حكامات دافور : بوست وقع من عربة الترحيل ؟

Quote: ومداخلتك من باب الغناء وهذا السؤال العريض ، هل يصلح الرقص ما افسده العسكر ، ستجاوبه ازمنة قادمة عندما تعلوا الزغاريد على اصوات البنادق وعندما يعلوا دخان الصندل على دخاخين الحريق الراهن ، ورغم قلة الحيلة المشار اليها هنا ، الا ان الملاحظ لما كتب فقد عبر الجميع عن تضامنهم مع اهل دارفور ، ورفضهم للصور البشعة التي تناقلتها وسائل الاعلام ، وان كان الباديئ للعيان عدم معرفة الكثيرين بما يدور هناك او طبيعة وتركيبة المنطقة ، وهذا حالنا جميعنا يجهل بعضنا ولا تثريب ويكفي الاحساس ، ولم تتكون كثير من الشعوب وتصل ما وصلت اليه الا عبر حروب ومطاحن ، وامامنا اوروبا بتاريخها المليئ بالصراعات وامريكا الراهنة وحربها الاهلية الطويلة ، ورغم ما يحدث في وطننا من قتل وتشريد الا ان في آخر هذه العتمة ثمة ضوء ولا يمكن ان تستمر هذه الحالة المائلة . وندخل للحكامات ، وبما ان الحكامة في دارفور هي شخصية رئيسية لا يمكن تجاوزها فيمكنها ان تصلح بالرقص الكثير من مما افسده العسكر ، هذا اذا لم تقع الحكامة فريسة اضواء التلفزيون وجهلها بما يحاك لها وتوظيفها لادائه ، فمجتمعنا مجتمع بسيط كل ما يعرفه عن الحكومة يتمثل في من يلبس الميري ، والبوت ، فلم نرى حكومة ذات صبغة مدنية او نشارك في صنع تلك الحكومات ودوما يتولى العسكر امر تلك الفيافي البعيدة وبالتالي ان العلاقة بين الحكامة والعكسر علاقة مرؤوس برئيسة ، والتي شقت عصا الطاعة وحرضت الرجال على الثورة تم اعدامها هي والرجال ـ في حادثة الاولى من نوعها في تاريخنا ، ان يتم اعدام مغنية لانها وحسب بيئتها تؤدي دروها في التحريض ، ويجب محاكمتها على هذا الاساس وليس شنقا حتى الموت لاسكات صوت الغناء وترويض الاخريات ، يلتبس لدى الكثيرين دور الحكامة ووضعيتها الاجتماعية ، وكثيرون يعتقدون ان الحكامة يجب ان تكون مثل الجارية في القبيلة ، متناسين ان الحكامة في الغالب تتميز بمكانة اجتماعية متقدمة ، وكذلك ملكة ابداعية تؤهلها لحمل اللقب ، ولا يأتي هذا اعتباطا فالحكامة يتم الاجماع عليها بناء على مقومات وترشيحات وتنافس في الانتاج الغنائي وحكمة في ادارة الجانب الفني في القبيلة ابتداء من اغاني النحاس حتى اغاني الرقص وغيرها ، وكذذلك توضع في ميزان الحرافة ، اي ان تكون انسانة حريفة ، والحرافة تعني وفق مقاييس المدن الشياكة والاتكيت ، والزوق ، وما يشابهها من مصطلحات ، والحكامة تمثل المرأة الاولى في القبيلة ، فاذا كان نساء فريق محدد في زيارة لقبيلة اخرى تتولى الحكامة الزعامة والاعداد والمظهر اللائق الذي يجب ان تظهر به القبيلة .. وهنالك دور قضائي آخر تقوم الحكامة به في المحاكمات التي تدور في البادية المحددة ، وهذه محاكمات صورية للشباب ، وفق قوانين توضع ، مثل تحريم اكلات معينة على الشباب لانها لا تتناسب والحرافة ، او حمل السكين بشكل دائم في ذراع اي شاب ، او النجدة عند الضرورة ، وكل من يخالف مثل هذه التشريعات يتعرض لمحاكمة ، تتثمل في اقامة وليمة ةغرامة مالية يتم بها شراء مستلزمات حفل صغير ، وعادة ما يتشارك الشباب في مثل هذه المناسبات (SHARING ) وتقام وليمة يتم فيها الرقص واعادة المحكوم عليه الى صفوف الشباب ، ومن رفض الرسوخ للحكم يتم رفده من قائمة الشباب وبالتالي لا يرقص مع اي من الشابات او يعاني من مشاكل حتى في اختيار زوجة اذا لم يكن متزوج ، اذن للحكامة سلطة على القبيلة اذا تتبعناها نجدها تتجاوز حدود الغناء فقط .. وهذه السلطة يتم احيانا توظيفها بطريق الخطأ مثل التحريض على القتل والسلب .. مثل ان تقول الحكامة شرط ، انها تريد رأس فارس القبيلة الفلانية .. كما يحدث في الزمن الغابر ... وبالتالي لابد من تنفيذ هذا الشرط والا لوجد جميع الرجال انفسهم امام حالة خيبة .. وكذلك طلب الحكامة ثور من بقر القبيلة الفلانية او هذه الطلبات التي عادة ما تؤدي لحروب طويلة والاحتمال الراجح تفقد فيها الحكامة زينة شباب قبيلتها .. هنا علينا ان ننظر للبيئة القاحلة والظروف البئية والتخلف الاجتماعي مما ينتج فن يخالف جوهر الفن نفسه والقيم التي يؤسس لها ، ولكن هنالك جوانب ايجابية في غناء الحكامات .. تتعلق بالدعوة للتسامح ورفض الظلم .. فليس هنالك ثابت واذا اخذنا سؤالك كمعيار يمكننا ان نؤكد ان الحكامات يمكنهن هزيمة العسكر بالرقص والغناء هذا اذا وجد الوعي اللازم لشرح الاوضاع للحكامات وتبيين الرؤية السليمة .. وعلى كل حال ومهما كان وما سيكون سيهزم الغناء اصوات الرصاص .. وسيأتي يوم ويكون غناء الحكامات للحب ، وللتعايش وللحرية .. وستبقى الحكامة ما بقيت تلك السهول وذلك الليل الحميم