جماعة أبادماك كان بدار اتحاد المعلمين بالمقرن . وقد ترأس الاجتماع الأستاذ أحمد عبدالحليم وسعاد ابراهيم أحمد . ويقال ان أبادماك ، أحد آلهة السودانيين القدماء ، جمع الحكمة فادعي وهو اله الالهام أيضا ، لذلك اتخذت منه جماعة مبدعين من أهل اليسار في الغالب رمزا لهم ، وكنا منهم ، حرصنا علي أن يكون الابداع ديدننا ، ومع هبة مايو الأولي تداعينا – وان كان لكثيرين منا قدرا متفاوتا من الاستقلالية ، كنا خالد المبارك وعبدالله علي ابراهيم وأنا – أكبر الجماعة سنا وفي مرحلة لاحقة ربما لحق بنا النور عثمان أبكر و محمد المكي ابراهيم ، وقد رفض محمد عبدالحي الالتحاق بالجماعة ولم يخاصمها وقد حضر بعض منتدياتها .
بقدرة قادر منحت حكومة نميري "دار الثقافة" لجماعة أبادماك ربما لمساندة سيياسية ظاهرة أو خفية ، وفي دار الثاقة أقمنا ليال شعرية ، وكان نجمها شاعرنا عبدالله جلاب وعلي عبدالقيوم ومبارك بشير ومحمد تاج السر وسبدرات وحدربي وصلاح قوله وغيرهم كثيرون ربما كان عمر الدوش منهم ، وأقمنا معارض لعبدالله بولا وللعطا ، وليالي قراءات قصصية وفنون تشكيلية ، ومسرحية كان من المساهين فيها شبان وشابات منهن سلمي بابكر وفاطمة بابكر و بنات العاقب وغيرهن ، ومن الشباب المسرحيين أذكر يوسف خليل وجعفر النصيري ومن القصصيين عمر الحويج وصلاح يوسف و من الصحفيين طلحة الشفيع و من النقاد محمد المهدي بشري وعبدالهادي الصديق وسامي سالم - كنا جماعة متفائلة ، أقمنا معا معارض بمدني وليالي أدبية بالمدارس والساحات ، واتخذنا من قرية "بورتبيل" قرية نموذجية لمواصلة أنشطتنا التي لم تستمر علنية أكثر من ثلاث سنوات بعدها توقفت الجمعية أو الجماعة تماما ، وكانت ليلة من أعظم الليالي أقمناها بطيبة الشيخ عبدالباقي ، ويبدو أن الشيخ قد بارك تلك الليلة فقد كانت "القبة" تردد صدي شعر علي عبدالقيوم الذي تألق في تلك الليلة .
لا أدري ان كان احتلالنا لدار الثقافة نعمة أم نقمة علينا ، فقد كانت الدار في ذلك الوقت وقفا علي كبار الأفندية المتفرنجين ، والذين يكثرون فيها التحدث بالانجليزية أكثر من تحدثهم بالعربية حفاظا علي ارث توارثوه من الدار التي كان يرتادها الاداريون البريطانيون . كان وضعنا في تلك الدار غريبا عليهم فأبدوا قدرا من التذمر والاشمئزاز ، خاصة وأنه كان في سلوك بعضنا قدرا من الاستفزاز لمن يكبروننا سنا ومكانة من مدخني الغليونات في ذلك الزمان ، وآخر صورة شاهدتها لمثقف سوداني يدخن الغليون كانت لعلي شمو في احدي اجتماعات ثورة الانقاذ أو مؤتمراتها .
الغليون كان سمة حضارية تدل علي عمق ثقافة صاحبه وريما اغترابه ، و لا أدري الآن هل يوجد بين اداريي الانقاذ من يدخنون الغليون ، وفي قرانا في ذلك الزمان من اشتهروا بتدخين الغليون ، فقد عملوا هم أيضا مع الانجليز .
وعلي كل حال أبادماك كانت مدرسة ، خرجت كثيرا من المبدعين ، ومنظروها وهما عبدالله علي ابراهيم وعبداله جلاب خير من يمكن أن يحدثوكم عنها ، وأذكر أن الأخ سامي سالم قد كتب شيئا في ذكرها في مرثياته للشاعر عمر الدوش ، ويبدو أن هناك لفيفا من أدبائها كانوا يعيشون حياتها الصادقة الأبهة الي قيام ثورة الانقاذ ، التي صادرت من اتحاد الأدباء مقره المعروف بالمقرن وحولته الي وكر لاتحاد الطلاب السودانيين الذي سُرق اسمه منذ عهد نميري ، ولم يجد أعضاء الاتحاد بدا من الهجرة وان هادن بعضهم الانقاذ في البداية ومنهم من لحق بها التحاقا نهائيا كالشاعر مصطفي سند ، بينما مات غيره في المنافي مثل أديبنا وكاتب القصة علي المك ، أما الآخر صلاح أحمد ابراهيم فله قصة أخري يطول شرحها – رحمة الله علينا وعليهم أجمعين.


Post: #53
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: Dr.Elnour Hamad
Date: 03-20-2004, 11:08 AM
Parent: #51

الدكتورة بيان
التحية والإحترام

شكرا على المداخلة التي فتحت أبوابا جديدة. فمداخلتك قد طرحت أمرا ضروريا، لا معدى عنه، وهو تعريف اليسار، في المقام الأول. ولربما لا تخلو الوجهة التي أرمي إليها، من شيء من الشطط، وربما شيء من الشطح، في نظر البعض. فمحاولتي لدفع الضفتين، إلى مناطق أبعد كثيرا، من عرض المجرى القديم، الذي كان يجري فيه النهر المسمى اليسار السوداني، ربما لا تجد كثيرا من الإستساغة. وقد يرى البعض، أن هذه الوجهة، ربما جعلت من مفهوم اليسار، مفهوما هلاميا، غير واضح المعالم. فالتعريف الذي أسعى لتطويره، أو قولي، لتمديده لمفهوم اليسار، ربما جعل البعض يرونه قد أصبح فضاء بالغ الإتساع، ولربما وصل إلى درجة أن يسع الجميع، بلا استثناء!! غير أن الأمر، فيما أرى، بخلاف ذلك.

مشكلة التخوف من الوصف باليسارية، لها مسبباتها في أطار فهمنا، وتحفظاتنا، على حركة اليسار السوداني، التي كان رأس السهم الفاعل فيها، الحزب الشيوعي السوداني. فاليسار عندنا في السودان، قد جرى فهمه، بوصفه أقمارا لا تملك فكاكا من الدوران في فلك شمس الحزب الشيوعي السوداني. وربما كان ذلك صحيحا في حقبة معينة. ولعل هذا هو الذي قاد إلى إعلانات التنصل من قبل بعض المبدعين، من صفة اليسارية، مما تفضلت أنت بالإشارة إليه. الشاهد أن اليسار إطار فضفاض. وأهم من ذلك، فإن مفهوم اليسار نفسه، مفهوم متحرك، ومتغير. وقد تغير بالفعل، كثيرا، في العقدين الأخيرين.

اليسار كيان موجود، وفاعل، في الديمقراطيات الغربية. بل وفي أميركا، نفسها، التي تمثل أكثر الديمقراطيات الغربية محافظة، وأكثرها مغالاة في النهج الراسمالي. وكما أشرت في واحدة من مداخلاتي السابقة، في هذا البوست، فقد تحولت الأحزاب الشيوعية الأوروبية عن نهج الماركسية اللينينية، منذ حقبة الستينات. كما حدث أن تباعدت الرؤى، قليلا، قليلا، بين الحركة الشيوعية العالمية، التي كانت تجد رعايتها من الحزب الشيوعي السوفيتي، قبل التفكيك، وبين حركة اليسار العالمية، في كثير من مجرياتها. خاصة بعد أن أخذ التاثر بنهج الإشتراكيين الديمقراطيين، في أوروبا، يستولي على اهتمام أصحاب التوجهات الإشتراكية، ممن خبروا إشكالات اللينينية، والستالينية، من واقع التجارب العملية.

في الممارسة الغربية للنهج الديمقراطي، وأخص هنا، النموذج الأمريكي، حيث لا يوجد حزب شيوعي، معترف به قانونا، يتم التفريق بين قوى اليمين، وقوى اليسار، على أساس أن قوى اليسار تسعى لتدخل الدولة، في كثير من الشؤون. وتحس بضرورة تقييد يد الرأسمال بالإجراءات القانونية التي تحقظ حقوق عامة الناس. ومن ذلك، على سبيل المثال، تنظيم شؤون التأمين الصحي، وتوسيع مظلة التأمين الصحي، وعدم ترك أمر الصحة في يد القطاع الخاص كما هو الحال الآن. وهذا مثال واحد فقط، وفس على ذلك. ولقد أوردت مثال الصحة، لأن خصخصة الخدمات الصحية، قد أصبحت تمسنا الآن في السودان. فقد أصبح المواطن، تحت حكم الجبهة الراهن، مسؤولا من علاج نفسه، قدر على ذلك، أم لم يقدر. ولذلك فقد تطورت المستشقيات الخاصة، على حساب المستشفيات العامة، والمدارس الخاصة، على حساب المدارس العامة، وقس على ذلك. اليمين في أمريكا، وفي نسخته السودانية، يرى أن تترك الأمور للراسمال، ولقانون العرض والطلب، ولذلك فالخدمات الصحية، تترك لقانون العرض والطلب، بوصفها سلعة خدمية مثل سائر السلع، كالكهرباء، والتلفونات، والمياه!

ليس شرطا لازماأن يكون المرء شيوعيا، لكي تكون يساريا. وفي حالتي، مثلا، فأنا جمهوري، والفكرة الجمهورية، كما هو معروف، فكرة متجذرة في تاريخ الأديان الكتابية، ومع ذلك، أصنف نفسي في خانة اليسار. وغارودي ممن يرون أن الأديان في أصلها ذات توجه يساري، ولكن التابعين حرفوا جوهر رسالتها، واتجهوا بها يمينا. وقد انطبق ذلك على تعاليم المسيحية، وعلى تعاليم الإسلام (كتاب نحو حرب دينية، ترجمة صياح الجهيم). والقول بترك السوق ينظم نفسه بنفسه، وان مصالح الناس سوف تُخدم تلقائيا، حين تخدم الدولة الرأسمال، برفع كل القيود عنه، نهج إتضح خطأه، بما لايدع مجالا للشك. يقول الجمهوريون الأمريكيون، الذين يمثلون الوعاء التنظيمي، لقوى اليمين. أن تقليل الضرائب على الرأسماليين، يجعل اعمالهم تزدهر، ومن ثم يصبحون أكثر قدرة على خلق وظائف جديدة. النتيجة العملية، لهذا النهج، والتي يناقشها المجتمع الأمريكي الآن، وأصبحت واحدة من أهم قضايا الإنتخابات المقبلة، هي أن الرأسماليين قد صدروا الوظائف الأمريكية إلى خارج الحدود، حيث العمالة الرخيصة، وتركوا أمريكا بلا وظائف.

حركة الخضر مثلا، ليست حركة شيوعية، ولكنها حركة يسارية. الشاهد أن تيارات ما بعد الحداثة، وهي تنقد فكر حقبة الحداثة، وثنائياته الكثيرة، قد جمعت توجهات كثيرة، كانت فيما مضى مختلفة، ووضعتها كلها في خانة، لا يصلح في تسميتها شيء غير مصطلح، (يسار). والذي يجمع بينها في تلك الخانة، إنما هو الرؤى المتعلقة بإدارة شؤؤون الناس، والموقف من الإحتكارات، ومن الملاك، واصحاب العمل، ومما يسمى بالعولمة، ايضا. فاليسار الجديد، الخارج من مطبات التجربة الشيوعية، مافا إليه بقايا الحزاب الشيوعية، وقوى لاهوت التحرر المسيحية، في أمريكا الاتينية، وجماعات البيئة، وجماعات الخضر، وجهات أخرى كثيرة، ضاقت بسلطة الرأسمال، وسيطرته، وتكديسه للثروة والسلطة قي أيدي قلة قليلة، وسعت من ماعون اليسار، وجرته إلى الإعتدال، بعد أن ألقت فيه بكل التوجهات ذات النزعة الإنسانية، المتعاطفة مع المظلومين، والمهمشين، بسبب اللون، أو الطبقة، أو العرق، أو الدين، أو الثقافة، او الجندر.

وفي الحالة السودانية، فإن حكومة الجبهة الراهنة، تمثل بؤرة التوجه اليميني في ألوان الطيف السياسي السوداني. فنظام الإنقاذ السودان، من حيث المغالاة في النهج الرأسمالي، قد أصبح كاثوليكيا، أكثر من البابا نفسه. فهو قد ترك الناس يواجهون مصيرهم بأنفسهم، بلا رحمة، ولا شفقة، كما سبقت الإشارة. في حين أن التسهيلات، والإعفاءات، والإغراءات يجري تقديمها للملاك ولأصحاب العمل، بسخاء منقطع النظير. فقد تم رفع الدعم الحكومي، عن كل شيئ تقريبا، وجرى تحرير الإقتصاد إلى درجة جعلت الأسعار قريبة جدا من مستوى الأسعار العالمية، هذا إن لم تزد عليها في سلع بعينها. في حين أن متوسط الدخل للفرد في السودان لا يتعدى دولارات معدودات في العام!!! لقد أوشك الناس أن يقضوا مسغبة، بفعل سياسات الإنقاذ الإقتصادية. وما من شك، أ البعض قد هلك فعلا بسبب هذه السياسة الرأسمالية المتطرفة. ما تقدم، أنه في حالة السودان، بوصفه بلدا لا يملك مؤسسات مقتدرة، للخدمات الإجتماعية، ولا يملك قدرات إحصائية تذكر، فإن عامة الناس قد واجهوا ما لم يواجه غيرهم، في الدول الرأسمالية الكبرى. فالأخيرة، تملك جهازا إداريا قادرا يلم بالتفاصيل الإحصائية، بشكل يومي، وهو في نفس الوقت، جهاز قادر على توصيل الحد الأدني من الضمانات الإجتماعية للمحتاجين إليها.

فحين نطرح مفهوم اليسار بهذه الصورة، فلا أظن أن محمد المكي إبراهيم، والنور عثمان ابكر، والمرحوم مصطفى سيد أحمد، سوف يضعون أنفسهم في الجانب الآخر من هذه المعادلة. وليس بالضرورة لكي يكون المرء إنسانيا، ومتعاطفا مع قضايا المظلومين، والمسحوقين، أن يكون شيوعيا؟ وعموما فإن بحثا كهذا، لابد أن يستصحب التحولات الكثيرة التي طرأت في العقدين الأخيرين، على مفهوم اليسار، بل حتى على ثنائية (يسار - يمين) كما عٌرفت في حقبة الحداثة.

لم يكن همي في كل المداخلات السابقة، إثبات كل الفضائل لليسار، وتجريد اليمين من كل شيء، وإنما فصدت الإشارة إلى مفهوم الحرية، الذي يشمل الإقتصادي، والإجتماعي، والثقافي، والشخصي، وارتباط ذلك بحركة اليسار السودانية تاريخيا، الأمر الذي جعل من اليسار مهوى لأصحاب القلوب الكبيرة.

شكرا على المداخلة، وأتطلع لكي اسمع منك، ومن الآخرين أيضا.


Post: #55
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: bayan
Date: 03-20-2004, 01:19 PM
Parent: #53

استاذى العزيز
سعدت بمداخلتك الجميلة الثرة.. لك منى الف شكر.. هناك مشكلة تنميط
للعاملين فى مجال الثقافة... حيث يتم وصفهم بأنهم يسارين
واعتقد ان هذا حدث لاهتمام اليسار السودانى بالثقافة والادب
اذ انها محمدة لهم.. الا ترى ان هناك اجحافأ اذا قسمنا الادباء فى السودان الى يسار او انقاذ؟
انا فى اليمين ولكن تجدنى اشد عداوة للانقاذ من اليسارين

الاخ نصار

لك منى التحية والاحترام
لدى تعقيب على اضافتك الثرة



Quote: ومنهم من لحق بها التحاقا نهائيا كالشاعر مصطفي سند

ما قاله استاذنا عجبوبة هنا معلومة منافية للصحة
قد قمت بعمل مقابلة مع الاستاذ مصطفى سند فى شتاء 1999
وقبل ان اقوم بعمل هذه المقابلة تحدثت مع عدد كبير من الناس
واكثر من واحد اخبرنى ان مصطفى صار كوزا..لانه قبل ا لترشيح للمجلس الوطنى بل ذهب بعضهم واخبرنى انه اعطى كثيرا من الاموال وابتنى بيته هذا منها..
فى المقابلة
سألته تحديدا عن علاقته بالانقاذ قال انه قد رشح للمجلس الوطنى مثله مثل العشرات الذين لا ينتمون الى الانقاذ وشارك لانه يريد ان يخدم
بلاده والثقافة بالامكانيات المتاحة.. وان منزله قد بناه من اغتراب طويل
وعمل هو وزوجته فى احد دول الخليج اظنها عمان..
وكان حزينا جدا لان يردد الناس عنه هذه الشائعات
وهذه شهادة منى للتأريخ.. ولاعلاقة لى بمصطفى سند شخصية

Post: #54
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: siddieg derar
Date: 03-20-2004, 12:32 PM
Parent: #1

وردنى ماسنجر جميل من عزيزنا جمال عبدالرحمن ويسأل أن نورد شيئا من إنتاجنا فى تلك الفترة :
وهذه القصيدة كتبت فى العام 1968 . وأعتقد جازما أنها ربما كانت قصيدة التفعيلة بالعامية الثانية إذ كانت الأولى قصيدة لصديقنا يوسف خليل ولم أكن أعلم عنها شيئا سوى أن شقيقه محمود خليل وأنا كنت أكتب فيها إتصلت به لأسمعه شيئا منها . فذكر لى أن أخاه يوسف له تجربة فى نفس النمط . وكان قبلها من عالج قصيدة التفعيلة بالعامية لكن فى شعر غنائى وكنت منهم .
أما هذه القصيدة فقد كانت كما يقولون ال master piece عندى . وخلال قافلة أبادماك كان شيخنا عبدالله على إبراهيم يستعيض عن الكلمة المقدمة بأن أعتلى المسرح لإلقائها فى جميع قرى الجزيرة التى زرناها فى تلك الرحلة . ثم بعد عودتنا نشرها الأخ طلحة الشفيع فى جريدة الصحافة حيث احتلت صفحتى الوسط . ثم علمت بعدها من أخينا عيسى كباشى وكان يدرس بثانوية حنتوب ، بأن طلائع الهدهد قد قاموا بمسرحتها وقدمت تحت إسم أوهاج على ما سمعت وأنها قدمت على المسرح القومى بمدنى ( ربما كان الإسم مسرح الجزيرة . وعلمت أنها مسجلة صوتا بالإذاعة السودانية لكن لم أتمكن من سماعها . ثم الآن وأنا فى جدة قبل شهور بسيطة كنت أتحدث مع صديقى وأخى دكتور بشرى الفاضل عن طباعة ديوان بالإسم وستكون هى مضمنة فيه . فذكر لى أنها قدمت كمسرحية من طلائع الهدهد وأنه كان الراوى فى تلك المسرحية بأن كان يقرأها شعرا من خلف المسرح .
أورد هذا لأنه زادنى فخرا وليس زهوا ، وأضمنها هذا البوست كنموذج من شعر جماعة أبادماك فى ذلك الزمن وفى تلك السن حيث لم أتعد الثانية والعشرين حينها . وأنا طالب بالجامعة الفرع .
وأوردها كنوع من التغيير بأمل رضاكم ليس إلا .ووددت لو عرفت شيئا عن كيفية تقديمها .


شــــــــــوية نضـــــــــــــــــــم



شافعنا ساب بلد الجدود
روّح بلاد المسخرة
عادانا ، بس من غير سبب
اتكبر علينا وإفترى
دايرنا نفتح ليه باب الجنة
نكشف ساترا
نحن البناكل فى الدرة
نحن البناكل فى الدرة
* * *
مقطع لأوهاج

حلّ الخريف ، دون موية
دون ذرة سحاب .
وشنو البفيد
لامن خريف يحى الخريف
من عمر جافاه الشباب
الموية جايز تحى زرعة
تكون يباب
لاكين تعيد الخدرة
لى عوداً محكر فى التراب
ما اظن يكون
ما اظن يكون
ما اظن تكحل
فرحة الأمطار عيون
ـ ـ ـ
مرات بنسمع دقة المطر الغزير
فوق الحجر
ونشوف أرضنا بقت بحر
بحراً عريض
سايق عبابه
وسارى شان يطوى البحر
تفضل صخور ـ زى الندوب ـ
مغروسة فى وش الأرض
وآ حسرتك أوهاج
. . يباس
كل الأرض صبحت يباس
والجوع مكحل ليك عيونك بالنعاس
الفقر فاس
الفقر فاس ـ وكتين
يميت فيك الحواس
وتعيش غريب
والدنيا فى الخرطوم
بتلعب بيها ناس
لابسين حرير
والليل نهود
رّقيص ضمير
الليل بذخ
يازول حياتم فى ترف
باعوا الشرف
باعوا الضمير
متحكرين فوق الصدور
صوتك دفعته
ـ وكنت عشمان الكتير
جلدوك بيه
وبيتوك الليل قوى
والسل بينخر فى ضلوعك
ومافى ليك أبداً دوا
مافى ليك أبداً دوا
والويلة ليك
لو يوم تقول داير طبيب
بيقولوا ليك :
أمرك عجيب !
وينو الطبيب ؟
وينا الفلوس ؟
والله بديت تصدع فى الرؤس
ويجيبوا ليك واحدين
نقاشم بالفؤس
زيك ضحايا
وبلدتم بلداً يبوس
بالفاتحة بس ، بيسيروهم
بالفاتحة بس ، يتأمروهم
بالفاتحة ـ يا أوهاج
بيبيعوا فيهم . . ويشتروا
. . . .
. . وواحد فصيح
لابسلو توب لامع
تقول من قرمصيص
شفتوه يوم جاكم أفندى
فى ايده صندوقاً مكلفت بالحديد
وورق جديد
قال ليك بابنى ليك عمارة ،
واسبتالية . . ومدرسة
فقرك بزيحو
أمراضك بشيلا ، وبكنسا
بقلب القرية فى يومين
مدينة مهيصة
شقلب صواميل عقلك
لواها . . وعفّصا
ومتل الحلم شرد الجعيص
خلاكا فى فقرك ، تلوص
* * *
سـبب السـفـــــر

وعشان عيون
مطمورة تحت التربة
. . ميتة منشفة
خبأ البريق فى حدقتيها
وانطفا
كانت عيون مليانة عز
فيها الإباء
فيها الشرف
فيها الوفا
وعيون غزال
صادت قلوب
هزت رجال
لازم تعيش فى أحلى عيش
لازم تنام فى مهاد وثير
مفروش بريش
الإبن سافر ، ساب بلاد
قسى وتغرب
شال معاه فى جيبه زاد
زاده من دعوات قلوبكم
طيبة ، طاهرة
بدون نفاق
الإبن ما قصد الشقاق
واللا الفراق
لاكين عشان يرجع
وشايل كل خير
قنّب يجابد فى المصير
ما هو الحصل
والسوق صبح زى السعير
اللقمة فى الخرطوم . . وبس
الإبن سافر
عاش فى جوع
لامن كبس
جرب نجارة
وشاف حدادة
ومرة شال الطوب
يرص
مسح كمان ورنيش جزم
ورزقه كان بيلمه لم
وواحدين كبار
قاعدين بعيد ، بيخمّوا خم
وواحدين حظوظم فى الحوارى
بياكلوا سم
ليلم جبال أحزان ،
. . وهم
* * *
ترنـــــــيمة دعـــــاء

يبست ضروع الرحمة
فوق باب السما
هزّينا بابك يا سما
دعواتنا لو شقت سياجك
يا سما
ترجع كسيفة . . محطمة
نحن القبيل صلينا ، صمنا
نفوسنا طيبة ومسلمة
ورضينا ذل المسغبة
لاكين لقينا السل غوّر
بين ضلوعنا ، وإختبى
رحماك إلهنا
رحماك نقولا ، . . نكررا
تحفظ بنيتنا الصغيرة
وتسترا
رحماك إلهنا
بكينا درنا المغفرة
خفناك تكون غاضب علينا
خفناك تكون عاتب علينا
بعد بقت الدنيا لينا
العيشة فيها مكدرة
يبست ضروع الرحمة فوق باب السما
حتى الإبل ماتن ، وعقرن
من زمان
حتى النعاج
شافن فى إيد الموت أمان
والشدر الغلاد جفت جذوعه
واتكرمشت ، زى الجلد
نشفت فروعه
والطير رحل
حتى الغراب
بعد النعيب ، بعد الخراب .
يبست ضروع الرحمة
فوق باب السما
زار البلد مرضاً خبيث
إسمه العمى
دايس بلادنا ، وإتكى
والوفد سافر للحيكومة وإشتكى
لاكين منو البسمع كلاماً للغبش
الحاملة صاب إضنينا ـ
من بدرى ـ الطرش
يبست ضروع الرحمة فوق باب السما
هزينا بابك يا سما
دعواتنا لو شقت سياجك
يا سما
ترجع كسيفة
بدون هدايا
محطمة
* * *
أنـا منــكم

دحين يقولوا برد لسانه
وجايى يسّافه علينا
وجايى بى قلة أدب
يطعن حكومتنا الأمينة
ويسلطوكم . . يا غبش
ويملوا بالأحقاد رءوسكم
علشان تشيلوا على فئوسكم
أنا منكم . . أنا منكم
أنا دمّى قطرة طاهرة ،
سابحة فى دمّكم
أنا لو بغنّى ولو شكيت
يانى اللسانكم
. . قلبكم
أنا منكم
شفت الزمن كسّر نصالكم
ذلّكم
شفت الطقوس لعبت عليكم
صبحت تحرك فى يديكم
أنا ـ يا غبش ـ
حالف يكون التار ممجد
زيكم
ايدى القلم
والسيف لسانى
وحقكم
كيفن أسيب الوحش
يلعق جرحكم
أنا منكم ،
أهلى بيعيشوا على الكفاف
لو شفت زول مات ـ من عطش ـ
وعلى الضفاف
لازم أقول
أحكى وأقول
قبال تقولوا :
الإبن خاف
أنا ما بخاف
وعفيف لسانى
لكنّه من الرمة عاف
وسلاحى سيف من عزمكم
أنا منكم
أنا بعضكم
أنا كلكم
والليلة داير ردكم .
1968
وفى المداخلة القادمة سأورد دراسة قدمت من جماعة الطلائع عن شخصية مصطفى سعيد وسأستحضر من الذاكرة مع إضافاتى . وكان قد شارك فيها كثير من الحضور .
وهذه الدراسة ستجيب عن السؤال الإستنكارى للطيب صالح
من أين جاء هؤلاء

Post: #56
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: عاطف عبدالله
Date: 03-20-2004, 05:08 PM
Parent: #54

الصديق الباحث والأعلامي والنطاسي البارع أحمد طه محمد الحسن (الجنرال كما يحلو لأهالي كسلا مناداته) الأبادماكي حتى النخاع أبت نفسه إلا الاستجابة لندائنا وهب ليساهم في التوثيق لهذا التجمع التاريخي وكم أتمنى أن يفتح البورد صدره ليستوعب كل كوادر أبادماك بخبراتها المتراكمة التي نحن أحوج ما نكون لها ، هذه دعوة للأخ بكري ليفتح أبواب هذا البيت لإستضافة أولئك النخبة من الأساتذة الأجلاء الدكتور عبد الله على إبراهيم ، الدكتور آدم مهدي ، الأستاذ أحمد طه ، الأستاذ عبد العزيز جمال الدين ( أحد الأربعة الذين أسسوا لأبادماك ) القاص عثمان حامد.
وإلى رسالة ومساهمة الصحفي أحمد طه وهو للعلم والتذكير كان عقيدا وأ . ح . بالقوات المسلحة فرع التوجيه المعنوي ومدير لمدرسة التوجيه المعنوي ورئيسا لشعبة الإعلام والصحافة وورئيساً لتحرير صحيفة القوات المسلحة اليومية ومشرفاً على مجلة الجندي الأسبوعية ومدير تحرير صحيفة الوحدة الإماراتية ( أبوظبي ).وأيضا كاتب وصحفي متعاون بجريدة الاتحاد الإماراتية .

الأصدقاء ( صلاح يوسف – صديق ضرار )
في ليلة الخميس 29 - يونيو 1989
جلست مع ثلة من الأصدقاء في دار اتحاد الكتاب السودانيين بالمقرن _ ولم تكن نعلم أنها ستكون ليلة الاتحاد الأخيرة .
كان من ضمن الحضور ثلاثة من الابادماكيين ( عبد الواحد كمبال – نصر الدين سنادة – وشخصي ... وكان في المجلس مجموعة من الجيل اللاحق - البشير سهل – محمد طه القدال – محمد محمد خير ومجموعة أخري ... كان محور الحديث حول أهمية التوثيق لابادماك وتصدينا نحن الثلاثة لمشروع التوثيق ودق سهل صدره بأنه سيقوم بجمع هذا التراث وحفظه وطبعه .... وأصبحنا وأصبح الملك للجبهه وطارت أحلامنا وتغيرت لافتة اتحاد الكتاب بلافتة اتحاد الطلاب وصار إتحاد المبدعين الذي كانت تطالعك في مدخله لوحة كبيرة لشيخة جمال محمد أحمد بوجهه النوبي الصبوح ..صارت الدار مرتعاً لتلاميذ الجبهة ومكان لحياكة المؤامرات والمخططات الأمنية وتحول ملتقي المبدعين إلى ( مكب ) للأمنجية وصغار النفوس .
وفي ليلة أخري من عام 2002 وجمعتني مع شيخنا د . عبد الله على ابراهيم بعد محاضرة القاها في المجمع الثقافي في ابوظبي ، إستعدنا فيها أيام أبادماك وضرورة التوثيق له وطمأنني د. عبد الله بأنه قد أودع كل مالديه من وثائق وأدبيات تخص أبادماك في دار الوثائق السودانية حتي تكون في متناول يد الباحثين والمهتمين بالشأن الثقافي السوداني .
وفي أمسية أخرى ضمتني مع د.طه أمير طه بمدينة العين ( الخضيره ) بالإمارات بعد واجب العزاء في رحيل شقيقه على .. تحدثت معه أيضاً في نفس الموضوع الذي كان هاجساً يلازمني وهو التوثيق للتجربة .كان د.طه يري أن التجربة قد صارت في ذمة التاريخ وأنا أدرك جيداً أنه كان واحد من أهم نجوم الكوكبه وكان لديه مجلساً ومنتدي في منزل شقيقه طارق الذي كان حكمداراً لبوليس الخرطوم عام 68 كان ذلك المنتدي يضم د . عبد الله والمرحوم عبد العظيم ومحمد محجوب سليمان الذي صار مستشارا صحفيا لنميري ومحمو دوعالي حسن الصومالي الذي درس بجامعة الخرطوم ويعمل الآن بالكويت ، وعبد الله إبراهيم الذي صار دبلوماسيا وعبد الهادي الصديق الذي كان دفعته في دورة الدبلوماسيين في جيل الأولياء في عام 1971– وصلاح قوله التشكيلي الماركسي البوهيمي المصري الجنسية الذي لازال لغزاً كبيراً ومعه تشكيلي آخر اسمه عمر شامي ومجموعة من الأصدقاء الذين سيأتي ذكرهم، وكنت أداوم على حضور المنتدي وكثيراً مادار فيه الحديث ضرورة تجمع الكتاب والمبدعين اليساريين تحت مظلة واحدة .
وستبقي كثير من ذكريات أبادماك وأدبياته في ذاكرة د.طه الوقادة وبين أوراقه التي يحتفظ بها بعناية منذ كان طالباً في مدرسة خورطقت التي خلف وراءه فيها أثرا تشكيليا عبارة عن منحوتات أرجو أن لا تكون لحقت بمصير تمثال بابكر بدري وغاندي .

لحرصي على هذا التوثيق كنت احتفظ بكل المطبقات والأوراق الخاصة بابادماك إضافة إلى الوثيقتين وهما من أهم أدبيات أبادماك ( نشرتا في جريدة الأيام ) الوثيقة الأولـي هـي ( وثيقة الدفاع عن الديمقراطية ) التي وقع عليها 30 من المبدعين والأخرى ( وثيقة الدفاع عن الفنون الشعبية ) والتي صدرت بعد ( ليلة العجكو ) وأظن أن الموقعين عليها كانوا 99 مبدعاً – وأفخر بأني كنت من الموقعين على الوثيقتين ومن خلالهما يمكن رصد العضوية الحقيقية لتجمع الكتاب والفنانين الديمقراطيين ( أبادماك ) – وكثيراً ما كنت أطالع هذه الوثائق وأسماء الموقعين عليهما لمعرفة مواقف الرجال بعد مرور أكثر من ثلاثين عاماً على صدورها .
ولكني عندما عدت إلى كسلا بعد الفيضان الأخير وجدت أن القاش – هذا الجار الجائر 00 قد سطا على كل أوراقي وكثير من ما دخرته من الزمن الزين للاستزادة به في الزمن الشين.
وكان عزائي حديث د . عبد الله بوجود وثائق أبادماك في دار الوثائق السودانية .

- ونـــواصـــل -
أحمد طه

Post: #57
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: bayan
Date: 03-21-2004, 06:04 AM
Parent: #56

فوق
مع كثير من المحبة والمعزة والود والاحترام والتقدير
واليوم راميانى مذكراتكم

Post: #58
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: Dr.Elnour Hamad
Date: 03-21-2004, 08:23 AM
Parent: #57

في حنتوب بدأ تعلقي بكلية الفنون، وكان السبب في ذلك التعلق هو أستاذي، وصديقى، عبد الله بولا. وقد ترك الأستاذ عبد الله بولا أثارا باقية في حياتي، وهكذا المعلمون المتميزون، دوما. لقد مثل عبد الله بولا نسلا جديدا من المعلمين، لم نعرفهم قبله. كان معلما، وأخا، وصديقا. وكان أميز ما يميزه عدم احساسه بضرورة أن تكون هناك، مسافة تفصل بينه وبين تلاميذه. وقد انطبق ذلك على تاج السر مكي، ومحمد عبد العال، ومحمد بشير المر، وعمر إدريس رفاي، وعمر مودي، ولكنه لم ينطق على أحد بالقدر الذي كان متحققا في بولا. كان بولا بسيطا، ومتواضعا، ولا يأنف من أن يجره الطلاب داخل همومهم ومشاكلهم الشخصية. وكان شديد الحساسية تجاه مشاكل طلابه الشخصية، وكان كريما أيضا، في مد يد العون للمحتاجين منهم. كان صورة جديدة للمعلم، ولذلك فقد تعلق به الطلاب، خاصة الذين كانوا مشغولين بالرسم، وبالموسيقى، وبالمسرح، وبقضايا الثقافة، بشكل عام.

فتح عبد الله بولا أعيننا على حركة الفن العالمي. وقد كان أول الأساتذة الذين استخدمو الـ (سلايد بروجكتر) في التعريف بالآثار الفنية العالمية. كان يأخذ أعضاء جمعية الفنون، إلى حجرة الجغرافيا، وهي الحجرة الوحيد المجهزة بـ (سلايد بروجكتر) و(أوبيك بروجكتر)، وهي الوحيدة القابلة للتعتيم التام. من شرائحه، وصور كتبه التي كان يعرضها، تعرفنا على آثار الفن الأوربي بدءا بعصر النهوضة، مرورا بحقبة الباروك، والركوكو، والكلاسيكية الجديدة، والرومانسية، وانتهاء بالعصر الحديث بدءا بالتأثيريين، من أمثال، فان جوخ، مونيه، مانيه، بيسارو، سيزان، ثم مرحلة قوقان، وماتيس، وعبرهما إلى التكعيبية، وجورج براك وبيكاسو، ومعاصريهم. منه أيضا تعلمنا الرسم بألوان الزيت، وبألوان الباستيل، وبألوان الماء, وكان يرسم أمامنا، فتعلمنا منه بالهيئة، وعرفنا اسرار الخامات المستخدمة في الرسم، في سن مبكرة. وحين ذهبنا إلى كلية الفنون، كنا ونحن الجدد فيها، في مستوى من تقدمونا فيها بسنوات.

في زمن الغربة والإرتحال، الذي لفنا لاحقا، قال صديقي، وزميل دراستي، التشكيلي السوداني المعروف، حسن موسى، في إحدى تجلياته (الجهنمية)، ـ نسبة إلى نشرته المعروفة بإسم ((جهنم)) ـ : ((خرطوم السبعينات، ما كنت لأبدل بها جنة واق الواق)). وأرجو أن يكون حفظي للنص صحيحا. وقد كانت خرطوم أوائل السبعينات مدينة نابضة، بحق. فقد اتسمت بطعم خاص جدا. كانت جولاتنا أول المساء في فرندات السوق الإفرنجي، والسوق العربي، متعة لا تعادلها متعة. كان هناك بقايا من تمدن، ومن انضباط خدمي لا تزال باقية. كانت بصات الفيات الإيطالية، لا تزال جديدة، ونظيفة، ومعتني بها، وتعمل وفق جدول شديد الإنضباط. وقد كانت تلك البصات، تعمل حتى الساعة، الحادية عشرة ليلا. كنا نذهب للعروض السينمائية في مختلف دور العرض، في العاصمة، ونعود بالمواصلات العامة، وبأجر زهيد جدا للرحلة الواحدة. أذكر انه لم يكن يتعدى، في أغلب الأحوال، القرشين، والنصف!. كان السوق الأفرنجي شديد الحيوية في المساء. وكنا كطلاب فنون، مستغرقين في التعليم عن طريق حاسة البصر، نجد زادا بصريا، ثرا، في الفرجة في الأسواق، والمقاهي، وحركة أول الليل الدائبة في وسط الخرطوم.

جئنا إلى كلية الفنون، في الخرطوم، في نهايات عام سبعين، فوجدناها كما تصورناها، وكما حلمنا بها. وقد كانت مدينة حية، وموحية جدا. نعم، إنها ذات المدينة، ذات العوالم، والتفاصيل الداخلية السحرية، التي ألهمت رسومات تاج السر أحمد، الغنية، ذات القدرة الفذة على التشبث بجدران الذاكرة، رغم مرور السنين. كانت رسومات تاج السر أحمد، وغيره من كبار التشكيليين، من أكثر ما يشدنا إلى مجلة الخرطوم، التي كانت واحدة من المطبوعات العزيزة لدينا.

في خرطوم أول السبعينات، الحية المونقة، نفضنا عن سحناتنا، غبار عيش الريف، واكتسبت هيئاتنا بعض ملامح عيش الحضر. إجتمع رهط منا في داخليات (الـ إس تي إس)، بالمعهد الفني. جاء حسن موسى، ومحمود عمر محمود، من الأبيض الثانوية، وجاء شخصي من حنتوب، وجاء المرحوم آدم الصافي، من القضارف الثانوية. وكان آدم الصافي، من أعضاء طلائع القندول، وتلميذا لعبد الله بولا في القضارف الثانوية. ولحق بكلية الفنون، من أعضاء طلائع القندول، من مدرسة القضارف الثانوية، بعد عام من وصولنا إلى كلية الفنون، أخونا الباقر موسى. جئنا كلنا من الريف. أما عضو المجموعة العاصمي الوحيد، فقد كان بدر الدين حامد عبد الرحمن، وقد جاءنا من قرب ميدان الربيع بأم درمان. وبدر الدين حامد عبد الرحمن، إبن اخت للأديب الراحل، عبد الله حامد الأمين. وكان لوالده دكان بطاريات، غرب البنك الصناعي، في منطقة السوق العربي بالخرطوم. وقد كنا نزور معه الدكان، ومنزل الأسرة في أم درمان. جمع هذه المجموعة سكن واحد، كانت غرفه الثلاث منتظمة في صف واحد وكانت مفتوحة على بعضها بعضا، ومدخلها هو مدخل الحجرة الأولى. ولذلك فإن الداخل للحجرة الأخيرة، يمر على الحجرتين الأوليين. ويهذا فقد كان كان ذاك السكن، اقرب إلى العنبر منه، إلى حجرات منفصلة.

كنا وقتها. في السنة الأولى، ولكن أصدقاءنا من طلبة الكلية، كانوا في السنة الرابعة، والثالثة، وأذكر منهم خلف الله عبود الشريف، وقد كان رئيسيا للإتحاد، ودار السلام عبد الرحيم، وبابكر كنديو، ومحمد سيد أحمد (طبطب)، وبديعة عثمان الحويرص. كنا نلتقي في مظلة البوفيه ساعة الفطور، ونلتقي في ساحة الكلية في الأمسيات، عند تمثال بولا الشهير، بين ستوديو التلوين، وستوديو تصميم الأقمشة. كان خلف الله عبود، ودار السلام عبد الرحيم، عضوين بالحزب الشيوعي، على ما أذكر، وكانت كل من بديعة عثمان الحويرص، ونجاة جاد الله جبارة، صديقتين لدار السلام، ولكني لم أكن واثقا من أمر عضوية الأخيرتين، بالحزب الشيوعي. ومنذ ىيوم وصولنا جرى تصنيفنا في خانة (الديمقراطيين).

أذكر أننا في سكننا ذلك، في داخلية، الـ (إس تي أس) التي يواجه حائطها الجنوبي شارع الغابة، وحائطها الشرقي أستاد الخرطوم، أقمنا مشاعية للمال وللملابس، لم تصمد طويلا. وعرفنا من هناك أن الأفكار المثالية، لا تصمد لتحديات الواقع، فأقلعنا عن تلك الفكرة الطفولية. ولكن مع ذلك، ظل جيبنا مشتركا، في غالب الأحوال. وكان أحسننا وضعا، من الناحية المالية، حسن موسى. فقد كانت تجيئه، عشرة جنيهات شهرية، من أسرته، إضافة إلى (البيرسري Bursary )، التي كانت تسعة جنيهات شهرية، يتلقاها كل واحد منا، من إدارة المعهد الفني، شهريا. كنا نفرح كثيرا بجنيهات حسن تلك، فقد كانت ثروة كبيرة، بمقاييس تلك الحقبة. كنا نفرح بزيادة حسن موسى تلك، رغم أن الجنيهات التسعة التي نتلقاها شهريا، كانت أكثر من كافية. ويكفي أن أشير إلى أن أهلي لم يصرفوا علي مليما واحدا، طيلة فترة دراستي بكلية الفنون. فقد أعتقتهم من هم الصرف عليّ، منذ أن غادرت حنتوب الثانوية، ووطئت اقدامي تراب كلية الفنون، وأصبحت، من ثم، مستحقا لتلك البيرسري. كان (الميز) لا يتعدى الأربع جنيهات في الشهر. وكنا نشترى ببقية المبلغ، الملابس، وبعض معدات الرسم، كما كنا نشتري الكتب، والمجلات من مكتبات الخرطوم، العامرة وقتها، بانتظام شديد. تعرفنا في تلك الفترة على مجلة (مواقف) التي كان يصدرها أدونيس ورهطه، من بيروت. وقد كان لهال تأثير كبير على مجموعتنا تلك، كما كنا نشتري، (الآداب) و(القلم) و(الطليعة) و(الفكر المعاصر)، وغيرها مما كان يأتي منظما لمكتبات الخرطوم. كما كانت صحيفة (الحرية) التي يصدرها شيوعيون عرب، من بيروت على ما أذكر، تصل مكتبات الخرطوم بانتظام.

كنا نتبادل الكتب المختلفة، في الشعر وفي الرواية، وفي النقد الأدبي والفني. قرأنا كلنا، على سبيل المثال، لا الحصر، كتبا من شاكلة، (الإشتراكية والفن)، لآيرنست فيشر، وناقشناه باستفاضة، كما قرأنا (منعطف الإشتراكية الخطير) لروجيه غارودي. وعموما فقد تنوعت قراءاتنا، وتكثفت، وتعمقت، وشملت إلى جانب أدبيات الماركسية، الأدبيات الوجودية ايضا. وقد سمحت لنا طبيعة الدراسة في كلية الفنون، التي تقل فيها المواد النظرية، بفرصة التوسع في القراءات التي كانت شغلنا الشاغل، وكانت مدار حديثنا ليل نهار. وقد كنا لا نفترق أبدا. وأذكر أن نسخة مهلهلة للجزء الأول من (رباعية الإسكندرية) للورنس دوريل، وهو الجزء المسمى (جوستين)، قد وقعت في أيدينا، وقد قراناها بالدور، واحدا بعد الآخر. وقد أحدثت قراءة تلك الرواية البديعة في وسطنا زلزالا أدبيا، كبيرا. وكانت أعمال الطيب صالح، وديوان (أمتي) لمحمد المكي إبراهيم، من الكتب التي لا تفارقنا أبدا، ولا يبتعد ذكر محتوياتها عن شفاهنا قط. حفظنا الكثير من ديوان أمتي، واصبحنا نرددها ليل نهار. كما حفظنا فقرات عديدة، من موسم الهجرة إلى الشمال، وحفظنا بعضا من قصائد التجريب الحداثي التي كانت ترد في مجلة (مواقف). كما حفظنا قصيدة طويلة لشاعر أبادماكي، على ما أظن، غير أنه اختفى بسرعة، بعد نشره لتلك القصيدة الوحيدة وكانت هي كل ما في الديوان الصغير الذي حمل عنوان، (أطوار). وقد كان تصميم الغلاف، من عمل الفنان، بشير عبد الرحيم (زمبة)، شقيق دار السلام عبد الرحيم. وقد تخرج (زمبة) من كلية الفنون، قبل أن ندخلها. الشاعر صاحب تلك القصيدة الطويلة، هو الشاعر توفيق السنوسي. وحين انضممت إلى حركة الجمهوريين، في عام 1971، وجدت أن الأستاذ محمود محمد طه قد رد على اسئلة تقدم بها إليه، توفيق السنوسي، ووردت الأسئلة مع الردود، في كتاب الأستاذ محمود محمد طه، (أسئلة، وأجوبة) الذي صدر في نفس ذلك العام.

لقد كانت تجربة طلائع الهدهد في حنتوب، وطلائع القندول في القضارف، بمثابة إعداد مبكر لنا لكي ننغمس، وبشكل تلقائي، في الحركة الثقافية في العاصمة. كنا نقرأ بنهم، ونناقش بحماس كبير، ونرسم بحماس أكبر. وكانت لنا جولات متتالية من النقاش مع الشيخ محمد الشيخ، صاحب نظرية (الحيوية) و(الفاعلية) و(الإنسية)، في بيت أهل زوجته، في حي أبوكدوك، بأمدرمان. وقد كنا نزور الشيخ، بصحبة أستاذنا عبد الله بولا، الذي التحق بالتدريس في كلية الفنون، في تلك الحقبة. وكانت زوجة الشيخ، أختا لزميلتنا دار السلام عبد الرحيم. كنا نستمع إلى عرض الأخ الشيخ لنظريته، ونناقشه فيها. وحين انتقل إلى السكن في حلة حمد ببحرى انتقلت جلساتنا إلى هناك. أميز ما ميز تلك المجموعة التي دخلت إلى كلية الفنون في عام 1970، الإنفتاح على المعرفة، والنظرة النقدية لفكر اليسار، وممارسته. الأمر الذي ساهم في إبقاء تلك المجموعة على هامش اليسار المنظم، بشكل دائم.

حين أعود سوف أتحدث عن حصص المسرح المسائية التي كان قد تبرع الأستاذ عثمان جعفر النصيري، بتقديمها لنا في كلية الفنون، في الأمسيات. كما سوف ألمس تجربة تعاوننا مع جماعة المسرح الجامعي، وعن إحيائنا لمسرح الـ إس تي إس، ثم الإعتداء من قبل مجهولين، في العطلة، على ذلك المسرح الذي جهزناه، وتعبنا في بعثه من الموات. كما سوف أتحدث عن علاقتنا بالسينما، وعن أيام فلم (زد)، وزيارة ميكس ثيودوراكس.
_________________

Post: #60
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: bayan
Date: 03-21-2004, 10:12 AM
Parent: #58

استاذى

شكرا لك يا عظيم


ما اجمل حياة الطلب
ونترقب عودتكم بالجديد الثر

هل دار السلام هى نفسهاالتى تعمل فى المركز القومى لفلكلور؟
كانت قد درستنا فى المعهد حركة ورقص(باليه)

الاخ العزيز بشرى

ليت بشارتك تتحقق فنعود يوما للننتظم فى الحركة الادبية الثقافية
فى بلادنا بمختلف الاتجاهات . ليت هذه البشارة تتحقق قبل ان تكون العودة فى اسفل الطائرة..
توقا وتمنى

Post: #59
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: Bushra Elfadil
Date: 03-21-2004, 09:11 AM
Parent: #57

عندما كان الاستاذ النور محمد حمد طالبًاً بحنتوب الثانوية كان متفق المواهب بدرجة مذهلة للدرجة التي كنت أراه في مقام اساتذتنا حين جئت لتلك القرية المدرسية طالباًغراً يجهل كل شىء تقريباً بعده بسنة . كان يكتب الشعر _ هل تذكر دكتور النور تلك القصيدة التي قراتها علي وأنت في السنة الثانية وفيها مقطع يقول - أن ثم جليد قد تساقط فوق خط الإستواء-وكان رساماً وعازفاً لعدة آلات موسيقية وكان قارئاً نهماً وهو الذي قام بإخراج مسرحية الخضر التي اشار اليها في بوست سابق ولذا لا يمكن مقارنة عطائه في تنظيم طلائع الهدهد بعطائي . وأعتقد انه ومحمد يوسف أحمد المصطفى كانا العمودين الرئيسيين لطلائع الهدهد . ذكرياتنا في حنتوب ثرة ويمكن التوثيق لجوانبها العديدة وتجدني أوافق على ان طلائع الهدهد فجرت المسرح في تلك القرية المدرسية فصار التنافس بين عشر داخليات كل داخلية تقدم عملاً مسرحياً عالمياً. أذكر الدور الذي قام به محمد يوسف احمد المصطفى في مسرحية الإستثناء والقاعدة لبريخت ودور الحلاج الذي أداه صديق الماحي في مأساة الحلاج واشتهر به حتى عرضت المسرحية بمسرح مدني كما عرضت بالخرطوم. جئت لطلائع الهدهد متأخراً بعد ان قرات قصيدة على خشبة مسرح حنتوب فقابلني بعدها الاستاذ عبدالله بولا وقال لي لماذا لا تأتي وتنضم لطلائع الهدهد. لم أكن وقتها عضواً بالجبهة الديمقراطية ولا أي تنظيم . انضممت للجبهة الديمقراطية فيما بعد في جامعة الخرطوم.
أعتقد ان مقبل الثقافة السودانية سيشهد نضجاً في استقطاب المبدعين من مختلف المشارب لعمل جذوة كالتي فعلتها طلائع ابادماك . وسيكون التجميع المستقبلي مهما طال أوان ظهوره واسعاً وديمقراطياً بحيث يتسع للجميع فليسعد اشخاص مثل الأستاذة نجاة محمود بذلك إذ أن تطور الوعي السوداني بضرورة التسامح ونبذ الإستقطاب بمعناه الاستلطافي الحزبي أو الشللي سيتيح لكافة المدارس والإتجاهات أن تزدهر في شكل رواقات او اندية داخل تنظيم واحد شرطه الوحيد هو الديمقراطيةوهدفه الوحيد هو رفع وعي الشعب السوداني لمصاف ثقافات العالم ومحو أميته كافة. ولنستلهم تجارب طلائع أبادماك وتفريعاتها وتجربة غتحاد الكتاب وفي مقبل الايام سأطالب بالعودة لنفس اسم ابادماك فياله من أيقونة جميلة.
للاستاذ صديق ضرار تحياتي وقد كانت مقاطع من قصيدته شوية نضم أو اوهاج كما كنا نسميها خلفية لمسرحية اوهاج التي جابت بها طلائع الهدهد الكثير من القرى.كانت المسرحية من إخراج الاستاذ عبدالعظيم خلف الله وكان يمثل بها دور اوشيك أما دور أوهاج الرئيسي فكان يقوم به الفحل على ما أظن. وقراءتي للنص خلف المسرح كراو كانت إسهامي الوحيد قي القراءات في تلك الرحلات . ولابادماك امتدداتها في القرى أيضاً بالجزيرة لكن تلك قصة أخرى

Post: #61
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: حسن الجزولي
Date: 03-21-2004, 02:05 PM
Parent: #1

مساهمة من الدكتور عبدالله على ابراهيم
_____________________________________


قرية بورتبيل تقوم بتمثيل مسرحية أهل المستنقع
____________________________________________

عبدالله علي ابراهيم
____________________

الأخ النور،

أنا سعيد بما تنورنا به من فعل لطلائع الهدهد بحنتوب. وأنا أسمع باكثره للمرة الأولي. وقد سعدت اكثر بانك أنتهزت المناسبة لا لمجرد التأرخة لأبادماك والهدهد بل للحديث عن تجربتمهما كتجربة نماء وفرهدة لجيلكم. إنني لأحسدك علي هذه العافية الفكرية.
ارجو ان تنقل ما يلي لسوانيزاونلاين عن تقرير ناقشه اعضاء تجمع أبادماك علي ضوء خبرتهم في عون قرية برتبيل ومبدعيها في شتاء 1969. وقد نقحته لتمام الفائدة. وسأواصل إرسال ما تبقي منه متي سنح الوقت.

نبهني صديق الي انني عكست إسم بشري الفاضل فجاء كالفاضل بشري فمعذرة لهذه الديكلسكيا.

تقرير عن أبادماك وبرتبيل
___________________________
لدي طواف قافلة ابادماك الثقافية بالجزيرة في سبتمبر 1969 استرعت إنتباهنا الخامات الواعدة في مجال التمثيل والغناء بقرية برتبيل حين إشتركت عناصر من تلك القرية في برنامجنا. واعلنا وقتئذ برتبيل قرية صديقة لتجمع أبادماك. وظللنا نتدارس طبيعة اللقاء الفني الذي ينبغي أن يتم بين ابادماك والقرية. وقررنا إرسال ثلاثة من أعضاء التجمع وهم الزملاء علي الوراق، وطلحة الشفيع، وعبدالله جلاب لياخذوا بيد المواهب في مجال المسرح والرسم وغيرها، وليبنوا بالتضامن مسرحاً بالتضامن مع اهل القرية والسلطات منارة للتجديد والحيوية. ولقد ساهمت وزارة الشباب في تفريغ أعضاء بعثة أبادماك وطرحت لنا وزارة الإرشاد برنامجاً للعون نأتي لتقويمه في ما بعد.

سافرت بعثة مندوبي ابادماك في اوائل إكتوبر 1969 ونزلوا في ضيافة اهل القرية وشرعوا في العمل.
1) عقدوا العديد من الندوات التوضيحية لمهمتهم
2) تبرعت المديرية بنحو 15و 000 طوبة. وقد نشأ معسكر عمل للشباب والطلاب والعمال والنساء واهل القرية لبناء المسرح. واعقبت ذلك ندوة عن جدوي العمل الثوري في الريف. وتحدث محافظ مديرية النيل الزرق وممثلون للمنظمات الشعبية.
3) عمل فريقنا علي إخراج المسرحيات التالية:
4) أ) أهل المستنقع للكاتب النيجيري وول شوينكا وإخراج عبدالله جلاب، ب) الفتريته تاليف طلحة الشفيع وإخراج علي الوراق، ج) العهد البائد والكنين من محفوظات اهل القرية واخرجهما عبدالله جلاب.
وقد تم تقديم المسرحيات الثلاث مسرحيات بمسرح مدني 20-11-1969 . . . وكان العرض ناجحاً من حيث الحضور. وسيستمر العمل في المسرحية الأولي (أهل المستنقع) لتقدم في الخرطوم في يتاير القادم. وفي اليوم التالي للعرض عقدت مناقشة مفتوحة بالقرية مع أعضاء أبادماك حول الإشتراكية ومسائل اخري.
5) شرع فريقنا في جذب المواهب في الرسم ولم ينتهوا الي شيء نشبة للخلل الذي وقع في إعداد المواد من ورق وألوان . . الخ والتي كاتبت وزارة الإرشاد مصلحة المخازن لكي تعدها لنا.
6) باللأستعانة بشعبة ابحاث السودان بجامعة الخرطوم سعي الفريق الي تسجيل بعض المأاثورات الشعبية في القرية وفي القري المجاورة. وتم تأسيس نواة لمكتبة متصلة بالعمل المسرحي والأدبي والسياسي. وقد ساهمت بالتبرع كل من وزارة الشباب، معهد الدراسات الإضافية ولجنة التأليف والنشر بجامعة الخرطوم والمواطن محمد سيداحمد صاحب شركة مكتبة الفجر بمدني، وصاحب مكتبة الملايين، وأعضاء تحمع أبادماك.
ثم دخل التقرير في تحليل إجتماعي طبقي لمسار نشاطهم في القرية وكيف تعاملت الفئات المختلفة معه. وسنعود الي التقرير مرة بعد مرة.

Post: #62
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: خالد عويس
Date: 03-21-2004, 03:34 PM
Parent: #61

هذا واحد من أكثر موضوعات سودانيز اون لاين "تشويقا" و"توثيقا" وأتمنى على الاخ الحبيب بكري وضعه كعنوان في اعلى الصفحة حتى ينبه الجميع لأهميته .
في انتظار مساهماتكم القيمة

Post: #63
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: Dr.Elnour Hamad
Date: 03-23-2004, 06:25 AM
Parent: #62

دكتور عبد الله على إبراهيم
شكرا على التعليق، وادام الله علينا جميعا، العافية الفكرية.

العزيز بشرى الفاضل

شكرا على المساهمة، وأتطلع لما تنوي كتابته عن القرية التعليمية المسماة حنتوب الثانوية. أما القصيدة، التي أشرت إليها، فقد نسيتها تماما. ولم أعد أذكر، في حقيقة الأمر، لا القصيدة، ولا حادثة إلقائها عليك. نريد منك شيئا من الإسهاب في المرات القادمات.

العزيزة الدكتورة بيان

شكراعلى طول النََّفٍَس في المتابعة، ولتشجيعك أثر كبير.
نعم لقد عملت دار السلام عبد الرحيم بمركز الفلولكلور.

الأخ خالد عويس، شكرا على المداخلة، وعن رأيك الإيجابي قي هذا البوست، الذي يرجع الفضل فيه، أولا وأخيرا، لأستاذنا الأبادماكي، صلاح يوسف.

وسأعود للمواصلة.

Post: #64
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: عاطف عبدالله
Date: 03-23-2004, 06:30 AM
Parent: #62

وصلتني مساهمتين من الأستاذ أحمد طه كما سبق ووعد .. وإلى الرسالة الأولى


أبادماك
الحلقة الأولى
عندما أتينا عام 1968 من المدارس الثانوية في الأقاليم الى جامعة القاهرة فرع الخرطوم كنا نحمل همومنا الثقافية ونتوجس من ( مدينة الترك ) جئت الى الخرطوم أحمل آلة الكمان التي صحبت بها عبد الرحمن عبد الله في كردفان في بداياته الأولى بعد أن تعارفنا في معهد كردفان للموسيقى الذي أسسه جمعه جابر عام 1966 وكنز من الأوراق الثمينة التي جمعتها خلال سنوات الأبيض في الفترة التي اصطحبت فيها أعمامي سيد عبد العزيز حدباي ، الأمي ، حميده ابو عشر ، ودالقرشي – قاسم عثمان 000000الخ ( كتبت حول هذا الموضوع في 6 حلقات بجريدة اتحاد الإماراتية) 00 كان لدى اهتمام بالتشكيل والمسرح والشعر والموسيقى وكنت اخشى على كل ذلك من زحمة الخرطوم وزيفها وإيقاعها اللاهث وغطرسة ناسها الذين تخيلتهم شياطينا تهيأت لمنازلتهم.
ولكني وجدت عكس ذلك تماماً خاصة بعد انضمامي لجميعة الثقافة الوطنية ولاحقا لاباداماك – جمعية الثقافة الوطنية كانت الواجهة الثقافية للجبهة الديمقراطية يقابلها في التنظيم الإسلامي جماعة الفكر الإسلامي التي كانت الواجهة الثقافية للإخوان المسلمين وشتان بينهما فقد ضمت الأولى كل المبدعين من اليساريين الذي جمعتهم أبادماك اما الثانية فكانت عضويتها من الموترين الذين لا علاقة لهم بالثقافة والفنون وكانوا الد أعدائها بدليل ما حدث في ( ليلة العجكو) وهي الأمسية الثقافية التي دأبت جمعية الثقافية الوطنية على أقامتها في مطلع كل عام دراسي لاستقبال الطلاب الجدد في جامعة الخرطوم وكانت تقام في قاعة الامتحانات الرئيسية وكانت ( ليلة العجكو) هي الشرارة التي أوقدت الشعلة وهيأت لقيام ابداماك إذا اعترض الأخوان على رقصة العجكو الكردفانية بالقوة وأسفر الاشتباك عن مقتل احد الطلاب مما حدا بالمبدعين توقيع (وثيقة الدفاع عن الفنون الشعبية) وحماية اليلة الثانية بما تيسر من وسائل الدفاع.
من خلال النشاط الإعلامي للجبهة الديمقراطية عملت مباشرة مع الاخ الأستاذ إدريس عوض الكريم الذي كان رئيسا لاتحاد طلاب جامعة القاهرة بعد أن خاض تجربته الفريدة عندما كان رئيسا لاتحاد الطلاب بمعهد المعلمين العالي حيث شهدت رئاسته حادثه الطالب شوقي التي أدت الى حل الحزب الشيوعي السوداني.
فقد كنا نعد كل صحف الجبهة الديمقراطية من غرفته المتواضعة في مدرسة التجارة الثانوية بامدرمان حيث كان يعمل معلماً للغة الإنجليزية ، وبعد الفراغ من إعداد جريدة ( المدى ) كان يشجعني على إعداد مجلة كاريكاتير أسبوعية موجهة للإخوان من حوش الفرع والمشاركة في كتابة عمود صحفي بصحفية السودان الجديد ومشاركات أخرى في الضياء – أخبار الأسبوع ( يرأس تحريرهما الأستاذ عوض برير – صوت المرأة ( لسان حال الإتحاد النسائي وترأس تحريرها الأستاذة فاطمة أحمد إبراهيم وكلها صحف كانت شبه مملوكه لليسار عدا السودان الجديد.
كان إدريس متحدثاً مفوهاً وقائدا شجاعا وشاعرا فحلا وذو أفق سياسي عريض وشخصية كريزمية أهلته إلى قيادة اتحاد الجامعة في تل الفترة الصاخبة التي شهدت العديد من الأحداث منها ميلاد (ابادماك) الذي كان للمبدعين من طلاب جامعة القاهرة دور أساسي في قيامها والذي أعلن من مباني اتحادهم بالمقرن وليس باتحاد المعلمين كما ذكر د. مختار عجوبه.
كان إدريس مهووساً بجيفارا ولا تخلو صحيفة ( المدى ) من قصيدة لإدريس عن الثائر البوليفي الأسطورة ، حتى خرج إدريس من السودان بعد انقلاب 19 يوليو مستلهماً تجربة (تشي) ليظهر مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين مقاتلاً 000 وينتهي به المطاف بأسمرا بعد ان دخلها محاربا ضمن قوات الجبهة الشعبية ويعمل الان بوزارة الأعلام الاتيريه رئيسا لتحرير الصحيفة الإنجليزية ERETRIA PROFIEL
التقيت إدريس أكثر من مره في اسمرا في النصف الأول من تسعينات القرن الماضي 00 يجتر أيام النضال وتجربته القيادية في وطن تركه مرغماً لقد كان إدريس ماركسيا رائعاً ومثالاً لأبناء جيله من قبيلة اليسار الذين تقاسموا الأدوار لصناعة الفرح لأبناء شعبهم وكان ( ابادماك ) احد اهم المحطات التي توقف عندها وآمن بها إدريس وأبناء جيله من مبدعي اليسار.
ونواصل
أحمد طه

Post: #65
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: عاطف عبدالله
Date: 03-23-2004, 06:33 AM
Parent: #64

وإلى الرسالة الثانية من الأستاذ أحمد طه


أبادماك
الحلقة االثانية
أحمد طه

عندما كان الشريف الهندي وزيراً للمالية عام 1968 أصدر قراراً بتعين كل المتخرجين من المدارس الثانوية والجامعة وكان ( بند الهندي ) أو ( بند العطاله ) وعاء أستوعب كل الشباب في وظائف حكومية مجزية بحساب ذلك الزمن ووجدت نفسي وموظفاً على ( بند هندي ) في بلدية الخرطوم بحري حيث ألتقيت بالأستاذ صلاح يوسف والذي كان يعمل في وظيفة ثابتة في البلدية وكان أيضاً طالباً في جامعة القاهرة (الفرع) كان صلاح شاعراً وأنسانا رقيقاً ومبدعاً دؤوباً يتابع الفعاليات الثقافية التي تقام في المدن الثلاث ومهتماً بالفنون الأخرى ولاغرو وهو الامدرماني إبن أخت كروان السودان الأمين برهان .
كان لصلاح دور لا أنساه في اشتراكي في جمعية الصداقة مع ألمانيا الديمقراطية وأبادماك لاحقاً وبعد ذلك تعرفت على المجموعة التي صدرت جزء منها لا نفترق إلا في الساعات الأولي من صباح كل يوم بعد أمسية حافلة في الجامعة وليلة يلتئم شملها غالباً في كافتريا (مرحبا) في شارع 15 في العمارات نجئ إليها من كل صوب ويضمخها الندامي الأصدقاء والشعر والحكي المفيد .. وكانوا كلهم أعضاء في أبادماك .
شاركت خلال تلك الفترة في مدينة الثقافة في المقرن وليلة شعرية في نادي حي الضباط بامدرمان شارك فيها كل من الأساتذة مبارك حسن خليفة وحدربي محمد سعيد وصلاح .
الحديث عن تجربة مدينة الثقافة في المقرن يحتاج إلى مزيد من التوثيق والدراسة لهذه التجربة الفريدة .. فقد اعتدنا على حضور الأسواق الخيرية .. نصيع فيها ولا نحرج بشيء ولكن تجربة أبادماك الفريدة جعلت من مثل هذه الملتقيات فرصة نادرة وكانت التجربة فرصة لم تتكرر إلا بعد العودة من قافلة الثقافة من الجزيرة حيث أقيمت تجربة مماثلة بحدائق الحيوان بالخرطوم .
كان أبادماك يتكون من عدة أندية . نادي الشعر – نادي القصة – نادي السينما – نادي المسرح – نادي الفنون التشكيلية – نادي الموسيقي .
ضم نادي الشعر العديد من الشعراء الشباب الذين كانت تجربتهم الشعرية ظاهرة فريدة خاصة الذين كانوا يكتبون بالعامية مثل صديق ضرار وكانت عامية يوسف خليل أقرب إلى تجربة القدال وحميد اللاحقة وكان من أعضاء النادي على عبد القيوم – سبدرات – كامل عبد الماجد – صديق ضرار – صلاح يوسف – مبارك بشير – محمود خليل – طلحة الشفيع – صلاح حاج سعيد – عبد العزيز جمال الدين – وآخرين ...... وكنت أشارك بقراءة قصائدي العامية التي تأثرت فيها بتجربة أبناء جيلي من الشعراء الذين سبق ذكرهم .
أما نادي القصة فكانوا الأقل عدداً أهمهم مختار عجوبه ومصطفي مبارك ونادي السينماكان إمتداد لنادي السينما في تلك الأيام – أما نادي المسرح فكان نادياً نشطاً يذخر بالممثلين المبدعين معظمهم من مسرح جامعة الخرطوم الذي سبق أن قدموا الروائع التي ورد ذكرها .
ولكن في المقرن قدم مسرح أبادماك ( الكتاحة ) للأستاذ خالد المبارك و ( سقوط دبشليم ) وهي خماسية شعرية للفيتوري قام بإعدادها للمسرح التشكيلي المصري صلاح قوله الذي أخرجها وشارك في التمثيل فيها بدور دبشليم الملك ، أما بيدبا الحكيم فقد أداه الممثل الرائع محمد عبد الماجد الذي كان طالباً في جامعة القاهرة (الفرع) ومن الناشطين السياسين وهاجر بعد بذلك إلى الكويت ولازال خارج السودان، وكان محمد عبد الماجد ممثلاً مقنعاً كان من الممكن أن يلعب دوراً في المسرح ولكنه هجره وهاجر، أما يوسف خليل كان يشد إليه النظارة المندهشين إلى أدائه الرائع والمبدع يحي الحاج الذي كان يسرق الكاميرا بقفشاته وأداءه المميز وأيضا ضمت أبادماك الممثل أنور محمد عثمان الذي كان يعمل أستاذا بمعهد النور .. ومن أهم الأعمال التجريبية لأبادماك في مجال مسرح الشارع مسرحية ( حادث القصر والنصر بعد إزالة كلمة للحفظ التي كتبها بروقراطي محال للمعاش تحت المادة 32 ب من قانون معاشات السودان ) كتب النص د . عبد الله على إبراهيم وأخرجه صلاح قوله والمجموعة .. قدموا تجربة إخراجية فريدة ... نصبوا مسرحاً مؤقتاً أمام القصر الجمهوري واستخدموا فن السينما في المسرح وشارك الكورس في مدرجات على الخشبة وشارك الممثلون من وسط الجمهور واستخدم في الفصل الثالث فن البانتومايم وهو الأداء التمثيلي الصامت في الفصل الثالث بأكمله وكلفت بأداء الدور الرئيسي في ذلك الفصل ولم اكن قد شاهدت البانتومايم في حياتي ولقننوني أداء الدور والذي كان عبارة عن راكب في بص يتأرجح مع وقوف البص والمطبات والملفات .. وسط زحام شديدة يقرأ في جريدة أسماء شهداء أكتوبر فيرد عليه الكورس بعد كل أسم ( عدد الحصي – عدد الحجر – عدد المطر ) معلق في شماعة البص .. يقاطعني الكمساري طلباً لثمن التذكرة والركاب لافساح الطريق (سأكتب لاحقا عن ردود الأفعال التي أثارتها المسرحية في الصحافة السودانية آنذاك).
عرفت البانتومايم بعد ذلك خلال استضافة أبادماك أحد أهم المبدعين في فن البانتومايم بدار الثقافة بالخرطوم وكان ألمانياً مدهشاً – عرفت بعده بأنني قد اجتزت تجربة قاسية تجاسرت فيها على فن عظيم هو مسرح البانتومايم أما نادي الفنون التشكيلية فقد ضم جيل الكبار الصلحي وشبرين وجيل وراق وطه العطا والفاتح سعد وكانت رؤيتهم الفنية سابقة لعصرهم ومتميزة بمدرسة أبادماك الذي جمعهم أما نادي الموسيقي فقد كان تمازجاً رائعاً بين الفن الأفريقي المتمثل في فرقة جاز ( الرجاف ) بقيادة إسماعيل واني وفرقته بآلاتهم النحاسية وأدائهم المتميز وقمصانهم الافريقية المزركشة .. جعلوا المندكرو يطربون لانغام ( الجللوا ) و ( السواحيلي ) وأغاني ( الترم ترم ) أما الفرقة الاخري فقد كانت فرقة حسن جبارة التي تميزت بالغناء الثوري وجعلت الناس يطلبون الاستماع إلى أغنية الشهيد صلاح بشرى ( ياصلاح آه ) ورائعة محمود درويش ( بين ريتا وعيوني بندقية ) التي غناها بعد ذلك الفنان اللبناني مرسيل خليفة وشاركت مع هذه المجموعة في العزف على الكمان .
وأواصل
أحمد طه

Post: #66
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: بكرى ابوبكر
Date: 03-23-2004, 06:39 AM
Parent: #65

الاستاذ عاطف
سلام وتحية
خلى الاستاذ احمد طه يراسلنى حتى ارسل له كلمه السر للمشاركة فى المنبر الحر
ولك الشكر الى جلب المبدعين و شكرا للهدية

Post: #68
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: Dr.Elnour Hamad
Date: 03-23-2004, 08:33 AM
Parent: #66

تشكل قاعة الطعام، في داخلية الـ إس تـي إس، بمعهد الكليات التكنولوجية (جامعة السودان، حاليا) شكل الحرف الإنجليزي V . وعند القاعدة التي يلتقي عندها جناحا المبني، يقع مسرح صغير مهجور، مطل على الساحة المحصورة بين جانبي الـمبنى اللذين يشكلان حرف الـ (V). وقد رأينا في فورة حماسنا لتنشيط الحركة الثقافية في كلية الفنون، وفي معهد الكليات التكنولوجية، بعث ذلك المسرح المهجور. ولم أعد أذكر بالضبط ما إذا كان الدعم المالي لهذا المشروع قد جاءنا من إتحاد طلاب الفنون، أم من إدارة المعهد، أم من كليهما. صارت لدينا ميزانية مناسبة، فأعدنا تأهيل المسرح المهجور، وركبنا فيه نظاما للإضاءة، وصنعنا ستارة من الخيش، وكانت تعمل بشكل جيد. وكانت فكرة ستارة الخيش، من بنات أفكار حسن موسى، الذي كان لا يرى ضرورة لأن تكون الستارة من قماشة فاخرة. كانت ستارة من الخيش مبطنة بدمورية على ما أذكر. وقد شاركت من جانبي في هذا المشروع بهمة كبيرة، كانت مستمدة، من تجربتي مع طلائع الهدهد. وقد ظلت تجربة طلائع الهدهد تسكنني باستمرار، ولذلك فحين وصلت كلية الفنون، شعرت بأنني قد افتقدت العمل في المسرح. وحقيقة الأمر، أن تجربة طلائع الهدهد، وتأثير أساتذتنا الذين أشرفوا علىها، قد لازماني حتى بعد التخرج، من كلية الفنون. فبعد أن تخرجت، وتم تعييني معلما للفنون في خورطقت الثانوية، عدت من جديد، لإهتمامي بالمسرح، فأسهمت في تطوير بنية مسرح المدرسة، وقد صادف ذلك إحتفالات اليوبيل الفضي، عام 1975، مما وفر مزانية مناسبة. كما حدثت تقدم كبير في المادة المسرحية، والإخراج المسرحي في خورطقت. وقد انعكس كل ذلك إيجابا على الحياة الثقافية فيها. والفضل في كل ذلك إنما يرجع لحركة ابادماك، وامتداداتها في المدارس، مما حظينا به في حنتوب، بفضل أساتذة، متميزين، عرفوا كيف يستجيبون لحاجة طلابهم.

كان أول عمل جرى تقديمه على ذلك المسرح، المبعوث من الموات، بمعهد الكليات التكنولوجية، هو مسرحية (زيارة السيدة العجوز). وقد قدمت المسرحية جماعة المسرح الجامعي، بجامعة الخرطوم. وقد كانت تلك الجماعة، واحدة من أذرع اليسار. وقد نال عرضهم إعجاب الحاضرين. وقد أتوا إلينا بمعدات متقدمة، مثل أجهزة الـ spot light . وأذكر من بين الذين كانوا ضمن تلك الجماعة، المرحوم، عبد الله محمد علي محسي، إبن عمة زميلنا، خلف الله عبود الشريف. وحين غادرنا المعهد إلى أهالينا، في إحدى العطلات، ولعلها إحدى عطلات منتصف العام، وجدنا، حين عدنا، أن مسرحنا الذي بذلنا في إحيائه جهدا خارقا، قد تم الإعتداء عليه من قبل مجهولين. فقد مزعت ستارته، وتم تكسير نظام تعليقها. كما تم تحطيم كل نظام الإضاءة به، ولم نفلح في بعث ذلك المسرح مرة أخرى. ولا أذكر أن إدارة المعهد أو الكلية، قد أجرت أي تحقيق في تلك الحادثة!!

صاحبت تلك الفترة نشاطا مسائيا كان عبارة عن سلسلة من المحاضرات، كان قد تبرع بتقديمها لنا الأستاذ عثمان جعفر النصيري. ولا أزال أذكر أنه كان يأتي إلينا في سيارة لاندروفر، ويدخل علينا بجسده النحيل، وحركته القلقة المتوقدة. وكانت تبدو عليه حالة من العجلة، شأن شخص يعمل تحت ضغط برنامج عمل مكثف، ومتواصل. وأظنه قد كان يعمل في حقل الثقافة، في جهة حكومية ما، في تلك الفترة. وعلى الرغم من أنه كان يحكي عن تاريخ المسرح السوداني، إلا أنه قد كان لحديثه إلينا تأثير مثل تأثير الشعر والرواية. كان يتحدث بعاطفة جياشة، وبدفق من الحنين لحقب تاريخ مدينة الخرطوم، لايملك المستمع إلا أن يتأثر بها. عرفنا منه كثيرا مما كنا نجهله عن نشأة المسرح السوداني، وعن جذوره. وقد أدهشنا النصيري بقدرته الفذة على الحكي، وبغزارة معلوماته، وكثرة الأسماء التي يذكرها، من الرواد الأوائل، خاصة الأجانب الذين كانوا يعيشون في السودان، في الحقبة الإستعمارية، ممن لعبوا دورا مهما، في نشأة الحركة المسرحية السودانية. لقد كانت محاضرات النصيري، عروضا مسرحية، في حد ذاتها. ولقد أكبرنا فيه تبرعه ذاك، ومثابرته.

كثيرا ما سمعنا من طلاب الفنون الذين سبقونا إلى الكلية عبارات الإعجاب بمجموعتنا تلك. فقد دخلنا الكلية، ولم نمارس إزورار القادمين الجدد. فقد هيأتنا تجربتنا الغنية في الثانويات، من الدخول، إلى قلب الحركة الثقافية، والسياسية، بكلية الفنون، بل والبروز في أدوار قيادية فيها. غير أن ذلك الإعجاب قد شابه شيء من التحفظ من جانب بعض قدامى الطلاب. وقد كان خلف الله عبود من أبرز الذين احتضنونا، رغم أنه قد كان في السنة النهائية، ونحن في السنة الأولى. وقد كان علاوة على ذلك، رئيسا للإتحاد. وكذلك فعلت دار السلام عبد الرحيم، التي كانت في السنة الرابعة أيضا، وبديعة عثمان الحويرص، وبابكر كنديو، وأحمد سيد أحمد (طبطب)، والنور احمد علي. وربما فات عليّ ذكر آخرين، فلهم مني العذر. قامت بيننا، وبين هؤلاء جميعا، صداقة على أساس من الندية الكاملة، رغم فارق السن، ورغم الأقدمية في كلية الفنون. ويبدو أن عبد الله بولا قد تحدث عن كثير منا، لكل أولئك الأفراد، قبل وصولنا مما جعل اندماجنا في ذلك الوسط، سهلا، وسريعا جدا.

أما إدارة الكلية، وأساتذتها، فيبدو أن الصداقة التي ولدت بأسنانها، بين شبان قادمين من الثانويات لتوهم، مع نواة حركة اليسار في الكلية، قد تسببت في إزعاجهم. ولذلك فقد تعاملت معنا الإدارة بريبة شديدة، وربما بضيق ظاهر أحيانا. وقد أتسمت إدارة كلية الفنون، وغالبية هيئة التديس بها، بالمحافظة. وحين اقول المحافظة هنا، لا أعني المحافظة بمعناها الفكري، والسياسي، وإنما أعني، ما يمكن أن يتصل من ذلك، بالركود، والخوف من الجديد، والحرص الشديد على ماهو قائم، والدفاع عن ما هو قائم، بكل سبيل. وبعد فترة من العراك في ساحة الكلية، تكشف لنا أن إدارة كلية الفنون، والقوى المحافظة من الأستاتذة، وهي القوى المتنفذة فعلا، قد ظلت تعمل، على الدوام، وربما بتخطيط قاصد، من أجل الإبقاء على تلك الطبيعة الراكدة المحافظة، المتوجسة من كل جديد. واكتشقنا أن الإجراء السحري، الذي يحفظ الصبغة المحافظة تلك، هو عدم تعيين المنتمين إلى تنظيمات سياسية، وخاصة اليسار، في وظائف معيدين. فذلك يحفظ جسد هيئة التدريس من تسرب العناصر التي ربما تقضي بمرور الزمن، على تلك الحالة المعبودة لدى قدامى المحاربين في الكلية، الذين أسسوا لها، ومكنوا لها. ويضاف إلى جيل المحاربين القدامى، صغار الأساتذة الذين أمكن تدجينهم من مختلف أجيال الخريجين، الذي منحوا وظائف معيدين، بسبب ما أبدوه من استعداد للسير في الخط القديم، والبقاء في الطريق المطروق. كما تعرفنا، منذ البداية، على المواصفات أو الـ criteria التي بموجبها يصبح الطالب معيدا. وبالفعل فقد تجنبت إدارة الكلية والهيئة التدريسية، في فترة السنوات الأربع التي أمضيناها هناك، تعيين عدد من الخريجيين اليساريين، رغم تفوقهم الأكاديمي.

كان هناك نزاع مكتوم بين مجموعتنا تلك، التي هي امتداد لقوة اليسار في المعهد وفي الكلية، من جهة، وإدارة الكلية، والمجموعة المحافظة، المتنفذة من أساتذتها، من الجهة الأخرى. وبطبيعة الحال فإننا كطلاب، كنا لا نزال وقتها، في مستهل العشرينات من العمر، ولم نخل من تطرف في كثير من الأحيان. كنا ننشر عددا من الجرائد الحائطية، وكنا ننتقد الإدارة. غير أن الإدارة لم تكن تناقشنا، وإنما تعمل في الخفاء بأساليبها، مما أخرج الأمر جملة، وتفصيلا، من الإطار التعليمي، المفترض أن يدور في حدوده، مثل ذلك الشد والجذب. حدثت بعض المشادات بين بعضنا وبعض الأساتذة. وكان حسن موسى قد بدأ رسومه الكاريكاتورية لأشخاص في هيئة تماسيح، وعلى رؤوسهم صبابات في بعض الأحيان. ولم أحس بأن حسن موسى، قد كان يقصد أساتذة الكلية، وإدارة الكلية، بتلك الرسوم، ولكن يبدو أنهم لم يكونوا يفسرون الأمر، إلا من خلال الفكرة التي كونوها عنا، وعجزوا بسبب احتكاكات كثيرة حدثت، من مسحها من رؤوسهم. وفي تقديري، وأنا أنظر إلى تلك المسالة، من بعد، وبعد مرور نيف وثلاثين عاما، أن الإدارة، والمتنفذين من الأساتذة من المحافظين، لم يكونوا يتصرفون من منطلق وضعهم كأساتذة، ومن موقعهم كمربيين. لقد كان ما يقومون به أقرب إلى الدفاع عن المركز، والمكانة، أكثر من كونه عملا متصلا بصميم العملية التعليمية، والتربوية.

لا يجب أن يبادل الأستاذ طالبه العداء، مهما كان جنوح الطالب. إذ يفترض في المعلم التسامي فوق جنوح الطلاب، وامتصاص رعوناتهم، التي غالبا ما يكون عنصر السن، عاملا رئيسا فيها. الشاهد أننا أصبنا بخيبة أمل كبيرة، في معظم أساتذة كلية الفنون، خاصة وأن الذين درسونا الفنون، في الثانويات، قد كانوا أساتذة متميزين، بمعنى الكلمة، ومتفهمين لدورهم، تماما، بل وقد كانوا يقومون بأكثر مما يمليه عليهم واجبهم. يبدو أن كلية الفنون، ممثلة في إدارتها، وأساتذتها، قد ووجهت، في تلك الفترة، بتحدٍ كبير، غير معتاد. وأصبح هم الإدارة، أولا وأخيرا، هو حصرنا في النواحي الأكاديمية، والإنجاز الأكاديمي، وكنا بحكم تفتحنا، لا نهتم بالناحية الأكاديمية، بذلك المعنى المهني المجرد، وإنما كنا نحرص على ربط الأكاديمي، بالمعرفة في فضائها العريض، وبالممارسة السياسية، وبالموقف من القضايا العامة. وحين أنظر إلى تجربة كلية الفنون، بعد كل هذه السنوات، خاصة بعد أن دخلنا الجامعات الغربية، وتعرفنا على الكيفية التي تدار بها فيها العملية التعليمية، أجد أن تجربة كلية الفنون الجميلة، في السودان، قد اتسمت بالكثير من الفقر، والهزال، حتى بمقياس الأكاديمية المهنية، الوظيفية، المجردة. نعم، ليس في الجامعات الأمريكية أنشطة سياسية طلابية تذكر. وهذا من أكبر عيبوبها، وهو عيب مشرج في طبيعة الرأسمالية الأمريكية، وفي المسار الذي سارته في المائتين عاما الماضية، وما بذلته من جهد، وقصد، في تغييب وعي الأفراد. غير أن جودة تدريس المنهج المرسوم، وإشراك الطالب فيما يتعلمه، والإستماع المخلص لوجهة نظر الطالب، لأمور تبعث على الإعجاب، حقا. أيضا، يتابع المدرسون كل جديد في حقلهم، ولايكفون عن تطوير أنفسهم. فالنظام الذي تدار وفقه العملية الأكاديمية، لا يسمح أصلا، للمدرسين بالإسترخاء، وبالترهل البحثي، والمعرفي.

وحين أعود سأواصل قليلا في تسليط الضوء على تجربة جيلنا في كلية الفنون، خاصة فترة(1970-1974).

Post: #67
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: Hashim.Elhassan
Date: 03-23-2004, 07:31 AM
Parent: #1

كما أكثر القارئيين ربما، ما كان لي سوى المتابعة لهذا الخيط الشائق من ذاكرة الثقافة و الوطن
و لأنني لا أعرف الكثير عن الإله الأسد ( ولا حتى الكشك الذي في بحري و يذكره حسين ملاسي) سوى ما قرأته من ثمالة مجلة الثقافة السودانية و هو في الغالب من المتابعات النقدية و إلى تاريخ سياسة-الثقافة أقرب..ثم زادني منه الجنرال أحمد طه الحسن حسوة ما أسعفها زمان الرحيل فتروي الصدي و لا نحن صبرنا فالريق يتبل..ثم كان هذا الخيط الفريد وشيه، و جذبته أخاذة، بقوة الظاهر و الباطن.. السؤال و الإجابة!!

و ها قد إنتشى الشيخ د. عبد الله علي أبراهيم بصهباء الحديث الطلي فأفصح عن طرب و إمتنان لكم. و لملاسي الشبل فالأسد..ونحن كذلك من الممتنين لكل مساهمة هنا أضافت و أضاءت أو أينع فيها السؤال
شكراً....و.. واصلوا..وهلا إستكتبتموه لنا في المنبر بعض علم وذكرى مما تحوي خزائنه العامرات
جاء هذا في جريدة الصحافة في 22 مارس 2004

ومع ذلك
ملاسي: أستاذ في الهرج

د. عبد الله علي ابراهيم




كنت قد كتبت من قبل يومين عن التوثيق المميز لتجمع الكتّاب والفنانين التقدميين ابادماك (1968ـ1971) والذي يتعاقب على كتابته أعضاء وغير اعضاء في منبر سودانيزأون لاين (www.sudaneseonline.com ) على الإنترنت. وقد شاركت بقلمي بكلمة علق عليها الأستاذ حسن ابراهيم ملاسي تعليقاً آسراً جداً. فحسن هو ابن استاذنا المرحوم إبراهيم حسين ملاسي معلم مادة العلوم بمدرسة عطبرة الثانوية في بعض الخمسينات والستينات. وكان مولعاً بالمسرح. وقد قوي ذلك الهوى الإبداعي عنده تلقيه العلم الجامعي بمصر. رحب حسن بإطلالتي بالموقع الشبكي بأدب ثاقب. واضاف أن محبته لنا قد انتقلت اليه من الوالد رحمه الله الذي كلما ذكر اسم عبدالله علي إبراهيم كلما أثنى عليه وذكره بكثير من التقدير والإحترام. وهذا الشبل اللبق من ذاك الأسد البليغ. ولولا إرادة المرحوم الخير لما أعجزه ان يجد فينا عيباً وقد عرفناه وبنا شدة من الصبا وتطرف . ولكن التربية مسؤولية يتخطى بها المربي العابر الى الباقي ويذيع عن الناس الجوهر لا القشور. ويترك أحكام النقص للمتربي يقررها في زمانه الخاص وعلى ضوء خبرته وحدها. وقد اسعدني أن كان ذلك القول الحسن هو رأي استاذنا فينا حتى فارق الفانية.
يدين كل من تعلق بالإبداع بعطبرة الثانوية (1956 ـ1960 ومابعدها) لملاسي. فقد كان قوي العقيدة في الفن حتى أنه لم يحتشم أمامنا فيمتنع عن التمثيل كما هو متوقع من مثل جيله أمام تلاميذ. فقد أضحكنا حتى قطع مصاريننا وهو يمثل بصوت واحد خرستو اليوناني وكوهين اليهودي. فاطلعنا من على المسرح على ثراء اللسان وكنوز الحنجرة ما لم نتعلمه في حصص اللغات بالفصول.
كان أباً لفصلنا في سنة أولى تجاني. واراد ان يفاخر بنا الفصول. فأخرج لنا مسرحية إسلام عمر بقلم صديقنا المرحوم ابراهيم سيداحمد وزميلنا في نفس الفصل. وهو شقيق المرحوم الدكتور الموسيقار مكي سيد أحمد. وينتمي الى عترة المرحوم الزعيم إسماعيل الأزهري حتى ان شقيقه المرحوم الدكتور حسن سيداحمد خطب نيابة عن الأسرة عند دافنة المرحوم في ذلك اليوم الصعب. وقد اصبح إبراهيم ضابطاً بالقوات المسلحة واشترك في إنقلاب 19 يوليو وفصلوه وجردوه. ثم عينوه بالحكومة المحلية. ومن موقعه ذاك حشد خريجي عطبرة الثانوية في 1981 ليحتفل بالعيد الفضي للمدرسة. وكان حسن الاطلاع يفوق لداته كثيراً. وعلاوة على المدرسة تزاملت مع المرحوم في رابطة اصدقاء نهر عطبرة الأدبية (1957 ) التي ضمت المرحومين المنبثق وبشير الطيب وحسن مدثر والدكتور باخريبة وألامين عبد المجيد واحمد الأمين البشير وآخرين. وكان مكتبها بعمارة عباس محمود واصدرت نشرة شغلت الساحة الأدبية هي نهر العطبرة.
وكان إخراج المسرحية مناسبة لصبي مثلي ان يقف على سحر الفن فينجذب له حتى هذه السن المتأخرة من العمر. كان دوري لا يتعدي سطراً واحداً. فكنت أرصد لسيدنا عمر (وهو لم يسلم بعد) عند الباب الذي يتذاكر فيه المسلمون القرآن. فإذا جاء عمر الى البيت قلت : هذا عمر. . . هذا عمر. فيخفون نصوصهم السرية المطاردة. وحكيت هذه الواقعة المسرحية يوماً للأستاذ خالد فتح الرحمن. فأستملحها قائلاً: وما تغير شيء. ما زلت تقول هذا عمر . . . هذا عمر. ويقصد الرئيس عمر البشير. ولكن هذا السطر الذي حشرني في المسرحية حشراً أطلعني على وسيط الفن فتعلق قلبي به.
وقفت بنفسي علي الإخراج كعملية ذكية لتأليب عناصر الإبداع. ولا يصدق المرء حسن خاتمتها وإشباعها وهو الذي رآها تبدأ من لا شيء. وقد تناصرت وسائط اخرى أعانت ملاسي على بلوغ الغاية من إخرجه. كان بالمدرسة المرحوم هاشم عثمان (وزير الخارجية لاحقاً) يدرس التاريخ. وكان مولعاً بعزف الكمان. واستعان به المرحوم ملاسي لوضع الموسيقي التصويرية. ولم يحتشم هاشم كما لايحتشم ملاسي لعرض الأعيبه الموسيقية على تلاميذه كما قد يفهم من هو في جيله. وما يزال في أذني صدي الموسيقي الرعوية التي إختارها هاشم لمصاحبة المسرحية. واكتمل سعدنا بتبرع الأستاذ أحمد علي المدرس بالأهلية الوسطى بتسجيل المسرحية علي شريط بمسجله الذي ربما كان الوحيد بعطبرة أو المديرية الشمالية لو اردت الدقة. تجمع من هذا كله شلال فرح وفن عقدت لسان الصبي بالدهشة. وايقن من يومها ان هذا الفن زمالة وكدح الى الجمال والحق.
رحمه الله أستاذنا ملاسي وأحسن اليه وبارك في ذريته. وقد ترك فينا حسناً صدقة جارية تضوع بعرفه وتدل على إنسانيته الغراء.

وسؤال يلحق !! هل ينفتح هذا السرد عن السابقين بجرأة من امثال الأستاذين المرحومين إبراهيم ملاسي و هاشم عثمان على بعض قول الدكتور: النور حمد في اليسار و اليسارية وعلاقته/ها بالإبداع في السودان؟؟ وهو مما جاء في سياق من حواره مع الدكتورة : بيان أعلاه::
قال
((أعني، موضوع الإبداع السوداني، خاصة في حقبة ما بعد الإستقلال، وإسهام قوى اليسار بالقدر الأكبر فيه. ولا شك أن الإبداع مرتبط بالحرية. أعني حرية أن يفكر المرء، وان يكسر القيود المكبلة لحركة الفكر. وهذه ميزة لم تتوفر لقوى اليمين بحكم عقائدها الموروثة، المتشككة في صنوف الإبداع، وربما إيمانها أن للإبداع جانبا، لا يقره الدين، أو ان للإبداع جانبا (لا أخلاقيا)).

Post: #69
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: الكيك
Date: 03-23-2004, 09:22 AM
Parent: #67

up

Post: #70
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: Salah Yousif
Date: 03-23-2004, 12:14 PM
Parent: #1

الصديق الودود احمد طه

لك أجمل تحية مقرونة بشوق لا يحد0 وصدقني لم تغب عن البال مرة بل إنني رغم سنوات الفراق سألت عنك في أواخر سبتمبر 2003 عندما زرت كسلا في طريق عودتي للسعودية0 ولقد علمت بأنك بالإمارات فإذا بالأخ عاطف عبد الله يحقق لنا حلم التواص عبر هذا المنبر الرحيب0

سعدت كثيرا لما أوردت من ذكريات في إطار التداعي التوثيقي لأبادماك0 ومع انني صاحب المبادرة إلا أن ما أوردته انت وجميع من ساهموا في هذا البوست دون ذكر للأسماء غطى جوانب مهمة سدت كثيرا من الثغرات0 وحقيقة لم أكن أتوقع أن يحظى الموضوع بهذا القدر من الاهتمام والمشاركة، إلا أنكم تناديتم من كل حدب وصوب لوضع لمساتكم التي لا يكتمل التوثيق بدونها0

وكنت قد انقطعت عن البورد لأيام فإذا بي حين عدت اليوم أجد اسهامات دكتور النور حمد تتواصل بلا انقطاع باسلوب سردي شكل الخيط الرابط بين تجربة أبادماك وتجربة طلائع الهدهد، فله ولك وللجميع خالص الشكر والتقدير0

صلاح يوسف

Post: #71
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: Tabaldina
Date: 03-23-2004, 04:22 PM
Parent: #1

..
.
الأخوة الاساتذة الأفاضل
تجمع الكتاب والفنانيين التقدميين
صلاح يوسف ، الجزلى ، د. النور ، عبدالله ابراهيم ، د.بشرى ، عاطف
صديق ، وكل قادة الركب من المتداخليين والمشاركين ،،،
اعتقد ان فترة الصيانة كانت كافية لمنحكم قسط من الراحة
وتجميع الذاكرة ليتواصل هذا السرد الوثائقي الشيق..

لكم دوماًالتحية والتقدير ،،

ونحن هنا قابعون ..

Post: #72
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: bayan
Date: 03-23-2004, 04:47 PM
Parent: #71

ومع ذلك
ملاسي: أستاذ في الهرج

د. عبد الله علي ابراهيم




من جريدة الصحافة عدد 22 مارس



كنت قد كتبت من قبل يومين عن التوثيق المميز لتجمع الكتّاب والفنانين التقدميين ابادماك (1968ـ1971) والذي يتعاقب على كتابته أعضاء وغير اعضاء في منبر سودانيزأون لاين (www.sudaneseonline.com ) على الإنترنت. وقد شاركت بقلمي بكلمة علق عليها الأستاذ حسين ابراهيم ملاسي تعليقاً آسراً جداً. فحسن هو ابن استاذنا المرحوم إبراهيم حسين ملاسي معلم مادة العلوم بمدرسة عطبرة الثانوية في بعض الخمسينات والستينات. وكان مولعاً بالمسرح. وقد قوي ذلك الهوى الإبداعي عنده تلقيه العلم الجامعي بمصر. رحب حسين بإطلالتي بالموقع الشبكي بأدب ثاقب. واضاف أن محبته لنا قد انتقلت اليه من الوالد رحمه الله الذي كلما ذكر اسم عبدالله علي إبراهيم كلما أثنى عليه وذكره بكثير من التقدير والإحترام. وهذا الشبل اللبق من ذاك الأسد البليغ. ولولا إرادة المرحوم الخير لما أعجزه ان يجد فينا عيباً وقد عرفناه وبنا شدة من الصبا وتطرف . ولكن التربية مسؤولية يتخطى بها المربي العابر الى الباقي ويذيع عن الناس الجوهر لا القشور. ويترك أحكام النقص للمتربي يقررها في زمانه الخاص وعلى ضوء خبرته وحدها. وقد اسعدني أن كان ذلك القول الحسن هو رأي استاذنا فينا حتى فارق الفانية.
يدين كل من تعلق بالإبداع بعطبرة الثانوية (1956 ـ1960 ومابعدها) لملاسي. فقد كان قوي العقيدة في الفن حتى أنه لم يحتشم أمامنا فيمتنع عن التمثيل كما هو متوقع من مثل جيله أمام تلاميذ. فقد أضحكنا حتى قطع مصاريننا وهو يمثل بصوت واحد خرستو اليوناني وكوهين اليهودي. فاطلعنا من على المسرح على ثراء اللسان وكنوز الحنجرة ما لم نتعلمه في حصص اللغات بالفصول.
كان أباً لفصلنا في سنة أولى تجاني. واراد ان يفاخر بنا الفصول. فأخرج لنا مسرحية إسلام عمر بقلم صديقنا المرحوم ابراهيم سيداحمد وزميلنا في نفس الفصل. وهو شقيق المرحوم الدكتور الموسيقار مكي سيد أحمد. وينتمي الى عترة المرحوم الزعيم إسماعيل الأزهري حتى ان شقيقه المرحوم الدكتور حسن سيداحمد خطب نيابة عن الأسرة عند دافنة المرحوم في ذلك اليوم الصعب. وقد اصبح إبراهيم ضابطاً بالقوات المسلحة واشترك في إنقلاب 19 يوليو وفصلوه وجردوه. ثم عينوه بالحكومة المحلية. ومن موقعه ذاك حشد خريجي عطبرة الثانوية في 1981 ليحتفل بالعيد الفضي للمدرسة. وكان حسن الاطلاع يفوق لداته كثيراً. وعلاوة على المدرسة تزاملت مع المرحوم في رابطة اصدقاء نهر عطبرة الأدبية (1957 ) التي ضمت المرحومين المنبثق وبشير الطيب وحسن مدثر والدكتور باخريبة وألامين عبد المجيد واحمد الأمين البشير وآخرين. وكان مكتبها بعمارة عباس محمود واصدرت نشرة شغلت الساحة الأدبية هي نهر العطبرة.
وكان إخراج المسرحية مناسبة لصبي مثلي ان يقف على سحر الفن فينجذب له حتى هذه السن المتأخرة من العمر. كان دوري لا يتعدي سطراً واحداً. فكنت أرصد لسيدنا عمر (وهو لم يسلم بعد) عند الباب الذي يتذاكر فيه المسلمون القرآن. فإذا جاء عمر الى البيت قلت : هذا عمر. . . هذا عمر. فيخفون نصوصهم السرية المطاردة. وحكيت هذه الواقعة المسرحية يوماً للأستاذ خالد فتح الرحمن. فأستملحها قائلاً: وما تغير شيء. ما زلت تقول هذا عمر . . . هذا عمر. ويقصد الرئيس عمر البشير. ولكن هذا السطر الذي حشرني في المسرحية حشراً أطلعني على وسيط الفن فتعلق قلبي به.
وقفت بنفسي علي الإخراج كعملية ذكية لتأليب عناصر الإبداع. ولا يصدق المرء حسن خاتمتها وإشباعها وهو الذي رآها تبدأ من لا شيء. وقد تناصرت وسائط اخرى أعانت ملاسي على بلوغ الغاية من إخرجه. كان بالمدرسة المرحوم هاشم عثمان (وزير الخارجية لاحقاً) يدرس التاريخ. وكان مولعاً بعزف الكمان. واستعان به المرحوم ملاسي لوضع الموسيقي التصويرية. ولم يحتشم هاشم كما لايحتشم ملاسي لعرض الأعيبه الموسيقية على تلاميذه كما قد يفهم من هو في جيله. وما يزال في أذني صدي الموسيقي الرعوية التي إختارها هاشم لمصاحبة المسرحية. واكتمل سعدنا بتبرع الأستاذ أحمد علي المدرس بالأهلية الوسطى بتسجيل المسرحية علي شريط بمسجله الذي ربما كان الوحيد بعطبرة أو المديرية الشمالية لو اردت الدقة. تجمع من هذا كله شلال فرح وفن عقدت لسان الصبي بالدهشة. وايقن من يومها ان هذا الفن زمالة وكدح الى الجمال والحق.
رحمه الله أستاذنا ملاسي وأحسن اليه وبارك في ذريته. وقد ترك فينا حسيناً صدقة جارية تضوع بعرفه وتدل على إنسانيته الغراء.

كتب اسم حسين حسن فى المقال الاصلى)
وقمت باصلاحها هنا)










Post: #73
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: Giwey
Date: 03-23-2004, 08:28 PM
Parent: #72

أكثر من رائع هذا البوست

جمع بين التوثيق والحكى الممتع الرصين

نفحنا بأقلام (سنينة) من خارج الحوش

د.عبد الله على إبراهيم

كنت أستمتع بعموده الشهير الجهير (ومع ذلك)

بجريدة الخرطوم إبان ديمقراطيتنا المخطوفة..

حدثنى صديقى د. محمد عبد الوهاب تلميذ د. عبد الله

بمعهد الدراسات الإفريقية والآسيوية أن د. عبد الله

لا يحاضر بل يغنى ..شكرا لأبادماك التى (رمتنا ) به..

د. النور حمد

القلم الرصين والحكى الشاهق والذاكرة المتقدة

(والحنتوبية) التى تشكل قاسمى المشترك معه رغم إختلاف

الأجيال فقد قادتنا الخطى اليها فى أوائل الثمانينات

فوجدناها كما تركها د.النور تقاليد راسخة والق مقيم

يعنى باختصار ثانوية بأكبر من (ماكينة) جامعة من جامعات

(هوجة) ما يسمى (بثورة التعليم العالى) شاهدنا طلابها

يترجمون الرجل والسلاح لبرناردشو (مسودنة) ويخرجونها

على المسرح فى منافسات الداخليات وشاهدنا ايضا مأساة الحلاج

لصلاح عبد الصبور والفرافير ليوسف إدريس وشمس ما وراء الضباب

لبدر الدين هاشم وكنا نداوم على قراءة مجلتى (الدوحة) القطرية

و (العربى) ونقرأ محمد المكى ابراهيم ومحى الدين فارس

المجذوب...

شكرا لك أستاذ صلاح يوسف أن أجلست بيننا ( أبادماك)

وأساطينها فقد كانت عصية علينا نسمع عنها ولكن (طشاشا)..

تداعوا أيها الأحباب فنحن نقرؤكم ونسأل هل من مزيد...


ولكم الود من قبل ومن بعد...



عبد الرحمن حمد النيل ...

Post: #74
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: Dr.Elnour Hamad
Date: 03-24-2004, 00:34 AM
Parent: #73


شكراصلاح يوسف، شكرا تبلدينا، شكرا قوي، على إشاراتكم الكريمة.

وأعود لأواصل:

لم أرد مما كل ما قمت به من سرد، مجرد السرد، والتأرخة، كما أشار أستاذنا الجليل، الدكتور عبد الله علي إبراهيم، وإنما أردت أن استعين بالسرد، وبتلمس خطوات جيل من الشباب، شكل اليسار الجزء الأكبر من وعيه الفكري، والسياسي. والإستعانة بذلك، على تلمس مناطق الإشتجار في تجاربنا، والمواطن التي هي بحاجة إلى أن يطالها مبضع النقد. ومما يقتضي المقاربة النقدية الصريحة، مجال التعليم العالي في السودان، والطريقة التي كان يدار بها. خاصة، إهمال ما يمكن أن يحقنه الطلاب في البرنامج الدراسي، مما يسميه الأمريكيون، student input . لا أظن ان أساتذتنا في كلية الفنون، قد كانوا بدعا من الأمر، في أمر علاقتهم بطلابهم، وإنما شأنهم شأن رصفائهم في مؤسسات التعليم العالي، السودانية، الأخرى. والمتسبب في الهوة الكبيرة التي ظلت تفصل بين الأستاذ والطالب، وما شاب تلك العلاقة من سمة نزاع، إنما يعود إلى فلسفة التعليم، التي أكل الدهر عليها، وشرب. أعني الفلسفة السلطوية التي تعطي الأستاذ كل الحقوق، وتمنع الطلاب، أي حق.

لقد تميز الأساتذة الذين أشرفوا على طلائع الهدهد في حنتوب، عن بقية المعلمين، بوعيهم اليساري. وحين أقول وعيهم اليساري، إنما أعني، خروجهم على الموروث فيما يخص العلاقة بين الأستاذ والتلميذ. لقد كسر أولئك الأساتذة الحواجز القديمة، وأقاموا علاقتهم مع طلابهم وفقا لوعي كان جديدا جدا وقتها. وقد كان مسلك أولئك الأساتذة مستهجنا، في حنتوب من قبل المحافظين من المدرسين. وقد تعامل مع مسلكهم ذاك، المحافظون، والتقليديون، من الأساتذة، بوصفه كارثة حلت بالتعليم، ولسوف تقود حتما، إلى فقدان هيبة المعلم. وما أحسه أنا الآن ، ومن واقع تجربتي الشخصية، أن احترامي لأولئك المعلمين الطليعيين، قد زاد بمرور الزمن. فقد أثبت كل ما عرفته لاحقا، من شأن علاقة الأستاذ بالطالب، نفاذ الرؤية المبكر لديهم. الأمر الذي جعلهم لا يغيبون عن ذاكرتي، في يوم من الأيام. أما الآخرون من المتوجسين من كل جديد، ومن الذين يحسبون كل صيحة عليهم، فإنني لم أعد أذكرهم إلا لماما. إذ لم تصحبني تاثيراتهم في ما تلا، من مسار حياتي. بل إن الذي صحبني من تاثيراتهم لا يعدو بضع أمور سالبة.

حين جئت إلى كلية الفنون، انتكست صورة المعلم في ذهني، بعد أن نعمت بعلاقة أخوية، وتعليمية مثمرة مع الأساتذة الذين كانوا يشرفون على طلائع الهدهد، في حنتوب. وجدت معظم الأساتذة في كلية الفنون، باستثناء قلة قليلة، مثل أفندية غارقين في عبادة الوظيفة. لم أحس منهم كونهم، فنانين مشغولين بتجويد فنهم، وبدفع حركة الثقافة في البلاد، وتوسيع موطء القدم للفنون في مدارسنا. كان كل شيء يسير بطريقة ديوانية، روتينية ليس فيها شيء من طاقة الخلق لدى الفنانين، كما ليس فيها شيء، من دفق عاطفة الفنانين المشبوبة. وجدنا كلية الفنون التي طالما حلمنا بالوصول إليها، مجرد ديوان آخر من دواوين الحكومة. ومصداق ما تقدم أن معظم الفنانين، الذي أهمهم أمر فنهم، ممن سبق أن مارسوا التدريس، في كلية الفنون، عجزوا عن البقاء فيها طويلا. فكان أن هجروها إلى غيرها. وقد برز أولئك، لاحقا، بروزا كبيرا، أينما حلوا، في حواضر العالم المختلفة. بدأت الهجرة من كلية الفنون، في الستينات، وقد مثَّل الفنانون بذلك، الرواد الأوائل لمسلسل هجرة المبدعين من السودان، الذي تسارعت وتائره، وتكثفت عقب وصول الإنقاذ في 1989. وأظن أن للفنانين حاسة يمتازون بها على غيرهم. وهي حاسة تجعلهم قادرين على قراءة صورة المستقبل، بما يتلمسون من بذور الإنهيارات المقبلة، المندسة، في هدأة الحاضر.

الشاهد أن كلية الفنون، قد ظلت تعاني، عقما شديدا في فضائها الإداري، وفي هيئتها التدريسية. ويقودني هذا للتطرق لمفهوم الوظيفة في السودان. فالوظيفة في السودان تمنح مدى الحياة، بلا كثير قيود أو شروط. وقد قاد هذا في بعض تجلياته، إلى تفشي الترهل المهني، والترهل المعرفي، خاصة في مجالات التعليم. ففي غالب الأمر يقنع صاحب المهنة بالقليل الذي تخرج به من الدراسة العليا، ورويدا رويدا، يعفو الزمن على ذلك القديم، وتصبح العادة هي التي تسير الأمور، أكثر من أي شيء آخر.

كنا نلاحظ أن كثيرا من أساتذتنا لا يقرأون، ويبدو أنهم كان يزعجهم أننا نقرأ كثيرا، ونتأثر بما نقرأ! كانوا لا يناقشون أي قضايا جادة، ويزعجهم أننا مغرمون بالحوار، بل وبجر كل الأمور إلى معترك السياسة. كانوا يدرسوننا الذي خبروه قبل عشرات السنين، ولم نكن نحس بأنهم يتابعون ما استجد في مجالهم. طيلة فترات حكم نميري، ظل عدد من أساتذة الفنون أعضاء في لجان المهرجانات، وعمل النُّصُب في الصواني، ومستوعبين في تصميم الشعارات، وخدمة الآلة الإعلامية للإتحاد الإشتراكي. كانوا بقلوبهم، بل وبأجسادهم، في تلك الجهات، أكثر مما كانوا في الكلية. حين ندخل عليهم في مكاتبهم، نحس بالإرتباك في وجوههم، ونجدهم منكبين على إنجاز تلك المشاريع التي أوكل لهم تنفيذها. كانوا يعملون من أجل دخل إضافي، في الوقت المخصص لنا نحن كطلاب. ولن أكون مبالغا إن قلت، إن كل ما نابنا من أساتذتنا في كلية الفنون، هو أنهم كانوا يقدمون لنا مواد الرسم، وينصرفون لهمهم الشاغل في زيادة دخولهم، ثم يأتون في نهاية العام لتقييم أعمالنا. في السنة الرابعة، وقد كانت سنتنا النهائية، لم يدخل علينا أي واحد من منهم أستوديو الرسم المخصص للطلاب النهائيين. نعم!! لم يدخل علينا احد منهم، طيلة ذلك العام!!! وقد لا يصدق هذا كثيرون، ولكنه حقيقة، ومن شهوده حسن موسى، ومحمود عمر، ومحمد شداد، ومحمد مختار، وعثمان حامد الفكي، وهؤلاء هم الدفعة التي تخرجت من قسم التلوين، عام 1974.

تطالب الجامعات الأمريكية من يتم تعيينهم كاساتذة، كتابة خطة لتطوير القدرات الشخصية، مداها ثلاث سنين. خطة يحدد فيها الأستاذ شكل إسهامه الذي سوف يساهم به في تطوير البرنامج الذي سوف يقوم بالتدريس فيه. تجري مراجعة ذلك البرنامج، وتقييمه من قبل لجنة متخصصة. وحين يجاز ذلك البرنامج، يصبح هو خارطة الطريق لذلك الأستاذ الذي تم تعيينه. وبعد نهاية السنوات الثلاث، يجري تقييم الأستاذ، وفقا لمدى التزامه بذلك البرنامج الذي وعد به، وتمت أجازته بواسطة اللجنة. وبناء على ذلك يتقرر ما إذا سيحصل ذلك الأستاذ على تجديد لعقده، أم لا.

أيضا، تعطي الجامعات الأمريكية، الطلاب فرصة تقييم الأساتذة، فعند نهاية كل فصل دراسي، يملأ الطلاب ورقة معدة لهذا الغرض. فيها يقوم الطلاب بتقييم مادة الكورس الدراسي، وخصائص المدرس الذي درَّس الكورس، السالب منها والموجب. والأورنيك الذي يملأه الطلاب مقسم إلى أجزاء مختلفة لضمان شموله لأكبر قدر من الجوانب المتعلقة بالكورس، وبالأستاذ الذي يدرسه، وذلك لضمان عدالة التقيم. هذا النهج تقف وراءة فلسفة تعليمية حكيمة، قصدت، في الأساس، إلى إنهاء السلطة الديكتاتورية التقليدية، للمعلم. فالتعليم عملية مركبة، ولا يأتي العلم كله من جهة المدرس وحدها، كما ظل مُعتقدا فيه لوقت طويل. فللطالب إسهام معتبر في العملية التعليمية. بل إن المعلم يتعلم، هو الآخر، من تلاميذه. والمعلم الذي لا يستجيب لحاجات طلابه، ولا يسألهم رأيهم فيما يتلقون، ويتصرف وكأنهم غير موجودين، معلم فاشل. ولو قال غالبية الطلاب عن مدرسهم هذا، أنه مدرس سيء، فهو مدرس سيء، ولن تشفع له شهاداته، في ذلك الأمر، مهما علا شأن تلك الشهادات. نعم، للنظام التعليمي الأمريكي، مساوئه أيضا، ولكنه، لا يقارن، في أسوأ أحواله، بالذي كان يجري معنا في كلية الفنون الجميلة والتطبيقية في الخرطوم، وربما في سائر مؤسسات التعليم العالي الأخرى في السودان. وقد قصدت من التركيز على هذه النقطة، أن أقول ان نظامنا التعليمي العالي، بحاجة إلى مراجعة جادة. نحن بحاجة إلى تفكيك فلسفة التعليم القديمة السلطوية، التي تجعل من المدرس سلطانا يتصرف في إمبراطورية صغيرة، بلا رقيب تقريبا. الأمر الذي يقود إلى تجاوزات كثيرة، بسبب ضعف الرقابة على المدرس، وعدم فحص المادة التي يتم تدريسها بصفة دورية، للتأكد من ملاءمتها، ومواكبتها. فالذي كان، وربما لا يزال، يجري عندنا، هو ترك الحبل على الغارب للمدرس لمجرد أن له شهادة! لم يكن هناك اهتمام بالتطوير، بل ربما كان هناك عدم إيمان بضرورة التطوير، أصلا.

وللتدليل على درجة الإستقطاب في الصراع بين إدارة واساتذة كلية الفنون، المحافظين، من جهة، وقوى اليسار الطلابي، من الجهة الأخرى، أحكي لكم القصة التالية: كان حسن موسى القادم من الأبيض الثانوية، هو الحاصل على أعلى درجة في مادة التربية الفنية، في امتحان الشهادة الثانوية لعام 1970، على مستوى جميع القطر، وقد كنت الطالب الذي يليه مباشرة، إذ كنت الحاصل على ثاني أكبر درجة. دخلنا كلية الفنون معا، وأصبحنا أصدقاء، ملازمين لبعضنا بعضا. كما نشطنا معا في مجالات الفكر والسياسة. وكما تقدم، فإن النشاط السياسي كان مما لا يستسيغه الأساتذة. خاصة إن وصل حد انتقاد الإدارة، في أي شأن من الشؤون. وحين أنهينا السنة الأولى في كلية الفنون، حصل كلانا على درجة مرور Pass في مادة الرسم. جئنا من الثانويات، بدجة ممتاز، وبعد عام كامل من الدراسة، في كلية الفنون، أصبحت درجتنا، (مجرد مرور)! وقد حصل كثيرون ممن هم دوننا قدرة، من طلاب السنة الولى، على درجة ممتاز، ودرجة جيد! وقد كان كل الطلاب مستغربين من تلك النتيجة التي جاءت مفاجئة للجميع. وأصبحت، من ثم، مثار تندر كبير على الأساتذة. وقد فهمنا نحن من تلك النتيجة، أنها رسالة موجهة إلينا، ومضمونها هو إن أردنا الدرجات العالية، فعلينا أن نكون مطيعين، وأن نكف عن المشاكسة. ولم نهتم بذلك، بطبيعة الحال. فقد كانت قامتينا الفكرية، والأخلاقية، متجاوزتين لذلك النوع من المناورات، ومن التهديدات البائسة. وسرنا فيما كنا سائرين فيه، إلى أن تخرجنا. وقد عرفنا، منذ السنة الأولى، أنه لا فرصة لنا في أن يتم قبولنا، في نهاية الأمر، كمعيدين في كلية الفنون، وقد حدث ما توقعناه. كان ذلك هو حال كلية الفنون في السبعينات، ولا أدري كيف هو حالها اليوم.

لعلني أسهبت بعض الشيء في الحديث عن إدارة وأساتذة كلية الفنون. غير أن غرضي من ذلك التوسع، هو نقد فلسفة التعليم السائدة، والاساليب الإدارية القديمة، المليئة بالثقوب، والمتضمنة لكثير من الهضم لحقوق الطلاب. لا لشيء سوى أنهم طلاب، وأنهم الحلقة الأضعف في السلسلة، بحكم خلو وفاضهم مما يعطي مكانة، وقوة، وسلطة. فالطلاب، قبيل من المستضعفين، شأنهم شأن الأطفال. فكلاهما قبيل مجرد من الفرص، فيما يتعلق بامتلاك السلطة، والوجود في مركز القوة، والنفوذ. كما أن القوانين التي تحميهم، وتحفظ حقوقهم، لم تتم كتابتها بعد. وعموما، لم تضع اللوائح المنظمة لهذه العلاقة، (أستاذ/طالب)، في حسبانها حقوق الطالب، وإنما قامت كلها على أن سلطة المعلم المطلقة شيء طبيعي. ولعلها، وفي أحسن الفروض، قد قامت على الثقة العمياء في المدرس. غير أن الأساتذة كثيرا ما يتنكرون لتلك الثقة. ولا أعتقد أن إدارة كلية الفنون، قد كانت إدارة سيئة في ذاتها، لكونها قد كانت عاضة بالنواجذ على تكريس الأمر الواقع. فهي الأخرى ضحية لفلسفة التعليم الموروثة، والتي ربما يكون المستعمرون هم الذين صاغوها، لتكريس الحالة الإستعمارية، وإخراس صوت الطلاب. غير أننا تبنيناها، عن حسن نية، ظنا أنها مبنية على محض العلم ومحض الأصول التربوية الصحيحة.

لم تتغير كثير من الأمور في حقل التربية عبر عشرات السنين. ولم يهتم القائمون على أمر التعليم، بالإسترشاد بتجارب الغير، بل لم يحفل أولئك القائمون، حتى بالمتابعة الجادة، لما يقوم به الغير. وبسبب تلك الممارسة المسترخية، المترهلة، أصبح التخرج من الجامعة يمثل بشكل تلقائي، حدا نهائيا لعملية التعلم. فحين يتسلم المتخرج وظيفته، يكف عن التعلم، وينصرف إلى الإنشغال بأموره الحياتية المختلفة. فالهدف أصلا، قد كان الوظيفة، وقد حصل عليها، ففيم التعب إذن؟!! وحين يتخلف المعلم معرفيا، وتواجهه التحديات من الأجيال الحية، المطلعة، الشغوفة، بالمعرفة، ويجد أن قامته لا تسعفه في التصدي لحاجتهم، وفي كسب احترامهم، يبدأ في الإزورار، وتجنب الحوار معهم، ويتحول، من ثم، إلى ديكتاتور، ويتخدنق، بل، ويتفنن في التخندق، وراء الإجراءات الإدارية. وهنا تخرج العملية التعليمية من مسارها جملة وتفصيلا، وتتحول إلى مجرد صراع عقيم.

جئت إلى كلية الفنون، متأثرا حتى النخاع، بتجربة طلائع الهدهد، التي كانت هي الأخرى امتدادا لحركة أبادماك، التي شكلها، أولا وأخيرا، الوعي اليساري، الطليعي. ولا أعتقد أن تاثير اليسار على حركة التعليم، خاصة في القرن العشرين، هو خاصية سودانية، وحسب. في تقديري، أن تأثير اليسار على التعليم قد انتظم الكوكب بأسره. وجدت كليات التربية بالجامعات الأمريكية، أنها لكي تظل مؤسسات محترمة، لابد لها من تضمين فكر اليسار في نظريات التربية. ولذلك أصبحت النظرية النقدية الإجتماعية Critical Social Theory، واحدة من زوايا الرؤية لمؤسسة التعليم، بل وواحدة من مناهج العمل البحثي في حقل التعليم. ويمثل هنري جيرو أحد كبار منظريها. تحفر هذه النظرية في صراع القوة، والسلطة، في المجتمع، وانعكاساته على فلسفة التعليم، وعلى الممارسة في حقل التعليم. وقد تم إعتماد هذه النظرية، رغم يساريتها، ورغم كونها قد نبتت فوق تربة الماركسية. كما أصبحت كتب بول فيريري من أهم ما يدرس في كليات التربية. الشاهد أن فكر اليسار أسهم في تحويل وجه التعليم الأمريكي المحافظ، بقدر كبير. وقد تمت إعادة صياغة العلاقة بين الأستاذ والجامعة، والأستاذ والطالب، وفق هدى مثل ذلك النقد. وأاصبح للطالب، من ثم، صوت مسموع في العملية التعليمية. الشاهد أن العلاقة بين الأستاذ والطالب لا تخرج من إطار صراع القوى. فهي ليست علاقة برئية، مثل علاقة الأب والأبن. وحتى علاقة الأب والإبن، فإنها تخضع هي الأخرى، في أحيان كثيرة للصراع، فهي تتأثرب سلبا، وإيجابا، بمنظومة العلاقات الإجتماعية السائدة. وكم من الأبناء والبنات، تمردوا، على سلطة الآباء، والأمهات، وخرجوا عليها؟

كان اليمين الذي جسده الإخوان المسلمون، ومدرسو التربية الإسلامية، في حنتوب نهاية الستينات، كثيرا ما يردد في معرض تصديه للطرح اليساري، أن المجتمع السوداني مجتمع غير طبقي! وحين دارت الأيام، ووصل هذا التيار عبر مسمياته المختلفة إلى السلطة، جسد بنفسه، من الطبقية في المجتمع السوداني، ما لم يعرفه السودانيون طوال تاريخهم. لقد كان هناك صراع طبقي، وهناك علاقة قوة، وهيمنة، على الدوام، في السودان وفي غير السودان. فهذه ظاهرة لا يخلو منها مجتمع بشري، على الإطلاق، لكونها متجذرة في تاريخ المجتمعات، ولا يتم محوها بين يوم وليلة. فهي قد تشتد حدة أحيانا، كما هو الآن في السودان، وقد تخبو قليلا، كما كان عليه الحال في السودان، قبل بضعة عقود. الشاهد أن علاقة الأستاذ والطالب علاقة بين طرفين غير متساويين في فرص امتلاك السلطة، والجلوس في موقع القوة، والنفوذ. ولهذا فهي علاقة تتسم في كثير من صورها بالقمع، وبالفوقية، ولابد أن تخضع لمبضع النقد، ولمحاولات التفكيك. وقد أخضعها الآخرون لكل أولئك، قبلنا. فهلا فعلنا؟

فيما هو مقبل من حلقات، سوف أحكي عن غرامنا بالسينما في أول السبعينات، وعن أفلام أول السبعينات، وتجربة مؤسسة الدولة للسينما، وعن فلم (زد) وزيارة ميكس ثيودوراكس. ثم عن مفترق الطرق، حين تشعبت المسالك بمجموعتنا تلك، وتحول كل من شخصي، والأخ خلف الله عبود، إلى فكر الأستاذ محمود محمد طه.

Post: #75
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: bayan
Date: 03-24-2004, 02:33 PM
Parent: #74

استاذ النور
ثر ومتألق دوما
نتمنى الا تتوقف

صديق درار ما قصرت
زينت البورد بجميل النظم

البقية نتمنى ان تستمر هذه الذكريات

Post: #76
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: HOPEFUL
Date: 03-24-2004, 02:37 PM
Parent: #74

up

Post: #77
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: Dr.Elnour Hamad
Date: 03-24-2004, 06:51 PM
Parent: #76

شكرا دكتورة بيان، مرة أخرى. تشجيعك زاد يحفز العزم، ويقوي الهمة.
شكرا هوبفول لرفع البوست.
وأعود لآواصل:

كنا نرتاد السينما بانتظام شديد. وقد كانت الدور التي نرتادها أكثر هي، سينما الخرطوم غرب، وكلوزيوم، والنيل الأزرق. غير أننا كنا، نذهب في بعض المرات إلى الحلفايا، والوطنية في بحري. ولو سمعنا بفلم ممتاز في الصافية، أو بانت، أو أم درمان، أو الخرطوم جنوب، فكنا نذهب إليه، أيضا. ولقد ساعدنا في ذلك، توفر المواصلات العامة، وقتها، وانضباطها. كان لحسن موسى ومحمود عمر ثقافة سينمائية ثرة، وذلك بحكم نشأتهما في مدينة الأبيض، التي عرفت دور العرض السينمائي، منذ وقت طويل. وقد أفدت أنا شخصيا من ثقافتهم تلك. إذ أنني بحكم نشأتي الريفية، لم أعرف السينما إلا بعد أن وصلت إلى حنتوب، ولم يكن يسمح لنا بالذهب للسينما، ونحن في حنتوب، إلا مرتين في الشهر، وبإذن من مفتش الداخلية. وكنا لا نتخير الأفلام، وإنما نرتاد الفلم الذي يصادفنا. أما في السنة الأولى، بكلية الفنون، وبفضل خبرة حسن موسى، ومحمود عمر، وثقافتهما السينمائية الواسعة، أصبحنا نتخير الأفلام. وقد ساعدنا كثيرا أن تلك الفترة قد شهدت عرض أفلام بالغة الجودة. شهدنا فيلم (الميغوس) لأنطوني كوين. كما شهدنا،فلم، (ذي أننهابتد The Uninhabited)، لجيمس ميسون وميلينا ميركوري. و(ذي بروفيت The Prophet) لفيكتور قاسمان، وآن مارغريت. كما شهدت تلك الفترة بداية ظاهرة (أسبوع الفيلم) . وقد ركزت تلك الأسابيع على أفلام الدول الإشتراكية. وقد شهدنا أسبوع الفيلم البلغاري، وبعضا من أسبوع الفيلم السوفيتي. وأذكر كيف كان فلم (المدمرة بوتمكن) و (الحرب والسلام) مملين لنا وللجمهور، ولم أعد اذكر، ما إذا كانا قد عُرضا ضمن أسبوع الفيلم السوفيتي، أو منفصلين. لكن، من الأفلام التي انطبعت في ذاكرتي لقوة تأثيرها، أفلام (I met Happy Gypsies صادفت غجرا سعداء). وأظنه قد كان فيلما يوغسلافيا، على ما أذكر. و(وداعا أيها الأصدقاء Farewell Friends ) الذي كان ضمن أسبوع الفلم البلغاري. ثم جاء فليم (زدZ ) الذي روج له الشيوعيون أيما ترويج، وصحبت مجيئه دعاية منقطعة النظير، وكان أن رأينا ميكس ثيودوراكس، عيانا بيانا في دار الثقافة في الخرطوم، في أمسية محضورة. وأظن أن من واجب الذين كانوا ضمن القوى الناشطة في الحقل الثقافي من اليساريين، ان يوثقوا لسيطرة الدولة على استيراد الأفلام، وتوزيعها، بواسطة مؤسسة الدولة للسينما التي تم إنشاؤها مع بدايات مايو.

كان قيام المؤسسة جزءا من المنظور الذي به جرت عملية تأميم الشركات الخاصة. كما كانت أيضا، جزءا من عملية العمد إلى السيطرة على وسائل الثقافة، بغرض التوجيه، كما هو معمول به في دول الكتلة الشرقية، شيوعية التوجه. ولقد رأس مؤسسة الدولة للسينما لفترة، الراحل، على المك، ولابد أن بعض العاملين معه، لا يزالون أحياء، وعليهم يقع عبء التوثيق لتلك الفترة. فإن مقاربتها بمباضع النقد المتجردة، أمر ضروري الآن. وأظن أن نقص الإعتدال السياسي، والإيمان أحادي الجانب، بحتمية انتصار المد الإشتراكي، قد صاحب كثيرا من الإجراءات، التي تمت في تلك الأيام. ولربما كان طبيعيا أن يكون هناك تطرف، وعجلة، ونقص روية، وذلك بسبب حالة العداء المستحكمة للغرب، ولثقافة الرأسمال. ثم، بحكم الصخب الدعائي الذي كان يحدثه المد اليساري في منطقة الشرق الأوسط، وفي غيرها مما يسمىة دول العالم الثالث.

الطريف إن الإخوان المسلمين حين قدموا إلى السلطة، في نهاية الثمانينات، تحت مسمى (ثورة الإنقاذ الوطني) بقيادة العميد عمر البشير، لم يستفيدوا من دروس التاريخ. فأعادوا التجربة نفسها، أعني تجربة السيطرة على الإعلام، ومحاولة غسل الأدمغة، ليس على قرار النموذج السوفيتي، وحسب، وإنما أوغلوا فأعادوا بعض سمات النموذج العسكريتاري، النازي. أعادوا تجربة السيطرة والتوجيه، والتعبئة، مما ثبت فشله، في عديد التجارب. والطريف، أنهم أعادوا تلك التجارب الغاربة، في حلة بالغة البؤس. سلكوا في التعبئة، وفي التحميس للشهادة، وفي تصوير المجد الزائف، عن طريق تأجيج حالات العصاب الديني، الهوسي، الوسواسي، مسلكا وعرا. ورجعوا في ذلك القهقرى، حتى بلغوا مراقد الأسطورة في سراديب الماضي. وللمفارقة، فقد روي أن الدكتور حسن الترابي، حامل لواء حركة التحديث، في هذا التيار، هو الذي أصبح يجري مراسيم عقود الزواج الوهمية لموتى مليشيات الإنقاذ، على حور الجنان العلا. وصار برنامج (ساحات الفدا)، مضحكة مشاهدي الفضائية السودانية، حيثما وصل إرسال تلك الفضاية المسكينة، الغارقة في غيبوبة العزلة الفكرية، وفي ظلمات النرجسية، وعبادة الذات.

من الممثلات ذوات الشهرة العالمية، من ذوات الأصل اليوناني، على ما أذكر، إيرين باباس، وميلينا ميركوري. وقد كانت إحداهن وزيرة للثقافة، في اليونان، وأظنها ميلينا ميركوري. وقد أوردت الإشارة السابقة في معرض ما انتويه من الحديث، عن فيلم (زد). يحكي فيلم زد، باختصار شديد، وصول الشيوعيين للسلطة في اليونان، عن طريق االديمقراطية. غير أن تآمرا قد حدث ضد تلك الخطوة، وتم إجهاضها، باغتيالات سياسية، وبإنقلاب عسكري، دبرته القوى العالمية المعادية للمد الشيوعي، بالتنسيق مع القوى اليونانية الداخلية، خاصة في المؤسسة العسكرية. وبالطبع فقد تكرر ذات السناريو في عام 1973 في شيلي حين وصل الشيوعيين إلى السلطة، وتمت الإطاحة بالدكتور سيلفادور الليندي، في إنقلاب يقال أن المخابرات الأمريكية، هي التي دبرته.

كانت حماسة الشيوعيين السودانيين لفلم، (زد)، عارمة جدا. فقد صحبت عرض ذلك الفلم، دعاية لم يلقها فيلم سواه، في تاريخ عروض السينما في السودان. وقد كان فلم (زد) هو حديث الأوساط الثقافية اليسارية في الجامعات والمعاهد العليا. وقد ذهبت مجموعتنا في كلية الفنون، والتي أتحدث عنها هنا، لمشاهدة الفيلم في سينما كلوزيوم. وقد ظل الفلم مدار نقاشاتنا لفترة من الوقت. وقد كان الفلم جيد الصنع فعلا، وكانت موسيقاه معبرة عن أحداثه العاصفة، ومؤثرة جدا. وفي إطار تلك التظاهرة التي صاحبت عرض الفيلم، ذهبنا إلى دار الثقافة، وحضرنا الأمسية التي جرى فيها تقديم الموسيقار، ميكس ثيودوراكس، الذي قام بعمل الموسيقى التصويرية، للفلم. وأذكر أن أحد السائلين سأل ثيودوراكس عن نسبة الدعم الشعبي للحزب الشيوعي في اليونان، فذكر ثيودوراكس رقما في التسعينات. وأظنه قال 95%، أو يزيد على ذلك قليلا. وأذكر أن الدكتور عبد الله علي إبراهيم عقب على تلك الإجابة، بسؤال مفاده، إذا كانت النسبة كما ذكر ثيودوراكس، فكيف نجح الآخرون في قفل الباب أمام الشيوعيين، وتم منعهم من الوصول إلى السلطة. ولقد بدا لي أيضا، حين سمعت إجابة ثيودوراكس، أن أجابته بتلك النسبة العالية، قد اتسمت بشيء من المبالغة.

كانت كلية الفنون، في تلك الحقبة قلعة يسارية. وقد كان اتحادها مسيطرا عليه من قبل الشيوعيين. كان رئيس الإتحاد حين وصلنا الكلية في أخريات عام 1970، الأخ خلف الله عبود الشريف، وقد كان شيوعيا نشطا، وقد ذكر، بعد أن أصبح كلانا جمهوريين، أنه كان من الذين يساعدون في الجوانب الفنية في صحيفة الميدان. وأظن أن خلف الله عبود قد ذكر لي أيضا، أن الأستاذ جرجس نصيف سلامة، الذي ترك التدريس بالكلية قبل دخولنا لها، قد عمل معه هو الآخر، في الجوانب الفنية، والإخراجية، وغيرها من المهام الإعلامية في صحافة، وإعلام الحزب الشيوعي السوداني. كان من أبرز اليساريين في الكلية، في تلك الحقبة بالإضافة إلى خلف الله عبود، كل من النور أحمد علي، ومحمد سيد أحمد (طبطب)، ودار السلام عبد الرحيم، وبديعة الحويرص، ونجاة جاد الله جبارة. غير أن خلف الله عبود قد أخذ يميل قليلا قليلا، نحو فكر الإستاذ محمود، وانتهى به الأمر أن أصبح جمهوريا في نهايات عام 1971.

في سكننا ذي الغرف الثلاث المفتوحة على بعضها، كان يزورنا، وبانتظام شديد، إبراهيم قرني. كان إبراهيم قرني في السنة الرابعة، في كلية الفنون، في قسم طباعة المنسوجات. وقد كان، هو وهاشم إبراهيم، الذي كان طالبا بالأقسام الهندسية، الجمهوريان الوحيدان، في المعهد الفني. ظل إبراهيم قرني مثابرا في زياراتنا في سكننا. وبعد حلقات كثيرة من النقاش الذي كان يمتد لساعات، دعانا للذهاب إلى منزل صديقه عمر صالح بمنطقة (اللاماب بحر أبيض). كان لعمر صالح الذي كان يعمل موظفا بشركة سرقاس بالمنطقة الصناعية في الخرطوم، مسجل صوتي كبير، من النوع القديم، ذي البكرات الدائرية، وأظنه قد كان من طراز "غروندق"، على ما أذكر. يحتفظ عمر صالح بتسجيلات كثيرة، لمحاضرات الأستاذ محمود محمد طه، التي كان يلقيها في مدن السودان المختلفة، في حقبة الستينات. وقد أستمعنا ضمن تلك المحاضرات، إلى محاضرة (الإسلام والفنون)، التي كان قد قدمها بكلية الفنون، قبل وفادتنما إليها. وكان ذلك في عام 1968. وأذكر أن الذي قام بتقديم الأستاذ محمود للحضور، في تلك المحاضرة، وقد كان وقتها طالبا بكلية الفنون، هو الدكتور، موسى الخليفة الطيب. وقد خرجت تلك المحاضرة لاحقا، مع مقدمة في كتاب الأستاذ محمود محمد طه (الإسلام والفنون). ترددنا مرات على منزل عمر صالح، وقد كان أستاذنا عبد الله بولا، كثيرا ما يصحبنا، في تلك الزيارات. قادت علاقتنا بإبراهيم قرني بالتزام كل من خلف الله عبود، وشخصي، للفكرة الجمهورية. وقد سبقني خلف الله عبود في الإلتزام ببضعة شهور.

خيمت سحابة من الحزن، والأسى على شلة اليساريين في كلية الفنون، وكنا كثيرا ما نطالع نظرات الإشفاق علينا، في عيون أولئك الصحاب. وعموما، فقد بقي الود بيننا قائما. فقد كانت المجموعة، مجموعة متفتحة، ومفكرة، ولم يفسد تباعد الرؤى الذي حدث وسطنا، للود قضية. نعم، لقد أحزن خروج خلف الله عبود، من الحزب الشيوعي، الشيوعيين المنظمين. أما انا فلم أكن منظما، حتى في الجبهة الديمقراطية، وقد كان موقفي من التنظيم، من حيث هو ثابتا، منذ أيام حنتوب، وحتى تلك المرحلة. وعموما فقد كانت مجموعتنا، مجموعة مختلفة المشارب، جمع بينها الهم المعرفي، والحلم الإنساني العريض. ولم يؤثر على صداقتنا تباعد الرؤى فيما يخص قضية الإنخراط في منظومة اليسار المنظم. كان أغلبنا يعرف مآزق التنظيمات العقائدية، ومصادراتها للحرية الفكرية للفرد، وتضييقها لمساحة الفردية. ومع ذلك، فقد كانت سيوفنا، في أغلب القضايا، مع حركة اليسار، في كلية الفنون، وفي المعهد الفني ككل. منذ تلك اللحظة قل انغماس شخصي، والأخ خلف الله عبود، في تلك المجموعة، فقد استوعبتنا حركة الجمهوريين التي أصبحنا أعضاء كاملي العضوية، في تنظيمها، وانشغلنا، من ثم، في نشاطها اليومي.

تخرج إبراهيم قرني، وخلف الله عبود، وهاشم إبراهيم، في صيف 1972. وحين عدنا في نهايات خريف 1972، وكنت قد انتقلت من السنة الأولى إلى السنة الثانية، اصبحت الجمهوري الوحيد النشط. في معهد الكليات التكنولوجية. وأصبحت أخرج صحيفة (الجمهوري) الحائطية، لسان حال رابطة الفكر لجمهوري، بمعهد الكليات التكنولوجية. وقد أصبح أصدقائي من اليساريين يتندرون علي، في ردودهم على مقالاتي في الصحف الحائطية بأقوال من شاكلة: (ذكر السيد رابطة الفكر الجموري). فهم قد كانوا يعلمون أنني قد كنت، وقتها، الشخص الوحيد في تلك الرابطة.

في خريف 1972 وصلت دفعة جديدة من الطلاب لكلية الفنون، وقد دعمت تلك الدفعة اليسار في الكلية، بدماء حارة، نشطة، ومجربة. أذكر أن الباقر موسى، وعبدالله محمد الطيب (أبوسفة)، قد وصلا من القضارف الثانوية، وقد كان كليهما عضوا في طلائع القندول. وكما ورد ذكره، فقد سبقهما إلى الكلية، قبل عام، من طلائع القندول، عضو مجموعتنا الراحل، آدم الصافي. كما وصل من طلائع الهدهد في حنتوب، الراحل، أحمد البشير الماحي، (هبار)، وهاشم محمد صالح.

حين أعود سوف أحكي عن عبد الله بولا، وبداية حملته، مع حسن موسى، على مدرسة الخرطوم، ومسلسل مقالات بولا الشهير في الصحف عن (مصرع الإنسان الممتاز) وعن شداد، ونائلة الطيب، ومانيفستو الكرستاليين، ومعرض اللحم والخضار بكلية الفنون، ومعرض الثلج بصالة أبي جنزير، وبعض أمورٍ شيقةٍ أخرى.

Post: #78
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: Rawia
Date: 03-24-2004, 07:41 PM
Parent: #77

دكتور االنور
حسن موسى، يعيش فى فرنسا?

Post: #79
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: Giwey
Date: 03-24-2004, 07:59 PM
Parent: #77

د. النور

أستمتع وأكاد احسد نفسى

على هذه المتعة...


لك التحية وأكثر من إنحناءة...

Post: #80
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: Dr.Elnour Hamad
Date: 03-24-2004, 09:37 PM
Parent: #79

العزيز قوي
تعبيرك عن استمتاعك بما أكتب، يحفزني، وينشطني.

نعم، حسن موسي يعيش في فرنسا، منذ نهاية السبعينات. كانت آخر مرة رأيته فيها في عام 1988 في منزل أهلة بالثورة، وقد كان في زيارة للسودان في رفقة زوجته باتريشيا. وباتريشيا أجرت بحوثا في جبال النوبة في السبعينات على ما اذكر. لا أظن ان حسن موسى قد زار السودان بعد تلك الزيارة. وعموما فقد ظللنا على اتصال متقطع، ولكنه لا ينقطع تماما. كانت تصلني من حسن، وبانتظام، نشرته المعروفة (جهنم)، مع بعض الرسائل الخاصة.

Post: #81
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: Rawia
Date: 03-24-2004, 09:49 PM
Parent: #1

قابلت حسن موسى فى القاهره فى ندوه الهويه1999 التى اقامها واشرف عليها مركز الدراسات السودانيه( دكتور حيدر ابراهيم) وحسن موسى شخصيه فعلا مميزه لاتنمحى من الذاكره ابدا يمكننى ان اقول بدقه اكثر اننى فتنت بشخصيته تماما

تحدث عن الجسد ولغه الجسد وصادف ذلك اهتمامى حيث اعتقد ان للجسد مهام كثيره اخرى غير مانعرفه

Post: #82
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: bushra suleiman
Date: 03-24-2004, 10:31 PM
Parent: #1

مستمتع انا بتخريمات د/النور الجميله وكسراتو الرقيقه..واصل يادكتور انت فتحت لينا ابواب من نور

Post: #83
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: عاطف عبدالله
Date: 03-25-2004, 01:19 PM
Parent: #82

وصلتني هذه المشاركة من صاحب القلم الشفيف القاص عثمان حامد سليمان (صاحب مريم عسل الجنوب وقبلها مجموعة رائحة الموت التي أصدرها في 1990) وأود أن أنتهز هذه الفرصة لأكرر له دعوتي بالأنضمام إلى جمعنا هذا في سودانيزأون لاين.
وإلى نص الرسالة- مساهمة القاص عثمان حامد سليمان :


قلت للصديق الكاتب عاطف عبدالله : والتنين يتلمس الدرب نحو سرير غيبوبته وينحدر بجسده المنهك مخلفاً أصداء العويل " أستعيد الآن تلك اللقاءات لسماع الشعر والفتية العائدون ، يخرجون على عجل من الباص القادم من مساءات جامعة القاهرة فرع الخرطوم ، يضيئون شمعاتهم الصغيرة ، ينثرون اشتعالهم والليل يتمرغ قي يقظته الباكرة 0
رحلات استكشاف منابع النيل ونحن جلوس على أحجار الشاطيء ! عبد العزيز جمال الدين ، يوسف خليل، صلاح الدين حاج سعيد ، كمال الجزولي ، محمود قسم السيد وصلاح يوسف ، يخطر في اهابات خور أبو عنجة الباذخة!
كنت قد دخلت معهم إلى معبد {{ أبادماك}} من بوابة اتحاد الشباب السوداني وحضرت العديد من نشاطهم وقدم بعضهم قراءات في الشعر والقصة بنادي {{ بانت الثقافي الإجتماعي}} سقى الله أيامه00 " 0

وإني لأتذكر زرقة الماء وصدى الضحكات والتماع المويجات في السكون الغامض وهي تجرجر أطراف أثواب النهر وتنسج له رحلة الشمال0 أقطع الآن مسافات الحنين وأطلق سهام الذاكرة ، موغلاً في أول العمر متحاشياً أزمنة الغيبوبة وملهاة الإنقلابات العسكرية0 ساعات الإنحسار والولوج في الوحشة السحيقة ، فهل هي بلاغة الإجترار أم شهوة استيلاد الأزمة الراهنة في ضبابيتها وفسادها؟ أم هي بذرة قديمة تبرعمت إلاّ قليلاً؟ أم هو – إذن – إقتياد الماضي نحو أرحام تكلست في المنافي؟ وهل الوطن - هذا الوطن- حزام ناسف نتمنطق به لنفجر أجسادنا المتصدعة ساعة الشيخوخة؟!

نحن هنا فيما يبدو لكتابة التأريخ قبل فوات الأوان !! وقبل أن تتهاوى أنفاسنا زفرة زفرة 00 التوثيق لمرحلة هامة في مسار الثقافة السودانية وتقليب حجارتها حجراً حجراً 00
نحن هنا لنوقظ الدم الذي يتشبت بالحياة ، لن ننتظر كثيراً دورات السنابل حتى نعود إلى {{ بورتبيل}}، لن نقاوم كثيراً استحضار روح {{ أبادماك }} المقدسة أو حتى استنساخه مجاراة لضجر هذا العصر0 فقط ينبغي إستعادة وعي ذلك الزمان ، المناخات " الديمقراطية " الخانقة أخريات 1968 واحتباسات الهواء بسماوات الخرطوم ، العماء الذي يلهو بشوارعها بعد خفوت أصداء أكتوبر0
اشتعال العالم الشبابي في ثورة الطلاب بفرنسا والحطام الأكبر بعد انطفاء الحرائق في الشرق الأوسط ، أشكال التعبير العاصفة التي ضرّج بها الشباب الذاهل نهارات أوروبا في انحناءات كهولتها00
قبائل الرفض والغجر الجدد ، الهيبيز متصوفة الخرائب والبيتلز يتدحرجون بمدائح ومراثي الإمبراطورية المتفسخةّ
الخرطوم فراشة طارت هاربة وفتت الريح أجنحتها !
- 1 -




خرج {{ أبادماك }} بمعدنه النفيس رافعاً بيارق التواصل الثقافي عبر القوافل وتناسل تنظيمات الطلائع من الشباب والطلاب ، فكيف يمكن الإمساك بذلك الظرف التاريخي حين أطلق صرخته الداوية مالئاً رئتيه بعنفوان الحياة !
خرج الشعراء والمنشدون والمغنون ، تجمهر الممثلون والمخرجون في الحلبات والمسارح ، إزدانت لوحات الرسامين بالألوان، امتلأت الساحات بالفنون00 فمتى ينطلق نفير البحث عن البوصلة الضائعة في الرماد؟ وهل يلتقط الراية المتجددة أبناء الطلائع الأول؟ وهل يعي أحفاد قدامى المعلمين مواجع أهل القرى الصديقة في التخوم والهوامش وفي ربوع البلاد المنسية؟ من سيشحذ سيف العاصفة ويعجل بضرب الهياكل الخربة ليتداعى هذا الظلم وينقشع الظلام؟ من يفتح الأبواب والنوافذ لأقواس قزح ثقافات بلاد السودان وأهل السودان؟!
أشرد الآن قليلاً ، فقد كنت أعالج القصة وكان رفاقي ينشدون أشعارهم على الملأ! نشرت أول قصة لي في أحد إصدارات مجلة " الوجود" يناير 1969 وناشرها ومحررها الراحل الرائد بشير الطيب ، فمن يؤرخ لكتابته ولإصداراته بأعدادها القليلة في ذلك الوقت ، متزامنةً مع إختراق {{ أبادماك}} فضاء الثقافة والإبداع ، وقد كتب فيها عدد من مبدعي ذلك التجمع0
حكى لي أستاذي عبد المنعم سليم وقد هدأت أرواحنا في مجرة شيخنا الطيب صالح ذات مساء ساطع بالقاهرة عام 1996 أنه استلم رسالة كغيمة ودودة من تجمع ثقافي بالخرطوم ، قرأها على مهل وقد استطلع كاتبها إمكان تواصلهم مع " مسرح المائة كرسي " في ذلك الوقت من بواكير 1969 ، فهل يكون ذلك {{ أبادماك }} يمد شمعته ليستوقدها من تلك الجذوة !
لن ينسى د0 عبدالله علي إبراهيم الشهقات الأوكتوبرية التي ترددت في باحة السرايا بنزل كوبر البغيض صباح الجمعة 21 أكتوبر 1971 ، ولن ينسى علي الوراق ولا الجمهرة الجسورة من الأسرى " صلاح يوسف والهداهد مغرورقة العيون ، لن أنسى ولن تنسى الجموع المقيدة صليل الذكرى ، انحلال أقنعة الأسوار العالية وحمى الطوب الأحمر مصغياً للهدير المكمم الأفواه وإصغائه لصوت العزيز عبد الحميد عبد الفتاح وللهتاف الذي يصد اشتعال النهار " فهل كان ذلك المهرجان – خلف السور- استعادة مشهودة لروحية {{ أبادماك }} بعدها يقظة " إتحاد الكتاب " التي أشار إليها العزيز د0 حسن الجزولي ، فهل خمدت النار أم تدحرجت أعمارنا ونحن نتلوى في أسرة الغربة على وقع مقولة أخونا العزيز صلاح يوسف " فقد تساقطت الشعيرات الباقيات وابيّض العمر" !!
لن تتعرف هذه البلاد على سارقها ، فهل تستورد التوابيت وفي أحشائها موتى المهاجرو المنافي والشتات أم تنبش قبور أهل الريف وتستنهض جثامينهم من وسائد مدافن العاصمة لتباع أراضيها للمستثمرين في حللهم وخزائنهم الجديدة ؟!0
- 2 -


نحن بالنسبة لبعضنا البعض كمثل من خرج ولم يعد ، وإن كنا نعرف أوصافه ، نعرفها جيداً0 أيها الأعزاء تشبثوا بأنقاضكم ، فحتى الشمعة الذائبة تملك أسناناً مطمئنة تقضم بها أطراف الظلمة ، فهل أسمع هرجكم ومن حولكم أولادكم وبناتكم وأحفادكم يتصايحون ويتضاحكون حتى يجفل ملك الموت ويتراخى ساعده فلا يهوى بسيفه على أعناقنا ؟!


عثمـان حامـد سليمـان
[email protected]

Post: #84
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: bayan
Date: 03-25-2004, 04:51 PM
Parent: #83

لدى مشكلة فى الدخول الى النت بعد ان تحل سأحضر بصورة منتظمة
يجب ان نقف وقفة طويلة فى ما قاله استاذى النور
فى الثقافة والاحتكار ومؤسسة الدولة للسينما والاشتراكية
وسبب انهيارالمشاهدة السينمائية فى السودان
الذى احمل اليسار مسئوليته الكاملة..

(لدى بحث عن المشاهدة السينمائية فى مدينة الخرطوم وتأريخ السينما)

اذ ان السينما كانت دائما عشقى الاول وبعدها الادب

كل ما اذكره من فلم ذد
صرخة اتونسيو(انتبه)
عندما اغتيل الرجل الذى اذكره رهاب رهاب
شكرا لكم

Post: #85
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: bayan
Date: 03-25-2004, 04:51 PM
Parent: #83

لدى مشكلة فى الدخول الى النت بعد ان تحل سأحضر بصورة منتظمة
يجب ان نقف وقفة طويلة فى ما قاله استاذى النور
فى الثقافة والاحتكار ومؤسسة الدولة للسينما والاشتراكية
وسبب انهيارالمشاهدة السينمائية فى السودان
الذى احمل اليسار مسئوليته الكاملة..

(لدى بحث عن المشاهدة السينمائية فى مدينة الخرطوم وتأريخ السينما)

اذ ان السينما كانت دائما عشقى الاول وبعدها الادب

كل ما اذكره من فلم ذد
صرخة اتونسيو(انتبه)
عندما اغتيل الرجل الذى اذكره رهاب رهاب
شكرا لكم

Post: #86
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: Dr.Elnour Hamad
Date: 03-25-2004, 06:57 PM
Parent: #85


الأخ بشرى سليمان
إليك المزيد من "التخريمات" ومن الكسرات: (كسرة يا أبوعلي)، أو كما قال.
الأخت راوية:
أوافقك تماماأن لحسن موسى شخصية ساحرة. لم أعرف شخصا جادا ومستغرقا في فنه، وفكره، مثل حسن موسى.

الدكتور بيان، أوافقك تماما: السيار بحاجة للتوثيق نقدياا، لتجربته، حتى لا يتكرر مسلسل الدخول في الأجحار الضيقة.

الأخ عاطف، استمتعت كثيرا بقراءة مساهمة القاص عثمان حامد التي تفضلت بإيرادها.

وأعود لأواصل:

انضم الأخ الراحل، بشير محمد علي، المعروف بـ (بشير حِريْشَة)، إلى الجمهوريين عقب تخرجه من كلية الفنون. وقد عمل كل من خلف الله عبود، وبشير محمد علي، في مكتب النشر بالخرطوم، الذي تغير إسمه إلى (دار النشر التربوي). وقد عملا في صحيفة (الصبيان) مع الفنان، شرحبيل أحمد، وعدد كبير آخر، من خريجي كلية الفنون. أذكر ممن تم تعيينهم في ذلك العام، إضافة إلى خلف الله عبود، وبشير محمد علي، كلا من محمد الحاج، ونجاة جاد الله جبارة، وربما عمر مدني. بعد فترة عمل قصيرة هناك، تقرر نقل كل من خلف الله عبود، وبشير محمد علي، ومحمد الحاج، وشخص آخر لم أعد اذكره، إلى العمل بمكتب النشر بجوبا. وحين سافروا كنا في وداعهم في مطار الخرطوم. وأذكر من المودعين، حسن موسى، ومحمود عمر، وربما آدم الصافي، وبدر الدين حامد عبدالرحمن. وقفنا في شرفة المطار القديمة حتى أقلعت بهم طائرة الفوكرز التابعة لسودانير. في المساء عرفنا أن الطائرة قد ضلت طريقها، ولم تصل إلى جوبا. وبقي مصيرهم مجهولا. لاحقا عرفنا أن الطائرة سقطت في إحدى الغابات، وقد سيطر عليها أعضاء حركة أنانيا. مات في ارتضام الطائرة بالأشجار الكابتن الأجنبي، وعدد قليل جدا من الركاب، ربما لم يتعد الإثنين. ويبدو أن السقوط فوق الأشجار قد قلل كثيرا من عدد الوفيات. كما عرفت من الأخ خلف الله، أن الكابتن قد ظل يحلق في بحثه الطويل عن مدينة جوبا التي ضل عنها، حتى نفذ الوقود. وقد جنب ذلك الطائرة احتمال الإحتراق عند الإرتضام. أصيب بعض الركاب بجروح متفاوتة، أما عبود وبشير، ومحمد الحاج، والشخص الرابع معهم، فلم يصابوا بأي أذى. ظل أولئك الصحاب في أسر أنانيا التي كانت تنقلهم من معسكر، لآخر، وظلوا يسيرون على الأقدام، لمدة شهر كامل، حتى أصبحت ملابسهم أسمالا، وخرقا بالية. وقد تم تسليمهم، في نهاية الأمر للسلطات، عن طريق الصليب الأحمر، بعد اتفاق بين حكومة نميري، وحركة أنانيا. وأعقب ذلك، بوقت قصير، توقيع إتفاقية السلام المشهورة، التي أدخلت البلاد في حالة من السلم استمرت حتى بدايات الثمانينات. بعدها عاد خلف الله لمكتب النشر بالخرطوم. أما بشير فقد عاد إلى مكتب جوبا، وأمضى فيه سنوات.

لا أزال أذكر حالة الحزن التي لفت مجموعتنا في كلية الفنون، حين ضاعت الطائرة، وأصبح مصير ركابها مجهولا. كما أذكر حالة الحزن التي لفت المجتمع الجمهوري، خاصة وأن عبود وبشير كانا قد التحقا بالحركة الجمهورية، لتوهما. ظل الأستاذ محمود محمد طه، مشغولا جدا بهما، وكم كانت الفرحة كبيرة حين عادا سالمين، بعد شهر تضاربت فيه الأقوال، وكثرت فيه الشائعات. ولم تكن الحكومة، كعادتها، تقدم من المعلومات ما يشفي غليل أهل وأصدقاء المفقودين. وربما لم تكن لديها معلومات أصلا.

قل ارتباطنا أنا والأخ خلف الله عبود، بمجموعتنا تلك، في كلية الفنون، كثيرا عما كان عليه في السابق، وذلك بسبب التزام كلينا الفكرة الجمهورية. ظل عبود يعمل في مكتب النشر، وظللت أنا في الكلية، وأصبحت ألاقي أفراد المجموعة في ساعات العمل، في الكلية. وقد كنا نمضي في الكلية وقتا طويلا جدا كل يوم. أما الأنشطة المسائية للمجموعة فقد أصبحنا لا نشارك فيها كثيرا. فقد تبدل فينا، أنا والأخ خلف الله عبود، روح المرح اليساري، بروح صوفي جديد، سمته العبادة، والذكر، والقنوت، والمحافظة.

الحديث عن طلائع الهدهد، وارتباطها بأبادماك، وانعكاس تجربة ابادماك على مدرستين كبيرتين، هما حنتوب، والقضارف الثانوية، ودخول عدد من أفراد طلائع الهدهد، وطلائع القندول، إلى كلية الفنون الجميلة، تقود كلها، وبشكل تلقائي، إلى الحديث عن عبد الله بولا. كان عبد الله بولا أحد أهم عرابي حركة التحديث في مجال تدريس الفنون في الثانويات. لم يكن عبدالله بولا معلما في المرحلة الثانوية، وحسب، وإنما كان جامعة متحركة. بل كان جامعة شديدة التأثير على الطلاب. كان لغزارة ثقافته، ولبساطته، وعدم إحساسه بمكانته كمعلم، وسط طلابه، سحرا لا يقاوم.

حين جاءنا في حنتوب لحظنا عليه شرودا، واستغراقا يجعلك تحس بأن شعوره بما يحيط به، شعور ضعيف. حين تخاطبه في ِان ما، يعود إليك بعد برهة، وكأنه خارج من غيابة جب. أرانا بعض رسوماته التي أنجزها، وهو طالب في كلية الفنون. أذكر منها لوحة "الخرفان" ولوحة "طبيعة صامتة"still-life ضمت زجاجة خضراء، وفتيل شفاف، وقطعة دمورية، موضوعة كلها على طاولة ضغيرة. وحين رأينا تلك الأعمال، عرفنا اننا أمام أستاذ، وفنان، من عيار خاص جدا. لا أزال أذكر لوحة "الخرفان" التي كانت تشبه رسومات رسامي مرحلة الكلاسيكية الجديدة. كانت اللوحة عبارة عن مجموعة من الخرفان تشغل مقدمة الصورة من جهة اليسار، ثم مساحة من العشب متدرجة نحو ما يشبه الخور الذي تحف به بعض الشجيرات. وخلف الخور تمتد مساحات من الأرض، تنتهي بجبال تبدو في لون مزرق باهت، عند الخلفية. وكان لون الجبال يندغم في سلاسة مع لون السماء المضيئة من بين فرجات السحب. كانت لوحة واقعية تنم عن حرفية عالية. يضاف إلى ذلك فإن فيها شاعرية طاغية، لا تخفى على عين مشاهد. فالطبيعة في تلك اللوحة حية بشكل لا يصدق. حتى أن المرء ليحس بغلالة غريبة تكتنف المشهد كله. كنت حين أرى تلك اللوحة، وقد كنت مغرما بالتأمل فيها، أسمع صوت فيروز يطن في مؤخرة رأسي، وهي تردد، أغنيتها القديمة، المسماة (إلى راعية):

سوقي القطيع إلى المراعي
وأمضي إلى خضر البقاعِ
ملأ الضحى عينيكِ بالأطيافِ من رقصِ الشعاعِ
سمراءُ يا أنشودةَ الغاباتِ يا حلم المراعي

قلب عبد الله بولا حياتنا رأسا على عقب. كان قارئا لا يشق له غبار، وتعلمنا منه الكلف بالقراءة. عرفنا منه الكثير عن الفكر الماركسي، والفكر الوجودي. كان عبد الله بولا من أوائل الذين فتحوا أعيننا على مأزق الماركسية، حين كانت غالبية الماركسيين يعتقدون أنها سدادة التاريخ، في مجال الفكر. كان الشيوعيون يحترمون معرفته، ولكنهم كانوا يرون فيها خطرا على عقول الطلاب الذين يريدونهم حزبيين، منظمين. ولربما كان الشيوعيون يرون في فكر بولا، وقتها، شيئا أقرب إلى الترف. وربما جرى تصنيف حالته، في واحدة من خانات أمراض البرجوازية الصغيرة. وقد كانت تلك هي الشماعة التي يتم عليها، عادة، تعليق كثير من الظواهر غير المفهومة على ضوء منهج التحليل الماركسي، الجامد، السائد، وقتها.

في تلك السن المبكرة، تعرفنا على جورج لوكاتش، ومكسيم رودنسون. قرأنا قصة رامبو، الشاعر المتشرد، الذي كتب الشعر بين سن العاشرة، والسادسة عشر، ثم صمت. وأضحى بعد ذلك متشردا, وانتهى به المطاف في اليمن، ثم ما لبث أن قضى نحبه في إقليم هرر بأثيوبيا. وقد تاثرنا كثيرا بقصة رامبو، وصديقه الشاعر الفرنسي المعروف، بول فيرلين. تعرفنا على غارودي، وقرأنا (ماركسية القرن العشرين)، وتحسسنا بدايات رحيل اليسار الفرنسي، والأوروبي من مضارب اللينينة، ميمما شطر الديمقراطية الإشتراكية. فهمنا من عبد الله بولا، مدلول حركة الطلاب في فرنسا في نهاية الستينات، وعرفنا ما كان يقول به "قورو" اليسار الجديد، هربرت ماركوزا، في إنسانه ذي البعد الواحد. كما أصبحنا نتذوق شعر محمود درويش،:

عشرون أغنية عن الموت المفاجئ
كل أغنيةٍ قبيلةْ
ونحب أسباب السقوط على الشوارعْ
كل نافذةٍ خميلةْ
والموتُ مكتملٌ
قفي ملء الهزيمةِ يا مدينتنا النبيلةْ

ومن جنس ذلك:
شولوميت انكسرت في ساحة الحائط خمسين دقيقة
من الجهة الأخرى يمر العاشقون

ومن جنس ذلك، أيضا:

حلقت ذقني مرتين
ومسحت نعلي مرتين
استعرت قميص صاحبي
وأخذت ليرتين
لأشتري لها قهوة مع الحليب ....... إلخ

وأعتذر لأهل الشعر وحفاظه، إن خانتني ذاكرتي في التذكر الصحيح للأبيات المثبتة أعلاه.

حين جئنا إلى كلية الفنون، أسعدنا الحظ، مرة أخرى، بوصول بولا إليها. ترك بولا حنتوب الثانوية إلى القضارف الثانوية، حيث أنشأ طلائع القندول. وحين انتقلنا إلى كلية الفنون، وجد بولا وظيفة أستاذ بالكلية، غير أنه لم يستمر فيها طويلا. وتمرد بولا، وصراعاته، مع إدارة كلية الفنون، قديمة، وترجع إلى الوقت الذي كان فيه، طالبا بها. وقد ورثناها منه نحن أيضا، تلكما الحالتين، من التمرد، والصراع، كما تقدم ذكره.

واصل بولا رعايتنا الفكرية في كلية الفنون. منه تعرفنا على مجلة مواقف، وعلى كتابات يوسف الخال، وحوارات أدونيس ومنير العكش. وفي تلكم الأيام قرأنا مطولة أدونيس: ((مقدمة لتاريخ ملوك الطوائف)). كما استمتعنا بتجارب الحداثيين المنضوين تحت لواء "مواقف"، وكان المغربي محمد بنيس واحدا منهم. حفظ أغلبنا واحدة من قصائد التجريب الحداثي، وردت في مجلة "مواقف" في مطلع السبعينات، وأذكر منها:

هذا الليل توسلت له
قلت ستخرج من جسدي العربات مع الأشباح
وترحل عبر الصحراء إلى سيناءْ
وتوسلت له، ما أنت سوى أنت
وما جسدي المقتول سوى ردهةِ موتٍ
ومؤسسةٌ تجتمع الأيام به
تشرب قوتها
تتعارف
تعرف مرسوم الإتيكيت
تقول: أقدم نفسي
ناهيك مثانة خنزيرٍ
وأنا أعمدة التلغراف
ناهيك حقول الإقطاعي
وأنا كتب الجنس المملوءة بالأخطاء
وأكتب شعرا شعبياً للأطفال
وأشياءً شيقةَ اخرى
لا كركة هذا العصر ولا السكسون
ولا كل مناشفة العالم
يمكنهم تعريف أساسي

ومن هذه القصيدة أيضا:

وفي الليل كنت وحيداً
أجوب الشوارع في كوستريكو
واسأل: أين المراحيضُ يا مودموزيل؟

وكان بولا هو الذي أتانا بديوان "أمتي" لشاعرنا الطليعي، محمد المكي إبراهيم. وقد كان الديوان مزينا برسومات أساتذنا إبراهيم الصلحي. وقد أضحت قصائد أمتي هي الترانيم التي نقتات عليها صباح مساء. حفظنا الكثير من قصائد ذلك الديوان العجيب، الذي فتح للشعر السوداني، أفقا غير مسبوق. كما عكفنا لاحقا في 1973 على ديوان العودة إلى سنار لمحمد عبد الحي، الذي برز هو الآخر بوجه طليعي، مميز جدا.

ظل بولا ناقدا ثابتا لما يجري في كلية الفنون، وأظنه قد كان متقدما على جيله كثيراً، في مجالات الرؤية، والإستشراف، مما تسبب له في كثير من المتاعب. كما بدأ بولا في الترويج قليلا قليلا لطروحته النقدية، حول مدرسة الخرطوم. وقد كتب في هذا الباب، في الملاحق الثقافية التي نشطت كثيرا في الصحف السودانية، في النصف الثاني من السبعينات. وقد بدأ حسن موسى هو الآخر في الكتابة إلى الصحف في تلك الفترة. ولقد تطورت طروحات بولا، وحسن موسى كثيرا، في التسعينات، فانفتحت على سؤال الهوية، وشمل النقد ما جرى التعارف على تسميته بـ "مدرسة الغابة والصحراء"، ومرتكزاتهاالعربسلامية.

نفذ الحيز المتاح لهذه الحلقة. وحين أعود سأواصل عن بولا، وحسن موسى، ومدرسة الخرطوم. ثم محمد شداد، الذي أعتبره، الرائد الأول في السودان، لفن التراكيب installations وتوظيف الخامات البديلة alternative media. ثم إنقلاب الكرستاليين، وملابسات ورود إسم أستاذتنا كمالا إبراهيم اسحق، في مانفستو التأسيس لمدرسة الكريستال.

Post: #87
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: Dr.Elnour Hamad
Date: 03-26-2004, 04:11 AM
Parent: #86

يُرفع لحين العودة

Post: #88
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: siddieg derar
Date: 03-26-2004, 01:06 PM
Parent: #1

حتى لا يعتقد البعض أن تجمع أبادماك كان هو التجمع الأدبى الوحيد فى الساحة السودانية ، وأنه لم تكن هنالك تجمعات أدبية قبله ، ينبغى أن نذكر بعض الإتحادات والتجمعات الأدبية التى كانت تغطى الساحة الثقافية فى السودان فترة الستينات .
1 ـ الندوة الأدبية : وعرفنا أن مقرها كان بأمدرمان وكانت برئاسة الأستاذ عبدالله حامد الأمين ، وكانت بنظام الصالونات الذى كان شائعا فى مصر ، وكان منها صالون العقاد ، وغيره . هذه الندوة الأدبية كانت عبارة عن تجمع يضم بعض المثقفين والمشتغلين بمسائل الأدب وكانت تتبادل فيها الدراسات والآراء حول بعض صنوف المعرفة من كتب جديدة ومقالات ، ليس فقط ما هو وارد فى السودان بل بعض دول العالم العربى مثل مصر ولبنان وسوريا وغيرها . هذا التجمع لم أسمع فيه وقتها بمبدع فى مجال معين من مجالات الأدب والفن ، بل ربما كانوا من قارئيى الأدب .
2 ـ نادى القصة : ومن رواده على ما أظن الأستاذ فؤاد عبدالعظيم وآخرين . وقد حدثنى صديقى الروائى السر صالح فى مطلع الستينات وكان قد طبع ونشر روايته " وانحسر الرداء " ، أخبرنى أنهم فكروا فى عمل دار نشر أو طباعة لطباعة إنتاجهم . لكنهم لم يواصلوا المشروع لأن بعضهم طالب بنشر إنتاجه قبل الآخرين .
3 ـ جماعة الأدب المتجدد : وهذه ربما قولى عنها أنها كانت جماعة من الأكاديميين من ذوى المؤهلات العليا والذين جلهم من أساتذة جامعة الخرطوم ، حيث لم تكن وقتها فرص الإنبعاث للخارج لتلقى الدراسات العليا سوى لإعضاء التدريس بجامعة الخرطوم ـ وهى الجامعة الوحيدة ، سوى جامعة القاهرة والتى أساتذتها من الأخوة المصريين ـ ثم المعهد الفنى ويتضح من غسمه أنه كان فني كلياته هندسية والفنون التشكيلية ، ثم أضيف قسم تجارى ، ومعهد المعلمين العالى لتخريج معلمى المدارس الثانوية ، إضافة إلى المعهد العلمى والذى كان لتدريس علوم اللغة العربية والدين .
جماعة الأدب المتجدد لم تكن جماعة إبداعية حيث لا أعرف أنه كان منها قاصا أو شاعرا أو فنانا أو مسرحيا ، إنما كما قلنا هم جماعة من الأكاديميين ، وأذكر أن منبينهم الدكتور محمد إبراهيم الشوش ، والذى لأول معرفتى بأدب الروائى الطيب صالح كان عن طريق مقال نشره دكتور الشوش فى جريدة الصحافة منتصف الستينات عن إحدى قصصه ، وأظنها نخلة على الجدول أو دومة ود حامد . وبعد عرضه وتبصيره بفنية الرواية / القصة ، ختم المقال بتعبير مرحى مرحى اليوم ولد أديب وروائى سودانى . كل ما اعرفه أنهم كانوا يحتفلون بشاعر معين مثل العباسى وغيره ويتحدثون عن أدبه وربما كان الكلام تكرارا ( فلنرجع إلى كتاب نظرات فى شعر العباسى ونرى أن كتابتهم كانت متكررة حتى وأنهم جميعا لم يستشهدوا للتدليل على شاعرية العباسى سوى بقصيدة واحدة وهى قصيد جيرون
أرقت من طول هم بات يعرونى . . يثير لواعج الشكوى ويشجونى
وهذه القصيدة لها مطلع قريب الشبه عند مجنون ليلى
يا للرجال لهم بات يعرونى

كنت فى مداخلتى قبل التعديل قد ذكرت أن هذه القصيدة شبيهة بقصيدة قديمة لشاعر عربى قديم لذا لزم التصحيح والعذر

هذه الجماعة ربما كانت تقدم عملها فى الأندية الكبرى ـ الخريجين ونادى ناصر الثقافى والقاعة 102 آداب ـ جامعة الخرطوم .
لم يكن لنا حظ فى متابعة مثل هذه الندوات لصغر سننا وعدم مطابقتنا لأوصاف روادها
4 ـ إتحاد الكتاب السودانيين وهذا أيضا كان عبارة عن مجموعة من الأشخاص كانت لهم إهتمامات أدبية وكانوا يلتقون مرة فى كل شهور فى بيت أو صالون أحدهم ويتآنسون عن الأدب والفن
أورد هذا ليس بقصد تبخيس هذه التجمعات ، إنما لأنه لم تتح لهذه التجمعات فرصة الإنتشار وتغزير العضوية والإنفتاح واستيعاب أكبر عدد من المبدعين ـ أو بمعنى آخر جماهيرية التجمع ـ مثل ما أتيح فى أبادماك وظنى أن عضوية أبادماك ولأنها تمثل اليسار المنظم واليسار العريض فقد إكتسبت التجربة التنظيمية مسبقا ثم تجربة التغلغل وسط جماهير الشعب ، وأنها كانت تدرك أن لها رسالة ، وهى الإبداع فيما يخص قضايا هذا الشعب وأيضا فى إشباع مشاعر هذا الشعب ، زد على ذلك إيمانها برسالة وجوب السعى لإيصال هذا الإبداع إلى جماهير الشعب فى مواقعه ، والذين هم أدرى بتلك المواقع من فهمهم لهذا الشعب ومن تداخلهم معه سياسيا ونقابيا ومطلبيا ، ولأنهم كانوا لا يزالون فى المرحلة الطلابية التى لم تعزلها الوظيفة ولم تصنف طبقيا ، وحتى وإن كان منهم من تخرج فهو لا يزال فى سنيى العتبات الأولى الوظيفى ـ إضافة لكل هذا إنحيازهم التام لقضايا شعبهم ، وأنه لا يزالون بنقائهم الشبابى ،
وكانت الليالى الأدبية كما قلنا تقام فى المناطق السكنية ، وكانت متنوعة تشمل القصة المسموعة والشعر والمسرح والغناء ويشارك فيها من أبناء الحى من له إهتمامات أدبية أو مسرحية وأحيانا كثيرة غنائية . كما وأن الروافد السبابية الأخرى كانت تقوم بدعوة أفراد هذا التجمع ـ من إتحاد الشباب والإتحاد النسائى . وهنا أذكر جمعية تطوير الريف بجامعة الخرطوم فقد كانت رافدا من روافد أبادماك . وأذكر أيضا إتحاد المعلمين والذى كنت عضوا فى اللجنة المركزية لنقابة الوسطيات وكنت نشطاوبعض زملائى فى دعوة أفراد التمع لإقامة ليالى أدبية فى دار المعلمين أو فى بعض المدارس التى كانت تقام فيها دورات تنشيطية للمعلمين . كما كان هنالك دور لرابطة المعلمين الإشتراكيين .
لم يكن المسرح أو التشكيل ضمن أدوات تلك الإتحادات كما لم يكن الغناء من برامجهم . وكان لأبادماك التفوق فى أن جمعت كل تلك الفنون ضمن برامجها . كانت هنالك فرق مسرحية صغيرة فى عددها كبيرة فى ما تقدمه : فرقة الفاضل سعيد ـ ود أب قبورة ـ تور الجر ( عثمان حميدة ) ـ عمنا خالد أبو الرووس هذا الرجل الذى له فضل كبير على المسرح السودانى ـ ثم المسرح القومى ، والفكى عبدالرحمن ، وكان المسرح نشطا دائما فى الوسط المدرسى ومن ينتمون إليه من مدرسيين وطلبة فإن رجعنا إلى من قاموا ببناء المسرح نجد جلهم قد كانوا من المعلمين والذين كانوا يجدون خاماتهم فى طلابهم فيدفعون بهم إلى المعترك . وكانت هنالك مسارح تقوم فى بعض الأندية الإجتماعية وتحديدا نوادى الخريجين فى البلدان الكبيرة لكن لا يعمر فيها الممثلون كثيرا حيث أن ظروف الحياة تجرفهم بعد تجاربهم الأولى فى مقتبل العمر .
نفس الشىء كان يحدث فى مجالات القصة والشعر فالآن أذكر بعض الشعراء كان لهم عطاءا مميزا لكن لفترة معينة فى الشباب ثم قضوا عطاءا . منهم عوض مالك مجتبى عبدالله الطاهر إبراهيم ، محجوب السراج سيف مدثر أخو صديق مدثر ، وغيرهم كثير لا حصر لهم . ومن أسباب ذلك عدم تمكنهم من الوصول للمتلقى خاصة وبعد أن أصبحت الصحف حكرا على نوع معين من الناس وبعد أن تنازل جيلهم من الصحفيين عن المهنة وطموحاتها ، وبعد أن تفرقت بهم السبل وأصدقاءهم حيث أن المبدع يدفعه التشجيع للمزيد من العطاء وبغيره يصيبه الخمول والإحباط .
أذكر فى هذا أننا كنا إذا الواحد فينا كتب قصيدة جديدة ـ إما أن يتصل بصديق له ليسمعها له ولو على التلفون ، إما أن يذهب إليه ليسمعها إياه ثم تنتشر بين الأصحاب وكل يود سماعها . وعلى هذا أذكر سنة 70 إتصل بى صديقى الشاعر محجوب شريف وأخبرنى أنه كتب قصيدة جديدة ويريد أن يسمعنى إياها . وتواعدنا أن نلتقى فى أمدرمان قرب كلية المعلمات حيث كان هو فى كورس تنشيطى مسائى للمعلمين . وكان الموعد الساعة السابعة والنصف مساء . بقرب دار الدايات ( إن كان الأسم صحيحا ذلك الزمن ) . وفعلا شددت الرحال من الخرطوم ـ العمارات ووصلت فى الموعد فوجدته ينتظرنى فى ذلك المكان ، والمكان طبعا مظلم والشارع خاو من المارة . والتقينا فعلا وأسمعنى قصيدة جيدة وكنا وقتها فى حرب مع النميرى : ولم يكن المشوار فى ذلك الزمن هم لنا بل كان متعة عادية . غير ما هو عليه الآن . تخيل أناس يلتقون فى الشارع وفى أماكن مظلمة لتبادل السماع للشعر ، ولم يكن هذا خوفا من شىء بل لأنها الطريقة الوحيدة أمامنا .
أورد القصيدة عسى أن أكون حافظا لجزء كبير منها . وقد نحفظ أشعار بعضنا البعض :
مافيش ، مافيش ، ما فيش
إزاى حنعيش
نسلق عيش
نلبس خيش
فليحيا الذل والموت والجيش
* *
ما دوامة
صحيح يا شعبنا ما دوامة
ويابا إرادتك ما نوامة
ياتا كوامر
ياتا عساكر
ياتا بنادق
ياتا مشانق
تقدر تانى تقيف قدامة
وما دوامة
* *
سيد عنتر
ركب الهنتر
فكَّ كلابه
واقفة تهوهو تحرس بابه
ولمن جنَّ وفقد أعصابه
وسجل فى الثورية غيابه
جاب لكلابه كلاب من كايرو CAIRO
عامل القصة تحسين نسل
أصلو عشان يعمل فينا الدايره
* *
تلفون جنب التلفون
واستقبال فى التلفزيون
يدخلوا وزرا
ويطلعوا سفرا

وهكذا تسمر القصيدة
هذا أحكيه حتى أرى كيف كان أبادماك شبابا ، أما الآن وفى هذا الزمن الردىء فكما قال اخى الشاعر أبو آمنة حامد : نكتب مشاعر شنو نحنا فاضيين من البحث عن العيش .
فى الرواية القصيرة أو القصة القصيرة لجوزيف كونراد : YOUTH يحكى جوزيف كونراد عن بحار عجوز إلتقى بشاب فى حانة إذ كانا يجلسان على طاولة واحدة وبدأ البحار فى حكاياته عن البحر وأهواله وأنهم كيف كانوا يصارعونه والشاب فاغر فاه لغرابة تلك القصص . وكلما ينتهى البحار العجوز من قصة يقول : YOUTH . PASS THE BOTTLE يعنى : الشباب . أدر الكاس . فأصبحنا إستطراديين مثله .


نواصل

Post: #89
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: Dr.Abdullahi Ali Ibrahim
Date: 03-26-2004, 04:22 PM
Parent: #88

Quote:
من عبدالله علي إبراهيم الي بكري

الأخ الأستاذ بكري،
ارجو ان أعبر لكم عن عظيم شكري وأمتناني لعنايتكم الشخصية بتوثيق تجمع أباداماك ومشتقاته الذي تناصر عليه شباب وكهول ومشائخ علي منبركم الأغر بعد أن إفتتحه الأستاذ الشاعر صلاح يوسف عضو التجمع . وأنني لسعيد أن تجد تجربتنا هذه في الممارسة الثقافية هذه الأهتمام من اللاحقين. وقد تابعت توثيقات اخري للمرحومين محمود محمد طه وعلي المك. فكانا عنواناً علي العرفان الذي لا سماد للثقافة بدونه الي جانب متعتهما كعلم بمأثرة الرجال والنساء. وأتمني أن أري هذا التوثيق باباً اصيلاً في شغل المنبر. فقد بدا لي أن أكثر محننا في هذا القفز الرشيق في الظلام ناجمة عن ضعف بصر بالتاريخ وبصيرة به. وستؤجرون علي هذا العمل الذي يبقي في الناس وينفع الوطن.
وبوسعي وضع بعض وثائق التجمع، والمانيفستو بالذات، بيدكم لنشرها علي المنبر تعميماً للفائدة متي ما سمح وقتكم. وشكراً.
ذيول ابادماكية:
نحن ودار الثقافة
اشار د. النور أن إيثار الدولة لنا ربما كان وراء فتح دار الثقافة لنا. وكانت الدار مما يواجه القصر ويقع في ظل وزارة الخارجية القديمة. ولم يكن الأمر بهذه المباشرة. فلم تكن للحكومة يد في الدار. فقد آلت بعد خبو الحيوية الي جماعة من الشيوخ الأفندية يسمرون فيها اول الليل في حلقة ترص وعلي شاي يدار. وكان فيهم احد وزراء مايو واحسبه وزير التجارة. ولم نعترض علي ذلك إلا من باب الطنطنة. ولم نوسط الحكومة في الأمر. فقد كنا سيء الظن بها مع ان النميري اعلن ذات يوم من علي المنابر فرحه بنشاطنا. ولم نعلق او حتي نطلب لقائه بالعرفان. ووربما كان هذا لؤماً. وأكتفينا بالإستئذان من حلقة المشائخ باستخدام الحديقة الخلفية ندخلها بشارع زقاقي يقود من شارع الجامعة الي شارع الجمهورية. وقد تركنا الحلقة علي حالها حتي انفض حافلنا ولم ينفض حافلهم بعد.
إجتماعات هامة
إجتماع جمعية الصاقة الإلمانية (جهة سينما كلوزيوم):
10 يناير 1969 (أو انقص او زد عليه قليلا)
1) "دوار" عوض جاد الرب ومحمد تاج السر

كان هذا فاتحة الأجتماعات ورتبناه لإجازة المانفستو. وزيناه ببرنامج فني جاذب. فقد استمعنا الي اغنية من الأستاذ عوض جادالرب من كلمات المهندس محمد تاج السر إسمها "دوار". ومما يؤسف له أن ليس بيدنا ارشيفاً للأغنية وهي التي اسكرت (واقعاً ومجازاً) الجيل. وكان عوض مغنياً مجيدا وكان محمد تاج السر شاعراً مجيداً. ولا تزال طلاوة الأغنية مما اتذكره. كانت محاولة لإشهار غناء جديد. فهل تكرم من له سجل بها كأغنية او قصيدة بنشرها علينا. . . يكسب ثواب.
2) مريم ما كيبا
واستمعنا في نفس الجلسة الي اغنية من المغنية جنوب افريقية مريم ما كيبا عنوانها " أغنية الكليك" والكليك هو الإسم الأوربي للغة البوشمن أو الخوسان بالجنوب الأفريقي. ولو شاهدت فيلم "الآلهة لابد مجنونة" ستري انها لغة اولئك القوم القصار الذين لهم لون النحاس. وتسربت لنا الأغنية خلال منتصف الستينات ضمن الإسطوانات التي ترد من غناء الستينات الأمريكي المقاوم للحرب من مثل أريتا فرانكلين وجون باييز. وكانت مريم مكيبا وقتها لاجئة بأمريكا وكانت نوارة في هذا القبيل الفني الثوري. وقد قدمت الأغنية للمجتمعين بدار جمعية الصداقة الألمانية قائلاً أنكم تذكرون كيف كان يختبرنا أولئك الذين لم يدخلوا المدرسة من جيلنا او من هم اكبر بقولهم "أكتب لي . . . " ثم ينطق صوتاً بطرقعة الأسنان واللسان لكلمة "نعم". وقلت أنهم كانوا يعدون كتابة "نعم" السنونية مما يعجز عنه المتعلم. وقلت أن مريم مكيبا قد استثمرت طرقعة الأسنان هذه لكتابة اغنية رصينة تحتج فيها علي الغربيين الذي سموا لغة القوم "طرقعة" لأنهم لا يحسنون قول ". . . ." ثم نطقت شيئاً من لغة البوشمان وتزحلقت من هناك الي الأغنية نفسها. (عدت للأغنية مراراً وربما تداخل الماضي بالحاضر).
من أطرف ما أذكر في مانيفستو الجماعة أنني كتبت "ذواكر" كجمع ل "ذاكرة". ونشرناه هكذا. وصوبني المرحوم محمد سعيد معروف في كلمة له. واذكر انني "تتريقت" عليه في ردي لعنايته بالقشور دون اللباب. ولو إستقبلت من امري ما أستدبرت لقبلت التصويب مع الشكر والعرفان.

إجتماع إتحاد طلاب جامعة القاهرة بالمقرن:
لا تاريخ له عندي ولكنه إتبع الإجتماع التأسيسي
ناقشنا فيه إسم التنظيم. وقد وردت إقتراحات اذكر منها "سنار" بالتبرير الغابي صحراوي المعروف. ثم ورد أبادماك. وكان اقوي ما زكاه لنا أنه خلق سوداني قديم له ثلاث روؤس تمثل الحكمة والشجاعة والقوة. وربما كنا بصدد تسجيل إحتجاج عال النبرة علي ما يسميه البعض الآن العربسلامية التي كان رمزها آنذاك مشروع الدستور الإسلامي المعروض امام الجمعية التاسيسية. ولم يغب هذا الإحتجاج علي العربسلاميين فقالوا لنا من اين نكتم هذا الهبل القديم.
مع تمنياتي بالتوفيق.
عبدالله علي إبراهيم


Post: #91
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: Dr.Elnour Hamad
Date: 03-26-2004, 07:28 PM
Parent: #89

في البداية لابد من الترحيب الحار بالدكتور عبد الله علي إبراهيم، وبمقدمه، وبدخوله المباشر إلى هذا المنبر التاريخي.

ثم أواصل.

قبل وفاته بقليل، في نهاية التسعينات من القرن الماضي، قدم استاذنا الجليل، أحمد الطيب زين العابدين، ورقة، ضمن سيمبوزيوم جرى عقده في لندن، تحت عنوان: ((الفنانون الأفارقة: المدرسة، الأستوديو، والمجتمع))، وقد كان محور تلك الورقة، الإستمرارية التاريخية في التجربة التشكيليلة السودانية. وقد حضر ذلك السيمبوزيوم، أستاذنا، عبد الله بولا، وقد قدم بولا نقدا للسيمبوزيوم، في عمومه، وإشكالية تمثيل التجربة التشكيلية الإفريقية، في المحافل الدولية، بواسطة الرسميين الذين تبعث بهم حكوماتهم، مما يحصر اسهاماتهم، فيما ترتضيه أيديولوجيا القوة المتنفذة، من مالكي السلطة، والثروة، في تلك الأقطار.

أشاد بولا كثيرا، بشخص الراحل، احمد الطيب زين العابدين، كباحث جاد، غير أنه لم يهادن في نقد ورقته. وفي تقديري أن ما قدمه بولا في تلك الورقة النقدية، قد عرض المرتكزات الأساسية، لطروحة بولا النقدية لمدرسة الخرطوم، في صورة كانت الأكثر وضوحا، وتبلورا، منذ أن بدأ بولا هذا المشروع في السبعينات، وربما في الستينات. يرى بولا أن مدرسة الخرطوم قد قامت على فرضية غير مؤسسة، مفادها أن هناك انقطاعا قد حدث في التجربة التشكليلة السودانية، خاصة في فترة تسرب الثقافة العربية إلى السودان. كما يرى بولا أن مدرسة الخرطوم لا تخلو من انعكاس لمفهوم المركزية الأوربية euro-centrism الذي يضع بقية الثقافات البشرية في الهامش. ويخلص بولا إلى أنه لا يوجد تأسيس معرفي منهجي، لمرتكزات هذه المدرسة، التي يى بولا أنها ما لبثت أن ماتت، بعد ان انطفأ بريقها الأول. ويؤكد بولا على أن مدرسة الخرطوم لم تكن سوى محاولة توفيقية، "سعيدة" حاول بها مؤسسوسها تجاهل حالة الصراع والإشتجار في ثقافات أهل السودان المختلفة، متجاوزين صراع الهوية بين مكونات الثقافة السودانية، خاصة عناصر السلطة والثروة في هذا الصراع.

بالطبع، لا يتسع المجال هنا لتلخيص طروحات بول،ا وحسن موسى في هذا الصدد. غير أنني أحببت إيراد هذه الإشارات المقتضبة جدا، لأشير إلى حقيقة أن عبد الله بولا، وحسن موسى، قد كانا رائدين في تفجير حركة الوعي، بإشكالية الهوية، وتصارع الكينانات الثقافية من أجل تجنب المحو والدثور، بواسطة ثقافة الآخر المسيطرة، والمتنفذة. ورغم أني لا أوافق على بعض مسارات، وتفاصيل، وآفاق تلك الطروحات، إلا أنني أرى أنها من أهم ما جري في الثلاثين عاما الماضية، في الساحة الثقافية السودانية. وأعتقد أن بولا وحسن موسى هما اللذان ابتدعا مصطلح (العربسلامية) في معرض نقدهما لمدرسة الغابة والصحراء. وقد شاع استخدام هذا المصطلح، كثيرا، في الآونة الأخيرة.

في عام 1988 قدم الدكتور عبد الله علي إبراهيم، ورقة عن الآفرو عروبية لندوة الأقليات في الوطن العربي. وقد جرى نشر تلك الورقة لاحقا، تحت عنوان ((الآفرو عروبية: أوتحالف الهاربين))، في كتابه، ((الثقافة والديمقراطية في السودان)) الصادر عن "دار أمين" في القاهرة، عام 1996. وقد جمع الكتاب عددا من المقالات التي كان يكتبها دكتور عبد الله علي إبراهيم، في الصحافة السودانية، وقد ناقشت في مجموعها إشكالية الثقافة والديمقراطية، من منظور نقدي للنظرة السائدة. وقد انداحت هذه الدائرة كثيرا في حقبة التسعينات، وكثر الحديث عن جدلية المركز والهامش. ولقد شهد هذا البورد في الفترة القريبة، الماضية، حوارات حية، بين الدكتور أبكر آدم إسماعيل، وما أسماهم بـ (المستعلواتية). كما أن كتابات، طناش، وبشاشة، التي لا تنفك تظهر في هذا البورد، بين حين وآخر، إنما تسير في نفس وجهة التأسيس لوعي جديد، تسهم به، في نشاط مثابر، في بلورة تلك الوجهة، التي أضحت وجهة متعددة المشارب.

لقد انداحت بذور أبادماك كثيرا، ولقد أثمرت شجرته ثمارا، ربما تجاوزت توقعات مؤسسيه، وضاربي ضربة بدايته. وأريد ان أخلص من ذلك، إلى ضرورة الخروج من نوستالجيا الإحتفال بالأيام الخوالي، للإنصراف إلى تتبع مسار حركة الوعي، وهي تنداح خارج مخططات اليسار المؤدلج القديمة. وأرجو أن نعود جميعا إلى (بورتبيل)، مرة أخرى، كما اشار عدد من المتداخلين، ولكن بوعي أصح، وأكثر عافية، هذه المرة. وبإيمان بضرورة التعددية، وبيقين راسخ بمزايا التنوع، لا يقللان من شأن الآخر، ولا يطففان من دوره، لا في العلن، ولا في خطرات الضمير المغيب.

ريادة شداد:

بدأ محمد حامد شداد أعماله التي كنا نراها غرائبية، في استوديو التلوين الذي ضم تلك الدفعة الكثيرة الحيوية. عدنا مرة من الدور الثاني في سينما غرب، وكنا جائعين جدا. فقد غشينا الكشك الواقع في ركن مصلحة السجون عند ناصية المربوع الثاني، شرقي المعهد، ولكنا وجدناه قد أغلق. ولأمر ما غشينا أستوديو التلوين، قبل أن نعود لداخليات الـ إس تي إس. وأذكر أن المجموعة قد كانت مكونة من حسن موسى، ومحمود عمر، وشخصي، وربما آدم الصافي. حين دخلنا الأستوديو، وجدنا رغيفة مربوطة إلى لوحة خشبية، ومعلقة على الحائط وسط اللوحات. وأذكر أن في تلك اللوحة عناصر أخرى غير قطعة تلك الرغيفة. وعرفنا من طبيعة معرلافتنا ببعضا بعضا، أنها واحدة من أعمال شداد الفنية. قام حسن موسى بنزع الرغيفة من اللوحة الخشبية، فتقاسمناها، والتهمناها. في الصباح جاء شداد ووجد أن رغيفته قد اختفت. فأخبره حسن موسى بقصة الليلة البارحة. وافتعل شداد مشهدا مسرحيا، تقمص فيه حالة فنانٍ أُتلف له عمل فني مهم، بواسطة قوم من الهمج. وأخذ يردد، وهو يلوح بذراعه في الهواء: (عالم ما بتقدر الفن)، وكان يبتسم من طرف فمه. فرد عليه حسن موسى: (يا شداد، الفن للحياة)!

لم أحك هذه القصة على سبيل النكتة فقط، وإنما أيضا لأدلل على أننا لم نكن نأخذ بعض الأمور التي كان يأتي بها شداد مأخذ الجد. الشاهد أن شداد قد كان الوحيد ذي الأصل الخرطومي، بيننا في استوديو التلوين. كما كان الوحيد بيننا الذي جاء من أسرة ميسورة الحال. كان شداد يسافر إلى أوروبا، وكان اتصاله بالتطورات الجارية في ساحة الفن في أوروبا حارا. أما نحن فقد كنا نقرأ ما يمكن أن أسميه، تاريخ حقب سالفة. وأظن أننا لم نتعد في دراستنا في تاريخ الفنون، في تلك المرحلة، التكعيبية، والسريالية والوحشية. وكلها من مدارس النصف الأول من القرن العشرين. ورغم أن كبار رواد تلك المدارس الفنية كانوا، وقتها، لا يزالون حيين ـ فبيكاسو كان لا يزال حيا حتى قبل عام من تخرجنا. فهو قد توفي في عام 1973. و سلفادور دالي، قد كان حيا، حينها، ولكن هنري ماتيس، توفي في عام 1954 ـ إلا أن حركة الفنون في أوروبا كانت قد تجاتوزت كثيرا ما كان مدونا في الكتب الموجودة في مكتبة الفنون. كما أن في أمريكا، لم تكن مشمولة في المنهج، آنذاك. ما كنا ندرسه كان في عمومه محصورا في النصف الأول من القرن العشرين. لم تكن هناك متابعة حية، من طاقم التدريس، في الكلية، لحركة الفنون الحية، في العالم. ولذلك، فقد انحصرت خبرتنا بالفن الغربي المعاصر، فيما كان موجودا في كتب المكتبة، التي ظلت في الرفوف منذ عشرات السنين. ولا أذكر إطلاقا أننا اطلعنا على أي مجلة دورية متخصصة في الفنون، طيلة فترة دراستنا في الكلية. وأشك كثيرا في أن الكلية قد كانت مشتركة في أي مجلة دورية متخصصة في الفنون، عربية كانت أم أروبية!

أقام شداد معرضا في حجرة تاريخ الفنون، وقد كان عبارة عن أشياء متنوعة. اذكر منها مقعد مرحاض قديم، وخضروات وفواكه، ولحم، شغلت معظم حجرة تدريس تاريخ الفنون. وقد كانت الحجرة في لحظة الإفتتاح مظلمة. وقد أدخل شداد بعض الذين تجمعوا للإقتاح إلى داخل الحجرة المظلمة، وكانت هناك موسيقى غربية، لا أذكر الآن نوعها. وأخذ شداد يطوف بالزوار على ضوء بطارية من جزء إلى جزء, ثم فتح المعرض بشكل عام، وأضيئت الإضاءة. كنا مندهشين، وكان بعض الأساتذة محرجين. وقد كنا أيضا لا نظن أن شداد جاد فيما صنع، وأن الأمر لا يعدو كونه مجرد مزحة، وطرافة.

حين جاء معرض التخرج، أتى شداد بصفائح قديمة، مما يستعمله عمال البناء في نقل الخرسانة، وكانت حوافها العليا قد أخذت تلتف على نفسها. قام شداد بلحام تلك الصفائح على لوحة كبيرة من الصاج، ثم علقها على الحائط، فأصبحت تشبه (أبراج الحمام). جرى تعليق هذه اللوحة ضمن مشروع التخرج، خارج الأستوديو. أما في داخب الأستوديو فقد أتي شداد بأكياس نايلون، وملآها بماء ملون بألوان مختلفة، ووضعها بطريقة معينة في إحد أركان المعرض، وكتب إلى جانبها، (ألوان مائية). وأظن أن فكرة الكريستالية قد نبعت من شفافية تلك الأكياس المملؤة بالماء الملون.

كان شداد متابعا بحكم سفره الكثير إلى أوروبا. أما نحن فمن فرط عزلتنا فقد كنا نظن أن ما كان يقوم به شداد، ليس سوى مجرد "صرعات"، من بنات أفكاره، هو، ولا علاقة لها بالممارسة الفنية الرصينة، كما كنا نفهمها. ورغم ظننا في أنفسنا، بأننا متفتحين وليبراليين، إلا ان العزلة قد جعلت منا محافظين، رغم أنوفنا. حين تركنا السودان والتحقنا بالجامعات الغربية، بدأن ندرس ما يسمى بفن (الخامات البديلة alternative media)، وفن (التراكيبinstallations & assemblage ). و(الفن الأدائي performance). وقد أشتهر حسن موسى مؤخرا، بالطقوس التشكيلية، وهي عمل فني حي يتم أمام جمهور، مما يعطي العمل، بعدا مسرحيا. دُعي حسن لإقامة طقوسه التشكيلية في كل من لندن، والولايات المتحدة الأمريكية. وقد أستضافته جامعة كورنيل بولاية نيويورك، بدعوة من الدكتور صلاح حسن (صلاح الجرق)، الذي يعمل منذ سنوات طويلة بتلك الجامعة. وقد وجدت طقوسه اهتماما أكاديميا، وإعلاميا كبيرا. خلاصة القصة، أن محمد شداد كان مطلعا، وكان رائدا، وكان شجاعا في توسيع دائرة ما ظل يُصطلح على تعريفه بكلمة (فن).

أما الكريستالية، التي تعاملنا نحن معها، كواحدة من "صرعات" شداد فقد أصبحت مدرسة لها ذكر في مجال التوثيق للحركة الفنية في الدول الإفريقية. وقد أصبح الدكتور صلاح حسن، رئيس قسم تاريخ الفنون بجامعة كورنيل، بولاية نيويورك، والذي سبق أن درس في كلية الفنون الجميلة بالسودان، أحد القلائل المتخصصين في حركة الفن الإفريقي المعاصر، وقد نشر عددا من الكتب، أصبحت مراجع في هذا الصدد. كتب صلاح حسن عن الكريستالية، في معرض حديثه عن الفنانة كمالا إبراهيم اسحق، ما نصه:

Ishaq, and two of her students, Muhammad Hamid Shaddad and Naila El Tayib, issued the Crystalist Manifesto in which they tried to outline the philosophy and aesthetic of their art. Echoes of ideas of the avant garde, existentialism, and other art movements in Europe could be traced in the Crystalist Manifesto. Though not directly stated, the Manifesto was certainly intended as a critique of the Khartoum School. According to the Manifesto, the essence of the universe is like a crystal cube, transparent and changing according to the viewer's position. Within these crystal cubes human beings are prisoners of an absurd destiny. The nature of the crystal is constantly changing according to degrees of light and other physical conditions. As a demonstration of the Crystalist's project, Shaddad held an exhibition in 1978, in which he exhibited piles of melting ice cubes surrounded by transparent plastic bags filled with colored water.

ولقد كنت أحد حضور معرض الثلج الذي أقامه كل من شداد ونائلة الطيب، في ميدان صالة عرض ميدان أبو جنزير. وأذكر أن أحد افراد السفارة الصينية، قد جاء إلى هذا المعرض، وكنت موجودا في المخل لحظة دخوله، وكنت متطلعا لكي أعرف ردة فعله. فما أن رأى ألواح الثلج تملأ قاعة العرض، حتى استدار راجعا. وقد حدثت حوارات ساخنة بين عبدالله بولا، وحسن موسى، من جهة، وبين الكرستاليين، من الجهة الأخرى. وأذكر أن أحد الردود الطريفة التي كتبتها محمد شداد، ونائلة الطيب، في مواجهة انتقادات بولا، وحسن، قد بدأ بهذه العبارة: ((إلى عبد الله بولا، وحسن موسى، وسائر القبائل الرعوية، في الفن التشكيلي .....)).

الحلقة القادمة ربما ستكون الأخيرة. وسوف أحاول فيها، ربط كل هذه الجزئيات السردية، في سياق موحد، يتحسس تطور حركة اليسار، في معناها العريض الذي سبق أن أشرت إليه، واندياحاتها، في الخمسين سنة الماضية، واحتمالات مساراتها المستقبلية.

Post: #92
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: bayan
Date: 03-27-2004, 03:01 AM
Parent: #89

).
Quote: من أطرف ما أذكر في مانيفستو الجماعة أنني كتبت "ذواكر" كجمع ل "ذاكرة". ونشرناه هكذا. وصوبني المرحوم محمد سعيد معروف في كلمة له. واذكر انني "تتريقت" عليه في ردي لعنايته بالقشور دون اللباب. ولو إستقبلت من امري ما أستدبرت لقبلت التصويب مع الشكر والعرفان.


اولا نرحب بالاخ الدكتور عبدالله
ونتمنى ان يستمر فى الكتابة
وان يرد على مسألة تحمل اليسار تبعات ما حدث للثفاقة فى السودان
اعجبنى المقطع الذى به كثير من المعانى ولا يخلو من طرافة

Post: #90
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: حسن الجزولي
Date: 03-26-2004, 07:28 PM
Parent: #1

الأخوة فى البوست

استطيع القول أن المداخلات والنقلات التى يساهم بها الأستاذ النور حمد اعطتنا خلفية جيدة للمناخ الذى نشأ من رحمه أبادماك .

بانضمام القاص فاكهة المجالس العذبة عثمان حامد الى ركب البوست سيتسع فضاء التوثيق .. لماذا لا أقترح عليه عكس تجربة النشاط الثقافى لنادى بانت بأمدرمان كنموذج للآندية الاجتماعية بالعاصمة وخروج أغلب مبدعى ابادماك من خضم الأنشطة الأبداعية لتلك الأندية , لاسيما ان نادى بانت الثقافى الاجتماعى كان يجمع مبدعين امثال الشاعر والمسرحى هاشم صديق والناقد سامى سالم والشاعر كمال الجزولى اضافة لعثمان حامد نفسه , وشهدت مساحة النادى المتواضعة اشراقة اولى فرق الجاز العاصمية كفرقة جاز العقارب وتبنت ايضا جزءا من فنانى الحقيبة الذين كانوا يتلمسون اولى خطوات طريقهم نحو الفن والشهرة كالفنان الشعبى عبدالوهاب الصادق .

أما الحضور البهى لمولاى عبدالله على ابراهيم فيعد بحق هو هدية البوست لبورداب المنتدى .. أتمنى أن أجد منه اجابات شافية على بعض أسئلتى بخصوص اسباب خلو ابادماك من العضوية النسوية كمنتج ابداعى , وتساؤلاتى حول مواقف الشاعر الراحل محمد عبدالحى من اتحادالكتاب لاحقا, ثم تجدونى اضم صوتى مع تساؤل الاخ تناش حول اسباب غياب جنوب السودان - ان لم اقل بقية الهوامش - من اهتمام ابادماك ! .

آخيرا ربما سينضم الينا فى البوست قريبا الأساتذة عثمان جعفر النصيرى وعبدالله جلاب .. والى ذلك الحين نحن كلنا متابعة لأسهاماتكم .. مع التحية .

Post: #93
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: Bushra Elfadil
Date: 03-27-2004, 01:58 PM
Parent: #90

الاستاذ النور
سعدت بمداخلة الكاتب المبدع عثمان حامد وتوثيق الاستاذ غبدالله على إبراهيم والأستاذ صديق ضرار والاستاذ صلاح يوسف وسائر الاباداماكيين . وسعدت بصفة خاصة لأنك أوردت عبارة هامة الانقلل من شأن الآخرين لا في السر ولا في العلن . ومما لا شك فيه أن هذا ما جنيته أنت شخصياص من التربية التي اعتقد أنها جاءتك ليس عن طريق واحد. وهو الشىؤ نفسه لعله الذي كان يسميه الشهيد عبدالخالق محجوب أيغر الصدور . فلمنورون السودانيون الديمقراطيون فيما يبدوا قد تعافوا كثيراً حالياًبحيث صاروا أقرب إلى اكتشاف جبل الذات السودانيةالسمح الذي كان يتخفى على مر العقودوسط قمامةقبيحة قوامها الأسهامات الفجة لمن يضعون ذواتهم ومصالحهم وغلظتهم في طريق شعبنا فلا يصل الى العدل والحقانية ولا يصل شبابه إلى قمة الفرح المؤشب والحياة .
بالسودان الآن شباب أكثر نضجاًمن حيث الفكر والثقافة والإبداع والأهداف من كل التجارب السابقة غلا قليلا وبحسبنا أن ينفتح خزان الديمقراطية ولن يتم ذلك من تلقاء ذاته فتنسكب الشموس على كل المدارات والمقطع الأخير من قصيدة لهاشم محمد صالح حين كان طالباً بحنتوب الثانوية.
تجمعات المستقبل يجب ان نراعي فيها الحرفية وتواصل الاجيال والشمول ونبذ الشمولية .وحسبنا ان نخطط لعقدين بدقة علماء الرياضيات في إنشاء تجمعات تنشر بالعربية والإنجليزية والفرنسية وتتواصل مع القارةالأم وقبل ذلك ان تتواصل مع الوطن بلغات وثقافات جماعاته. وكذلك يكونالتواصل مع العالم العربي والعالم وبالنسبة لي لا زال سؤال الهوية سؤال سيرورة..

Post: #94
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: Dr.Elnour Hamad
Date: 03-27-2004, 10:08 PM
Parent: #93

العزيز بشرى الفاضل
(أبصم بالعشرة) على ما قلته يا رفيق الصبا، والشباب. لم الق في الدم واللحم، كثيرا من الشباب الجديد، الذي أشرت إليه، بحكم حالة الإغتراب الطويلة. غير أني أحسست بما اشرت إليه، فيما اطلعت عليه من أدبهم، وانتاجهم الفكري، في هذا المنبر، وفي منابر أخرى، أتيحت لي فيها فرص الإطلاع أيضا.

ثم أعود لأختم:

حيت بدأت المشاركة في هذا البوست الذي افترعه أستاذنا صلاح يوسف، عن أبادماك، ما كنت أظن أنني سوف أسهم فيه بهذه المطولة. غير أن الشيء بالشيء يذكر، وهكذا أخذت الذكريات تأخذ برقاب بعضها بعضا. أخذت كل حادثة تذكر بغيرها، بحكم الإرتباطات المتشعبة، مما جعلني استسلم طائعا، مختارا، للإطالة. وكان خيرا أن استسلمت لها. فقد كتبت، ولأول مرة، أمورا مر عليها، حوالي الخمسة والثلاثين عاما، وكنت قد ظننت أنها انمحت من ذاكرتي. غير أن الجلوس للكتابة يعين على التذكر. وأن جد سعيد أن أصبح الكثير من المعلومات، التي أوشك أن يعفو عليها الدهر، مرصودة الآن، ولو بشكل مبتسر. وآية ذلك، أنني لو عدت إلى ما كتبت هنا، مرة ثانية، في مقبل الأيام، فسوف يعينني، بلا شك، على التوسع، وعلى إضافة ما فاتني إثباته، هذه المرة. والصوفية يقولون: (علامة الإذن التيسير). أي إذا أحسست بأن هناك تيسير في أمر ما، فاعلم أن هذا الأمر مأذون له. ومن حسن التوفيق أن إثارة هذا الموضوع، قد وافقت إجازة الربيع عندنا. وقد كنت أمضي كل وقتي بالبيت، وأجد شيئا، من نعمة الفراغ. ولو جاء الموضوع في غير هذا الوقت، لما تمكنت من الإسهام فيه، بمثل هذا الإسهاب.

التاريخ لا يكتب بشهادة شخص أو شخصين. إذ لابد من تضافر جهود كثيرين من شهود الحدث. فكل شخص يكتب، عادة، من الزاوية التي رأى منها المشهد. والمشهد لا يُرى من زاوية واحدة، وإنما من زوايا عديدة. وكما تفضل الأستاذ صديق ضرار، فإن أبادماك، لم يكن التجمع الوحيد للكتاب والفنانين في السودان، وإنما سبقته، وعاصرته، وجاءت بعده تنظيمات. غير أن أبادماك، ومن بعده، إتحاد الكتاب السودانيين، وإلى حد كبير، أيضا، اتحاد الفنانين التشكيليين، حين كان نشطا، وفاعلا، قد غلبت عل هذا الثالوث، صبغة اليسار. وعموما، كما ورد من قبل، فإن مبدعي اليسار، قد كانوا دوما الأسمق قامة بين مبدعي السودان، قاطبة. وذلك بسبب نزعة الحرية، وبسبب الإنفتاح على الثقافة الإنسانية، ثم بسبب النظرة النقدية للموروث الإسلامي. واليسار بهذا المعنى العريض، يمثل التوجه النهضوي، الذي لا يرسف كثيرا، في قيود فكر السلف، ورؤى السلف. وهذا أمر لم يتوفر لقوى اليمين، إلا في حدود ضيقة، جدا. وكما أشرت، من قبل أيضا، فإن هذا مبحث بكر، يمكن أن يجر خيوطا كثيرة، ويربط قضايا كثيرة، أيضا.

كان انعكاس حركة النهضة العربية متجلية في العشرينات، من القرن الماضي، في السودان، على أصعدة شتي. غير أن انعكاسها في مجال الإنتاج الأدبي، تَمَثَّل في القمة، في انتاج مبدعين، طليعيين، هما التجاني يوسف بشير، ومعاوية محمد نور، وحمزة الملك طمبل. وفي الأربعينات، بزغت شمس جيل جديد، كان على رأسه الأستاذ محمود محمد طه، الذي انضم إليه من شباب الجمهوريين، في ذلك الوقت، شعراء، شباب من أمثال، محمد المهدي مجذوب، ومنير صالح عبد القادر، ومنصور عبد الحميد. وفي نفس تلك الفترة ظهرت حركة اليسار ممثلة في الجبهة المعادية للإستعمار. كانت حركة الجمهوريين، حركة مناهضة للوجود الإنجليزي، ومناهضة لمشروع الوحدة تحت التاج المصري. كما كانت حركة الجمهوريين، مناهضة، أيضا، وفي ذات السياق، لمشروع تنصيب السيد عبد الرحمن المهدي، ملكا على السودان. مثَّل الجمهوريون والشيوعيون تململ طلائع المتعلمين والمثقفين، ضد الأوضاع السائدة. ومن يرجع إلى كتابات الأستاذ محمود محمد طه الأولى، يجدها منصبة على تحقيق الإستقلال، لا كغاية في ذاته، وإنما كخطوة مهمة في مجال إصلاح التعليم، والنهضة بالريف، ومحاربة الفقر. (راجع منشور السفر الأول 1945) . وحين تحول تنظيم الجمهوريين، في 1951، من مجرد حركة سياسية، تهتدي، هديا عاما بالإسلام، إلى حركة إسلامية ذات رؤية مذهبية جديدة، أساسها تطوير التشريع الإسلامي، ليواكب المستجدات، وليصبح في مقدوره توجيه بناء دولة عصرية حديثة، استوحش من هذا الطرح أكثرية الذين انتموا إلى الحزب الجمهوري، في حقبته السياسية من المتعلمين، والمثقفين، الأوائل. وكان من بين أولئك، الذين ابتعدوا عن الخط الجديد، الشعراء الذين جرى ذكرهم عاليه، وهم محمد المهدي مجذوب، ومنير صالح عبد القادر، ومنصور عبد الحميد، وغيرهم. غير أن فكرة التطوير التي أتي بها الأستاذ محمود، أجلت وجه الإسلام الإشتراكي، ووجهه التحررى. وهذان الوجهان كانا مندغمين في تجربة التصوف التاريخية، وحياة النبي، فيما يسلكه هو، في خاصة نفسه. فرق الأستاذ محمود محمد طه، بين جوهر الروحانية، في الدين من حيث هو، وبين تقييد الظرف التاريخي، لذلك الجوهر. والآن، فإن تاريخ الدعوة الإسلامية، تُعاد قراءته، على ضوء جديد. أعني على ضوءٍ، يعيد تركيب صراع السلطة والثروة في ذلك التاريخ من جديد. ويميط التزييف الذي قامت به المؤسسة (الملكية)، الإسلامية الحاكمة، من صياغة التجربة الروحية الإسلامية، بما يوافق مصالحها، وضرورات حراستها لسلطتها تلك.

يتبع بعده

Post: #95
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: Dr.Elnour Hamad
Date: 03-27-2004, 10:17 PM
Parent: #94

مواصلة:

أشار غارودي، في كتابه، (حو حرب دينية). أن المسيحية، كما عاشها المسيح، الذي كانت حياته كلها، اتهاما للنظام القائم، قد جرى تفريغها، من محتواها الإنساني، لتصبح ديانة للأباطرة والملوك، بها يتم إخضاع العقول لقوتي، السلطة، والثروة! ومقتل الحلاج، ومقتل بن المقفع، ومقتل السهروردي، وكل ما جرت تسميتهم بـ (زنادقة)، لم يكونوا سوى مفكرين ثوريين، عرفوا كيف جرى تزييف التجربة الروحانية للناس. وهذا هو ما دفع السلطات، المستعينة بسلطة رجال الدين، والدين بوصفه مؤسسة قابضة، إلى تصفيتهم، جسديا. وكل ذلك، تُعاد اليوم قراءته، بوعي مستبصر. وأذكر، في هذا المجال، على سبيل المثال، لا الحصر، إسهامات نصر حامد أبو زيد، وسيد محمود القمني، وخليل عبد الكريم. وأرى أن كل هذه الكتابات، ليست سوى هوامش، على ما ظل يطرحه الأستاذ محمود محمد طه، منذ بداية الخمسينات. غير أن الكٌتَّاب، في العالم العربي، لا يقرأون بعضهم بعضا. كما لا يحفلون بإسهامات تأتي من قطر مثل السودان، ظل دائما، مصنفا في خانة المستهلك، الذي لا يُنتظر منه، إسهام ذا بال. كما أنهم، لا يبنون على انتاج بعضهم بعضا، بل ربما تعمدوا إغفال ذكر بعضهم بعضا. لم تقم في الوطن العربي، حتى الآن، تقاليد أكاديمية راسخة، ولا أخلاقيات اكاديمية راسخة. بل إن الوطن العربي ـ وبلا مغالاة ـ خلو، حتى يومنا هذا، من الأكاديميا التي تستحق إسمها.

أعود من هذا الإستطراد، للقوى السودانية التي بدأت معسكراتها تتشكل مع بداية تباشير بزوغ شمس الحكم الوطني. أصبحت القوى السودانية الجالسة على دكة الموروث، مواجهة بقوتين: قوة الشيوعيين، وهي قوى علمانية، تحررية، ذات مرجعية فكرية أوربية، متجذرة في فكر الحداثة الأوربية، ممثلا في شقه الإشتراكي. ثم قوة الجمهوريين، وهي قوة تحررية، بنت دعواها التحريرية على بعث وجه ظل غير مجليٍ، من التراث الإسلامي. غير أن القوتين تشتركان في التعلق بالنهضة، وبالتمدين، وبمحاتربة الجهل، والفقر، والمرض. وتندغم، كل تلك الجهود، تحت النزعة الإشتراكية، الراسخة، في كلا التوجهين.

ما من شك، ان التوصيف عاليه، توصيف عمومي، ولا يخلو من فجوات، وثغرات. ففي حين أقول أن قوى الشيوعيين قوة تحررية، فإن مثل هذا الوصف، ربما جر، من الناحية المنهجية، والتوثيقية التاريخية، والملابساتية، كثيرا من التحفظات عليه. فالتحررية الشيوعية، رغم هدفها الإنساني النبيل، الذي لا مراء فيه، لم تكن قد اعتمدت في ذلك الوقت، بعد، الأسلوب البرلماني فيب إدارةة الصراع، ومنهج الوصول إلى السلطة. وإنما كانت لا تزال تدعو لديكتاتورية الطبقة العاملة. ولذلك فلو نظرنا لتلك الحقبة، على ضوء التطورات اللاحقة التي ألمت بالتجربة الإشتراكية، في فضائها الدولي، العام، في نهايات، القرن العشرين، لوجدنا أن فهم الجمهوريين، كما أسس له الأستاذ محمود محمد طه، ورسمه لمسار حركة التثوير، من أجل تحقيق أوضاع اشتراكية، وإنسانية، قد كان متقدما كثيرا جدا، على فهم الشيوعيين. ولا أغالي إن قلت، ان ذلك السبق، ربما شمل حتى المفكرين، الشيوعيين الأوروبيين، الذين خرجوا من قبضة اللينينة، وأطلقوا مسمى "اليسار الجديد". أكثر من ذلك، فإن فكر الأستاذ محمود محمد طه، ليتقاطع، في كثير من مفاصله، مع ما يسمى اليوم، بفكرة ما بعد الحداثة، بل وفي أكثر جوانبها، إشراقا، وإيجابية.

أرجو ألا تُرى مثل هذه التقريرات، من جانبي، تعصبا لحركة الجمهوريين، ولفكر الأستاذ محمود محمد طه، لمجرد أنني قد عملت في حقلهما، لسنوات طويلة. وإنما أرجو أن يُنظر إليها، بوصفها محاولة مني، لربط قوى اليسار السوداني، برابط يقع خارج إطار المرجعية الأوروبية. وهذا أمر قد بدأ يتنبه إليه آخرون، من خارج دائرة من عرفوا، تنظيميا، بـ (الجمهوريين). فالفكر الإسلامي، الذي ربما اثار حساسيات الكثيرين، ليس فكرا وافدا من جزيرة العرب، كما يظن الكثيرون. وإنما هو فكر متجذر في حضارة وادي النيل القديمة، خرج منها، ثم عاد إليها، بعد أن لبس حللا جديدة بفعل رحلته الجغرافية، والإثنوثقافية. فالقرآن ليس سوى التوراة والإنجيل في صياغة أخرى. وقد ورد في القرآن الكريم: (مصدقا لما بين يديه من الكتاب، ومهمينا عليه). ولذلك فجوهر الفركة الإسلامية، الذي هو بعده التصوفي، الإنساني، التحرري، متجذر في بنية تاريخينا، ويمثل مدى لهويتنا الإفريقية الممتدة لما يقارب العشرة الف عام. فرؤيتنا للكون والحياة، ومفهومنا للمجتمع، وللروابط الإجتماعية، ونمط حياتنا الإقثصادي، الذي ظل حتى وقت قريب، متسم بكثير من السمات المشاعية، لم تأتنا، كلها، من جزيرة العرب، وإنما ترجع إلى تجربة طويلة تمتد إلى العصور التي بدأت فيها سكان ما يسمى الآن، بالصحراء الكبرى، في النزوح إلى ضفاف النيل، بسبب الجفاف الذي قاد تدريجيا إلى تكوين تلك الصحراء. والفكر من حيث هو، بما في ذلك الدين، الذي يقع تحت مسمى فكر، هو الآخر، تعاد صياغته وفق مقتضى الظرف، ومقتضى تبلور حالة الوعي. فالدين في جوهره السامق، والأصيل، إنما يقع خارج النص، ولا تمثل مرحلة النص فيه، سوى حقبة. وهذا مما يفتح بابا جديدا، لمساءلة المستقر من الثنائيات، المتعارضات، تاريخيا، dichotomies من شاكلة (ديني/علماني).

حين ظهرت حركة الإخوان المسلمين، في السودان، لم تمثل سوى صدى لحركة الإخوان المسلمين في مصر. وقد كان الفكر الإخواني، في تلك الحقبة، مشدودا بحنين دافق، لإحياء الخلافة الإسلامية. بل إن فكر الرواد في هذا التيار، من أمثال سيد قطب، ومحمد قطب، قد كان متوجسا من الحضارة، ومتشككا في توجهاتها، بشكل عام. وقد كان ما ينتظم تصورات، ومسلك، أولئك الرعيل، أقرب إلى العصاب الديني، والهوس، منه إلى الفكر. وعموما فقد ظلت حركة الإخوان المسلمين دائرة في فلك قوى القديم في السودان. فالمسار السياسي لهذا الحركة، منذ الإستقلال، وعبر عهود الحكم الوطني، أظهرها مجرد نبتة طفيلية متسلقة، على جذع شجرة الحزبين الكبيرين. فهي قد اقتاتت عليهما، عبر العديد من المناورات، وقوي عودها على حسابهما. وقد بلغت في يونيو 1989 أقصى أمانيها، بتسلم السلطة بمفردها.

لم يتقدم االمشهد السياسي كثيرا، من حيث حالة، التوتر، والإستقطاب، عما كان عليه في العقود الثلاثة، الأخيرة، الماضية. لقد عقد وصول الجبهة الإسلامية للحكم الأمور كثيرا، على ساحة تماسك النسيج القومي السوداني. غير أنه قد دفع بحركة الوعي دفعة كبيرة. وبطبيعة الحال لم يجيء تسارع حركة الوعي، نتيجة لعمل مخطط، ممنهج، من جانب نظامه الحاكم، وإنما جاء كمنتج جانبيby product لم يكن في مقدور النظام التحكم فيه. وأهم ما حدث، هو احتراق (كرت) الشعار الإسلامي، التهييجي، العاطفي. ليس في مقدور أي فكرة، مهما بلغ انغلاقها، وتشنجها، حبس كل من هم بداخلها، في داخلها، إلى الأبد. فقد أفادت تجربة حكم الجبهة الإسلامية، في تجديد وعي بعض قادتها، فأصبحوا أكثر،ة إحساسا بالآخر، وأكثر اعترافا به. ومن هؤلاء مثلا، الصحفي محمد طه محمد أحمد، والدكتور الطيب زين العابدين، والدكتور حسن مكي، ولابد ان هناك غيرهم، ممن هم على شاكلتهم، أيضا.

لا أعتقد أن الإعتدال قد لحف بالجبهة تماما، وربما لا يلحق بها بالقدر الذي يجعلها تذوب في حالة الإعتدال التي نرجو حدوثها. ولكن المهم هناك واجب جديد يقع على عاتق المؤدلجين، من قوى اليسار. وحين اقول المؤدلجين، لا أعني الشيوعيين فقط، وإنما أعني معهم الجمهوريين، والبعثيين، وجماعة حق بكل أجنحتها. ويتلخص هذا الواجب الجديد في ضرورة إعادة النظر في بقايا النهج الراديكالي، التثويري، المتأثر بتجربة المد الثوري الماركسي، اللينيني. والذي يرى أن من الممكن محو الآخر تماما، بل لابد من محوه! أعني محوه كجسد تنظيمي، وكجسد فكري، وكسيرورة. فهل لا يقوم الجديد، إلا على أنقاض القديم، ثم ما هو القديم الذي نريد له أن يكون أنقاضا. أهو الكيانات التنظيمية بأجسادها القائمة، أم بعض ما استصحبته معها، في مسارها الترايخي، من أفكار، وممارسات معوقة.

يبدأ التغيير في الوجهة الجديدة، المنفتحة على الآخر، والمؤمنة بضرورة وجود الآخر، بتخفيف حدة الخطاب الرافض لآخر، والمستهين بقدر الآخر. والإبتعاد عن لغة الخطاب السياسي، الموروثة، التي نشأت تحت تأثير الرغبة الثورية في محو الآخر، والعجز عن رؤيته كمكون ضروري في ما هو قائم، وما سوف يتمخض عنه، ما هو قائم الآن، فيما هو مقبل من الوقت. هذا الروح الراديكالي يتسم به الشيوعيون الآن، ويتسم به الجمهوريون، أيضا. وأعتقد أنه إنما يعود إلى حالة العجز السائدة الآن، عن رؤية الواقع خارج تأثيرات ظلال النصوص، وتأثيرات التجربة التاريخية في الصراع، مع القوى القائمة.

أشار الدكتور عبد الله علي إبراهيم، إلى ضرورة مراجعة كل أولئك، في كثير مما كتبه. وقد كانت إشاراته في كل ذلك، إشارات حصيفة. والأسئلة التي أود إثارتها، وأنا أعد لختم هذه المشاركة، التي تفرعت كثيرا: هل لا زلنا نرى أنه لابد من استئصال الطائفية، تماما، والقضاء على جسدها العقيدي، والتنظيمي، الذي بنته تاريخيا، والذي ربما أصبح جزءا، لا يتجزأ من حالة شعبنا، وجزءا مُعَرِّفا لمن هم. وهل مفهوم السودان الجديد، الذي يتغنى به كثيرون، يعني أن القديم لن تكون له فيه مكانة؟ وهل هذا السودان الجديد، بهذا المفهوم، ممكن عمليا؟ هل فكر الصفوة، هو بالضرورة فكر القواعد الشعبية. وهل الوصول إلى حالة صفوية، كاملة، أمر ممكن في أي وقت من الأوقات؟

الحالة التي نحن فيها الآن، في هذا البوست، هي (حالة أباداماكية)، ولكنها في طور جديد، يبشر بتشكل وعي جديد. أعني، وعيا، يسعى لأن يجعل من سعة الأفق، أهم سماته. كذلك، قبول الآخر، بل، والإحتفال بالتنوع الذي يجيء به الآخر المختلف. ثم هو وعي، يتشوق تشوقا اصيلا، للغنفلات من أسر القالب المذهبي، والنظرة إلى شجرة الحياة، قبل الإنكباب على دراسة النصوص. فالحقيقة إنما تكمن في نماء الحياة، وتفتحها، وليست في مرقوم النصوص. فما النص، في أحسن أحواله، إلا اثر من آثار العقول التي مضت. أقف هنا، وفي نفسي، اشياء كثيرة من حتى!
هل أسرفت في وعظكم؟
اغفروا لي، إذن، فإنني سليل تاريخ مليء بالمواعظ!

Post: #96
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: Hashim.Elhassan
Date: 03-27-2004, 11:34 PM
Parent: #1

UP
UP
UP
FOR HISTORY
FOR KNOWLEDGE
and
FOR THE PLEASURE
This is pure Joy
!!Every word in this post is a valuable addition to one’s mental and spiritual welfare
For it’s very rich in
Knowledge
Memories
Answers
Fine pieces of art
???But, and above all, it’s full of Questions
The latter are what we are starving for!! More of them will help a lot
Thanks to all contributors
AND
Dr. Alnour Hamad, please don’t stop, not your memories or the deep cultural analysis you are offering here.Don’t worry..we can tolerate an enlightened sermon embedded in such an intelligent, bright discourse
May be a lion is roaring his pleasures NOW

Quote: كما أكثر القارئيين ربما، ما كان لي سوى المتابعة لهذا الخيط الشائق من ذاكرة الثقافة و الوطن
و لأنني لا أعرف الكثير عن الإله الأسد ( ولا حتى الكشك الذي في بحري و يذكره حسين ملاسي) سوى ما قرأته من ثمالة مجلة الثقافة السودانية و هو في الغالب من المتابعات النقدية و إلى تاريخ سياسة-الثقافة أقرب

Quote: ونحن كذلك من الممتنين لكل مساهمة هنا أضافت و أضاءت أو أينع فيها السؤال
شكراً.

Quote: ((أعني، موضوع الإبداع السوداني، خاصة في حقبة ما بعد الإستقلال، وإسهام قوى اليسار بالقدر الأكبر فيه. ولا شك أن الإبداع مرتبط بالحرية. أعني حرية أن يفكر المرء، وان يكسر القيود المكبلة لحركة الفكر. وهذه ميزة لم تتوفر لقوى اليمين بحكم عقائدها الموروثة، المتشككة في صنوف الإبداع، وربما إيمانها أن للإبداع جانبا، لا يقره الدين، أو ان للإبداع جانبا (لا أخلاقيا)).

Sorry for writting in English. No arabic key board..I had to quote from an older salutation I had posted here(1)!!!My gratitude for all of you
thanks

Post: #97
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: Dr.Elnour Hamad
Date: 03-28-2004, 00:49 AM
Parent: #96

العزيز هاشم الحسن
أحيي مثلك من افترع هذا البوست، وأحيي كل من أسهم فيه.
أما كتابتك بالإنجليزية، فإن فيها من الحيوية، والطلاقة، ودفق المعنى، ماجعلني أحس بأنك لست بحاجة إلى "كيبورد" عربي. أما إن جدت "الكيبورد" العربي، "فخير وبركة". فالإنجليزية، كما هو ظاهر من مساهمتك، لم تمنعك من قول شي أردت أن تقوله.
شكرا جزيلا لك، مرة أخرى.

Post: #98
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: Hashim.Elhassan
Date: 03-28-2004, 09:03 AM
Parent: #97

شكراً يا دكتور النور
ولقد عبر عني من اقتبسه أدناه
[QUOTE]من رأي منكم ذاكرةً تشتعل ... فليشتعل معها ... أسامة معاوية الطيب فله الشكر بليغاً كما هو كان..

و لانني إذ طربت بكم، وصوت بعيد قريب لصديقي المساهمين هنا بفضل من (قوي) ، أعني الأستاذين عثمان حامد وأحمد طه الحسن،ُ ثم بكل من غرس و أفترع و أضاف و ( نمّه) في ثراء (الذواكر) هذا العميق.... طربت فأنتشيت فأردت ان اطرقع لوحة المفاتيح أن ( أبشروا بالخير) فما اسعفتني الإنجليزية وما كان لي من بعد أن أنكص وفي الحي زمار و ندامى .. فلما جازفتها على ضيق العبارة ، بقي في شي من حتى العجمة، حاولت الإعتذار عنه.. وها انت تبلسمني كرماً. تكرم والجميع
ثم..لا يزال هذا الخيط ينساب ، وبه ما به من إرواء لظمإ المعرفة و سقيا للفضول ينهكه فقر الإجابة فيما كان قبل..
و..لقد أسرني إنفتاح الذاكرة عندك/كم على فضاء أوسع من منظور الهدهد وأرحب من تاريخ ابادماك وإن أحاط..أعني فضاء اليسار و التقدم--- أسئلةالحداثة و الواقع--الجمود والتغيير(الثابت و المتحول) --السيرورة و العقابيل--وبالضرورة...الصيرورة أيضاً..مشاريع أسئلة؟؟؟
ومنها..المشاريع أعني .. ما جاء به د.حيدر إبراهيم علي في مقال عن مستقبل اليسار في عدد 3/27/2004
من صحيفة الصحافة..قال:
Quote: اليسار موجود بالقوة ـ كما يقول الفلاسفة ـ ويمكن ان يتحول وجوده الى فعل . وهذا مرتبط بتوحده حول برامج محددة تخاطب مشكلات ملموسة بعيدا عن التقعر الآيديولوجي لكن هذا لا يعني عدم وجود رؤية شاملة هي التي وضعت تلك البرامج

Quote: يأتى سؤال هل فشل اليسار في العالم العربي وفي السودان ؟ ولماذا الفشل رغم امكانات النجاح والقبول بسبب افكاره وشعاراته ؟ المفهوم في الواقع العربي والسوداني مطاط وواسع وفي نفس الوقت يحاول اعداء اليسار ان ينسبوا كل سئ الى اليسار [/QUOTE]

أعلم أن كثيرأ من مثل هذا قد تمت ملامسته هونا، أو قتل بحثا في بعض هذا الخيط.. و لكن، بحر عطشان ما بيابا الذيادة..أيضاًأنتظر ما وعدتنا عن حسن موسى وجهنمه في سياقات الهوية ( أو سباقاتها المحمومة) فهلا بذلتم و الأخرون كلهم و (د. عبدالله علي إبراهيم..بناءاً على رغبة الجمهور) مايفرض مزيداً من السؤال!!!
شكرأ جزيلاً و محبة للجميع.

هاشم

Post: #99
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: عاطف عبدالله
Date: 03-28-2004, 09:59 AM
Parent: #98

مساهمة توثيقية أخرى من عضو البورد الذي أبى إلا أن يشرفني بأن يطل عبر نافذتي في هذا البوست ، الأستاذ أحمد طه، فله الشكر والإمتنان:

من أحمد طه
لم يكن للنقد ناد في أبادماك – ولكن ذلك التجمع الرائع قد أفرز شباباً أثروا النقد وصاروا بعد ذلك من أعلامه ومن أهم النقاد وأعني بهم الأصدقاء . د .محمد المهدي بشرى والراحل عبد الهادي الصديق ( دار صليح ) كانوا لم يزالوا طلبة في الجامعة وكانت لهم مساهمات فاعلة في سمنارات أبادماك ولياليه العامرة وكم تألقوا وهم يحللون أدب الطيب صالح وشخصية مصطفي سعيد . وتناول الجمع في إحدى تلك الأمسيات الشاعر محمد الفيتورى وتجربته الشعرية واتفق الجميع على أنه شاعر مجيد و قامه شعرية لا يمكن تجاوزها – تناولوا تجربته في ( التصوف ) و ( الزنوجه ) – ولكنهم اتفقوا أيضاً على سقوطه ووقوفه على أبواب السلاطين ... كان ذلك قبل اكثر من 35 عاماً من وقوفه أمام ( السلطان الجائر) منحنياً ... يتلقى منه ( ظرف الإكرامية ) ليلقى بعد ذلك شعراً في (السلطان المانح) – لم يختلف أحد أبداً على روعة الموهبة الشعرية عند ( المتنبي ) وهو وفروسيته وطموحه – وبالرغم من كل ذلك سيظل (المتنبي) في نظر (الأنقياء) ( مادحاً ) لمن ينفحه المنصب والدينار .
أصدر أبا دماك في أكتوبر 69 ديوان شعر ضم ( الاكتوبريات ) لعدد من شعراء التجمع منهم مبارك حسن خليفة وودالمكي ومجموعة من الشعراء وطبع الديوان على نفقة أبادماك طباعة أنيقة ( أحتفظ بنسخة منه ) – كما صدر أيضاً لشعراء أبا دماك بجامعة القاهرة فرع الخرطوم ديواناً بعنوان ( هكذا نحن نغني ) شارك في – يوسف خليل – محمود خليل – صديق ضرار – صلاح يوسف – صلاح حج سعيد مبارك بشير – عبد العزيز جمال الدين – نصر الدين سناده – محمد خير – وشخصي وقد اجتهدت في تصميمه على ورق ( الأستنسل ) أذ لم نكن نملك ثمن طباعته في مطبعة – وكانت أدواتي في التصميم – قلم ناشف جف منه الحبر – ومسمار قديم وللذين يتهمون ( دعابة ) صديقي عبد العزيز جمال الدين ( شاعر الوجدان ) كما يحلو لي أن أناديه ، بانه مثل يزيد بن معاوية لم يكتب غير قصيدة واحدة ( لو تصدق ) ... أشهد أنه كان له في لك الديوان اكثر من قصيدة لم تكن بينهم ( لو تصدق ) .

Post: #100
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: Salah Yousif
Date: 03-28-2004, 04:52 PM
Parent: #1

ازدان البورد نورا وبهاء بانضمام الدكتور عبد الله علي إبراهيم الذي ظل يتحفنا بفيض أدبه وعلمه وثقافته ردحا من الزمن، لكننا(ومع ذلك) في توق للمزبد0 فإذا كانت (السكة حديد قربت المسافات) في القرن الماضي، ها نحن نعيش الآن في زمن جعل الوصول إلى مدن وقري العالم المترامي الأطراف طوع البنان بمداعبة لوحة مفاتيح الحاسب الآلي0

وصار طعم البورد كالعسل بإطلالة القاص عثمان حامد (مريم عسل الجنوب) الذي نأمل أن يطيب له المقام ليأخذ مقعدا ثابتا ويواصل كتاباته الشيقة وطرفه النادرة خاصة وأنه يتمتع بذاكرة حديدية استحضرت مواقف ولقاءات كنت أظن إنها اندثرت بعد أن تفرق الشمل الذي كان يلتقي بمنزله في بانت شرق0

وانفتحت شهية البورد بظهور أحمد طه وهو يرتدي حلة الشاعرية المطرزة بالوعي الثقافي والأدبي الشيء الذي جعلني أتأمل قائمة العسكر المبدعين ومنهم محمود أبو بكر وعمر الحاج موسى وعوض مالك وإبراهيم أحمد عبد الكريم والطاهر إبراهيم وأبو قرون عبد الله أبو قرون وآخرين0 ولعلي انتهز هذه الفرصة لأدعو الكاتب الصحفي محمود دليل، إن كان من المتابعين لهذا الموقع، ليدفع لنا بمقالاته الرائعة التي كتبها بجريدة الخرطوم على أيام الصدور بالقاهرة عن الأدباء الذين انخرطوا في سلك العسكرية0

فأهلا ومرحبا بكل قادم جاء ليضيف إلى هرم العلم والثقافة والآداب مدماكا جديدا0

وعودا إلى ذكريات أبادماك وما بعدها، أذكر حين هدأت الغضبة على التجمع وصارت حرية النشر وإقامة الندوات مباحة بعد منتصف السبعينات، بدأ بعض الأعضاء في تفعيل النشاط الأدبي بالأندية الثقافية ولكن ليس تحت لافتة أبادماك0 وهنا تحضرني مفكرة نشرتها بجريدة الخرطوم عام 1995 بعنوان (ندوة العشاء الأخير) أقتطف منها ما يلي :

(( في الزمن المأسوف على شبابه كنا جماعة تربطنا آصرة الأخوة الثقافية وحماسة الشباب المترعة بالتطلع للعلا التي كثيرًا ما تدفع بنا إلى حلبة التنافس الشريف في مختلف صنوف الخلق والإبداع00 وأذكر مرة ونحن جماعة تقرض الشعر أو يقرضها الشعر، كما يحلو للبعض منا أن يقول على سبيل المزاح، أن دعانا مسئول ثقافي بأحد أندية القطاع التجاري لكي نساهم في تغيير نمط النادي وكسر روتينية المألوف0 وإن لم تخذلني الذاكرة كان بين المشاركين من الشعراء، صلاح الدين حاج سعيد ، صديق ضرار، حدربي محمد سعد ، الياس فتح الرحمن ، عبد العزيز جمال الدين وشخصي0 وحضر الندوة جمع من الغاوين لا بأس به00 ولما حان وقت بداية الندوة تلفتنا حولنا فلم نجد الشخص الذي كان وراء دعوتنا في حين أن الميكرفون والكراسي يتململون شوقا لضربة البداية0 وكان بعض رواد النادي ممن لا يتذوقون الشعر قد بدأوا يتوافدون لممارسة هواياتهم الليلية - عندما كانت الممارسة مباحة - فسمعت شيئا من التذمر كون تلك الندوة لم تتم إجازتها بواسطة لجنة النادي وأن الدليل على ذلك غياب من خطط للندوة وقام بالدعاية التي حشدت رواداً أتوا من أركان العاصمة المثلثة0 ولم أشأ أن أصارح الشعراء - ربما لمعرفتي برهافة أحاسيسهم - ولكنني ظللت أتابع مشاورات بعض أعضاء النادي التي أفضت في الختام إلى إقامة الندوة شريطة أن يقوم واحد من بيننا بإدارتها لأن المسئول الثقافي غير موجود، وعلى أن لا يتجاوز وقتها ساعة على الأكثر حتى تعود حياة النادي إلى إيقاعها المألوف0 حمدت الله على ذلك البصيص من الفرج الذي حتما سيحفظ للشعراء ماء وجوههم وشرعت في إدارة الندوة0 ولما كانت مدارس الشعراء المشاركين مختلفة، إذ بينهم من يجيد الشعر الغنائي وبينهم من يغرق في الرمزية وبينهم من يشرب من نهل العامية ذات القاموس الراضع من ثدي الشايقية، فقد تجاوب الحضور مع الندوة وبدا أن الوقت سوف لن يتسع لتساؤلات وتعقيبات الحضور00 وفي هذا السباق الحامي مع الزمن همس في أذني شاب شاعرٌ طالبا الإذن لكي يقرأ على مسامعنا بعضاً من أشعاره فلم أتردد في السماح له رغم أن الزمن المحدد قد أزف على الإنتهاء0 كان ذلك هو الشاعر محمد طه القدال الذي شد انتباه الجميع بما فيهم الشعراء المشاركين، فقد تميز إلقاؤه بحضور رصين وتفرد في التناول0 واسترسل في إلقاء القصائد دون كابح علما بأن قصيدته الواحدة تعد من النوع طويل التيلة (على وزن قطن مشروع الجزيرة)، حيث أنه لم يكن يعلم بالشرط المبرم بيني ولجنة النادي0 عندها جاءني همس أخر من أحد أعضاء لجنة النادي سمح لنا بموجبه بتمديد فترة الندوة إلى أن ينضب معيننا، وفيما يبدو أن المسئول الثقافي قد جاء في ذلك الوقت وحسم المعركة لصالحه0

وعند انتهاء الندوة تجمهر حولنا أعضاء النادي وطوقونا بدعوات لتناول العشاء (وكنا نسميه دائما العشاء الأخير وهو اسم كما تعلمون لإحدى لوحات الفنان ليوناردو دافينشي المشهورة)0 لم يكن هنالك معترض بيننا على الاستضافة، فإذا كان من حق أي مطرب أن ينال في نهاية الحفل الغنائي ريعه المالي وعشاءً فاخرا ينتقيه العريس بنفسه فما الذي يحول دون نيل الشعراء - على الأقل - ما يسد الرمق ويطفئ النار المتأججة في دواخلهم خاصة وأن حق الشعراء دائما مهضوم0 فالشاعر الغنائي، إن صح التصنيف، ينتهي دوره عند شباك صراف الإذاعة في حين يظل المطرب يحلب من كلماته لبن المجد والثروة 0 وحتى الإذاعات تغفل ذكر اسمه في أغلب الأحايين التي تقدم فيها كلماته ملحنة ومغناة مع عدم إغفال اسم الملحن والمغني00 لذا، فإن أي تقدير ولو على شاكلة تقدير أعضاء النادي لن يرفض من قبل الشعراء00 ولما كان الشعر هو الهاجس الأساسي فقد تحولت تلك الدعوة إلى ندوة أخرى جعلت الحدث يأخذ مكانة في الذاكرة0))

صلاح يوسف

Post: #101
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: bayan
Date: 03-29-2004, 03:30 AM
Parent: #100

الاخ الكريم صلاح

شكرا لكم

مزيدا من التداعى
لو كنت قد رايت هذا البوست قبل كتابة بحثى
لكنت كتبته بصورة احسن واعمق
لانى كنت استشف اجواء ذلك الزمن الجميل عن طريق قراءة الصحف القديمة
و التحدث مع استاذى العظيم هاشم صديق
بحثى بعنوان

ثنائية الغابة والصحراء فى شعر سنوات الستين
التطبيق فى قصيدة العودة الى سنار
تحت رغبة المشرف واللجنة التى اجازت خطة البحث
تم تغير العنوان الى
ثنائية الغابة والصحراء عند محمد عبدالحى
وهذا البحث لم ينشر بعد
اتمنى ان اجد ناشرا له
وهذه فرصة لعمل اعلان له
فى هذا البوست العظيم

Post: #102
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: Dr.Elnour Hamad
Date: 03-29-2004, 09:36 AM
Parent: #101

وصلتني المساهمة التالية من الأستاذة نجاة محمد علي، من باريس. وكم أسعدني أن تنفذ مساهمتها إلى القراء من طريقي. وأتمنى أن يدخلها الأخ بكري، قريبا، من بابه الكبير، الواسع. دخول نجاة أمر مفرح، فهي ممن في اليسار، وباليسار، وتنفسوا هواءه، وعركوا تضاريس مسيرته. والأمر المفرح الآخر، هو أننا قد اقتربنا بدخول نجاة، من أستاذنا الجليل عبد الله بولا، الذي أتوق لكي أراه بيننا قريبا. فنجاة محمد علي، هي رفيقة كل دروبه، الشخصي منها، والعام.

أرجو ان نرى أستاذنا بولا بيننا هو الآخر، في أقرب وقت. فهو شاهد على تاريخ شديد الأهمية. بل هو أحد صانعي ذلك التاريخ، البارزين. وحين نؤرخ مستقبلا للتحول في مفهوم العلاقة بين الأستاذ والطالب، ونحن نستشرف آفاق فهم جديد للتعليم، وممارسة جديدة له، فإن شخص عبد الله بولا، المعلم، سوف يكون أحد شواهدنا البارزة.
_____________________________________________________________

الرسالة:
باريس في 28 مارس 2004

العزيز النور،
تحياتي الطيبات لك ولأسماء، جارتي. ولها في القلب مكانٌ مثلما لأبيها العظيم وابتسامته الطيبة التي انطبعت في أذهان الناس وإلى الأبد، وفي ذهني منذ أن كنت طفلةً.

وجدت متعة كبيرة وأنا أتابع سردك الرصين ـ والمداخلات الرصينة أيضاًـ، ولي تعليق أود أن تنقله عني إلى صفحات المنبر الحر.

أبدأ أولاً بملاحظة حول تجربة الطلاب اليساريين في جامعة الخرطوم في السبعينيات ومساهمتهم في حركة الحداثة وتأثير تجربتكم في كلية الفنون في هذه المساهمة، فهذه تجربة عشتها خلال العامين اللذين قضيتهما في جامعة الخرطوم (73ـ1975)، قبل أن أذهب للدراسة في فرنسا. ثم أنتقل بعدها إلى ملاحظة أخرى حول الهوة الواسعة التي تفصل بين الطلاب والأساتذة على صعيدي الاهتمامات والمساهمة.

أُعيد في عام 1974 تأسيس جمعية الثقافة السودانية والفكر التقدمي بجامعة الخرطوم، وكنت من أعضائها ضمن أصدقاء نيّرين منهم صدقي كبلو ومبارك بشير وبشرى الفاضل ومحمد المهدي عبد الوهاب وغيرهم. ومن أول النشاطات التي قمنا بتنظيمها معرضٌ لعبد الله بولا وحسن موسى شارك فيه أيضاً عدد من طلاب الكلية منهم الباقر موسى، عبد الله محمد الطيب (أب سفة)، هاشم محمد صالح، كوثر إبراهيم علي، الراحل أسامة عبد الرحيم وغيرهم ممن لا تسعفني الذاكرة باستحضار أسمائهم. كنت من الذين أوكل إليهم أمر المشاركة في تنظيم المعرض بكافتيريا كلية الهندسة، فسنحت لي تلك الفرصة أن أتعرف على هاشم محمد صالح [يا لإنسانيته الفياضة وقدرته على حفظ الود] الذي كان لقائي به نقطة هامة في حياتي، إن لم أقل نقطة تحول، فمعه تعرفت على هذه الكوكبة الخلاقة النشطة وعلى أصدقاء العمر، بشرى الفاضل، حسن موسى، وعبد الله بولا. بعد هذه الأيام الثرّة بالمناقشات التي صاحبت المعرض، أصبحنا، نحن معشر الطلاب اليساريين (استخدم مصطلح اليسار مثل استخدامك له ولا أحصره في المنضوين تحت لواء التنظيمات) في جامعة الخرطوم، نَرِد الأماكن التي يقيم فيها أهل كلية الفنون معارضهم ونقاشاتهم، إلى جانب ـ بالطبع ـ نشاطاتنا السياسية والفكرية. فتفتحت عيوني على اكتشافات جديدة، فإن كنت على إطلاع بحركة أباداماك وتفتح صباي على قراءة ومتابعة إنتاج المساهمين في تأسيسها، فإنني "اكتشفت" طلائع الهدهد من معرفتي بعبد الله بولا، ومن صلتي بهاشم محمد صالح وبشرى الفاضل وغيرهما من خريجي حنتوب (ويسأل العزيز حسن الجزولي عن انعدام مثل هذه النشاطات في مدارس البنات، فهل منحونا الفرصة لكي نعرف ونكتشف ونبادر؟ لاحقتنا وزارة التعليم بالنُّظار القساة، الفارضين رقابتهم ونظراتهم المرعبة، وكانت خلايا الجبهة الديمقراطية السرية هي متنفسنا الوحيد إلى جانب الجمعيات الأدبية التي تمتد إليها دائماً يد الرقيب. أتوقف هنا لحظةً، لأدعو الناس إلى إحياء ذكرى أبوبكر خالد، فقد كان معلماً من طينةٍ نادرة، جعل من تشجيع الموهوبات في أمدرمان الثانوية للبنات واحداً من مشروعاته كأديب وتربوي عظيم، لكن "اليد الواحدة ما بتصفق").

أردت بالحديث عن ما شهدته جامعة الخرطوم في تلك الفترة التي عايشتها القول بأن ذلك النشاط كان جزءاً من حركة الحداثة وهي تبلغ قمة تألقها في السبعينيات. ولا أقول إن تجربة الطلاب اليساريين في جامعة الخرطوم نتجت عما يحدث في كلية الفنون، وإنما كان لما تشهده كلية الفنون الجميلة تأثيره الواضح في ساحة اليسار في جامعة الخرطوم التي كان من نتاج حركة الحداثة فيها ـ خلال الفترة التي أتحدث عنها ـ وجوهاً مشرقة مثل مبارك بشير، الخاتم عدلان، محمد أحمد محمود، فاطمة بابكر، صدق كبلو، محمد المهدي عبد الوهاب، صلاح حسن أحمد، والقادِمَين من طلائع الهدهد بشرى الفاضل وهاشم محمد صالح، وغيرهم من النساء والرجال المبدعين.

كانت الموسيقى مجالٌ آخر شهد مساهمات أخرى في ترسيخ مفهوم الحداثة. وفي جامعة الخرطوم، في تلك الفترة، كان الترحيب حاراً بمساهمات محمد وردي الجديدة وهو ينتقل في انتقاء أغنياته إلى شعراء يستخدمون لغةً جديدة ورموزاً جديدة ونوعاً جديداً من أنواع الالتزام، مثل محمد الأمين الذي كان الترحيب به كبيراً بنفس القدر، ومنذ أن طالعنا بالملحمة العظيمة. أو ليست ثورة أكتوبر هي معلم بارز في مسار حركة الحداثة في بلادنا، إن لم نقل إنها هي "المعلم البارز"؟ فمع أكتوبر وُلدت بذرة جديدة من بذور الحداثة بنشوء فكرة احترام حقوق الإنسان بالانتباه لجذور مشكلة الجنوب، وبروز مفهوم حقوق المرأة. وبالطبع، إن مفهوم حقوق الإنسان فكرةٌ لا تزال تتطلب منّا مزيداً من العمل الدؤوب من أجل ترسيخها.

شيء ثانٍ أوقفني في حديثك، هو عمق الهوة بين اهتمامات الطلاب واهتمامات الأساتذة في كلية الفنون الجميلة. إن المشهد في جامعة الخرطوم لا يقل إثارةً للأسى. جئت إلى كلية الآداب في عام 1973 وكانت المواد التي اخترتها هي الجغرافيا واللغة الإنجليزية والفرنسية إلى جانب اللغة العربية التي هي مادة إلزامية لكل الطلاب. أول ما لاحظته وأنا أرتاد مكتبة الجامعة لأول مرة هو أن عدداً كبيراً من المراجع التي كان علينا أن "ننهل" منها في مادة الجغرافيا يعود تاريخها إلى عقود مضت، بل ويحمل بعضها ختم "كلية غردون التذكارية". أجل!!! ونحن في هذا العالم المتغير الملامح الذي تبدل فيه مفهوم "الجغرافيا" نفسه. بينما توفرت لأساتذتنا فرص التحصيل في جامعات الدول المتقدمة والوقوف على تطور مناهجها التعليمية. والأمر نفسه يسري على كتب اللغتين الإنجليزية والعربية. لم تكن العلاقة مع غالبية الأساتذة تتجاوز وقت المحاضرات. لكنني، ويا للسعادة، تعرفت عن قربٍ على أحد المساهمين البارزين في حركة الحداثة في بلادنا، محمد عبد الحي، الذي، لسوء حظي، لم التق به أستاذاً في قاعات الدرس.

كنت شابة مهووسة بالرسم ـ الذي تركته منذ زمن طويل ـ، ومسكونة بالشعر، وباحثة عن آفاق جديدة. وعلى الرغم من اجتهادي لم أنجح في السنة الدراسية الثانية. ربما بسبب عدم تقيدي بالمقررات التي كان من المفروض أن نحفظها عن ظهر قلب. كنت أعتقد إن الأساتذة سيرون في "التخريم" عن المقررات إنعتاقاً، فوجدته يتحول إلى سبب فصلٍ من الجامعة. جئت لباريس في عام 1976وأنا متنازعة بين الشعور بالإحباط والرغبة في التحصيل. لكن، كان الجو "الحداثي" الذي عشته في الخرطوم زاداً وحصناً وحافزاً للنجاح الدراسي في فرنسا.

قبل أن اختتم حديثي أود أن أقول شيئاً أخيراً.
حينما كان عبد الله بولا يستعد للذهاب لفرنسا التي وصلتها قبله بعام، كتب إليّ طالباً عناوين الجامعات التي من الممكن أن يجد فيها الدراسة التي ينشدها. قال في واحد من خطاباته ما معناه، أو ربما بالضبط،: "لا أبحث عن نورٍ أفضل من أصل نورنا، بل أقوى". وحينما وصل بولا وجاء بعده حسن موسى، التقيت يوماً بالبروفيسور جان لود الذي أشرف على رسالة بولا لنيل الدكتوراه بجامعة السوربون، حيث كلفني حسن موسى بإكمال إجراءات التسجيل له في الجامعة مع الأستاذ نفسه، وكان حينها يدرس اللغة الفرنسية في مدينة ليل بشمال فرنسا. ذهبت للبروفيسور لود للحصول على توقيعه وموافقته على تسجيل حسن، وكان يستعد لدخول قاعة المحاضرات مع مجموعة من تلاميذه، وقف معي لحظةً، ثم دعاني إلى مكتبه وتلاميذه ينتظرون، سألني عن بولا وعن حسن معبِّراً عن اندهاشٍ عميق أن يأتيه من أصقاعٍ نائية أشخاص يمتلكون كل هذه الموهبة والجسارة. قال لي: سألت إبني بلادك عن سر هذه المعرفة والفكر المستنير، فقالا إن في بلادكم كثيرون مثلهما، فهل هذا صحيح؟ قلت له بولا وحسن نتاج حركة الحداثة في بلادي واثنين من المساهمين الأساسيين في مسارها، وغيرهم كثرٌ.
سخر حيدر إبراهيم من بولا وهو يقول على صفحات الخرطوم: "أدهش بولا حتى أستاذه المسكين". وأقول، إندهش العالم الفذ جان لود ليس أمام بولا وحسن موسى فحسب، وإنما أمام هذا البلد العظيم الذي استطاع رغم التخلف والفقر والدكتاتوريات المتعاقبة أن يأتي بحركة ثقافية وفكرية ثرّة ومستنيرة من مؤسسيها أنت، عزيزي النور، وهما، وكل الرجال والنساء الذين يتطلعون إلى سودان تترسخ فيه قيم الحرية والديمقراطية والعدالة وحقوق الفرد.

حينما شهر حيدر إبراهيم كلماته ضد المثقفين السودانيين وعباراته القاسية التي وصف فيها بولا، ضمن نعوت أخرى، بالبلطجة والنرجسية المفرطة، اضطر بولا للدفاع عن كل هؤلاء عندما مست كلمات حيدر الجائرة كل المثقفين السودانيين ونفت مساهماتهم التي من ضمنها مساهمة أبداماك، ولم يجد بولا من يكتب في حقه كلمة منصفة، فمن الصحاب من صمت ومنهم من أمسك العصا من منتصفها (مع إنني لا أنفي المحادثات الهاتفية التي جاءته من كل بقاع العالم والترحاب الذي وجدته مقالاته على صفحات الخرطوم). هل أقول لك إن غلالة من الحزن لا زالت تلف داخله، وأحسها دون أن يفصح عنها؟ والآن أرى كلماتك المنصفات أزالت أسىً ظلّ عالقاً بقلبه كل تلك الفترة التي انقضت.
أقول كلمة أخيرة [أصبحت كلماتي الأخيرات كالونسة قدام خشم الباب في وداع ضيف عزيز]. بمناسبة الحديث آنفاً عن حقوق الإنسان، أريد أن أقول تعليقاً على تعليق الذين لم تعجبهم مداخلة عضو البورد رودا في خصوص استقبال عبد الله على إبراهيم. أقول لهم ولغيرهم، بما إن المثقف هو ضمير أمته الحي، فإن صمت المثقف حينما ينبغي له أن يتكلم إثم كبير، والسكوت إزاء صمته إثم أكبر. إن عبد الله علي إبراهيم مثقف رصين لا يختلف اثنان حول عظمة مساهمته في ساحتنا الفكرية والثقافية، ولنا أن نساءله إن غض الطرف يوماً عن واجب لا بد له، كمثقف، من الاضطلاع به. أقول لكم أيضاً "الجمرة تحرق الواطيها" فهذه امرأة من الجنوب، تنطلق عن تاريخ طويل من الغبن والحروب، من الرق في الماضي والآثار المترتبة عليه في الحاضر. قيل "الحداثة أخت التسامح"، فمن أراد لمفهوم الحداثة أن يرسخ فليتسامح. فلا حداثة لبلادنا دون احترامٍ لحقوق المواطن، ابتداءً بحقه في الحياة، وحقه في التعبير، فدعوها، هي وغيرها من أبناء الجنوب أو الشمال، أن ينشدوا الحياة التي يتوقون إليها، وأن يعبروا عن رأيهم كيفما شاءوا.

توفَّر للثورة الفرنسية ضمان نجاحها وبقائها لأنها ارتكزت على مبدأ حقوق الإنسان والمواطن. وازدهر عصر الأنوار لأنه استند على مبدأ حقوق الإنسان كركيزة أولى. فلنستفد من تجارب الأمم ولنجعل من حقوق الإنسان ضامناً للديمقراطية الآتية وللحرية التي نصبو إليها وللحداثة التي نبتغيها.

نجاة محمد علي



Post: #103
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: Rawia
Date: 03-29-2004, 03:51 PM
Parent: #1

up

Post: #104
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: Hashim.Elhassan
Date: 03-31-2004, 04:28 AM
Parent: #1

ياالأستاذات و الأساتذة الكريمات و الكرام
تحيات
طال الغياب..غيابكم.... فهومت في الأفاق ، و في أفق منها أخضر، هو منتديات موقع كسلا مدينة الجمال في الشبكة،الذي اسسه و يقوم بأمره مع نفر قدير، الأخ ياسر هاشم خليل عضو هذا المنبر. هناك و جدت هذا الحوار الذي اجراه مع الدكتور عبد الله علي إبراهيم و نشره من قبل ألأخ االسمؤال حسان ابو عاقلة العضو بهذا المنبر ايضاً..ودونما استئذان قبلي منهما وإكتفاءاً بذاكرة عن مكارمهما لم يصدئها بعد المكان و لا تنائي الزمان، فإني رايت أن إستنسخه هنا، فلربماإستثارت عجاجته الحميات و(الذواكر)!!! وعودا على بدء من سيرة أبادماك والرواد و الأسئلة؟؟؟؟
تسلموا




Quote: السموأل حسان ابوعاقله


Quote: هذه من حصيلة حوار التقيت فيه بالمفكر السوداني المقيم بامريكا و المثير للجدل في السودان الدكتور عبد الله علي ابراهيم... حصلت عليه و انا اقلب بعض الاوراق و ازعم بان فيه الكثير الذي يمكن الاستفاده منه وعلي اقل تقدير اثارة الحوار بشأنه، سأحاول هنا بقدر ما يسمح به الوقت ان اسجل الحوار بكامله وان كنت سافعل ذلك علي حلقات لسببين، الاول هو الكثافة النسبية للماده و غوصها في تعقيدات و تشابكات ثقافيه قد تحتاج لقراءة هادئه، و الثاني لان المادة ليست مسجله لدي في قرص مرن او ملف بالكمبيوتر وانما اقوم بنقلها من الصحيفة التي نشر بها في العام 2001 وهذا قد يستغرق بعض الوقت حيث انني لست حاذقا في الصف السريع للحروف. غاية ما ارجوه ان يحقق الاطلاع علي هذا الحوار شيئا من المرجو وهو فتح هذه الملفات علي منبرنا هذا او علي اي منبر اخر بحيث نكون اكثر ملامسه لهواجسنا الثقافيه و الاجتماعيه.

الي نص الحوار.....

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

د. عبد الله علي ابراهيم: رموز مدرسة الغابة و الصحراء ثقافتهم استشراقيه

أعمل علي مقاربة الشأن الثقافي السوداني بمنظور فكري مختلف

حوار: السموأل أبوسن

تأتي اهمية الحوار مع المفكر السوداني الدكتور عبدالله علي ابراهيم من اهمية الدور الذي ظل يلعبه منذ الستينات كأحد الرموز الثقافيه التي صاغت حوارات الهويه و التعدد الثقافي في السودان، من ناحيه، و من ناحية اخري من خلال دوره العلمي الذي لعبه في حقل دراسات الانثربولوجيا الثقافيه التي له فيها اسهامات مقدره ، سواء كان ذلك اثناء بجامعة الخرطوم، سابقا او من خلال دوره الحالي كمحاضر بجامعة انديانا الامريكيه. للدكتور عبد الله علي ابراهيم عدد من الكتب منها " الصراع بين المهدي و العلماء" ، " انس الكتب" عبير الامكنه" ، الثقافه و الديمقراطيه في السودان". كما له تحت الطبع، " الماركسيه و مسألة اللغات في السودان" ، " الارهاق الخلاق" . الي جانب ذلك له اهتمامات ادبيه و نقديه واسعه و اهتمام خاص بالمسرح حيث قدم له عددا من المسرحيات منها " الجرح و الغرنوق" ، السكه الحديد قربت المسافات" . و بالرغم من ان العديد من آرائه اثار جدلا واسعا و خصوصا تلك المتعلقه بقضايا اللغة و الثقافه و الهويه في السودان ، الا ان ذلك لا ينفي وعيه المبكر بخطورة هذه الاشكالات التي قفزت في الفترة الاخيره الي دائرة الاهتمام لدي كل الفعاليات الثقافيه و السياسيه في السودان

* حوارات التعدد اللغوي و الاثني و الديني و تدافع القوامات الثقافيه شكلت جزءا
اساسيا من اهتمامك و تجلي ذلك في تناولك لموقف الكاتب السوداني ابرهيم اسحق الداعم لاستخدام اللغة العربية كلغة رسميه و في مثال اخر موقفك من " الافروعروبيه" و مدرسة الغابة والصحراء هل ثمة تغير في موقفك ، ام لا تزال املاءات ذلك الموقف قائمة لديك ، و كيف تقوم لديك كمفكر عملية الانتقال من موقف لآخر تجاه قضية بعينها؟؟:::::::::::::::::::::::::
ج - بالاحري اقول ان بامكاننا ان نلجأ الي منظور معين و نطبقه في اوقات مختلفه علي حالات تعذر الوصول فيها الي حل مبكر . يعني اذا بدأنا بابراهيم اسحق فهو المثال لديمقراطية الثقافه و ديمقراطية اللغة، التي تحتم علينا ان نقبل بغير مواربة بان السودان يتشكل من عدد من اللغات و ليس اللهجات ، وان نحاول ان ننفذ الي هذه الجماعات و نحررها من التردد بشأن ثقافاتها المحلية التي لديها عقيده بانها ايلة للاندثار و هي - أي هذه الجماعات- حلة قبول لفكرة ان اللغة العربية ستسود ليس بوصفها اللغة الرسمية للدوله و لكن بوصفها لغة كل سوداني علي حده. وهناك فرق كبير بين هذا وبين التصور القائل بان علي اي انسان ان يتبناها ويهجر ما عداها. هكذا كانت فكرة المقال المشار اليه و دعوت الي النظر في هذه اللغات باعتبارها لغات يجب ان تخضع لعملية احياء سواء كان ذلك من الدولة او من الجماعات القومية نفسها. و اعرف الان ان النوبيين يدرسون لغتهم ويتعلمونها بعيدا عن الدوله زو كل هذا الموقف مستمد من كتاب ساصدره قريبا و هو كان قد كتب في فترة الكتابات السريه، أعني كتاب " الماركسية و مسألة اللغات في السودان" و هو صدر سنة 1976 . وقد كانت الكتابات عن موقف ابراهيم اسحق تلك الواجهة العلنية له لكن الفكرة الكامله للكتاب كانت كما ذكرت و وصلت فيها الي بطلان الدعوة الي لاعلان لغة رسمية لان ما يترتب علي ذلك اشكالات كبيره لا يمكن الاحاطة بها. و ابرز مثال علي ذلك، الاشكالات التي تحدث في المحاكم علي سبيل المثال و التي يطالب فيها شخص غير متحدث بالعربية بتبرئة ساحته باللغة العربية. كما لاحظت عددا من الاشكالات مع بعض الاشخاص الذين التقيتهم في المعتقل. و بالرغم من ذلك فان المحاكم الشرعية كانت افضل لانها قررت تعيين مترجمين للغات المحلية وهو امر متقدم عن موقف المحاكم المدنية التي لم يرد لديها ذلك. فالفكرة انك حينما تقول بان اللغة العربية هي اللغة الرسمية في السودان فكانما تقول ان من يتحدث غيرالعربية ليس بسوداني، وفي هذا حجر علي المواطنه وتضييق له اساس في الدستور و هذا هو موقفي الاساسي من موضوع اللغات و علاقتها بالديمقراطيه و تجلي بشكل واضح في مثال ابراهيم اسحق. أما في موضوع الافروعروبيه فكنت احوال ان اصنع فرصة للجماعات غيرالعربيه لان تكون متميزه في الوطن بثقافاتها و علي قوامها وعودها الثقافي بغير ان تجبر علي هجنة غير واقعيه.

* ما المقصود بهجنة غير واقعية؟؟:::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::
ج- يعني ، أن الغابة و الصحراء هي هجنه مصطنعه ، مجموعة من المثقفين كانت مؤرقة بهموم الهوية و الصراع بين الشمال والجنوب والصراع بين العروبة و الافريقية و الصياغات التي تمت في حركات التحرر في العالمين العربي والافريقي في ذلك الوقت. قررت هذه المجموعة ان تخلق كيمياء معينه تقول ان السودان نشأته في الاصل عربية افريقية أو " خلاسي" كما قال محمد المكي ابراهيم، و ان القانون الذي سيسير فيه للامام هو القانون الخلاسي و اننا سنعيد انتاج مملكة سنار التي كانت ثمرة تزاوج العرب الوافدين مع الافارقه ، فأنا اعتقد ان هذا ميثاق و فرح شمالي فقط و اعتقد ان الجنوبين في الجانب الاخر لا يرون مثل هذا الراي و يعتقدون ان ثقافتهم مستقله و انهم لم يهجنوا بعد وانه ليست عليهم اي تأثيرات عربية سطحيه ، أو انهم رافضون لها.

* ولكن رغم وصفك لهذا الاتجاه بأنه ميثاق شمالي أو فرح شمالي بمعني انه يمثل حالة احتفالية وسط تيار الثقافة العربية الاسلاميه ، فانك اتهمته في نفس السياق بالتآمر علي العروبة و الاسلام، كيف؟؟::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::
أنا اتهمهم بأنهم رجعوا لكي يصنعوا هذه الهجنه و هذه التوليفة فقالوا ان اسلامنا هو ليس الاسلام الاصلي ، و كما ارادوا ان يقولوا ان اسلامنا خرج عن جادة الاسلام و عربيتنا كذلك، وانا أري في ذلك تبخيس لنا ، فنحن مسلمون حقيقة و نحن عرب حقيقة يعني أن لغتنا قائمة علي النحو العربي و علي اصوت العربية وان كانت استلفت بعض المفردات من اللغة النوبية و غيرها و لكن لايمكن تهجينها بهذه الصورة. أي لغة يمكن ان تستعير مفردات من الوسط حولها. و هو ما حدث للعربية انها خرجت عن اصلها و عن ديباجتها العربيه. و الاسلام لدينا صوفي و لكن لا يمكن القول بانه خارج عن الاصول الفقهية و الكلاميه . فهم يروجوا لفكرة الهجنه وهي مشروع سياسي في شكل ثقافي أو ثقافي في شكل سياسي ، حاولوا أن يمحوا الثقافة العربية الاسلامية في الشمال ويصفونها كأنها ثقافة ضحلة و كأنها تهجنت حينما جاءت الي افريقيا تأفرقت و اصبحت علي غير اصولها الثقافية و هذا ينطوي علي خطأين:
الأول هو ان افريقيا حينما تدخلها الاشياء تسوء و تخرج عن قواعدها ، يعني اذا كان هناك فقه فأن الافارقه ليسوا قادرين علي موضوع القه هذا فيضفون عليه صفة الافريقية و يصير الامر كلعية . فما الخطر في ان نتعامل مع ثقافة جاده؟؟ و الخطأ الثاني هو ان افريقيا حينما تدخلها الاشياء تتوحش و تصبح وحشية و تتنازل عن قواعدها الفلسفية و تصبح ، يعني ، فولكلوريه.

نواصل

Post: #105
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: Hashim.Elhassan
Date: 03-31-2004, 04:39 AM
Parent: #1

ويتواصل الحوار

Quote: و لكن لماذا لا نعكس الصوره ونقول ان افريقيا تضفي طابعها علي الثقافه الوافده و تتفاعل معها لتكسبها بعض افريقيتها و تأخذ منها كذلك، لماذا لا نقول ان الاسلام عند دخوله الي افريقيا يكتسب ملامح جديده و ليس بالضروره ان نربط الامر بالضحاله؟؟::::::::::::::::::::::::::::::::::::
ج - هذا هو الاصل ، في الاسلام حتي عندما نشأ في البيئة الجاهليه ، هذا قانون ينطبق علي اي دين.

* إذا لماذا وصف الامر بالضحاله؟:::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::
ج - هم يقولون ان الاسلام حينما جاءنا جاء صوفيا و اخذنا عنه و كأنما الذهن الافريقي لا يحتمل القضايا لافقهية و هذا امر غير صحيح تركنا الفقه و الشريعه و اصبح لدينا فقط الاسلام الصوفي لانه يتناسب مع الايقاع الافريقي . انا اقول ان الصوفيه جاءت و ادخلنا عليها الايقاع الافريقي ، و كذلك جاء الفقه وادخلنا عليه الايقاع الافريقي ، فليس من الممكن ان تتجزأ ثقافه بأكملها من اجل افريقيا، الثقافه تأتي الي الذهن الافريقي الذي لديه السعة وا لمكون الفلسفي و الذي يمكنه من التعامل مع كل الثقافات و لكن هؤلاء يقولون فقط ان الانسان الافريقي انسان راقص نهذا تعامل مع النمطيات القديمة عن افريقيا و هذه ليست افريقيا الحقيقيه . هذه افريقيا في النمطيات العربية القديمه لاننا نجد تصور الافريقي في الذهن العربي القديم انه اذا هبط من السماء هبط بأيقاع ، مجرد انسان ايقاعي وهذا يقودنا الي ادبيات سنغور الذي يتحدث دائما عن الايقاع ، فهذا الايقاع كأنه نوع من الطبيعه الافريقية التي تحول دون الافريقي و الاشتباك مع نظم فلسفية و عقائديه و لكن الافريقي لذيه هذه النظم و هذا التعقيد و تلاحظه اذا درست ديانات الدينكا والقبائل العربية.
في تقديري ان رموز الغابة و الصحراء مع ذلك لم يكونوا متشبعين بثقافة عربية اسلامية و انما بثقافة غربية استشراقية و هي ثقافة اتضحت في كتاب ترمنجهام " الاسلام في السودان" و هو الكتاب المعتمد لدي الصفوة التي تتحدث عنها ، يعني كل مقولاتها منقوله عن ترمنجهام وهو الذي قال ان الاسلام عندما جاء السودان اكتسب صفات وثنيه. فهؤلاء قرءوا ترمنجهام و اعتمدوه المرجع النهائي في الثقافة الاسلامية في السودان، و انا اعتقد ان هذا من الشطط ان تعتبر داعية مسيحيا ، مرجعك النهائي في قضية كهذه. و اذا رجعت الي مكتبة جامعة انديانا التي فرخت عددا كبيرا من المثقفين فانك فانك تجد كتاب ترمنجهام من اكتر الكتب المستهلكه و تلاحظ انه مهترئ من كثرة استخدام السودانيين له و كذلك كتاب " العرب في السودان" لهارولد ماكمايكل فهو كتاب معتمد تماما و كان مرجع اهتمام البقاره بالثورة المهدية في اشارة الي دمهم الحار الحماسي الذي لا يحكمه عقل.
فعندما ترث مدرسة كل هذا الاستشراق فلا بد ان يكون نتاجها بهذه الصورة ، فأنا اقوم بعملية تفكيك هنا و احاول ان ارد الفكره الي مناشئها كفكرة استشراقيه و الفكرة الاستشراقية كما تعلم هي فكرة حكم في الاساس و لذا اسميتها الغش الثقافي مما اغضب المرحوم محمد عبد الحي.

* أشرت الي ضرورة ان يوطن" اهل الشمال المسلم " حسب تعبيرك في ثقافتهم قيم الحرية و ان يكفوا عن خلع ثقافتهم بدعوي الهجنه ، كيف تري ذلك وانت ترفض فكرة التمازج كما طرحتها مدرسة الغابة و الصحراء؟
::::::::::::::::::::::::::::::::::::::
ج - اعتقد ان لدينا مكونات ثقافية كثيرة ستمد باطروحات التمازج هذه ،فالتمازج سيستمر و ستزيد وتيرته لا ان لظروف الاضطراب السياسي لانه حدث اقتلاع مفاجئ دفع الناس دفعا للتمازج و النزوح الكبير ،القري الطرفيه في الخرطوم وحول المدن ، لم يكن واضحا الطريق الذي يستمر فيه التمازج في الماضي ، سرعته ومعدلاته، كنا نتحدث عن ظروف طبيعيه بمعني ان الكيان الافريقي موجود في الجنوب و الكيان العربي في الشمال فحدثت خلطة وامتزاجات طرحت تحديها و النظر الثقافي المتجدد اليها. و هذا البحث الذي اعكف عليه الان هو لمعرفة هذه الوتائر المتسارعه في الفترة الاخيره بحيث نمنح مسألة الهجنه و الاختلاط براحات اوسع . لكن الافتراضات السابقه كانت تتحدث عن ان الهجنه حدثت اصلا و ستحدث لكن كان هناك اعتراض حول وجود قوامات ثقافية ، و هي تطرح اهمية ان تكون الدولة محايده تجاه الثقافات ، بمعني ان يكون هناك برنامج لديمقراطية الثقافه. فمسألة كيف يكون التعليم علي سبيل المثال و بأي لغة هذا ليس من شأن الدولة ان تصدر فيه قرارا و كلذل بالنسبة للعادات وشرائع الناس و قوانينهم. نريد انا نستل من الدولة كل هذا العنف و نجعلها محايده تجاه العملية الثقافية بقدر ما يمكن ان يكون ا لحياد. هذه اهم عناصر برنامج ديمقراطية الثقافه وهو بالطبع ما لم يكن حاصلا ابدا، لان الدوله كانت مستخدمة باستمرار لا غراض ايديولوجيه و سياسية مباشرة في ان تقرر ما الثقافة . مثال الان الشرعية يصب ي اتجاه عدم حياد الدولة تجاه القوامات الثقافية ، فلذلك انا اطالب الجماعة العربية ان تحرر نفسها بنفسها و ان تقرر بنفسها تجاه مسألة الشريعة ما تريده و ما لاتريده و ألا تذهب في اتجاه تأكيد ان ثقافتنا هجنه و ممتزجه وغير ذلك مما اسميه الغش الثقافي الذي يجد من ورائه من هم من غيرالعرب والمسلمين حقهم مبخوسا في الدولة من جراء هذه الاتجاهات


* لماذا اصررت علي انه غش ثقافي ، وليس عدم استبصار مثلا، لماذا افترضت سوء النيه لدي ذلك التيار؟؟


ج- اذا انت لم تدرس الامر دراسة دقيقه و لم تتحر الصدق و اخذت عناصر من هنا و هناك و ركبتها مع بعضها و البعض و لم تتحر مصلحة الطرف الاخر و لم تسأله عن رأيه ، فماذا تسمي ذلك؟ لأنه في نفس الوقت الذي كانوا يدعونه فيه الي السناريه ، كان هناك شعراء اخرون من الجنوب علي سبيل امثال يتبرأون من هذه الفكره و يقولون صراحة " نحن لسنا منكم" و" ليس ثمة ما نجده منكم غير الاذي فدعونا نفكر بالطريقة التي نراها " كما ان تيار الغابة و الصحراء في اساسه كان يمثله افي الغالب بعض شعراء مدفوعين بدوافع عاطفيه و لم تساعدهم رؤاهم الفكريه علي تحري الضبط في هذا الامر من ناحية و من ناحية اخري انهم لم يستشيروا اي طرف من ممثلي الثقافات الاخري حول جمال مشروعهم فاصبح له البريق و الرونق و ضلل الناس عن ضرورة تفكيكه و النظر في جذوره و نجد مثلا محمد المكي ابراهيم يشير صراحة الي فكرة الافريقي الراقص ،هذا تحامل عجيب سواء كان من الاستشراق العربي او الاستشراق الاوروبي ،فكل هذا تأتي به وتقول أن هذه فكره سلاميه؟ هذه فكرة عدوانيه فكأنما جئت تحمل كل التحامل وغلفته بعبارات سلاميه. أنا في مقالي المذكور كنت فعلا ادافع عن افريقيا مقابل التصور الاستشراقي لها . و هو التصور نفسه الذي جاءت به مجموعة الغابة و الصحراء . و طبعا محمد عبدا لحي نفسه ارتد عن فكرة الغابة والصحراء و قال : "أنا عربي" و ما عاد مشروع الغابة و الصحراء يناسبه.



* في نفس الفتره تقريبا اسست مع مجموعة من المثقفين جماعة ابادماك، ما هي الاسس الفكريه و المنطلقات التي قامت عليها تلك الجماعه و اين هي الان؟



ج- ابادماك نشأت في ملابسات ما بين الاسلام السياسي و دعوتنا الاجتماعيه في العام 1968 و هي كانت فترة حرب شديده بين الاسلاميين و القوي الاخري حول الدستور الاسلامي، و عملية الاسلمه بشكل عام التي كانت تسير ، ففكرة الجماعة كانت في الاساس
انزعاج من هذه الطريقه في التفكير و من فكرة الدولة الاسلاميه بحد ذاتها. و هذه تجسدت في واحدة من صورها في قصيدة امير المؤمنين التي كتبها المرحوم عبد الرحيم ابوذكري و نشرت في صحيفة الميدان وكان هناك احتجاج شديد عليها واحتج عليها بصورة واضحه حسن مكي في كتابه عن الاخوان المسلمين و ذكرها دون غيرها من الاشياء. فالفكرة كانت تقوم علي المشروع الاجتماعي الي كنا ندعو اليه وهو المشروع الاجتماعي التعددي واننا نحن حملة و ورثة كل التقاليد السودانيه و كان رأينا ان الدعوة للدستور الاسلامي لا تعطي اعتبارا للجنوب و غيره من التشكيلات الموجوده و بالتالي كان هم المجموعة كلها هم المعارضه لهذا الامر و لاستشراء التفكير بالطريقه الاجرائيه السياسيه الاسلاميه في كل الساحه. و خصوصا تلك الحادثة التي حدثت لنا اثناء تنظيمنا لمهرجان ثقافي لدعم حملتنا الانتخابيه في الجامعه و هي حادثة اعتداء جماعة الاخوان المسلمين بقيادة عبد الرحيم علي الذي شغل فيما بعد منصب منصب رئيس مجلس شوري حزب المؤتمر الوطني و الذي يشغل حاليا منصبا مرموقا في جامعة افريقيا العالمية حاليا. و هو ذلك الاعتداء الذي رفضوا فيه بصورة قاطعه دخول الطالبات لحلبة الرقص. و كانت تحملهم في ذلك المنافسة السياسيه فاعتبرنا ان ذلك الاعتداء له دلالاته و خرجنا و نحن نشعر بان هذا هجوم علي الفكرة الشعبية الفولكلوريه و نفس الطريقة الاحتجاجيه دفعتنا للتفكير في انشاء كيان يعمل بصورة منظمه للدفاع عن الثقافة السودانيه و كانت تلك البداية لتكوين جماعة ابادماك في العام .1968


* و لماذا اختيار ابادماك؟ لماذا الاحاله الي ذلك الاله النوبي تحديدا؟



طبعا هو الاله النوبي القديم و استظرفنا فكرة ان لديه ثلاثة وجوه كل وجه منها يحمل قيمة من القيم. وكأنما اردنا ان نقول ان هذا ما يمثل الثقافة السودانيه بتعددها. ولكن مؤخرا و لما اشتدت هجمة الاسلاميين في الثمانينات حاولت ان تبخس و تقلل من قيمة التراث القومي الشعبي باغلاق المتاحف و كانت هناك اشياء من هذا القبيل. ولكن الفكرة التي سميت فيما بعد ب" أبادماك للكتاب و الفنانين التقدميين" قوبلت بما قوبلت به من استنكار و اتهام بالوثنيه و لكنها كانت تعبر عن الثقافة السودانيه و عن ان الثقافه السودانيه اشمل و اقدم مما تظنون و ان اي خطه سياسيه أو ثقافيه لاحقه يجب ان تضع هذه الاشياء في الاعتبار و اعتقد ان الفكرة كانت نوعا من التدخل السياسي الثقافي للحد من خطورة الهجمة التي قادها الاسلاميون.
_________________



Post: #106
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: أحمد طه
Date: 03-31-2004, 10:49 AM
Parent: #105

الأخوة و الأخوات البورداب
التحايا والأشواق لكم أجمعين
تحيايا قلبية صادقة وأشواق حارة ، وأمنية.. هي أن أكون فردا فاعلا خلال وسط جمعكم الجميل هذا وأواصل معكم في ذكريات أبادماك

جمع الأدب والثقافة والفنون بين الأبادماكيين وجعل منهم أسرة واحدة يلتقون يومياً ... وامتدت هذه العلاقة رغم السنين العجاف التي عصفت بالوطن كرياح ( الهبباي ) وغيرت وجهة الصبوح .. أثلجت صدري رسالة العزيز صلاح يوسف لأنها أعادتني إلى زمن التصافي والنقاء .... زمن الناس الذين لم تعرف قلوبهم غير المودة والحب .. كان زماناً غير زماننا هذا الذي يعيشه أبناؤنا ، ونعيشه فيه نحن كأننا ضيوف أتوا من كوكب آخر :: حطت بهم ( آلة الزمن ) على بلد آخر .. نتأملهم بحزن شديد ولا نملك أدوات لتغيير الواقع .. فقط نرثي لهم وحتى لا نعيش زماننا وزمان غيرنا ، نركن إلى أنفسنا لنستعيد تلك الأيام التي شكلت وجداننا الجميل والرافض لما يدور حولنا الآن من زيف وخواء وأنانية .
كانت قافلة أبادماك إلى الجزيرة فرصة طيبة لتعميق تلك الصلات الحميمة والتي ازدادت حميمية بما أتاح لنا الزمان . كنا نتقاسم وجباتنا الجماعية وشرفات قاعة اتحاد المزارعين بمدنى كمأوي جماعي بلا حواجز .. فيها متسع للجميع ولاسيما وان القلوب كانت اكثر من ( متطايبة ) نعود إليها بعد كل أمسية ثقافية نقدمها في ربي الجزيرة الخضراء لتبدأ أمسياتنا الخاصة التي كانت عامرة بالجمال.
في ليلة واحدة قدم أبادماك أمسيات ثقافية في كل من نادي السكة حديد – مدرسة البنات الثانوية – بركات – مارنجان وكان علينا التنقل بين كل تلك الأندية ، وكنا سعداء بذلك ... كما شهد ميدان المولد بالقرب من محطة السكة حديد مدينة ثقافية أبادماكية مثل تلك التي أقيمت في مقرن النيليين وكان لأندية أبادماك حضور مشهود في تلك الساحة التي ازدانت بالشعر والمسرح والتشكيل والموسيقي والسينما بعد أن أعيتها الليالي السياسية والدافوري.
من طرائف الأمثال السودانية مثل يقول " ما تشكر لي مدني في الخريف " إشارة إلى تربتها الزراعية التي ( تلخها ) الأمطار فتصير مدينة من طين ولكني أشكرها وأجر فيها القول لأن هذه المدينة بخريفها ( المعفرت ) وطينها ( اللكه ) هي التي بقت في الذاكرة وارتبطت بتلك الرحلة الفريدة ولم يتكرر ذلك الشعور في كل زيارتي اللاحقة لها . إنها عبقرية المكان التي ترتبط بالوجدان وتجعلني من عشاق ودمني .
وكنا نتحرك منها عصر كل يوم ونعود إليها بعد رحلة شاقة إلى احدي القرى المبرمجة من ضمن القافلة وكانت ( بورتبيل ) أولي المحطات وأهمها – وأدعو الأخوة جلاب – طلحة – وراق لتوثيق هذه التجربة التي ستبقي علامة في مسيرة ابادماك تمنح للمثقف دور يصعب إدراكه الآن مع عنهجية المثقفين وأشباههم الذين يملأون الصحف وأجهزة الأعلام الأخرى ضجيجاً بعد أن وجدوا الأبواب مشرعة في زمن الخواء بعد الفراغ الذي تركه مبدعي ذلك الزمن الجميل .
شملت الرحلة – بورتبيل – طيبة – المسلمية – الحصاحيصا – ابو فروع وكانت ودمدني هي المقر الذي نعود إليه بعد كل رحلة في آخر الليل سعداء بما قدمنا – وفي الطريق إليها نجعل من البص مسرحاً خاصاً يزيل عنا عناء السفر ليلاً وسط زخات المطر وشعا ليل البرق ورائحة الدعاش .
أحمد طه

Post: #107
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: Hashim.Elhassan
Date: 03-31-2004, 05:20 PM
Parent: #106

WELCOME GENERAL
SALUTE
and
......
Greetings
wa
SALAMAT
Hashim

Post: #108
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: bushra suleiman
Date: 04-01-2004, 11:10 AM
Parent: #1

صلاح يوسف
د.النور
د.حسن
صديق ضرار
د.عبدالله
د.بشرى
د.بيان
احمد طه

تدفق المعلومات وسيل الذكريات يغرى بالانتظار..نحن هنا نرابط

Post: #109
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: Sidgi Kaballo
Date: 04-02-2004, 01:47 AM
Parent: #108

رسالة نجاة محمد علي تطرح قضية هامة وهي إمتداد الحركة الثقافية التقدمية وما أصطلح على تسميته حراكة الحداثة بعد التغييب التنظيمي لأيادماك كنتيجة لهزيمة حركة 19 يوليو العسكرية بقيادة هاشم العطا.
نجاة تتحدث عن عودة جمعية الثقافة الوطنية وجمعية الفكر التقدمي، وهنا لا بد من الحديث عن بعض مبدعي تلك الفترة: مأمون الباقر والذي أخرج عدد من المسرحيات وهشام الفيل وميرغني عبدالله مالك المعروف بميرغني الشايب والشاعر مبارك بشير وكلهم من جامعة الخرطوم. وكانت مهرجانات الجمعيتين لا تتم إلا بمشاركة فنية فذة من حسن موسى والباقر موسى والفيد العزيز أحمد البشير الماحي وهاشم محمد صالح وبشير زمبة وأحمد سيدأحمد وجيل كامل من كلية الفنون وكان أساتذهم المبدع عبدالله بولا دائما هناك.
ثم جاءت فترة منتصف السبعينات وما أسمية فترة الملحق الثقافي أو الصفحة الثقافية للأيام والتي أشرف عليها حسن موسى وكتب فيها كمال الجزولي بإسم كمال الدين دياب وعبدالله بولا ودارت فيها مناقشات ثرة إشترك فيها الفنان أبوسبيب وعبد المنعم الجزولي ثم أوقفت بقرار وزاري من إسماعيل حاج موسى!
ثم غاب عبدالله بولا وحسن موسى بسفرهما لفرنسا وكمال الجزلي بالإعتقالات المتكررة. وكان عبداالله علي إبراهيم الذي إختفى متفرغا للحزب الشيوعي منذ أواخر 1973 يبذل جهدا ثقافيا مقدرا من تحت الأرض بنشره كاتب الشونة ومحاولة لدراسة تحقيق دبوان التجاني إشراقة وكتاب عن الماركسية واللغة وإستمر جهده في ظروف صعبة حتى إستقالته من الحزب الشيوعي بعيد المصالحة عام 1977
ولعل الجدير بالذكر الدور الذي لعبه طلاب كلية الهندسة بجامعة الخرطوم خلال تلك الفترة في الحركة الثقافية والفنية باستضافتهم للمعارض الفنية والمحاضرات والليالي الشعرية وتقديمهم للموسيقيين الطليعيين.
لآ أستطيع أن أكتب كثيرا عن قترة بعد 1979 إذ أنني قضيت معظمها معتقلا بين كوبر وسجن بورتسودان(1989-1983) ولكن قد تتاح لي فرصة للكتابة عن نشاط المعتقلين الثقافي وإبداعاتهم الفنية في وقت آخر

Post: #110
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: nazar hussien
Date: 04-03-2004, 08:49 AM
Parent: #109

تشرفت بمعرفتك عن قرب...استاذنا صلاح يوسف....واصل...فالذاكرة لا زالت بكر...برغم اشتعال الرأس شيبا...فللحوار ازقة وحواري كثيرا..
لا زالت...تحتاج الي استكشاف واضاءة...

Post: #111
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: Dr.Elnour Hamad
Date: 04-03-2004, 10:08 PM
Parent: #110

الأعزاء مشاركو هذا البوست وقارئوه

وصلتني الوثيقة التاريخية التالية من الدكتور عبد الله علي إبراهيم، وهي عبارة عن مسودة مانفيستو ابادماك.

لا يزال الدكتور عبدالله علي إبراهيم، يواجه مشكلة فنية في الدخول المباشر إلى البورد.
النور حمد
_____________________________________________________________________________________

الأخ النور،

شكراً لعنايتكم. الرجاء نشر هذا البيان "تحريرا" للساحة ونتوقع المزيد من خيطكم. عبدالله

هذا هو نص مسودة "مانيفستو" تجمع الكتاب والفنانين التقدميين (ابادماك لاحقاً) التي ناقشها إجتماعهم التمهيدي بجمعية الصداقة الإلمانية بالخرطوم صباح جمعة ما من يناير 1969. وقد اجازها الإجتماع بغير تعديل. ويحتاج الأمر مع ذلك الي الرجوع الي نص الوثيقة كما نشرت بعد إجازتها في الصحف.


وثيقة للنقاش في سبيل تجمع الكتاب والفنانين التقدميين (يناير 1969)

إذا كنا نحتفل الآن بالذكري الثالثة عشر لاستقلال السودان فلابد أننا قد نلنا الاستقلال في عام 1956. وهكذا يجري الحساب: 1956، 1957، 1958، 1959، 1960، 1961، 1962، 1963، 1964، 1965، 1966، 1967، 1968. العام يساوي 12 شهراً، والشهر يساوي معدل 30 يوماً، واليوم يساوي 24 ساعة، والساعة تساوي 60 دقيقة، والدقيقة تساوي 60 ثانية. فحصاد الإستقلال من الثواني =13 x 12 x 30x 24 x 60 x 60 = 40435200 ثانية حزن. إذاً 40435200 وحدة من الحزن في ظل الإستقلال. ولا مفر أن نعيش حياتنا ثانية بثانية، حزناً بحزن، فبين أن نموت وأن نحيا ثانية واحدة.

حسبت الطبقات الحاكمة في بلادنا، بخلفيتها الثقافية التي تعني بالإشتقاق، أن الإحتفال بذكري الإستقلال يعني سوق الذكريات واجترارها. ما جاء ذكر لدور الخريجين في الإستقلال حتي نهقوا بكلمات مستر سايمز ،مدير الخرطوم، لدي إفتتاح نادي الخريجيين (بأم درمان، 1919): "سيكون لهذا النادي أيما شأن في تاريخ هذه البلاد". كلمات مقرفة تنال الرضا من لسان الطغيان بحجة أن الفضل ما شهدت به الأعداء. في مثل هذا اليوم من كل عام تتواتر ذكرياتهم مع المآمير ومساعدي مفتشي المراكز ومفتشي المراكز ومدير المديريات والسكرتير القضائي والسكرتير المالي والسكرتير الإداري ومدير المخابرات والحاكم العام. ذكريات فيها تصورات باهتة وقاصرة للعمل الوطني وفيها قدر من المخازي يتندي لها الجبين.

باسم تلك الذكريات نحكم بل نلجم بل نلعن ما اراد هذا الجيل أن يضع بصمته تغييراً وإبداعاً علي وجه الحياة. ولكأن الذكريات وقف علي فئة معينة. يريدون بذلك أن نلقي الأبناء والأحفاد وذواكرنا (تقرأ ذاكرات بحسب تصحيح المرحوم محمد سعيد معروف) فارغة إلا من الأحلام المثخنة بجراحها والطموح المعفر بالهزيمة والهواجس والمفازع.

وبإسم تلك الذكريات يتورد خد طلائع المتعلمين بالعافية والرونق والبهاء. تتحدث عنهم أبواب المجتمع كوجهاء أيان حلوا لعلاج أو لصفقة أو لتهريب أو لنزوة أو لسمسرة أو شهوة. المدينة تنشأ تحت العلم المثلث الألوان وتحبل تحت قبة البرلمان وتلد بمصاحبة السلام الوطني المعمار المثلوم الزهو وافخر ما يبتاعه المال من الناس والأشياء. وتدفن (المدينة) السلاة، دمامتها الخلقية، فتنبت قري من الكرتون وشعب من الهزال والوحشة والإرهاق. تحت قبضة الإطمئنان الوقح الجريء تتفتت بلادنا أشلاء وسيصبح ذات يوم فإذا خانة (كل البلدان) في جوازات سفرنا شاملة ربما لجمهورية دارفور أو حكومة أزانيا أو دولة كسلا. وسنفقد لو ن العسل من عيوننا تماماَ. إزاء الخواء الروحي وجفاف شرايين الإلهام في الطبقات الحاكمة (تخرج، كلمة غير واضحة) قوي الردة الرجعية الأصيلة النسب تطرح بديلاً لشعبنا حقداً ودماً ملوكياً أزرق ورؤي متشجنة تلوي عنق الماضي قسراً وأبتذالاً ليجيب علي الأسئلة المعاصرة في عالم العصر. حديث فقير العاطفة ناقص العقل عن الدستور الإسلامي يتصيدون به حركة التقدم والمعاصرة لإغراق أمتنا ملايين الفراسخ في قاع التاريخ. أناخ بهم الكفاف فأنكفاوا علي مصالحهم الممجوجة فلجأوا الي الأقنعة المستعارة. شحوا عن البذل الصادق والواعد للشعب فتدافعوا الي وجدانه يخوضون في صفائه بارجلهم الملطخة بالأوبئة والجراثيم والحمي الراجعة.

تتقيأ أوربا الرأسمالية عقدها النفسية علي أرضنا العربية، إسرائيل، لتصبح واجهة ليبرالية راسمالية في دائرة النظام الغربي الرأسمالي ولتأكيد سيادة العقل الرأسمالي علي أنماطنا الحضارية العربية وليس في حعبة التخلف والردة في بلادنا غير التوسط الدبلوماسي المزري أو النكوص الي التاريخ هرباً من التحدي وفراراً من العصر.

بلادنا، هذه القنطرة بين حضارة أفريقيا وحضارة العرب، ما تزال ثقافة طلائع المتعلمين البرجوازيين والرجعيين تعجز أن تحل الكلمات مكان الرصاصة حيث يلتقي الإنسان بالإنسان قاتلاً ومقتولا وحيث الموت المجاني. وبدلاً من مواجهة التحدي في سبيل أن نتعارف علي هذه الرقعة من العالم شعوباً وقبائلاً في إحترام متبادل لموروثاتنا تساق التبريرات للعجز وتصنف المعاذير وتستعلي الجهالة الجوفاء وتتمطي سدود الغباء البشري في تقليد ومحاكاة مؤسفة لسدود الطبيعة.
ظل اول يناير فجيعة كبري لجيل من الكتاب والفنانين حسبوا أن السيادة الوطنية ستثمر قطرة عافية في عيون قوي الشعب العاملة والمكدودة. فما زاد الرمد الحبيبي في عيون تلك القوي الإ صديداً.

وظل ذلك الجيل يشهد إنفطار الأمة الي أمتين وانقسام إمتدادات قطع الأراضي السكنية الي إمتدادين أو ثلاثة وإنفلاق جمهور الشارع الي سابلة وراكبة وانشطار السوق الي سوق للشمس وآخر للنيون. ظل ذلك الجيل يشهد ثقافة طلائع البرجوازيين تظلع مستغفرة الي الحضن الرجعي القديم، الي كنف الإدارة الأهلية ومحاكم الشرع ومنظمات قطاع الطرق للتقدم. ظل الجيل يشهد شعارات الإشتراكية تسرق (كلمة غير واضحة) لتوضع علي واجهات الطموح الخصي والمصالح البائرة. وحين التحموا (الجيل) بالحياة عراكاً وتضحية في سبيل إكتوبر 1964 شاءت الطبقة الحاكمة إلا أن تجعل ذلك الإلتحام ذكري مصبوغة بالأسي والخيانة والنهب الصريح تصل الأبناء والأحفاد من خلال الحسرة وأصطفاق الأيدي والتنهد المرير.

علي تلك الرؤي الحافلة بالحزن والتمرد والغضب يقف هذا الجيل من الكتاب والفنانين مستشرفاً الإشتراكية خلاصاً ومخرجاً لأن الإنقباض في عيون العمال والأسي علي قسمات المزارعين والخيبة في صدور المتعلمين العامرة قلوبهم بحب الأرض والشعب . . . لأن ذلك جميعاً قد إستعصي علي التعبير. لأن الأسي والإنقباض والخيبة قد تفاقمت بدرجة أذلت الحرف وأهابت باللون وبصقت في وجه اللحن. وهتفت قدرات التعبير في هذا الجيل أن لا مناص من الإنغماس حتي (الآذان، غير واضحة) تعبيراً وقتالاً في سبيل وعي جديد يسترشد به الشعب. توبخنا الرؤي الفنية المضمخة بالأسي والثورة إن وقفنا بها أما باب الواعظ أو القاضي أو الناظر في المظالم أو المحتسب أو الخطيب أو جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نبتغي الإذن والسماحة والنوال. فقد أدرنا ظهورنا نهائياً للمواعظ البليغة وللوصاية البلهاء. فشعبنا يذله الهوام ويبتزه الوالغون في شرفه والعالم يمتد رهيباً يغري بالمغامرة في اشكال التعبير ومحتواه. مغامرة تلد المغامرة في حراسة مثل الإبداع الرصينة وبلذة الإكتشاف المروع والمدهش. مغامرة تتجاوز إطمئنان البرجوازيين ومساوماتهم المخلة وتجرف سدود دعاة الرجعية والتقليد الذين انتهي العالم عندهم البارحة عشاءً.

من أسي طبقات الشعب المصفد. من تطلع التطلع في عيون الناس: النساء والرجال. من مقومات مقومات التراث السوداني وفي سبيل أمة معاصرة لا يخطب كتابها وفنانوها ود هالة القمر شعراً وتبتلاً في زمان اصبح فيه القمر بلونين رمادي وأزرق ومناطق خالية من اللون تماماً.

وصوب الإشتراكية تنطلق مسيرة هذا القبيل من الكتاب والفنانين برصيد 40435200 وحدة من الحزن في بنك الإرتياد والمغامرة والصلابة. . . مسيرة الذكريات الجديدة لا مع مفتش المركز ومدراء المديريات والسكرتير القضائي والمالي والإداري والحاكم والمفوض المصري والإنجليزي . . . الذكريات الجديدة مع مزارعي مشروع أم دقرسي، وعمال مصنع السكر بخشم القرب,، واعراب بني هلبة والمجانين والمساكين الطوال والقصار والمسيرية الزرق والحمر، مع دينكا علياب والأشولي، النقو والفرتيت. . مع ماركس، مع لينين، مع سارتر، مع بول روبنسون، مع سان سيمون، مع فرانز فانون، مع بيكاسو، مع روسيليني، مع خالد محمد خالد، مع نايريري، مع كازنتيزاكس، مع رسل، مع قانون فائض القيمة والديالكتيك، مع قوانين إنتشار الثقافة والعوائد والتغيير. . . مع الشمس القمر النجوم ومراكب الفضاء. . . مع التقدم. . . مع العصر . . . مع الثواني جميعاً بالفرح والحزن والفخر.

في عيون (شعبنا) الذكاء والثورة فكيف صنعوا من بلادنا هذه الكتلة الغريبة البلهاء؟
خدود الشعب عجفاء شاحبة فكيف توردت خدودهم لمعة وسكرة وأمتلاء؟
مساحة بلادنا ملبون ميل مربع فكيف نبتت قري الكرتون؟
ما هذا الأسي؟
ما هذه القروح؟
كيف نكتب بدون قتال؟

سكرتارية التحضير لتجمع الكتاب والفنانين التقدميين

Post: #112
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: Salah Yousif
Date: 04-04-2004, 05:19 PM
Parent: #1

الأستاذ نزار حسين

وكذلك سعدت أنا بمقابلتك وجها لوجه خاصة وأنك أول بوردابي التقيه0 أشكرك على إشارتك الحاضرة وأشكر الذين كانوا وراء تلك الليلة الليلاء بفندق كارلتون البحرين وخاصة مولانا حمزة محمد نور حيث أمتعنا المطرب مصطفى السني بمختارات رائعة من عيون الغناء السوداني الأصيل أمام جمع أسري معافى أعاد لنا لذكريات السودان وأيامه الخالدة0

الدكتور النور حمد

لقد أفلحت - بما أثرت من شجون أدبية ومراحل توثيق ضرورية للحراك الثقافي في تلك الفترة - في استضافة الدكتور عبد الله علي إبراهيم وهو يتأبط مانيفستو تجمع الكتاب والفنانين والتقدميين الذي طالبت به الأستاذة بيان وبعض المهتمين0 ومع أنه ربما يكون مسك الختام لهذا البوست (على الأقل حتى الآن) حسب تقديري، فربما فتح شهية البعض لحوار تحليلي خاصة وأنه ابتدر بمقدمة غاية في الدقة والجدة في تناول الأشياء بغرض إعطاء صورة عن بعض الدوافع التي حركت همم الكتاب لكي يقفوا خلفه0

وبتعليقي المقتضب هذا، يكون البوست قد قفز إلى الأعلى عسى أن يكون في متناول من يرغب في الأضافة0

صلاح يوسف

Post: #113
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: بكرى ابوبكر
Date: 06-10-2004, 04:46 AM
Parent: #112

بوست جميل رفعته للفائدة العامة

Post: #114
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: Dr.Elnour Hamad
Date: 06-10-2004, 06:40 AM
Parent: #113

شكرا يا بكري
أرجو أن يعاود كتاب هذا البوست زيارته. فارضه لا تزال حبلى بكثير من الممكن.

Post: #115
Title: Re: بين أبادماك و بورتبيل
Author: bushra suleiman
Date: 06-16-2004, 10:26 PM
Parent: #1

فوق..لتنوير الغافلين وتعليم الجاهلين