|
|
 طلحة جبريل يكتب عن سلام السودان ...ويصف مفارقات الخرطوم!!!
|
طلحة جبريل من الخرطوم: ثمة لافتات توجد في مختلف ساحات العاصمة السودانية التي تجاهد للتخلص من الشوارع المتربة، تقول إن هذا العام هو "عام السلام والثقافة والاستقرار" .
فنادق الدرجة الأولى ، وهي تعد على اصابع اليد ، ممتلئة ملء طاقتها بالزبناء . معظمهم من الاوربيين الذين يعملون مع منظمات إنسانية او مع شركات أجنبية حطت رحالها في بلد مزقته الحرب وأقعدته وضعية اقتصادية متردية .
الاوربيون يركبون سيارات علقت لوحات كتب عليها " إستثمار" . سألت عن دلالة ذلك فقيل لي إن الشركات الأجنبية أصبح من حقها إدخال سيارات دون رسوم جمركية كجزء من إجراءات تشجيعية .
لكن ماذا عن الاستثمارات النفطية ؟
كان معظم ركاب الطائرة التي اقلتني من الدوحة إلى الخرطوم من الآسيويين . صينيون ماليزيون وكوريون . الشركات العاملة حالياً في استخراج النفط والتنقيب من دول جنوب شرق آسيا . الآسيويون في كل مكان بالخرطوم . الأميركيون لم يأتوا بعد، بيد أن اتفاقية السلام التي وقعت امس(الاحد) في نيروبي ستفتح لهم الأبواب . لم تعد حكومة الخرطوم " إسلامية أصولية " بل سيدخلها ، بعد ستة أشهر ، مسيحيون ويساريون وعلمانيون . كولن باول وزير الخارجية الاميركي حضر الاحتفال وتلك رسالة فهمها السودانيون جيداً. الخرطوم تتغير لكن ليس بالسرعة التي ينشدها اهلها .
ربما خلال هذه السنة ستعرف طفرات مع تباشير السلام التي هبت على جنوب وادي النيل .
التركيز حاليا على البنيات التحتية ، الطرق والجسور بالدرجة الاولى . بعض الخدمات عرفت تحسناً ملحوظاً . خدمات الكهرباء حيث كان الناس يعانون معاناة شديدة أضحت متوفرة وجيدة ، لكن المواطنين يشتكون من ارتفاع سعر الكهرباء . لم تعد هناك فواتير واعتمد نظام التسديد المسبق عن طريق البطاقات كما هو الشان في بطاقات تعبئة الهواتف المحمولة . تشتري بطاقة بالمبلغ الذي ترغب فيه ثم تزود العداد المنزلي بالارقام التي تمنح لك . البطاقات بأسعار مختلفة طبقاً لاختيار الزبون . خدمات الماء أيضاً تحسنت كثيراً .
المواد الغذائية متوفرة . متوفرة الى حد التخمة . الصحف المحلية نشرت خبراً يقول إن قراراً صدر بحظر استيراد التفاح اللبناني بعد ان ثبت وجود بكتريا نباتية في بعض أنواعه. ضربت كفاً بكف ولم أصدق أذني وانا اسمع نقاشاً حول البلد الذي يمكن ان يعوض لبنان في توريد التفاح . إنها مظاهر " ثراء" تطفو على استحياء .
في أحياء الخرطوم الميسورة مثل " الرياض" و" الطائف" و " المعمورة" و" المنشية" و " العمارات" يوجد كل شئ في البقالات بما في ذلك "السمك الياباني المدخن" و"السردين الدانماركي" و"العسل الانجليزي " . أكثر من ذلك وجدت بقالة في حي " العمارات" تبيع عطر باريسي للعام الجديد 2005 .
الطبقة الميسورة هي فقط التي تستطيع ان تتمتع بهذه " الطفرة " . كثيرون يعانون في الخرطوم . الغنى الباذخ والفقر المدقع يتجاوران في العاصمة السودانية . في بعض الاحياء لا يوجد الفقر بل الإملاق .
عام 2005 هو عام السلام في السودان على الرغم من حرب دارفور . بيد ان الشماليين يعتقدون أن اتفاقية السلام ظلمتهم كثيراً . قول يبدو صحيحاً طبقاً للنصوص .
بعض الشماليين يطلقون على الاتفاقية " ظلم نيفاشا" . نيفاشا ضاحية قرب العاصمة الكينية نيروبي التي جرت فيها أطول مفاوضات في القارة الافريقية لإنهاء أطول حروب القارة وهي عكس ما ينشر ويقال لم تبدأ عام 1983 بل عام 1954 في جنوب البلاد .
بدأ الجنوبيون تمردهم عام 1954 وهو ما يعرف"بتمرد توريت". وتوريت بلدة في جنوب السودان انطلقت منها شرارة تمرد إزداد اشتعالاً في الستينات ثم انتهت تلك الحرب مطلع السبعينات وهي الاتفاقية التي عرفت باسم " إتفاقية إديس ابابا" و كان مهندسها منصور خالد وهو ايامئذ وزيراً لخارجية نظام جعفر محمد نميري . كان من بين بنود تلك الاتفاقية استيعاب ضباط حركة التمرد الجنوبي في الجيش السوداني ، ومن بين هؤلاء " العقيد جون قرنق دي مبيور" الذي سيقود تمرداً جديداً الأخير عام 1983 بعد ان قرر جعفر نميري ، وهو أسوأ حاكم في تاريخ البلاد ، التنصل من اتفاقية اديس ابابا. تمرد" الحركة الشعبية" بقيادة قرنق استمر إلى أن بدأت مفاوضات السلام في " نيفاشا " .
ومن مفارقات السياسة السودانية ان منصور خالد سيكون حاضراً ايضاً من جديد في اتفاقية " نيفاشا". هذه المرة مع " وفد الجنوب" بصفته مستشاراً للعقيد جون قرنق .
وهي مفارقة جعلت محمد ابراهيم نقد الامين العام للحزب الشيوعي السوداني الذي توارى عن الانظار وظل يقود حزبه من " تحت الارض" منذ مطلع التسعينات ، يقول في سلسلة مقالات تنشر حالياً في الخرطوم إن منصور خالد "أدمن الاتفاقيات " في إشارة ساخرة الى كتاب ألفه منصور خالد بعنوان " النخبة السودانية وإدمان الفشل " .
قبل أيام من التوقيع النهائي على اتفاقية السلام بين الشمال والجنوب كان الجنوبيون من مؤيدي قرنق الذين أجبرتهم ظروف الحرب النزوح الى الشمال يسيرون مظاهرات فرح في شوارع الخرطوم . تابع الشماليون هذه المظاهرات دون رد فعل وفي بعض الاحيان دون إكتراث . لكن في مجالسهم كان سؤالاً يتقدم على ما عداه من الاسئلة ، إذا كانت الاتفاقية أرضت الجنوب الى حد وضع السلاح فهل أنصفت الشمال ؟
سؤال موجع في بلد تقول لافتات نصبت في عاصمته أنه يتطلع ليس فقط "للسلام بل" للاستقرار ". أما " الثقافة" التي جعلت " الخرطوم" هي عاصمة العرب خلال هذه السنة فتلك لها حكاية أخرى وقصة تروى .
|
|
 
|
|
|
|
جمال ادريس
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست