هجاء الروائي الحسن البكري

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-24-2024, 04:11 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة الاديب محسن خالد(محسن خالد)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-21-2007, 06:44 PM

محسن خالد
<aمحسن خالد
تاريخ التسجيل: 01-06-2005
مجموع المشاركات: 4961

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هجاء الروائي الحسن البكري (Re: Mohamed E. Seliaman)

    ..

    كلب السجان


    مهما جَوَّلت عينيك، فلن تقعا إلا على أعشاب النيل؛ كأنما الباخرة الحربية تسير فوق حشائش ليس من تحتها مياه. فما يُفترض فيه أنه طفيلي وزائد يُرى كسيِّد للنهر وللموقف بكامله. كانوا يُبْحرون فوق دُكْنَة مياه مُحْمَرَّة بفعل أزهار الأعشاب وميلان الشمس. ربما كان للطبيعة أن تصالح قاعها الأهم، الهدوء، لفترة أَهْوَل، لولا انطلاق المدافع بشكل مباغت وشرس من أجل جَرِّ الطبيعة نحو التصورات. صاروخان من مدافع البازوكا أخطأا الباخرة بقليل؛ وإنْ جعلا النهر يداخل سَمْتَه الأهم والمطوي.
    بدأت أبراج الباخرة "لول" ترد على نحو عشوائي؛ فالساحلان من حولها تحَوَّلا إلى خنادق رماية غير مرئية. لم يكن الرقيب إبراهيم يستطيع بلوغ كوثل الباخرة؛ ولا حتى بلوغ مخزن الذخيرة المجاور. قَرَّرا هو وضابط تعيينات باخرة الإمداد اختيار أحد الشاطئين لخوض معركة مجهولة. فلو بقيت الباخرة في وسط النهر فهي بذلك تُشَكِّلُ أوَّلاً متعة لصائديها علاوة على مساعدتهم في إنجاز تصورهم.
    الباخرة اختارت إحدى الضفتين واتجهت نحوها، وبدت الأمور أسوأ لأن التهديف على الباخرة أصبح بشكل مباشر وأكثر تجويداً؛ وإن كان في المقابل قد تراجعت كثافة النيران المنطلقة من الشاطئ. الاقتراب والمباشرة يُلحقان الضرر بالطرفين.
    تقاتل الرجال فوق الشاطئ بالقذائف والبارود والسونكيات والأعمار، وعرف الرقيب إبراهيم أنَّ هذه المعركة خاسرة. فادَّخر ما تبَقَّى معه من بارود للدروب التي ستُهَرِّبه بعيداً ولا يعرف ما ينتظره فيها.
    بدأ هروبه الكاسر، وبدأت لعبة الطبيعة إيهامها له بأنَّ كل شيء خلفه يركض في إثره. هو يعرف دراما الخوف هذه لأنه بالأساس لا يعرف دراما غيرها، ولكن لا زال خَبْط الأشياء خلفه يلاحقه بدون توَقُّف. صوت لمطارد عنيد لا يكلُّ ولا يتعب، يقفز في نهر وينفذ من جهته الأخرى على أمل أن ينقطع وقع خطاه خلفه، ولكن لا فائدة. يقذف بنفسه في حظائر شوك ويخرط بقاياه من جهتها الأخرى، وأيضاً لا يتوَقَّف ذلك الراكض خلفه. ربما حَاكَ من كل شيء في تلك الغابة متاهةً إثر متاهة ليضلل مطارده الشيطاني، ولا فائدة مع ذلك الشيء اللعين. كان مُطارِداً يتخلَّق من دربه الذي يسلكه. عند هذا الحد توقَّف الرقيب تحت شجرة مهوقني ضخمة وسحب أجهزة التعمير في رشاشه، هاهنا يجب أن يكون قبراً لأحدهما. الدرب لن يسعهما معاً إنْ لم يكن هدف وجهتهما واحداً. دفن الرقيب نفسه تحت كومة حشائش كبيرة من نبات متسلِّق يستخدمه الجنوبيون كعلف للبهائم، ومَكَث يتربّص ظهور ذلك المُطارِد.
    لم يكن عدوَّاً كما توهَّم ذلك، ولا أحد أطفال الخدمة الجنوبيين الذين كانوا معهم في الباخرة. كان كلباً ضخماً وجميلاً يشبه كلاب الصيد التي يقتنيها البدو في البطانة. هو لم يره في الباخرة ليكون متأكداً من كونه لأحد العسكريين، ولا يشبه كلاب الجنوبيين ليكون قد جاء من بطن هذه الغابة. قصته غامضة، ولكن ذاكرته حاولت أن تريحه بتوهمات حول أنه سمع أصواتاً في الباخرة لم تهمه ساعتها، وبالتأكيد تشبه أن تكون لكلب أو لشيء بأربع أرجل على الأقل. مَنْ جاء به على ظهر الباخرة لا بد أنَّه مجرد جندي صغير حرص على أن لا يراه من يفوقونه رتبة. نظرتهما لبعضهما بعضاً، كانت ملامسةَ السيوف في مبارزة، الطريق الذي يبدأه نصلان ويفوز به واحد فقط. مَنْ يستنقذ عمره بحيلة ومهارة كبرى. كأنَّما شعرا بمجرد حاجتهما لبعض في هذه الساعة، لم تخطر على بالهما الصداقة مطلقاً. رَبَّت الرقيب على ظهر الكلب بمجاملة، وشكره الأخير بتمسُّح متكلَّف. ثم بدأت المهام، الكلب يحدد أماكن الطرائد، وحضرة الرقيب يصطاد. ولو كانت مهمة الرقيب تزيد على ذلك باكتشاف أيٍّ من البشر الذين يصادفونهم في الطريق يتبعون لجيش الحكومة وأيُّهم يتبع لحركات التمرد، فواجبات الكلب الإضافية تتمثَّل في تحديد أنواع الثمار والفطر غير المسموم، وكذلك تشَمُّم الدرب من أجل مساعدة الرقيب في الوصول إلى مدينة جوبا.
    وهكذا سارت الأمور أهوالاً إثر أهوال، حتى خلَّصَا عمريهما، أو شحنا عمريهما كبطارية كانت فارغة، وبلغا مدينة جوبا. ثم بدأ نوعٌ من أشكال التكيُّف ينمو بينهما؛ وساعدهما على ذلك الإحساس بالأمن، وتسلُّط من استنقذ حياته كغنيمة. ثم أخذت وجهات النظر بينهما تتقارب كي يستفيد كل واحد منهما من وجوده لجوار الآخر.
    عاشا في بيتهما على عكس حياة الجيش، لا رُتَب ولا أوامر، والكُلفة بينهما مرفوعة حتى يبين سروالها الأحمر. فحياة الرقيب العملية كانت عبارة عَمَّا يستخلصه من وجوده في الحانات ومن بين أفخاذ النساء. بعد سنين طويلة مَرَّ فوقها الرقيب إبراهيم ببوته العسكري مثل مجنزرة، واندهست هي تحته كنبات الحَلْفا الجاف، حين يتكَسَّر بشراسة كانت نائمة واستفاقت، في وجه الخلاء وفي أقدام وجسد مَنْ يدوس عليه، كُلُّ ذلك والدرب الدامي يطول بانطماسه في كل حين، دون هدف ودون توَقُّف. لربما اندهش حينما استدعوه هو بالاسم وعلى وجه التحديد: "قلت الرقيب إبراهيم؟؟ يا لهم من رجال يعرفون مَنْ يريدون!". وقهقه بشماتة مختالة، أحَسَّ بهم لم يستدعوه فحسب، بل وَلَدوه أيضاً كعجل صغير. هؤلاء الرجال الذين يشغلون مكاتب ما؛ لاحوا له كرجال مقتدرين بالفعل، بإمكانهم تعيين هلاميات بهذه الدقة المريعة، تمتم مع نفسه: "هؤلاء قناصون دون شك!"، وقهقه مرة ثانية من براعتهم. لقد سحره هذا الانشغال الصغير والتافه بنفسه لأنَّه يعرف أنه منذ زمن بعيد لم يعد هو، وواقع الحال لم يعد هو واقع الحال ذلك، لا يهم، فاستدعاؤه على وجه التحديد وبهذه الدقة بدا له معجزة دون شك. ولكن لأي كارثة تَجْلِبُ لسيادتهم الترقيات استدعوه يا ترى؟
    نظر في عيون كلبه وتضاحكا، حين كان يُسَوِّي ملابسه ويضبط قيافته العسكرية، اكتشف أنَّه كاد أن ينسى أمورها بالكامل لولا أنَّهم استدعوه، لأي كارثة تَجْلِبُ لسيادتهم الترقيات استدعوه يا ترى؟
    سأل كمن يدافع عن ذاكرته أو يستجديها: أية باخرة "لول"؟ وكم خريف مضى منذ ساعتها؟
    كانوا ضباطاً كباراً ولن يهمهم إن كان هذا الرجل ساخراً أو دمه خفيف. لذا اكتفى بهذا القدر من السخرية حينما تساءل عن "لول" وحيدة ومعلومة بصفة باخرة ضائعة بقلب أساطيل. ولكنه أحنقهم بالفعل حينما بدأ يحسب عدد مواسم الخريف التي انصرمت منذ غرقها وكارثتها إجمالاً. رجل ضَلَّ عن مجَرّتهم بكاملها ولم يعد معه من تذَكُّر كافة معارفهم إلا الحساب على طريقة الخريف هذه، هو وشأنه، ماذا سيفعلون معه؟
    ساعدوه في التوصّل إلى أنَّ الزمن المطلوب هو خمس سنوات وخريف، وأوضحوا له كم من عدد الحكومات والمفاوضات مع الجنوبيين مَرَّ على السودان منذ ذلك الحين، وأنَّ مكان الباخرة "لول" الآن ضمن الأماكن الآمنة والتي تصلها الإغاثة بانتظام، وكذا، وكذا.. والكثير مِمَّا تتطلّبه مهمته الحالية التي لم تُعلَن إلى الآن.
    سألهم منهياً حذلقاتهم وتبجحهم المتقعِّر بشكل مباشر: وأنا المطلوب مني شنو؟
    لا شيء، فقط السجون هنا مكتظة برجال خَوَنَة لم يسوَّ أمرهم بعد. وبما أنَّ البلاد تدخل في مرحلة سِلْم قد تطول، وبما أنَّ هنالك رِجل داخلة ورِجل خارجة، لمنظمات دولية ولزوار وثوار من كافة أرجاء الأرض، فنحن نُفَكِّر في اختراع سجن جديد يُنْقَل إليه بعض هذا الازدحام. لم يعترض، وإن بدا مندهشاً من فكرة تحويل الباخرة "لول" إلى سجن ببطن غابة مجهولة. المنطقة التي غرقت فيها "لول" تبعد عن بعض القرى المحيطة قليلاً، ولكن كيف ستصل المؤن إلى المساجين من "جوبا" البعيدة كثيراً أثناء الخريف وانقطاعاته؟
    لم ينفوا ما قاله، بل أشادوا بذكاء التفاتته وغباء جهله لحكمتها. ألم نقل لك؟ وهناك أيضاً يمكن للمساجين أن يموتوا لظروف طبيعية جداً، وكما يشاؤون، دون تدخُّل ظالم من قِبَلِنا، استعمالك للخريف في العد كان موضوعاً فاشلاً ويخلو من النباهة، ولكن هاهو خريفك هنا يبدو معه بعض الفائدة.
    أما وظيفته هو فأنْ يكون مُنَفِّذ هذه التقنية، وسيدفعون معه ببعض الرجال لمساعدته في ذلك. وضحك هو حال خروجه منهم.
    "أي أولاد شرموطة هؤلاء الضباط؟ ضَرْبَة مرزبة من هنا، وأصبع لحام من هناك، وتنقلب تَلَّةُ "لول" اللعينة هذه إلى سجن، ويُلْقون هم بميزانيته في جيوبهم". أما الفكرة نفسها، "لول" كسجن، فانظر إلى مدى إغرائها بالنسبة لمن تُعْرَض عليهم من الرجال الفوق، الذين همهم الوحيد، اختفاء هؤلاء السياسيين والمناضلين، والانتصار عليهم بمحق وجودهم إلى الأبد. قهقه الرقيب وحده، ومضى يحسب كم خريفاً يمكنه الصبر كرجل مسؤول ومعتمد عليه في إدارة سجن "لول"؟ كان رجلاً غائباً عن نفسه فحسب، وهاهم يريدونه مستشاراً في دائرة غياب كاملة، يريدون خبرته اللعينة والعاطلة.
    ومضى إلى هناك وأخذ معه عسكريين بمواصفات الظَرْف البليد الذي سيكونون مُكَرَّسين له. ضَرْبَة مرزبة من هنا، وأصبع لحام من هناك، وهاهو مديراً لمؤسسة لا نظير لها من حيث كفاءتها وقلة تكاليفها، ولو كانت هنالك بعض الثغرات فسيلحمونها بالبنادق فور أن ينز منها ما يُدَلِّل على إهمالهم.
    هكذا والأمور مضت، ومهما كانت عوجاء فبطول الزمن والتقادم تحصل على استقرارٍ مشابه لها. كُلُّ هذه القصة والكلب لا وجود ولا دخل له، اللهم إلا حين يذهب ناحية النهر المجاور ويرى انعكاسه في رقراق المياه. لم يكن يرى وجهاً لأسد بدل وجهه، ولا حتى وجه غزال بعيون واسعة. فكيف يصير المخلوق حُلْمَه وهو لم تحن فرصته بعد؟ يبدو أن حالة شبه اليقظة التي طرأت على السجّان، بفعل الاندهاش من وظيفته الجديدة، عرقلت الطموح الغافي لكلبه أيامها.
    معظم الذين اختارهم من الرجال لمعاونته تفَرَّقوا من حوله. في الحقيقة سجن كهذا يقع مفعوله على الجميع دون استثناء، المساجين بداخل "لول" والمساجين بخارج "لول". حتى إنَّ ضباط التعيينات بـ"جوبا" أنفسهم، كانوا حين يُقَسِّمون التعيينات والطعام يستخدمون هذا المصطلح وهم يضحكون، حصة المساجين خارج "لول" من السردين يجب أن تكون كذا، أو حصة المساجين داخل "لول" كذا، ويقهقهون بعد ذلك. ولولا أنَّ العساكر إبَّان خريف ما كانوا يجلبون طعامهم وسَكَرَهَم وحريم زناهم من إحدى قرى الجنوبيين المجاورة، لهلكوا في دفعة المساجين التي هلكت أيامها. هؤلاء خسروا مُرَتَّباتهم وما معهم من نقود فحسب، أما أولئك فماتوا بفعل كارثة طبيعية لأبعد الحدود.
    الرقيب إبراهيم أو غيره من العساكر، حين كانوا معه، كانوا يتركون أحد الرجال خلفهم، ولا تنفك البقية تتذوَّق خمر القرى المجاورة لهم، ونساءها الغُلُف حتى يُمْسِي نهارُهم أو يصبح ليلُهم. يرعون اليوم بطوله بفمّين لا يوقفهما لا الإنهاك، لا الشبع لا انعدام المال. المال هذا الشكشوك! ولكن في غابة كهذه:
    "جيبك فاضي يا بُلْدَة؟ ما في مشكلة أبداً، تملاهو رصّاص وتشيل الدايرو".
    ومع ذلك انفضّوا من حوله، فقد كانوا رجالاً يحلمون بأنفسهم وهم بصفات أخرى، وفي أماكن لن تكون الغياب بأي حال من الأحوال.
    عسكري يأخذ إجازة، وآخر يطلب من أخيه أن يُكاتب رئاسة الوحدة بموت أبيهم للمرة الخامسة، وثالث يجرح يده، وهكذا حتى لم تترك الأعذار التي تبدو طبيعية جداً رجلاً خلفها عدا حضرة الرقيب. فقد ثَبَتَ أنَّه الشخص الوحيد الذي كان يمتلك العذر الطبيعي الذي يبقيه في ذلك المكان. فقد تَسلَّح هو منذ البداية بخلوته ضد خلائه، وتعلَّم الكثير، كيف يستنبط الأنس من شجرة، ومن طيور، ومن لا شيء.
    وربما في بداية وحدته واجهته بعض المصاعب، المنحصرة في السيطرة على الخارج فقط، يقهقه حين يتذكر قولهم له في "جوبا" الرئاسة: "اذهب أنت إلى هناك فحسب وستقود الأمور نفسها". وهاهو جاء إلى هنا بوهم ملاقاة أمور راشدة، ولكن لفاجعته المقدّرة فقد خُدِع بمجرد حذلقة أو زحلقة كان أنْ جعلته يغرب عن وجوههم كما هو مطلوب.
    هو نفسه نسي كل ما يربطه بالدولة، اللهم إلا المُرَتَّب الذي لا يعرف بأي خريف يحسبه أولئك الجاهلون بـ"جوبا". والدولة حين كانت تتذكَّره تَرَقَّى من رتبة رقيب أوَّل إلى شاويش، ولكن لا زال الناس وهو نفسه يستخدمون معه رتبة الرقيب، كآخر عهدهم بمواضيع جِديِّة للحكومة. فالحكومة ترَهَّلت لدرجة أنَّ كل الناس صاروا يعملون فيها وبالرُتَب التي يشاؤونها، أو ربما هي فَرْقَعَتْ من شدِّة تضخمها وصارت بلا موظفين وبلا رُتَب.
    وبكثرة مرور السنوات القاحلة وجريان الخمر الخضراء، ينبني جدب للإنسان ويغرب آخر. تهلك أشياء وتحل أخرى في مكانها كالطفح الجلدي: ما الذي يعنيه هروب إنسان أو أي سجين كان؟ وأي سبب لعين يستحق أن لا يسكر من أجله الآن أو لا يذهب في صحبة امرأة؟ ربما خَبَّأ فيه أولئك الضباط المتحذلقون إلاهاً يعرقل تمتّعه فحسب -هو لا يرغب فيه بعد اليوم. وربما خدعوه في لعبة التعَلُّم الواسعة والقابلة للاحتمالات: فبخداعٍ أبلهٍ للغاية، كأنهم يرسمون له "السمكة" ويكتبون أمامها "حاء" حوت! ويرسمون "الدجاجة" ويكتبون أمامها "طاء" طائر! والأمور قابلة لاختلاط تافه وتعميم كهذا إلى ما لانهاية. وأيضاً قابلة لاكتشافه، فقط لو هو فكَّر بالرجل العادي الذي أراد أهله أن يخبئوه بداخله بدل ذلك الإله. الأمور مختلطة جداً ورأسه أصبح يصاب بالصداع لمرور أدنى هاجس تفكير أو يقظة. وبكثرة مرور السنوات القاحلة وجريان الخمر الخضراء يتعَلَّم الإنسان امتيازاتٍ لم يوفروا أبداً مدارسَ لتدريب الناس عليها. الناس أحرار فيما لو اعتقدوا أنَّ حياة الأشخاص الذين هم يشبهونه تخلو من أي حكمة أو نباهة.
    إنه رجل ما شرب لأجل الهروب قط، بل لأنه رغب دوماً في ترميم حياته، يشرب بضراوة ويعاشر بضراوة ويدخِّن بضراوة. شرب الكحوليات كلها، وحتى استهلكها جمعاء، وأصَبَح يتغيب عن نفسه فقط لأنَّ شرابه في الأيام الخالية يحفظ له هذا الجميل. ولطالما تَعَوَّد هو على أن يرممها بمقدرات تخيُّلِه وحده، والآن يعجز عن ذلك. ودَخَّن الحشائش كلها، حتى نفدت، وأصبح يُدَخِّن كمشغولية مرافقة لتدخينه الذي يتم داخلياً فحسب، بالخارج قامشا أو بنقو، وبالداخل، يُدَخِّن جلسات تدخينه السابقة، مع أصدقاء وحبيبات وطيبين كثيرين ما عاد بوسع التراسل وحده الإبقاء على وُدِّهم.
    في الواقع، لم يتبق معه إلا الكلب، المخلص أو المنتظر فرصته لن يهمه. لن يزاحمه في معطيات غيابه، نساءً كانت أم عَرَق. بل أصبح هو مَن يحرُس دائماً، ولذلك أخذت قوانين الحراسة تتجدد تبعاً لمن يسهر عليها. فالرقيب إبراهيم أخذ يتراخى، أو يتشدد على جانب آخر للحياة. والكلب في المقابل يزداد شذوذاً. لقد أصبح الكلب يُذَكِّره بسنواتِ شبابه المتحمَّسَة لأجل الحصول على أفضل أنواع الغَرَق الكُلي. ولكم تمنَّى في سره، وكثيراً، لو أنَّ كلبه يلفظ هوهوته التافهة هذه ويستبدلها بعواء محترم من جنس الشائع هنا. بالدرجة الأولى لمناسبة برستيج الغابة -سيصبحان محترمين أكثر- وثانياً ليرى نفسه فيه وهو ينمو على نحو آخر، وبأطوار تختلف عن تلك التي اتَّبعها هو في نموِّه حتى بلغ جبّانة الأحياء هذه. وأيضاً لكي يعتدل شريكه في الحراسة وتتوازن نفسيتُه، بالفخر الذي سَتُدْخِله عليه روح أسد حين تحل بجسد كلب. رأى كلبه يطرد أحد السجناء من بلوغ نافذة أخيرة من الباخرة تطل على وَرْد بري منعش. انتهره، يريد له أن يصبح أكثر معرفة بآليات السيطرة والإلهاء، يلعن دينه، ماذا يساوي كلب حراسة بلا نضج؟
    الحراسة تتطور بمرور التاريخ، والإلهاء عامل يفوق البندقية في أهميته، كما تبيَّن له. وهكذا، مُدارسة بعد مُدارسة، والكلب يَتَخَلَّقُ كشخص من المُطَّلعين وله ميول. ميول كانت تنحرف نحو تطلعها، ونحو الاستبداد والتمرد نبحة فنبحة. حتى إنَّ مثله المُفَضَّل صار "يموت حمار في رزق كلب". أمَّا شيخه الأثير فهو العلامة ابن المرزبان المؤرخ والمترجم وعالم الأدب، وصاحب المؤلَّف الشهير "فَضْلُ الكِلاب عَلى كثيرٍ مِمَّنْ لَبِس الجلباب". بل أصبح يميل لرأي العالِم الدميري في تقسيم الكلاب إلى أهلي وسلوقي، إذ لا بدَّ أنَّ أهله كرماء ومتسَيِّدين جاؤوا من مدينة سلوقا اليمنية التي تُنسب إليها الكلاب السلوقية ذات الحسب والنسب. ولكن ماذا بوسعك أن تقول للبشر؟ هم لن يصدقوا أبداً قريبهم الجاحظ حين يقول لهم في كتابه حياة الحيوان: "إنَّ حُسن طبائع الكلاب السلوقية وتميُّزها عن الأهلية لا يحيط بها إلا مَنْ أطال الكلام". هؤلاء البشر الاستعماريون لا يريدونه كلباً سلوقياً، ولا كلب أرمنت، أو كلب براري شرساً، فقط يريدونه إمَّا من كلاب الغنم أو كلب زبزب يُحْسِن طاعة الأوامر، وليلهث هو بعد ذلك حتى ينصُل فمه، من يهتم؟ فمِمَّا هو نادر للغاية أن تجد أحد البشر المنصفين مثل أبي العباس الأزدي الذي يعترف، وشعراً، بأنَّ:
    لَكلبُ الناسِ إنْ فَكَّرتَ فيهم
    أضرُّ عليكَ من كلبِ الكلابِ
    وإنَّ الكلب لا يُؤذي جليساً
    وأنتَ الدهرَ مِنْ ذا في عذابِ

    شيئاً فشيئاً، وكلبُ الناسِ يغطسُ في لجته الخاصة، بينما يُعَزِّزُ كلبُ الكلابِ شخصيتَه، طافياً وطافياً، ليصير راحة بال السجان ووارث ذاكرته وداعم عُزْلته الأوّل. ولكم جلس المساجين يناقشون خلاصهم من الكلب، بل أحياناً يَهِمِّون بمشاورة الرقيب إبراهيم نفسه، فالكلب قد فَلَتَ عيارُه وأصبح ليس عنده كبيراً. الجزء الخلفي من الباخرة حُرِّم عليهم بشكل قاطع، الأكل يَهْرِسُ فيه هو أوَّلاً ثم تُترك البقايا حتى تجف وتقدَّم لهم، الإنسان أكبر جاحد عرفته مملكة الحيوان، ولن يَشْكُر مطلقاً على شيء تحصَّل عليه بسهولة. الكلاب وحدها مَنْ تفهم نفسية الإنسان المعقدة هذه، ووحدها مَنْ تَصْلُح لمعالجة الوضع. لقد بعثنا بهذا الإنسان الخائن، نحن أهله في مملكة الحيوان، إلى عالم المدن كي يتعلّم وينفعنا، فماذا تعلّم؟ الصيد واستعباد الآخرين وقطع الأشجار! لعنة الله عليه، فقد عاد جاحداً للمعروف وأكثرَ جهالةٍ مِنَّا. وبسببه تعَلَّمنا نحن النباح الوحشي، الخربشة، العض، وحتى السعر كان سلاحاً بيولوجياً فاشلاً، أو كفاحاً استشهادياً في وجه هذا الإنسان المَكَّار والمتحصِّن. ثم لا يزال الكلب يتنامى بأحقاده وشروره، طافياً وطافياً كأعشاب النيل، تعلو هامشيتُه فوق كل موج، ليسود وجه الحياة ويعنونها أينما هربت.
    تَعَلَّم أنْ لا يعفو أبداً، كما هو الحال في عهد الرقيب إبراهيم، فالعفو بحسب المصطلح الحديث له طرفان، طرف الجمال البحت والبليد، وطرف آخر أكثر أهمية اسمه الإخلال بالعدالة والنظام. العفو لمصلحة مَنْ؟ ولكن النظام لمصلحة الجميع.
    على الرقيب إبراهيم أن يفتح أذنيه جيداً، فالحكمة ليست أزلية ولا سرمدية كما يظن البشر، وإنما تجريبية وفي حالة صيانة مستمرة ولا تنتهي. ربما ينظر إبراهيم في عينيّ مسجون يود قضاء حاجة له، ثم يهز رأسه في يأس، ولولا ما بقي معه من عناد العسكر، إذ نفدت كرامتُه منذ خريف بعيد، لشفع حضرةُ الرقيب هَزَّةَ رأسِه قليلة الحيلة تلك بقوله: "تعرف طيبتي وشهامتي في الأيام الخالية، المشكلة الكلب".
    فما المسافة بين السجان والمسجون إلا طول حبل أو سُمْك القضبان، المشكلة الكلب، فالمسافة بينه وبين المسجون تمرُّ بالنوع وممالك الحيوان وثأرات الأصل والجدود الزنيمين.
    وهذه حكاية كلب السجان كلها، إذ لم تكن له حكاية، ولكنه وَرِثَهَا.


    ...
                  

العنوان الكاتب Date
هجاء الروائي الحسن البكري محسن خالد01-24-07, 09:31 PM
  Re: هجاء الروائي الحسن البكري Omar Bob01-24-07, 10:02 PM
    Re: هجاء الروائي الحسن البكري محسن خالد01-25-07, 05:24 AM
      Re: هجاء الروائي الحسن البكري محسن خالد01-25-07, 05:29 AM
        Re: هجاء الروائي الحسن البكري عبدالرحمن عزّاز01-25-07, 05:45 AM
          Re: هجاء الروائي الحسن البكري محمد سنى دفع الله01-25-07, 06:09 AM
          Re: هجاء الروائي الحسن البكري محسن خالد01-25-07, 01:57 PM
            Re: هجاء الروائي الحسن البكري محسن خالد01-25-07, 02:09 PM
  Re: هجاء الروائي الحسن البكري Khalid Kodi01-25-07, 06:16 AM
    Re: هجاء الروائي الحسن البكري محسن خالد01-25-07, 02:17 PM
  Re: هجاء الروائي الحسن البكري نادر01-25-07, 07:07 AM
    Re: هجاء الروائي الحسن البكري عبدالمنعم الرزوقي01-25-07, 07:24 AM
    Re: هجاء الروائي الحسن البكري محسن خالد01-25-07, 02:19 PM
      Re: هجاء الروائي الحسن البكري محسن خالد01-25-07, 02:30 PM
  Re: هجاء الروائي الحسن البكري مجاهد عبد الرحمن01-25-07, 10:35 AM
    Re: هجاء الروائي الحسن البكري محسن خالد01-25-07, 03:04 PM
  Re: هجاء الروائي الحسن البكري مجاهد عبدالله01-25-07, 03:19 PM
  Re: هجاء الروائي الحسن البكري طارق جبريل01-25-07, 03:42 PM
    Re: هجاء الروائي الحسن البكري وليد محمد المبارك01-25-07, 04:41 PM
      Re: هجاء الروائي الحسن البكري محسن خالد01-25-07, 05:03 PM
        Re: هجاء الروائي الحسن البكري محسن خالد01-25-07, 05:15 PM
          Re: هجاء الروائي الحسن البكري محسن خالد01-25-07, 05:17 PM
            Re: هجاء الروائي الحسن البكري وليد محمد المبارك01-25-07, 05:34 PM
  Re: هجاء الروائي الحسن البكري معتصم دفع الله01-25-07, 05:43 PM
  Re: هجاء الروائي الحسن البكري عبدالله الشقليني01-25-07, 06:03 PM
    Re: هجاء الروائي الحسن البكري محسن خالد01-25-07, 06:12 PM
      Re: هجاء الروائي الحسن البكري محسن خالد01-25-07, 06:15 PM
        Re: هجاء الروائي الحسن البكري محسن خالد01-25-07, 06:24 PM
          Re: هجاء الروائي الحسن البكري محسن خالد01-25-07, 08:23 PM
            Re: هجاء الروائي الحسن البكري محسن خالد01-25-07, 09:11 PM
  Re: هجاء الروائي الحسن البكري الجندرية01-25-07, 09:04 PM
    Re: هجاء الروائي الحسن البكري ودرملية01-25-07, 11:12 PM
      Re: هجاء الروائي الحسن البكري Adil Isaac01-26-07, 03:27 PM
        Re: هجاء الروائي الحسن البكري خالد عويس01-26-07, 04:06 PM
  Re: هجاء الروائي الحسن البكري Adil Osman01-26-07, 04:17 PM
    Re: هجاء الروائي الحسن البكري محسن خالد01-26-07, 07:46 PM
      Re: هجاء الروائي الحسن البكري محسن خالد01-26-07, 07:48 PM
        Re: هجاء الروائي الحسن البكري محسن خالد01-26-07, 07:50 PM
          Re: هجاء الروائي الحسن البكري محسن خالد01-26-07, 07:52 PM
  Re: هجاء الروائي الحسن البكري Masoud01-26-07, 07:53 PM
    Re: هجاء الروائي الحسن البكري محسن خالد01-26-07, 07:55 PM
      Re: هجاء الروائي الحسن البكري محسن خالد01-26-07, 08:48 PM
        Re: هجاء الروائي الحسن البكري محسن خالد01-27-07, 05:01 AM
  Re: هجاء الروائي الحسن البكري خضر حسين خليل01-27-07, 09:29 AM
    Re: هجاء الروائي الحسن البكري حيدر حسن ميرغني01-27-07, 11:02 AM
      Re: هجاء الروائي الحسن البكري mutwakil toum01-27-07, 12:14 PM
        Re: هجاء الروائي الحسن البكري محسن خالد01-27-07, 10:59 PM
        Re: هجاء الروائي الحسن البكري محسن خالد01-27-07, 11:01 PM
          Re: هجاء الروائي الحسن البكري munswor almophtah01-28-07, 00:20 AM
          Re: هجاء الروائي الحسن البكري mutwakil toum01-28-07, 04:30 AM
  Re: هجاء الروائي الحسن البكري Adil Osman01-31-07, 09:44 PM
  Re: هجاء الروائي الحسن البكري أبو ساندرا01-31-07, 11:56 PM
  Re: هجاء الروائي الحسن البكري Masoud02-01-07, 00:20 AM
  Re: هجاء الروائي الحسن البكري عبدالله الشقليني02-03-07, 00:07 AM
    Re: هجاء الروائي الحسن البكري Elmosley02-04-07, 06:03 PM
      Re: هجاء الروائي الحسن البكري محسن خالد02-08-07, 01:57 AM
        Re: هجاء الروائي الحسن البكري محسن خالد02-08-07, 02:03 AM
          Re: هجاء الروائي الحسن البكري محسن خالد02-08-07, 02:22 AM
            Re: هجاء الروائي الحسن البكري Adil Isaac02-08-07, 04:14 AM
              Re: هجاء الروائي الحسن البكري bayan02-08-07, 05:21 AM
                Re: هجاء الروائي الحسن البكري محسن خالد02-08-07, 09:16 PM
                  Re: هجاء الروائي الحسن البكري محسن خالد02-09-07, 06:56 AM
                    Re: هجاء الروائي الحسن البكري مجاهد عبدالله02-09-07, 07:40 AM
                      Re: هجاء الروائي الحسن البكري Hussein Mallasi02-09-07, 12:30 PM
                        Re: هجاء الروائي الحسن البكري saif basheer02-09-07, 03:31 PM
                      Re: هجاء الروائي الحسن البكري Mohamed E. Seliaman02-09-07, 03:20 PM
                        Re: هجاء الروائي الحسن البكري Mohamed E. Seliaman02-09-07, 03:46 PM
                          Re: هجاء الروائي الحسن البكري Mohamed E. Seliaman02-09-07, 04:09 PM
                            Re: هجاء الروائي الحسن البكري Mohamed E. Seliaman02-09-07, 05:09 PM
                              Re: هجاء الروائي الحسن البكري محسن خالد02-09-07, 06:51 PM
                                Re: هجاء الروائي الحسن البكري Marouf Sanad02-09-07, 09:37 PM
                                Re: هجاء الروائي الحسن البكري Mohamed Elboshra02-09-07, 10:20 PM
                                  Re: هجاء الروائي الحسن البكري Mohamed E. Seliaman02-10-07, 07:14 AM
                                    Re: هجاء الروائي الحسن البكري bayan02-10-07, 07:55 AM
                                      Re: هجاء الروائي الحسن البكري Mohamed E. Seliaman02-10-07, 08:09 AM
                                        Re: هجاء الروائي الحسن البكري Mohamed E. Seliaman02-10-07, 08:32 AM
                                          Re: هجاء الروائي الحسن البكري Hussein Mallasi02-10-07, 08:46 AM
                                            Re: هجاء الروائي الحسن البكري Mohamed E. Seliaman02-10-07, 10:08 AM
                                              Re: هجاء الروائي الحسن البكري Mohamed E. Seliaman02-10-07, 11:47 AM
                                                Re: هجاء الروائي الحسن البكري mutwakil toum02-10-07, 12:59 PM
                                                  Re: هجاء الروائي الحسن البكري Mohamed E. Seliaman02-10-07, 02:37 PM
                                                    Re: هجاء الروائي الحسن البكري محسن خالد02-10-07, 05:30 PM
                                                      Re: هجاء الروائي الحسن البكري محسن خالد02-10-07, 09:07 PM
                                                        Re: هجاء الروائي الحسن البكري محسن خالد02-11-07, 02:58 AM
                                                          Re: هجاء الروائي الحسن البكري محسن خالد02-11-07, 06:58 AM
                                                            Re: هجاء الروائي الحسن البكري isam ali02-11-07, 08:32 AM
                                                            Re: هجاء الروائي الحسن البكري محسن خالد02-11-07, 08:46 AM
                                                              Re: هجاء الروائي الحسن البكري محسن خالد02-11-07, 11:17 AM
                                                                Re: هجاء الروائي الحسن البكري Mohamed E. Seliaman02-11-07, 02:50 PM
                                                                  Re: هجاء الروائي الحسن البكري محسن خالد02-12-07, 02:17 AM
                                                                    Re: هجاء الروائي الحسن البكري محسن خالد02-12-07, 03:48 AM
                                                                      Re: هجاء الروائي الحسن البكري isam ali02-12-07, 07:56 AM
                                                                        Re: هجاء الروائي الحسن البكري محسن خالد02-12-07, 09:50 PM
                                                                        Re: هجاء الروائي الحسن البكري محسن خالد02-12-07, 09:50 PM
                                                                        Re: هجاء الروائي الحسن البكري محسن خالد02-12-07, 09:50 PM
  Re: هجاء الروائي الحسن البكري haider osman02-12-07, 09:35 PM
  Re: هجاء الروائي الحسن البكري 3mk-Tango02-12-07, 09:37 PM
    Re: هجاء الروائي الحسن البكري isam ali02-13-07, 00:27 AM
      Re: هجاء الروائي الحسن البكري حيدر حسن ميرغني02-13-07, 04:07 AM
        Re: هجاء الروائي الحسن البكري Shinteer02-13-07, 06:43 AM
          Re: هجاء الروائي الحسن البكري محسن خالد02-13-07, 05:04 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de