القاص المصري الساخر محمد مستجاب يودع العالم ضاحكا صاخبا كعادته..

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-20-2024, 04:36 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة عبد الحميد البرنس(عبد الحميد البرنس)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
07-04-2005, 12:04 PM

NAZIM IBRAHIM ALI
<aNAZIM IBRAHIM ALI
تاريخ التسجيل: 05-21-2004
مجموع المشاركات: 594

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: القاص المصري الساخر محمد مستجاب يودع العالم ضاحكا صاخبا كعادته.. (Re: عبد الحميد البرنس)










    الرئيس المذعور -


    العدد 1504 الإثنين 4 يوليو 2005 آخر تحديث GMT 5:30:00 PM

    بحث متقدم















    إيلاف>> ثقافات>> عالم الأدب

    العم مستجاب ينسج أسطورته الأخيرة في القبر
    GMT 18:00:00 2005 الإثنين 27 يونيو
    نبيل شرف الدين



    --------------------------------------------------------------------------------


    لم يمت .. لعله اختفى في مغامرة جديدة.. حتى لو كان اسمها "الموت"، فهذا الرجل الاستثنائي، قادر على ارتكاب الحماقات حتى النزع الأخير، لكن ما حدث ـ على الأقل رسمياً ـ أنه.. مات، وكما يموت الناس.. مات..
    ولو قيض للعم محمد مستجاب أن يشاهد جنازته التي شيعت اليوم الأحد بهدوء يليق برجل طالما كان يكره الصخب والضجيج، لملأ الكون سخرية من المشيعين، ومن نفسه، ومن مشهد القبر المتواضع الذي ضم رفاته المنهك بمتاعب القلب والكبد والرئتين، إذ أن الروائي والقاص وكاتب المقالة الذي يراه كثيرون من عشاق أدبه وحتى الغيورين منه، كان آخر سلالة الساخرين العظام، وقد وافته المنية ليلة أمس عن عمر لا يتجاوز 67 عاماً، بعد أن أمضى عدة أيام في الرعاية المركزة بمستشفى قصر العيني بالقاهرة، وحين كان يفيق من الغيبوبة يطلق تعليقاته الساخرة الحريفة، ليعود إلى مواجهة الموت بسخرية خالية تماماً من الادعاء، كونها جزءاً أصيلاً من مكوناته الإنسانية والثقافية، التي تمتد كالنيل تدفقاً وحكمة وعطاء .
    ومنذ ظهور مستجاب على الساحة الثقافية في مصر، كحالة استثنائية، خلق عالمه الخاص الذي يتداخل فيه الواقع بالخيال، ويوظف الأساطير الشعبية وحكايات الجدات، وانشغل بصياغة أساطيره الخاصة، أساطير مستجاب ذي الألف وجه ووجه، المسكون بالمتناقضات، وخاصة بعد أن وقع في غواية "آل مستجاب" ففرضهم على معظم شخوص رواياته وقصصه، وراح يحاول بإصرار بناء أعماله استنادا إلى الوجوه المتناقضة لعالم مستجاب، فهو تارة الحكيم الزاهد في كل شئ عدا مصاحبة الغربان والحدادي والثعالب والكلاب الضالة، وهو في وجه آخر رجل العصابات الريفي المتربص بالثروة الذي يخطط للعثور على الكنز الدفين، فيصطحب قصاصي الأثر حتى لا تلتهمه دروب الصحراء، ثم هو مستجاب الأحمق الجشع الذي يسعى إلى التخلص من كل رفاقه واحدا تلو الآخر للانفراد بالحياة، لكن يفاجأ في النهاية بعد أن عاين مصيره المحتوم مع "اللهو الخفي" أن كل الحماقات جديرة بالارتكاب . والفقيد من أبرز أدباء جيل الستينيات واشتهر بالكتابة الساخرة، وله تقنية فريدة في السرد والحكي، واتسمت كتاباته بنكهة خاصة سواء في اهتمامه بالتفاصيل اليومية وشخوص ريف الصعيد المصري، وضفائر الأساطير بالواقع، وطالما ردد أن أكبر أزمة تواجه مصر الآن هي "أزمة خيال" .

    اللص الضال
    لاشك أن العم مستجاب كان سيغضب مني جداً لو قرأ في تقرير نعيه سيرة ذاتية على الطريقة المدرسية القائلة إنه ولد في عام كذا، ونشأ وترعرع في أحضان الصعيد، ولا أستبعد أنه كان سيقذفني بـ "السبرتاية" التي يصنع بها قهوته بنفسه، ويصفني بحزمة من أبشع الصفات وأبسطها أنني "تافه"، ومن منتجات عالم مابعد الحادي عشر من أيلول، وكان سيحيلني إلى واحدة من تجلياته، وما أكثرها، خاصة حين كنا نلتقي بالجلاليب الصعيدية ونمارس الصعلكة كأب شرير وابن فاسد، كثيراً ما أبدى الندم لأنه لم يطاوع نداء فطرته ليصبح "لصاً"، بدلاً من أن ينحرف ويفرض على نفسه امتهان الأدب .
    كثيراً ما قال لي : كنت حتى سن العشرين مهيأ لأن أكون لصا، خاصة وأنني سليل عائلة أفرزت عدداً كافياً من اللصوص، لكن في العائلة أناساً مثاليين، وهذا يؤذيهم جدا، يقولون (يا عم تقول على أهلك حرامية)، بالطبع أنا لم أقل هكذا، فشتانبيك عمل مهرباً للحشيش على الحدود الكندية الأميركية في ولاية ميسوري، وهمنغواي كانت حياته سلسلة مغامرات محفوفة بالخطر، وكتاب آخرون كبار خرجوا من أبراجهم العاجية المصورة كتابياً وليس لها في الحقيقة موضع وكتبوا حياتهم، فوكنر مثلاً لم يصف حياته أو غيره، إنما كانت حياته سلبية جدا، مجرد شخص يجلس في بيته في الجنوب الأميركي لا نعرف عن حياته شيئاً أو على الأقل الكتب التي لديّ عن حياته تأخذ حياته من الخارج"، هكذا كان يفضل العم مستجاب أن يروي حكايته الشخصية.
    لكن، سأنتهز فرصة موته، وأتصرف على طريقة الأبناء الأشرار، لأكتب على الطريقة المدرسية متذرعاً بحجة أن هذا "لمن لم يسعدهم زمنهم بمعرفته"، قائلاً إنه تلقى تعليما متوسطا في بلدته "ديروط الشريف" في صعيد مصر، وعانى خلال تلك الفترة من صعوبات معيشية لا حصر لها، فامتهن بعض المهن البعيدة عن مجال الكتابة، وفي تموز (يوليو) من العام 1964 عمل موظفاً في بناء السد العالي وكان حينئذ يمارس الكتابة كهاو، في باب "اعترفوا لي"، الذي كان يحرره مصطفي محمود في مجلة (صباح الخير)، وفي آب (أغسطس) من العام 1969، أرسل أولى قصصه إلى مجلة (الهلال) بعنوان "الوصية الحادية عشر"، فنشرتها على الفور، وكان ذلك بداية التحول في حياته، وتوالت أعماله الأدبية في الظهور.
    عين مستجاب عضوا بمجمع اللغة العربية بالقاهرة منذ آذار (مارس) عام 1970، وترقى في المناصب إلى أن وصل إلى وظيفة رئيس إدارة بالمجمع، حتى أحيل على التقاعد، وعمل كاتبا في عدد من الصحف المصرية والعربية منها مجلة (العربي) الكويتية، و(الأسبوع) المصرية، ونشرت له أكثر من سبعين قصة بين عامي 1969 وحتى رحيله، ترجم بعضها إلى الهولندية واليابانية والفرنسية .
    ......
    ذات مرة سألته: لو فكرنا في إصدار صحيفة حمقاء، فبمن يمكن أن نستعين من الكتاب؟
    أطرق قليلاً،وأمطرني بعشرات الشتائم الحميمة، قبل أن يقول: "نذهب إلى المقابر"، وفعلها عم مستجاب القابض على موهبة وخيال وتجارب عميقة، المفعم بأساطير البسطاء، الحكّاء المستبد بمستمعيه، وتركني أسير عشرات الأسئلة "الكونية" دون جواب:
    لماذا ينطفئ المصباح قبل أن ينفض السامر؟
    هل هو المناخ السائد الكفيل بإطفاء أي توهج، أم هو النقد المتواطئ لصناعة نجوم من البلاستيك؟
    الحقيقة الوحيدة في النهاية أنني شخصياً سأفتقد كثيراً العم مستجاب، صانع البهجة والأساطير واللص النبيل، الذي ضل طريقه إلى السرد والسخرية .

    [email protected]





















    الرئيس المذعور -


    العدد 1504 الإثنين 4 يوليو 2005 آخر تحديث GMT 5:30:00 PM

    بحث متقدم















    إيلاف>> ثقافات>> عالم الأدب

    العم مستجاب ينسج أسطورته الأخيرة في القبر
    GMT 18:00:00 2005 الإثنين 27 يونيو
    نبيل شرف الدين



    --------------------------------------------------------------------------------


    لم يمت .. لعله اختفى في مغامرة جديدة.. حتى لو كان اسمها "الموت"، فهذا الرجل الاستثنائي، قادر على ارتكاب الحماقات حتى النزع الأخير، لكن ما حدث ـ على الأقل رسمياً ـ أنه.. مات، وكما يموت الناس.. مات..
    ولو قيض للعم محمد مستجاب أن يشاهد جنازته التي شيعت اليوم الأحد بهدوء يليق برجل طالما كان يكره الصخب والضجيج، لملأ الكون سخرية من المشيعين، ومن نفسه، ومن مشهد القبر المتواضع الذي ضم رفاته المنهك بمتاعب القلب والكبد والرئتين، إذ أن الروائي والقاص وكاتب المقالة الذي يراه كثيرون من عشاق أدبه وحتى الغيورين منه، كان آخر سلالة الساخرين العظام، وقد وافته المنية ليلة أمس عن عمر لا يتجاوز 67 عاماً، بعد أن أمضى عدة أيام في الرعاية المركزة بمستشفى قصر العيني بالقاهرة، وحين كان يفيق من الغيبوبة يطلق تعليقاته الساخرة الحريفة، ليعود إلى مواجهة الموت بسخرية خالية تماماً من الادعاء، كونها جزءاً أصيلاً من مكوناته الإنسانية والثقافية، التي تمتد كالنيل تدفقاً وحكمة وعطاء .
    ومنذ ظهور مستجاب على الساحة الثقافية في مصر، كحالة استثنائية، خلق عالمه الخاص الذي يتداخل فيه الواقع بالخيال، ويوظف الأساطير الشعبية وحكايات الجدات، وانشغل بصياغة أساطيره الخاصة، أساطير مستجاب ذي الألف وجه ووجه، المسكون بالمتناقضات، وخاصة بعد أن وقع في غواية "آل مستجاب" ففرضهم على معظم شخوص رواياته وقصصه، وراح يحاول بإصرار بناء أعماله استنادا إلى الوجوه المتناقضة لعالم مستجاب، فهو تارة الحكيم الزاهد في كل شئ عدا مصاحبة الغربان والحدادي والثعالب والكلاب الضالة، وهو في وجه آخر رجل العصابات الريفي المتربص بالثروة الذي يخطط للعثور على الكنز الدفين، فيصطحب قصاصي الأثر حتى لا تلتهمه دروب الصحراء، ثم هو مستجاب الأحمق الجشع الذي يسعى إلى التخلص من كل رفاقه واحدا تلو الآخر للانفراد بالحياة، لكن يفاجأ في النهاية بعد أن عاين مصيره المحتوم مع "اللهو الخفي" أن كل الحماقات جديرة بالارتكاب . والفقيد من أبرز أدباء جيل الستينيات واشتهر بالكتابة الساخرة، وله تقنية فريدة في السرد والحكي، واتسمت كتاباته بنكهة خاصة سواء في اهتمامه بالتفاصيل اليومية وشخوص ريف الصعيد المصري، وضفائر الأساطير بالواقع، وطالما ردد أن أكبر أزمة تواجه مصر الآن هي "أزمة خيال" .

    اللص الضال
    لاشك أن العم مستجاب كان سيغضب مني جداً لو قرأ في تقرير نعيه سيرة ذاتية على الطريقة المدرسية القائلة إنه ولد في عام كذا، ونشأ وترعرع في أحضان الصعيد، ولا أستبعد أنه كان سيقذفني بـ "السبرتاية" التي يصنع بها قهوته بنفسه، ويصفني بحزمة من أبشع الصفات وأبسطها أنني "تافه"، ومن منتجات عالم مابعد الحادي عشر من أيلول، وكان سيحيلني إلى واحدة من تجلياته، وما أكثرها، خاصة حين كنا نلتقي بالجلاليب الصعيدية ونمارس الصعلكة كأب شرير وابن فاسد، كثيراً ما أبدى الندم لأنه لم يطاوع نداء فطرته ليصبح "لصاً"، بدلاً من أن ينحرف ويفرض على نفسه امتهان الأدب .
    كثيراً ما قال لي : كنت حتى سن العشرين مهيأ لأن أكون لصا، خاصة وأنني سليل عائلة أفرزت عدداً كافياً من اللصوص، لكن في العائلة أناساً مثاليين، وهذا يؤذيهم جدا، يقولون (يا عم تقول على أهلك حرامية)، بالطبع أنا لم أقل هكذا، فشتانبيك عمل مهرباً للحشيش على الحدود الكندية الأميركية في ولاية ميسوري، وهمنغواي كانت حياته سلسلة مغامرات محفوفة بالخطر، وكتاب آخرون كبار خرجوا من أبراجهم العاجية المصورة كتابياً وليس لها في الحقيقة موضع وكتبوا حياتهم، فوكنر مثلاً لم يصف حياته أو غيره، إنما كانت حياته سلبية جدا، مجرد شخص يجلس في بيته في الجنوب الأميركي لا نعرف عن حياته شيئاً أو على الأقل الكتب التي لديّ عن حياته تأخذ حياته من الخارج"، هكذا كان يفضل العم مستجاب أن يروي حكايته الشخصية.
    لكن، سأنتهز فرصة موته، وأتصرف على طريقة الأبناء الأشرار، لأكتب على الطريقة المدرسية متذرعاً بحجة أن هذا "لمن لم يسعدهم زمنهم بمعرفته"، قائلاً إنه تلقى تعليما متوسطا في بلدته "ديروط الشريف" في صعيد مصر، وعانى خلال تلك الفترة من صعوبات معيشية لا حصر لها، فامتهن بعض المهن البعيدة عن مجال الكتابة، وفي تموز (يوليو) من العام 1964 عمل موظفاً في بناء السد العالي وكان حينئذ يمارس الكتابة كهاو، في باب "اعترفوا لي"، الذي كان يحرره مصطفي محمود في مجلة (صباح الخير)، وفي آب (أغسطس) من العام 1969، أرسل أولى قصصه إلى مجلة (الهلال) بعنوان "الوصية الحادية عشر"، فنشرتها على الفور، وكان ذلك بداية التحول في حياته، وتوالت أعماله الأدبية في الظهور.
    عين مستجاب عضوا بمجمع اللغة العربية بالقاهرة منذ آذار (مارس) عام 1970، وترقى في المناصب إلى أن وصل إلى وظيفة رئيس إدارة بالمجمع، حتى أحيل على التقاعد، وعمل كاتبا في عدد من الصحف المصرية والعربية منها مجلة (العربي) الكويتية، و(الأسبوع) المصرية، ونشرت له أكثر من سبعين قصة بين عامي 1969 وحتى رحيله، ترجم بعضها إلى الهولندية واليابانية والفرنسية .
    ......
    ذات مرة سألته: لو فكرنا في إصدار صحيفة حمقاء، فبمن يمكن أن نستعين من الكتاب؟
    أطرق قليلاً،وأمطرني بعشرات الشتائم الحميمة، قبل أن يقول: "نذهب إلى المقابر"، وفعلها عم مستجاب القابض على موهبة وخيال وتجارب عميقة، المفعم بأساطير البسطاء، الحكّاء المستبد بمستمعيه، وتركني أسير عشرات الأسئلة "الكونية" دون جواب:
    لماذا ينطفئ المصباح قبل أن ينفض السامر؟
    هل هو المناخ السائد الكفيل بإطفاء أي توهج، أم هو النقد المتواطئ لصناعة نجوم من البلاستيك؟
    الحقيقة الوحيدة في النهاية أنني شخصياً سأفتقد كثيراً العم مستجاب، صانع البهجة والأساطير واللص النبيل، الذي ضل طريقه إلى السرد والسخرية .

    [email protected]













    العم مستجاب ينسج أسطورته الأخيرة في القبر
    GMT 18:00:00 2005 الإثنين 27 يونيو
    نبيل شرف الدين



    --------------------------------------------------------------------------------


    لم يمت .. لعله اختفى في مغامرة جديدة.. حتى لو كان اسمها "الموت"، فهذا الرجل الاستثنائي، قادر على ارتكاب الحماقات حتى النزع الأخير، لكن ما حدث ـ على الأقل رسمياً ـ أنه.. مات، وكما يموت الناس.. مات..
    ولو قيض للعم محمد مستجاب أن يشاهد جنازته التي شيعت اليوم الأحد بهدوء يليق برجل طالما كان يكره الصخب والضجيج، لملأ الكون سخرية من المشيعين، ومن نفسه، ومن مشهد القبر المتواضع الذي ضم رفاته المنهك بمتاعب القلب والكبد والرئتين، إذ أن الروائي والقاص وكاتب المقالة الذي يراه كثيرون من عشاق أدبه وحتى الغيورين منه، كان آخر سلالة الساخرين العظام، وقد وافته المنية ليلة أمس عن عمر لا يتجاوز 67 عاماً، بعد أن أمضى عدة أيام في الرعاية المركزة بمستشفى قصر العيني بالقاهرة، وحين كان يفيق من الغيبوبة يطلق تعليقاته الساخرة الحريفة، ليعود إلى مواجهة الموت بسخرية خالية تماماً من الادعاء، كونها جزءاً أصيلاً من مكوناته الإنسانية والثقافية، التي تمتد كالنيل تدفقاً وحكمة وعطاء .
    ومنذ ظهور مستجاب على الساحة الثقافية في مصر، كحالة استثنائية، خلق عالمه الخاص الذي يتداخل فيه الواقع بالخيال، ويوظف الأساطير الشعبية وحكايات الجدات، وانشغل بصياغة أساطيره الخاصة، أساطير مستجاب ذي الألف وجه ووجه، المسكون بالمتناقضات، وخاصة بعد أن وقع في غواية "آل مستجاب" ففرضهم على معظم شخوص رواياته وقصصه، وراح يحاول بإصرار بناء أعماله استنادا إلى الوجوه المتناقضة لعالم مستجاب، فهو تارة الحكيم الزاهد في كل شئ عدا مصاحبة الغربان والحدادي والثعالب والكلاب الضالة، وهو في وجه آخر رجل العصابات الريفي المتربص بالثروة الذي يخطط للعثور على الكنز الدفين، فيصطحب قصاصي الأثر حتى لا تلتهمه دروب الصحراء، ثم هو مستجاب الأحمق الجشع الذي يسعى إلى التخلص من كل رفاقه واحدا تلو الآخر للانفراد بالحياة، لكن يفاجأ في النهاية بعد أن عاين مصيره المحتوم مع "اللهو الخفي" أن كل الحماقات جديرة بالارتكاب . والفقيد من أبرز أدباء جيل الستينيات واشتهر بالكتابة الساخرة، وله تقنية فريدة في السرد والحكي، واتسمت كتاباته بنكهة خاصة سواء في اهتمامه بالتفاصيل اليومية وشخوص ريف الصعيد المصري، وضفائر الأساطير بالواقع، وطالما ردد أن أكبر أزمة تواجه مصر الآن هي "أزمة خيال" .

    اللص الضال
    لاشك أن العم مستجاب كان سيغضب مني جداً لو قرأ في تقرير نعيه سيرة ذاتية على الطريقة المدرسية القائلة إنه ولد في عام كذا، ونشأ وترعرع في أحضان الصعيد، ولا أستبعد أنه كان سيقذفني بـ "السبرتاية" التي يصنع بها قهوته بنفسه، ويصفني بحزمة من أبشع الصفات وأبسطها أنني "تافه"، ومن منتجات عالم مابعد الحادي عشر من أيلول، وكان سيحيلني إلى واحدة من تجلياته، وما أكثرها، خاصة حين كنا نلتقي بالجلاليب الصعيدية ونمارس الصعلكة كأب شرير وابن فاسد، كثيراً ما أبدى الندم لأنه لم يطاوع نداء فطرته ليصبح "لصاً"، بدلاً من أن ينحرف ويفرض على نفسه امتهان الأدب .
    كثيراً ما قال لي : كنت حتى سن العشرين مهيأ لأن أكون لصا، خاصة وأنني سليل عائلة أفرزت عدداً كافياً من اللصوص، لكن في العائلة أناساً مثاليين، وهذا يؤذيهم جدا، يقولون (يا عم تقول على أهلك حرامية)، بالطبع أنا لم أقل هكذا، فشتانبيك عمل مهرباً للحشيش على الحدود الكندية الأميركية في ولاية ميسوري، وهمنغواي كانت حياته سلسلة مغامرات محفوفة بالخطر، وكتاب آخرون كبار خرجوا من أبراجهم العاجية المصورة كتابياً وليس لها في الحقيقة موضع وكتبوا حياتهم، فوكنر مثلاً لم يصف حياته أو غيره، إنما كانت حياته سلبية جدا، مجرد شخص يجلس في بيته في الجنوب الأميركي لا نعرف عن حياته شيئاً أو على الأقل الكتب التي لديّ عن حياته تأخذ حياته من الخارج"، هكذا كان يفضل العم مستجاب أن يروي حكايته الشخصية.
    لكن، سأنتهز فرصة موته، وأتصرف على طريقة الأبناء الأشرار، لأكتب على الطريقة المدرسية متذرعاً بحجة أن هذا "لمن لم يسعدهم زمنهم بمعرفته"، قائلاً إنه تلقى تعليما متوسطا في بلدته "ديروط الشريف" في صعيد مصر، وعانى خلال تلك الفترة من صعوبات معيشية لا حصر لها، فامتهن بعض المهن البعيدة عن مجال الكتابة، وفي تموز (يوليو) من العام 1964 عمل موظفاً في بناء السد العالي وكان حينئذ يمارس الكتابة كهاو، في باب "اعترفوا لي"، الذي كان يحرره مصطفي محمود في مجلة (صباح الخير)، وفي آب (أغسطس) من العام 1969، أرسل أولى قصصه إلى مجلة (الهلال) بعنوان "الوصية الحادية عشر"، فنشرتها على الفور، وكان ذلك بداية التحول في حياته، وتوالت أعماله الأدبية في الظهور.
    عين مستجاب عضوا بمجمع اللغة العربية بالقاهرة منذ آذار (مارس) عام 1970، وترقى في المناصب إلى أن وصل إلى وظيفة رئيس إدارة بالمجمع، حتى أحيل على التقاعد، وعمل كاتبا في عدد من الصحف المصرية والعربية منها مجلة (العربي) الكويتية، و(الأسبوع) المصرية، ونشرت له أكثر من سبعين قصة بين عامي 1969 وحتى رحيله، ترجم بعضها إلى الهولندية واليابانية والفرنسية .
    ......
    ذات مرة سألته: لو فكرنا في إصدار صحيفة حمقاء، فبمن يمكن أن نستعين من الكتاب؟
    أطرق قليلاً،وأمطرني بعشرات الشتائم الحميمة، قبل أن يقول: "نذهب إلى المقابر"، وفعلها عم مستجاب القابض على موهبة وخيال وتجارب عميقة، المفعم بأساطير البسطاء، الحكّاء المستبد بمستمعيه، وتركني أسير عشرات الأسئلة "الكونية" دون جواب:
    لماذا ينطفئ المصباح قبل أن ينفض السامر؟
    هل هو المناخ السائد الكفيل بإطفاء أي توهج، أم هو النقد المتواطئ لصناعة نجوم من البلاستيك؟
    الحقيقة الوحيدة في النهاية أنني شخصياً سأفتقد كثيراً العم مستجاب، صانع البهجة والأساطير واللص النبيل، الذي ضل طريقه إلى السرد والسخرية .

    [email protected]


























                  

العنوان الكاتب Date
القاص المصري الساخر محمد مستجاب يودع العالم ضاحكا صاخبا كعادته.. عبد الحميد البرنس06-30-05, 04:05 PM
  Re: القاص المصري الساخر محمد مستجاب يودع العالم ضاحكا صاخبا كعادته.. عبد الحميد البرنس06-30-05, 04:19 PM
  Re: القاص المصري الساخر محمد مستجاب يودع العالم ضاحكا صاخبا كعادته.. nada ali07-01-05, 03:09 AM
    Re: القاص المصري الساخر محمد مستجاب يودع العالم ضاحكا صاخبا كعادته.. عبد الحميد البرنس07-01-05, 06:50 AM
      Re: القاص المصري الساخر محمد مستجاب يودع العالم ضاحكا صاخبا كعادته.. Alia awadelkareem07-01-05, 07:00 AM
        Re: القاص المصري الساخر محمد مستجاب يودع العالم ضاحكا صاخبا كعادته.. عبد الحميد البرنس07-01-05, 07:45 AM
    Re: القاص المصري الساخر محمد مستجاب يودع العالم ضاحكا صاخبا كعادته.. Bushra Elfadil07-01-05, 07:07 AM
      Re: القاص المصري الساخر محمد مستجاب يودع العالم ضاحكا صاخبا كعادته.. عبد الحميد البرنس07-01-05, 08:04 AM
  Re: القاص المصري الساخر محمد مستجاب يودع العالم ضاحكا صاخبا كعادته.. jini07-01-05, 09:51 AM
    Re: القاص المصري الساخر محمد مستجاب يودع العالم ضاحكا صاخبا كعادته.. عبد الحميد البرنس07-01-05, 01:07 PM
      Re: القاص المصري الساخر محمد مستجاب يودع العالم ضاحكا صاخبا كعادته.. هاشم نوريت07-01-05, 01:23 PM
        Re: القاص المصري الساخر محمد مستجاب يودع العالم ضاحكا صاخبا كعادته.. عبد الحميد البرنس07-01-05, 01:51 PM
          Re: القاص المصري الساخر محمد مستجاب يودع العالم ضاحكا صاخبا كعادته.. سجيمان07-01-05, 03:39 PM
            Re: القاص المصري الساخر محمد مستجاب يودع العالم ضاحكا صاخبا كعادته.. عبد الحميد البرنس07-01-05, 05:57 PM
              Re: القاص المصري الساخر محمد مستجاب يودع العالم ضاحكا صاخبا كعادته.. banadieha07-01-05, 11:52 PM
                Re: القاص المصري الساخر محمد مستجاب يودع العالم ضاحكا صاخبا كعادته.. عبد الحميد البرنس07-02-05, 00:35 AM
                  Re: القاص المصري الساخر محمد مستجاب يودع العالم ضاحكا صاخبا كعادته.. عبد الحميد البرنس07-04-05, 01:25 AM
                    Re: القاص المصري الساخر محمد مستجاب يودع العالم ضاحكا صاخبا كعادته.. salah elamin07-04-05, 02:33 AM
                      Re: القاص المصري الساخر محمد مستجاب يودع العالم ضاحكا صاخبا كعادته.. عبد الحميد البرنس07-04-05, 11:25 AM
  Re: القاص المصري الساخر محمد مستجاب يودع العالم ضاحكا صاخبا كعادته.. NAZIM IBRAHIM ALI07-04-05, 12:04 PM
    Re: القاص المصري الساخر محمد مستجاب يودع العالم ضاحكا صاخبا كعادته.. عبد الحميد البرنس07-04-05, 03:44 PM
      Re: القاص المصري الساخر محمد مستجاب يودع العالم ضاحكا صاخبا كعادته.. عبد المنعم سيد احمد07-04-05, 04:00 PM
        Re: القاص المصري الساخر محمد مستجاب يودع العالم ضاحكا صاخبا كعادته.. عبد الحميد البرنس07-04-05, 05:26 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de