منتدى السمندل.. سؤال و جواب

منتدى السمندل.. سؤال و جواب


08-23-2003, 02:45 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=113&msg=1139078891&rn=14


Post: #1
Title: منتدى السمندل.. سؤال و جواب
Author: bayan
Date: 08-23-2003, 02:45 AM
Parent: #0

بسم الله الرحمن الرحيم


نفرد هذا البوست لتساؤلاتكم و استفساراتكم عن السمندل

ومناقشة حياته و أدبه وكلما ترونه يستحق المناقشة
و نهيب بكل المطلعين على ادبه ان يشاركوا
فى اثراء النقاشات و وتوفير الاجابات
اللهم ارحم محمد عبد الحى و اسكنه فسيح جناتك

Post: #2
Title: Re: منتدى السمندل.. سؤال و جواب
Author: bayan
Date: 08-23-2003, 07:55 AM
Parent: #1

*

Post: #3
Title: Re: منتدى السمندل.. سؤال و جواب
Author: فتحي الصديق
Date: 08-23-2003, 12:56 PM
Parent: #1

دكتورة بيان
لك التحية والود
اشكرك جدا على فتحك لهذا البوست . وارجو ان نستفيد بتواجدك هنا ومعرفتك بالمرحوم الدكتور محمد عبد الحي وبكل ما كتب.وبكل ما كتب عنه.واود ان اطرح عليك سؤالا يتعلق بكتابات الدكتور النقدية.هل تحصلت على بعض مما كتب الدكتور في النقد. واين يمكننا الحصول على كتاباته النقدية؟
شكرا دكتورة

Post: #4
Title: Re: منتدى السمندل.. سؤال و جواب
Author: almohndis
Date: 08-23-2003, 01:39 PM
Parent: #3

السؤال الأول : السيرة الذاتية لأديبنا

Post: #5
Title: Re: منتدى السمندل.. سؤال و جواب
Author: bayan
Date: 08-23-2003, 06:44 PM
Parent: #4

الاخ فتحى تحياتى
هذه هى الاعمال النظرية التى كتبها عبد الحى




1 ـ الأعمال التطبيقية:
هي عبارة عن دراسات نقدية حومت حول مجموعة من الشعراء السودانيين
مثل التيجاني يوسف بشير الذي اهتم به محمد عبد الحي اهتماماً كبيراً حيث جمع له أعماله النثرية وحققها وقد أثار هذا الكتاب ضجة في السودان، وكذلك كان يريد أن أن يحقق ديوانه (إشراقة) على الرغم من أن هذا الديوان قد حقق بواسطة هنري رياض، كما كتب كتابه (الرؤية والكلمات قراءة في شعر التيجاني يوسف بشير) كما يجدر أن ننبه أنه قد كتب كثيراً من المقالات عن التيجاني يوسف بشير نذكر منها على سبيل المثال وليس الحصر:
1 ـ الرؤيا والكلمات قراءة جديدة في شعر التيجاني.
2 ـ التيجاني يوسف بشير الهيكل الشعري (طبيعة الشعر ومهمة
الشاعر).
3 ـ صورة الشعر عند التيجاني يوسف بشير.
كما نجد أن الأساطير والقصص الشعبية كانت تستهويه إلى درجة كبيرة، فلا غرو فقد كان يضمنها بكثرة في أشعاره وكذلك كتب عنها بعض المقالات نذكر منها على سبيل المثال:
1 ـ العرب والأساطير الإغريقية.
2 ـ الشيخ إسماعيل صاحب الربابة (التأريخ والنموذج الأسطوري
لمفهوم الشاعر في كتاب الطبقات).
وكذلك من المجالات التي اهتم بها هي الأدب الإنجليزي وهو مجال اختصاصه الأكاديمي وقد كتب كثيراً من الدراسات النقدية التي حومت حول الأدب
الإنجليزي ونذكر منها:
1 ـ الملاك والفتاة ـ الضرورة والحرية في شعر أدوين موين.
2 ـ التقليد والتأثير الإنكليزي والأمريكي على الشعر العربي
الرومانتيكي.
3 ـ التراث والتأثير الخارجي في كتابة الرومانتكيين العرب.
4 ـ أنشودة المطر بين أليوت وشيلي والتراث العربي.
كما كتب بعض المقالات النقدية حول دواوين سودانية مثل:
1 ـ البراءة والتجربة في نار المجاذيب.
2 ـ متاهة المرايا ـ رومانتكية الثورة في ديوان الجواد المكسور.
كما أيضاً كتب بعض الكتب عن الثقافة السودانية وهي:
1 ـ الهوية والصراع.
2 ـ السياسة الثقافية في السودان.
وخلاصة القول إن الشاعر محمد عبد الحي قد أسس لخطابه الأدبي الإبداعي بوضعه خطة أدبية نظرية شمولية تحدد مفهوم الشعر عنده والنقد ورأيه في المدارس الأدبية، وكذلك اهتم بالأدب المقارن. وأهله لذلك معرفته الممتازة باللغة الإنجليزية وسعة اطلاعه باللغتين العربية والإنجليزية. كما تحدث أيضاً عن فهمه لما ينبغي أن تكون عليه الثقافة السودانية.

2 ـ الترجمات:
عني الشاعر محمد عبد الحي بالترجمات، فهو قد قام بترجمة كثير من الأعمال النظرية والشعرية من اللغة الإنجليزية إلى العربية وقد قال عن الترجمة:
"هناك نقاط مرتبطات حول مفهوم الترجمة الشعرية في اللغة التي يستعملها المترجم في بيئة ثقافية أخرى ـ فاللغة ارتباط بالحضارة الموضوع في بيئته الثقافية ـ يدل على المعنى الثقافي الحضاري والمعنى اللغوي والموضوعان مرتبطان (الواقع) من خارجنا و(الذهن) من داخلنا فالشجرة في إنكلترا ـ مثلاً ـ تدل على تأريخ عميق بازدهارها فإذا ترجمت من نص شعري فقدت أغلب دلالتها ومحتواها لأن الشجرة في بيئة عربية ذات تأريخ حضاري يضرب في أعماقها ويختلف اختلافاً بيناً عن الشجرة الغربية".
ويضيف موضحاً ما يرمي إليه:
"ولكنه مختلف في الذهن الثقافي ويصبح الانشقاق مريعاً بين اللغة (الوضعية) واللغة الذهنية أو الثقافية والحضارية".
فيضيف في معرض حديثه عن رأيه في الترجمة:
"إذا بدأنا عملية انتقال اللغة إلى لغة أخرى فالاثنان اللغة والحضارة مرتبطان ارتباطاً وثيقاً لا فكاك منها".
وبعد ذلك وضح رأيه في المترجم حيث قسم المترجمين إلى نوعين، المترجم الخلاق، والمترجم المثالي.
هذه الفلسفة اللغوية الحضارية عن قصد أو غير قصد.
ومن هذا المنطلق فقد قام محمد عبد الحي بترجمة كثير من القصائد لكتاب
إنجليز وكذلك لكتاب أفارقة:
1 ـ قصيدة أغنية حب، ج. الفرد بروفروك، التي كتبها ت.س. اليوت
(1888 ـ 1965) التي نشرت في مجلة "شعر" الأمريكية سنة
1915.
2 ـ نشر كتاب أقنعة القبيلة به عدة قصائد لشعراء أفارقة مثل
"سنجور" و"سيزار".
وخلاصة القول ان محمد عبد الحي كان كاتباً معطاءً ومجوداً. ولقد عكست أعماله هذه ثقافته الواسعة وتعدد منابعه. وقد اكتفينا بهذا القدر من أعماله لأن هذا البحث أصلاً عن أعماله الشعرية ولكن ارتأيت أن أقدم نماذج لأعماله النثرية في هذه العجالة.

Post: #6
Title: Re: منتدى السمندل.. سؤال و جواب
Author: bayan
Date: 08-23-2003, 06:48 PM
Parent: #4

الاخ الكريم المهندس
شكرا لك
وهذا ما طلبته


محمد عبد الحي .. حياته وأدبه

محمد عبد الحي .. حياته وأدبه


المبحث الأول: سيرته

عندما نقف على حياة أديب أو شاعر ما نجدها في مجملها حافلة بالتجارب، قد تكون تجارب إيجابية، وقد تكون كذلك تجارب سالبة، ولكن كل هذه التجارب حلوها ومرها، هي التي تكوّن روح ذلك الشاعر أو الأديب، وبالتالي عندما يكتب إبداعه حتى لو لم يشر إليها مباشرة نجدها تشكل وعيه بالأشياء ورؤيته الخاصة، ولذلك قال البعض إن الأديب "مرآة عصره" ومن ثم إذا كان عمل الأديب أو الشاعر يحل في عالمنا "الموضوعي" إلا أنه عصارة "ذاتية" ما وقد يرى البعض غير ذلك.
ومن هذا المنطلق أرى أن نقف أولاً على حياة الشاعر محمد عبد الحي، حتى يتأتى لنا أن نفهم بعض ما يغيب عنا من شعره، فمحمد عبد الحي ليس شاعراً عادياً في السودان، وحتى في الوطن العربي، فهو قبل أن يكون شاعراً فهو مثقف، ومفكر، وأستاذ جامعي، استخدم موهبته الخلاقة وإبداعه، ليشكل عالمه ويطرح قضايا فلسفية عميقة، فلا غرو أن كثيراً من الناس يرون أن شعره صعب على الفهم، ولذلك نجده قد ملأ قصائده بالحواشي والشروحات، ولكن أيضاً هذا لا يعني أنه شاعر متعالٍ أو شاعر صفوة، لأنه كتب عن أشياء مألوفة، وهو شاعر كوني يتحدث في شعره عن البحار، والزواحف، والحيوانات الوحشية، والأليفة والخرافية، فهو ينظر إلى هذا الكون "بكلية" فنجده يبحث عن علاقة الإنسان بالكونيات وليست بتجاربه الإنسانية فقط.
ومن ثم ارتأيت أن أقسم حياته إلى ثلاث مراحل، هي:

المرحلة الأولى (1944 ـ 1967):
تبدأ منذ الميلاد، مروراً بمرحلة الدراسة التي تدرج فيها إلى قمة التعليم، كما ذكرت أن محمد عبد الحي مختلف عن جيله، فهو ينتمي إلى أسرة ثرية وعصرية ذات أصول تركية، فوالده الجيل الثاني من مهندسين تلقوا تعليماً حديثاً، وبالتالي تلقى محمد عبد الحي تعليمه في النظام الحديث، ومن المعروف أن هذا النوع من التعليم هو تعليم علماني، فهو قد درس في مدارس حكومية انتهت بجامعة الخرطوم مروراً "بحنتوب"* ولهذا نرى أنه كان متفوقاً في دراسته وإلا ما سنحت له الدراسة في هذه المؤسسات التي يعد الانتساب إليها مفخرة فهو مقارنة بغالبية الشعراء السودانيين نجده مختلفاً جداً في نشأته، إذ أن غالبيتهم نشأوا نشأة دينية تقليدية، على سبيل المثال الشاعر محمد المهدي مجذوب نشأ نشأة دينية نجده يتحدث عن ذلك في مقدمة ديوان (نار المجاذيب) قائلاً:
"رأيت طفولتي الباكرة على ضوء هذه النار المباركة نار المجاذيب، ونفرت إليها وسمعت حديثها، وتحكمت وانتشيت وغنيت دفع بي أبي إلى ضوء هذه النار فرأيت وجه شيخي وسيدي شيخ الفقراء الورع الحافظ، الفقيه محمد ود الطاهر".
وكذلك الشاعر "تاج السر الحسن" والشاعر "التيجاني يوسف بشير" وغيرهم
كلهم ينتمون إلى أسر سودانية تقليدية وكذلك درسوا في بداية حياتهم في الخلاوي المنتشرة آنذاك. ولذلك نجد أن عبده بدوي قد ذكر في كتابه (الشعر في السودان) أن التصوف والتدين ظاهرة في الشعر السوداني ولذلك لا يتأتى الكتابة عن شاعر سوداني دون إفراد فصل كامل عن أصوله الدينية.
بعد أن تخرج الشاعر في جامعة الخرطوم سنة 1967 ذهب إلى إنجلترا للدراسات العليا حيث نال درجة الماجستير سنة 1969 من جامعة "ليدس Leeds" ثم نال درجة الدكتوراه من جامعة أكسفورد في سنة 1972م.

المرحلة الثانية:
تبدأ هذه المرحلة برجوعه إلى السودان وعمله أستاذاً مساعداً في كلية الآداب جامعة الخرطوم سنة 1972 إلى أن مرض في سنة 1980.

المرحلة الثالثة:
تبدأ بعد مرضه في عام 1980 إلى أن انتقل رحمه اللَّه إلى الرفيق الأعلى سنة 1989م. لقد ذكر سعد عبد الحي أنه كان يكتب وقدم ندوة في إنجلترا بعد مرضه، ولكني أشك في ذلك لأني بمراجعة بعض الرسائل الإخوانية لأصدقائه، لاحظت الكثير من الأخطاء الإملائية والنحوية والأسلوبية* ولذلك لا أعتقد أنه كتب شعراً بعد ذلك. والجدير بالذكر أنني كنت قد قابلته في عام 1983 إثر نشر مقالة كتبتها عن "العودة إلى سنار" نشرت في مجلة الزرقاء لرابطة سنار الأدبية - وكان قد اطلع عليها - وعرفت فيما بعد أنه مغرم بقراءة ما يكتب عنه، عندما قابلته كانت آثار المرض ظاهرة في طريقة حديثه فهو يستجيب ببطء للحديث وعندما أبديت هذه الملاحظة للصديق عبد الرحمن عبد اللَّه* الذي صحبني له قال لي إنها عادته في الكلام فهو لا يتكلم دون أن يفكر. واللَّه أعلم.

المرحلة الأولى:
1 ـ الميلاد:
ولد الشاعر محمد عبد الحي في الخرطوم بتاريخ 11/4/1944م وتوفي رحمه اللَّه في مستشفى سوبا الجامعي إثر نكسة صحية في 23/8/1989م وهو في السادسة والأربعين من عمره.

2 ـ النشأة:
كان والد الشاعر يعمل مهندساً في المساحة، حيث تنقل كثيراً في أقاليم السودان المختلفة مثل: "جبل أولياء"، و"الرنك" و"جبال النوبة"، ومناطق النيل الأزرق، "ودمدني"، "كورتى" و"أبو حمد" في الشمالية. وقد كان الشاعر يرافق والده في تنقله مما مكنه من معرفة الثقافات السودانية المختلفة، واستيعابها ومن ثم إسقاطها في أشعاره وفي ذلك يقول والد الشاعر:-
"لا شك أن تجوالي في مناطق السودان المختلفة الشاسعة الواسعة أسهم بصورة كبيرة أساسية في تكوين شخصية ابني محمد ... حيث كنت أصطحبه معي ضمن أفراد الأسرة إلى المناطق التي أستقر فيها طويلاً، وعلى سبيل المثال في مناطق جبال النوبة تنقلنا في جبال الداير ثم هيبان .. أبو جبيهة كودة، تقلى عباسية .. كادقلي، الدلنج تلودي، جبال الليري، تيرة، كل هذه المناطق شاهدها محمد معي وعاش مع أهلها، شهد الطبيعة الخلابة وبساطة الناس التي
تصل إلى حد البدائية في بعض المناطق في ذلك الأوان".
والدته السيدة عزيزة إسماعيل فوزي من مواليد 1924 ابنة مهندس في المساحة كان يكتب الشعر مما حدى بابنه سعد إسماعيل* أن يتأثر به ويكتب الشعر أيضاً.
وتقول السيدة عزيزة في نشأة ولدها:
"ابني منذ نعومة أظفاره كان مولعاً بقراءة مجلة الصبيان ومجلة الأطفال التي ترد من الخارج .. وكان أيضاً يكتب في صحف الحائط وحينما صار صبياً كان يكتب بعض الأبيات المتفرقة عن الحياة والطبيعة إلى أن عرف والده ونهاه عن كتابة الشعر حتى لا تؤثر على مستواه الدراسي ولكن محمد كان يخفي كتب الشعر في كتبه المدرسية" ، وعلى الرغم من معرفتها بذلك إلا أنها أخفت هذه المعلومة عن والده.
وذكر والده أنه سمح له بالكتابة بعد أن زارهم جمال محمد أحمد** صديق الأسرة الذي كان يعمل سفيراً في لبنان، وأخبرهم أن عدداً من المثقفين اللبنانيين يسألون عن محمد عبد الحي، وأن كتاباته تثير ضجة في الأوساط الأدبية هناك.
ولكن بدأ يمارس كتابة الشعر بجدية عندما كان يدرس في مدرسة حنتوب الثانوية، وفي عام 1963م كتب قصيدة لأخته في يوم عرسها قائلاً فيها:
ماذا أرى في يومك الذهبي، داعي السرور يطوف بالطرب
ليل به الأنوار ساطعة
والقلب يقفز من بشرى ومن طرب
روحي على الأيام هانئة
لترفلي في العز والنشب يا زينة النسب
كما أنه كان قد كتب قصيدة عريس المجد في رثاء الشهيد القرشي حيث قرأت أثناء دفنه حسب علم والدته.
وفي عام 1963 نشرت قصيدته العودة إلى سنار حيث أثارت ضجة كبيرة في جريدة الرأي العام السودانية ثم نشرت في مجلة "الشعر" المصرية ومجلة شعر اللبنانية لتعرف على مستوى الوطن العربي، وكذلك لتكون من اللبنات الأولى لتيار الغابة والصحراء في الشعر السوداني . وكتبها وهو في حوالي الثامن عشرة مما يدل على النبوغ المبكر والفكر الثاقب الذي يتجلى في كتابات الشاعر.
ومنذ دخوله جامعة الخرطوم في 1962 كان من أشهر شعراء الجامعة يقرأ شعره في المحافل والندوات داخل وخارج الجامعة، كما كان يكتب في الصحف والمجلات الحائطية وكذلك في الصحف السودانية خاصة الرأي العام صفحة الجامعة.*
وبعد تخرجه في 1967، في قسم اللغة الإنجليزية بمرتبة الشرف الثانية العليا عين مساعد تدريس في قسم اللغة الإنجليزية حيث بعث للدراسات العليا لإنجلترا في جامعة "ليدس Leeds" أعد رسالة الماجستير عن شاعر بريطاني اسمه أدوين مويير حيث طبعت في كتاب بعنوان: (الملاك والفتاة: الضرورة والحرية عند أدوين مويير)** ، ثم نال درجة الدكتوراه عن بحثه (التفكير والتأثير الإنجليزي والأمريكي على الشعر العربي الرومانتيكي) في سنة 1972 من جامعة "أكسفورد".
ورجع الشاعر إلى السودان ليعمل أستاذاً مساعداً في قسم اللغة الإنجليزية يدرس الأدب المقارن والأدب الإنجليزي، ثم انتدب للعمل مديراً لمصلحة الثقافة 1976 ـ 1977 في عهد الرئيس جعفر نميري، وكان في ذلك الزمن يحاول النظام أن يؤكد على استفادته من كل الكفاءات ويحقق انفتاحاً بعد أن كان مغلقاً، ودخل محمد عبد الحي الاتحاد الاشتراكي مما أثار عليه كثيراً من اللغط والتساؤلات مما أورثه الحزن إذ أنه كان يعتقد أنه يحقق أحلام جيله بعمله مديراً لمصلحة الثقافة وبالفعل لقد كانت فترته تلك من أعظم الفترات التي مرت على الثقافة السودانية حيث أنشأ مركز ثقافة الطفل والثقافة الجماهيرية وكذلك بدأ مهرجانات الثقافة التي دعا فيها كبار شعراء الوطن العربي مثل محمود درويش وأحمد عفيفي مطر ونزار قباني ووإلى جانب ذلك نشاطات في كل أضرب الثقافة من مسرح ومعارض وتشكيل فقد كانت بالفعل مهرجانات عامرة، ولكن كل هذا لم يعفه من تبعة وضع يده مع نميري وفي ذلك يقول عبد اللَّه علي إبراهيم:
"فعبد الحي مثلاً عين مديراً لمصلحة الثقافة واضطرته المداراة لأن يدخل الاتحاد الاشتراكي وكان ذلك مثار أسئلة ونقد من بعض الأصدقاء وكنت أقول لهم إن عبد الحي يريد أن يخلق مصلحة ثقافة وهي حلم من أحلام جيله من خلال مصالحة ربما كانت فادحة".
وبعد رجوعه إلى جامعة الخرطوم قام بتأسيس مجلة الآداب الخاصة بكلية الآداب وكان أول رئيس تحرير لها. وكذلك في بداية سنوات السبعين قام هو ويوسف عيدابي بتحرير الملحق الثقافي لصحيفة الصحافة وكان بحق ملحقاً منفتحاً على كل الكتاب والأدباء باختلاف اتجاهاتهم الفكرية ولكن تم إيقافه لادعاء البعض أنه لا يتناسب وسياسة الدولة آنذاك.
وفي عام 1980 والشاعر في أوج شبابه وعطائه أصيب بجلطة دماغية ناجمة
عن مرض القلب عطلت مناطق اللغات في الدماغ ومحت كل اللغات التي يعرفها بما فيها اللغة الأم وكذلك أعاقت جسده، وأجريت له عملية قلب في أكتوبر 1980 في لندن حيث شفي بنسبة 85% وبدأ في تعلم القراءة والكتابة من البداية بفعل إرادته القوية وصلابته استطاع أن يتجاوز إعاقته ورجع إلى وظيفته في الجامعة مرة أخرى.
ومرضه هذا غير فيه الكثير إذ أصبح أكثر تديناً إذ كان يعتقد أنه سيشفى إذا ذهب إلى العمرة، وبالفعل ذهب إلى العمرة وبعد ذلك ذهب إلى لندن.
"في السنوات الأخيرة من عمره تغير محمد كثيراً وأصبح أكثر تديناً وكان يقول بعد أن شفي في عام 1980 إنني شفيت بسبب تلاوة القرآن".
وفي عام 1987 أصيب مرة أخرى بالجلطة وكان في "مانشستر" حيث رجع إلى السودان وهو مشلول وكان يستخدم كرسياً طبياً، وقد كتب في ذلك الوقت رسالة إلى صديق عمره عمر عبد الماجد رسالة حزينة وقال فيها الشاعر ذهبت إلى لندن بساقين وعدت بأربعة عجلات، ويقول أيضاً:
السماء فتحت مرة ثم أغلقت
وأخذت الأشياء تلم نفسها فالعالم حزين
وفي منتصف شهر يونيو 1989م مرض الشاعر حيث نقل إلى مستشفى سوبا الجامعي حيث بقي تحت العلاج إلى أن أسلم روحه إلى بارئها في 23/8/1989م وهو في أوج شبابه وعطائه وبموته فقدت البلاد سمندلها المغرد عليه رحمة اللَّه.
كان محمد عبد الحي متزوجاً من عائشة موسى وله منها أربعة أطفال.
فكره وثقافته:
لقد اهتم محمد عبد الحي بكثير من القضايا الفكرية والأدبية منذ صباه، وحمل هموم الثقافة السودانية وتساؤلات الهوية والانتماء وثنائية الشخص السوداني، وكان من الرواد الذين كتبوا في الهوية والقومية تنظيراً وتطبيقاً.
ولقد حسب على اليسار، ولكن هل كان محمد عبد الحي حقاً يسارياً؟
لم ينتم محمد عبد الحي أبداً إلى اليسار والانتماء المعروف هو محاولته للانتماء لحزب الأمة، حيث رفض طلبه، فسارع بالانضمام إلى الوطني الاتحادي، يدلل على ذلك ما ذكره الشاعر نفسه إلى عمر عبد الماجد ..
"يا عمر إن بي شيء في صدري حسبتها لمدة بعد أن (أصابتن) لكمة معنوية عنيفة، ورفضت معية حزب الأمة القومي رفضاً باتاً (بأنلا)* أكون عضو بينهم لقد كانت إهانة ثقافية بالغة ليس لي وحدي ولكن لكل الجيل الجديد الذي يقرأ ويمزق ويكتب ويحاول أن يبني بناءاً ثقافياً مفيداً في هذا الوطن الممزق".
ومن جهة أخرى ذكر عبد اللَّه علي إبراهيم الذي ينتمي إلى الحزب الشيوعي السوداني "أن محمد عبد الحي ترك الحزب الشيوعي في أوائل الستينات".
ولكن المتتبع لكتابات الشاعر الإبداعية لا يجد فيها أي نزوع مادي في أعماله بل نزعة صوفية إيمانية عميقة (معلقة الإشارات - اللَّه في زمن العنف - العودة إلى سنار) كما ندلل على ذلك بقوله هو نفسه:
"كشاعر أعتقد أني أختلف عن شعراء العصر في السودان - وفي العالم العربي - بإيماني العميق بهذا الجوهر الديني للوجود الإنساني وبإيماني الأعمق منه بأن هذا الجوهر بلغ أقصى نقائه وجماله الشكلي في الإسلام وهذا الإيمان إيمان خلق لا تحجر".
وقد ذكر لي الشاعر مصطفى سند أن محمد عبد الحي كان قد نفى انتماؤه لـ"أبيداماك"* والذي نشر في صحيفة الرأي العام.
وخلاصة القول أن محمد عبد الحي كان رجلاً شجاعاً في إبدائه لآرائه والإعلان عنها دون مواربة أو خشية لومة لائم وأكسبه ذلك الكثير من الأعداء وأيضاً كان بسيطاً متواضعاً مما أكسبه حب الكثير من الناس. ولو كان يسارياً لما أخفى ذلك.

ثقافته:
آمن محمد عبد الحي منذ بداية شعره بفكرة الهوية السودانية، وكان يرى أن الشخص السوداني عبارة عن هجين عربي - زنجي، وأن من المفترض أن نعي ونعترف بهذه الثنائية في تكويننا دون أن نتنكر لأصولنا العربية، أو نتنكر لأصولنا الزنجية من جهة أخرى، وكان يرى أن رأب الصدع في السودان ولم شمل هذا الوطن الممزق لا يكون إلا بالحل الثقافي وليست بالحرب وأنه من المهم أن يفكر في بعث الإنسان السوداني العربي - الزنجي دون تغليب واحدة من الثقافتين على الأخرى أو اضطهاد واحدة على الثانية، ولذلك استلهم رمز سنار ليرمز للسوداني العربي الزنجي وكتب (العودة إلى سنار) التي سنتحدث عنها لاحقاً بالتفصيل في الفصل الثالث ممثلاً فيها رؤيته لهذا الجزء من العالم الذي يسمى السودان.
ووقف عبد الحي عند مروى وهي حضارة سودانية عظيمة ولكن تجاوزها إلى
رمز سنار باعتبارها الأكثر حضوراً في الذات السودانية.
ولكن يجب ألا نفهم من ذلك أن محمد عبد الحي كان يدعو إلى نظرة شوفينية سودانية ضيقة، أو دعوة انعزالية شبيهة بالحركات الانعزالية الأخرى التي قادها بعض الشعراء في الوطن العربي، مثل أدونيس (الفينيقية)، ولويس عوض (الفرعونية)، ولكن يدعونا أن نستبصر واقعنا السوداني، وثنائيتنا الفريدة، التي بدورها تشكل إضافة وليست نقصاناً.
"العودة إلى سنار لا تشبه أي دعوة انعزالية أخرى في الوطن العربي هي إدراك للخصوصية السودانية ضمن إطار عربي ممتد في العمق الإفريقي".
ونجد أن محمد عبد الحي يرى للشعر وظيفة وللشاعر أن يخلق وعياً من محيطه وأن يفصل ويؤطر لثقافته.
"المتأمل لشعر محمد عبد الحي منذ قصائده الأولى المنشورة في صحيفة (الرأي العام) السودانية أوائل الستينات ومجلة الشعر المصرية ومجلة شعر اللبنانية يجدها تلقي تفسيراً للشعر عند التيجاني والمزيد من الضوء حول الشاعر الناضج الذي يحمل مسئوليته وتاريخه الإنساني والكوني وثقافته القومية وشعبه وسياسته وطبيعته".
وقد ذكر كثير من مؤرخي الأدب السوداني مثل عبد الهادي صديق، سلمى خضراء الجيوشي، عبده بدوي انتماء محمد عبد الحي إلى ما يسمى تيار الغابة والصحراء (سنعرض له بالتفصيل في الفصل الثاني) ولكنه تنصل عن ذلك ونفاه عن نفسه في التذييل الذي كتبه لمقال كتبته سلمى خضراء الجيوشي عن العودة إلى سنار قائلاً:
"الأمر عندي هو أنني لست شاعراً من شعراء الجماعة فأنا أتكلم بصوتي الخاص بي الذي أعمقه وأثقفه حتى يتزاوج فيه الخاص بالعام والعام عندي هو
تجربة الإنسان الواحدة المتكررة الباطنية الأعمق أو الأعلى من الزمن التي لا تتغير في جوهرها بل تتشكل في أشكال جديدة كل عصر".
وقد ادعى بعض النقاد أن محمد عبد الحي كان متأثراً بالأدب الغربي وأن قصائده أشبه بالمترجمات ولكنه نفى ذلك عن نفسه قائلاً:
"أصولي الفكرية في كتاب الفتوح المكية لشيخي محي الدين ابن عربي وفي رسائل إخوان الصفاء لا في الشعر الإنجليزي".
وفي الختام فإن المتتبع لأعماله يرى هذه المسحة الصوفية المميزة، والعمق الديني يتجلى في غالبية شعره ولكنه مثقف درس في الغرب واطلع على الآداب الأجنبية الأخرى نجده يتحدث عن رموز عالمية مثل: لير وأوديب ليحقق بذلك أن الأدب لا وطن له ولكنه نتاج إنساني جمعي.

Post: #7
Title: Re: منتدى السمندل.. سؤال و جواب
Author: bayan
Date: 08-24-2003, 03:04 AM
Parent: #6

*

Post: #8
Title: Re: منتدى السمندل.. سؤال و جواب
Author: Agab Alfaya
Date: 08-24-2003, 05:08 AM
Parent: #1

الاخت الدكتورة نجاة

اسمح لي ان اطرح هذه الاسئلة
- ما هي الدوافع التي جعلتك تتخصصين في ادب الدكتور محمد عبدالحي؟

-هل واجهتك اي عقبات اثناء اعداد بحثك عن الراحل محمد عبدالحي؟

ما هي ابرز الخصائص الاسلوبية ،في نظرك التي تميز شعر عبدالحي؟

هل تعتقدين ان عبد الحي ترك اي بصمات علي الشعراء الذين جاؤا بعده،يعني هل يمكن القول انه نجح في خلق تيار او مدرسة شعرية ام كان
حالة خاصة؟

ما هي اهم المؤاثرات -ان وجدت في شعر عبد الحي؟
مع تقديري واحترامي

Post: #9
Title: Re: منتدى السمندل.. سؤال و جواب
Author: bayan
Date: 08-24-2003, 08:50 AM
Parent: #8

بينى و بين قصيدة العودة إلى سنار

قال عنها شاعرها "تحولاتها ـ تحولاتي (هل أنا غير حصاة، تتبلور فوق جمر الأغنية؟؟ منذ أن كتبت ثم نشرت في الرأي العام في ديسمبر 1963 وحوار 1965 وتم كتابتها مرة أخرى وأخرى في يوكشير وأكسفورد". )
ثم قال ايضا: ("وربما كانت (العودة إلى سنار) دفعة من كيان الفنان في شبابه حينما رغب مثلما ـ رغب جويس في أن يشكل في مصهر روحه ضمير أمته الذي لم يخلق بعد. وربما كانت فتحاً آخر. وإلا كيف أفسر أنها كتبت سبع مرات أو نحو ذلك كأنها تدرج من مقام إلى مقام حيث تأريخ الذات وتأريخ القبيلة شيء واحد".
فهل يمكن ان تمثل هذه القصيدة لقارئ ما مثلته لكاتبها
فأنا نفسى قد مثلت ل هذه القصيدة مراحل حياتى لقد كبرت معها ولاول مرة قرأتها كان عندما عادت اختى محاسن لاول مرة فى عطلة الجامعة واحضرت معها الكتاب هدية لى ومعه ديوان البحر القديم وكنت انا فى أعتاب المدرسة الثانوية اعجبنى جدا ديوان مصطفى سند البحر القديم وعندما
بدأت فى قراءة العودة إلى سنار ادهشتنى لغتها الغريبة والحركة فيها ثم تنوع الاساليب من حوار إلى
مونولوج اعدت قرآتها عدة مرات ولكن لم استسيغها كثيرا وفى ذلك الوقت كنت قد تعرفت على
محمود درويش وخليل حاوى شاعر والدى المفضل وكنت اقرأ لهما دائما أحس بشعرهم افهمه ولكن ليست قصيدة العودة الى سنار التى أذهلتني وحيرتنى ولم افهمها كثيرا وقد خطب فى والدى خطبة عصماء عن الشعر الحديث و غموضه ولكن كنت أتسائل لماذا بمقدورى أن افهم شعر حاوى ودرويش وسند وهذه القصيدة لا افهمها لماذا هى مستعصية هكذا.. ومرت السنوات ودخلت معهد الموسيقى والمسرح وبدأت قراءتى فى الفلسفة تزيد وبعد عامين لم أر ديوان العودة إلى سنار وجدته واعدت قراءته واذهلنى الفهم الجديد فقد فهمت أحد أبعاد هذه القصيدة المتعددة الأبعاد والمحاور كلما تقدم بى العمر كلما ظهرت لى أبعادها فى عام 1982 كتبت بحث صغير لمادة الأدب الشفاهى الشعبى
بعنوان الحس القومى فى الأدب السودانى المعاصر وفى الشعر كان النموذج هو قصيدة العودة إلى سنار وشاء القدر أن يقرأ هذا البحث صديقى المرحوم عبدالله فضل السيد الذى رحل عنا مبكرا
وطلب منى ان اسمح له ان ينشرها فى مجلة أو دورية كانت تصدرها رابطة سنار الأدبية تحت إشراف نبيل غالى وبالفعل تم نشرها وشاءت الصدف أن يطلع عليها الشاعر وعلق عليها وأخذنى الصديق لزيارته و جلسنا معه لمدة ساعة وكانت أول مرة التقى به وكانت آثار المرض اللعين تبدو عليه
وكان ذلك بالنسبة مثل يوم العيد لطفل فى السابعة سعدت جدا بلقائه ومرت الأيام وأنا احمل ديوان العودة إلى سنار أعيد قراءته وكل مرة اكتشف أشياء جديدة غابت عنى وبعدها بعد أن اصبح لى اهتمام خاص بالأدب السودانى بعامة و الشعر بخاصة تحت رعاية استاذى هشام صديق أصبحت لدى خلفية لا باس بها صارت تتكشف لى القصيدة اكثر وكان يدهشنى كيف أنه تأتى لفتى فى الثامن عشرة من عمره أن يكتب خطاب الهوية السودانية ألا شمل وحده.. و آخر مستوى تكشف لى فى هذه القصيدة ذات اللغة العجائبية إنها عبارة عن رحلة إسراء ومعراج وكان الإسراء اسراءا افقيا فى تاريخ الحضارة السودانية
. الحدود الأولى للذاكرة إلى البدايات التي ما قبلها بدايات.


هذا اجابة السؤال الاول
العقبات التى واجهتنى هى عدم توفر المراجع
وصعوبة الحصول عليها و
واضطررت للرجوع للمصادر الاصلية ايضا لعدم
وجود نموذج او بحث آخر فهذا اول بحث دكتوراه عنه
وكذلك انتشار المهتمين به فى ارجاء المعمورة وصعوبة الوصول لهم مما جعل يحثى يكون متواضعا اذاقارناه بالتصور
و كذلك عندما ذهبت الى دار الوثائق لم يجدوا الوديعة التى اودعها الشاعر على الرغم من وجودها فى السجلات
هذا جزء من المشاكل والصعوبات

Post: #10
Title: Re: منتدى السمندل.. سؤال و جواب
Author: bayan
Date: 08-24-2003, 09:04 AM
Parent: #8

الشاعر محمد عبد الحى شاعر تجريبى
ولقد كتب الشعر بأنواعه
من القصيدة العامودية الى قصيدة النثر
و استخدم اساليب متعددة
وكنت قد افردت فصلا كاملا عن الشكل الشعرى عنده سأدرجه هنا لتعميم الفائدة بصورة منهجية





ويحتوي على:
1 ـ اللغة الشعرية
2 ـ الصياغة الشعرية والموسيقى
قد قسمت الشكل إلى اللغة والصياغة الشعرية والموسيقى وقد يقسم إلى أكثر من ذلك كما فعل الناقد محمد حمود عندما قسم شكل القصيدة الحديثة إلى الصورة والظاهرة الرمزية والأسطورة واللغة. ولكنني قسمتها إلى هذا التقسيم لأنني أرى أن أهم ما في شكل القصيدة الحديثة بنوعيها المرسلة الحرة والنثرية. اللغة الشعرية والصياغة الشعرية والموسيقى.

أولاً ـ اللغة الشعرية:
إن اللغة هي الأداة التي يطوعها الأديب ليحملها أفكاره. إذن اللغة هي بمثابة الوعاء الذي يحمل أفكار ذلك الأديب. فلكل أديب قاموسه الخاص الذي يستخدمه، ويعرف به. فإذا كان أديباً متفرداً، أتت لغته مميزة، دالة عليه، وبذلك يتميز بلغته الخاصة، وهذا قمة ما يسمو إليه أي أديب.
والشاعر عبد الحي اخترع لغة خاصة به، لغة مدهشة وعجائبية تلفت النظر في شعره وتأسرك بسحرها الذي لا يمكن الفكاك منه، فهي لغة منعتقة من ربقة التقليد والتكرار، ونجد أن عبد الحي قد كوّن قاموسه الخاص فأتت لغته رنانة، وعالية
تحمل أفكاره بصورة منظمة ليست فيها اختلال ولا زيادة ولا نقصان.
فلا غرو فمحمد عبد الحي قد تحدث عن اللغة الشعرية بعامة كثيراً واهتم بها كثيراً. وعن لغته الشعرية بخاصة نجده يتحدث عنها في كثير من المقابلات قائلاً:
"أبحث في اللغة العربية، وأنحتها (على حسب مقدرتي) وأبرزها قصيدة، الشعر لغة، لا خطرات نفسية أو آهات غرامية، فمن يكبح جوهر اللغة يكبح الشعر فجوهر اللغة - وهي جوهر الشعر - وحي من اللَّه".
فاللغة الشعرية عند محمد عبد الحي مختلفة عن اللغة القاموسية وأيضاً تختلف عن اللغة العامية، وفي هذا يقول:
"فالشاعر يطمح في أن يكتب شعراً لا يعبر عن شيء، ولا يتأمل في موضوع، وتتفجر فيه أكثر وأكثر القيمة المطلقة للكلمة في موسيقاها وشكلها وشخصيتها وتضمحل قيمة الكلمة القاموسية، شعراً، وإنشاء، ونظماً أو لونا خاصاً به تكتسب فيه الكلمات دلالاتها من علاقتها داخلة يفسر بعضه بعضاً ولا يفسر بالارتداد إلى أي نظام لغوي أو غير لغوي مثل اجتماعي وسياسي وديني خارجه".
كما أن اللغة لا يمكن أن تتحول إلى غاية، وحتى يكتمل الفرض يجب أن يصاحب اللغة هذه وعي واستيعاب، وألا تكون مجرد زخرف قد يعني شيئاً أو لا يعني شيئاً، وبهذا التزم شاعرنا عبد الحي. فاللغة عنده لديها هدف واضح وجدوى لنقل إحساسه ووعيه بالأشياء.
"وعبد الحي لا يفعل في شعره زخرفة أسلوبية بل تكون هناك علاقة بين الشكل واللون الفني المستعاد ومضمون موضوع صورته الشعرية".
ومن ثم فإن عبد الحي لديه فهم خاص للغة ووظيفتها المحدودة، فاللغة بالنسبة له كالسحر، الذي يخفى شيء ويظهر شيئاً آخر، فهي لغة تنقل مفاهيم عليا فقد كان الشاعر يردد دائماً "أن الشعر جحيمي أكابده باللغة"، وفي هذا يقول كاتب:
"عبد الحي لديه فهم لوظيفة اللغة فاللغة عنده لها وظيفة السحر".
ولكن إذا كانت اللغة بالنسبة له "كالسحر" هل هي سحر فقط؟!
أم أن هناك تداعيات لهذا السحر، وهنا يقول أحد المهتمين بأعمال محمد عبد الحي:
"إن اللغة "السحر" عند محمد عبد الحي سحراً ساكناً، بل هي حركة للتوتر بين اللغة القديمة والجديدة، اللغة السحرية واللغة التي تعبر عن واقع الحياة اليومية للناس".
كما أن محمد عبد الحي نفسه يؤكد ن المفردة يجب أن تكون دالة على المضمون ولكن يجب أن نضع في اعتبارنا أنها لا يمكن أن تخلق الواقع وفي هذا يقول:
"إن المفردة في حد ذاتها شكل جميل ذو مدلول لا يتم إلا عبر سياق".
ومن ثم إن اللغة هي شيء في واقعنا وهي تتكون من مفردات غير متناهية، وأحياناً قد تعجز عن نقل ما في دواخلنا. ولكن الشاعر المميز هو الذي يعيد كشف هذه اللغة وتجليتها ليحملها أفكاره ورؤاه الخاصة. ولقد كان محمد عبد الحي في حالة كشف ذاتي للغة ليكون قاموسه الخاص. ولعل أبلغ ما قيل عنه في
هذا الشأن قول أحد الشعراء:
"لقد صرح لي ذات مرة بأنه يبحث عن لغة خاصة، لغة تنظر إلى واقع هذا القطر الفسيح، القارة المتنوع المناخات الجغرافية، لغة تشتمل البحر والاستواء والبرق والفهد والزرافة. والجبل والنار والشلال، والجيشان، والعنف، التصوف، والانقطاع، والحلول والسياحة في ملكوت (للَّه) وقيومية الدين والطوطم والوثن .. الخ .. الخ".
وفي عرضنا لبعض نماذج من شعره تظهر لنا غرابة لغته وتفردها كما تظهر إمكانياته الشعرية العالية يقول:
زرافة النار ترعى النعنع القمري
يعلو ويرتفع في اللازورد
صحراؤك احترقت عنادلها
هل ظنتها رحم الأبدية
فالأصداف في الماء مرايا
اقرعي في عتمة الصمت المدوي
يكتنزها بين سقوف القمر الزمردي تحت ماء وجهه الجميل
أقاليمك المسحرات قلب السمندل ما ذال في لغة
آه يا ضحك الشمس الخرافي على خوف الجماهير الحزينة
اللغة الأقدم من مجادلات النصر والهزيمة
حين تعري الأرض فرجها اللَّهيبي
يتلوى ويغيب عبر أمواج السديم
أواه: أيتها الدروب التي تصل المنفى بالوطن
أواه: هل لي بقدرة شاعر أصف بها كل ذلك العذاب
الوردة الإلهية تتفتح في رحم العذراء

النماذج السابقة هي مختارات رأيت فيها بعض الاستخدام للغة بصور خلاقة وساحرة وأردت بها فقط أن أبرز نموذج اللغة عند محمد عبد الحي وسنحلل نماذج شعرية له بصورة نقدية في الفصل الثاني والثالث ولذا وجب التنويه.

الصياغة الشعرية وموسيقى الشعر:
صاغ محمد عبد الحي شعره على ثلاثة أنواع:
1 ـ القصيدة الحرة
2 ـ القصيدة النثرية
3 ـ القصيدة الموزونة
وتتراوح أطوال هذه القصائد من قصيدة إلى أخرى. فنجده قد كتب قصائد مطولة مثل العودة إلى سنار التي تقع في خمسة أناشيد. وقد يتجاوز النشيد الواحد المائة بيت. كما نرى قصيدة أقل من سابقتها طولاً مثل قصيدة "الشيخ إسماعيل صاحب الربابة" وللشاعر مقطوعات قصيرة تسمى بالقصيدة الومضية لا تتجاوز الأربعة شطرات لتكتمل فيها صورة أو فكرة وهذا نموذج للقصيدة الومضية يتحدث فيه عن الموت.
نواقيس الرياح الأربعة
اقرعي من عتمة الصمت المدوي
يا نواقيس الرياح الأربعة
على ذاك الميت يصحو ويغني
تحت شمس مبدعة

أولاً ـ القصيدة الحرة:
المتأمل لشعر محمد عبد الحي يكتشف أن غالبية قصائده، كتبها على أوزان الشعر الحر أو شعر التفعيلة، لا تحكمه قافية وإنما تحكمه الموسيقى الداخلية، الناجمة عن التفعيلات، ونقول عن شعره:
"أن إيقاع الجملة وعلائق الأصوات والمعاني والصور وطاقة الكلام الإيمائية والذيول التي تجرها الإيماءات وراءها من الأصداء المتلونة المتعددة هذه كلها موسيقى وهي مستقلة عن موسيقى الشكل المنظوم وقد توجد فيه وقد توجد دونه".
كما أن شعر محمد عبد الحي الحر يمتاز بتقنية عالية حيث استخدم فيه كل الأدوات الشعرية مثل:
1 ـ المنلوج
2 ـ الحوار
3 ـ الإضاءات النثرية
4 ـ التكرار
5 ـ علامات الترقيم
6 ـ التضمين للأساطير والحكايات الشعبية والشعر الشعبي
كل هذه الأدوات والتقنيات الشعرية استخدمها ليكثف الرمز واللغة، وكذلك بالإضافة إلى ما ذكرنا آنفاً نجد تعدد مستوى الخطاب عنده فنجد أحياناً الأنا تتحول إلى نحن وكما أحياناً يستخدم الخطاب المباشر.

1 ـ نموذج المنلوج:
وهو أن يسترسل في حديث مع نفسه وهو عكس "الدايلوج" أو الحوار الذي يشترك فيه شخص مع آخرين.
في القفز وحدي تحت شمس "مروى" اقرأ في حطام أحجارها السوداء والرخام
أنصت للعصفور
بين بساتين النخيل والرمال الصخور
مغنياً عبر العصور
المس بالكف جبين صاحبي وملكي
أمر بالأصبع فوق ثنية الحاجب والعيون والشفاة
ليس لنا سوى القبول
ليس لنا سوى القبول
2 ـ نموذج الحوار:
وهي بين شخصين أو بين شخص وأكثر من شخوص وهو عكس "المنلوج" الذي فيه صوت واحد مع النفس.
من ذلك الراقص فوق المجزرة
يقلق أمن المقبرة؟
أقاتل أجير؟
أم هارب قد جاء يستجير
أنا السمندل
يعرفني الغابر والحاضر والمستقبل
مغنياً مستعزا صبين مغاني العلم المندثرة
وزهرة داهية في بطن أنثى في الدجى منتظرة

3 ـ نموذج الإضاءات النثرية:
وهي قطعة نثرية مكتوبة بلغة شاعرية. تقوم بتسليط الضوء على النص الشعري وكشفه. ويري بعض النقاد مثل نازك الملائكة أن استخدامها يسيء للشعر أكثر مما يفيده. ولكن غالبية شعراء الحداثة يستخدمون هذه الإضاءات:
الملكة جانشاه! كنت أبصرها تخرج ليلة منتصف الصيف تقيم عرشها على جذر المرجان النائية تحرق قطعة من شجر البحر في مجمرة من محار البحر وتتحكم بثغره القديم فيطلع الدخان الأخضر العظيم، ويزبد البحر ويضطرب، ثم يجيء الموج يرفع ما تحته ويسيح على الساحل:
ثعابين الماء والكواسيج والدلافين والحيتان والسرطانات، وكرارنك وذوات الأصداف والغلوس وعلى رأسها الضفدع، زعيم حيوان الماء، راكب خشبة
الملك السمندل في قميص النار يشع بالنقاء ذاته والنورس الملاك، وعائلة الأسماك وجمهور الزواحف الرخوة وحشرات في عقيقها وزمردها سلاحف، تروسها المقيتة، وعناصر بلا أسماء نشر ذخائرها فوق الرمل
وتبدأ الرقصة في ظهيرة الفضة العميقة على حدود المياه الخطرة
آه يا جانشاه! بعض المخاطرة على جسدك نجاه، ولكن من هلك على نيران الموج الهائلة بين فخذيك الممتلئين بظلال الشهوة الكثيفة صار لما هلك فيه.

4 ـ نموذج التكرار:
وهو أن نكرر مفردة وحيدة أو مفردة في بيت نقصد به تكثيف المعنى أو للصورة الذهنية المراد طرحها أو للقافية والموسيقى وقد تكون هناك أسباب أخرى.
وهنا نورد نموذجين واحد لمفردة واحدة والثاني لمفردة متبعة بجملة شعرية من قصيدة التنين:
وسرى في الصمت شيء كالغناء
بعضهم قال: علامه!
"النهاية … النهاية … النهاية
البداية … البداية … البداية

من قصيدة الشيخ إسماعيل في منازل القمر:
"اسقني" ويغيب وجهه في السراب
اسقني وتجره سلسلة طولها سبعون ذراعا
اسقني لا تمطر السحب سوى نار السراب
5 ـ علامات الترقيم:
وهي علامات تضع في الكتابة لتفيد الوقف حيناً والتعجب والتأهب وهكذا ، - . - ؟ - !-:
هم ما رأوا غير السقوط:
هنا سقوط
أو هناك،
وكان بالأمس السقوط
وفي غدٍ حتما يكون:
ورأيت سوى توهج حرمة التفاحة الأولى
وقد رجعت إلى بيت الغصون المزهرة.

6 ـ نموذج التضمين للأساطير والحكايات الشعبية والشعر الشعبي:
وهي استخدام التراث الأسطوري والشعبي لإبراز صورة ما تم استلهامها للتعبير بالتراث عن قضية معاصرة. وقد أكثر شاعرنا من هذا التضمين فقصيدة العودة إلى سنار والشيخ إسماعيل صاحب الرابة عبارة عن تضمينات تراثية قديمة لطرح مفاهيم وأفكار الشاعر العصرية:
الفرس البيضاء
الفرس البيضاء
تميس في الحرحر والأجراس
على حصى الينبوع يستفيق طفل الماء
ويفتح الحراس
أبواب "سنار" لكي يدخل موكب الغناء
تضمين الشعر الشعبي
"الشم خوخت بردن ليالي الحرة"*
الرمل يرسب من قرارة بحبة الخمرة
نوع وأوراق ميبسة
تخشخش حين دفعها الهواء،
وقطرة في إثر قطرة
الضو يفرغ
والنهار يفوتني
والليل حتماً سوف يقضي في أمره

ثانياً ـ قصيدة النثر:
قصيدة النثر ترجمة حرفية لمصطلح غربي هو “Poemen Prose” تكتب كما يكتب النثر تماماً، التي هي في تقدم مستمر وجدت بالتحديد، في كتابات رامبو النثرية الطافحة بالشعر كموسم في الجحيم، إشراقات، ولها أصول عميقة في الآداب كلها لا سيما الديني منها والصوفي.
لقد عالج محمد عبد الحي هذا النمط من الكتابة الشعرية، ونجد أن هذا النمط من الشعر النثري، لم يعالجه الشعراء في السودان، لأن هذا النمط من الشعر ينظر إليه بدونيه، ولكن هذا الضرب من الشعر لا يقدر عليه إلا شاعر ذو مقدرة عالية في الكتابة إذا أنه لا تحكمه تفعيلة لتجعل له موسيقى شعرية بل موسيقاه تأتي من فكرته.
وتحارب الشاعرة نازك الملائكة هذا النوع من الشعر ولا تعده شعراً على الرغم من أنها أول من كتب قصيدة بالشعر الحر.
"ما نكاد نلفظ كلمة الشعر حتى ترن في ذاكرة البشرية موسيقى الأوزان، وقرقعة التفعيلات ورنين القوافي واليوم جاءوا في عالمنا العربي ليلعبوا لا بالشعر وحسب وإنما باللغة أيضاً وبالفكر الإنساني نفسه. ومنذ اليوم ينبغي لنا، على رأيهم، أن نسمي النثر شعراً والليل نهاراً لمجرد هوى طارئ وقلوب بعض أبناء الجيل الحائرين الذي لا يعرفون ما يفعلون بأنفسهم".
وكذلك نجد الكاتب صبري حافظ يرى نفس هذا الرأي قائلاً:
"حركة قصيدة النثر التي تنقض بمعاولها على كل أساسيات الشعر وتخرج تماماً عن نطاقه".
ويقف في طرف النقيض كثير من الأدباء الذين تبنوا هذا الضرب من الشعر ونظروا له ونكتفي برأيي يوسف الخال وأدونيس الذين هما من الرواد الأوائل في هذا النمط من الشعر وهو يقول في الرد على نازك وآخرين:
"إذا كانت الدعوة إلى قصيدة النثر دعوة (ركيكة فارغة من المعنى) كما تقول نازك الملائكة فكل ما كتبه شعراء كبار كلوتر يامون وبودلير ورامبو وفلوديل وهنري وأرنو وسان جون بيري (الفائز بجائزة نوبل) ورينه شار وموتوفوا من نوابغ الشعراء المعاصرين كل ما كتبه هؤلاء من قصائد نثر هو فن ركيك فارغ من المعنى!".
وبالمقابل يذكر أدونيس (على أحمد سعيد):
"إنه من غير الجائز أن يكون التميز بين الشعر والنثر خاضعة لمعيارية الوزن
والقافية، فمثل هذا التميز كمي لا نوعي، كذلك ليس الفرق بين الشعر والنثر فرق في الدرجة بل فرق في الطبيعة".
ومن ثم نرى ولوج محمد عبد الحي لهذا الضرب من ضروب الشعر، ينم على انفتاحه على العالم، وإيمانه بأن الأدب هو إرث إنساني، لا وطن له، وهو يرفض الانغلاق وبذلك نعتبره الرائد الأول في كتابة القصيدة النثرية في السودان، وهو كان قد كتب قصيدته الطويلة بعنوان: "حياة وموت الشيخ إسماعيل صاحب الربابة" في قالب القصيدة النثرية.
ونجد أن الشاعر نفسه ـ وهو مولع بشرح شعره بعمل إضاءات وحواشي ـ لم يشرح مسوقات استخدامه لهذا الضرب من الشعر في هذه القصيدة بعينها، ولكن الشاعر مصطفى سند يحاول أن يوضح لنا أسباب استخدام محمد عبد الحي لقصيدة النثر في قصيدة إسماعيل صاحب الربابة قائلاً:
"نجد أنه ولسبب لم يفصح عنه حتى الآن صاغ ملحمته عن الشاعر الأسطوري الشيخ إسماعيل صاحب الربابة صياغة تخلو من الإيقاع الشعري ومن الأوزان والقوافي".
ثم أضاف سند بعد أن أثنى على لغة الشاعر الجميلة ومقدرته الشعرية الغالية التي تتجلى في مطولته (العودة إلى سنار) أن الشاعر لا يخلو من موهبة شعرية وفي ذلك قال سند:
"في اعتقادي الخاص أن عبد الحي أراد أن يحول تجربة الشيخ إسماعيل صاحب الربابة إلى عدم تماماً أول الأمر فجردها من الأوزان".
ويستدرك متسائلاً:
"ولكن لماذا؟"
ويحاول سند أن يبرز أسباب استخدام هذا الضرب من الشعر فيربط بين إسماعيل صاحب الربابة الحكاية الشعبية السودانية وأرفيوس في الأسطورة الإغريقية، فكلاهما شاعر وكلاهما لديه قيثارة ذات قدرات خارقة، فيقول سند: "هنا يجد عبد الحي نفسه في حل كبير من ربط هذا بذاك غير رباط شعري متين بكل أحماله وأبعاده وإسقاطاته الموجودة في العروض العربي، وهو في ذات الوقت يبحث عن الشمول ويتحدث عن اتصالات الحضارات".
فرأى محمد عبد الحي أنه إذا كتب هذه القصيدة متمسكاً بقوانين الشعر العربي فإنه بتقمصه (محمد عبد الحي) للشاعر إسماعيل صاحب الربابة (الخلاف بينهما واضح) سيحمل الشيخ إسماعيل فوق طاقته وينزعه من عصره.
"إذن فليكن ـ هذا رأي محمد عبد الحي ـ أن تأتي الحكاية شعرية ولكن عبر صياغة خفت عنها قيود الوزن لكي تسهل ترجمتها ـ ولكي تعطي الشخصية ـ إضافة ـ البعد الإنساني المطلق ـ أو العالمي الكبير".
وهذا نموذج لقصيدة النثر:
الشيخ إسماعيل يشهد بدء الخليقة
1 ـ الفهد
وفجأةً رأينا الفهد مسترخياً في ظلمة الأوراق
الخضراء، في الفوضى الجميلة بين الغصون.
النحل يعسل في شقوق الجبل.

والأرنب تستحم على الصخرة في الشمس
وهي تحرك أذنيها مثل شراعين موسيقيين صغيرين.

لم تحلق هذه الصقور باكراً؟

الغابة في سفح الجبل وبين فخذيه أنثى أقدم
من كل الإناث.
نساء الشجر تعرّي نفسها
السماء تدق طبلها الأزرق الجلد
وما زال بريق سيف البرق عالقاً بالهواء الحديد.
والأرض ميثاء وداكنة باللغة الأزلية.

هذا الرحم جدرانه الأمطار، والنباتات المتسلقة.
وثمار الباباي والمنقة الذهبية.

وكتابه القصيدة النثرية لقراء سودانيين، مهما كانت الأسباب لا تقبل بينهم وتخلق عزلة للكاتب إذ أن غالبية السودانيين يرون أن هذا النوع من الشعر يدل على عقم المقدرة الإبداعية لدى الشاعر وأنه فشل في كتابة الشعر المألوف، لذلك لجأ إلى هذه الزخارف اللغوية.

ثالثاً ـ القصيدة الموزونة ذات القافية:
كتب محمد عبد الحي أيضاً بعض القصائد الموزونة التي تلتزم بقوانين الخليل بن أحمد لينقل ويصور بها أفكار حداثية ومن هذه القصائد نورد القصيدة التالية:
سمعت صوتك
سمعت صوتك يا اللَّه يهتف بي
أدرك قصيدك من فوضى تلاحقه
في الليل والبدر تم غير محدود
فالعصر عاهرة سكرى بتجديد


لن تدرك البرق إلا أن تراوده
في النار من بين تطريق وتجويد

ونموذج آخر:
رحيل الطاووس
بكرت سعاد وهجرت طاووساً
والربع كان بوجهها مأنوسا

الآل غرق أهلها دكتائباً
لو يبقى إلا حلية مكسورة
وجه المدينة نخلة منخورة
حملت بدوراً غصنه وشموسا
في الرمل تلمع حبوه وطقوسا
الفأر يولمها ويدعو السوسا

وخلاصة القول أن الشكل عند محمد عبد الحي هو شكل حداثي ومتجدد على حسب أفكاره التي يطرحها.
ونجد أن محمد عبد الحي يعي إشكالية الشكل والمضمون وأنهما لا ينفصلان في القصيدة الحديثة.
والمتأمل لأعمال محمد عبد الحي يرى أنه شاعر تجريبـي وجريء في طرحه الجديد هذا لعله واثق من مقدرته الشعرية، ولكن التجريب سلاح ذو حدين فغرابه وتجريبية شعر محمد عبد الحي في التجربة الشعرية السودانية جعلت شعره محدود الانتشار والتداول.

Post: #11
Title: Re: منتدى السمندل.. سؤال و جواب
Author: Modic
Date: 08-24-2003, 01:46 PM
Parent: #1

العــزيزة د.بيان ..

مــاسر هذه الروح الصوفية في معلقة الاشارات ؟
و هل هذه الروح تعتبر انعكاس لروح الشاعر في الفترة التي كتب فيها القصيدة ؟
و ما سبب اختلاف هذه القصيدة عن باقي قصائد الراحل من حيث المضمون ؟
و ما الذي يجعل الغموض في قصائد الشاعر الراحل محبب الي النفس حيث يتضح شيئا فشيئا مع التمعن في القصيدة . ؟

كثيف ودي ..

مـــودك

Post: #12
Title: Re: منتدى السمندل.. سؤال و جواب
Author: bayan
Date: 08-24-2003, 02:50 PM
Parent: #11




مُعَلَّـــــقَــــة الإشــــــارات

(قصيدة نبوية فى مقَــام الشّعــر وَ التاريـــخ)



1- إشَــــارَة آدَميَّـــــــة





بِالأسْمَاءْ

نَسْتَدْعى العَالَمَ مِن فَوْضَــاهُ :

البَحرُ. الصّحْرَاءْ.

الحَجَرُ.الرّيحُ.الَماءْ.

الشّجَرُ.النارُ.الأُنْثَى.

والظّلمَةُ. والأضــواءْ.





ويجىءُ اللهُ

مُلتَفّاً بالأسْمَاءِ الحُسْنى – بالأسْمَاءْ.



هَذا مَوْلِدُ رؤيَاه





2- إشــــارة نوحِيّــــة:





أكادُ أنُ أصْرُخَ فى وجه الإلهْ

كيف استَرَحْتَ بَعد أن أَطلقتَ مِن عقالِهِ رُعبَ الميَاهْ

على حُقولٍ نَزَعَتْ بقطراتِ عَرَقِ الجَبينْ

عَبْرَ مَفَازَة السنينْ

شريحةً مِن خُضْرَةٍ من بِين فكَّىْ أسَد الَمحْلِ؟..

: لَماذا يبدأ الَمتاهْ

ثانَيةً ؟ لكنَّنى أقولْ.

وكلُّ شىءٍ مالَ للأُّفولْ :

يا برقُ أبرقْ فى دُجَى غَضَبه لكى تنيرَ هذه القصيَدهْ :

المرْكبَ الحُبلَى بكلَّ ضعْفِنَا وشوقِنَا لأرضِنَا القديِمة الجَديدهْ.



3- إشارَة ابَراهيميّـــــة :



هَل سَيأتى؟

هل سيأتى عبَر ليلِ الكَلامِ؟

عبَر صَمتِ الكَلامِ والوردةِ الكوكَبيّهْ

فى مَركَز الليَّلْ

لامعاً مثلَ صَفحَة السَّيفِ فى لحمِ الظَّلامِ؟





هلْ سَيأتى مَلاكُكَ الآخرُ الليلةَ ؟ إسْمَع!

صَرخةُ الصَّقْر ، والبَشائُر الوَحشيهْ.

رغوة’’ من دماء كَبشٍ ذبيحٍ فى بُروجِ النُّجومْ.

وخيول’’ نورَّية’’ فى الغيومْ

لُغَة’’ فى الرياحِ من لَهَب أخضرٍ عَلى الأشجَارْ

طائرُ الليلِ هارباً يستحيلُ رمَاداً

فىِ مَرايا النَّارْ





4- إشارَة مُوسَويَّة :





الرمَادْ

فى الصباحِ البِكرِ يِلتمُّ ويعلُو

شجراً أخضرَ فى النور النَّقىْ

ثمراً أحمرَ فى الغُصْنِ النَّدى

طَائراً أبيضَ ، ينبوعاً سَخىْ





كلُّ شىءْ

حُلُم’’ يخبر’ عن أرَضِ الَمعَادْ





5- إشارَة عيسَوية :





هذا رنينُ قدمَ الفجر عَلى التّلال وَالأشجارْ

يخبرُ كَيفَ مرَّت الرِّياحُ علَى القيثارْ

واعتنقَ الملاكُ والعذراءْ

تحتَ سُقوف النّارْ

وضَجَّةِ الشارعِ والغبَارْ –

وافْتَرقا

إلى سما ئِهِ ، وَهىَ إلى جَسَدِهَا المقهُورْ

وبَدَأتْ أغنيةُ الدمِ التى تُضِىءُ فى حنجرِة العُصْفورْ





6- إشارَة محَمَّديَّـــة :





فَاجَأتْنا الحَديقةْ

فاجأتْنَا الحَديقةُ انعقَدتْ وَرْداً ونَاراً فىِ قلبِهَا الأضْواءُ

والخيولُ النُّوريُّة البيضَاءُ

والطّواويسُ نَشَّرتْ فى بِلاد الصَّحوِ ريشاً مُنَسَّجاً

كلُّ شىء فى غصونِ الحقيقَةْ

آسُ نارٍ ، وموجَة’’ فى بِحَارٍ عَميقةْ

منْ لهيبٍ ومن جَمَالٍ ويُمْنٍ

يَسقط’ الطّيْرُ قبْلَ أن يُدرِكَ السَّاحِلَ مِنهَا

مُستَقبلاً فى ابتهاجٍ حَرِيقَهْ.

فاجَأتنا الحَديقة’ الزّهْراءُ

أشرقَتْ فى مَركَزِها القُبّةُ الخَضْراءُ

وتوالَتْ بُشرىَ الهوَاتفِ أنْ قَدْ وُلِدَ المصطَفى وَحقَّ الهَنَاءُ ،

واَكتَسَتْ بالنُّورِ الجَديدِ من الشمسِ ابتهاجاً وغنَّتْ الأسْمَاءُ.





7- إشـــَارَة





شَمْس’’ مِنَ العُشْبِ ووَرْقَاوانْ

تُغَنِّيانْ

قبلَ بداية الزَّمانْ

بَعْدَ نهَايةِ الزَّمانْ

تَحْتَرِقَانْ

عَلى فُروعِ البَانْ.


Post: #13
Title: Re: منتدى السمندل.. سؤال و جواب
Author: bayan
Date: 08-24-2003, 03:04 PM
Parent: #11

:الابن مودك
سلامات
شكرا للاطلالة
هذه مقتطفات من الفصل الاول فى رسالتى

اتمنى ان تكون به اجابات كافية عن الروح الصوفية فى شعر السمندل

درس عبد الحي الرومانتيكية وأعجب بـ"التيجاني يوسف بشير" ولكنه وجد أنها حركة انغلاق على النفس لأنها حركة ذاتية، ثم اتجه إلى الصوفية التي يرى أنها انفتاح على الكون والوجود والإنسان، وقد كانت هذه المسحة الصوفية غالبة على جل شعره:



يرى محمد عبد الحي أن الثابت في الإنسان هو وجود العنصر الديني المتأصل
في النفس البشرية ونراه دائماً يؤكد على ذلك في كثير من أشعاره



أصولي الفكرية في كتاب الفتوح المكية لشيخي محي الدين ابن عربي وفي رسائل إخوان الصفاء لا في الشعر الإنجليزي".
وفي الختام فإن المتتبع لأعماله يرى هذه المسحة الصوفية المميزة، والعمق الديني يتجلى في غالبية شعره ولكنه مثقف درس في الغرب واطلع على الآداب الأجنبية الأخرى نجده يتحدث عن رموز عالمية مثل: لير وأوديب ليحقق بذلك أن الأدب لا وطن له ولكنه نتاج إنساني جمعي.



ولكن المتتبع لكتابات الشاعر الإبداعية لا يجد فيها أي نزوع مادي في أعماله بل نزعة صوفية إيمانية عميقة (معلقة الإشارات - اللَّه في زمن العنف - العودة إلى سنار) كما ندلل على ذلك بقوله هو نفسه:
"كشاعر أعتقد أني أختلف عن شعراء العصر في السودان - وفي العالم العربي - بإيماني العميق بهذا الجوهر الديني للوجود الإنساني وبإيماني الأعمق منه بأن هذا الجوهر بلغ أقصى نقائه وجماله الشكلي في الإسلام وهذا الإيمان إيمان خلق لا تحجر".

والمعروف عنه انه صار متدينا جدا بعد مرضه


اما عن الغموض فأنا ارى ان الغموض عنده وغرابة الشكل الشعرى جعلت ادبه محدود الانتشاروالتداول

والمتأمل لأعمال محمد عبد الحي يرى أنه شاعر تجريبـي وجريء في طرحه الجديد هذا لعله واثق من مقدرته الشعرية، ولكن التجريب سلاح ذو حدين فغرابه وتجريبية شعر محمد عبد الحي في التجربة الشعرية السودانية جعلت شعره محدود الانتشار والتداول.


Post: #14
Title: Re: منتدى السمندل.. سؤال و جواب
Author: Modic
Date: 08-24-2003, 04:12 PM
Parent: #13

العزيزه د.بيان ..
أوفيتي تماما .. هذا هو ما كنت أبحث عنه بالضبط ..
لي عودة و مزيد من النقاش ..
كثيف الود ..

مـــودك

Post: #15
Title: Re: منتدى السمندل.. سؤال و جواب
Author: فتحي الصديق
Date: 08-25-2003, 04:49 AM
Parent: #1

العزيزة الدكتورة نجاة
لك التحية والود
جزيل الشكر ارسله لك على ما تقومين به من جهد لابراز كتابات شاعرنا المرحوم الدكتور محمد عبدالحي.. واود ان اطرح عليك استفسارا وهو هل هنالك دراسات مطبوعة عن شعر الدكتور المرحوم محمد عبد الحي وكتاباته النقدية؟

Post: #16
Title: Re: منتدى السمندل.. سؤال و جواب
Author: bayan
Date: 08-25-2003, 05:15 AM
Parent: #15

شكرا فتحى

هناك كتاب كتبه صديق الشاعر و صديقى واخى الاستاذ مجذوب عيدروس
وهناك كتيب صغير به مراثى محمد عبدالحى
وقع فىيدى اثناء تصفحى لبعد الارفف
فى مكتبتنا ولكن لآ يحضرنى أسم كاتبه
ولم اجده مرة اخرى فى المكتبة لاننى لم اتذكر عنوان الكتاب او كاتبه
لكن سمعت به ولم احصل عليه بعد
وهناك بحث ماجستير
قدم الى جامعة افريقيا عن الصورة الدرامية فى العودة الى سنار
سمعت به فقط ولم اراه ووعدت بانه سيرسل لنا حتى نضمنه الموقع الالكتروينى حتى يسهل الامر للباحثين
وبحثى هذا الذى عندما تخرجت فى 2000
كنت انوى نشره
ولقد نوهت للاخ صلاح الباشا الذى قام بعمل اضواء له بانى ابحث
عن ناشر
ولكن للاسف الى الان لم اجد دار ناشرة وهذه مشكلة السودان وكتابه


Post: #17
Title: Re: منتدى السمندل.. سؤال و جواب
Author: فتحي الصديق
Date: 08-25-2003, 05:31 AM
Parent: #1

دكتورة نجاة
لك التحية مرة اخرى
هل سبق وان اتصلت بدار عزة للنشر والتوزيع بالخرطوم؟..اعلم ان القائم على امر هذه الدار رجل محب للادب والادباء..غدا انشاء الله ستجدين عنوانه الاكتروني ورقم تلفونه هنا..
شكرا دكتورة نجاة

Post: #18
Title: Re: منتدى السمندل.. سؤال و جواب
Author: sentimental
Date: 08-26-2003, 08:54 AM
Parent: #1

.

Post: #19
Title: Re: منتدى السمندل.. سؤال و جواب
Author: bayan
Date: 08-27-2003, 02:49 PM
Parent: #18

*

Post: #20
Title: Re: منتدى السمندل.. سؤال و جواب
Author: bayan
Date: 08-28-2003, 11:33 AM
Parent: #1

*

Post: #21
Title: Re: منتدى السمندل.. سؤال و جواب
Author: فتحي الصديق
Date: 08-28-2003, 11:43 AM
Parent: #20

العزيزة الدكتورة
لك السلام والود
تجدين ادناه عنوان دار عزة للطباعة والنشر والتوزيع بالخرطوم. وكل املي ان تجدي لديهم مبتغاك.. ومتاسف جدا على التاخير...
دار عزة للنشر والتوزيع
[email protected]
الخرطوم جنوب وزارة الصحة
هاتف0024911797084
فاكس:0024911787200
ص.ب12909

Post: #22
Title: Re: منتدى السمندل.. سؤال و جواب
Author: الجندرية
Date: 09-20-2003, 12:43 PM
Parent: #1

فوق

Post: #23
Title: Re: منتدى السمندل.. سؤال و جواب
Author: ابو جهينة
Date: 09-20-2003, 02:29 PM
Parent: #22

دكتورة بيان
تحياتي
سياحة سريعة في حياة هذا الغائب الحاضر ، تجعلني أتساءل :
هل بالإمكان تسجيل أعماله الشعرية في سي ديز بصوت جميل ؟
فبعض المسموع أقوى هذه الأيام تأثيرا على النفس و خاصة عند جيل الشباب الذي لا يقرأ
تسلمي

Post: #24
Title: Re: منتدى السمندل.. سؤال و جواب
Author: فتحي الصديق
Date: 12-13-2003, 08:25 PM
Parent: #1

*