|
Re: الانجيـــــــــل برواية المسلمين للباحث الدكتور طريف الخالدي (Re: HOPEFUL)
|
(2) المسيح القرآني: إمام المساكين يستعرض القرآن مجموعة كبيرة من الأنبياء، مذكورين في قصص بأسلوب إنذاري/تحذيري تختلف كثيراً عمّا نجده في الكتاب المقدّس. وهذا الأسلوب القصصي، بسجعه وقصره، أقرب إلى الشعر منه إلى النثر، ويجد فيه بعض المستشرقين وغيرهم أصداءً من أسلوب الكهان والحنفاء في فترة ما قبل الإسلام. لكن الرأي الحديث المجمع عليه بخصوص الأسلوب الأدبي الفريد للأناجيل يبدو لي أنّه ينطبق أيضاً على القرآن. فالقرآن يركّز بكثرة على أنّه كتاب فريد من نوعه إن في المضمون أم في الشكل; فهو ليس كمثله شيء من الكلام، وتأثيره كالزلزال المدمّر:
"لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدّعاً من خشية الله" (سورة الحشر 59: 21).
وليس ثمة من فارق أساسي في أسلوب القرآن بين مادّة القصص وغيرها من المواد. من الأوّل إلى الآخر، نجد اللغة مصاغة في إطار نحوي يمكن تسميته بـ"المضارع الأزلي". فالماضي والحاضر والمستقبل مجبولين معاً في تواصل مستمرّ. قصص الأنبياء يسبقها بالإجمال عبارة "وإذ" والتي تحمل معنى "تذكّر حين ...."" أو حتّى معنى "ألاّ تتذكّر حين ...". وكثيراً ما يستوقف المرء في القصص القرآني جمل اعتراضيّة تُذكّر بقدرة الله حيال الذي يُروى. فالله عرف في الماضي ويعرف الآن كيف تكون نهاية القصّة البشريّة، خصوصاً أنّه الخالق والراوي لحوادث التاريخ. والقرآن يشهد على ذلك بقوله: "فتبارك الله أحسن الخالقين" (سورة المؤمنون 23: 14)، "ومن أصدق من الله حديثاً" (سورة النساء 4: 87). إذاً ما يُروى هو الأفضل والأصدق مقارنةً بما يرويه البشر: إنه الخبر النهائي. وبسبب أنّ المجتمعات الدينيّة السابقة "حرّفت" الوحي المرسل إليها وغيّرت فيه، يعلن القرآن صراحةً أنّه يريد تصحيح الأمور بإعادة رواية الأحداث التاريخيّة السابقة بين الأنبياء والله وتنقيتها.
العلاقة بين الأنبياء في القرآن بيّنة، إن على مستوى الأسلوب القصصي أم بخصوص تجربة النبوّة. وتبرز تلك العلاقة جليّاً في حقيقة كون قصص الأنبياء غير مجموعة في مكان واحد، بل نجدها متفرّقة في القرآن. وهي تكمل بعضها البعض في عدّة جوانب. نجد مثلاً أن الكلام المذكور على لسان نبيّ ما أو وحي من الله إليه يتكرّر، وفي بعض الحالات حرفيّاً، مع أنبياء آخرين. ونفس الشيء يمكن قوله بخصوص أعمالهم وتجربتهم مع أقوامهم. لذلك، يمكن للمرء أن يتحدّث عن نمطيّة لأنبياء القرآن: عن نموذج للنبوّة يمكن التعرّف عليه من خلال طريقة إرسال نبيّ معيّن إلى قوم متعجرفين مستهزئين جهلاء، ورفضهم العنيف للرسالة التي يأتيهم بها، انتهاءً بنجاة النبيّ ومعاقبة معظم قومه. وهذه النمطيّة يؤكّدها القرآن نفسه إذ نجده يعلن أنّه ليس هناك من فارق، ولا يجب أن يكون هناك من فارق أصلاً بين الأنبياء، وأنّ الإيمان الصحيح يجب أن يشمل الاعتراف بجميع الأنبياء:
"إنّ الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرّقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتّخذوا بين ذلك سبيلاً" (سورة النساء 4: 150).
وفي خلاصة الأمر، من الضروري وضع المسيح القرآني في هذا الإطار النمطي للنبوّة، وهو بالإجمال غير معمول به عند الكثير من المستشرقين.
وعلى الرغم من أهميّة إيجاد الإطار النبوي الصحيح للمسيح القرآني، يبقى السؤال المطروح بإلحاح: إلى أيّ مدى يخصّ القرآن شخص عيسى المسيح بمديح خاصّ، وإلى أيّ مدى نجده يتساوى في المديح مع كافّة الأنبياء؟ بالإجمال، دار النقاش في هذا الأمر حتّى الآن حول تفسير لقبين قرآنيّين للمسيح. فالقرآن يصفه بـ"كلمة" الله و"روح" منه. هل يضع هذان اللقبان المسيح في درجة خاصّة من الوقار على قائمة الأنبياء، أم أنّهما من أجناس البيان؟ وما هو مصدرهما؟ إن البحث المستفيض عن هذه الأمور يتعدّى هدف كتابنا هذا. لكن بما أنّ المسيح القرآني هو الأساس لكافّة التفرّعات الإسلاميّة اللاحقة لشخصيّته، لربما كان من المفيد أن نتطرق إلى أطراف هذا الموضوع.
|
|
|
|
|
|