الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-25-2024, 11:50 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   

    مكتبة الاستاذ محمود محمد طه
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-08-2008, 03:25 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    كانت قد عقدت بمايو الماضى - 2007 - ندوة بفندق الهيلتون شارك فيها عدد كبير مما يسمى فى السودان الآن بالكتاب والمفكرين سميت بـ (الندوة العالمية حول فكر محمد أبوالقاسم حاج حمد) وممن شارك فيها السيد الصادق المهدى وحسن مكى وآخرون وبالطبع لم يبخلوا بعبارات الإطراء للراحل حاج حمد - رغم علم الجميع بأن كثيرا من أفكاره مأخوذة من فكر الأستاذ محمود محمد طه ولكن!!!!
    فى هذه الدراسة يقدم البروفسير ابراهيم محمد زين المحاضر بالجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا ورقة ربما هى الوحيدة - مما أطلعت عليه حتى الآن - التى تشير - باستحياء - لما قد يكون أخذ من "الرسالة الثانية" لـ "العالمية الثانية"
    ---
    العالمية الثانية وإعادة قراءة التاريخ الديني للإنسانية

    بروفيسور/ إبراهيم محمد زين
    1/ مقدمة
    إن دراسة كتاب (العالمية الثانية) في إطار التطور الفكري لدى الأستاذ محمد أبو القاسم حاج حمد هو في الأصل دراسة لدينميات التطور في الفكر العربي الإسلامي في نهايات القرن العشرين، وهو فوق ذلك يعتبر العمل الأساسي له، تجسدت فيه طريقته الفريدة في التحليل والتركيب وبناء المسلمات الفكرية والجدال حولها، ومن ثم تأكيد القناعات الفكرية التي يجب أن تتجه إليها حركة الفكر وتدور حولها قضايا التغيير الاجتماعي.
    لن نجانب الصواب إن قلنا إن أطروحة الكتاب الأساسية تندرج في معنى إعادة قراءة التاريخ الديني للإنسانية، وفق رؤية كلية تتوخى نقد المشاريع العربية والإسلامية الإصلاحية، ومن ثم تجاوزها وفق أطروحة تتبنى بديلاً حضارياً ينبني على أساس مبدأ قسمة التاريخ العربي الإسلامي إلى عالميتين: العالمية الأولى والتي تتميز بخصائص محددة ونهج واضح المعالم وتاريخ تشكل بكيفية أفضت إلى قيام العالمية الثانية كنتيجة منطقية ومكمل ضروري للعالمية الأولى. ويبقي منهج الجمع أو الدمج بين القرائتين هو العلامة المنهجية المميزة العالمية الثانية، لئن كانت العالمية الأولى قد افتتحها الوحي المحمدي بمنهج الجمع أو الدمج بين القراءتين في سورة (اقرأ) وتولى الرسول الكريم مقام الأسوة الحسنة فيها واقتضى ذلك التطبيق العملي فإن العالمية نهجها هو إعادة إكتشاف منهجية القرآن المعرفية القائمة على الدمج بين القراءتين: قراءة الوحي وقراءة الكون، وهذا التمثيل للمنهج هو السبيل الوحيد للخروج من الأزمة التي تمر بها الحضارة الغربية، فمأزق الحضارة الغربية الوضعي الذي يسقط قراءة الوحي ويتبنى قراءة أحادية مادية قد قاد البشرية إلى طريق مسدود لا سبيل للخروج منه إلا باتباع نهج الجمع بين القراءتين ودمجهما في قراءة واحدة يتوازن فيها فهم الطبيعة والغيب في تكامل يرد للمعرفة شموليتها التي تعبّر عن حقيقة الكائن الإنساني الذي يجمع بين الطبيعة والغيب، ويعبّر عن جدلية الغيب والطبيعة في وعيه الشامل بحقائق الأشياء من حوله. فإن كانت البداية العالمية الأولى هي بداية نزول الوحي في غار حراء بإعلان منهجية القرآن المعرفية المتمثلة في الأمر بالقراءة باسم ربك الذي خلق، والجمع بين تلك القراءة بالقراءة الثانية وهي: اقرأ وربك الأكرم، فهما قراءتان في كتابي الكون والوحي، فإن منهجية القرآن المعرفية التي ترد للإنسانية وعيها الحقيقي الذي سلبته إياه التطورات النكدة التي أفضت بالحضارة الغربية والتي ما آلت إليه من إفلاس فكري هو بالأساس يعبر عن قصور ذاتي في المادية الوضعية بداية العالمية الثانية قد تحددت مفاصل قيامها بقيام دولة إسرائيل والتي أنشئت على أنقاض العالمية الأولى والثانية وهو أن العالمية الثانية لا تقوم على النبوءة وإنما على الوعي القرآني المنهجي الذي حملته الرسالة المحمدية. ولقد لخصت سورة الإسراء تاريخ الإنسانية، حيث إنها نبهت إلى دورتي العلو والسقوط في التجربة الإسرائيلية، وقد صاحبت دورة العلو الأولى التي تبلورت فيها الدولة القومية على يد موسى عليه السلام، وبلغت قمة التمكين فيها في ملك داود وسليمان كنموذج ديني مقابل لدولة الاستكبار القومي التي قادها الفراعنة المصريون، وحينما جاءت العالمية الأولى والتي ورثت التجارب الروحية والفكرية الحضارية للأنبياء الأربعة والعشرون، بالإضافة إلى تجربة خاتم النبيين في المحيط الحضاري للعالم القديم، وصارت اللغة العربية وعقيدة التوحيد هي الناظم الذي يجمع تلك الشعوب المتعدد في إطار واحد، وكان ما كان من أمر سيادة هذه العالمية الأولى والمنجزات الحضارية التي أخرجتها للإنسانية، ثم وقع الأمر كما صورته سورة الإسراء بقيام دولة إسرائيل وإخراج الإنسانية من مأزقها المعرفي.
    فالقرآن بهذه الكيفية هو المعادل الموضوعي للكون، وبناء القرآن اللغوي يعادل بناء الكون الطبيعي، وفهم هذه الجدلية لا يتم إلا بالوعي بمنهجية القرآن المعرفية القائمة على الدمج بين القراءتين، تلك هي معالم الأطروحة الأساسية التي أنجز معالمها وبيّن جزئيات مفاصلها حاج حمد في كتاب العالمية الثانية، فالهم المنهجي الفكري هو محوره الأساسي والعمل على فهم الكيفيات التي يمكن أن تتحقق بها النهضة العربية الإسلامية مثل الجانب العملي في مشروعه الفكري الذي يعرض معالمة حاج حمد يجمع بين قضايا اللغة والفن والفكر والتاريخ الديني والسياسي والفلسفة وقضايا النقد السياسي للعلم والماركسية العربية وكيفيات تفسير القرآن في نسيج واحد – بالطبع – ليس ثمة ناظم يجمع بينها سوى حاج حمد وطريقته الفريدة في التحليل والتركيب التأملي والاحتجاج، لكن لما كان السبيل العلمي لدراسته بقصد فهمه والتنبيه على ما بقي من مشروعه الفكري فاعلاً في توجيه الوعي الإنساني وتشكيله يقتضي التوفر على أطروحة واحدة ضمن نظامه الفكري والموسوعي، فإنني أزعم أن دراسته في إطار محاولة إعادة فهم وتقسيم التاريخ الديني للإنسانية تحتل موضعاً مركزياً في أطروحته الفكرية، ويمثل كذلك الجانب الحيوي من مشروعه الفكري أولاً، ثم بيان كيفية صياغته لأشكال النهضة، وأخيراً تقويم جهده العلمي على سبيل بيان ما تبقى فاعلاً وحيوياً من مشروعه الفكري.
    2. مصادره الفكرية:
    ما من مفكر إلا وتفصح مصادره الفكرية عن طريقته في التفكير وأولوياته في التعبير عن نفسه، ومن ثم فإن التوفر على بيان تلك المصادر والكيفيات التي صيغت بها ضمن أطروحة المؤلف الأساسية تكشف لنا عن معالم طريقته في التفكير والتعبير عن الحركة، والتعبير عنها بكيفية تجد القبول لدى تلك الحركة الفكرية.
    والمصادر الفكرية بقدر أنها توفر حصاداً علمياً وفكرياً يتحرك من خلالها، وقدرته على صياغة هموم تلك الحركة، والتعبير عنها بكيفية تجد القبول لدى تلك الحركة الفكرية. والمصادر الفكرية بقدر أنها توفر حصاداً علمياً وفكرياً يتحرك من خلاله المؤلف كقارئ فطن في المستوى الأول هي كذلك المادة الأولية التي يعيد تركيبها حينما ينتهض ليأخذ لنفسه موقف المؤلف، وموقف المؤلف يعبّر عن هم علمي أملاه الواقع العلمي، ونجحت المصادر الفكرية في التعبير عنه بسبيل يفصح عن قصور ذاتي ينصب المؤلف نفسه رائداً لتجاوز ذلك القصور الذاتي، فالتأليف من خلال المصادر الفكرية يعني أهمية اكتشاف ذلك القصور الذاتي وصياغته في شكل معضلة فكرية أو على أحسن الأحوال على هيئة إشكالية فكرية.
    يبدو لأول وهلة أن اكتشاف المصادر الفكرية أمر في غاية السهولة واليسر، إذ أن طرائق الكتابة المعاصرة تقتضي الإشارة إلى الدراسات السابقة ونقدها في شكل مقالة تتيح للقارئ أن يكتشف مسوغات هذه الدراسة الجديدة، لكننا لابد وأن نؤكد أن تلك الطريقة في الكتابة العلمية لا تفي بالغرض الذي نبتغيه من تركيزنا على أهمية المصادر الفكرية، فهي بهذا المعنى ليست فقط الدراسات السابقة التي أشار إليها المؤلف أو عمل على نقدها وتطويرها صراحة أو ضمناً، وإنما يضاف إلى ذلك ما سكت عنه المؤلف وأراد أن يقنع القارئ بعدم أهميته، وربما اتخذ في سكوته واعراضه منحىً استراتيجياً، بالطبع يستطيع القارئ الفطن أن ينفذ إلى ذلك المستوى ويبيّن موضع ذلك السكوت الاستراتيجي من أطروحة المؤلف الأساسية. فإن كان الحال كذلك فإن المصادر الفكرية يكون لها وضعية مركزية في فهم وتقويم المؤلف وإدراك أبعاد إعادة تركيبه لمصادره الفكرية، وبهذه الطريقة في إعادة اكتشاف المصادر المعلن منها وذلك الذي سكت عنه تستطيع أن تتحاور معه فيما يريد أن يقول وترك أمارات واضحة في قوله لا تحتاج منا إلى عناء وتأويل، وأن تحاوره كذلك فيما قصر عن بيانه وترك لنا الحبل في اتخاذ ما نريد من تأويلات، لكنه في ذات الوقت قد وضع إمارات خفية بإمساكها يتحول التأويل إلى تفسير متقن المعالم، وبلوغ درجة الإلمام لا يتأتى إلا لمن استطاع أن يدرك مستوى المصادر الفكرية للمؤلف.
    الوضع النظري السابق له مميزات عديدة لإعادة وتقويم محاولة حاج حمد في إعادة قراءة تاريخ الإنسانية الديني وفق مبدأ قسمة التاريخ الديني للنبوة الخاتمة لعالميتين، لعل أكثرها بداهة وأولوية هو أن طبيعة أطروحته الأساسية تدعو للتأمل فيما أشار إليه بصورة عابرة من المصادر، وما سكت عنه ضمناً، على الرغم من ذلك الحضور الطاغي في اتجاهه في التحليل والتركيب لذلك المسكوت عنه، ولعل طبيعة النهج التأملي الذي توخاه حاج حمد هو وراء ذلك السبيل في بناء أطروحته، ومن ثم فإن إشارته العابرة لكلٍّ من سيد قطب ومحمود محمد طه تجعل لهما وضعاً مميزاً في طريقته في التحليل والفهم، وأن النعت الذي وصف به سيد قطب والطريقة التي أشار بها إلى محمود محمد طه تقع في دائرة ما وصفناه بالمسكوت عنه في نص حاج حمد، وسنكتفي بهذين المثالين للقيمة العلمية الفائقة لأيٍّ منهما في بيان المراد.
    من الأسباب التي تدعونا إلى اتخاذ هذه الطريقة في النظر إلى أطروحة العالمية الثانية، أن صميم الأطروحة قائم على نهج تأويلي تأملي لا يخضع لكثير من استراتيجيات فهم النصوص التي استقرت عند علماء المسلمين، ولا يلتزم بالقواعد المرعية في فهم لغة العرب، ولكنه كذلك لا يقع في دائرة التأويل التأملية التي حاول بيان معالمها في تحليله ،تلتزم ببعض القواعد المرعية، لكنها تتخذ طريقاً جديداً في التأويل ينبني على إستراتيجية في فهم النص، مفادها أن القرآن ببنائه اللغوي معادل موضوعي للكون، ولذلك فإن السبيل القويم في فهمه هو محاولة اتخاذ نهج تأويلي يتبنى تلك الآليات في فهم النص، كما أقنع صاحبه أن يفهم، ومن ثم يقع التقويم بصورة هي أكثر موضوعية وحيدة ما لو أننا أردنا إسقاط أفهامنا على نصه، ثم قمنا بتقويمه على أساس ذلك الإسقاط، فنكون كمن أخطأ في الفهم أولاً ،وقادة ذلك الخطأ إلى خطأ مركب في التقويم، ومن ثم لا فائدة في تقويمه، ولا سبيل له من أن يمسك بدعوى إعادة النظر فيما قام به المؤلف.
    ومن بداهة القول أن إمكانية أحداث حوار خلاق ومفيد مع تراث المؤلف وفق هذا النهج هو ضرب في عماية، ولما كنا نرى أن قرطسة الهدف الذي نصبو إليه تقع بالكيفية التي بيّناها، فإن الحوار الذي ستنعقد أواصره بين فهمنا وتقويمنا لنص حاج حمد، ومن ثم استخلاص معاني تجيب على سؤال ماذا بقي منه فاعلاً وحيوياً في حراكنا الثقافي والديني سيكون أكثر فائدة في شأن الفهم والتقويم، وما يترتب عليهما من حوار خلاّق يقود إلى خلاصات تجعل لأبي القاسم حاج حمد حضوراً معنوياً يفي بغرض استمرارية الحركة الفكرية في الحضارة العربية الإسلامية، وخصوصيات الدائرة المتعلقة بالسودان.
    لابد من القول كذلك بأن الكتابين الأساسيين له هما: (السودان المأزق التاريخي وآفاق المستقبل) وكتاب (العالمية الثانية)، فقد انتقل حاج حمد في مشروعه الفكري من نقاش قضايا التشكيل التاريخي للإسلام والعروبة في نطاق الإنسانية وتاريخها الديني. ولا شك أن الحضور الفكري والثقافي الذي حصله في خارج السودان أوفر حظاً مما وقع له في السودان، لكن ذلك ليس عيباً فيه ولا في طريقة تفكيره، وإنما يعزى ذلك الخمول النسبي إلى إن أطروحة العالمية الثانية وما تبعها وترتب عليها بصورة مثيرة من جدل حول منهجية القرآن المعرفية اتخذ آفاقاً جدّ مفيدة في تطوير مفعولات الفكر الإسلامي المعاصر، ودفعها باتجاهات أكثر حيوية وثراء. ومن ثم لابد من النظر في مصادره الفكرية في هذا الإطار الواسع الذي جعل من خصوصيات التشكل الحضاري للعروبة والإسلام في السودان مدخلاً لفهم قضايا النهضة العربية في أفقها الإنساني الواسع، وترتب على ذلك النظر الفسيح لدى حاج حمد العمل على طرح العالمية الثانية كبديل للحضارة الأوروبية التي تدعي عالمية تفتقر خاصية الشمول الإنساني، وتنتقص من الإنسان موضعه المميز بين جدل الغيب والطبيعة، وبسبب ماديتها وفلسفتها الوضعية صار "لاهوت الأرض" هو قمة وعيها الإنساني.
    فالمركزية الأوروبية الشاملة أدخلت الحضارة الغربية في مأزق جعلها تفقد زمام المبادرة، بالرغم من منجزاتها الحضارية الماثلة للعيان، وأسهمت تلك الحضارة في قيام دولة إسرائيل، والتي هي حسب تحليل حاج حمد تمثّل الخط الفاصل بين نهاية العالمية الأولى وبداية العالمية الثانية. ولا شك أن هذه المحاور التي اتخذها اقتضت نظراً تأملياً في مآلات الحضارة الإنسانية، ومحاولة فهم دينميات التطور والتشكل فيها، ومن ثم تتسع المصادر الفكرية لديه بصورة تصعب على الحصر.
    ليس من سبيل لإنكار القول: بأنه قد اعتمد وبصورة واضحة على الترجمات العربية، ولم يرجع إلى مؤلفات باللغة الأوروبية إلا كتاباً واحداً Josef R. Royce لكن ثقافته الموسوعية وفهمه العميق لقضايا الحضارة الأوروبية في مستوى العلم والفلسفة والفن والتاريخ تجعلنا نؤكد على أن الذي سكت عنه في مصادره الفكرية أضعاف مضاعفة مما تولى ذكره صراحة، ولعل طبيعة الفكر والمنهج التأملي تقتضي نقل القرارات الفكرية خلال فترات طويلة من التدبر في بطون المؤلفات في شكل عصارة فكرية تأملية، بمبدأ كيفية الصياغة وبيان أساس التركيب الجديد، ومن ثم فإن الوضع النظري الذي انتهجناه أكثر فائدة وأبلغ غاية في تحقيق المطلوب.
    لقد بيّن حاج حمد فيما أسماه "تقدمة" كمقدمة لكتاب العالمية الثانية - والتي يبدو أنه قد كتبها بعد تأليف الكتاب خلال وجوده في دولة الإمارات المتحدة – القضية المنهجية التي سيعالجها وهي جدلية الغيب والطبيعة، لكنه لن يناقشها بحسبانها قضية فلسفية محصة وإنما سيتولى تطبيق ذلك على التاريخ العربي الإسلامي من خلال القرآن الكريم.
    يبدو كذلك من خلال السنوات الأربع التي كتب فيها العالمية الثانية قد حدثت تحولات عميقة في المنطقة، منها اتفاقية كامب ديفيد، واندلاع الثورة الإيرانية، وليس من قبيل الصدفة أن يكون أول من يرجع إليهم في تقدمة كتابه هو سيد علي جوادي، وينبهنا إلى أنه قد استفاد من نقاشات مفيدة مع العاملين بوزارة الخارجية في دولة الإمارات. ثم إن الدكتور رضوان السيد قد قرأ مخطوطة الكتاب، واقترح بعض الملحوظات القيمة، كل هذه الإشارات تفصح عن الحيز الثقافي الذي كان يتحرك فيه المؤلف، وأقل ما يمكن أن يوصف بها هو أن أطروحات رضوان السيد في فهم وتقويم التراث العربي الإسلامي لم تكن غائبة عنه. وكذلك أجواء الصراع الثقافي والديني بين الماركسية العرب والعلمانيين الليبراليين من جهة، وبين دعاة "العصرية" والسلفيين والأطروحات المختلفة في فهم وتقويم التراث التي أنتجها ذلك الحراك الثقافي والفكري، انعكست في المصادر التي اتخذها للتعبير عن المشاريع الفكرية المفارقة لطرحه لقضايا النهضة العربية الإسلامية، لذلك جاء بأطروحات صادق جلال العظم في نقد الفكر الديني، وعبد الله العروي في نقد الأيديولوجية العربية، ثم الجدل الذي أثاره صادق جلال العظم والردود التي قام بها السلفيون وغيرهم لنقض مقولته.
    ثم انتقل إلى قضية الدين والعلم، وأطروحة مصطفى محمود في فهمه العصري للقرآن الكريم على يد الدكتور عاطف أحمد، ثم يختتم الجدل حول العلم والدين بالنظر في محاولة الدكتور خليل أحمد خليل في كتابه جدلية القرآن، ويفرد له مساحة معتبرة، ويفتتح استعراض رأيه قائلاً: "هذا الرجل يبدو في دراسته مؤمن القلب ولكن بعقل ماركسي"، ويبدو واضحاً أن تحولات الفكر الإسلامي في مواجهة العلمانية الأوروبية التي اتخذت الدين خصماً للعلم التجريبي لم ترق لحاج حمد، فتولى نقدها وتمحيصها وبيان مواضع الخلل في أطروحات أولئك الذين اتخذوا التفسير العصري للقرآن مخرجاً، وأولئك الذين تمسكوا بتلابيب القديم وعكفوا عليه، وأولئك الذين تولوا كبر اتخاذ موقف نقد كلي للتراث الديني. ومثلما تطورت اتجاهات وجودية في الحضارة الغربية كذلك انعكست هذه الاتجاهات في داخل الدائرة العربية الإسلامية حذو الفعل بالفعل.
    لأمر ما أراد حاج حمد الربط بين محاولته في النظر إلى مشروع النهضة العربية في إطار جدلية الغيب والطبيعة، وبين أطروحة د. خليل، فأفرد لها مساحة أكبر من غيرها من المحاولات، واستخدم بعضاً من أجزائها في الرد على المخالفين له، وأبدى كلفاً واضحاً بطريقته في التحليل، وإن لم يتفق معه في النتائج التي توصل إليها.
    يسعنا القول: بأنه رأي فيه بداية طيبة للتعبير عما أراد الذهاب إليه في أطروحة العالمية الثانية، من خلال استعراضه للدراسات السابقة في اتجاهات فهم القرآن والإجابة على سؤال النهضة العربية، وقد تابع الاستئناس بكتاب د. خليل. قال: "ذهب الدكتور خليل إلى مكة يحمل معه ثلاثين مرجعاً عربياً، واثنين وعشرين مرجعاً فرنسياً ،وبشكل جدلي دمج القرآن في الواقع والواقع في القرآن" ص 29، ثم يمضي في الإشارة إلى مقتطفات من كتاب د. خليل ليبني أبعاد منهجه في جدلية القرآن، ويعلق عليها بإسهاب لبيان مواضع الاتفاق والخلاف بينه وبين د. خليل، ولابد من القول بأنه لم يفعل ذلك مع إنه ممن أشار إليهم بهذا التفعيل والدقة، وربما نذهب في بادئ الرأي بالقول بسبب أن كتاب د. خليل يحمل عنواناً قريباً من كتابه، لكنه ينبّهنا على الفارق الجوهري بينهما رغم الاتفاق في طرائف التحليل وبعض المبادئ المنهجية قائلاً: من هذه الناحية تعتبر دراسة الدكتور خليل أول محاولة "تحليلية" عربية ضمن المنهج العلمي وفي عصر العلم للقرآن.. ثم يستطرد قائلاً: "وهي محاولة تجد جذوراً لها في آمال الاستشراق الحديث في الغرب لدى أرنولد توينبي "المؤرخ اللا أدري" ولدى علماء الدراسات الدينية المقارنة كـ(ريتشارد بيل) في كتابة (أصول الإسلام في التكوين المسيحي)، مع الفارق – طبعاً – بين الاستشراق الغربي والاغتراب الشرقي "لا يبدو واضحاً ذلك الفارق" ص55، الذي أشار إليه، لكن لنقل إن المراد هو وجود النزعة الإيمانية لدى د. خليل رغم ماركسيته ومحاولته الانتماء للتراث العربي الإسلامي رغم ثقافته الاستشراقية.
    لذلك ينتهي به القول إلى وصف محاولة د. خليل "هذه المحاولة يمكن أن تعطي دفعاً حديثاً (علمياً) لمحاولات التأويل للقرآن استناداً إلى نسبية المخاطبة، وتقرير الظرف التاريخي للمحتوى، أي فهم المدلول الديني فهماً (غير مباشر) من خلال جدلية ذات مسرح تاريخي معين، ووعي مفهومي محدد" ص55. فهي لذلك أفضل بكثير – من ناحية منهجية – من تلك الأطروحات التي لم تراع هذا الموقف المنهجي العلمي – حسب رأي حاج حمد – ولذلك نبهنا إلى نتيجة ذلك هي (ومن ثم النزول بالنتائج إلى بيئة العصر، عوضاً عن التوفيق القسري لبعض الآيات مع وعي العصر المفهومي، وعوضاً عن التركيز على الرمزية بشكل مبالغ فيه. فالأستخدام الرمزي للقرآن من شأنه أن يعود إلى معاني مفارقة باستخدام مناهج متباينة).
    هذا النص له قيمة خاصة علاوة على أنه بيان لمواضع الاتفاق بينه وبين د. خليل، إذ أنه قد نبّهنا على أهمية الاعتماد على معنى موضوعي وعدم الإغراق في الرمزية الذاتية التي تفقد النص معناه، وبالتالي يدور المعنى حسب وجهة المتلقي للنص لا حسب مراد المتكلم بالنص، وبتعدد المتلقين تتعدد الأفهام بصورة لا تنضبط، لأن طبيعة الاتجاه الرمزي في فهم النصوص تدعو إلى ذلك. صحيح أن حاج حمد قد رأى في تجربة د. خليل في النظر إلى القرآن شيئاً يستحق الاهتمام والنظر إليها بجدية واستخلاص القيم المنهجية التي اعتمدتها في دراسة القرآن، لكنه في ذات الوقت نبه على أنها من ناحية المواقف العقدية التي تبنى عليها المناهج لم تتجاوز أفق لاهوت الأرض، وبالتالي فقد قصرت عن استيعاب هم جوهري في جدلية الغيب.
    إذاً يسعنا القول في شأن المصادر التي تحرك بها حاج حمد هي أنها تلكم المصادر التي وفرتها الكتابات الماركسية العربية في توطين الماركسية في العالم العربي الإسلامي، ومحاولة تحليل ذلك التاريخ واستشراق آفاق المستقبل فيه، وهذه الكتابات وتلك التي عملت على نقد الحضارة الغربية على وجه الإجمال، ونقد الماركسية ذاتها من وجهة نظر الحضارة الغربية، ثم ما خرج به حاج حمد من أن الماركسية ابن شرعي للتطورات المادية والعلمية التي حدثت في الغرب، وأن لاهوت الأرض هو النتيجة المنطقية لتلك الحضارة، ثم قراءات واسعة في الأدب الغربي وفنونه المختلفة، ونظر عميق في الفلسفة الغربية، ومتابعات ما يدور في العالم العربي والإسلامي، إضافة إلى نظرات ثاقبة في التاريخ الإسلامي والتراث الكلامي والفقهي. ولا شك فوق كل ذلك نظر عميق في القرآن الكريم قائم على أساس فهم كل مرامي القرآن ومقاصده، وتتبع لموضوعاته في نسق كلي قائم على أساس مبدأ أن القرآن معادل موضعي للكون، ومن ثم يكون النظر إلى آياته واتساقه التعبيرية وفقاً لذلك المبدأ. ويسعنا الذهاب إلى أن حاج حمد قد أعطى د. خليل وكتابه (جدلية القرآن) وضعاً مركزياً في تحليله وبيانه لمنهجية القرآن المعرفية ومبدأ العالمية الثانية لفهم مسألة النهضة.
    وما من أحد يتابع المشهد السياسي والثقافي في الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين إلا ويتعجب لذلك السكوت الاستراتيجي عن محاولات فكرية جريئة، وكان لها صدى واسعاً في العالم العربي الإسلامي، أولها كتاب ظلال القرآن لسيد قطب وما تفرع عنه من أبحاث مثل معالم في الطريق، والمستقبل لهذا الدين، وخصائص القصور الإسلامي ومقوماته. ثم مؤلفات محمود محمد طه في الرد على مصطفى محمود في تفسيره العصري، وفي كتابه عن الصلح مع إسرائيل وفهمه للمشكلة الفلسطينية، وأخيراً في كتابه الرسالة الثانية. ولا أحسب أن حاج حمد لم يطلع على هذه المؤلفات، وأنها كذلك لم تثر اهتمامه، وهو قارئ فهم ولا شك أن هذه المؤلفات أثارت اهتمامه، خاصة وأنها تقع في دائرة أطروحة العالمية الثانية التي قد يخطئ الناس في فهمها على أنها الرسالة الثانية لمحمود محمد طه في نسق جديد، وأن حديثه عن المنهج القرآني ونقد الحضارة الغربية وإعلان إفلاسها المنهجي والروحي، وأن مستقبل الإنسانية رهين بالإسلام، والتأكيد على الوحدة العضوية للقرآن وتطوير منهج التصوير الفني للقرآن وتطبيقه بصورة علمية في شكل تفسير موضوعي في مشاهد القيامة، ثم تطبيق ذكر المنهج في تفسير ظلال القرآن في طبعته الأولى في مجلة (المسلمون) ثم الانتقال بمنهج الظلال إلى العمل التحريضي لبناء الدولة الإسلامية، واستئناف الحضارة الإسلامية، والقول بأن القرآن لا يفهم فقط بمعرفة اللغة العربية وقواعدها والمأثور من التفسير، وإنما يجب أن يضيف المفسر إلى عدته القدرة على الحياة في ظلال القرآن والانفعال به، ومن ثم تفتح له كنوز القرآن، ويفهمه كما فهمه الجيل القرآني الذي قاد الإنسانية بالقرآن في تجربة فريدة.
    نقول مرة أخرى ما قرر حاج حمد أن يتبع نهج السكوت الاستراتيجي عن هذين المصدرين في تفكيره واهتمامه العلمي، والطريقة التي سوّغ بها موقفه في حق سيد قطب أولاً: بالقول بأنه لم يكن عضواً في أيٍّ من التنظيمات الإسلامية، وبالتالي لم تكن له صلة بجماعة الأخوان المسلمين أو غيرها من حركات التجديد، وأنه لم يدر في فلكهم أو يتأثر بأطروحاتهم في التجديد لعدم جدواها العلمي (لهذا السبب لم أنتمِ لأي من هذه الحركات التي تظل تردد بأن القرآن صالح لكل زمان ومكان ولكنها لم تقل لنا كيف؟ وكم رأيتهم يرفعون المصاحف في وجه خصومهم السياسيين كما رفعها جيش معاوية، ولكنهم كبعض رجال ذلك الجيش في علاقتهم بتلك المصاحف، فما معنى أن نحتكم لكتاب الله ونحن بعد أن نقرأه فلا يتجاوز حناجرنا). ثم يخفض من حدة نقده قائلاً: (لا أريد أن أشير إلى تنظيم معين، فقد قال الله كلمته فيه واندثر في طي النهاية والله يجزي بإحسانه من كان صادقاً منهم وكثير منهم صادقون).
    إن الحكم بنهاية هذه الحركات واندثارها ليس صادراً عن خصومه فكرية، ولكنه مقتضى تحليله لواقع العالمية الأولى، فكل هذه الحركات الاصطلاحية والتجديدية تنتمي إلى مرحلة العالمية الأولى، وطالما أن فجر العالمية الثانية قد لاح في الأفق فلا معنى لنقاش أطروحات هذه الحركات، ويبدو ذلك الموقف أكثر وضوحاً في المبحث الذي عقده بعنوان: (لماذا فشلت حركة التجديد؟) ليقول في الإجابة على السؤال خاصة في حق حركة الإخوان دور ورثت حركة الأخوان المسلمين فيما بعد دور هذه القوى التجديدية وقد اتجهت بكل قواها إلى مخاطبة العقلية المتوسطة ضمن نفس الأسلوب التوفيقي الانتقائي، مع الاختلاف البيّن في مصادر التكوين الفكري فبعضهم صوفي تأملي (كسيد قطب)، وبعضهم سلفي كسيد سابق، وبعضهم مدافع بلا هوادة في كل الاتجاهات.
    ثم يعلق على منهجية الإخوان في التغيير وأنها لم تتبع الأسلوب "العلمي" مما جعلها تنتمي إلى مخلفات العالمية الإسلامية الأولى، وتقتصر عن اللحاق بركب العالمية الثانية، ولذلك وصفهم بأنهم (فسقط الأخوان كآخر مظهر تجديدي في إطار العالمية الأولى). ورجع بنا القول للوقوف عند وصفه لسيد قطب بأنه "صوفي تأملي"، والذي يقرأ كتاب العالمية الثانية يجده يصف منهجه في الكتاب بأنه منهج تأملي، ومواقفه الكلية بأنها مواقف صوفية، لأن وصفنا حاج حمد بأنه صوفي تأملي فهو ينتمي إلى تلك المدرسة الفكرية، وطالما أنه لم يجعل جماعة الأخوان شيئاً واحداً في حساب المواقف الفكرية وطريقة التعبير عنها رغماً عن أنهم سياسياً ينتمون إلى نفس التنظيم، فهو يفصل بين مناهج تفكيرهم وانتمائهم السياسي. ومن ثم فإن زعمنا أثر سيد قطب عليه لن نجانب الصواب في ذلك، فهو في نقده للتراث الكلامي الإسلامي يتخذ ذات الموقف، وفي دعواه في اتباع منهجية القرآن في الفهم والأداء الحضاري لا يختلف كثيراً، لكن سيد قطب آثر اتباع المأثور من التغيير وتقرير الثوابت الحضاري، وحاج حمد أبعد النجعة في دعواه للعالمية الثانية، والتي اقتضت منه بعض المواقف العلمية من التاريخ الإسلامي تخرجه من دائرة من يلتزمون ثوابت الأمة ويدافعون عنها، وكذا الحال في فهمه للشريعة الإسلامية وكيفيات تطبيقها.
    لن نجانب الصواب إذا ذهبنا إلى ذلك الأثر القوي لسيد قطب في تفكيره وتحليله، بل يمكننا القول لو أننا أخرجنا تلك النقاط المثيرة للجدل لكان هذا الكتاب بزخمه الثوري امتداداً لمدرسة سيد قطب في تفسير القرآن وتفعيله في حياة الناس، هذا السكوت الاستراتيجي ربما كانت له مسوغات كما بينّا من قبل، لكن لن يستطيع القارئ أن يفهم كتاب العالمية الثانية على الوجه القويم لو لم يكن له حظاً من ميراث سيد قطب الثقافي والديني، وأثره في توجيه الحركة الفكرية في العالم العربي والإسلامي على وجه العموم.
    أما المثال الثاني للسكوت الاستراتيجي، فهو يخص محمود محمد طه. وعلى العكس من سيد قطب، فقد قام حاج حمد بنقده وبيان مفاصل الخلاف بين القول بالرسالة الثانية وأطروحة العالمية الثانية. قد يتعجب البعض لعدم ورود اسم محمود محمد طه، ولكن أشير إليه في حوالي ثلاثة مواضع، اثنان منهما بصورة واضحة، وموضح ثالث بصورة ضمنية.
    جاءت الإشارة الأولى ضمن مبحث (الفارق بين التجربتين "العربية واليهودية")، وهي تتحدث عن معنى وراثة الكتاب في الوحي المحمدي ليقول: "فعلاقة من يلي محمداً بالكتاب ولا تكون علاقة نبوة ولا علاقة تجديد ولا علاقة رسالة ثانية ولا ثالثة وإنما علاقة توريث يتفاعل فيها وحي الكتاب مع شخصية العصر، حافظاً لاستمرارية الحكمة والمنهج الإلهي". فهنا يبيّن حاج حمد الفارق الجوهري بين التجربة الدينية اليهودية والتجربة العربية التي ختمها الوحي المحمدي، ومن ثم ختم كل رسالات السماء إلى الأرض، ومن بعد صار معنى الاستمرارية للتجديد الديني متخذاً منهجاً جديداً لم تعرفه التجربة اليهودية، ومن ثم فإن دعوى الرسالة الثانية هي دعوى تخطي فهم منهج التجربة العربية في شكلها الخاتم، صحيح ليست هناك إشارة واضحة لمحمود محمد طه، ولكن إذ ضمت هذه الإشارة مع الإشارة الثانية التي وردت في مبحث "المنهج والعالمية الثانية" حيث مرة أخرى لا يذكر محمود محمد طه بالاسم، ولكن يشير إليه ليبيّن الفرق بين منهج العالمية الثانية والرسالة الثانية قائلاً: (قد أغلق باب النبوة وجفت الصحف ورفعت الأقلام ولم تعد ثمة "رسالة ثانية" كما ادعى بعضهم في باكستان وفي السودان. وإنما عالمية ثانية تأخذ محتواها الجديد، لا من تطبيقات سلفية ومفهوم سلفي، ولكن من تجريد منهجي قرآني يهيمن على معاني التطبيق في المرحلة السابقة، ويحدد الأبعاد الأكثر أصالة للعالمية الثانية".
    ثم أخيراً تأتي الإشارة الثالثة ضمن مبحث "الأفق التاريخي الجديد والظاهرة الإسرائيلية" والتي يبدو أنها تتعلق إما بكتاب محمود محمد طه الذي أصدره عشية النكسة 1967م، ودعى فيه الرؤساء العرب للصلح مع إسرائيل، أو ربما هي إشارة إلى الرئيس السادات بعد إبرامه لصلح كامب ديفيد فيما بعد حرب أكتوبر 1973م، وأحسب أنها موجهة إلى محمود محمد طه بسبب أنها تعالج القضية في مستواها المنهجي والتاريخي ولا تعنى كثيراً بالاتجاهات السياسية الآنية قائلاً: "إذن العلاقة العربية الإسرائيلية هي علاقة نفي وتضاد أبدية، ولا تقبل في حتميتها أي توسط أو معالجة. هكذا قدر الله الأمر وأوضحه قرآنياً منذ أن جعل ظاهرتي الوجود العربي والوجود الإسرائيلي متماثلين ومتقابلين". على الرغم من أن الإشارات التي وردت في حق محمود محمد طه تحتوي على نبرة عالية من السخرية وعدم الرغبة في الإشارة بالتعين، إلا أن أطروحة محمود محمد طه حاضرة في نص العالمية الثانية، فقد أخذت منها كثيراً من المعالم، وتبنت بعض خلاصتها العلمية، ولن نخطئ الرمية إن قلنا إن "العالمية الثانية" هي "رسالة ثانية" دون رسول يعلن عنها، لكننا نلاحظ أن حاج حمد قد عمل جاهداً لإخراج أطروحته من ما وقع فيه محمود محمد طه، لتكون دعوى الأخير تقع في دائرة القول الصوفي الشاطح، ومقالة حاج حمد هي مبدأ علمي في التحليل واكتشاف منهجية القرآن المعرفية، لعل من خبر التراث الفكري لمحمود محمد طه في الرسالة الثانية، أو طريق محمد، أو نقد التفسير العصري لمصطفى محمود، أو محاضرته عن الماركسية وغيرها من الرسائل يرى نقاط اتفاق كثيرة، لكن ما عمله حاج حمد في كتابه هو محاولة بيان نقاط الاختلاف الجوهرية بينه وبين محمود محمد طه، دون أن يعطيه ميزة الذكر بالاسم أو التنويه لمؤلفاته، ولعل في ذلك غرض خفي تغاباه حاج حمد وتركة للقارئ الفطن ليفهم تلك السخرية والحدة في التناول في إطار ما أسميناه بالسكوت الاستراتيجي.
    لعل القصد الذي أردنا الانتباه إليه باتباع هذا السبيل في الإشارة إلى كلٍّ من سيد قطب ومحمود محمد طه، لعل الإجابة الأولية تتعلق بأن الفارق الجوهري بين من سكت عنهم على الرغم من صلتهم بموضوعه، بينما توسع في ذكر صادق جلال العظم، وأكثر من الإشارة إلى د. خليل أحمد خليل العلمي في التحليل، وإن انبنت على مبادئ علمانية، فهي قد توفرت على قدر من الموضوعية جعل حاج حمد يوليها تلك العناية الخاصة، وهي من ثم تمثل النقيضين "العلمي والعملي" للعالمية الثانية.
    أما كتابات سيد قطب ومحمود محمد طه فهي تنتمي إلى ميراث نهايات العالمية الأولى، ربما يعتقد البعض أن لفظ "العلمية" ليس إلا سلاحاً أيدلوجياً يستخدم ضد الخصوم، كما فعل الكتّاب الماركسيون وماركس نفسه إزاء الكتابات الاشتراكية التي لا تتبنى النهج الماركسي، فصارت الاشتراكية العلمية في شكلها الماركسي هي الوحيدة الجدير بصفة "العلمية".
    3/ كيفية صياغة أشكال النهضة:
    حاج حمد هو أول من يثير الانتباه لتلك المسلمات التي تحرك من خلالها لصياغة سؤال النهضة ومحاولة الإجابة عليه. ولعل من أهم تنبيه المسلمات هو تنبيه لتقسيم مراحل العقل الإنساني إلى ثلاث مراحل، أولها العقل الإحيائي، ثم العقل الطبيعي، ثم العقل العلمي، وارتباط قيام العالمية الثانية بقيام دولة إسرائيل، وأخيراً مبدأ العالمية الثانية نفسه. اتخذه حاج حمد كواحدة من تلك المسلمات التي لا تحتاج إلى إثبات وإن عرضها بهذه الكيفية لا يعني مصادرة المطلوب، فلنقم باستعراض معالم كل واحد من هذه المسلمات على حدة، ثم نبيّن من بعد ذلك كيف استخدم هذه المسلمات في صياغة سؤال النهضة، ومن ثم اقتراح حل للمشكل العربي الإسلامي في إطار الحضارة الإنسانية العالمية والذي يقوم على مبدأ العالمية الثانية في إعادة تقسيم التاريخ الديني للإنسانية.
    عليه الرؤية الكلية التي يقترحها لإعادة تقسيم التاريخ الإنساني الديني، تحل إشكالية النهضة العربية الإسلامية وفق إطار إنساني شامل يتخذ فيه العرب المسلمون مركز الصدارة، ولكنه بذلك يقوم على اكتشاف منهجية القرآن المعرفية، وبسبب تداخل هذه القضايا وارتباطها ببعضها البعض يجد القارئ لكتاب (العالمية الثانية) تكراراً للقضايا، إن لم يمعن النظر لحسب أن ذلك من فضول القول الذي يقع ممن لا يحسن التعبير عن ما في دخيلته، لكن الأمر ليس كذلك بل يمكننا القول أن صاحب (العالمية الثانية) قد بلغ قدراً عالياً في مقولاته الخطابية التركيبية من الإبانة.
    ضمن تحريره لمبحث "منهجنا والعالمية الجديدة" ذكر أهمية هذه القسمة الثلاثية في التحليل، لكنه قدم بعض التعديلات التي حسبها جوهرية، ولكنني أرى أنها من باب التعديلات التي تقبل الإطار العام وتعيد تنظيم مفرداته وفق حاجيات جديدة، ولا تمس بأي حال من الأحوال الأصول الأساسية، لكن المثير للدهشة حقاً هو أن مبدأ العلمية هو الذي حدا به لقبول هذه القسمة الثلاثية للعقل، ومحاولة تعديلها في إطار منهجية القرآن المعرفية قائلاً: (في عصرنا الراهن تعتبر مسألة تحديد طبيعة المنهج التحليلي من أهم المسائل المطروحة، وقد ضاعفت الحضارة الأوروبية حساسية الأمر بنقدها المتوالي عبر تطوراتها التاريخية للأشكال السابقة من التفكير البشري) ليحدد صرامة تلك المراحل، فانتقد العقل "الطبيعي" مفهوميات العقل "الإيحائي" الخرافي ثم قفز إلى العقل "العلمي" في مرحلة متقدمة كاشفاً عن عيوب العقل الطبيعي ومفهومايته ومقولاته "ليصل إلى نتيجة مفادها": بذلك أصبحت معركة المنهج تطغى على تصنيفات البحوث نفسها، ليعتبر المنهج عنواناً ومقدمة لطبيعة البحث نفسه "فمن ثم يجد نفسه مطالباً ببيان المنهجية التي سيسلكها للاحتجاج لأطروحته قائلاً: "إن منهجنا وبلا أدنى شك يعتمد على نوع من الحكمة التأملية التي تربط بين قدرات العقل الذاتية باعتباره جملة وعي حساس، وبين مكنونات القرآن باعتباره الوعي المعادل للحركة الكونية في صدوره عن الله" ويذهب بتفصيل أكثر لتوضيح مقتضيات هذا الموقف المنهجي في تعديل فهمه للاتجاهات التي تلبس بها العقل الإنساني في مراحله الثلاث قائلاً: (نحن – إذن لسنا مع مبادئ العقل الطبيعي، كذلك لسنا مع العقل المجرد ضمن الاتجاهات الوضعية الضيقة، وإنما نؤمن بدمج القدرات العقلية جملة من الوعي الهائل بوعي الكتاب الكوني تلمساً لإدراك الأمور ضمن حقائقها وعلاقاتها).
    قد تبدو هذه المقالة مما يقع في خانة الحالة الشاعرية الفائقة، أكثر من كونها احتجاجاً عقلياً، لكن من خبر طريقة حاج حمد في هذا الصدد، خاصة حينما يتعلق الأمر بمواقفه المبدئية، تبدو تلك الشاعرية الطاغية في طريقة احتجاجه، لكن ذلك لا يقلل من قيمتها الموضوعية، بل على العكس من ذلك قد يضفي عليها نوعاً من الحماسة والانتماء لما يريد أن يعلق بذهن القارئ.
    لقد احتلت مسلمة العالمية الثانية وضعاً محورياً في أطروحة حاج حمد، ربما يكون القول فيها أنها مجرد مسلمة، بل يكون أكثر من ذلك حين نرى أنا تنتج عن اكتشاف منهجية القرآن المعرفية، وهي علاوة على ذلك المسلمة التي تلتقي عندها كل المسلمات الأخرى، ويبدأ بها التحليل وتنتهي عندها النتائج الرئيسة. ولذلك بدلاً من أن يخضعها للتحليل والنقد اتخذها مسلّمة أساسية في احتجاجه وفي نقده لقضايا التاريخ الديني والسياسي ومسائل التجديد وقضايا المستقبل ومآلات الإنسانية.
    إن النقد الجوهري للحضارة الأوروبية الراهنة – حسب رأي حاج حمد – يكمن في ذهولها عن منهجية القرآن المعرفية التي تقوم على الدمج بين قراءة الكون والوحي، والبديل الحضاري الذي هو نقيض هذه الحضارة الأوروبية، ينتهض من أعماله لمنهجية القرآن المعرفية، فالإنسان بوعيه الكوني هو الرابط بين جدلية الغيب والطبيعة، وتحويل الإنسان إلى شيء من أشياء الطبيعة، وهو بالجملة إسقاط لجدلية الغيب من المعادلة. وإنسان العالمية الثانية وحده هو القادر على إحداث ذلك الدمج بين القراءتين، وإحداث حضارة قائمة على السلام لا على الصراع، ومن ثم تحل مشكلة المنهج في الحضارة الغربية وتخرج الإنسانية من مأزقها المعرفي، وتستشرف معنى العالمية الإنسانية الحقة التي تحقق السلام العالمي الذي عجزت الحضارة الأوروبية "التي تدعي العالمية" بسبب ذهولها عن المنهج الصحيح وقيامها على أساس الصراع.
    ولعل المباحث التي عقدها فيما أسماه (الجزء الرابع) والذي أعطاه عنوان (باتجاه العالمية الثانية) تتبين فيه معالم هذه المسلمة على وجه الخصوص في مباحث "مقدمات على طريق العالمية الثانية"، وكذلك مبحث "خصائص العالمية الثانية". وإذا أخذنا واحدة من القضايا التي أولاها اعتباراً خاصاً هو التميز بين منهج العالمية الثانية والماركسية قائلاً أما الفارق بيننا وبينهم، أي بين المنهج القرآني لفهم مدلولات الحركة، وبين المنهج الماركسي، فيكمن في طبيعة فهمنا للظواهر الطبيعية كظواهر ذات محتوى إنساني كوني في إطار مقوماتها الطبيعية، وأن العلاقة الكلية التي تربط ما بين مجموعة الظواهر في سياق الحركة العامة هي علاقة كونية وليست بشرية، وأنها لا تقبل المصادفة ولكن التقدير الإلهي الذي ينفذ إلى كل التفاصيل في حياة الشعوب من خصوصيتها وموقعها إلى تركيبها واتجاهات حركتها، تلك إذاً العلاقة الفاصلة بين منهج الماركسية ومنهجية القرآن المعرفية، فالطريقة التي يحتج بها هي أشبه بالتقريرية، ربما بسبب أنه أراد أن يتخذ مما اعتقد أنه من مسلمات القرآن، مسلمات له لكن على سبيل الالتفات لبيان العلاقة الدقيقة على طريقة الفكر التأملي تجد بعض الملحوظات الجوانية، لكنها في مجملها لا ترقى – بالطبع – إلى طريقة الاحتجاج البرهاني.
    وإذا انتقلنا للمبحث الذي عقده لبيان خصائص العالمية الإسلامية الثانية، يسترعي انتباهنا افتتاحية ذلك المبحث، والتي تأخذ قضية عودة بني إسرائيل إلى فلسطين كنقطة ارتكاز معطاة بسببها تنعقد الدلالات الأخرى في التحليل قائلاً (قد قضى الله أن تنتهي العالمية الإسلامية الأولى بعودة بني إسرائيل إلى فلسطين "المسجد الأقصى" وإنشائهم لدولتهم، وأمدهم الله كما قضى بأموال وبنين تتدفق عليهم من أرجاء كثيرة من العالم، وجعلهم أكثر نفيراً. ويبيّن لنا كيف أن قيام دولة إسرائيل كان إيذاناً بانتهاء دورة حضارية في المنطقة، ومن مظاهر انتهاء العالمية الإسلامية الأولى هي التحول نحو البدائل الوضعية والارتداد نحو الإقليمية وعناصر الانقسام داخل الأمة العربية، ثم محاولة إحياء الأصول الحضارية السابقة على الإسلام.
    وللتدليل على ذلك ذكرنا حاج حمد: "كل هذه المظاهر ذات علاقات جدلية متفاعلة باتجاه الهزيمة الكبرى، فليس غريباً إذن أن يعلن الرئيس المصري برنامج للصلح مع إسرائيل وهو يخاطب الصحفيين مشيداً بحضارة مصر الضاربة في الجذور، ومتخذاً من الأهرامات الثلاثة خلفية لمظهره التلفزيوني". إذاً ليس عجباً أن تتداخل مسلمة العالمية الثانية مع رصيفتها قيام دولة إسرائيل ونهاية العالمية الأولى باكتشاف منهجية القرآن المعرفية، وليس ذلك بأية حال من الأحوال – على سبيل الاحتجاج الدائري، ولكنه يبيّن لنا الترابط في أطروحته، مما جعله يتخذ ما يحب أن يكون موضعاً للتدليل مقدمة أساسية في الاحتجاج.
    لا شك أن النظر في كتاب العالمية الثانية – يحسب أن قيام دولة إسرائيل واحدة من المسلمات الجوهرية بسبب التحليل المستفيض للتجربة الإسرائيلية في التاريخ الديني للإنسانية، وإعطائهم وضعاً مركزياً في تطور تجارب البشرية، فإن كانت التجربة الإنسانية قد بدأت بمرحلة الفردية ثم انتقلت إلى مرحلة القومية، فإن تجربة بني إسرائيل قد لقيت عناية فائقة من القرآن – حسب رأي حاج حمد – ولذلك تولى دراستها بالتفصيل في تتبع دقيق لآي القرآن، ابتداءً بسورة البقرة ومروراً بالسور الأخرى مع التركيز على سورة الإسراء وسورتي النحل والكهف لاستنتاج نموذج ديني لمرحلة الدولة القومية، والتي تكون فيه دولة بني إسرائيل بمراحلها في التكوين على يد موسى، وفي العلو على يد داؤد وسليمان نموذجاً نقيضاً للدولة الفرعونية.
    وقد تقرر – حسب رأي حاج حمد – في الدولة الإسرائيلية مبدأ الحكم بالحق: "والحق ليس هو التشريع وإنما مصدر التشريع أي أن يكون هذا المصدر قائماً في نفوسنا ليأتي تطبيقاً للتشريع على نسق الحكمة القابضة للخلق الكوني". ويرتب حاج حمد على هذا المعنى فهماً للعبادة والشريعة مرتبطاً بمنهجية القرآن المعرفية قائلاً: "فالتشريع ليس سوى تجسيد للمنهجية الكونية على مستوى الحياة البشرية في فلكها". فهذه المعاني المتعلقة بين التجربة الإسرائيلية التي تمتد من موسى عليه السلام إلى مجيء المسيح، ثم ختم الوحي الإلهي بالوحي المحمدي، وهذه المقارنات قصد منها إجراء تقابل في التجربتين، بحيث يكون ذلك تمهيداً لاستخلاص معالم العالمية الثانية "طبقاً لمنهجنا فإننا نفسر خلو التجربة المحمدية العربية من الآيات المعجزة برد أصول التجربة إلى (الرحمة الإلهية) في مقابل (الخير العربي) .. هنا يتضح الفارق النوعي في التعامل الإلهي مع تجربة الإيمان العربي، ومع تجربة الإيمان الإسرائيلي، فهو لم يحدث هنا تغييراً ظاهرياً في السنة الكونية، لا في حالة التأييد ولا في حالة العقاب، حتى أن إنزال الملائكة في بدر إلى جانب المسلمين أنفذه الله كحدث غيبي غير مرئي بالنسبة للبشر (إذاً فمحورية قيام دولة بني إسرائيل هي حلقة في سلسلة متلاحقة من المفاهيم والمضامين الدينية، وعدم القدرة على رؤيتها في هذا السياق الذي يجمع بين تاريخ إسرائيل كنموذج ديني للدولة القومية والعالمية الأولى، الديني يتمحور حول إعادة قراءة تاريخ التجربة الإسرائيلية في سياق الفردانية، والدولة القومية قيم العالمية. وهو كذلك يقتضي النظر في آيات القرآن الكريم وفق متوازيات بين التجربتين الإسرائيلية والمحمدية في عالميتها الأولى، ويقتضي أكثر من ذلك إعادة قراءة السيرة النبوية وفقاً لمنهج الجمع بين القراءتين، والذي يجعل من الغيب مقدمة تفسيرية ضرورية لذلك التاريخ، ومن ثم لابد من إعادة كتابة السيرة وفقاً لذلك النهج الذي حاول حاج حمد بيان معالمه. ولا تقف إعادة قراءة التجربتين عن طريق التوازي بينهما لإثبات أن ما حدث في تاريخ بني إسرائيل بين موسى وسليمان تحقق في مدى التجربة النبوية المحمدية، الذي أخرجه القرآن من فرديته إلى عالمية حبه، وبيّن مفاصل التجربة الدينية.
    وفقاً لمنهج القرآن الكريم في الدمج بين القراءتين أقول إنه قد اقترح قراءة أعمق من مراحل الفردية الآدمية والقومية الإسرائيلية والعالمية الأولى، ثم قيام دولة بني إسرائيل كفاتحة للعالمية الثانية، والتي هي خاتمة التاريخ الإنساني حيث يبيّن كيف أن العالمية الثانية هي قمة التطور الروحي لدى البشرية، ليس بسبب الأفضلية ولكن بسبب شروط العصر القائمة على "المنهجية". ويؤكد هذا المعنى حاج حمد قائلاً: "إذن منهجيتنا هي منهجية القرآن التي نشأت منها التجربة المحمدية العربية، ولا ندعي أن ثمة جديد يضاف، سوى محاولة الوعي بالقرآن في إطاره المنهجي الكلي على نحو كوني شامل، بوصفه معادلاً للحركة الكونية وكل دلالاتها.. ولا يعود الأمر لنقص فهم وكمال فينا، وإنما يعود لطبيعة مقومات تجربتهم وخصائص تكوينهم التاريخي والاجتماعي "كفاتحة لعالمية إنسانية تنتهي عند قيام دولة إسرائيل الثانية حسب نبؤة سورة الإسراء، والتي عهد لقيام العالمية الثانية على أساس منهجية القرآن المعرفية، ولتحقيق السلام العالمي وإخراج الإنسانية من دورة الصراع والمناهج الوضعية المادية التي تسقط الغيب في جدليتها.
    من كل ما ذكر نخلص إلى أن حاج حمد في إطار المسلمات مع بعضها البعض بدأ سؤال النهضة مرتبطاً بمآلات تاريخ العرب في ارتباطه بالعالمية الأولى، وبدأ بسبب اكتشاف فُهمت الدراسة على أساسه إشارة سورة الإسراء أن سؤال النهضة قائم على إنجاز فهم للقرآن في مستوى منهجية القرآن المعرفية، وإنجاز قاموس لساني للقرآن، حيث إن بناء القرآن اللغوي معادل للكون ولا يجدي فيه النظر التجريبي أو الخطأ القائم على تحنيط اللغة القرآنية في قواميس تخل بفهم معاني القرآن الكريم، وفي كل ذلك يريد حاج حمد أن يرتفع العرب المسلمون إلى مستوى منهجية القرآن المعرفية وهم يستشرفون بداياتها، ومن ثم فإن إعادة قراءة التاريخ الديني للإنسانية ليس فيه توفير حل لمعضلة النهضة لدى العرب المسلمين، وإنما به تحل مشكلة الإنسانية في مستوى العالمية الثانية.
    4/ تقديم مشروعه الفكري:
    لابد من القول بأن تقديم مشروعه الفكري هو بالأساس النظر إلى ما بقي فاعلاً في حركة الفكر من بعده، ولا يمتري بأن أطروحة منهجية القرآن المعرفية قد أثارت جدلاً علمياً كبيراً لم يتح لأية أطروحة مماثلة من هذا الجدل الشرس في تاريخنا الفكري المعاصر. وحينما عقد المعهد العالمي للفكر الإسلامي ندوته الشهيرة لتقويم كتاب (منهجية القرآن المعرفية) قبل طبعه، بدأ واضحاً أن الأطروحة في صميمها لا غبار عليها، بل إنها أداة للتحليل في غاية الفائدة، وأنها ستعطي مشروع إسلامية المعرفة زخماً معرفياً مرتبطاً بالقرآن الكريم، فحينما اعترض على الأطروحة د. محمد عمارة لم يعترض عليها كأداة للتحيل العلمي، وإنما اعترض على الترتيبات العلمية والخلاصات التي استنتجها حاج حمد، خاصة حينما تستخدم كأداة في إطار ملحمة العالمية الثانية، ولذلك لم يستطع المعهد العالمي للفكر الإسلامي طبع الكتاب وتبنيه في السلسلة المنهجية أو غيرها، وقام الشيخ طه جابر العلواني بتجديد الأطروحة وإعادة صياغتها في إطار مدرسة سيد قطب في التفسير، وطبعت بعنوان منهجية القرآن المعرفية، وتلقتها الحركة الفكرية الدائرة حول فكر المعهد بالقبول، لكن حاج حمد قام بنشرها كما هي نشراً خاصاً به، وعليه إن اتخذنا النقاش الذي دار حول الكتاب (منهجية القرآن المعرفية) في ندوة القاهرة نجد أن الأطروحة هي من أميز ما أنتجته الحركة العلمية في القرن العشرين، وإنها ستستمر في توجيه وتحريك حركة الفكر الإسلامي وشحذ همم قادة الرأي لإنجاز النظام المعرفي الإسلامي، وفقاً لتلك المنهجية وللانتفاع بالنقاش الدائر إلى مصاف الإنسانية لتقديم حلول لمأزقها المعرفي.
    وكما أفضى بنا النقاش في شأن مصادر حاج حمد من أن أطروحة منهجية القرآن المعرفية هي في الأساس امتداد لمدرسة سيد قطب في التفسير، وإنها في هذا الإطار تضمن استمرارية الفكر الإسلامي الذي لا يصادق ثوابت الأمة العقدية والفكرية، ولكنها حينما تخرج عن فكر المدرسة يبدو واضحاً الانقسامات التي ستحدثها، وليس تجربة ندوة القاهرة إلا واحدة من تلك المنتديات، وليس معنى ربط منهجية القرآن المعرفية التقليل من جهد حاج حمد العلمي، بل والحق يقال إن حديث سيد قطب المتكرر عن منهج القرآن لم يكن سوى مجرد شعار كان ينتظر من يقوم بصياغته من ناحية منهجية، وذلك ما فعله حاج حمد، فتجاوز به الأفق المعرفي الذي نادي به سيد قطب، وهو كذلك قد استفاد كثيراً من محمود محمد طه، وإخراج أفكاره من صوفيتها الشاطحة.
    لابد في الختام من القول بأن كتاب (العالمية الثانية) لابد وأن يقرأ مع كتاب (السودان المأزق التاريخي وآفاق المستقبل)، فمستقبل السودان الحقيقي المرتبط بمستقبل العروبة والإسلام – مرتبط بآفاق أطروحة العالمية الثانية.
                  

العنوان الكاتب Date
الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 02:38 AM
  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 02:41 AM
    Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 02:43 AM
      Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 02:49 AM
        Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 02:50 AM
          Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 02:51 AM
            Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 02:52 AM
              Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 02:53 AM
                Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 02:54 AM
                  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 02:55 AM
                    Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 02:55 AM
                      Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 02:56 AM
                        Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 02:57 AM
                          Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 02:58 AM
                            Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 03:00 AM
                              Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 03:00 AM
                                Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 03:01 AM
                                  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 03:02 AM
                                    Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 03:03 AM
                                      Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 03:04 AM
                                        Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 03:14 AM
  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 04:06 AM
    Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 04:08 AM
  رد Mohamed fageer04-02-08, 04:30 AM
    Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:05 PM
      Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:07 PM
        Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:08 PM
          Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:09 PM
            Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:10 PM
              Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:11 PM
                Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:12 PM
                  Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:13 PM
                    Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:13 PM
                      Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:14 PM
                        Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:15 PM
                          Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:16 PM
                            Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:23 PM
                              Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:39 PM
                                Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:47 PM
                                  Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 02:44 PM
                                    Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 02:59 PM
                                      Re: رد عمار محمد حامد04-02-08, 07:21 PM
                                    Re: رد عبدالله عثمان04-04-08, 00:40 AM
                                    Re: رد عبدالله عثمان04-04-08, 01:30 AM
                                      Re: رد عبدالله عثمان04-04-08, 01:34 AM
                                        Re: رد عبدالله عثمان04-04-08, 01:36 AM
                                          Re: رد عبدالله عثمان04-04-08, 01:38 AM
                                            Re: رد عبدالله عثمان04-04-08, 01:40 AM
                                              Re: رد عبدالله عثمان04-04-08, 01:45 AM
                                                Re: رد عبدالله عثمان04-04-08, 01:46 AM
                                                  Re: رد عبدالله عثمان04-04-08, 01:49 AM
                                                    Re: رد عبدالله عثمان04-04-08, 01:52 AM
                                                      Re: رد عبدالله عثمان04-04-08, 01:58 AM
                                                        Re: رد عبدالله عثمان04-04-08, 02:03 AM
                                                          Re: رد عبدالله عثمان04-04-08, 02:07 AM
  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 07:23 PM
    Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:34 AM
      Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:35 AM
        Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:36 AM
          Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:37 AM
            Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:39 AM
              Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:40 AM
                Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:41 AM
                  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:42 AM
  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:45 AM
    Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:45 AM
      Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:46 AM
        Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:47 AM
          Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:48 AM
            Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:49 AM
              Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:50 AM
                Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:51 AM
                  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:51 AM
                    Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:52 AM
                      Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:53 AM
                        Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:54 AM
                          Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:55 AM
                            Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:56 AM
  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 01:02 AM
    Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 01:04 AM
      Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 01:06 AM
        Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 01:08 AM
          Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 01:09 AM
            Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 01:10 AM
              Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 01:11 AM
                Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 01:12 AM
                  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 01:13 AM
                    Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 01:14 AM
                      Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 01:15 AM
                        Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 01:16 AM
                          Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 01:17 AM
                            Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 01:18 AM
  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 03:33 PM
  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 07:06 PM
  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 07:44 PM
  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 10:04 PM
    Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 10:05 PM
      Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 11:34 PM
      Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-04-08, 03:19 AM
  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-04-08, 00:31 AM
    Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-06-08, 04:51 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de