الوسيلة إلى فهم أن الدولة السودانية ليست اختراعا بقلم محمود محمد ياسين

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-16-2024, 07:38 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-16-2018, 07:55 PM

محمود محمد ياسين
<aمحمود محمد ياسين
تاريخ التسجيل: 10-26-2013
مجموع المشاركات: 140

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الوسيلة إلى فهم أن الدولة السودانية ليست اختراعا بقلم محمود محمد ياسين

    07:55 PM April, 16 2018

    سودانيز اون لاين
    محمود محمد ياسين-
    مكتبتى
    رابط مختصر




    هذا المقال يلقى، بشكل مكثف، ضوءاً على نظرية "الدولة" من خلال نقد آراء وتعريفات ظلت تعلو على المفاهبم الصحيحة حول هذه المسالة ومن ثم تتوصل لنتائج خاطئة حول طبيعة الدولة القائمة حالياً في السودان. فالفهم السديد لنظرية "الدولة" هو الوسيلة لإدراك كنه الدولة السودانية.

    ظل خيال بعض السودانيين يجنح نحو رسم صورة للدولة على أنها اختراع ويتم هذا من غير توظيف لفكر محدد او معطيات وقائع التاريخ أو التجارب السياسية أو التاريخ الاقتصادي؛ فهولاء تقكيرهم مألوف وممعن في عاديته. لكن لا يوجد شخص لا ينطلق من رؤية وتصور ما. فكما في الطبيعة، لا مكان للفراغ في التفكير العادى فهو يحتوى على أفكار موغلة في الذاتية والمنهج الميتافيزيقى من ناحية الفصل بين مكونات الظاهرات التي يدرسها وترابطها بما سبقها وتكوين فكرة عن مسار تطورها، الخ. ولهذا تجد أصحاب هذا الجنس من التفكير يصيغون أفكاراً كالأساطير لا تعجب أحداً غير الأطفال، فالأطفال يحبون القصص الخرافية (fables)، وهؤلاء يصبح حالهم كحال مثقف "مقهى ريش" كما صوره الشاعر الممتاز الراحل أحمد فؤاد نجم:

    محفلط مزفلط كتير كلام
    بكام كلمة فاضيه
    وكام اصطلاح
    يفبرك حلول المشاكل أوام (قوام)

    وهكذا بوصفهم للدولة كإختراع، يوسع أؤلئك "المنظرون" سلة إنتاجهم الخرافى بإستخدام هذا التعريف في تأليف مقدمات تشوبها الأخطاء حول تاريخ الدولة ومن ثم الوصول إلى نتائج مغلوط فيها حول الدولة السودانية. فالحقيقة البسيطة هي أن النتائج الخاطئة تنبع من المقدمات الخاطئة. وكمثال لهذا النوع من التنظير الذى أصبح يسيطر على ساحة كتابة التحليل السياسى في السودان سيطرة تفوق الحدود هو ما قام به مخترع نظرية "تشريح بنية العقل الرعوي" الذى واصل إختراعاته النظرية قائلاً هذه المرة، في مقال بعنوان " الحكومة.. حين لا تعمل ولا تترك الناس يعملون"، إن الدولة " من أعظم الاختراعات التي اخترعتها البشرية..." ولكنها إلى الآن وفق طبيعتها فهى إما “نعمة" أو “نقمة".

    لكن سؤالنا ما هى طبيعة الدولة التي أدت لازدواجيتها المذكورة حتى في حدود المفردات المجردة، "نعمة" و“نقمة" التي لا تعنى شيئاً محددا في السياق الذى حشرت فيه. ثم يواصل الكاتب ويقول إن الدولة العادلة لم تأت بعد وربما يحدث مجيئها سريعاً أو في وقت متأخر قبل” أن يستحصد الوعي البشري، فيجعل مجيء تلك الدولة أمرًا ممكنا. “ هذا الراى يتأسس، كما ذكرنا سابقاً، على تفكير عادى تتضح بساطته إذا استرجعنا فكرة الدولة عند الفيلسوف ج.ف.ف. هيجل؛ فهذا الفيلسوف صور الدولة كقمة لتجلى العقل، الذى يتجسد في وعيه بذاته، وبالتالي ضرورة اتحاده مع الدولة الذى يحقق” الفكرة الأخلاقية المطلقة“ التي تمثل الحل النهائي لتناقضات المجتمع. ولكن هيجل لم ينطلق من مفاهيم تبسيطية مثل النَعْمات والنِقْمات، بل من المنطق الديالكتكى المُطوّر علي يديه كأبرز حدث في التاريخ الحديث للفلسفة؛ فهيجل يعتبر أن المجتمع يستمد حركتة من قانون التناقض (تحول الشيء إلى شيء آخر). فالدولة وفق هيجل تمثل تناقض إذ أن شكلها التاريخى الظاهر هو عبارة عن تمظهر الآخر وهو الدولة التي تحقق في النهاية "الفكرة المطلقة". كان هيجل يقف على مثالية عالية منصتها؛ لكن مثالية هيجل جعلته يعتقد (واهما) أن الإنتقال لدولة الفكرة المطلقة يحدده التصور العقلى المنطقى بديلاً عن حركة الواقع ذات المحتوى الاجتماعى والتاريخى. إن هيجل بتأبيده (eternization) للدولة التي تبلغ الكمال خان منطقه الديالكتيكى وحول فلسفته لمثلبة وصفها فريدريك إنجلز بأنها أكبر عملية إجهاض في تاريخ الفلسفة.

    إن الدولة ليست "قوة" مفروضة على المجتمع من الخارج كإجراء أو تصرف متعقل (rational) أو كتعبير عن موقف أخلاقى فهى نتاج للحظة معينة من تطور المجتمع؛ فظهور الدول جاء نتيجة إنقسام المجتمع لطبقات وتحول الصراع بينها لتناقض عدائى (irreconcilable) وعند تأسيسها صورتها الطبقات المتنفذة كأداة مستقلة ومحايدة ليس لها وجود تاريخى وكنظام إدارى لا علاقة له بالملكية الخاصة. لكن في واقع الأمر فإن الدولة ذراع طبقى يستخدم للتحكم في التناقض المشار إليه بالشكل الذى يضمن إضطهاد واستغلال طبقة أخرى. والدولة لم تجئ لحل التناقض المشار اليه بل التحكم فيه من قبل الطبقة المهيمنة. فوجود الدولة بصورتها الطبقية نفسها هو دليل على إستمرار التناقضات الطبقية التي لا يمكن أن تتعايش.

    الدولة القومية كوجود مستقر جدث في أوربا خلال القرن الثامن عشر حققه ظهور السياسة بالمفهوم الحديث لها كنشاط إحترافى. ففي النظام الإقطاعى لم تكن الدولة منفصلة عن المجتمع؛ فحينها كان النظام يتشكل من تراتبية (إقطاعية)، ضيعات ودوقيات، منفصلة ولم يكن الاستغلال فيها مستتراً حيث كانت الإدارة تتطابق تماماً مع الملكية: كان المنتجون يملكون وسائل انتاجهم، فالاقطاعى يمنح الفلاحين جزءا محدوداً من اراضيه مقابل استحواذه على قدر معين من انتاجهم اضافةً الى استخدامهم فى حراثة باقى الاراضى الخاصة به. ومع ظهور الرأسمالية وتجريد المنتجبن من وسائل الانتاج برزت الدولة ككيان سياسي (ونشأت السياسة نفسها بمفهومها الحديث) إقتضى فصل المجتمع المدنى، الذى يشمل حياة الناس الإنتاجية، عن الدولة. وهكذا اصبحت الدولة جسما ادارياً خاصاً وأخذت شكلاً وهمياً بتصويرها من قبل البرجوازية كأداة مستقلة، تخدم كل المجتمع، لها وجودها التاريخى الخاص الذى لا علاقة له بطابع الملكية الخاصة. وهكذا أصبحت الازدواجية بين الدولة والمجتمع المدنى مجردة بعد ان كانت حقيقية.

    وهكذا فإنه وفق هيجل فإن” الدولة ليست عملا فنياً. فهى موجودة فى الحياة، فى مجال الجِماح والصدفة والخطأ.“ وإذا أجرينا تنويعاً مادياً على مقولة هيجل يمكننا القول أن الدولة ليست إختراعاً فهى موجودة في الحياة في مضمار الصراع السياسي الذى يجئ تعبيراً عن تضارب المصالح الاقتصادية. ونظرية تكيُّف طبيعة الدولة وفق العامل الأخلاقى مجتلبة من ركام نظريات قديمة لا يتعلق بها إلا البعض الذى يعيش في الماضى، فحتى معظم أفراد برجوازية دول الديمقراطيات الليبرالية الحالية، وخاصة في الأوساط الأكاديمية، لا ينكرون وجود الطبقات، لكنهم لا يعترفون بأن التناقضات المجتمعية تتخذ شكلاً عدائياً و يعتبرون ان الدولة هناك قد حققت التعايش بين الطبقات والفئات المختلفة بتطبيق الديمقراطية الليبرالية؛ وهذا يتعارض مع النظرة العلمية التي تنظر إلى أن الصراع الناتج عن هذه التناقضات هو ما ظل تاريخياً يحدد التحولات في طبيعة الدولة نتيجة صعود طبقة في أعقاب إزاحة طبقة أخرى.

    صور الكاتب الإشتراكية كحلم ونزع عنها بكل خفة صفتها كاكتشاف علمى لقوانين تطور المجتمعات الإنسانية (المادية التاريخية) حرر علم الاجتماع من شتى أنواع المعايير الذاتية والأحكام القَبْلِية (a priori). فالراسمالية حولت الإنتاج، لأول مرة في التاريخ، لأن يكون ذا طابع إجتماعي؛ وبالتالي فإن الإشتراكية تعنى، على وجه الإختصار، حل التناقض الناشئ بين طبيعة الإنتاج الإجتماعى وشكل التملك الخاص بحيث يصبح الأخير اجتماعيا، ويحمى صحة هذه المقولة ومقولات أخرى عن الإشتراكية، تحليل واف يمكن الإطلاع عليه في مجلدات ماركس "راس المال" ومؤلفاته الأخرى وأعمال فريدريك إنجلز وليس في الكتابات التافهة الناقدة للماركسية التي ينقل الكاتب عنها وتجعله شخصاً كاذباً وجهولاً عندما يقول ان فريدرك إنجلس هو الذى ألف نظرية "تلاشى الدولة" وليس كارل ماركس. وحول نظرية تلاشى الدولة فالكاتب يعطى انطباعا بان أساسها النظرى وبالتالي ما المقصود منها غاب عنه تماماً. تلاشى الدولة، وفق الماركسية، لا يتم في مرحلة الإشتراكية بل في مرحلة الوصول للشيوعية عند زوال الطبقات حيث تختفى الدولة المنفصلة عن المجتمع المدنى (وهو الشكل الذى اتخذته الدولة البرجوازية) ولا تعود هناك حاجة لجهاز بيروقراطى مهمته توظيف أذرع من التنظيمات المسلحة (جيش، بوليس، وامن الخ) لحماية الملكية الرأسمالية، وتصبح إدارة المجتمعات تتركز في حل تناقضات تتعلق بصراع الإنسان لإخضاع الواقع الإيكولوجي بالصورة التي تجعل حياته وبقائه على الأرض ممكناً وهذا ينعكس على مواصلة المجتمع تقدمه وتطوره النوعى عبر الزمن. وفى هذا الخصوص فإن الكاتب لم يقدم دليلاً على زعمه (أو بالأحرى زعم الذين ينقل عنهم) أن لينين لم يفعل شيئاً غير انه كرس نظاماً راسمالياً إتخذ شكل رأسمالية الدولة؛ ولو كلف الكاتب نفسه بالاطلاع الجاد على تجربة التطبيق الإشتراكى في الإتحاد السوفيتى السابق والصين فسيجد أن القادة هناك شرعوا في إرساء قواعد نظام إقتصادي في هذين البلدين لم يعرف التاريخ له مثيلاً من قبل تتمثل ريادته في إزالة نظام الإنتاج السلعى عن طريق التحجيم التدريجى لقانون "القيمة"؛ فهناك مؤلفات ومقالات عديده، خاصة من زاوية الاقتصاد، تتناول هذه المسألة وبعضها يتضمن المداولات والمجادلات ذات الصلة داخل أروقة الحزب والدولة. وكتابات أخرى ثرية بإفادات حول أن التراخى المتعمد وحيناً، بدرجة اقل، غير المقصود في إزالة العلاقات المبنية على قانون "القيمة" هو ما أدى، في التحليل النهائي، إلى سقوط الأنظمة الإشتراكية في نهايات القرن المنصرم.

    إذن الدولة ذات محتوى إجتماعى وتاريخى. هذا هو الملمح الأساس في نظرية الدولة لكارل ماركس؛ وهى وفق دراساته وكسمة أخرى للدولة، فإنها تميل لأن تصبح جهازاً ينزع، في إطار مهمته الأساس المتعلقة بحمايته للملكية الخاصة، إلى الاستقلال عن مكونات المجتمع ويفرض نفسه عليها، وهذا يحدث في حالة توازن التناقض بين الطبقات والفئات المتصارعة كما في حالة الدولة "البونابرتية" – Bonapartism-، وقد بينا في مقال سابق أن الدولة لأمريكية الحالية تقترب كثيراً من تجسيد مثل هذه الدولة : ملامح الدولة الأمريكية - ترمب والإنتلجنسيا الجديدة

    ———————————————

    وهكذا فإن كاتب المقال المار الإشارة إليه يذكر على أساس التحليل التبسيطى لطبيعة الدولة خلال مسار التاريخ شرقا وغربا أنه لا وجود للدولة في السودان، ويظهر تعجلاً يجعله "يموت" لكى يصل إلى نتيجة ما معناه أن حكم الإنقاذ "لا شيئ " وان الموجود هو حكومة سلوكها ” فاقد للبوصلة الهادية“ وهى ” لا تعمل، ولا تترك مجالا لمواطنيها لكي يعملوا“!! وطبعاً، هذا النوع من "التفكير" لا يرفد النشاط السياسى بما يثوَّر العمل المعارض للحكم الظلامى الإستبدادى ليس لأنه مبسطا فحسب، بل يقف على راسه:

    يقول في وصف حالة الدولة في السودان: ” لم يبدأ بعد بناء دولة ما بعد الاستقلال فإن الحكومة ظلت، ولا تزال، خصما على الجهود القاعدية التي تستهدف إنجاز هذا البناء. ظلت تصادر دور المجتمع، مصادرة تامة، بل، تخمد طاقاته، وتضعه على مدرجات المتفرجين.“ والموجود هو حكومة بلا دولة وهى مجرد قوة عسكرية وأمنية باطشة تتركز مهمتها في البطش بالمواطنين وحماية شبكات الإجرام (الفساد) وجمع الجبايات. وهكذا، على حسب أفكاره، فالفرصة لم تتح للشعب لكى "يخترع" الدولة السودانية المرجوة!! ولكن يأتي ويقول في تناقض واضح أنه يخشى أن يكون السودان سائراً على الطريق الذي يقود إلى وضع "اللادولة". وعلى كلٍ هذا قلب للحقائق على رأسها؛ والتفكير الطفولى وحده هو الذى يعتقد فى فكرة أن الدولة السودانية لم توجد بعد. والأكثر طفولية هو الإعتقاد أن حكم "الإنقاذ" الحالي "لا شيء"، فالدولة السودانية موجودة بجيشها ومليشياتها وشرطتها وخدمتها المدنية ومنظريها؛ دولة شبه رأسمالية تسودها العلاقات الشبه إقطاعية؛ دولة سيادتها منقوصة بسبب التبعية السياسية والاقتصادية؛ دولة تتحدر منها حكومات خلال العقود الستة الماضية بينها قاسم مشترك تستمده من أصل إجتماعى- تاريخى معين هو حماية المصالح الاقتصادية للطبقة التجارية (الكمبرادور) المهيمنة على مفاصل الاقتصاد منذ نيل البلاد إستقلالها السياسى. فهذه الطبقة التجارية (الإستيراد والتصدير) هي المُوجد الرئيس (mainspring) للحكومات، والتغييرات التى حدثت في جهاز الدولة عبر السنوات هي تغييرات شكلية لم تمس جوهر أجهزة الحكم المتسم بمعاداة الأغلبية من شعوب السودان وسلبهم ابسط حقوقهم السياسية. فالرسم البيانى للحكومات السودانية خلال الستة عقود السابقة يسجل، باستثناء بعض الحالات، تصاعدية توجهاتها الاستبدادية وتناقضاتها مع مصالح شعوبها.

    أهم ما يمكن أن يقال في وصف الدولة السودانية هو القوى الاجتماعية التي تهيمن عليها ما زالت قادرة على تصريف أي توجه للتغيير لكى يجرى لمصلحتها وهذا يعزى، أولا، لعامل التبعية التي تكرسها مؤسسات التمويل الدولية التي يرجع لها _في آخر الأمر _ إدامة حالة تخلف الدولة وتكلسها وإستمراريتها بأنساقها المادية والثقافية القديمة من خلال دعم وإسناد الحكومات التابعة، وثانياً، لضعف القوى الذاتية التي يحد من فعاليتها في التغيير غياب الرؤى الفكرية وإنعدام المنهجية الصحيحة التي تقدم نقداً علمياً لمكونات الواقع.

    وأخيرا كلمة حول التغيير. إن نقل مستوى الدولة السودانية لمستوى نوعى أعلى على الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لا يتم بالاتجاه السائد المتمثل في تأليف المقالات التي يعرض فيها الكتاب تصورات
    ذاتية للتغيير، وكل على حسب سعة مقدرته على نسج الأحلام المخملية. إن الوعى بالتغيير يُستمد مكونات واقع العلاقات الاجتماعية-الاقتصادية السائدة وتوجهات حركتها وليس من عالم الأوهام؛ فهذا الوعى يجب تفسيره كما يقول ماركس،” بمتناقضات الحياة المادية في أحـشاء المجتمع القديم. وهو السبب، الذى من أجله، يجعل البشرية لا تكلف نفسها إلا بالمهام التي تستطيع تحقيقها باعتبار أن الاستقصاء الدقيق دائما ما يكشف عن ان المشكلة لا تظهر إلا إذا كانت الظروف المادية اللازمة لحلها قائمة أو على الأقل في سبيل التكون. وبشكل عام فإن أساليب الإنتاج الأسيوي والكلاسيكى والإقطاعى والبورجـوازي الحـديث يمكن أعتبارها حقبا تعبر عن التطور الاقتصادي للمجتمع.“

    والتغيير لا يتم بتأليف المقالات التي تفتئت على ضبط المصطلحات برصها في جمل لا تعنى شيئاً. المصطلحات كتجريد لا تفعل شيئاَ. فالتغيير لا يتم برسم مخطط (blueprint) او بارادايم (paradigm) جاهز. التغيير يتطلب نظرية ترشده، فالمخططات والبارادايمات ليست نظرية؛ التغيير عملية (process) يضئ طريقها العمل النظرى من أجل الوصول للنموذج الإجتماعى-الإقتصادى الذى يريده الناس . والعمل النظرى المقصود هنا هو الذى يحدد طبيعة المرحلة التاريخية وتوجهات تطورها وخصائص المجتمع وقواه صاحبة الأهلية على إحداث التغيير؛ المطلوب نظرية علمية تبتعد عن المواعظ والحكم (righteousness) والتهجد في معبدها.

    وموضوع ضبط المصطلحات أساسى، فعدم وعى المفاهيم التي يدل عليها المصطلح والإكتفاء بأخذه بمعناه اللغوى هو ما يؤدى إلى عدم فهم الظاهرات الإجتماعية عند دراستها والاوضاع السياسية عند تحليلها. وكمثال يورد الكاتب فى مقال له آخر إن” الحديث عن أي مبدئية، أو أي اتساق، في مسار التجربة السياسية السودانية، لفترة ما بعد الاستقلال، إنما هو توهُّم ومحض واسقاطٍ لرغبات. ولذلك، نحن بحاجة إلى نقلة "برادايمية"، paradigm shift، مكتملة الأركان، تخرجنا من هذه الحالة غير المنتجة. “ إذا تركنا جانباً إشارة الكاتب الفارغة المحتوى حول التجربة السودانية وخلوها من ما أسماه المبدئية، نراه يقدم نموذجاً للوقوع تحت غواية مصطلح لا يساعد في الفهم الصحيح للواقع السياسى. فحول النقلة البراديمية، فإن مؤلفها توماس كون انتقد إعتماد تقويم التجارب فى مضمار العلوم الطبيعية على نظرية أن التقدم العلمى تراكمى، واعتبر أن ما اسماه "العلم العادى" -normal science- ينقطع مساره بحدوث وقائع ينتج عنها نموذج جديد (paradigm) يرفد التجارب العلمية بمدارك تغير توجهات أبحاثها.

    إن مشكلة توماس كون هي أنه لم يوضح كيف يتكون البرادايم. فبرادايم كون كيان جاهز لا يُستمد من الواقع وهو ينتج الأفكار والقواعد والنظريات وليس العكس. وكون لا يؤمن في "الموضوعية" على أساس أن النتائج الموضوعية تتمدد من التكيف الذاتي. وهذه مثالية ذاتية تتمثل في إنكاره للعلاقة بين التكنولوجيا والثقافة، أي ان الثقافة ترتقى لمرحلة اعلى نتيجة للتقدم التكنولوجى (طاحونة الهواء أعطت الإقطاعية والطاحونة البخارية أعطت الرأسمالية، وبالتالي كل الأفكار والثقافة المطابقة للواقع المادى لهاتين الحقبتين)؛ وانطلاقا من هذا الموقف الفلسفى فإن كون يعتقد في التطور الداخلى للعلوم (internal development of science) بمعزل عن معطيات الواقع ومستوى التقدم التكنولوجى فيه. كون لا يعترف بوجود الواقع الموضوعى. برادايم كون هو إجتهاد عالم في مجال العلوم بمعزل عن االطبيعة ( ( natureوالتيارات السائدة فى المجال الثقافي، فالتحول البرادايمى عند كون يحدث بشكل ميكانيكى حصريا على الحركة الداخلية. وهذا يتناقض مع النظرة المادية التي تدرس، في مجال العلوم الطبيعية والإجتماعية، الظاهرات في ترابطها وعلاقتها بالبئية المادية والفلسفية والثقافية وفى حركتها الديالكتيكية الأبدية. كون لا يدرك الرابط الديالكتيكى في عملية تحول الأنظمة من طور إلى طور، كمثال:الإنتقال من الفيزياء الكلاسيكية الى النظريات الفزيائية الكمية ومن الأخيرة الى النظرية النسبية العامة.
    توماس كون كفيزيائي ألف نظرياته على صعيد العلوم الطبيعية، ووجدت أفكاره طريقها لإسقاطها على السوسيولوجيا حيث تلقفها أصحاب نظريات ما بعد الحداثة (postmodernity ) الذين أصبح بالنسبة لهم إستعمال مصطلح البرادايم وتفريعاته- التحول البراديمى (paradigm shift) والتغير البراديمى (paradigm change) - في كتاباتهم شيئا ثابتاً؛ وهذا يرجع للأساس الفلسفى المثالى الذاتي لتلك النظريات ونزوعها الأحادى في تفسير الظاهرات الاجتماعية بعوامل ثقافية.






























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de