لوطني اكتب/ السياسة الثقافية وثقافة الديمقراطية في السودان

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-20-2024, 02:52 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة حسن ابو السارة(AbuSarah)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
07-13-2003, 12:59 PM

AbuSarah

تاريخ التسجيل: 05-27-2003
مجموع المشاركات: 667

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لوطني اكتب/ السياسة الثقافية وثقافة الديمقراطية في السودان (Re: AbuSarah)

    الرابعة: التجربة الأمريكية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ... قياس مع شبه فارق بالحالة السودانية

    بالرجوع إلى التجربة الأمريكية في القرنين الماضيين تتبين تصاعد العنف والتفرقة العنصرية الثقافية ضد السكان المهاجرين إلى أمريكا والأصليين وذلك لان السكان البيض و الذين جاءوا من أوروبا الشمالية لاستيطان الدنيا الجديدة لم يخطر ببالهم ان نموذج حياتهم الذي بنوه على حساب السكان الأصليين من الهنود و استرقاق الأفارقة يمكن ان تهدده هجرات لاحقة . حيث أن الإنسان الأبيض اخذ بزمام السلطة السياسية وان وثيقة الحقوق الأساسية قد مهرت ببصماته وبشكل يحابيه وينحاز إلى أشواق الرجل الأبيض في كل شئ على حساب الآخر الزنجي أو الهندي أو الملون من المهاجرين. هذا الى جانب ممارسات الابادة والبطش وطمس الهوية الثقافية التي تمت من خلال محاولات عديدة في ظل السياسة الثقافية الاندماجية القسرية لاعادة تشكيل شخصية السكان الأمريكان الأصليين أو المهجرين وفقا للثقافة الأوروبية الوافدة إلى حملها معه الإنسان الأبيض إلى أمريكا. لقد مورس التهديد بالقتل أو النفي إلى جانب سياسة الاحتواء ضد الأخر أيضا ، بل كانت الإدارات الأمريكية تأخذ الأطفال قسرا لتودعهم في مأوى جماعي بدافع دمجهم في ثقافة مجتمع الدنيا الجديدة ، لقد عانى السكان الاصليون في أمريكا من الصراع الثقافي العنصري الاقصائي الذي قاده ضدهم الأوروبيون البروتستانت القادمون من أوروبا الشمالية كما أسلفنا وغيرهم.... الذين ينطبق عليهم المثل السوداني الكردفاني " دجاجة الخلاء طردت دجاجة القرية أو الحلة " .
    ظلت مجموعات سكانية كالهنود الحمر يصورون في الأفلام الأمريكية الوثائقية والترفيهية بشكل يسمهم بالوحشية والرغبة في القتال Brutal & Warmongering لذا أي الهنود يستحقون العذاب والقهر على يد الرجل الأبيض و حرب الحكومة الأمريكية ضدهم وقتذاك. إلا انه وعلى الرغم ممن الحرب الضروس ضد الهنود الحمر ظل تأثيرهم على الثقافة الأمريكية تأثيرا ظاهرا ، فالفلاسفة المعاصرين في الولايات المتحدة يعتبرون التقاليد والأعراف الهندية مصدرا أساسيا للتوازن الروحي والحكمة والتروي وهم أي الهنود الحمر يمثلون بذلك القدوة في القدرة على تحمل العذاب و الابتلاء والقهر بل إنهم يجسدون الكرامة الفطرية والطبيعة الإنسانية الخالصة ، وهذا ما يشير إلى إن الثقافة الديناميكية الاشعائية لا يمكن احتواؤها أو تذويبها ومهما ارتكب الإنسان من جرائم القتل و الابادة ضد أخيه الإنسان و مهما اجتهد في ممارسة التضليل والتشويه والطمس للشخصية الاعتبارية للأخر المختلف في الرأي أو العرق أو ا لدين.

    السياسة الاقصائية أو الاحتوائية تلك هي ما جسده الكاتب الأمريكي (زانجويل) Zangwill عام 1908 م في مسرحيته المسماة بوتقة الانصهار The Melting Pot حيث برز اثنان من المهاجرين وهما " فيرا" وهي مسيحية تعمل خادمة منزل و الآخر هو " ديفيد" أمريكي من اصل روسي ، لقد وقف الاثنان تحت ظل تمثال الحرية محدقين..!!!

    فيرا : كيف يبدو جميلا الغروب بعد العاصفة ؟
    ديفيد: إنها نار الله تحف بوتقته ، إنها بوتقة الانصهار العظيمة ... أنصتي !! أتسمعين الفوران و الغليان ؟ إنها فاغرة فاها ، إنها الملاذ حيث آلاف الشاحنات تأتي من فجاج العالم لتصب حمولتها من البشر !! آه أي اضطراب وزبد ! كلت Celt ، و لآتين ، سلاف وألمان ، إغريق و سوريين ، سود وصفر !!
    فيرا: يهود وغير يهود !
    ديفيد : نعم ... شرقا وغربا ، شمالا وجنوبا ، قصارا وطوالا ، قطبيين واستوائيين ، الهلال والصليب .. كيف صهرهم هذا الكيميائي القدير ولحمهم بلهب التطهير ؟!! إنهم هنا ليتحدوا لبناء جمهورية الإنسان ومملكة الإله !.

    كانت تلك قمة الأمل في نفوس المهاجرين الجدد بالمساواة الكاملة في المجتمع الأمريكي ومع هذا الحلم الجميل قد فشلت سياسة بوتقة الانصهار في أمريكا وان تمظهرت فقط فيما تعارف عليه بالطريقة الأمريكية في الكلام والمعاملات الحياتية اليومية والمظهر العام في الشارع العام الأمريكي. فلم يجد وضع المهاجرين والزنوج في جيتوهات Gettos ومن ثم احتوائهم حضاريا في ثقافة واحدة تذيب فيهم الأصل ، حيث ظل الهنود هنودا والأفارقة أفارقة كل له مجتمعه الخاص به داخل الوجود الأمريكي الواسع وان لم تكن هناك قطيعة بين الوجودين المتمايزين ثقافيا ، فعلى الرغم من وقع الحياة المتسارع و أمواج الحداثة بقى التنوع الثقافي كما بقى سيدنا إبراهيم حيات تحت نار المجوس!!.
    فبعد أن فشلت سياسة ومنطق بوتقة الانصهار جنحت الحكومات الأمريكية في ثلاثينات القرن العشرين إلى اعتماد سياسة ثقافية وإدارية جديدة هي سياسة التنوع في الوحدة والوحدة مع التنوع والتي تمخض عنها توازن وجداني حقوقي في المجتمع ، فركزت الدولة الأمريكية على الحريات العامة والفردية وحماية المبادرات وحقوق التعليم والعمل والمشاركة في الحياة العامة سياسية كانت أو ثقافية – اجتماعية اقتصادية ، فتقلصت بل انتفت بذلك الرغبة المتوحشة في التهام الآخر المختلف وتدميره أو تشويه إن تعذر احتواؤه أو هضم حقوقه.
    لذا يبدو إن مفاهيم كالتعايش و التسامح و التواصل الحضاري بين الاثنيات و في سياق " وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا .." تعتبر هي الأخرى مادة للسياسة الثقافية لا بمعنى المزايدة بالدين ومقاصده الكريمة ولكن ينبغي تطبيق هذه المعاني وترجمتها في حقوق المواطنة و في المشاركة الحرة في الحياة لكل مفرداتها ومناشطها الحيوية ، بحيث لا يكون هناك مستغلون وآخرون مستضعفون أي لا يملك زمام امرنا الأوغاد واللئام ويكون بعضنا كما يقول المثل " كرام في موائد اللئام ". .. فالمشكل السياسي – الثقافي الاجتماعي – الاقتصادي في سودان اليوم هو نتاج طبيعي لسياسة الاندماج والاحتواء القسري التي مارسها الاستعمار الاستيطاني التركي – المصري و الإنجليزي المصري والتي سارت على هديها النخبة التي حكمت السودان في مرحلة ما بعد الاستقلال والتي مكنت لعصبية بعينها لم تحكم بمقتضى مفاهيم أو قوانين دولة المؤسسة والتي ينبغي ان تكون محايدة تجاه مواطنيها إحقاق لعدالة الدور وعدالة ا لحق.... سلطة ما بعد الاستقلال في السودان سارت على نهج فرق تسد The Divide Rule الاستعماري ، فتبدو الرغبة في تركيز السلطة والقرارات الوطنية في يد مجموعة بعينها ، ولكي تستمر في الحكم تعمل على احاطة نفسها بسياج من الخدمة المدنية أو القوات النظامية التي تم تشكليها بروح المحسوبية والمحاباة إنها ثقافة سياسية قبلية أو جهوية غيبت الشفافية والعدل الاجتماعي في البلاد وأحدثت ما نعيشه اليوم....خطاب ديني إسلامي أممي أو يساري – علماني ، بينما تجد آليات حكم أو إدارة حزبية تقوم على قانون القلة القليلة Law of Oligarchy ، وهذا هو السبب الرئيس في الصراعات الراهنة كما بينا بين الشمال والجنوب ، وفي علاقات الجنوب أو الشمال البينية ، صراع بين أبناء الغرب والبحر والشرق والشمال داخل الحزب الواحد سواء كان يمينيا أو يساريا ، جميعها صورا بائسة نتاج فكر اجتماعي عنصري متخلف تسعى به الصفوة المتعلمة أكثر الأميين والجهلة في المجتمع .... مثقفونا قبليين أكثر من زعيم القبيلة نفسه.. .يتشدقون بالديمقراطية ويرتدون الثقافة روب تخرج من الجامعة ويجيدونها في فنون الكتابة والرواية والشعر ويعيشون التحيز والتمييز الاجتماعي في كل خلجة من خلجاتهم...فادخلوا الوطن والدين في أزمة ومأزق.

    السياسة الثقافية الناجحة هي التي تنتج مواطن صالح بغض النظر عن عرقه أو جهويته ، متقلدون بقلائد الإنسانية وقيم المواطنة الحقة المستمدة من التجربة الإنسانية وقيم الأديان والأعراف المجتمعية الراقية ، مثقف أو حاكم أو مواطن كهذا يرجى منه الخير والعمل لرفعة ومصلحة وطنه دون أي نزوع للمحاباة أو انحياز اجتماعي أو تمييز عنصري.
    فمجتمع الاحتواء والتذويب يعد مجتمعا وصائيا متخلفا يحمل بذور فنائه وجموده في داخله ومهما تغنى بالمجد والمشروعات الحضارية لن يبلغ " بلح الشام ولا يطال عنب اليمن" ويبقى كالمنبت لا أرضا قطع و لا ظهرا أبقى.. مجتمع الإقصاء والطمس والتهميش تطفي بعض مجموعاته على نفسها صفات الوطنية والقومية والاصالة بينما تخلعها عن غيرها ، فبالتالي تنطلق مثل هذه المجموعات السكانية من بقع عمياء في تفكيرها ... فتنظر إلى بقية مكونات الدولة بنظرة سوداوية بغيضه ، يتعاظم لديها الشعور بكراهية الآخر المختلف ، فتجد هذه الكراهية طريقها إلى مؤسسات الدولة الخدمية والثقافية والعدالية فتنج الظلم والمحسوبية والتهميش.. و بذلك يختل التوازن وعدالة الدور والحق في الدولة من أعلى الهرم إلى أدنى مستوى وظيفي أو عمال بل تهمش طاقات وعقول كان من الأجدر أن تسهم في معركة التقدم والحداثة في بلادها.

    يحكي لي بعض الإخوة من خريجي الجامعات السودانية في تسعينات القرن العشرين أي في عهد سطوة الشيخ حسن الترابي ، يقول انه ذهب ليتعين بوزارة الخارجية واجتاز كل المراحل بجدارة تامة ، وعند المقابلة الشخصية مع الوزير أو وكيل الوزارة قال له انك من قبيلة كذا ، وهذه القبيلة تاريخها السياسي معروف .... وبالتالي لا مجال لك في العمل هنا .... ويفصح متحدثي أكثر ليقول لي انه من قبيلة الحمر وهي قبيلة في كردفان تدين بولائها للمهدية وحزب الأمة ، وان الشخص الذي أجرى معه المقابلة وعلى حد قوله انه شايقي.
    فان حدث هذا بالفعل فهو شئ طبيعي في دولة ما زالت تحمل في طياتها الكثير من الرؤى المتخلفة المتغلغلة في مؤسسات الدولة ، و قد يكون حظ محدثي فقط هو الذي وضعه في مقابلة شخص مشحون بفكر التجزئة والكراهية ، لكني على يقين بان وزارة الخارجية بها الكثير من أبناء الحمر والغرب والشرق و الجنوب ، صحيح قد يكون هناك لوبهات داخل الوزارة وأي وزارة أخرى ، قد لا تجعل مبدأ الحيادية التام في المؤسسات الحكومية مطبقا ..فما حدث لصاحبي هذا نموذج تعالجه السياسة الثقافية القومية الواعية – المؤسسية المحايدة .
    بحيث يدرك الشايقي أو الدينكاوي بأنه ليس أحق بالانتماء والولاء الوطني من ابن الشلك أو الحمر ، وان لا يدعي بان السودان سيغرق أو إن ابن القبيلة أو الجهة الفلانية " سيسومنا سوء العذاب و يستحي نساءنا من بنات جعل او دينق " . فتلك من المفاهيم البالية التي انتقلت وقننت كبنود في الإدارة اليومية للدولة السودانية المعاصرة... فالدولة في تقديري هي كالأب أو الأم تحمل في أحشائها مشاعر محايدة تجاه أبنائها وبناتها.
    فمن اولويات السياسة الثقافية التي نريد و نعمل على تحققها في بلادنا هي العمل على صون الوحدة الوطنية و إشاعة مبدأ عدم الإكراه أو الكراهية في كل شئون الحياة في المجتمع حيث لا إكراه في الدين وبالتالي في التنوع الثقافي الذي لم تتجاهله الأديان أيضا بل اعترفت به في أكثر من معنى أو دلالة .
    مثال آخر هو إذا ما نظرنا إلى الثقافة الحربية وإنتاج أجهزة التوجيه المعنوي في جانبي الصراع السوداني الراهن بين حكومة الإنقاذ والحركة الشعبية يبدو واضحا إن الإنتاج الأدبي في مرحلة من مراحل الصراع انه إنتاج ثقافي لا يخدم المسعى من اجل السلام والوحدة .
    فالحركة الشعبية غذت مقاتليها بالعداء ضد العرب أو المتسعربين و المسلمين في السودان الشمالي بصورة دمرت معها أجهزة التفكير الموضوعي في عقول إتباعها، حيث إن إثارة العداوات في ظروف الحرب يعد احد دواعي التوجيه المعني في المسألة العسكرية لحمل المقاتل ليقاتل بوحشية ضد خصمه. فالحركة استقدمت ثقل التاريخ الاستعماري و الكثير من أباطيله لتدمغ بها الوجود المستعرب – المسلم في السودان بصورة بلغت حد المبالغة في اتهام الشماليين بالاتجار في الجنوبيين في أيامنا الحضارة من نهايات القرن العشرين ومطلع هذا القرن الجاري ، فضلا عن الزعم بان الإمام المهدي كان تاجرا للرقيق وغيرها من التهويمات ، إلى درجة إن الرجل الأبيض الأمريكي أو الأوروبي وبسبب دعمه الحالي لقضية الحركة الشعبية وتبنيه لها أصبح اقرب عضويا إلى نفس مقاتلي الحركة الشعبية وبعض النخب الثقافية الجنوبية من أخيه الشمالي المستعرب أو المسلم والذي يشاطره ذات الاهاب الأسمر و لو بدرجات متفاوتة. لتبدو بذلك الصورة مقلوبة في عقل إنسان الجنوب الذي تعمل بعض نخبه الثقافية على تبرئة الرجل الأبيض من جريمة الرق في أفريقيا والتي لم يسلم منها السودان ، وكان و ليمسبرج وفيرجينيا لم تشهد في التاريخ وصول او شاحنة من الرقيق الأفريقي عام 1616م أي قبل ميلاد الإمام المهدي بأكثر من قرنين من الزمان ، حيث ظل سدنة الرق و باستمرار يقدمون التبريرات الدينية والأخلاقية والعلمية بل السياسية وغيرها من النظريات البيولوجية والنفسية عديمة المعنى Mumbo- Jumbo إلا في التأصيل لدونية و احتقار و استعباد إنسان أفريقيا.
    وبذات القدر فان الخطاب الحربي في الجانب الشمالي المستعرب المسلم لم يكن اقل ضررا بالوحدة الوطنية من الخطاب الجنوبي . فالخطاب الديني الممعن في التطرف أوغر صدور الجنوبيين ، مثلما أعطاهم مادة جيدة أصبحت دليل عمل للصراع تخدم بوعي أو دون وعي الأهداف الاستعمارية المستترة و التي ترمي إلى تقسيم السودان شعبا وأرضا و إن كان هذا لا ينسجم مع آمال الوحدويون من أبناء الجنوب والشمال على خد سواء، إلا ان الوحدويين من أبناء الجنوب يبدون في استياء تام من تصوير الحرب ضد إقليمهم وكأنها حرب دينية بين الإسلام والمسيحية او عنصرية بين العرب الأفارقة في السودان...
    فالسياسة الثقافية المنتجة في زمن الحرب هي ثقافة أزمة لا تصلح كمادة حيدة للثقافة السياسية الداعمة لمفاهيم التعايش و السلام ، فهي أي الثقافة الحربية عادة ما تكون محكومة بالشطط والعدوانية و استدعاء كل صور الاتوبيا و البارسايكولوجي في العملية القتالية على نحو ما شاهدنا في أهازيج الحماسة و الاستغراق الديني الغيبي في خطاب الجبهة الإسلامية الجهادية، لدرجة الزعم بان " القرود " تشارك في القتال ونزع الألغام التي يزرعها العدو ، كما هو معلوم في القرآن بان هناك أقوام جعلهم الله قردة وخنازير ، فكيف أصبح قرد هذا الزمان مجاهدا ؟!! ليس هذا فحسب بل سمعنا بمن يشم رائحة المسك تفوح من البصل ، ومعلوم إن سيدنا موسى قال لقومه حين طلبوا منه البصل والثوم " أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير" ، هذا إلى جانب زيجات تعقد للشهداء في بساط الدنيا الفانية على الحور العين في دار المقام " الاخره" ، فما سمعنا بهذا في الأولين... كل هذا وغيره من صور الترغيب في الفعل القتالي ضد الخارجين على الدولة لا يؤسس ثقافة الوئام والسلام و الوحدة في السودان.
    صحيح إن المصلحة الدفاعية هي احد الغايات التي تعمل السياسة الثقافية على غرسها في نفس المواطن و ذلك عبر برامج فدائية وحماسية عديدة ولكن ينبغي أن تكون الدولة أكثر رشدا في إنتاج مثل هذه الثقافة و التي سيكون لها ما بعدها خاصة في مرحلة إقرار السلام حيث تبدو لتلك الأهازيج دلالاتها في نفوس المقاتلين على الجانبين. لا شك ان الجهاد هو ذروة سنام الإسلام ومطلوب لحماية البيضة والدفاع عن الأوطان ، ولكن ينبغي إلا يسوق له ثقافيا بتلك الكيفية وكأن الغاية من الجهاد هي زواج في الآخرة يتم إشهاره في الدنيا ، فاخر آية نزلت في القرآن هي " فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا و لا يشرك بعبادة ربه أحدا " تبين هذه الآية وبشكل قاطع أي نوع من الثقافة الدينية مطلوبة هنا حيث روي في سبب نزولها إن رجلا قال : ( يا نبي الله إني أحب الجهاد و أحب أن يرى مكاني ) ، فانزل الله هذه الآية لتوضح بان الغاية من الجهاد ليست التباهي أو الزواج من الحور العين بقدر ما هو عمل صالح يرجو به المرء لقاء ربه. فقيم الأديان وتعاليمها ومقاصدها هي أيضا مادة للسياسة الثقافية التي ينبغي ان تتوخى مؤسسات صنع الثقافة في بلادنا الدقة في إنتاجها ومن ثم ضخها إلى عقول الجمهور كمدخلات رشيدة للوعي:
    فإذا أردت ان تدمر جهاز تفكير إنسان ما فزوده بمعلومات مغلوطة أو مضللة... فتراه ينطلق كثور في حلبة الصراع الأسباني ....في تهور وحرب بالوكالة ... لا يدرك خطأ فيها إلا بعد أن ينزع من عينية تلك العصابة من المعلومات الكاذبة.
    فالحرب الأهلية ومهما علا فيها صوت الخطاب العنصري أو الديني أو الجهوية في الشمال أو الجنوب أو الغرب و الشرق ، فهي في النهاية ليست كذلك وان الانتماء القومي لأي من أبناء السودان ليس موضع طعن ، أو تجريح فيه حرب عدالية بالدرجة الأولى لا ينبغي لها إلا أن توخذ كذلك فكل من الطرفين يقاتل لاسترداد أو الحفاظ على حقوق جهته أو مجموعته السكانية وهذا يمكن أن يتحقق في نطاق دولة القانون و الاعتراف المتبادل و التبادل السلمي للسطلة و الأدوار في كل مؤسسات الدولة المدنية العسكرية النظامية وغيرها ... نعم إننا في حاجة إلى سياسة ثقافية تنموية جديدة تجعل الوحدة حالة ذهنية و نفسية متأصلة في وجدان كل سوداني و مهما وقع عليه ظلم شخصي أو على مجموعته الاثنية ليكون لسان حاله:

    بلادي وان جارت علي عزيزة *** أهلي وان ضنو علي كرام

    نعم انه معلوم لدينا من وجهة نظر الاجتماع البشري واشكالياته انه:
    إن كان في الأرض عدل *** ما شب فيها قتال

    ولكن الروح المبثوثة في بيت الشعر الأول أعلاه ، تجعل من الحلول الحضارية السلمية لقضايا الإنسانية أمرا متأتيا وبأقل الخسائر ويشيع ثقافة التسامح وهي ثقافة سياسية ديمقراطية مطلوبة ....

    ودمتم/
    أخوكم/ ابوساره بابكر حسن صالح

    **************************************************************************
    مكتوب لك الدهب المجمر تتحرق بالنار دوام
                  

العنوان الكاتب Date
لوطني اكتب/ السياسة الثقافية وثقافة الديمقراطية في السودان AbuSarah06-26-03, 04:44 PM
  Re: لوطني اكتب/ السياسة الثقافية وثقافة الديمقراطية في السودان AbuSarah06-27-03, 04:39 PM
  Re: لوطني اكتب/ السياسة الثقافية وثقافة الديمقراطية في السودان AbuSarah06-27-03, 07:05 PM
  Re: لوطني اكتب/ السياسة الثقافية وثقافة الديمقراطية في السودان AbuSarah06-28-03, 02:10 PM
    Re: لوطني اكتب/ السياسة الثقافية وثقافة الديمقراطية في السودان فتحي البحيري06-28-03, 02:25 PM
  Re: لوطني اكتب/ السياسة الثقافية وثقافة الديمقراطية في السودان sentimental06-28-03, 02:24 PM
  Re: لوطني اكتب/ السياسة الثقافية وثقافة الديمقراطية في السودان AbuSarah06-28-03, 06:45 PM
  Re: لوطني اكتب/ السياسة الثقافية وثقافة الديمقراطية في السودان omdurmani06-28-03, 07:11 PM
  Re: لوطني اكتب/ السياسة الثقافية وثقافة الديمقراطية في السودان AbuSarah06-29-03, 05:59 PM
  Re: لوطني اكتب/ السياسة الثقافية وثقافة الديمقراطية في السودان AbuSarah06-30-03, 08:10 AM
  Re: لوطني اكتب/ السياسة الثقافية وثقافة الديمقراطية في السودان AbuSarah07-01-03, 08:59 PM
  Re: لوطني اكتب/ السياسة الثقافية وثقافة الديمقراطية في السودان AbuSarah07-07-03, 10:36 AM
  Re: لوطني اكتب/ السياسة الثقافية وثقافة الديمقراطية في السودان AbuSarah07-12-03, 04:03 PM
  Re: لوطني اكتب/ السياسة الثقافية وثقافة الديمقراطية في السودان AbuSarah07-13-03, 12:59 PM
  Re: لوطني اكتب/ السياسة الثقافية وثقافة الديمقراطية في السودان AbuSarah07-14-03, 02:31 PM
  Re: لوطني اكتب/ السياسة الثقافية وثقافة الديمقراطية في السودان AbuSarah07-15-03, 11:45 AM
    Re: لوطني اكتب/ السياسة الثقافية وثقافة الديمقراطية في السودان أبكر آدم إسماعيل07-16-03, 04:13 AM
  Re: لوطني اكتب/ السياسة الثقافية وثقافة الديمقراطية في السودان AbuSarah07-16-03, 02:59 PM
  Re: لوطني اكتب/ السياسة الثقافية وثقافة الديمقراطية في السودان AbuSarah07-16-03, 03:07 PM
  Re: لوطني اكتب/ السياسة الثقافية وثقافة الديمقراطية في السودان AbuSarah07-16-03, 04:46 PM
    Re: لوطني اكتب/ السياسة الثقافية وثقافة الديمقراطية في السودان Elmosley07-18-03, 08:30 PM
  Re: لوطني اكتب/ السياسة الثقافية وثقافة الديمقراطية في السودان AbuSarah07-17-03, 09:17 PM
  Re: لوطني اكتب/ السياسة الثقافية وثقافة الديمقراطية في السودان AbuSarah07-18-03, 07:32 PM
  Re: لوطني اكتب/ السياسة الثقافية وثقافة الديمقراطية في السودان AbuSarah07-20-03, 08:00 PM
  Re: لوطني اكتب/ السياسة الثقافية وثقافة الديمقراطية في السودان AbuSarah07-21-03, 04:06 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de