عروبة القدس القدس بين الحق العربي والاستعمار الاستيطاني اليهودي بقلم د.غازي حسين

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-25-2024, 01:42 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-21-2017, 01:59 PM

د. غازي حسين
<aد. غازي حسين
تاريخ التسجيل: 10-26-2015
مجموع المشاركات: 260

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
عروبة القدس القدس بين الحق العربي والاستعمار الاستيطاني اليهودي بقلم د.غازي حسين

    01:59 PM May, 21 2017

    سودانيز اون لاين
    د. غازي حسين-
    مكتبتى
    رابط مختصر



    المحتوى
    • مقدّمة
    • عروبة القدس في التاريخ
    • الأطماع اليهودية في القدس
    • عدم شرعية الأطماع اليهودية في القدس
    • حائط البراق (حائط المبكى المزعوم) وقف إسلامي
    • احتلال الكيان الصهيوني للقدس الغربية في حرب عام 1948 العدوانية
    • احتلال الكيان الصهيوني للقدس الشرقية في حرب حزيران العدوانية عام 1967
    • تهويد القدس الشرقية
    • الاعتداءات اليهودية على المسجد الأقصى
    • التراث اليهودي المسيحي وتدمير المسجد الأقصى
    • الموقف الأمريكي من القدس
    • موقف السلطة الفلسطينية من القدس
    • الوضع القانوني لمدينة القدس
    • مجلس الأمن الدولي والقدس المحتلة عام 1967
    • مراحل تهويد القدس.
    • الاحتلال وتزوير التاريخ والآثار.
    • إقامة الحي اليهودي على أنقاض أحياء عربية.
    • تهويد منزل الحاج أمين الحسيني.
    • نتنياهو والاستيطان في القدس.
    • المفاوض الفلسطيني ووثائق الجزيرة.
    • ردود الفعل الفلسطينية على وثائق الجزيرة.
    • الخلاصة.


    القدس بشطريها المحتلّين
    مدينة عربية - إسلامية
    القدس هي القبلة الاولى وثالث الحرمين الشريفين ومدينة الاسراء والمعراج
    قال الله تعالى في كتابه العزيز:
    سبحان الذي اسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى الذي باركنا حوله.
    مقدمة
    تعتبر القدس، مدينة الإسراء والمعراج من أهم الأماكن المقدسة التي ارتبط بها العرب على مر العصور. فالقدس عندهم رمز الأرض والوطن والقومية والدين، وأولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، ومهد السيد المسيح، وجوهر قضية فلسطين والصراع العربي – الصهيوني.
    وتحتل القدس مكانة مركزية في قضية فلسطين لأهميتها الدينية والتاريخية عند العرب من مسلمين ومسيحيين، وعند المسلمين في جميع أنحاء العالم.
    فالعرب هم أول من أسس المدينة حوالي (3000)ق.م، ومن اسمها العربي أوروسالم أي مدينة سالم أو السلام جاء اسمها الحالي جيروزاليم.
    وجاء الفتح الإسلامي للقدس على يد الصحابة، وحرروها من الرومان. واستلم الخليفة عمر بن الخطاب مفاتيح المدينة من بطريرك القدس صفرونيوس الدمشقي. ووقّع العهدة العمرية للبطريرك وضمنها شرطاً بناءً على طلبه تمثَّلَ في ألاّ يسكنها اليهود.

    وحافظت على طابعها العربي الإسلامي حتى إبان احتلال الفرنجة لها الذي دام حوالي مئتي سنة، واستعادها صلاح الدين الأيوبي سنة 1187م. واستولى عليها العثمانيون في عام 1517م، وأعاد سليمان القانوني بناء سور المدينة، وطوله 4كم وارتفاعه 12 متراً، وله ثمانية أبواب، وصلت فيما بعد إلى 14 باباً.
    عروبة القدس في التاريخ :
    تؤكد كتب التاريخ وعلم الآثار أنّ العرب أسسوا القدس قبل ظهور اليهودية والمسيحية والإسلام، وسموها يبوس وأوروسالم. وجاء الاسم أورشليم الذي يطلقه اليهود على المدينة من الآرامية (أي السريانية)، وبالتالي فإن الاسم أورشليم كلمة عربية وليست عبرية.
    بنى المسلمون في مختلف العهود الإسلامية مساجد بلغت (34) مسجداً معظمها داخل المدينة القديمة وعدداً كبيراً من الزوايا التي يؤمها الحجاج من مختلف البلدان الإسلامية كالزاوية النقشبندية للحجاج القادمين من أوزبكستان، وزاوية الهنود للحجاج القادمين من الهند، والزاوية القادرية للحجاج القادمين من أفغانستان، وحي المغاربة للحجاج القادمين من المغرب، ولكل زاوية أوقاف ومسجد وغرف للنوم.
    وأنشأ المسلمون مدارس لطلب العلم بلغ عددها (56) مدرسة للمسلمين من أهل المدينة ومن المشرق والمغرب، وأصبحت المدينة غنية بالأبنية والنقوش والزخارف والقناديل النادرة التي لا مثيل لها على الإطلاق.
    وخصها الله بإسراء رسوله محمد ()، وقال في كتابه العزيز: سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله.
    وروي عن النبي قوله: "إن الله سبحانه وتعالى خص فلسطين بالتقديس"، وجعلها النبي الأكرم محمد () قبلة المسلمين الأولى وثالث الحرمين الشريفين.
    وبنى الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان مسجد قبة الصخرة ونقش اسمه على مدخله مع تاريخ البناء سنة 72 هجرية.
    ويعتبر المسجد الأقصى المبارك ومسجد قبة الصخرة ومسجد الخليفة عمر بن الخطاب من أهم وأقدم المعالم العربية الإسلامية في المدينة المقدسة، وتُعدّ جزءاً أساسياً من التراث الإسلامي ومن أكثره قدسية.
    أما الآثار العربية المسيحية، فهي آثار السيد المسيح والحواريين والشهداء، ومنها كنيسة القيامة، وطريق الآلام، وما شيدت فيه من أديرة وكنائس.
    فالمدينة القديمة مليئة بالمساجد والكنائس والمدارس والزوايا والمقابر الأثرية الهامة ومنها مقبرة (مأمن الله). وأسندت حراسة كنيسة القيامة، وهي أعظم المقدسات المسيحية في العالم إلى أسرتين مقدسيتين مسلمتين ومعهما مفاتيح الكنيسة.
    كذلك أقام الدمشقيون قبة الصخرة المثمّنة والمذهّبة، واستخدمت سبع سنوات من خراج مصر لإقامتها. أما تخطيط المسجد الأقصى المبارك الذي نراه اليوم فهو هندسة عباسية بغدادية. ورمم الأيوبيون حيطان الحرم. وجهز الأتراك الكسوة بالقاشاني على أرضية زرقاء، كما بنوا سور المدينة القديمة، مما يجسّد بجلاء مساهمة الأمة الإسلامية في بناء المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة، وساحة الحرم القدسي الشريف أي ساحة المسجد الأقصى. إذاًفتأسيس القدس وتاريخها يثبت بجلاء أنها مدينة عربية-إسلامية، ازدهرت في العهود الإسلامية، وهي بحكم التأسيس والبناء والتاريخ والطابع الحضاري والواقع مدينة عربية إسلامية. وكانت اللغة العربية، لغة القرآن الكريم، هي السائدة حتى إبان حكم الفرنجة والحكم العثماني. فالحضارة التي عرفتها القدس ترجع إلى فترة الحكم الإسلامي فيها. وبالتالي فإنّ سكان المدينة عربٌ لساناً وحضارة، واليهود طارئون على المدينة غرباء عنها، جاؤوا إليها من وراء البحار واستوطنوا خارجها بدعم وتأييد كاملين من قناصل الدول القريبة، وبالأساليب اليهودية المخادعة.
    وللمسجد الأقصى المبارك مكانة مقدسة في القرآن الكريم ومكانة عظيمة ومنزلة كريمة في نفوس ومشاعر مليار ونصف المليار مسلم في العالم، وحظي ويحظى باهتمامهم عبر العهود المختلفة وحتى اليوم وغداً. وتعتبر ذكرى الإسراء والمعراج ذكرى إسلامية مباركة يحتفل بها المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها، يستذكرون فيها سيرة النبي () في إسرائه ومعراجه إلى السموات العلى، وفي دعوته وعبادته وجهاده وأخلاقه ومكانته عند ربه، وبذلك أضافت رحلة الإسراء والمعراج إلى القدس قدسية على قدسيتها، وأكدت مكانتها الروحية عند المسلمين.
    إن معجزة الإسراء والمعراج فعلّ ربّاني يتعدى التاريخ والجغرافيا، ويربط بين المسجد الحرام بمكة المكرمة ومسجد النبي في المدينة، والمسجد الأقصى بالقدس أرضاً وسماء وأمة.
    وكذلك فإن ذكرى الإسراء والمعراج هي من إحدى الركائز التي توحد الأمة الإسلامية، وتذكرنا بواجباتنا تجاه الدين وتجاه القدس ومقدساتها العربية والإسلامية منها والمسيحية. فقدشاءت إرادة الله عز وجل إسراء هادي البشرية من مكة المكرمة إلى المسجد الأقصى ومعراجه من المسجد الأقصى إلى السموات العلى وتلقيه في تلك الرحلة ما فرضه الله على المسلمين وهي الصلوات الخمس، الركن الثاني من أركان الإسلام، ليبقى المسجد الأقصى حياً في أذهان المسلمين كافة.
    وكان رؤساء بلدية القدس خلال المئة سنة الأخيرة قبل احتلال اليهود للشطر الغربي من المدينة عرباً حتى إبان الانتداب البريطاني على فلسطين. وظلت القدس مدينة عربية بشطريها الغربي والشرقي إلى أن جاءت العصابات اليهودية الإرهابية المسلحة واحتلتها بعد مجزرة دير ياسين في التاسع من نيسان عام 1948 وجراء الحرب التي أشعلوها لإقامة الكيان الصهيوني.
    الأطماع اليهودية في القدس :
    خططت الصهيونية منذ تأسيسها لتهويد الأماكن الإسلامية والمسيحية في القدس، حيث كتب (تيودور هرتزل) مؤسس الصهيونية كحركة سياسية عالمية منظمة في مذكراته يقول:
    "إذا حصلنا يوماً على القدس وكنت لا أزال حياً وقادراً على القيام بأي شيء فسوف أزيل كل شيء ليس مقدساً لدى اليهود فيها وسوف أحرق الآثار التي مرت عليها قروناً".
    وجاء في دائرة المعارف اليهودية تحت كلمة "الصهيونية": "إن اليهود يبغون أن يجمعوا أمرهم وأن يذهبوا إلى القدس ويتغلبوا على قوة الأعداء وأن يعيدوا العبادة إلى الهيكل ويقيموا مملكتهم هنا". ويزعم قادة الحركة الصهيونية ومنهم كلاوز والحاخامات: "إن المسجد الأقصى القائم على قدس الأقداس في الهيكل إنما هو لليهود".
    وتسخِّر اليهودية العالمية "الماسونية" وشهود يهوه، والمسيحية الصهيونية والمحافظين الجدد، والكنائس الإنجيلية في الولايات المتحدة، والكونغرس الأمريكي وبعض الرؤساء الأمريكيين لتدمير المسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه، وتهويد القدس بشطريها المحتلين، وجعلها العاصمة الموحدة للكيان الصهيوني. وتعمل الماسونية كذلك على بناء الهيكل المزعوم الذي تعتبره الرمز لعزة "إسرائيل"، وتأتي في المرتبة الثانية بعد الصهيونية واليهودية العالمية لتحقيق هذا الهدف. وتؤمن الماسونية الأوروبية أن روحها هي روح اليهودية في معتقداتها الأساسية.
    وتتضمن دائرة المعارف الماسونية الصادرة في فيلادلفيا عام 1906 أنه "يجب أن يكون كل محفل ماسوني رمزاً لهيكل اليهود. ويقرأ جميع الحاضرين من الدرجة (33) في المحافل الماسونية: "سنعود إلى عهد سليمان بن داوود ونبني الهيكل الأقدس، ونقرأ فيه التلمود، وننفذ كل ما جاء في الوصايا والعهود، وفي سبيل مجد إسرائيل نبذل كل مجهود".
    وتدعم الكنائس الإنجيلية التي ظهرت في الولايات المتحدة في القرن الماضي الأكاذيب والخرافات والأطماع اليهودية في القدس والمقدسات الإسلامية. ويتفقون مع اليهود على ضرورة تدمير المسجد الأقصى وبناء هيكل سليمان المزعوم على أنقاضه. وتعمل جمعية بروتستانتيّة وهي "مؤسسة هيكل القدس" ومقرها مدينة دينفر الأمريكية، جنباً إلى جنب ويداً بيد مع الإرهابيين اليهود في القدس من أجل تحقيق هذه الجريمة الإرهابية الخطيرة، وهي هدم المسجد الأقصى وسيطرة اليهود عليه وبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه.
    ووصلت الأطماع اليهودية الهمجية حدّاً قال فيه بن غوريون مؤسس الكيان الصهيوني أنّ "لا معنى لإسرائيل بدون القدس ولا معنى للقدس بدون الهيكل".
    وطالب بن غوريون بعد احتلال العدو الإسرائيلي لمدينة القدس الشرقية في معهد رافي في 20/6/1967 في كلمة ألقاها في المعهد المذكور بهدم سور القدس التاريخي للأسباب التالية:
    "أولاً- لأننا نريد قدساً واحدة، لا اثنتين يهودية وعربية.
    ثانياً- يجب هدم السور فهو غير يهودي، إذ بناه سلطان تركي في القرن السادس عشر.
    ثالثاً- سيكون لهدم السور قيمة سياسية عالمية، إذ عندها سيعرف العالم أن هناك قدساً واحدة يمكن أن تعيش فيها أقلية عربية".

    عدم شرعية الأطماع اليهودية في القدس:
    طالب الاستعمار والصهيونية بتأسيس دولة لليهود في فلسطين لخدمة مصالحهما الاستعمارية وانطلاقاً من المزاعم والخرافات والأكاذيب والأطماع التوراتية والتلمودية، كأكذوبة الحق التاريخي لليهود في فلسطين، وأسطورة أرض الميعاد واستغلال معزوفتي (اللاسامية والهولوكوست).
    وانطلقت الصهيونية لدعم مزاعمها الاستعمارية من وعد "يهوه" لشعبه المختار (وكأن الإله يهوه يتعاطى بالشؤون العقارية)، وهو زعم أو إدعاء ديني، والدين ليس مصدراً من مصادر القانون الدولي، ولا يجوز الاستناد إليه لتبرير الاستعمار الاستيطاني اليهودي في فلسطين والقدس، وترحيل الشعب الفلسطيني والمقدسيين ومصادرة الأراضي العربية وتهويدها، وإقامة كيان يمثّل الاستعمار الاستيطاني والنظام العنصري على أنقاض فلسطين العربية.
    إن جميع الأسباب التي يوردها الصهاينة وحلفاءهم في الدول الغربية حول أرض الميعاد وبناء الهيكل المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى وتهويد القدس بشطريها المحتلين، لا تشكل أبداً حقاً من الحقوق إذا انطلقنا من القانون الدولي الذي كان سائداً في الماضي أو في الحاضر كالوعود اليهودية والبريطانية والاضطهاد الذي لاقاه اليهود في أوروبا.
    إن فلسطين كانت منذ فجر التاريخ كنعانية، أي عربية. واعتنق سكانها الديانة المسيحية إبان الإمبراطورية الرومانية ولم يغيّر ذلك من طابعها العربي، واحتفظت بطابعها العربي بعد الانتصارات العربية في القرن السابع. فاليهود انطلاقاً من روايتهم لم يكونوا أول من سكن فلسطين، وإنما هم دخلاء عليها، غرباء عنها، وانتهى كيانهم السياسي منذ أن احتلها الرومان.
    ويتذرع الصهاينة باستعادة القدس وبناء الهيكل المزعوم لأن ذلك ورد في صلواتهم التي صاغها الحاخامات وكرستها الصهيونية، ولكن هذا العامل هو "عنصر ديني" وليس سياسي. وبالتالي لا قيمة قانونية له على الإطلاق، مما دفع بالمؤرخ الإسرائيلي (شلومو سان) الأستاذ في جامعة تل أبيب إلى القول في 8/12/2009 "إن إسرائيل قامت على أسس ومبررات وذرائع واهية لا أساس لها من الصحة، وولدت بفعل اغتصاب أرض الفلسطينيين المواطنين الأصليين عام 1948".
    إن استغلال الصهيونية للخرافات والأكاذيب والأطماع اليهودية التي رسخها كتبة التوراة والتلمود، لتبرير الاستيلاء على فلسطين والقدس، ليس إلاّ استعماراً استيطانياً مغلفاً بقناع ديني صهيوني، وليس للادعاء الكاذب بملكية اليهود لحائط البراق أو ما يسمونه حائط المبكى ولقدسيته المزعومة، في نظري، أي قيمة قانونية أو سياسية.
    لقد حوَّل القادة الصهاينة والحاخامات "الدين اليهودي" إلى سلاح لسلب الفلسطينيين، سكان فلسطين الأصليين وأصحابها الشرعيين حقوقهم في وطنهم فلسطين. وسخّروا الدين اليهودي والإيديولوجية الصهيونية والاستعمار العالمي في خدمة الاستعمار الاستيطاني اليهودي، وخدمة الأطماع الاستعمارية السياسية والاقتصادية للصهيونية العالمية والإمبريالية الأمريكية، لفرض هيمنة اليهودية العالمية على منطقة الشرق الأوسط وعلى العالم.
    حائط البراق (حائط المبكى) وقف إسلامي:
    حاول اليهود في آب عام 1929 الاستيلاء على حائط البراق، أي الحائط الغربي لسور المسجد الأقصى المبارك بحجة أنه جزء من هيكل سليمان المزعوم، فتصدى العرب لهم واندلعت انتفاضة البراق. وحاولوا أن يدعموا مزاعمهم في حائط البراق بالقوة، فنظموا مظاهرة في تل أبيب بمناسبة ما يسمى ذكرى تدمير الهيكل في 14 آب عام 1020م. وفي اليوم التالي أي في 15 آب نظموا مظاهرة سارت في شوارع القدس حتى وصلوا إلى حائط البراق، ورفعوا أعلام النجمة السداسية وأنشدوا النشيد الصهيوني "هاتكفا"، وأطلقوا شعارات معادية للعرب والإسلام، وهتفوا "الحائط حائطنا"، ونادوا باستعادته.
    وفي 16 آب، في ذكرى المولد النبوي الشريف توجه أهالي القدس وبعض القرى المحيطة بها إلى الصلاة يوم الجمعة في المسجد الأقصى المبارك، وبعد الصلاة ساروا في مظاهرة توجهت إلى حائط البراق وحطموا وأحرقوا ما وضعه اليهود هناك. وتدفق الفلسطينيون في 23 آب لأداء صلاة الجمعة في المسجد الأقصى، وبعد الصلاة تحدتهم مظاهرة صهيونية فوقعت المواجهات العنيفة بين الطرفين، وفتحت قوات الانتداب البريطاني النار على المواطنين العرب واستشهد في المواجهات (116) عربياً وجرح (232) آخرون، وألحقت القوات البريطانية أضراراً كبيرة بالممتلكات والقرى العربية. وأدت انتفاضة البراق عن مقتل (133) وجرح (239) يهودياً.
    وأعدمت سلطات الانتداب البريطاني في 17 حزيران 1930م في سجن عكا قادة انتفاضة البراق الشهداء: (عطا الزير، ومحمد جمجوم، وفؤاد حجازي) الذين خلدهم الشاعر إبراهيم طوقان بقصيدته المشهورة "الثلاثاء الحمراء" في حفل تأبين الشهداء في ساحة كلية النجاح الوطنية بنابلس (وهي المدرسة التي درست بها وحصلت منها على شهادة البكلوريا).
    كما خلّد الشاعر الشعبي نوح إبراهيم الشهداء الثلاثة بقصيدته المشهورة "من سجن عكا طلعت جنازة". وتحولت إلى أغنية تقدمها فرقة العاشقين الفلسطينية.
    عرضت حكومة الانتداب البريطاني في فلسطين على إثر ذلك القضية على عصبة الأمم، وشكلت العصبة لجنة دولية للتحقيق في ملكية حائط البراق، وجاء في قرارها الصادر في كانون الأول 1930 ما يلي:
    أولاً- للمسلمين وحدهم حق الملكية دون منازع في امتلاك الحائط الغربي (حائط البراق) كجزء لا يتجزأ من منطقة الحرم الشريف ولهم الحق العيني فيه.
    ثانياً- تعود ملكية الساحة أمام الحائط الغربي (ساحة المغاربة) للمسلمين أيضاً وكذلك حي المغاربة المجاور والمقابل له يُعتبر وقفاً ثابتاً وفق الشريعة الإسلامية ويعود ريعه للأعمال الخيرية. وللمسلمين أيضاً تعود ملكية الرصيف الكائن أمام الحائط، وأمام المحلة المعروفة بحارة المغاربة لكونه وقفاً إسلامياً.
    ثالثاً- يحق لليهود الوصول بحرية إلى حائط البراق لأغراض العبادة.
    وهكذا جاء قرار لجنة التحقيق الدولية ليؤكد بجلاء أن حائط البراق، أي ما يسميه اليهود بحائط المبكى وقف إسلامي لا علاقة له بهيكل سليمان المزعوم ولا يمت لليهود بصلة.
    وسمح المسلمون بدافع من تسامح الدين الإسلامي لليهود بالبكاء وقوفاً أمام حائط البراق منذ عام 1930. ووضع قرار اللجنة الدولية كوثيقة رسمية من وثائق مجلس الأمن الدولي بتاريخ 23/2/1968 تحت رقم: س/8427/ و10. وكانت لجنة التحقيق الدولية قد استمعت إلى وجهتي النظر العربية واليهودية، وأيدت حق المسلمين في ملكية حائط البراق أي ما يطلق اليهود عليه حائط المبكى.
    إن حائط البراق (حائط المبكى) وقف إسلامي وجزء لا يتجزأ من سور المسجد الأقصى ولا يحق لليهود أعداء الوطن والمواطن أن ينتزعوا ملكيته من المسلمين ويجرون عليه وعلى الرصيف المقابل له وساحة المغاربة وحي المغاربة التغييرات التي غيرت معالمه خلافاً لقرارات مجلس الأمن الدولي الذي اعتبرها باطلة ولاغية، وما بني على باطل فهو باطل مهما طال الزمن.
    إنني أوكد انطلاقاً من القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف ومن تمسك الآباء والأجداد على مر العصور بعروبة القدس أنه لا يحق لأي مسؤول فلسطيني أو عربي أن يتنازل عن حجر واحد من حجارة حائط البراق أو غيره من الأراضي والمقدسات في مدينة الإسراء والمعراج بشطريها المحتلين وفي أكنافها.
    احتلال اليهود للقدس الغربية عام 1948 :
    نص قرار التقسيم رقم 181 الذي بموجبه أقام الصهاينة الكيان الصهيوني، على الوضع القانوني لمدينة القدس ككيان منفصل تحت نظام دولي خاص تشرف عليه الأمم المتحدة. وتضمن القرار بنوداً خاصة لحماية جميع الأماكن المقدسة وعدم المساس بالحقوق المكتسبة فيها.
    ولكن الأمم المتحدة فشلت في تنفيذ قرارها وفي حماية القدس ومواطنيها والأماكن المقدسة فيها بسبب الأطماع الصهيونية، والإرهاب الصهيوني، والانحياز الأمريكي والأوروبي للكيان الصهيوني ومعاداتهم للعروبة والإسلام، وبسبب التقصير العربي الرسمي.
    لقد كانت مجزرة دير ياسين الهمجية في التاسع من نيسان 1948، والتي أباد فيها اليهود جميع سكان القرية وعددهم (276) نسمة منطلقاً لاحتلال القدس الغربية ومحطة أساسية للهجوم عليها بسبب موقع دير ياسين الاستراتيجي.
    واستولت العصابات اليهودية الإرهابية المسلحة عليها وعلى جميع الأحياء العربية فيها في أيار 1948 ومنها حي القطمون، حي الطوري، حي النبي داوود، وحي شنلر، والبقعة التحتا والفوقا، وشردت منها حوالي (60) ألفاً من سكانها العرب (أي جميع العرب). وضم الكيان الصهيوني العديد من القرى العربية منها: بيت صفافا، والمالحة، وشرفات، وعين كارم وبتير. وكان فيها العديد من قطع الأراضي للوقف الإسلامي، والعديد من المساجد والكنائس، مما شكل اعتداء صارخاً على حقوق الديانتين الإسلام والمسيحية.
    فالوجود الصهيوني في القدس الغربية عام 1948 قام على الاحتلال والضم والتهويد خلافاً لمبادئ القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية.
    وبنى الكيان الصهيوني فوق أراضي قرية عين كارم العربية التي ضمها للقدس المحتلة مستشفى هداسا والنصب التذكاري لضحايا النازية (يادفاشيم). وتعود ملكية الأراضي التي بنيت عليها القدس الغربية للعرب، حيث كانت نسبة أملاك اليهود في محافظة القدس عام 1948 حوالي 2%، بينما بلغت نسبة الأراضي العربية 84% وأملاك الدولة 14%.
    أخذ اليهود يهاجمون أبواب المدينة القديمة لاحتلالها. وتصدى المدافعون العرب لهم وردوا هجماتهم عن أسوار المدينة. وأدى التعاون بين الجيش الأردني والمجاهدين إلى صد محاولات احتلال المدينة القديمة وتطهيرها من اليهود. وأحكمت القوات العربية الحصار على القدس الغربية، مما أدى إلى نقص المؤن ومياه الشرب والذخائر، فهبّ مجلس الأمن الدولي لإنقاذ اليهود المعتدين واتخذ في 22/5/1948 قراراً بوقف إطلاق النار. وفرضت حكومة الأردن الموافقة العربية على وقف إطلاق النار على اللجنة السياسية التابعة للجامعة العربية التي اجتمعت في عمان بتاريخ 25/5/1948، بذريعة أن الجيش الأردني لا يستطيع الاستمرار في الحرب بسبب نقص المؤن والذخائر والمعدات. ووافقت لجنة الجامعة العربية على أخطر خطوة في تاريخ القدس بفك الحصار عن اليهود في القدس الجديدة والذين كانوا على وشك الاستسلام.
    وبدأت قوافل المؤن والذخائر تتجه من تل أبيب إلى القدس على مرأى من رجال الهدنة وبمساعدتهم نقلوا السلاح والعتاد والرجال، وشقوا الطرق وعززوا وجودهم في القدس الغربية المحتلة.
    حاولت الأمم المتحدة وضع القدس بأسرها تحت الوصاية الدولية، وأيدها بذلك الفاتيكان، والدول الكاثوليكية، والكنائس العالمية، والدول العربية باستثناء الأردن. واتخذت الأمم المتحدة في 9/12/1949 القرار رقم 303-4 أكدت فيه عزمها على وضع منطقة القدس تحت نظام دولي دائم يضمن حماية الأماكن المقدسة، وعهدت إلى مجلس الوصاية الدولي تحقيق ذلك. ولكن الكيان الصهيوني أعلن رسمياً في 11/12/1949 نقل عاصمته من تل أبيب إلى القدس الغربية المحتلة، ورفض التدويل. وأعلنت الكنيست (أن القدس جزء لا يتجزأ من "إسرائيل")، وعقدت أول اجتماعاتها في 13/12/1949 في المدينة العربية المحتلة، ونقل رئيس وزراء الكيان الصهيوني وعدد من الوزراء مكاتبهم في 14/12/1949 إليها.
    استنكرت معظم الدول التي اعترفت بـ "إسرائيل" نقل وزارة الخارجية الإسرائيلية من تل أبيب إلى القدس المحتلة. واحتج مجلس الوصاية الدولي على الإجراءات التي اتخذتها "إسرائيل" في القدس المحتلة. وضم الملك عبد الله في كانون الأول 1949 الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية إلى الأردن، وحلَّ البرلمان وأجرى انتخابات برلمانية في الضفتين. وصدر في 24 نيسان 1950 القرار الأردني بضم الضفة الغربية إلى المملكة الأردنية. واعترفت بريطانيا بالضم بتاريخ 27 نيسان 1950. وأعلن الأردن عام 1959 أن القدس الشرقية العاصمة الثانية للملكة الأردنية الهاشمية، وتبلور الوضع في مدينة الإسراء والمعراج على الشكل التالي: القدس الغربية المحتلة عاصمة الكيان الصهيوني، والقدس الشرقية العاصمة الثانية للمملكة الأردنية.
    وعزز الكيان الصهيوني مركزه غير القانوني في القدس المحتلة من خلال عقد جلسات لجان الكنيست ونقل الوزارات والدوائر الحكومية، وإعطاء التسهيلات لنقل السفارات الأجنبية، والتركيز على عقد المؤتمرات الدولية ومنح الامتيازات والتسهيلات للمستثمرين الأجانب في المدينة العربية المحتلة. وبدأ العدو الصهيوني ببناء مقر الكنيست فيها عام 1961 وانتهى من بنائه عام 1966.
    واعتبرت الدول العربية أن بناء المقر الجديد للكنيست جزء من المخطط الصهيوني لجعل القدس الغربية المحتلة عاصمة فعلية لـ"إسرائيل"، مما يؤدي إلى تثبيت الوجود اليهودي العدواني والتوسعي في مدينة الإسراء والمعراج. وبالتالي تكون قد سخرت المزاعم والأساطير والأطماع التي رسخها كتبة التوراة والتلمود في خدمة أهداف الاستعمار الاستيطاني اليهودي، وإعلاناً عملياً صريحاً برفض تنفيذ قرارات الأمم المتحدة وجريمة عظمى بحق العرب من مسلمين ومسيحيين.
    وأكدت الدول العربية أن افتتاح المقر الجديد للكنيست في القدس المحتلة إساءة للعرب، وأن حضور العديد من ممثلي البرلمانات والدبلوماسيين الغربيين تشجيع لـ"إسرائيل" على الاستمرار في تحدي قرارات الأمم المتحدة، واعتبر الكيان الصهيوني أن تدشين الكنيست هو تدشين لرمز السيادة الإسرائيلية، وعيد قومي لإسرائيل ودليل على نجاحها في جعل القدس عاصمة لها.
    وتابع الكيان الصهيوني مخططاته في فرض الأمر الواقع الناتج عن استخدام القوة والعدوان والاحتلال والتهويد لتهويد الأماكن الدينية العربية الإسلامية والمسيحية، وتغيير الوجه الحضاري العربي الإسلامي للقدس الغربية المحتلة.


    احتلال القدس الشرقية




    أشعل الكيان الصهيوني في الخامس من حزيران عام 1967 حرب حزيران العدوانية، واحتل في السابع منه القدس الشرقية. واصدر في 11/6/1967 قراراً ضم فيه الضفة الغربية المحتلة بما فيها القدس الشرقية. كما أصدر الكنيست والحكومة الإسرائيلية ووزير الداخلية في 27 و 28 حزيران عدة قرارات جعلت القدس الشرقية جزءاً لا يتجزأ من القدس الغربية، المحتلة عام 1948، وضم أحياء صور باهر، والشيخ جراح، ومطار قلنديا، وجبل سكوتيس، ومنطقة شعفاط إلى القدس المحتلة.
    كما أقام وزير الحرب موشي ديان، بعد احتلال المدينة العربية مباشرة، الصلاة أمام حائط البراق، الذي يدعي اليهود أنه حائط المبكى، وهو وقف إسلامي، وجزء لا يتجزأ من سور المسجد الأقصى وتعود ملكيته للمسلمين وحدهم.
    وعقد عدة مئات من حاخامات اليهود في العالم مؤتمراً في القدس طالبوا فيه ببناء هيكل سليمان المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى. وردَّ عليهم وزير الأديان الصهيوني آنذاك فارهافتج قائلاً: "إننّا لا نناقش أحداً في أنَّ الهدف النهائي لنا هو إقامة الهيكل، ولكن لم يحن الوقت بعد؛ وعندما يحين الوقت لا بد من حدوث زلزال يهدم المسجد الأقصى كي نبني الهيكل على أنقاضه.
    وأكّد شلومو غورين، حاخام الجيش، في تلك الفترة، أنّهم سيزيلون المسجد الأقصى ويستعيدون الهيكل.


    تهويد القدس الشرقية
    أخذ الكيان الصهيوني يعمل على تغيير معالم المدينة العريقة وتهويدها منذ اليوم الأول للاحتلال تحت شعار كاذب ومضلّل وهو إعادة توحيد المدينة، كعادة اليهود في الكذب. وقام بالعديد من الحفريات وبناء الأنفاق جول المسجد الأقصى وتحته حتى بلدة سلون، وذلك لتهويده وبحثاً عن أي أثر يمتُّ إلى الهيكل المزعوم بصلة.
    وبدأت قوات الاحتلال باتخاذ العديد من الإجراءات كمقدمة لتهويد المدينة المحتلة ومنها:
     حل مجلس أمانة القدس المنتخب من قبل أهالي المدينة العرب ومصادرة أملاكه المنقولة وغير المنقولة، وإبعاد أمين العاصمة روحي الخطيب إلى عمان، وإحلال موظفين يهود بدلاً من الموظفين العرب.
     إلغاء الدوائر والمؤسسات والمحاكم العربية وإلحاق بعضها بالدوائر الصهيونية.
     حل المحكمة الشرعية الإسلامية في القدس، وإلحاق مواطني القدس بالمحكمة الشرعية الإسلامية في يافا.
     إلغاء المناهج الدراسية في المدارس العربية وفرض المناهج "الإسرائيلية" في جميع المراحل الدراسية.
     إغلاق المصارف العربية ومصادرة أموالها، وسلخ اقتصاد المدينة المحتلة عن اقتصاد الضفة ودمجه بالاقتصاد الإسرائيلي، وإقامة المراكز الجمركية حولها.
     إصدار بطاقات شخصية للمقدسيين من وزارة الداخلية "الإسرائيلية".
    إنَّ الاستعمار الاستيطاني اليهودي هو الحافز الأساسي الذي دفع الكيان الصهيوني لاحتلال القدس وتهويدها مستغلاً الزعم الديني للتمويه على الأطماع المادية والدنيوية للصهيونية نظراً للدخل الهائل الذي تجلبه القدس القديمة من ريع السياحة. وبالتالي سلب المقدسيين ليس فقط مدينتهم وأراضيهم ومقدساتهم وإنما حرمانهم مصدراً من أهم مصادر عيشهم.
    قبل حرب حزيران العدوانية عام 1967 لم يكن اليهود يملكون متراً واحداً في القدس الشرقية، أما اليوم فأصبحوا يملكون، بقوة الاحتلال والقوانين الاستعمارية والعنصرية وسياسة التطهير العرقي، 87% من مساحة المدينة المحتلة.
    ويعاني المقدسيون من مشكلة الهوية بسبب الاحتلال وفك الارتباط الأردني عام 1988 واتفاق الإذعان في أوسلو عام 1993 فهم ليسوا فلسطينيين ولا أردنيين ولا حتى إسرائيليين، وتسحب دولة الاحتلال، باستمرار، بطاقات الإقامة من المقدسين. وقد بلغ عدد العائلات المقدسية التي سُحبت منها الإقامة في عام 2008 حوالي 4577 عائلة.
    وتؤكد مؤسسة المقدسي لتنمية وتطوير المجتمع أنّ عدد المنازل التي تم هدمها في القدس الشرقية بين أعوام 1967 وحتى 2008 حوالي 24145 منزلاً. لذلك يمكن القول أن ما يجري في القدس، بشطريها المحتلين، عملية تطهير عرقي بدأت عام 1948 وتصاعدت بعد عام 1067 ولا تزال مستمرة حتى يومنا هذا.
    بالأمس جرى تهويد أكثر من ثلثي المسجد الإبراهيمي في الخليل ومسجد بلال بن رباح في بيت لحم وتحويله إلى قبر راحيل واليوم جاء دور البلدة القديمة لتهويدها وتهويد المسجد الأقصى، لإقامة دولة يهودية عنصرية خالصة وعاصمتها القدس بشطريها المحتلين.
    وفي صباح 21 آب 1969 حاول الصهاينة إحراق المسجد الأقصى المبارك وأضرموا النيران فيه، فهرع عرب القدس من مسلمين ومسيحيين لإطفاء الحريق، كما هرعوا من قرى ومدن الضفة الغربية للمشاركة في إطفائه وإنقاذه من التدمير. وكانت النساء تولون وتلوحن بالمناديل باكيات ناحبات، كما بكى الأطفال والشباب والشيوخ. وكان رجال الدين المسيحي، وعلى رأسهم بطريرك الروم الأرثوذكس، يحملون الماء ويبكون ويرددون بأعلى أصواتهم "بيت مقدس من بيوت الله يحرقه اليهود".
    وعندما وصل الجنرال ديان وزير الحرب استقبلوه بالهتافات ضد "إسرائيل" ورددوا عبارات: "الله أكبر القدس عربية" و "ولا هيكل مكان الأقصى". ونجحوا في إخماد الحريق بعد احتراق الجزء الهام منه بما فيه محراب صلاح الدين الذي أحضره من الجامع الأموي في حلب.
    وسادت مشاعر الحزن والغضب بين جميع العرب والمسلمين لفظاعة الجريمة وهمجيتها.
    الاعتداءات اليهودية على المسجد الأقصى
    ظهرت في الكيان الصهيوني، بعد احتلال القدس الشرقية، عدة منظمات يهودية تهدف إلى تدمير المسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه ومنها "حركة أمناء الهيكل" التي تُعتبر من الحركات اليهودية الإرهابية الخطيرة. وتقوم نظريتها على استخدام الدين اليهودي وتسخيره في خدمة الأساطير والأكاذيب والأطماع السياسية والاقتصادية والاستيطانية للكيان الصهيوني. وأكدت الأحداث والجرائم التي ارتكبتها ضلوع بعض السلطات الإسرائيلية في نشاطاتها وجرائمها.
    وجاء "التنظيم السري اليهودي" في المرتبة الثانية بعد حركة أمناء الهيكل، حيث كشف كارمي غيلون رئيس الشاباك الأسبق في كتاب نشره محاولة "التنظيم السري اليهودي" تفجير قبة الصخرة ومحاولة اغتيال رؤساء بلديات نابلس ورام الله والبيرة.
    وقامت خطة تدمير المسجد الأقصى، التي وضعها التنظيم السري اليهودي، على قصف قبة الصخرة بطائرة عسكرية. وتحدث رئيس الشاباك في كتابه عن وجهة النظر اليهودية لتدمير الأقصى قائلاً: "إن وجوده يشكل انتهاكاً لحرمة مكان مقدس، المكان الذي قام عليه الهيكلان". وتناول الدوافع التي حدت بالتنظيم للتخطيط إلى تدمير قبة الصخرة وقال:
     الأول سياسي: أي أنّ العملية (الجريمة) ستؤدي إلى نسف عملية السلام مع مصر وتحول دون الانسحاب من سيناء.
     والثاني ديني وسياسي: أي أن التفجير سيؤدي إلى اندلاع حرب مقدسة حيث يظهر الله في أعقابها ليخلّص شعبه المختار.
    واستخلص رئيس الشاباك من التحقيقات التي أجراها مع أعضاء التنظيم السري الإرهابي أنّ فكرة تفجير قبة الصخرة في نظرهم ستحول دون إخلاء مستعمرة ياقيت من سيناء وتضع حداً لمشروع الحكم الذاتي الفلسطيني.
    وعمل هذا التنظيم الإرهابي، لمدة عامين، للتوصل إلى استخدام مواد باليستية متفجرة، فقاموا بالتسلل إلى إحدى قواعد المدرعات في الجولان، واستخرجوا المواد المتفجرة من داخل الصواريخ وأخذوها معهم.
    علمت الأجهزة الأمنية عن عزم هذا التنظيم تدمير قبة الصخرة، فألقت القبض على أعضائه، لأن "إسرائيل" تعتقد أن الوقت الملائم لتدمير المسجد الأقصى لم يحن بعد.
    وأكد الرئيس الشاباك أنه في أعقاب اعتقال أعضاء التنظيم نشط لوبي سياسي داخل الكيان الصهيوني والولايات المتحدة بالعمل للدفاع عنهم. وبالفعل تم الإفراج عنهم جميعاً بعد أن صدرت الأحكام بحقهم من ثلاث سنوات إلى مؤبد.
    وظهر أنّ المحكمة العليا الإسرائيلية لا تقل إرهاباً وعنصرية عن مثل هذه العصابات الإرهابية، إذ أصدرت بتاريخ 6/7/1075 قراراً اعتبرت فيه أنّ ساحة المسجد الأقصى هي مكان مقدس للمسلمين واليهود معاً، وأنّ على وزير الأديان اتخاذ الإجراءات المناسبة ووضع أنظمة وترتيبات ليمارس كل صاحب ديانة حقه بإقامة شعائره الدينية في المكان الذي يعتبره مقدساً لديه.
    وجرت في الأول من أيار عام 1980 محاولة أخرى لنسف المسجد الأقصى عندما اكتُشف بالقرب من المسجد أكثر من طن من مادة (تي إن تي). وقد حوكم في هذه القضية الإرهابي مائير كاهانا.
    ودخلت جماعات من حركتي أمناء الهيكل وحزب هتحيا في 21 آب 1086 ساحة المسجد الأقصى، وأقاموا الطقوس اليهودية بحماية الشرطة، وذلك خلال احتفال المسلمين بعيد الأضحى المبارك.
    وقامت جماعة أمناء الهيكل في 17 تشرين الأول 1989 بوضع حجر الأساس لبناء الهيكل الثالث بالقرب من المسجد الأقصى وقال جرشون سلمون زعيم الجماعة "إن وضع حجر الأساس يمثل البداية، لقد انتهى الاحتلال الإسلامي ونريد أن نبدأ عهداً جديداً من الخلاص للشعب اليهودي".
    واندلعت المواجهات في 24 أيلول 1996 عندما افتتح الصهاينة باباً ثانياً للنفق تحت المسجد الأقصى واستغرقت عدة أيام، واستشهد خلالها (80) عربياً على يد السفاح نتنياهو.
    ودنس متطرف يهودي في 15 أيار 1998 المسجد الأقصى بإلقاء رأس خنزير مغلف بآيات قرآنية في باحة المسجد، كما تم إحراق أحد المداخل الرئيسية للمسجد الأقصى في الجهة الغربية منه.
    ولا تزال دولة الاحتلال تواصل الحفريات في محيط وأسفل المسجد الأقصى لفرض واقع جديد يستبق نتائج مفاوضات الحل النهائي للقدس، وتؤثر الحفريات الجارية تحت أساسات المسجد الأقصى حتى حي البستان في سلوان، وتشكل اعتداءاً صارخاً على أملاك الوقف الإسلامي في حائط البراق والأملاك الخاصة للمقدسيين. كما أن جميع الحفريات التي قاموا بها لم تؤد إلاّ إلى اكتشاف آثار إسلامية، أموية أو بيزنطية أو رومانية، وليس هناك، ولو حتى حجر واحد، إلى الهيكل المزعوم.
    إنّ عداء اليهود، والكيان الصهيوني للمقدسات العربية الإسلامية والمسيحية ينبع من الحقد والكراهية التي يضمرها اليهود للديانات الأخرى. وجاء جزء كبير من هذه الاعتداءات والانتهاكات والأطماع والتدمير والتهويد على يد مؤسسات حكومية رسمية صهيونية.
    ويعود مصدر هذه الممارسات والمواقف الهمجية إلى الطبيعة العدوانية والعنصرية والإرهابية المتأصلة في الايديولوجية الصهيونية والتعاليم التوراتية والتلمودية التي رسخها كتبة التوراة والتلمود، والهوس الاستعماري والديني والعنصري التي أصاب الصهاينة والذي طبع تصرفاتهم بطابع الكراهية والبغضاء لكل ما هو غير يهودي.
    التراث اليهودي – المسيحي وتدمير المسجد الأقصى
    امتزج التراث اليهودي في الثقافة الأمريكية منذ بداية مرحلة الاستيطان الأوروبي على أيدي دعاة الفكر الطهوري البروتستانتي المرتبط بالعهد القديم.
    وانطلق هذا التراث من التركيز على العهد القديم، وقصص بني إسرائيل والإيمان بالكتاب المقدس، بعهديه القديم والجديد، والادعاء من أن خطة "يهوه" تتخذ من أرض الميعاد المزعومة مسرحاً لمملكته الألفية، والتي سيكون مركزها الهيكل في مدينة القدس.
    ووصف الطهوريون أنفسهم في أمريكا ببني "إسرائيل" في رحلتهم عبر صحراء سيناء إلى أرض كنعان. ولعب ويلعب التراث اليهودي – الصهيومسيحي في السياسة الخارجية للمحافظين الجدد والحزب الجمهوري، والكنائس الإنجيلية في الولايات المتحدة الأمريكية دوراً لا يستهان بخطورته.
    ويعتقد المسيحيون البروتستانت في الولايات المتحدة وبالتحديد الذين يطلقون على أنفسهم "التحالف المسيحي"، أنّ عدو "إسرائيل" هو العدو رقم واحد للرب. وأنه لن يكون هناك سلام حتى يعود "المسيح" ويجلس على عرش داوود وتقوم مملكة "إسرائيل الكبرى" الألفية.ويؤمنون بأن "يهوه" يتوقع عودة اليهود إلى أرض كنعان كخطوة أولى، وإقامة دولة يهودية كخطوة ثانية، وأنّ عليهم ثالثاً التبشير لعقيدتهم بين الأمم، وأنّ نهاية العالم ستكون في معركة "هيرمجيدو" (تل مجيدو بالقرب من حيفا)، وأنهم سوف ينتصرون في المعركة. وسوف يحكم المسيح العالم وهو جالس على عرش داوود.
    ويتجاهلون مجيء السيد المسيح ولا توجد عودة ثانية لمجيئه في الكتب الدينية.
    وتؤكد الكاتبة الأمريكية جريس هالسل في كتابها "يد الله" هذه الهولسات الدينية وتقول: "إن القدرية تضع الدولة اليهودية وأفضليتها عند الله فوق الكنيسة وفوق تعاليم رئيسها السيد المسيح، وأن المسيح سيعود لإقامة مملكة يهودية، وأنه سيجلس على العرش في الهيكل الثالث بالقدس مترأساً الصلاة بأسلوب العهد القديم كتضحية بالبقر الأحمر".
    وتعتبر المنظمات البروتستانتية التي تنضوي في إطار هذا التحالف (أنّ المدخل لنيل النعمة الإلهية مستحيل إن لم يمر بمحبة اليهود، والاعتراف بحقوقهم في استعادة "أرض إسرائيل" التاريخية). ويطالبون بإعادة بناء الهيكل الثالث على أنقاض المسجد الأقصى المبارك.
    ويدعم الرئيس السابق بوش السابق "التحالف المسيحي" وينتمي إلى مذهب من أكثر المذاهب تطرفاً في تأييد الكيان الصهيوني.
    وتقوم "مؤسسة – هيكل القدس"، وهي جمعية بروتستانتية ومقرها مدينة دنفر الأمريكية، بالعمل جنباً إلى جنب مع اليهود المتطرفين في القدس من أجل تدمير المسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه.
    وتؤكد الكاتبة جريس هالسل في كتابها المذكور أن الأصوليين المسيحيين في الولايات المتحدة مقتنعون بأن على اليهود، وبمساعدتهم، تدمير المسجد الأقصى وبناء الهيكل واستئناف ذبح الحيوانات فيه من أجل إسعاد الرب.
    وأوردت في كتابها أن "تري ريزنهوفر"، رئيس مؤسسة هيكل القدس قال لها أنّه يجمع الأموال في أمريكا لمساعدة اليهود الذين يخططون لتدمير المسجد الأقصى وبناء الهيكل على أنقاضه.
    ويعتقد الأصوليون المسيحيون أن البحث عن المسيح يعني التصديق بعقيدة القدرية التي تقول أن الله يريد أنّ يرى الهيكل قد بُني من جديد قبل أن يعيد المسيح إلى الأرض، وبالتالي ما على الأصولية اليهودية إلا الإسراع في تدمير المسجد الأقصى وبناء الهيكل الثالث وإقامة إسرائيل العظمى.
    ويؤكد الحاخامات والصهاينة، العلمانيون منهم والمدنيون، أنّه لم يبق إلاّ الفصل الأخير من مأساة "إسرائيل" وهو إعادة بناء الهيكل في موقعه القديم (المزعوم)، وأنّ الوقت قد حان لتدمير المسجد الأقصى.
    وتحدثت الكاتبة الأمريكية عن زيارتها للقدس وقالت: "قال لنا مرشدنا السياحي الإسرائيلي وهو يشير إلى قبة الصخرة والمسجد الأقصى" هناك سبني الهيكل الثالث. لقد اعددنا كل الخطط اللازمة لبناء الهيكل حتى أنّ مواد البناء جاهزة". "وأكد المرشد السياحي أنّ الهيكل الثالث يجب أن يُعاد بناؤه في موقع قبة الصخرة، فالكتاب المقدس يقول بوجوب بناء الهيكل على أنقاضه".


    الموقف الأمريكي من القدس
    أيدت الولايات المتحدة قرار التقسيم وبذلت جهوداً هائلة لإنجاحه، ووافقت على القرار 194 المعروف بقرار العودة والتعويض. وشاركت مع تركيا وفرنسا في لجنة التوفيق الدولية، وحملتها على التخلي عن قرار الأمم المتحدة التي نص على تدويل القدس. ورفضت الاعتراف بالقدس الغربية المحتلة عاصمة للكيان الصهيوني، والقدس الشرقية عاصمة ثانية للأردن.
    وعلى إثر احتلال "إسرائيل" للقدس الشرقية في حرب حزيران العدوانية عام 1967 تبلور الموقف الأمريكي في البيان الذي أعلنه غولدبرغ الممثل الأمريكي في الأمم المتحدة بتاريخ 14/9/1967 وجاء فيه:
     إن تقرير المستقبل النهائي للقدس ككل يتم عبر الحل العام لمشكلة الشرق الأوسط.
     رفض رقابة دولية على الأماكن المقدسة.
     رفض الاعتراف بالقدس عاصمة لِـ "إسرائيل" أو نقل السفارة إليها.
     اعتبار القدس الشرقية منطقة محتلة تخضع للقانون الدولي، ولا يجوز لِـ"إسرائيل" أن تُدخل عليها أية تغييرات، وأن التغييرات التي قامت بها تُعدّ باطلة ولا تُمثل حكماً مسبقاً على الوضع النهائي والدائم للمدينة.
    وجاءت مبادرة دوجرز في أواخر 1969 وأدخلت بعض التغييرات على الموقف الأمريكي بخصوص القدس وهي:
    حصر الحل في إطار مفاوضات عربية-إسرائيلية.
    عدم الإشارة إلى العناصر الواردة في البيان الأمريكي السابق.
    عدم الاعتراف بالقدس عاصمة لِـ"إسرائيل" وعدم نقل السفارة الأمريكية إليها.
    وعلى الرغم من هذا التراجع الأمريكي أعلن شارل يوسست ممثل الولايات المتحدة في مجلس الأمن الدولي بتاريخ 1/7/1969 (أن القدس التي وقعت تحت سيطرة "إسرائيل" في حرب 1967 مثلها مثل مناطق أخرى احتلتها "إسرائيل"، تعتبر مناطق محتلة تخضع لنصوص القانون الدولي الذي ينظم حقوق والتزامات دولة الاحتلال القائلة: إنّ دولة الاحتلال لا يحق لها أن تُحدث تغييرات في القوانين أو الإدارة".
    تبنت إدارة الرئيس كارتر الموقف الأمريكي الذي تبلور في البيان الأمريكي أمام الأمم المتحدة وأعلنه أرثرغوبلدبرغ في أيلول 1967 والعناصر الواردة في مبادرة روجرز، ولكنها لم تُدرج قضية القدس في اتفاقيتي كمب ديفيد، وإنما في رسالة أمريكية وجهها الرئيس الأمريكي كارتر إلى الرئيس المصري أنور السادات، واعتبر أن للقدس وضعاً يختلف عن بقية الأراضي المحتلة، وتأييد اشتراك سكان القدس في أعمال سلطة الحكم الذاتي، دون مد سلطة هذا الحكم إلى القدس.
    وجاءت إدارة ريغان واعترفت بتغييرات جديدة في الموقف الأمريكي، تخدم الاستعمار الاستيطاني اليهودي في القدس وتهويد المدينة بشطريها المحتلين، ومن هذه التغييرات:
    بقاء المدينة موحدة وتقرير وضعها النهائي في المفاوضات (أي جعل المفاوضات هي المرجعية).
    إدراج القدس، بشطريها المحتلين، كمدينة إسرائيلية في سجلات وزارة الخارجية.
    وجاء اتفاق الإذعان في أوسلو الذي وقعه زعيم حركة فتح ورئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية في 9/9/1993 ووقعه عباس في البيت الأبيض باسم منظمة التحرير الفلسطينية في 13/9/1993 وأجّل قضية القدس، واللاجئين، والمستعمرات، والحدود والترتيبات الأمنية إلى مفاوضات الوضع النهائي، مما أعطى دولة الاحتلال وكيان الاستعمار الاستيطاني اليهودي المزيد من الوقت لتهويد القدس والمسجد الأقصى وتغيير طابع المدينة الحضاري العربي الإسلامي.
    واستمرت سلطات الاحتلال في مصادرة أراضي المقدسيين، وبناء المستعمرات والأحياء اليهودية عليها، وشق الطرق والأنفاق، وهدم منازل المقدسيين وترحيلهم، وتهويد المقدسات العربية الإسلامية والمسيحية. وهكذا خُلقت وقائع جديدة على الأرض، منذ توقيع اتفاق الإذعان في أوسلو واستمرت المفاوضات برعاية الولايات المتحدة، الحليف الاستراتيجي للعدو الصهيوني، وذلك لتعزيز تهويد المدينة العربية الإسلامية وإضعاف الموقف الفلسطيني في مفاوضات الحل النهائي.
    وشجعت تنازلات قيادة السلطة، ومنظمة التحرير الفلسطينية، ومن أسمتهم رايس بالمعتدلين العرب، على صدور قرار الكونغرس الأمريكي عام 1995 بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى مدينة القدس المحتلة وتضمن القرار:
    - أولاً: تبقى القدس مدينة موحدة غير مجزأة.
    - ثانياً: الاعتراف بالقدس الموحدة عاصمة لإسرائيل.
    - ثالثاً: الالتزام بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس.
    شكّل قرار الكونغرس تدخلاً استعمارياً وقحاً في الشؤون والمصالح والأماكن الدينية للعرب، مسلمين ومسيحيين، وللمسلمين في جميع أنحاء العالم، ويخرق تعهدات الإدارات الأمريكية في كمب ديفيد ومدريد. ويعبّر عن همجية أمريكية، وعن اعتداء أمريكي على الحقوق الدينية للعرب والمسلمين في مدينة الإسراء والمعراج، وذلك لإرضاء اللوبيات اليهودية في أمريكا، ولكسب أموال وأصوات ونفوذ اليهود في قضية تمس أقدس وأعدل قضية عربية إسلامية. وشجع القرار الأمريكي "إسرائيل" المعتدية والمحتلة والمغتصبة للقدس على الاستمرار في تعنتها وتصلبها، وتصعيد الاستيطان واغتصاب الأرض والحقوق والتوجه نحو تهويد المسجد الأقصى المبارك.
    وجاء القانون الأمريكي، حول القدس، الذي وقعه الرئيس بوش في 30/9/2002 ليشكل انتهاكاً صارخاً لقرارات الشرعية الدولية، وانحيازاً سافراً للمحتل الإسرائيلي يمس مشاعر العرب والمسلمين الذين يعتبرون القدس من أقدس المدن الإسلامية والمسيحية على السواء.
    ويُظهر القانون أيضاً الاستهتار والاحتقار الأمريكي للمتعاونين من الفلسطينيين والعرب مع الولايات المتحدة والعدو الصهيوني.
    وأثبتت المراهنة على الدور الأمريكي والرعاية الأمريكية فشلها الذريع بسبب التحالف الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والعدو الصهيوني، والانحياز الأمريكي المطلق له ومعاداته للعروبة والإسلام.
    وفشلت سياسة الأوهام بالاعتماد على ضغوط إدارة أوباما على نتنياهو، على الرغم من أنّ أوباما تبنى في خطابه أمام جامعة القاهرة تجميد الاستيطان في القدس وبقية الضفة الغربية وتراجع عن موقفه بسبب اعتماده على يهود الإدارة الأمريكية وارتهانه للوبي اليهودي في الولايات المتحدة.
    وتبنت هيلاري كلنتون، وزيرة الخارجية، في إحدى زيارتها للكيان الصهيوني موقف نتنياهو ودعت عباس إلى مفاوضات من دون شروط أي من دون مرجعية.
    وشرحت موقفها للرئيس مبارك، فأخذ مبارك يدعو إلى مفاوضات من دون شروط.
    وهكذا نسف الموقف الأمريكي الأسس التي قام عليها مؤتمر مدريد. وساهمت إدارة أوباما باستمرار دولة الاحتلال بتهويد القدس بشطريها المحتلين.
    وجاءت الوثائق، التي نشرتها فضائية الجزيرة، حول موقف المفاوض الفلسطيني وتنازلاته الخطيرة عن أجزاء واسعة من القدس الشرقية المحتلة عام 1967، وتنازله عن القدس الغربية المحتلة عام 1948 لتُظهر بجلاء تفريط المفاوض الفلسطيني بالحقوق الوطنية الثابتة غير القابلة للتصرف، وخروجه عن الثوابت الوطنية والقومية، وأنه غير مؤهل، وغير مؤتمن، وغير مخول تمثيل الشعب الفلسطيني أو التفاوض باسمه.
    موقف السلطة الفلسطينية من القدس
    كانت قضية القدس وفلسطين هي الأساس والقاسم المشترك الذي توحدت حوله المواقف الفلسطينية والعربية والإسلامية، حيث تبنّت بالكامل الحقوق الوطنية الثابتة غير القابلة للتصرف للشعب العربي الفلسطيني، وفي طليعتها عودة اللاجئين إلى ديارهم واستعادة أرضهم وممتلكاتهم. وتأسست منظمة المؤتمر الإسلامي بعد محاولة "إسرائيل" إحراق المسجد الأقصى عام 1969، وانبثقت عنها لجنة إنقاذ القدس المؤلفة من 14 دولة إسلامية، برئاسة ملك المغرب، لتحرير القدس.
    وافقت قيادة منظمة التحرير، في اتفاق أوسلو، على تأجيل قضية القدس إلى مفاوضات المرحلة النهائية، وهي خدعة إسرائيلية وافقت عليها قيادة منظمة التحرير والمفاوض الفلسطيني الضعيف والهزيل للاستمرار في المفاوضات وفي الاستيطان والتهويد وفرض الأمر الواقع على مدينة الإسراء والمعراج.
    ولكي تتابع "إسرائيل" ابتزازها لقيادة منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية اعترفت في معاهدة وادي عربة، مع الأردن، بدور خاص للأردن في حماية المقدسات الإسلامية بالقدس. وتخشى قيادة السلطة من أن اعتراف "إسرائيل" بالدور الأردني في رعاية الأماكن الإسلامية في القدس سيؤدي إلى إبعادها من ممارسة سيادتها عليها.
    وتتجلى جريمة قيادة منظمة التحرير والمفاوض الفلسطيني الوطنية والقومية والدينية بالتنازل عن القدس الغربية المحتلة عام 1948 وعن أحياء الشرف وحي المغاربة وحي الشيخ جراح وأجزاء من الحي الأرمني والحي اليهودي الذي أقامته دولة الاحتلال بعد عام 1967 على أنقاض عدة أحياء فلسطينية. ووافقت على إبقاء القدس موحدة بشطريها المحتلين عاصمة للكيان الصهيوني.
    وبالتالي فقد وافقت قيادة السلطة الفلسطينية على الأطماع اليهودية في المدينة العربية الإسلامية، وعلى قرار ضم القدس الشرقية، والإبقاء عليها موحدة وعاصمة للكيان الصهيوني.
    وهنا يجب التأكيد على أنه لا توجد سلطة أو حاكم في الدنيا يملك حق التنازل عن السيادة العربية على المدينة العربية الإسلامية، والقبول بضمها وتهويدها أو الاعتراف بها عاصمة أبدية وموحدة للكيان الصهيوني. لذلك فالتنازلات الفلسطينية التي ظهرت في وثائق الجزيرة والتي تمس عروبة القدس تُعتبر باطلة وغير شرعية، لا سيما وأن القيادة الفلسطينية غير مؤهلة وغير مؤتمنة على تقديم هذه التنازلات الخطيرة، ولا تمثل الشعب الفلسطيني، وفقدت شرعيتها النضالية والدستورية.
    إن مدينة القدس إرث عربي إسلامي، لا يجوز لقيادة منظمة التحرير الفلسطينية ومحور من أسمتهم رايس "المعتدلين العرب" التنازل عن السيادة العربية عليها وعن طابعها العربي الإسلامي، وهي تتمتع بمكانة عظيمة في القرآن الكريم وسنّة الرسول العربي ()، وهي مدينة العلم والدين والحضارة العربية الإسلامية، مما يزيد من مكانتها الروحية إجلالاً وتقديراً في نفوس العرب والمسلمين كافة. فالقدس جوهر قضية فلسطين ومفتاح الحرب والسـلام في المنطقـة وإلى الأبد، وهي التحدي الأساسي للأمة العربية والإسلامية، ولا يوجد في القانون الدولي، أو في قرارات الشرعية الدولية ما يجيز لِـ"إسرائيل" الاستمرار في احتلالها للمدينة وفرض سيادتها عليها وبناء المستعمرات والأحياء اليهودية فيها.



    الوضع القانوني لمدينة القدس
    إن قضية القدس جزء لا يتجزأ من قضية فلسطين ولا تنفصل عن مشكلة الأراضي الفلسطينية في عامي 1948 و1967. ولكن للقدس أهمية خاصة لأنها وردت في القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، ولأنها مدينة الإسراء والمعراج، وأولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين. وتضم أهم كنيسة في العالم، كنيسة القيامة، وكنيسة الجسمانية وشارع الآلام الذي سار فيه السيد المسيح.
    عالجت الأمم المتحدة قضية القدس بشكل مستقل عن قضية فلسطين، وذلك تحقيقاً لرغبة الفاتيكان والدول الكاثوليكية التي كانت تطالب بالتدويل، نظراً للضعف العربي والأطماع اليهودية فيها.
    كما ينطبق على القدس ما ينطبق على قضية فلسطين من القوانين الدولية من حيث عدم جواز اكتساب الأراضي بالغزو العسكري، وحق تقرير المصير للمقدسيين، والانسحاب الشامل من المدينة المحتلة، والتعويض عن الخسائر والأضرار، وعدم الاعتراف بالتغييرات الديمغرافية والجغرافية التي كرسها الاحتلال.
    أبدت الأمم المتحدة والأوساط الدولية اهتماماً خاصاً بحماية المقدسات الدينية من العبث اليهودي والأطماع اليهودية، وضمان حرية الوصول إلى الأماكن الدينية المقدسة للمسلمين والمسيحيين، والحيلولة دون تهويدها وتغيير طابعها الديمغرافي والجغرافي.
    احتل الجيش الإسرائيلي القدس الشرقية في السابع من حزيران عام 1967 لتحقيق توسع إقليمي جديد (بعد أن استوعب الكيان الصهيوني تهويد القدس الغربية المحتلة عام 1948)، وانتهاك مبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن، وقدسية الأماكن المقدسة العربية الإسلامية والمسيحية، وذلك كمقدمةٍ لتهويد المدينة تحقيقاً للأطماع اليهودية والصهيونية والاستعمارية.
    إن القانون الدولي لا يُقر ولا يعترف باستخدام القوة والقيام بعدوان عسكري والاستيلاء على الأراضي عن طريق الغزو العسكري والاستعمار الاستيطاني، ونزع طابعها العربي وتهويدها بقوة الاحتلال مدعوماً من قِبل الولايات المتحدة داخل الأمم المتحدة وخارجها.
    فالقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة يحرمان استخدام القوة كوسيلة للتوسع والهيمنة وتسوية المنازعات الدولية. ويُحرّم ميثاق الأمم المتحدة التهويد بالقوة أو استخدامها في غير الصالح العام.
    وينظم القانون الدولي، واتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949 صلاحيات سلطات الاحتلال إلى أن يزول وتعود السيادة العربية على القدس المحتلة. ويُلزمها بعدم استغلال حالة الاحتلال غير الطبيعية أو تسيء استخدام سلطاتها.
    فالطبيعة المؤقتة للاحتلال تُلزم المحتل بعدم القيام بإجراء تغييرات للمعالم الجغرافية أو الديمغرافية للإقليم المحتل، أو للشؤون الاقتصادية أو القانونية أو التعليمية أو الاجتماعية فيه.
    أصدرت سلطات الاحتلال في الفترة من 27-29 حزيران 1967 عدة قرارات فرضت السيادة والإدارة الإسرائيلية على القدس المحتلة. وأصدر الكنيست في 27 حزيران 1967 قانوناً بإضافة فقرة جديدة إلى قانون الإدارة والنظام لعام 1949 تخول حكومة الاحتلال صلاحية تطبيق القانون على أية مساحة من الأراضي العربية التي تضمها الحكومة لإسرائيل. وأصدرت الحكومة الإسرائيلية مرسوماً بشأن سريان قانون الدولة وإدارتها على القدس القديمة، ومناطق واسعة محيطة بها وتمتد من صور باهر في الجنوب إلى مطار قلنديا في الشمال، كما تضم معظم ضواحي القدس المحتلة.
    وأقر الكنيست في 13 تموز 1980 قانوناً لضم القدس عُرف باسم قانون القدس الأساسي وجاء فيه:
    مادة (1): القدس الكاملة والموحدة هي عاصمة لِـ"إسرائيل".
    مادة (2): القدس هي قصر الرئيس والكنيست والحكومة والمحكمة العليا.
    مادة (3): تحمي الأماكن المقدسة من أي مساس بها، مُن أي شيء من شأنه أن يمس بحرية وصول أبناء الطوائف كافة إلى الأماكن المقدسة، أو بنظرتهم لها.
    مادة (4): ستحرص الحكومة على تنمية القدس وازدهارها وتوفير الرخاء لسكانها.
    إنّ ضم القدس الشرقية المحتلة ونقل السيادة العربية لدولة الاحتلال، أي إلى الكيان الصهيوني، يتنافى وأحكام القانون الدولي والمواثيق الدولية التي تمنع الحروب وتُحرّمها وتعاقب عليها، وتُلزم المعتدي بالانسحاب منها ودفع التعويضات عن الخسائر والأضرار التي ألحقها بالمواطنين وبالأرض والثروات خلال فترة الاحتلال.
    إنّ ضم القدس هو إجراء غير شرعي وباطل، وما بُني على باطل فهو باطل مهما طال الزمن، ولا يجوز على الإطلاق تبرير استمرار الاحتلال والضم والاستعمار الاستيطاني لأسباب ومزاعم وخرافات وأطماع توراتية وتلمودية. فالقانون الدولي لا ينطلق من العواطف الدينية أو الإنسانية في تقرير ملكية الإقليم.
    وقد أدانت الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 4 تموز 1967 في القرار 2253 ضم القدس المحتلة وطالبت دولة الاحتلال بإلغاء جميع الإجراءات التي اتخذتها والعدول عنها بشكل فوري.
    واتخذت القرار رقم 2254 الذي تضمن تجديد الدعوة لدولة الاحتلال إلى إلغاء جميع الإجراءات التي اتخذتها والتي من شأنها تغيير وضع القدس. واعتبرت الأمم المتحدة أنّ جميع الإجراءات التي اتخذتها "إسرائيل" بالاستيطان في الأراضي المحتلة، بما في ذلك القدس، باطلة ولاغية.



    مجلس الأمن الدولي والقدس المحتلة
    نصّ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 بتاريخ 22/11/1967 على عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالحرب، والانسحاب الإسرائيلي من جميع الأراضي العربية المحتلة. ويشمل القرار ضمناً مدينة القدس. كما اتخذ المجلس القرار رقم 252 بتاريخ 21/5/1968 واعتبر أنّ جميع الإجراءات الإدارية والتشريعية وجميع الأعمال التي قامت بها "إسرائيل"، بما في ذلك مصادرة الأراضي والأملاك التي من شأنها أن تؤدي إلى تغيير الوضع القانوني للقدس، هي إجراءات باطلة ولا يمكن أن تغير وضع المدينة. ودعا القرار "إسرائيل" إلى أن تلغي هذه الإجراءات، وأن تمتنع فوراً عن القيام بأي عمل آخر من شأنه تغيير وضع القدس واتخذ مجلس الأمن القرار 267 بتاريخ 3/7/1969 أكد فيه على ما جاء في قراره السابق 252.
    واتخذ مجلس الأمن، على إثر إحراق "إسرائيل" للمسجد الأقصى في 21/8/1969، القرار رقم 271 بتاريخ 15/9/1969 عبّر فيه عن الحزن لما لحق بالمسجد الأقصى من خسارة، والخسارة التي لحقت بالثقافة الإنسانية. وأكد القرار على جميع قرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن السابقة، وعلى مبدأ عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالغزو العسكري. وطالب "إسرائيل" بالامتناع عن خرق القرارات السابقة وإبطال جميع الإجراءات والأعمال التي اتخذتها لتغيير وضع القدس.
    واتخذ المجلس القرار 298 بتاريخ 25/9/1971 بشأن القدس أكد فيه على أنّ جميع الأعمال والإجراءات التي اتخذتها إسرائيل لتغيير وضع القدس لاغية ولا تستند إلى شرعية قانونية. ودعا إسرائيل إلى إلغائها وعدم اتخاذ خطوات أخرى في القدس المحتلة.
    ووافق مجلس الأمن على القرار 446 بتاريخ 22/3/1979 الذي اعتبر الاستيطان في الأراضي المحتلة عقبة في وجه السلام. وتضمن القرار 452 بتاريخ 2/7/1979 الطلب من "إسرائيل" وقف النشاطات الاستيطانية في الأراضي المحتلة بما في ذلك القدس.
    وأعـلن مجلس الأمن في القراريـن 476 بتاريخ 30/6/1980 و478 بتاريخ 20/8/1980 بطلان وعدم شرعية تغيير وضع القدس المحتلة وعدم اعترافه بقانون ضم "إسرائيل" لمدينة القدس. وجاء في القرار 478 البند الثالث حرفياً ما يلي: (إن مجلس الأمن يقرر أن كافة الإجراءات والأعمال التشريعية والإدارية التي اتخذتها "إسرائيل" القوة المحتلة والتي غيرت معالم القدس الشريف ووضعها واستهدفت تغييرها وخاصة القانون الأساسي الأخير بشأن القدس، هي إجراءات ملغاة وباطلة ويجب إلغاؤها).
    واتخذ مجلس الأمن القرار 672 بتاريخ 12/10/1990، وذلك على أثر مجزرة المسجد الإبراهيمي في الخليل التي وقعت في 8/10/1990 وذهب ضحيتها 65 شهيداً برصاص اليهودي غولد شتاين والجيش الإسرائيلي وهم يؤدون صلاة الفجر في المسجد المبارك وفي منتصف شهر رمضان دان فيه المجزرة الوحشية التي ارتكبها اليهود، أعداء الله والوطن والمواطن والإنسانية جمعاء.
    وشجبت الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرار اتخذته بتاريخ 15/12/1994 قيام بعض الدول بنقل بعثاتها الدبلوماسية إلى القدس. وأكدت فيه أن الإجراءات الإسرائيلية لتغيير وضع القدس باطلة وغير قانونية. وعادت الجمعية العامة وأكدت في 14/21/1995 أن كل الإجراءات التشريعية والإدارية والتصرفات الصادرة عن "إسرائيل" وقوات الاحتلال والمؤدية إلى طمس أو تغيير هوية ونظام المدينة المقدسة، وبصفة خاصة تلك المسماة بالقانون الأساس للقدس، وإعلان القدس عاصمة "لإسرائيل" هي إجراءات باطلة خالية من أي قيمة.
    وهكذا تعتبر قرارات مجلس الأمن والجمعية العام للأمم المتحدة أن جميع التدابير والإجراءات التشريعية والإدارية والأعمال التي اتخذتها "إسرائيل" في القدس العربية والتي من شأنها تغيير طابع المدينة الجغرافي والديمغرافي لا سيما قانون الأساس، وسياسة التهويد والاستيطان باطلة وملغاة، وليس لها أي شرعية على الإطلاق.
    وحددت الأمم المتحدة الوضع القانوني للقدس الشرقية بأنها منطقة محتلة وأنّ ضمها للكيان الصهيوني غير قانوني ومخالف للقرارات والمواثيق والعهود الدولية ومبادئ القانون الدولي واتفاقات جنيف الأربعة لعام 1949.
    وتتضمن قرارات الشرعية الدولية حول القدس الشرقية ما يلي:
     وجوب الانسحاب من جميع الأراضي العربية المحتلة عام 1967 بما فيها القدس الغربية.
     إدانة الإجراءات التي اتخذتها "إسرائيل" في القدس.
     إلغاء كل الإجراءات والتدابير التي اتخذتها لتغيير الوضع الجغرافي والديمغرافي والقانوني للقدس المحتلة.
     تفكيك جميع الأحياء والمستعمرات اليهودية في القدس وما حولها.
     السماح للمقدسيين الذين نزحوا جراء حرب حزيران العدوانية عام 1967 بالعودة إلى مدينتهم المقدسة.
    إن اليهود لا يملكون حقاً تاريخياً في مدينة القدس وبقية الأراضي الفلسطينية، ولكنهم يعملون بقوة الاحتلال على تغيير الوقائع على الأرض من خلال تهويد الأرض والمقدسات العربية، واللجوء إلى الوسائل والأساليب الاستعمارية، ودعم الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، وابتزاز قيادة منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، وتغطية دول محور الاعتدال العربي للمفاوض الفلسطيني الضعيف والهزيل والمروّض وغير الشرعي والمستبد بالقرار الفلسطيني.
    إن سجل الكيان الصهيوني يظهر عدم اكتراثه بقرارات الشرعية الدولية. ويشجعه على ذلك الانحياز الأمريكي والأوروبي الأعمى لحروبه ومجازره واستعماره، والكيل بمكيالين، وضعف الموقف العربي وصهينة بعض القيادات الفلسطينية والعربية.
    إنّ الصراع على القدس هو صراع وطني وقومي وديني وقانوني وإنساني، ولا تملك قيادة السلطة وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية حق التنازل عنها، أو عن ذرة من ترابها المقدس، أو التفريط بعروبتها. وهو صراع مع عقيدة وايديولوجية استعمارية عنصرية إرهابية إجلائية مغلقة، دخيلة على المنطقة غريبة عنها، وترفع الاحتلال والاستعمار الاستيطاني وترحيل المقدسيين إلى مستوى القداسة الدينية.
    إنّ الصراع على القدس هو صراع على الأرض والسكان والحضارة العربية الإسلامية، وعلى مفاهيم الحق والعدالة ووجوب العمل على تحريرها من الاستعمار الاستيطاني اليهودي، ومن الكيان الصهيوني كآخر نظام عنصري في العالم.
    إنّ الحقائق التاريخ والجغرافيا والواقع تُثبت أنّ القدس مدينة عربية منذ التأسيس ويجب إعادتها إلى السيادة العربية مهما طال الزمن.




















    تهويد القدس الشرقية


    تحتل مدينة القدس، (مدينة الإسراء والمعراج) مكانةً خاصة في عقول وقلوب وضمائر الشعب العربي الفلسطيني، وجميع أبناء أمتنا العربية من مسلمين ومسيحيين وجميع المسلمين والمسيحيين في العالم. وتتمتع القدس بمكانة محورية بالنسبة لحركات المقاومة الفلسطينية؛ فالشعب والأمة وفصائل المقاومة تنظر إليها على أنها جوهر قضية فلسطين والصراع العربي الصهيوني.
    ازداد الاهتمام بالقدس، المدينة التي أسسها العرب قبل ظهور الديانات الثلاث، منذ إسراء النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وعروجه إلى السموات العلا، وجعلها النبي قِبلةَ المسلمين الأولى وثالث الحرمين الشريفين. فالقدس قضية وطنية وقومية ودينية مقدّسة لوجود مسرى رسول الله (ص) فيها، ولوجود المسجد الأقصى المبارك ومسجد قبة الصخرة وكنيسة القيامة. وقد فتحها الخليفة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) بعد أن انتصر العرب المسلمون على الرومان وحرروا فلسطين منهم.
    وجاء صلاح الدين الأيوبي وحررها من الفرنجة. واستشهد في سبيل تحريرها الكثير من الملوك والأمراء الصليبيين بل وأكثر من سبعين ألفاً من المقاتلين. فهي كانت ولاتزال، وستبقى القدس رمز التضحية والفداء حتى يتم تحريرها من أبشع أنواع الاستعمار الاستيطاني في العالم، وعودتها إلى أمتنا العربية وجميع الأحرار في العالم.
    إنّ المطامع اليهودية والصهيونية والإسرائيلية في المدينة العربية، بشطريها المحتلَّين، تفرض على جميع الفلسطينيين والعرب والمسلمين اعتماد نهج المقاومة والمواجهة لتحرير المدينة المحتلة وإنقاذها من التهويد، وتفكيك جميع المستعمرات اليهودية فيها وفي بقية أنحاء الضفة الغربية.
    إن المدينة العربية المقدسة، بما فيها المسجد الأقصى وقبة الصخرة تتعرض إلى مخاطر التهويد، وهي مخاطر حقيقة خاصة بعد الدور الخطير الذي كشفته وثائق الجزيرة حول التنازلات الخطيرة التي قدمتها السلطة الفلسطينية وقيادة منظمة التحرير والمفاوض الفلسطيني، وتغطية (مبارك) ومحور الاعتدال العربي لهذه التنازلات.
    إن شعبنا العربي الفلسطيني ينظر إلى قضية القدس كقضية قومية مقدسة، وإنسانية عادلة تفرض على النظام العربي وجوب التمسك بالحقوق الوطنية الثابتة غير القابلة للتصرف، وعدم التنازل عن ذرة من ترابها المقدس للصهاينة أعداء الله والوطن والمواطن.
    وتمر القدس اليوم في أخطر مرحلة من مراحل تاريخها جراء استعداد فريق (أوسلو) في رام الله للقبول بالمخططات الإسرائيلية وموافقته على تبادل الأراضي، لذلك تحتاج مدينة القدس والمسجد الأقصى إلى الدعم والمساندة لمنع تنازلات السلطة الفلسطينية وبعض أطراف النظام العربي وعلى رأسهم نظام (كامب ديفيد) في القاهرة.
    فالقدس بحاجة لدعم صمود أهلها والعمل على تحريرها، وجعل عملية التحرير حيَّة في عقول ووجدان العرب والمسلمين وأحرار العالم. إن المسجد الأقصى المبارك مِلكٌ للعرب والمسلمين بقرار ربّاني من رب العالمين، والقرار الإلهي غير خاضع للمساومة ولا للتنازل ولا للتفاوض ولا حتى للاستفتاء.
    إن الأنفاق التي حفرتها دولة الاحتلال تحت المسجد الأقصى حتى (سلوان) ما هي إلا اعتداء صارخ على حقوق المسلمين، وانتهاك لحرمة المسجد الأقصى واعتداء على الوقف الإسلامي، ومقدمة لتدمير المسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه.
    مراحل تهويد القدس:
    استولت دولة الاحتلال الصهيوني منذ احتلال القدس الشرقية عام 1967 على أكثر من 85% من أراضي المدينة العربية المحتلة، كما أصدرت المحكمة الإسرائيلية العليا حكماً يقضي باعتبار سكان المدينة العربية المحتلة، العرب، كمقيمين يمكن لسلطات الاحتلال إبعادهم عن مدينتهم. ونزعت دولة الاحتلال منذ توقيع اتفاق الإذعان في (أوسلو) حق المواطنة عن 5525 مقدسياً، بالإضافة إلى 4575 مقدسياً في العام 2008 وحده.
    مرَّ الاستعمار الاستيطاني اليهودي في القدس الشرقية المحتلة بثلاث مراحل:
    الأولى: بناء حي يهودي في البلدة القديمة، والثانية: توسيع الأحياء القائمة شرق المدينة، والثالثة: بناء مستوطنات داخل الأحياء الفلسطينية التاريخية.
    وتعمل حالياً دولة الاحتلال على تحويل أحياء باب العامود والشيخ جراح وسلوان إلى مستعمرات يهودية عن طريق مصادرة وهدم المنازل العربية، وترحيل سكانها وتهويد المعالم الدينية العربية الإسلامية منها والمسيحية. وجرى إحاطة المسجد الأقصى المبارك بأكثر من (60) كنيساً بما فيها كنيس الخراب في آذار 2010 كخطوة أولى لبناء الهيكل المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى. وتقوم بتشييد حدائق توراتية ومتحف على أنقاض المنازل الفلسطينية التي دمرتها، وعلى أنقاض مقبرة (مأمن الله التاريخية) التي تضم رفاة العديد من الصحابة رضوان الله عليهم.
    وأكملت عزل القدس المحتلة عن الضفة الغربية، وتعمل ليل نهار على تطبيق "مخطط القدس 2020" الذي سيحوِّل المدينة العربية المحتلة إلى مدينة يهودية خالصة، مما يحول دون أن تصبح القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية التي تزمع دولة الاحتلال على إقامتها لخدمة مصالحها وتصفية قضية فلسطين.
    كانت مساحة القدس كلها عام 1948 حوالي (20) ألف دونم، وقام الكيان الصهيوني بعد حرب حزيران العدوانية التي أشعلها عام 1967 بعملية استعمار استيطاني جنونية لتوسيع حدود المدينة المحتلة. وبلغت عام 1993 حوالي (126) ألف دونم، وهي أراضٍ صادرتها دولة الاحتلال من (28) قرية عربية محيطة بالقدس، وأقامت عليها أكبر المستعمرات اليهودية.
    ووضعت مخطط "مشروع القدس الكبرى"، بحيث يضم كبريات المستعمرات، ومنها مستعمرة (معاليه أدوميم) شرق القدس، ومستعمرة (جفعات زئيف) غرب القدس، ومجمع مستعمرات (بنيامين) من الشمال، ومجمع (غليو) و(غوش عتصيون) من الجنوب، ومستعمرة جبل أبو غنيم. ويشطر هذا المشروع الاستعماري الضفة الغربية إلى شطرين، ويقضي على التواصل الجغرافي فيها. وتحتوي الأراضي العربية المصادرة على معظم مصادر المياه في الضفة الغربية.
    ويعمل دهاقنة الاستعمار الاستيطاني اليهودي على ابتكار تسميات للتضليل والخداع وتلطيف استعمارهم مثل تبادل الأراضي، وتوحيد القدس وتحديثها، وتعديلات حدودية طفيفة، عن طريق المفاوضات وضم الكتل الاستيطانية الكبيرة، إلى أن جاء الفاشي نتنياهو وأعلن أن الضفة الغربية هي أراضي الآباء والأجداد، وهي أراضٍ محررةٍ وليست محتلة. وجاء جدار الفصل العنصري، واستمرار الاستيطان داخل البلدة القديمة وخارجها وحتى أسوار باحة المسجد الأقصى والشيخ جراح وسلوان وباب العامود، وهدم المنازل والمساجد والأحياء العربية وعمل على ترحيل المقدسيين لتغيير الطابع العربي الإسلامي للمدينة العربية المحتلة، والقضاء على الوحدة الجغرافية والاجتماعية للمدينة للوصول إلى استيلاء أغلبية يهودية ساحقة حتى عام 2020.
    لقد كان د. حيدر عبد الشافي رئيس الوفد الفلسطيني المفاوض في واشنطن على حق عندما استخلص من المفاوضات التي أجراها "أنه بدون وقف الاستيطان، ومع استمرار تهويد القدس، فإن المفاوضات تصبح دون قيمة حقيقية لأنها تجري في ظل استمرار سياسة فرض الوقائع على الأرض، والتي تُغيِّر وتمسّ جذرياً بقضايا التفاوض والحل النهائي".
    وأعلنت السلطات الإسرائيلية عن بناء (19) كنيساً في مستعمرة جبل أبو غنيم لتهويد قرية بيت حنينا المقدسية، ولتطويق الأحياء الفلسطينية وتحويلها إلى أحياء معزولة وفقيرة وسط أحياء ومستعمرات يهودية حديثة تلتهم باستمرار أراضٍ جديدة من الضفة الغربية. وتقوم سلطات الاحتلال بهدم المنازل، وتشريد السكان وقطع التواصل بينهم، وبناء الأحياء والمستعمرات واعتقال القياديين في القدس وإبعادهم لإضعاف الوجود العربي الفلسطيني في المدينة العربية المحتلة. وتعمل على انتزاع أكبر مساحة من الأراضي الفلسطينية لإكمال حزام المستعمرات حول القدس عن طريق ما يسمونه بالحوض المقدس في سلوان، وربط مستعمرة النبي يعقوب بسكات زئيف) في مستعمرة واحدة.
    ومن أهم أساليب تهويد القدس المحتلّة مصادرة الأراضي العربية الأميرية والخاصة وبناء المستعمرات والأحياء اليهودية؛ حيث قامت سلطات الاحتلال بتوسيع حدود القدس المحتلة شرقاً وشمالاً بضم مستعمرة (معاليه أدوميم) وعدة مستعمرات كـ (جفعات زئيف وجفعات هاردار) من الشمال، مما رفع عدد المستعمرين اليهود في المدينة العربية المحتلة. وبلغ عدد مستعمرات القدس 29 مستعمرة، واستولت سلطة الاحتلال على 27 كم مربعاً وضمت المستعمرات وحوّلتها إلى إسرائيلية كمستعمرة جبل أبو غنيم.
    وأقيمت المستعمرات على أساس تطويق التجمعات السكنية الفلسطينية والحد من توسعها لاستيعاب التكاثر الطبيعي للعرب، ولعزل مدينة القدس وضواحيها عن محيطها في الشمال والجنوب، وفصلها تماماً عن الضفة الغربية. وتقود هذه السياسة إلى فصل شمال الضفة الغربية عن جنوبها، والتحكم بحركة الفلسطينيين بين شمال وجنوب الضفة، ولقطع التواصل الجغرافي بين مناطق الضفة الغربية وتقسيمها إلى معازل عنصرية للحيلولة دون إقامة دولة فلسطينية مستقلة، ولضمان السيطرة الكاملة على معابرها وأجوائها ومياهها، ولجعل القدس بشطريها المحتلَّين عاصمة لجميع اليهود في العالم.
    وأدى بناء المستعمرات والأحياء اليهودية في القدس الشرقية إلى القضاء على الطابع الحضاري والعمراني العربي والإسلامي لمدينة الإسراء والمعراج، هذا الطابع المغروسة جذوره في أعماق التاريخ منذ أن شيّدها اليبوسيون العرب وحتى الاحتلال الإسرائيلي عام 1967م.
    وبدأت في عام 1993 بعد توقيع اتفاق الإذعان في أوسلو، مرحلة جديدة بتسريع جنوني لعملية الاستيطان ووضع مخطط القدس الكبرى، بضم 60 كم مربعاً أي ما يعادل 10٪ من مساحة الضفة الغربية، وذلك لخلق التواصل الجغرافي بين المستعمرات اليهودية لإحكام السيطرة الكاملة على مدينة القدس.
    أهم الكتل الاستيطانية حول القدس:
    - كتلة غوش عتصيون - كتلة معاليه أدوميم - كتلة موديعين - الكتل الاستيطانية شمال غرب القدس.
    أهم الأحياء والمستعمرات اليهودية داخل حدود القدس الموسعة:
    - الحي اليهودي: حيث أقيم على أنقاض حارة الشرق عام 1968 بعد مصادرة 116 دونماً.
    - غيلو: وهي أكبر المستعمرات الواقعة في الجزء الجنوبي الغربي من مدينة القدس المحتلة.
    تلبوت الشرقية - نيفي يعقوب - معلوت دفنا - رامات شلومو - رامات أشكول - التلة الفرنسية - ومشروع قرية داوود.
    الاحتلال وتزوير التاريخ والآثار:
    يختلط تاريخ القدس بالنسبة للعرب من مسلمين ومسيحيين بالقومي والديني؛ فالعرب هم أول من أسسوا القدس. وجاء الفتح الإسلامي وتحرير المدينة من الرومان بعد هزيمتهم في معركة اليرموك ليمتزج القومي بالديني، وأصبحت القدس عربية للعرب من مسلمين ومسيحيين، وللمسلمين والمسيحيين في جميع أنحاء العالم.
    وجاء كتبة التوراة والتلمود ورسّخوا فيهما أطماعهم ومزاعمهم وأكاذيبهم للاستيلاء على القدس، (المدينة العربية الإسلامية) وتهويدها. وأثّرت القصص الواردة في التوراة، أي العهد القديم، بأجيال عديدة من المؤرخين والمستشرقين الذين تربّوا عليها في البيت والمدرسة والمجتمع، وفي كتب التاريخ والأدب والفن والسينما وأجهزة الإعلام على الخرافات والأكاذيب التي دوّنها كتبة التوراة، وما يسمى بالعهد القديم. وتحوّل العديد من كبار ضباط الجيش الإسرائيلي إلى علماء آثار، وفتشوا وحفروا في جميع بقاع فلسطين عن آثار تؤكد مزاعمهم، وخرجوا برأي هزّ الكيان الصهيوني وأعلنوا أن لا وجود للأسماء والأماكن الواردة في التوراة في أرض فلسطين على الإطلاق.
    وثبت بجلاء بعد 150 سنة من التنقيب في القدس أنه لم يُعثر على أي دليل يشير إلى الهيكل أو إلى أي أثر يهودي في المدينة. وتعتقد أوساط إسرائيلية علمية واسعة على دراية بعلم الآثار أنّ اليهود لم يدخلوا فلسطين بالمعارك والحروب، وإنما دخلوها بالتسلل التدريجي. أما هيكل سليمان المزعوم فهو إحدى الخرافات التي رسّخها كتبة التوراة والتلمود وقادة الحركة الصهيونية والحاخامات ليحققوا أطماعهم السياسية والدنيوية في أقدس مدينة في العالم للمسلمين والمسيحيين.
    استخدم اليهود الكذب وعمليات التزوير حتى أصبح تزوير الآثار وسرقتها مهنة مهمة في الكيان الصهيوني مارسها العديد من الجنرالات منهم (ديّان و يادين وهرتسوغ). وكان تزوير تابوت يعقوب الذي أُعلن عنه عام 2002 من أبرز عمليات تزوير الآثار في فلسطين المحتلة. وتبين فيما بعد أن هذا الاكتشاف مزوّر تماماً، وأنّ الفنان الإسرائيلي عوديد جولان هو الذي قام بعملية التزوير، وهو تلميذ لـ(موشي شابيرا) الذي قام بتزوير مئات القطع وحفر عليها كتابات عبرية قديمة. وزوّر جولان لوحاً حجرياً نقشت عليه عبارة تقول أنّ الملك (يهو شواع بن الملك حزقيال ملك يهودا) أمر بإصلاح هيكل سليمان، ووردت هذه العبارة في العهد القديم في سفر الملوك الثاني، واستغله الحاخامات ورجال السياسة ووصفوا اللوح عام 2003 على أنه أهم دليل أثري على وجود هيكل سليمان في القدس، و زعم جولان أنه وجد اللوح الحجري بالقرب من المسجد الأقصى. واستغلت عدة منظمات يهودية هذا التزوير الهمجي وطالبت بالإسراع في بناء الهيكل على أنقاض المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة، وتبين فيما بعد أنّ اللوح قديم لكن الكتابة المحفورة عليه مزورة وجديدة.
    إقامة الحي اليهودي على أنقاض أحياء عربية:
    إنّ ما أطلقت عليه "إسرائيل" الحي اليهودي في البلدة القديمة هو في حقيقة الأمر أرض يملكها عرب فلسطينيون، ولم يكن اليهود يملكون منها أكثر من قطعة أرض طولها 240 متراً وعرضها 70 متراً، وذلك حسب ما قاله مدير مؤسسة القدس للبحث والتوثيق لجريدة السفير الصادرة بتاريخ 25/2/2011. وأكد مدير مؤسسة القدس للبحث والتوثيق أنه كانت تقيم على هذه المساحة ست عائلات يهودية، وأنه ليس هناك في التاريخ شيء اسمه الحي اليهودي في القدس، وإنما هناك حي أقيم على أنقاض أحياء فلسطينية (بعد الاحتلال الإسرائيلي عام 1967) وأُطلق عليه هذا الاسم.
    طردت سلطات الاحتلال الإسرائيلي من هذه المنطقة نحو ستة آلاف من العرب مسلمين ومسيحيين، ومنعتهم من العودة إليها أو الإقامة في منازلهم بعد حرب عام 1967 لأنهم ليسوا يهوداً. وكانت "إسرائيل" قد قامت بترحيل (60) ألفاً من مواطني القدس الغربية على إثر احتلالها عام 1948. وهاجرت العائلات اليهودية القليلة التي كانت تسكن في البلدة القديمة، وفي منازل يملكها أهل القدس العرب، إلى الكيان الصهيوني، وحلّ محلهم بعض العائلات العربية التي شردتها "إسرائيل" من القدس الغربية، ولم تسمح لهذه العائلات وللمقدسيين الذين أجبرتهم على الرحيل من القدس الغربية بالعودة إليها. وخضعت أملاكهم هناك تحت سلطة "حارس أملاك الغائبين" بموجب قانون أملاك الغائبين غير القانوني وغير الشرعي، والذي يتناقض مع الشرائع السماوية والقوانين الوضعية في جميع أنحاء العالم.
    قامت سلطات الاحتلال بترحيل المقدسيين من هذه المنطقة وأسكنت عدداً من العائلات اليهودية فيها، وحرصت على أن تبقى هذه المنطقة عنصرية خالية تماماً من غير اليهود للسكن فيها. فاتخذت المحكمة العليا الإسرائيلية عام 1978 حكماً فيما عُرف بقضية "برقان"، وكان محمد برقان قد رفع شكوى ضد حكومة "إسرائيل" بشأن ملكيته لمنزله الذي تريد دولة الاحتلال مصادرته. واعترفت المحكمة بأن ملكية المنزل تعود إلى محمد برقان، لكنها رفضت إعادة البيت إليه لأنّ للمنطقة، بحسب قرار المحكمة، أهمية خاصة لليهود، وهكذا صادر الاحتلال منزل عائلة برقان وطردت العائلة من البلدة القديمة.
    تبلغ مساحة البلدة القديمة 871 دونماً وكانت مقسمة إلى 50 حوضاً و 90 حارة وحوشاً فلسطينياً، ولكن دولة الاحتلال قسمتها حالياً إلى أربعة أقسام حتى يسهل عليها تهويدها وهي: (الحي الإسلامي، الحي الأرمني، الحي المسيحي، الحي اليهودي). وتبلغ مساحة المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة 142 دونماً من مساحة البلدة القديمة. أقيم الحي اليهودي على أنقاض حوش البراق، ليقام مكانه حائط المبكى المزعوم، وهدمت سلطات الاحتلال حي المغاربة بكامله، وحارة الريشة، وحارة الشرف، وأقامت عليهم ما أطلقت عليه اسم الحي اليهودي. وتكمن خطورة إقامة الحي اليهودي على أنقاض الأحياء العربية في هذه البقعة بالتحديد لأنها محاذية تماماً للمسجد الأقصى المبارك، مما يشكل تهديداً مباشراً للمسجد وانتهاكاً صارخاً لحرمة وقدسية المنطقة وأملاك الوقف الإسلامي والأملاك الفلسطينية الخاصة.
    أثار استعداد السلطة الفلسطينية، في الوثائق التي نشرتها قناة الجزيرة، للتنازل عن حي الشرف وعن جزء من الحي الأرمني لدولة الاحتلال رفضَ وشجب جميع الأوساط الفلسطينية والعربية والإسلامية. فالتنازل عن هذه البقعة المقدسة والاستراتيجية يعني التخلي عن الجهة الغربية والجنوبية للمسجد الأقصى، وخلق تواصل مع ما يسمى بالحوض المقدس والحدائق التوراتية التي تعمل دولة الاحتلال على إقامتها. والهدف من عملية الاستعمار الاستيطاني الخطيرة هذه، هو ربط الزاوية الشمالية لجبل سكويس بجبل الزيتون والطور ومنطقة رأس العامود وبلدة سلوان وبوابات الشرف والأرمن ويافا، وبالتالي ربط وإدخال البلدة القديمة من القدس الشرقية المحتلة إلى القدس الغربية المحتلة عام 1948.
    إن جميع الأحياء في البلدة القديمة هي أحياء فلسطينية محتلة، وهي مناطق محتلة انطلاقاً من القانون الدولي وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي.
    تهويد منزل الحاج أمين الحسيني:
    هدمت جرافات بلدية الاحتلال تحت حراسة أمنية مشددة بتاريخ 9/1/2011 فندق شيبرد التاريخي في حي الشيخ جراح في البلدة القديمة من القدس الشرقية المحتلة. والفندق المذكور هو منزل الزعيم الفلسطيني الكبير الحاج أمين الحسيني مفتي القدس والذي بناه عام 1930 لعائلته. وكانت حكومة الاحتلال قد وضعت يدها عليه جراء حرب حزيران العدوانية عام 1967، تطبيقاً لقانون غير قانوني وغير شرعي وهو ما يسمى بقانون أملاك الغائبين. وقام القيّم على أملاك الفلسطينيين ببيعه للملياردير اليهودي الأمريكي موسكوفيتش. وقام موسكوفيتش بدوره بنقله إلى أخطر جمعيات الاستعمار الاستيطاني اليهودي وهي جمعية "عطيرات كوهانيم"، وذلك لإقامة مستعمرة يهودية على أنقاضه، كعادة اليهود في التدمير والتهويد وزرع المستعمرين اليهود على أنقاض القرى والمدن والأحياء والمنازل العربية الفلسطينية.
    وتعود ملكية المنزل بحسب قوانين وسجلات حكومة الانتداب والحكومة الأردنية لعائلة الحسيني المقدسية. وهدمت بلدية الاحتلال في 4/1/2011 بالقرب من منزل الحاج أمين الحسيني محلاً تجارياً ومنزلاً في حي بيت حنينا تملكه عائلة نايف عويضة، وذلك لتوسيع المستعمرة التي ستقام على أنقاض منزل القائد التاريخي للشعب الفلسطيني الحاج أمين الحسيني.
    كان الحاج أمين الحسيني قائداً فلسطينياً وعربياً وإسلامياً. وكان مفتياً للقدس وفلسطين وبلاد الشام بأسرها. وقاد نضال الشعب العربي الفلسطيني إبان الانتداب البريطاني ضد الاستعمار البريطاني والصهيوني والهجرة اليهودية. وأسس إبان الحرب العالمية الثانية الفيلق الإسلامي الذي حارب بجانب دول المحور وضد الحلفاء بسبب منح بريطانيا وعد بلفور غير الشرعي، وانحياز حكومة الانتداب إلى الصهيونية العالمية وملاحقتها للحركة الوطنية الفلسطينية.
    لذلك كانت عملية تدمير منزل الحاج أمين الحسيني في القدس والعمل على إقامة مستعمرة يهودية عليه تجسّد تخطيط دولة الاحتلال لاجتثاث التراث والذاكرة الوطنية الفلسطينية، والقضاء على إحدى الأماكن التاريخية في مدينة القدس ومقدمة للاستيلاء على بقية المقدسات العربية الإسلامية والمسيحية في المدينة وتهويدها وتسجيلها من ضمن التراث اليهودي، وتغيير طابع فلسطين الحضاري وتهوديها وجعلها دولة لجميع اليهود في العالم.
    إن هدم منزل مفتي فلسطين جزء من مخطط تهويد حي الشيخ جراح وتغيير الواقع الديمغرافي والجغرافي في البلدة القديمة لفرض الأمر الواقع على المفاوض الفلسطيني المتصهين والهزيل والمروّض والتابع لدولارات الدول المانحة ومن أسمتهم كونداليزارايس بمحور المعتدلين العرب.
    نتنياهو والاستيطان في القدس:
    توجهت وزارة الخارجية الأمريكية بطلب رسمي إلى حكـومة نتنياهو لـوقف مخطط لبنـاء (30) وحـدة سـكنية في حي الشيخ جراح المحـاذي للبـلدة القديمة. إلا أنه رفض الاستجابة للطلب الأمريكي بوقف البناء الاستيطاني في القسم الشرقي من القدس المحتلة، مشدداً على السيادة الإسرائيلية على المدينة العربية المحتلة، وعلى حق اليهود في البناء والعيش فيهـا. وشبّه البناء فيها بأنه كالبناء في تل أبيب، معتبراً أراضي الضفة الغربية محررة وليست محتلة انطلاقاً من الخرافات والأكاذيب والأطماع التي رسخها كتبة التوراة والتلمود وزعماء الحركة الصهيونية. وقد جاء البناء الاستيطاني في حي الشيخ جراح في الوقت الذي تمت المطالبة فيه بتجميد الاستيطان رداً على خطابه في جامعة القاهرة.
    خرج نتنياهو إلى العلن وأعلن في اجتماع لحكومته رفضه للطلب الأمريكي، وأن القدس بشطريها المحتلَّين، عاصمة الشعب اليهودي ودولة "إسرائيل"، والسيادة فيها تعود لليهود. وعبّر وزير خارجيته العنصري ليبرمان عن وقاحة المستعمرين اليهود وقال إنّ الطلب مستهجن وينطوي على تمييز ضد اليهود. وكذلك قال إيلي يشاي وزير الداخلية أن أحداً في الدنيا لايمكنه وقف البناء اليهودي في القدس، مع العلم بأن العالم كله وقرارات الشرعية الدولية تعتبر القدس مدينة محتلة. وهكذا انتقل نتنياهو وأعضاء حكومته من الدفاع إلى الهجوم بأكاذيب توراتية وأطماع استعمارية ومواقف عنصرية. وحمل على إدارة أوباما وقال أنه لايقبل بأحكامها إزاء القدس المحتلة. وأعلن أنه لن يجمد الاستيطان في المدينة العربية المحتلة. وظهر بجلاء أن الهدف من البناء اليهودي وهدم المنازل العربية في الشيخ جراح هو استكمال لتهويد القدس الشرقية بما فيها البلدة القديمة ورأس العامود وأبوطور وسلوان.
    إن استمرار الاستيطان في القدس المحتلة ما هو إلا انتهاك فاضح للسيادة العربية على المدينة العربية المحتلة وخرق فاضح لقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة وبرميل بارود قابل للانفجار في أية لحظة وإشعال المنطقة بحروب جديدة إلى أن يتم تحرير المدينة من براثن الاستعمار الإسرائيلي.
    لقد فشلت الإدارة الأمريكية في إنجاز أبسط المطالب من "إسرائيل" على صعيد التسوية السياسية، وكذلك فشل جورج ميتشل مبعوث الرئيس أوباما في إحراز أي تقدم في عملية التسوية. وتابعت دولة الاحتلال العمل على خلق وقائع استعمار استيطاني جديدة على الأرض تُغيّر من خلالها معالم وهوية القدس الحضارية، كمدينة عربية إسلامية. وظهرت بجلاء خطورة اتفاق الإذعان في أوسلو الذي اعترف بالكيان الصهيوني سلفاً على 80% من مساحة فلسطين، وأجّل قضية القدس وحق عودة اللاجئين إلى ديارهم وتفكيك المستعمرات اليهودية والحدود إلى مفاوضات الحل النهائي، مما أعطى المحتل والمغتصب الإسرائيلي الوقت الكافي لتهويد القدس بشطريها المحتلين ومساحات كبيرة من القرى القريبة منها، وجعلها عاصمة الكيان الصهيوني الموحدة وعاصمة يهود العالم كمقدمة لجعلها عاصمة العالم تحقيقاً لهذيان الحاخامات وأطماع الحركة الصهيونية في السيطرة على العالم.
    لقد التزمت السلطة الفلسطينية بتحقيق المرحلة الأولى من خارطة الطريق وقامت بمصادرة سلاح المقاومة واعتقال رجالها، وتعزيز التعاون الأمني مع أجهزة أمن الاحتلال، وأعلنت أنها حققت التزاماتها كافة بموجب خارطة الطريق.وتنص المرحلة الأولى من خارطة الطريق على وقف جميع الأنشطة الاستيطانية في الضفة الغربية بما فيها القدس، بما في ذلك النمو الطبيعي في المستعمرات اليهودية. وقد تنكرت دولة الاحتلال لالتزاماتها بموجب المرحلة الأولى من خارطة الطريق وأعلن نتنياهو أن القدس المحتلة خط أحمر، لأن السيادة فيها ملك للشعب اليهودي.
    ويعارض العالم بأسره، باستثناء الولايات المتحدة الأمريكية، أن تكون القدس الموحدة عاصمة للكيان الصهيوني. إن ما يجري في القدس من هدم للمنازل والمساجد ومن مصادرة للأراضي الأميرية والخاصة والوقفية هو أبشع أنواع التطهير العرقي وانتهاك للمقدسات العربية الإسلامية والمسيحية بدعم من أمريكا ومحور الاعتدال العربي.
    لقد وصلت وحشية الحاخامات حداً قال فيه الحاخام الأكبر في الكيان الصهيوني شلومو عمار أن الولايات المتحدة تخالف تعاليم التوراة بمطالبتها "إسرائيل" بتجميد الاستيطان. إن التوراة، بحسب قوله، تطالب الشعب اليهودي العيش في "إسرائيل". وكعادة اليهود في الكذب أعلن نتنياهو أن آلاف العرب اشتروا شققاً سكنية في القدس الغربية، وأن القدس الموحدة مفتوحة لجميع سكانها؛ ودحض الخبراء القانونيون أكاذيب نتنياهو وأعلنوا أنه ليس بوسع العربي من سكان القدس الشرقية شراء أي عقار في القدس الغربية المحتلة، لأنه مجرد مقيم من رعايا دولة أخرى.
    وقامت حكومة نتنياهو بتسريع وتيرة الاستيطان في القدس لتفريغها من سكانها العرب وتحويلها إلى مدينة توراتية بأغلبية مستجلبة على مرأى ومسمع العالم أجمع، وصمت مطبق من دول محور الاعتدال العربي. وقامت بهدم منزل مفتي فلسطين ومجموعة من المنازل العربية المحيطة به في حي الشيخ جراح، ومجموعة أخرى من المنازل العربية في حي البستان في بلدة سلوان لإنشاء ما يسمى بحديقة الملك داوود، وإقامة العديد من الكنس اليهودية حول المسجد الأقصى المبارك.
    كان الفلسطينيون قبل احتلال القدس الشرقية عام 1967 يملكون أراضي القدس الشرقية بنسبة 100%، أما اليوم فيملكون ما نسبته 13% فقط، حيث زرع الاحتلال جسماً غريباً في المدينة المحتلة على حساب المقدسيين أصحاب الأرض والوطن. ويعاني المقدسيون من مصادرة الأراضي والعقارات وهدم المنازل العربية وبناء الأحياء والمستعمرات اليهودية عليها. وتتعامل دولة الاحتلال مع سكان القدس وكأنهم غرباء مقيمين يمكن إلغاء إقامتهم بسهولة لتفريغ المدينة العربية المحتلة من أهلها، وتسحب هوياتهم ويصبحون مواطنين بلا هوية وبلا جنسية.
    إن ما يحدث في القدس حالياً ما هو إلا تصعيد خطير يؤثر على واقع ومستقبل المدينة، بحيث أصبح أصحاب الوطن يعيشون في وطنهم دون حقوق المواطنة ودون إقامة. وجاء الفيتو الأمريكي في شباط 2011 لدعم استمرار حكومة نتنياهو بالاستيطان وتهويد القدس. وتأتي المشاريع الاستيطانية التي تعلن عنها وتقيمها دولة الاحتلال في المدينة العربية المحتلة ضمن مشروع الاستعمار الاستيطاني لعام 2020 والمتضمن إقامة (58) ألف وحدة استيطانية في القدس المحتلة بسرعة جنونية لتهويد القدس القديمة، وذلك بعد أن أعلنت دولة الاحتلال أنها دولة جميع اليهود في العالم، وأن القدس المحتلة عاصمة لكل اليهود في العالم، ولذلك فإن لها أفضلية قومية.
    هذا وأعلنت سلطة الآثار الإسرائيلية في بداية عام 2011 الانتهاء من حفر نفق أسفل المسجد الأقصى المبارك بذريعة الترميم، وهو في حقيقة الأمر جزء من شبكة الأنفاق تحت المسجد الأقصى لهدمه وبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه. وبلغ عدد الأنفاق التي حفرتها سلطات الاحتلال 27 نفقاً، أسفل المسجد الأقصى وفي محيط القدس الشرقية بهدف إكمال تهويدها. ويمتد النفق الجديد من بلدة سلوان ويتجه شمالاً باتجاه حائط البراق الذي يسمونه حائط المبكى في المسجد الأقصى. وأدى بناء النفق إلى تصدع مدرسة ومنازل عدة في شارع وادي الحلوة.
    لقد أخر الدعم الذي يقوم به فلسطينيو 1948 وعلى رأسهم الشيخ الجليل رائد صلاح لأهالي القدس تنفيذ بعض المخططات التهويدية في المسجد الأقصى في ظل صمت وتقاعس وتآمر قيادة السلطة على عروبة المدينة المحتلة منذ اتفاق الإذعان في أوسلو وحتى يومنا هذا.
    ويعيش سكان مخيم شعفاط لللاجئين شمال القدس المحتلة في سجن كبير، حيث تحاول سلطات الاحتلال من خلال المعبر الذي يسيطر عليه جنود الاحتلال منع دخول السكان إلى المدينة المقدسة. وتمارس سياسة تمييز عنصري بحق حملة الهوية المقدسية ساكني مخيم شعفاط. وشكل إقامة جدار الفصل العنصري في مخيم شعفاط لللاجئين كارثة كبيرة على السكان، وأدى إلى تضييق مساحة المخيم وتزايد ظاهرة البطالة وغلاء المعيشة والفقر.
    إن تخلي قيادة السلطة ومنظمة التحرير في اتفاق أوسلو عن القدس، والتواطؤ مع حكومة الاحتلال في المفاوضات وتنازلها عن عروبة المدينة كما ورد في وثائق قناة الجزيرة، والتواطؤ العربي والدولي أدى إلى تسارع وتيرة الاستيطان وتهويد المقدسات وترحيل المقدسيين.
    إن تخاذل وتواطؤ السلطة الفلسطينية تجاه ما تقوم به دولة الاحتلال من سياسات وممارسات شجعها على الاستمرار في انتهاك القانون الدولي واتفاقية جنيف الرابعة لعام 1948 وقرارات مجلس الأمن بخصوص القدس والاستيطان وشجعها على تصعيد الاستيطان وتهويد المقدسات، وزاد من أطماعها في البلدة القديمة والقرى والبلدان المحيطة بالقدس.
    أعلنت سلطات الاحتلال عن المخطط التهويدي رقم 6036 لتهويد أراضي قرية لفتا ويقضي ببناء وحدات سكنية ومنشآت سياحية تشمل الملاهي الليلية والمطاعم وصالات لعب القمار على مساحة 455 دونماً من أراضي قرية لفتا غربي القدس بهدف سلب أراضي القرية المتاخمة للقدس المحتلة وتغيير معالمها العربية وتهويدها. ووضعت سلطات الاحتلال يدها على أراضي الوقف الإسلامي الواقعة إلى الغرب من مقر القنصلية الأمريكية في شارع نابلس في القدس وأملاك أخرى تضم مسجد سعد وسعيد ومحطة وقود ومرآباً ومباني في وسط القدس المحتلة بالإضافة إلى أرض تملكها الأوقاف وهي "عبارة عن 11.5 دونم". وصادقت لجنة التخطيط والبناء في القدس المحتلة على مخطط لإقامة مستوطنة جديدة تضم 13 وحدة استيطانية على أنقاض منازل عائلات حنون والغاوي في حي الشيخ جراح في القدس الشرقية وأعلن ارييه كينغ رئيس صندوق "أرض إسرائيل" أنه سيجري بناء (200) وحدة سكنية لليهود في منطقة الشيخ جراح في غضون خمس إلى عشر سنوات.
    ووضع حجر الأساس في بداية عام 2011 لبناء حي استيطاني جديد على جبل المكبر جنوب غربي القدس المحتلة بحضور وزراء وأعضاء في الكنيست، وأعلن وزير العلوم الإسرائيلي دانيال هيرشكوفيتز "إن البناء في القدس سيكون مستمراً ولايشكل عائقاً أمام عملية السلام". ودعا الحاخام العنصري دوف لئيور من مستعمرة كريات أربع إلى الاستعداد لبناء هيكل سليمان المزعوم مكان المسجد الأقصى.
    وتحاول الأجهزة الأمنية للاحتلال السيطرة والتحكم ببث الأذان في القدس المحتلة وضواحيها بحجة أنه يزعج المستوطنين اليهود الذين يسكنون في المستعمرات. وبالتالي يعمل العدو المحتل على التدخل بالشؤون الدينية للمسلمين وبشعائرهم الدينية، وخاصة الأذان الذي هو من الشعائر الدينية المرتبطة بالصلاة والتي هي ركن من أركان الإسلام.
    إن القدس الشرقية في خطر حقيقي لإكمال تهويدها في ظل خيانة وموافقة وصمت العملاء في السلطة الفلسطينية، والذين لايحق لهم على الإطلاق التنازل عن شبر من مقدسات الأمة، لأن القدس وفلسطين بأسرها أوقاف إسلامية لايملك أحد ولا أية جهة، أو قيادة منظمة التحرير أو حتى مؤتمرات القمة العربية حق التنازل عنها أو المساومة عليها بتبادل الأراضي كما ورد في الوثائق التي نشرتها قناة الجزيرة.

    المفاوض الفلسطيني ووثائق الجزيرة:
    نشرت الجزيرة في 23 كانون الثاني 2011 مجموعة من الوثائق السرية المتعلقة بالمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية تضمنت تنازل فريق التفاوض بقيادة محمود عباس عن معظم أجزاء القدس المحتلة عام 1967 وعن الأجزاء المحتلة عام 1948 بأكملها. وقد كشفت الوثائق تنازلات خطيرة ترقى إلى الخيانة الوطنية قدمها المفاوض الفلسطيني الذي يحظى بتأييد قيادة منظمة التحرير ولجنة المتابعة العربية ودول محور الاعتدال العربي.
    وأظهرت الوثائق فضائح أحمد قريع وصائب عريقات وياسر عبد ربه ومحمود عباس في المفاوضات السرية التي جرت مع أولمرت وليفني والعديد من زعماء الكيان الصهيوني، من وراء ظهر الشعب الفلسطيني. وتنازلت السلطة في المفاوضات عن مطالبها بإزالة كل المستوطنات الإسرائيلية في القدس الشرقية، وأعربت عن استعدادها تقديم تنازلات غير مسبوقة في ساحة المسجد الأقصى وحي الشيخ جراح وحي الأرمن؛ إذ تظهر الوثائق أن محمود عباس رئيس السلطة المنتهية ولايته عرض تبادل الأراضي في القدس المحتلة التي أقيمت عليها أحياء ومستعمرات يهودية مقابل أراض من الأراضي الفلسطينية التي احتلتها "إسرائيل" عام 1948. ووافقت السلطة انطلاقاً من الوثائق المنشورة على أن تضم دولة الاحتلال جميع المستعمرات اليهودية في القدس الشرقية باستثناء مستعمرة جبل أبو غنيم.
    وانطلاقاً من محضر اجتماع في 15 حزيران 2008 حضره مفاوضون فلسطينيون وإسرائيليون وأمريكيون قال رئيس طاقم المفاوضات أحمد قريع إن ضم المستعمرات في القدس باستثناء مستوطنة جبل أبو غنيم يمكن أن يساعد في عملية تبادل الأراضي، وأضاف قريع:
    "اقترحنا أن تضم إسرائيل كل المستوطنات في القدس، ماعدا جبل أبو غنيم، وهذه هي المرة الأولى في التاريخ التي نقدم فيها مقترحاً كهذا، وقد رفضنا أن نفعل ذلك في كامب ديفيد (الثانية) عام 2000".
    وكرر صائب عريقات الموقف الذي طرحه أحمد قريع في اجتماع مع جورج ميتشل ونائبه دافيد هيل والمستشار القانوني لوزارة الخارجية الأمريكية جوناثان شفارتس بتاريخ 20 تشرين الأول 2009 وقال:
    "بالنسبة للمدينة القديمة، فإنها تكون تحت السيادة الفلسطينية، ماعدا الحي اليهودي وجزء من الحي الأرمني، ويمكن حل مسألتها ماعدا الحرم الشريف ومايدعونه هم جبل الهيكل. هنا نحتاج إلى أفكار مبتكرة. إنها محلولة لديكم وفق صيغة معايير كلينتون. ويمكن أن يترك الحرم للنقاش لاحقاً. هناك طرق مبتكرة بحاجة إلى أناس مثلي".
    وبلغ عدد الوثائق التي بحوزة الجزيرة(1600) وثيقة تم تسريبها كما ثبت فيما بعد من المكتب الخاص لصائب عريقات، مما أكد صدقيتها وأدى ذلك إلى تقديم عريقات استقالته إلى محمود عباس. وأشارت الوثائق إلى استعداد المفاوض الفلسطيني التنازل عن أجزاء من حي الشيخ جراح عندما عرض قريع في إحدى جلسات التفاوض تبادل منطقة في حي الشيخ جراح بأرض مكافئة داخل أراضي 1948. وتابع عريقات تنازلاته الخطيرة والمذلة عن مدينة الإسراء والمعراج، وقال في اجتماع مع دافيد هيل نائب ميتشل بتاريخ 15 كانون الثاني "إن ما في تلك الورقة (الفلسطينية) أكبر يورو شاليم في التاريخ اليهودي وعودة عدد رمزي من اللاجئين ودولة منزوعة السلاح .. ماذا يمكنني أن أعطي أكثر من ذلك".
    وأبدى عريقات في اجتماعات حصلت في مقر وزارة الخارجية الأمريكية استعداده للتخلي عن الحرم القدسي الشريف وإخضاعه للجنة دولية مقابل السيادة على مساحات أكبر من المدينة القديمة.
    وبحسب وثائق الجزيرة حصل اجتماع بين عريقات وروبرت سيري مبعوث الأمم المتحدة لعملية السلام بتاريخ 13 تشرين الأول 2009 قال فيه سيري أنه التقى مع سلام فياض وقال له: إن الشيء الوحيد الذي نحن بحاجة إليه هو حل مشرف لعائلات حي الشيخ جراح بإعطائهم مبلغاً من المال لاستئجار مساكن جديدة في المنطقة نفسها أي في القدس. وكشف أنه تحدث بشأن ذلك مع الأردنيين. ورد عليه عريقات بأن سلام فياض هو من يجب أن يدفع تلك الأموال للعائلات، لا أنتم ولا الأردنيون.
    وبرر عريقات في الوثائق تمسك سلطته بجزء قليل من القدس بقوله:" إذا غضضنا الطرف عن مثل تلك التسوية، فستكون لذلك عواقب وخيمة على وجود السلطة الفلسطينية والقيادة الفلسطينية" فالهدف من التنازلات الخطيرة التي وصلت إلى حد الخيانة الوطنية هو المحافظة على السلطة وعلى القيادة وعلى المناصب والامتيازات ودولارات الدول المانحة.
    واقترح عريقات بحضور قريع في اجتماع مع حسناء الموساد ليفني أن يكون المستوطنون اليهود الذين يبقون في الضفة الغربية مواطنين كاملي الحقوق في فلسطين مشبهاً وضعهم بوضع العرب داخل الكيان الصهيوني، وخضوعهم للقوانين الفلسطينية كنموذج للتعاون والتعايش بحسب تعليق أحمد قريع على اقتراح عريقات.
    ردود الفعل الفلسطينية على وثائق الجزيرة:
    أدى نشر وثائق الجزيرة إلى حدوث خوف وإرباك وعصبية منقطعة النظير لدى قيادة السلطة وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية، وعلى الأخص صائب عريقات ومحمود عباس وياسر عبد ربه وبطانتهم من المستشارين. وأسهبوا في العصبية وردود الفعل المغلوطة "الكاذبة" وسخرّوا كل ما لديهم من خبرة في التضليل والكذب للإساءة إلى قناة الجزيرة بأنها ضالعة في مؤامرة ضد قضية فلسطين، وأنها زورت على حد زعم عريقات العديد من الوثائق في الوقت الذي تخوض فيه السلطة الفلسطينية معركة حامية الوطيس ضد الاستيطان في مجلس الأمن.
    ونظمت قيادة فتح مظاهرات في رام الله وعين الحلوة تنديداً بقناة الجزيرة لنشرها الوثائق ودعماً لمحمود عباس. واعتبر مناصرو قيادة فتح أن وثائق الجزيرة مفبركة ومجتزأة. وصبوا جام غضبهم على دولة قطر وقناة الجزيرة التي فضحت تنازلات قيادة محمود عباس عن عروبة القدس بشطريها المحتلين وعن الحقوق الوطنية الثابتة غير القابلة للتصرف لشعبنا العربي الفلسطيني.
    وأخذت سلطة أوسلو في رام الله تعيش حالة من الذعر والخوف والقلق من الثورة الشعبية في مصر التي أطاحت بالطاغية حسني مبارك زعيم من أسمتهم رايس بمحور الاعتدال العربي لكونها من محور الاعتدال العربي ومتحالفة مع "إسرائيل" ضد المقاومة المسلحة. وأخذت أبواقهم في رام الله تصرخ وتزعم بوجود مؤامرة على قضية فلسطين تحيكها دولة قطر وقناة الجزيرة.
    إن الذين تآمروا ويتآمرون، وفرطوا ويفرطون بالحقوق الوطنية الثابتة غير القابلة للتصرف لشعبنا العربي الفلسطيني التي اعترفت بها الجمعية العامة للأمم المتحدة هم الذين وقعوا اتفاق الإذعان في أوسلو وواي ريفر ومؤتمر انابوليس وقدموا التنازلات التي وردت في الوثائق الصحيحة التي نشرتها قناة الجزيرة خلال عملية المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، للمحافظة على بقائهم في السلطة وفي قيادة منظمة التحرير الفلسطينية بحسب اعتراف عريقات في الوثائق المنشورة. وتتجلى خيانة المفاوض الفلسطيني في تخليه المسبق عن قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي ومجلس حقوق الإنسان وقرارات عشرات المؤتمرات الدولية التي أكدت على الحقوق الوطنية الثابتة غير القابلة للتصرف للشعب العربي الفلسطيني.
    اشترط المفاوض الإسرائيلي والراعي الأمريكي المنحاز للعدو الصهيوني حذف قرارات الأمم المتحدة وجعل المفاوضات الثنائية هي المرجعية. وتنازل المفاوض الفلسطيني وقيادة السلطة عن جميع قرارات الأمم المتحدة بخصوص القدس وفلسطين، لذلك لم يرد أي ذكر للقرارات الدولية في عملية المفاوضات،كما خلت الوثائق المنشورة من الإشارة إليها.
    وفي الوقت نفسه انطلقت أصوات أبناء المخيمات والجاليات الفلسطينية بعد أن اطلعوا على التنازلات الخطيرة التي قدمتها سلطة أوسلو تقول:"من سمح لهؤلاء (أي قيادة رام الله) بأن يفاوضوا باسمنا، وأن يحددوا العدد الضئيل جداً جداً من اللاجئين الذين سيعودون إلى ديارهم".
    وارتفعت أصوات أخرى من أبناء المخيمات تقول "الله يلعنهم فضحونا أمام العرب، مش قادرين ننظف وسخهم".
    لقد عرت وثائق الجزيرة قيادة السلطة وقيادة منظمة التحرير والمفاوض الفلسطيني أمام شعبه وأمته، على الرغم من أنها ليست بجديدة على المتابع لمسيرة قيادة عرفات ومن بعده قيادة عباس. ولقد قابلت الأوساط الشعبية الفلسطينية والعربية التنازلات الخيانية في الوثائق المنشورة بخيبة أمل كبيرة وبغضب وسخط عميقين باستثناء قلة قليلة من أذناب السلطة وبعض القيادات التي تدور في فلكها. وخشي محمود عباس من أن يلاقي نفس المصير الذي لاقاه حليفه الاستراتيجي حسني مبارك الذي خلعته ثورة الشباب المصري، وشبهه أحد قادة ثورة الشباب العشرة في مصر بالمؤتمر العربي العام لدعم الثورات العربية في بيروت بتاريخ 27/2/2011 بحسني مبارك فلسطين.
    لقد تنازل المفاوض الفلسطيني عن الثوابت والحقوق وقرارات الشرعية الدولية وتآمر عليها وفرط فيها للمحافظة على استمرار السلطة والقيادة الفاقدة للشرعية منذ عام 1984 (عقد المجلس الوطني الانشقاقي في عمان) وبالتالي تكون قد وقعت فريسة سهلة جداً للتخطيط والدهاء الصهيوني.
    وظهر بجلاء من وثائق قناة الجزيرة أن المفاوض الفلسطيني هو الذي قدم ويقدم التنازلات الخطيرة على حساب الشعب الفلسطيني والأمة العربية، بينما لم يقدم المحتل الإسرائيلي شيئاً من التنازلات. وكان الراعي الأمريكي ولا يزال يطلب التنازلات عن عروبة القدس والقبول بالأمر الواقع الناتج عن استخدام القوة والاحتلال والاستيطان، من المفاوض الفلسطيني ومن رئيس السلطة الفلسطينية، ويتبنى في الوقت نفسه الموقف الإسرائيلي.
    قدمت قناة الجزيرة ببثها 1600 وثيقة من وثائق المفاوضات السرية، التي كانت سرية فقط على الشعب الفلسطيني والأمة العربية خدمة كبرى لعروبة فلسطين وثوابت النضال الفلسطيني.
    إنني أحمل القيادة الفلسطينية داخل منظمة التحرير الفلسطيني وخارجها، داخل الأراضي المحتلة وخارجها المسؤولية عما آل إليه الوضع الفلسطيني الذي وصل إلى أسوأ أحواله، كما أحمل محور الاعتدال العربي الذي شجع قيادو أوسلو على الولوج في عملية المفاوضات وقدم لها التغطية العربية من خلال لجن المتابعة وبعض الملوك والرؤساء العرب وعلى رأسهم الرئيس المخلوع حسني مبارك والرئيس بن علي المساهمة في ضياع المكاسب التي حققها النضال الفلسطيني والتغطية على التنازلات الخيانية التي قدمها المفاوض الفلسطيني لكسب رضى الصهيونية العالمية والإمبريالية الأمريكية، وبيع فلسطين لقاء استمرار تدفق مليارات الدولارات من الدول المانحة والتمسك بالمناصب والامتيازات وعلى حساب الحقوق الوطنية الثابتة غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني.
    لقد شعر المقدسيون في القدس المحتلة والفلسطينيون والعرب والمسلمون بالغضب والاستنكار الشديدين حول ما نشرته قناة الجزيرة من الوثائق السرية التي جرى تسريبها من مكتب مسيلمة الكذاب صائب عريقات كبير المفاوضين في منظمة التحرير الفلسطينية حول المسجد الأقصى والبلدة القديمة وخاصة حي الشيخ جراح والقدس بشطريها المحتلين، والتنازل عن أحياء مقدسية متاخمة للمسجد الأقصى، وتبادل الأراضي في القدس والتفريط بحق عودة اللاجئين إلى ديارهم.
    وكان لحجم التنازلات الخيانية الخطيرة في المفاوضات حول القدس وأحيائها ومقدساتها وطابعها وهويتها أثر كبير في نفوس المقدسيين وبقية الفلسطينيين، وولد حالة من اليأس والإحباط والغضب لديهم، لاسيما في هذه المرحلة التي صعّد فيها العدو المحتل من تدمير المنازل ومصادرة الأراضي وبناء الأحياء الاستعمارية عليها. وانطلقت عدة مظاهرات ومسيرات من المسجد الأقصى والمخيمات الفلسطينية في سورية ولبنان تطالب بمعاقبة من يفرط بمدينة الإسراء والمعراج وبفلسطين، كما طالبت بالدفاع عن عروبة القدس والمقدسات العربية فيها.
    وأكدت القوى والشخصيات الوطنية والدينية ومؤسسات المجتمع المدني المقدسية عن رفضها التنازل عن الثوابت وكل ما يتعلق بالقدس وحق العودة. وشجبت في بيان أصدرته عمليات التهويد وهدم المنازل في أحياء القدس القديمة وترحيل المقدسيين من منازلهم ومصادرة الأراضي الخاصة والعامة والوقفية وبناء المستعمرات اليهودية فوقها، وسياسة إبعاد الشخصيات الوطنية وعلى رأسهم نواب القدس من حركة حماس وغيرهم من المناضلين الذين أبعدوا من لجنة حي البستان والشيخ جراح وسلوان.
    وتضامنت القوى الوطنية والإسلامية في فلسطين المحتلة عام 1948 وأكدت في بيان وقعت عليه على التمسك بعروبة القدس، ورفض التنازل عن الثوابت الفلسطينية وعلى رأسها حق عودة اللاجئين إلى ديارهم واستعادة أرضهم وممتلكاتهم، وتفكيك جميع المستوطنات في أراضي الضفة الغربية المحتلة بما فيها القدس، ورفض التبادل السكاني بوصفهم سكان البلاد الأصليين وأصحابها الشرعيين. ووقع على البيان المذكور: الحركة الإسلامية، والتجمع الوطني الديمقراطي، والحزب الديمقراطي العربي وحركة أبناء البلد والحزب القومي العربي، وذلك في أعقاب نشر بعض وثائق المفاوضات في قناة الجزيرة.
    وظهر بجلاء أن قيادة منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية فاوضت وتفاوض في أقبية أوسلو وواشنطن واستوكهولم السرية من وراء ظهر الشعب الفلسطيني وبدعم من السمسار حسني مبارك ومحور الاعتدال العربي. وشجع موقف المفاوض الفلسطيني ومبارك دولة الاحتلال على تصعيد الاستيطان في القدس وهدم منازل المقدسيين وبناء الأحياء الاستيطانية في البلدة القديمة.
    الخلاصة:
    يجسد الاستيطان اليهودي في القدس أبشع أنواع الاستعمار الاستيطاني والتطهير العرقي القائم على التوسع والإرهاب والعنصرية والترحيل، وجريمة حرب ضد الإنسانية واستهتار فظ بحقوق العرب والمسلمين.
    إن المساومة على القدس والتنازل عن السيادة عليها والموافقة على ضمها والاعتراف بأنها عاصمة الكيان الصهيوني الموحدة، والمفاوضة على موضوع الأقصى يُعدُّ خطاً أحمر لا يجوز المساس به، لأنه لا يحق لأحد التفريط بذرة من ترابها المقدس، ومازلنا على الوعد مع الله والشعب والأمة لحماية الأقصى وتحرير القدس، فهذه أمانة الأجيال تلو الأجيال إلى يوم الدين.
    وكشفت استقالة صائب عريقات بعد فضيحة الوثائق التي بثتها قناة الجزيرة وتسريبها من مكتبه عدم شرعية المفاوض الفلسطيني والمفاوضات شعبياً ودستورياً، وبالتالي سقطت شرعية المفاوضات وظهرت صدقية وثائق الجزيرة التي فضحت التنازلات الخطيرة التي قدمتها قيادة فتح والسلطة ومنظمة التحرير للعدو الصهيوني. ويتوقع الإسرائيليون أن تتجمد عملية المفاوضات لمدة طويلة بسبب التطورات الجارية في البلدان العربية ضد الأنظمة العربية التي تسير في الفلك الأمريكي ويمكن القول أن الثورات والانتفاضات الشعبية في تونس ومصر وبقية البلدان العربية المرتبطة بالمشروع الأمريكي الصهيوني قد أثرت تأثيراً مباشراً على المفاوضات واستمرارها وعلى خيار التسوية الأمريكية.
    وتعيش قيادة فتح والسلطة ومنظمة التحرير بعد خلع مبارك حالة من التأزم والإحباط والقلق لانسداد مشروع التسوية الذي راهنت عليه، وبعد أن كذبت على الشعب والأمة وباعت الوطن وحق عودة اللاجئين إلى ديارهم وعروبة القدس.
    وعبر محمود عباس بعد خلع مبارك وبن علي عن خشيته أن يكون قد جاء دوره قائلاً "الله أعلم من سيكون بعد ذلك ومن الممكن أن نكون نحن"
    وهنا لا بد من تحذير قيادة السلطة وقيادة منظمة التحرير وفصائل أوسلو، ولجنة المتابعة العربية وكل من تسوّل له نفسه التفريط بثوابت القضية الفلسطينية وحقوق الأمة العربية والإسلامية، وأن أحداً منهم أو جميعهم لا يملكون حق التنازل عن ذرة من تراب القدس وأكنافها المقدسة.
    ولا يجوز التنازل شرعاً ووطنياً عن شيء من أرض فلسطين والمقدسات الفلسطينية، كما لايجوز الاعتراف للعدو بأي شكل من أشكال السيادة على القدس، مسرى النبي محمد صلى الله عليه وسلم ومعراجه إلى السموات العلا، ولا عن أي جزء من المسجد الأقصى المبارك لا فوق الأرض ولاتحتها، ولا داخل البلدة القديمة ولا خارجها.
    لقد حان الوقت بعد مضي حوالي سبعة عقود من إقامة "إسرائيل" إلى وقف كافة أشكال التفاوض والتطبيع معها والعودة إلى استخدام القوة وخيار الجهاد والمقاومة باعتبار الخيار الوحيد المتبقي لنا لاستعادة الأرض والحقوق المغتصبة وتحرير القدس والمقدسات من الصهاينة أعداء الله والوطن والإنسانية جمعاء.














    أبرز عناوين سودانيز اون لاين صباح اليوم الموافق 20 مايو 2017

    اخبار و بيانات

  • كاركاتير اليوم الموافق 21 مايو 2017 للفنان الباقر موسى عن علي إن لاقيتها..
  • انتخاب لجنة جديدة لمنتدى شروق الثقافي بالقضارف
  • برعاية النائب الأول لرئيس الجمهورية : بداية اجتماعات اللجنة التنفيذية لمجلس العلماء والخبراءالسودا
  • ليبرمان:التحالف السعودي الإسرائيلي سيكون مقدمة للسلام العالمي
  • بيان هام من مكتب الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان-شمال المملكة المتحدة وجمهورية آيرلندا
  • تحالف المزارعين:يشكل لجنة خماسية لحصر ممتلكات قوز كبرو
  • خطاب الإمام الصادق المهدي رئيس الحزب بمدينة الابيض في زيارة حزب الأمة القومي لولاية شمال كردفان


اراء و مقالات

  • الجالية السورية بالسودان بقلم د.آمل الكردفاني
  • الاخوين وحماس وجبريل رجوب بقلم سميح خلف
  • وادي الذئاب بالعراقي بقلم اسعد عبدالله عبدعلي
  • انتصار الأسرى نصر لكل فلسطين بقلم د. فايز أبو شمالة
  • مشروع إسقاط الأخلاق.. بقلم نور الدين عثمان
  • العالمٌ في كفّك! بقلم د.أنور شمبال
  • رجعية الشرق أوسطية هو دافع اْدم لفرض سطوته على حواء ..!!؟؟ بقلم د. عثمان الوجيه
  • الاختفاء القسري لتحقيق غاية إرهابية بقلم د. علاء إبراهيم الحسيني/مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريا
  • الدستور الأمريكي يحول دون ترامب والبشير بقلم مصعب المشرّف
  • يا عبد البارئ عطوان أرفع يدك عن السودان ! بقلم عثمان الطاهر المجمر طه
  • الحاج آدم لا يريد أن يكبر! بقلم عثمان محمد حسن
  • حكاية فيل أبيض بقلم عبدالله علقم
  • الاستجواب البرلماني في العراق بين البعد القانوني والهدف السياسي بقلم علي مراد العبادي
  • إذلال البشير وتخبطات طاقمه الدبلوماسي بقلم صلاح شعيب
  • حكومة والناس مكلومة * بقلم عبد المنعم هلال
  • السذاجة اللّزِجـة بقلم شهاب طه
  • هل استغنى النظام عن التنظيم؟ بقلم عبد الله الشيخ
  • سحب (الجنسية) من مساعد الرئيس،،وعادت الإعلانات لصحيفة سوداني ولم تعد سهير عبد الرحيم/بقلم جمال السر
  • الدولة المدنية في المنظور الإسلامي عهد الامام علي (عليه السلام) لمالك الاشتر إنموذجاً
  • من يحاسب وزارة الخارجية ؟! بقلم حيدر احمد خيرالله
  • القتل عقوبة مروجي (البنقو) بقلم د. عارف الركابي
  • خمس نخلات لجدتي...!! بقلم عبدالباقي الظافر
  • الجهنمية !! بقلم صلاح الدين عووضة
  • سانِدوا ذاكر عبد الكريم .. الرجل الأمة بقلم الطيب مصطفى
  • من يصب الزيت على النار لا يريد خير لأهله بقلم محمود جودات
  • القمة الاسلامية- الامريكية..تخلف راس الدولة يعود با السودان للمربع الاول..! بقلم الصادق جادالله كو
  • المذوبون في السلطة بقلم نور الدين عثمان
  • فطاحلة أم درمان وذاكرتها التاريخية بقلم بدرالدين حسن علي
  • صورة نادرة ومناسبة نادرة أيام العصر الذهبى ! بقلم الكاتب الصحفى عثمان الطاهر المجمر طه
  • اوردوغان دبر انقلاب ضد نفسه والمصريين انقذوا ليبيا والسودان من العبودية لتنظيم الاخوان بقلم محمد فض
  • الفلسطينيون يطعنون أسراهم ويجهضون إضرابهم الحرية والكرامة 22 بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي
  • أيها الدواعش هل تفقهون معنى جنكيزخان ؟ بقلم الكاتب العراقي حسن حمزة
  • وأنتم على الأبواب .. الأمر متروك لكم. بقلم نورالدين مدني
  • نائباً أول ورئيساً لمجلس الوزراء...؟ بقلم الطيب الزين
  • تعقيب علي ورقة مقدمة في منتدى حشد الوحدوي الشامل بقلم علي النور داؤد

    المنبر العام

  • والى الخرطوم يقر بالفشل ولكنه باق على رقابنا فلايستقيل ولا يقال
  • شيله يمنيه للجيش السوداني في اليمن
  • لم يرقص ترامب على الدلاليك وهى السبب....
  • هجوم غادر من ليبيا وجنوب السودان ... يوجد بيان
  • ..ماذا تريد امريكا من السودان..؟
  • النجيضة المناضلة تراجي ساكنة في( الهيلتون سابقا) من تاريخ 18/ديسمبر2015
  • تراجي و الهلتون ( يخس.. عليك.. ) التعليق متروك للمواطن
  • إنتظار
  • إشتراها ب19 الف و باعها ب 11 مليون دولار. لوحة لباسكيا
  • يا قباني...بعيدا عن الاصبع الوسطى.
  • هكذا يستقبل الرؤساء..ترامب يقدل فى الرياض.
  • حاجة آمنة اتصبري
  • الحكمة في اعتذار البشير: المشكل ليس سودانياً بل مأزق أمريكي...؟!
  • .. الفنان العبقرى ..المبدع..دكتور عبد الكريم عبد العزيز محمد الكابلى
  • الرياض تستضيف ترامب وقادة آخرين وتستمر في اعتقال مواطنين سودانيين بلا تهمة
  • ابداااااع .. (صورة للبشير)
  • أفسح السكة يا ود الباوقة ,ابعد من شوارع الرياض.
  • إمام المسجد الحرام: قمة الرياض مع ترامب "مباركة"
  • الملك سليمان يصافح ملينيا ترامب .. غريبة شوية
  • بئس المصير أيها المعتوه الأرزقي,, عقبال الرويبضة والنطيحة وما أكل السبع
  • «الضرا» .. ماركة سودانية مسجلة
  • مدير مكتب البشير يصل الرياض للمشاركة في القمة الاسلامية الامريكية
  • الزول دا انا كان حبيتو خاتية عليهو ؟ ( للمجيهات والمجيهين فقط ) .
  • الفنان الراقي شرحبيل أحمد يجري عملية جراحية اليوم -دعواتكم له بالله
  • نضال هشام هباني
  • دقش
  • رسالة...
  • أقمارٌ في النُّونِ
  • قريبا جدا ,, اللصوص يبيعون زعيم العصابة (تراجديا الانقاذ)
  • أمير قطر استاد خليفة الدولى جاهز لكاس العالم 2022 ورئيس الفيفا منبهر بالانجاز المبكر
  • الغرامة لشاب وفتاة بسبب صورة (سيلفي)(صوووور)
  • السودان: مجلس الأمن سيناقش في يونيو تنفيذ توصيات خروج (يوناميد)
  • الحكومة وحركات دارفور تناقش في برلين علاقة وثيقة الدوحة بالمفاوضات المقبلة
  • فضل صيام رمضان -- للشيخ إبن باز عليه رحمة الله -- رمضان شهر التوبة
  • باوقة و بقية الصفيقة معزومين في بوست اخونا كمال عباس
  • بعض القروبات النسائية المغلقة في وسائل التواصل هل تحرض المرأة على زوجها ؟
  • اللهم إليك أشكو ضعف قوتي ، وقلة حيلتي ، وهواني على الناس..
  • اما ولم تنتهي بعد جوطة ترامب/البشير, فماذا بعد؟!!
  • سؤال يطرح نفسه على كل سياسى وعسكري سوداني
  • إثيوبيا ترفض منح أعضاء تشريعي القضارف تأشيرات دخول
  • Middle Finger عدييل كده يا عمر دفع الله ...
  • وصول 1200 جندي سوداني الى حضرموت
  • جريمة اغتيال الدولة السودانية
  • كلمات الشاعر عمر البشير
  • دكتور أحمد المصطفى دالي في قناة المقرن.. مناهج فكرية .. فيديو
  • العرجا لي مراحا!!!
  • عبدالرزاق الربيعي: من قصائد الحرب إلى قصائد الحب
  • رمضان كريم عليكم .
  • البرلمانية تراجي في دوري المجموعات..























  •                   


    [رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

    تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
    at FaceBook




    احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
    اراء حرة و مقالات
    Latest Posts in English Forum
    Articles and Views
    اخر المواضيع فى المنبر العام
    News and Press Releases
    اخبار و بيانات



    فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
    الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
    لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
    About Us
    Contact Us
    About Sudanese Online
    اخبار و بيانات
    اراء حرة و مقالات
    صور سودانيزاونلاين
    فيديوهات سودانيزاونلاين
    ويكيبيديا سودانيز اون لاين
    منتديات سودانيزاونلاين
    News and Press Releases
    Articles and Views
    SudaneseOnline Images
    Sudanese Online Videos
    Sudanese Online Wikipedia
    Sudanese Online Forums
    If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

    © 2014 SudaneseOnline.com

    Software Version 1.3.0 © 2N-com.de