براشد دياب للفنون كالعادة إستعدنا بعضُ أفكارٍ عن الفن النبيل كنا ظننا أنها تاهت عن الذاكرة وذهبت بلا عودة إلى عالم النسيان ، موضوع المنتدى الراتب الذي أقيم أول أمس الأحد بعنوان (روح الجاز) ، إتسق تماماً مع سمات الأستاذ المبدع كمال كيلا وهو المُكرَّم والمُحتفى به في تلك اليلة ، وكما إستمتعنا بخمسين عاماً سابقة من فنه وعطائة الثر ، كان على قدر التحدي في يوم تكريمه وفاجأ الجميع بالجديد من أعماله الراقية رغم ما يعانيه من مرض ورغم ما يعانيه زماننا هذا أيضا من (أمراضٍ) شتى طالما أقعدت بالكثير من المبدعين الحاديبن على رفد هذا الوطن وهذه الأمه بعض إشراقاتٍ إحتواها منتوجهم الفني والأدبي ، أكثر ما شدَّني في حديث الذين تحدثوا في تلك الليلة ما قاله الفنان الكبير المبدع صلاح براون وهو أحد الأعمدة الفنية والنظرية التي قام عليها فن موسيقى الجاز بالسودان ، وأقول موسيقى الجاز للإستدلال السريع على ما نحن بصدد الحيث عنه ، بالرغم من أن الأستاذ صلاح براون لديه رأي صريح وواضح حول المصطلح ، حيث يراه من وجهة نظر فنية بحته لا يتناسب ومواصفات ومعايير هذا الفن الذي شغل الناس في السودان يوماً ما ، مع ما يميِّز موسيقى الجاز العالمية من حيث الشكل والمضمون فيما يتعلَّق بإسلوب الأداء وتكوين الآلات الموسيقية المصاحبة لتلك الأغنية التي قام صلاح براون وكمال كيلا وشرحبيل أحمد وآخرين برسم معالمها الرئيسية والفرعية رويداً .. رويداً عبر فكرة التجريب و الإنحياز المُطلق للإتجاهات التجديدية بأدوات عديدة أهمها فتح المجال واسعاً أمام تيار التأثير والتأثر ، فكان نتاج ذلك أن أصبحت الكثير من الآلات العالمية غير المعروفة في السودان سابقاً جزءاً أصيلاً ومستساغاً من مضمون العمل الموسيقي السوداني بشتى ضروبه ، غير أن ما شدَّني إلى إشارات صلاح براون الصادقة والصارخة حول مسيرة كمال كيلا وتاريخ الأغنية السودانية المُستحدثة (أغنية الجاز) ليس موضوع أدوات بنائها و لا تصنيفها و لا حتى تناسب المصطلح الذي لازمها طيلة السنين الماضية و حتى يومنا هذا ، بقدر ما شدَّني حديثه الذي لم يُكمله لضيق وقت البرنامج والمُتعلِّق بمبدأ (العدالة) في مضامين وأشكال البث الإعلامي الذي تضطلع به المؤسسات الإعلامية المقروءة والمسموعة والمشاهدة ، فنحن على ما يبدو قد حان الأوان لنواجه هذه الحقيقة المُرة والتي تفيد أن مساحات بثنا الإعلامي لا تُعبِّر تعبيراً حقيقياً عن الواقع الإجتماعي العام والسائد في بلادنا ، فمن وجهة نظر (المنطق) و(العدالة) تحتاج الفنون والإبداعات والموروثات الثقافية (الإفريقانية) في السودان إلى الحصول على (مساحاتها) الواقعية والعادلة في أسافير البث الإعلامي الرسمي والخاص ، صلاح براون فتق الجرح القديم ليسهل تطهيره وعلاجه ، فأغنية الجاز لم تجد من بين مؤسسات البث الإعلامي من يساند وجودها وإستمرارها في ذهن المُتلقي ، كما أن ذلك كان كفيلاً بقطع أواصر تواصل الأجيال في رحابها بالقدر الذي أوقف في محتواها أداة التجريب والتجديد ، غير أني أقول لأستاذنا البشوش ذو الصدر الرحب صلاح براون إن غداً لناظره قريب وسترى عن قريب أن مُجمل شبابنا (المضلّل) ثقافياً وفنياً سوف لن يجد مُتكأاً يحميه من الإستلاب الثقافي الخارجي غير ظِل المحاولات التجريبية والتجديدية التي تتربع على عرشها أغنية الجاز.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة