قبل سنوات حررت وزارة المعادن خطابًا أنيقًا وعنونته إلى بناية أنيقة بعاصمة الضباب.. كانت الوزارة تطمح في زيارة رجل الأعمال السوداني البريطاني محمد إبراهيم للخرطوم.. لكن (مستر مو) لم يكلف نفسه الاعتذار وسجل زيارة لعدد من دول غرب إفريقيا ثم قفل عائدًا إلى مقر إقامته في لندن.. لكن قبل أيام كان ذات الرجل يصوب نظره تجاه السودان من العاصمة كيجالي.. السيد مو أعلن عن دعمه للتحول الديمقراطي بمبلغ مليون ونصف من الجنيهات الاسترلينية.. هذا يعني ببساطة أن دراسة جدوى التغيير السلمي باتت حاضرة ورابحة. تزامن مع دعوة مو باعتبار انتخابات ٢٠٢٠ خط صفر جديد آخر، جاءت على لسان الرفيق ياسر عرمان نائب رئيس الحركة الشعبية تيار عقار.. عرمان في مقال مطول امتدح الخط الإيجابي الذي يقوده حزب المؤتمر السوداني عبر المشاركة المشروطة في الانتخابات المقبلة.. وحسب عرمان أن العمل المسلح ليس غاية في حد ذاته.. لم ينس عرمان أن يسند ظهره المجهد على عدد من تجارب التسوية الناجحة في أمريكا اللاتينية.. كما وضع في الحسبان التطورات الدولية والإقليمية بجانب ميزان القوى الحربي المائل بوضوح نحو كفة الحكومة. بما أن الحكمة هي ضالة المؤمن فعلينا الاحتفاء بخيار الانتقال السلس الذي طرحه الأستاذ ياسر عرمان.. قد يختلف الناس حول الأطروحات السياسية للسيد عرمان لكنهم لا يختلفون حول صدقه ووفائه لما يؤمن به من مباديء.. خيار الانتقال السلس يبدو مثل قارب نجاة لمركب تائه في البحر قل فيه الزاد وكثرت الثقوب.. سيستفيد الجميع من هذه الفكرة.. الحركة التي يتزعمها عرمان وكل حركات دارفور فقدت النصير بسبب الانقسامات والخلافات السياسية..حتى طول أمد الصراع ليس في صالح حركات تقاتل عبر التطوع في جبهة عريضة.. الحركة الشعبية الأخرى التي يقودها عبدالعزيز الحلو انكفأت على الذات وهجرت الأجندة القومية. المشاركة في الانتخابات القادمة سانحة جيدة لالتقاط الأنفاس وقياس المد الشعبي للحركات المسلحة .. بل أنها من ناحية عنصر الزمن ستنافس خصمًا منهكًا تحاصره الأزمات الاقتصادية من كل صوب.. الحزب الحاكم لم يستطع خلال ثلاث عقود من اجتياز عقدة الخلافة السياسة.. منذ عهد الرئيس ريجان يعتمد المؤتمر الوطني على نجم واحد.. حتى على مستوى العلاقات الخارجية باتت حكومة الإنقاذ تعيش في عزلة.. فقدت جميع الحلفاء حينما ظنت أن بامكانها أن تأكل الكيكة وتحتفظ بها في ذات الوقت.. لهذا من السهل على تحالف واسع وعريض أن يصنع التغيير عبر الوسائل السلمية. في تقديري.. على الحكومة أن تحتفي بهذا المبادرة بل وتقدم التنازلات.. بات واضحًا أن الحكومة لن تستطيع الانفراد بالحكم من دون تقديم تنازلات حقيقية .. أي تسوية سياسية لا تحمل معادلة صفرية ستكون في صالح المجموعة القابضة على مفاصل السلطة.. الإحساس بوجود منافس حقيقي سيذيب الاختلافات بين التيارات الإسلامية (المتكاجرة).. الخسارة عبر الانتخابات ستكون أفضل مكسب للحزب الحاكم .. في هذه الحالة سيكون جزءًا من المعادلة السياسية وربما تركيبة الحكم .. بل عبر تلك القفزة سيجنب البلاد شرور العزلة. بصراحة.. الانتقال السلس يقتضي من القوى الوافدة إلى ميدان التنافس أن تغير من أسلحة المنازلة.. من المهم تكوين جبهة تغيير شعبية عريضة تحمل في واجهتها بعض رموز السودان التقليدي.. جبهة تستوعب الشفيع خضر وياسر عرمان ويوسف الكودة وغازي صلاح الدين وعلي الحاج ومالك عقار وجلاء الأزهري .. بل من المهم أن يكون الإمام الصادق المهدي رأس رمح التغيير القادم .. سيجنب عرمان بلدنا كثيرًا من الشرور إن رمى الماضي وتطلع نحو المستقبل .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة